تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وديعة...حين ينامون



رشدي مصطفى الصاري
03-04-2009, 03:28 PM
وديعة – حين ينامون
المقت مرض هذا العصر--- اضطراب وضبابية في الرؤيا وعدم اتزان في تصرفاتي, وكأن أعراض هذا المرض قد تسللت إلي في ذلك الأسبوع؛ فبدأت
أشك بقدرتي على تقييم الأشياء .
الرابعة بعد منتصف الليل يد خفية أيقظتني صحوت من نومي، جلست حائراً لا أدري ماذا أفعل ؟
ارتديت معطفأً خفيفاً ، وخرجت هائماً إلى شوارع مقفرة إلا من مرور قط خائف أو كلب جائع .
مشيت لأكثر من ساعة على غير وجهة... وأخيراً ساقتني قدماي إلى المقبرة التي تمكث على هضبة اعتلت ناصية البلدة .
السلام عليكم:
تحية محفوفة بالمهابة والخوف المكبوت ,اتجهت نحو قبر أبي ؛ جلست بجانبه أقرأ –الفاتحة- وأصغي بحثا عن الصفاء، كنت أتوق إلى من أكنُّ إليه علّي أجد الصدق والإخلاص فلم أجد بُداً من الأبوة.
كانت تباشير الفجرقد أدمغت وجه السماء بانشقاقها عن بعض من لحمتها الحمراء, ونسمات عليلة تلامس جبيني لتفضي هدوءًا وسكينة, صوبت النظر لآلف أمامي سلسلة من الجبال والوديان رابضة تضفي على المكان وحشة ورهبة .
رفةُ رمش واحدة ارتد نظري بعدها باتجاه البلدة التي أقبع على ناصيتها,
كانت تبدو رزينة هادئة .
البيوت تصطف بجانب بعضها ؛ وكأن القائمين عليها كانوا يهدفون من اجتماعهم هو التعاون والتكاتف على الحياة .
وديعة بمظهرها، جميلة، كل شيء ساكن, الرتابة والخضرة تكللها, وتزيدها أناقة.
لبرهة انتابني هذا الشعور، وما لبث يغادرني عندما بدأت أحدق في ذلك الشبح الذي بدأت ظلاله تتحرك باتجاهي، وكأنه هائم مثلي يبحث عن خلٍ يكن إليه ؟
لبرهة تجلى بسرواله القديم وتجاعيد وجهه الداكنة وقسماته البائسة,
كان هرماً أخذت منه السنون، فانحنى ظهره وبدا تعبه وهروبه.
السلام عليكم :
جلس قبالتي مسترخياً على الأرض التي آثرها مقعدا بدلا من حجارة القبور ,
قرأ -الفاتحة- بصوت خافت وما لبث أن أعقبها جهراً- سورة يس- وكأن صوته أضفى على المقبرة شيء من حزن مفقود وبينما يتلو وأنا أتباين آية وأخرى بشعور مختلف وأحاسيس عجيبة ....انتهى- صدق الله العظيم - .
اقترب مني مددت يدي أبحث عن بعض النقود في أحد جيوبي ظنا مني بأنه من أولئك المقرئين إلا أن يدي تجلدت عندما بدأ متحدثا, وهو ينظر باتجاه تلك الجبال قائلاً:
وهبته كل ما أملك ----أرضي ومالي حتى منزلي- الذي لم يعد لي مأوى سواه - سجلته باسمه توفيت أمه وهو صغير فكان وحيدي , بل كل دنياي .
كنت أرقب عوده وهو يقسو, في كل يوم يكبر وسعادتي تكبر معه .........أنهى تحصيله الجامعي .. تزوج من زميلته، وما لبث أن فاجأني بأنه سيرحل إلى المدينة ....حزنت كثيرا لكنني تقبلت شريطة ألا ينقطع عن زيارتي في كل أسبوع، إلا أن زيارته بدأت متقطعة في بادئ الأمر إلى أن أصبحت بالمناسبات.
وبعد غياب طويل!!!. ومنذ أسبوع تلقيته بأحضاني عندما طرق بابي في ذلك الصباح ظننته أنه الشوق إلى أبيه, كابرتُ دموعي التي أصرّت أن تتناثر لرؤيته.
وبعد حين من وصوله طرح مال أتوقعه يوماً يريد أن يسكنني في المدينة قريباً منه..... غص ذلك الشبح, وسكت حيناً, وكأن الكلمات علقت في حنجرته!! وأرخى اللجام لذكرياته التي قادته عنوة إلى الماضي ثم ما لبث أن أردف قائلا: يريد أن يضعني في دار المسنين؛ لهفة منه على شيخوختي ووحدتي ؛ ووفاء منه على رعايتي له, طبعا رفضت وقاطعت ولدي, وأول البارحة طرق بابي أحدهم !! ليبلغني بأن أفرغ حاجياتي من الدار التي أقطنها لأن ولدي قد باع الدار ...وسكت العجوز طويلا!!! وما لبث أن تركني ---------.
وراح يتجول بين القبور , وكأنه يبحث عن مسكن جديد ---------
وارتد الطرف بي عائدا يشق طريقه عبر تلك الجبال والوديان و تساؤلات أرهقتني ؟ هل وجدت تشخيصا لهذا المقت, وكيف لا؟ والمقت فقدان للسعادة , ولا سعادة بلا رضا ء ، ورضا الذات يكمن في رضاء الله (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )) –صد ق الله العظيم - ومن رضاء الله رضا الوالدين , ومعظمنا في خصام دائم مع ذاتنا وإنسانيتنا, نحيا ملكاً لأنانيتنا, ورغباتنا , وأنى لنا؟ بلوغاً تلك السعادة--- وذلك الرضا
وكأن السماء غضبت وهي تصغي لقصة هذا الطيب فبدأت تقشع غيومها السوداء علّ الفجر يشرق .
فسارعت أناجيها أرجوك لا توقظيهم ....... دعيهم
فكم أنت وديعة يا بلدي حين ينامون

د. نجلاء طمان
09-04-2009, 11:28 AM
وديعة حين ينامون, قصة اعتمدت السردالمباشر, وكان الخيط الحبكي مشدودًا بقوة موازية للسرد خلال الحكاء الذي امتد من البداية وحتى النهاية. البعد النفسي يعبر عن نفسه بقوة في القصة وخاصة في نفسية البطل الموازي للحاكي. البداية طالت بلا داعٍ وكان يمكن الاستغناء عنها لتبدأ القصة من " الرابعة....", والتدرج في الحكاء كان متناسبًا مع الحالة الشعورية. القفلة النهائية ابتدأت منذ " ارتد الطرف..." وكانت تحتاج مزيدًا من الاشتغال, فقد دخلت في مناجاة نفسية أساءت للخاتمة القصية, وأدخلتها في خط الخاطرة.

تقديري

رشدي مصطفى الصاري
09-04-2009, 10:08 PM
الفاضلة د.نجلاء

بداية أشكر لك طيب المتابعة والاهتمام

لكنني قد اختلف معك في الرأي مع جُلّ الود والاحترام

سيدتي الفاضلة

المقت آفة من آفات العصر وهو السبب الذي وضعني في حالة من القلق وعدم القدرة على النوم

إن هذه المقدمة التي عبرتُ من خلالها الى قصتي هي متلازمة تفسر المرض الذي يعاني منه الكثير والذي هو جوهر

موضوعي , ولو أنني بدأت من الرابعة بعد منتصف الليل لأظنني أضعت جوهر ما أريد

وكم أعشق (جبران خليل جبران )عندما يحلق في عوالم لايمكن للقارئ أن يصل إليها إلا عندما ينطق بحكمة أو فلسفة

تفسر ما وراء سطوره

لو تمعنّا سيدتي الفاضلة قليلاً لوجدت ترابطاً عنيفاً ما بين ما بدأت فيه وماانتهيت إليه .

باستثناء بعض الوقفات التأملية لبطل القصة والتي تحتوي على بعد روحي عميق لا أظنه قد أساء للقصة بشيء

حيث أنني لم أخرج عن السرد الحكائي ,إنما أضفيت صدى روحياً لآثام انسانية تقترف في كل لحظة

أخيراً أيتها الأديبة أنحني أمام هامتك الأدبية ولنطلق العنان لأرواحنا علّها تحلق في عوالمنا السخية

ودمتم ------------------------------------- د. رشدي

مازن لبابيدي
23-04-2009, 06:25 AM
الأخ الأديب (وأظنك طبيباً) رشدي الصاري
تقديري الكبير لقصتك الرائعة أخي .
إن العقيدة الصحيحة وحسن التوكل على الله تعالى والرضا بقضائه والسعي لإرضائه هي مفتاح السعادة الحقيقية في الدارين بإذن الله .

الدكتور ماجد قاروط
23-04-2009, 09:53 AM
أنت تملك بحق أيها الأديب الكبير الكثير من مقومات الإبداع ،
فأنا لم أشعر بلحظة ملل واحدة و أنا أقرأ النص السابق
، و يدل ذلك على أننا أمام أديب كبير يعرف كيف يتناول لغته الفنية .

رشدي مصطفى الصاري
23-04-2009, 11:55 AM
الأخ الأديب (وأظنك طبيباً) رشدي الصاري
تقديري الكبير لقصتك الرائعة أخي .
إن العقيدة الصحيحة وحسن التوكل على الله تعالى والرضا بقضائه والسعي لإرضائه هي مفتاح السعادة الحقيقية في الدارين بإذن الله .



الفاضل د. مازن لبابيدي
اشكر مرورك الغالي ---
سيدي الفاضل
بمثل قراءاتكم تبلغ الغايات أهدافها ,,وأظنكم لامستم شغاف ما أصبو إليه بعميق إحساسكم
صفحتي إزدانت وضاء ت بقلمكم
د. رشدي

رشدي مصطفى الصاري
23-04-2009, 12:08 PM
أنت تملك بحق أيها الأديب الكبير الكثير من مقومات الإبداع ،
فأنا لم أشعر بلحظة ملل واحدة و أنا أقرأ النص السابق
، و يدل ذلك على أننا أمام أديب كبير يعرف كيف يتناول لغته الفنية .






الدكتور الكبير ماجد قاروط
سيدي الفاضل
إحساسي يغرف من البحر وبلاغتكم كنقش في الصخر
أسعدتني كلماتك أ يها الفاضل ,لأنها صدرت من قلبكم الكبير النقي
ودمتم-----وليبقى قلمك منارة للإبداع

آمال المصري
08-05-2009, 04:32 PM
وديعة ... حين ينامون ..!
قصة تحمل عظة وعبرة بعيدة العمق .
بين طياتها المتراصفة في ورودها ..
المترابطة في كلماتها وتمكنها .
أستاذي الفاضل /الدكتور رشدي
لاشك أنك أبدعت في حبك خيوط السرد ,
وقدمت لنا هذه الوجبة بشكل شهي لانمل من تناوله
كنت هنا ودهشت كيف فاتتني هذه الدرة السنية .
مساؤك عبهري ندي















مال أتوقعه - مالم أتوقعه

رشدي مصطفى الصاري
08-05-2009, 10:01 PM
أختي رنيم
هاأنا أراك كاالفراشة البيضاء تتنقل من زهرة الى زهرة في حديقة الأدب هذه فتنعشي ذبول تلك الورود
بندي كلماتك العذبة وصفاؤك المعهود
خالص ودي أيتها الفاضلة

ربيحة الرفاعي
16-01-2013, 07:54 AM
شائق سردك شدني للنص وأغرقني في عمق حسه وثقيل محموله الانساني
قصة ماتعة طابت لي قراءتها

دمت بألق

تحاياي

آمال المصري
16-03-2013, 01:53 AM
جميلة شائقة بسرديتها وقدرة فائقة على الحكي والتقاط الفكرة وصياغتها بأسلوب مائز
بوركت أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
18-08-2013, 09:26 AM
قصة جميلة ومشوقة وهادفة أيضا
أمتعتني قراءتها وأثرت في نفسيتي جدا

شكرا لك اخي

بوركت

رشدي مصطفى الصاري
03-11-2013, 09:13 PM
شائق سردك شدني للنص وأغرقني في عمق حسه وثقيل محموله الانساني
قصة ماتعة طابت لي قراءتها

دمت بألق

تحاياي

الأديبة والناقدة المتميزة واللغوية المتمكنة ربيحة الرفاعي
أرى في خيالك القصصي المشبع بلغة تصويرية عذبة..مادة ابداعية تثير فضولي الأدبي دائماً..؟
مودتي

ناديه محمد الجابي
29-01-2014, 11:50 AM
وديعة .. حين ينامون
قصة أخذت بمجامع قلبي فدمعت عيني
إنها لا تناقش قضية المقت فقط ولكن أيضا العقوق
لغة قوية هادفة وسبك متين وخيال محلق وفن في
صياغة القصة وألق في الأداء.
دمت مبدعا.