تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بوابة النضوج



رشدي مصطفى الصاري
10-04-2009, 02:59 PM
بوابة النضوج
عقدٌ من الزمن ولّى بعد أن عبرتُ من بوابة فصلت بين ريعان الشباب وأفقه النظرية الفطرية أيام الدراسة وبين حياة أخرى عملية مارستها من خلال عراكي ومهنتي والمجتمع وشتان ما تفصل تلك البوابة ----
فقبل العبور حملتُ بين أطيافي حلماً أودعته كلّ طموحاتي, فكنت أرنو إلى الحياة بنهم وعشق عجيبين ---أريدها بكل تفاصيلها عقيدة ومالاً ---علماً
ومتعة وسلطة, كل ما فيها أحببته بلا منازع.
وهبت الريح تتقاذفني وما لبثت تذرني وسط ركام من الخلق والبشرية
ومع أنني كنت أجد من أفضي إليه بما في جعبتي اليومية من حقائق ومشاكل ---
وصدمات ---
فكان يعينني بما يملك لمواجهتها, لكن السنين أفقدتني ما كنت أحتمي برؤيته
وخبرته
وبتُ وحيداً هائماً وسط رياح تعصف من كل صوب ,وها أنا أتساءل وأتحير؟ كيف النضوج وما السبيل إليه ؟
فالهنّاتُ الكثيرة التي أقع بها في كل موقف بل في كل لحظة أحياها
والنهايات التي لم أعد أشارك في بداياتها أصبحت تزيد من قلقي وتلحُّ في سؤالي أن أحثَّ الخطى إلى النضوج.
فاتجهت إلى السياسة فخبرتها فن للمكر, ونكران للجميل, وتقويض للذات
وإنقاص للحرية مما زاد في اضطرابي وحيرتي فهجرتها---
والتمست طريق الفن علّه يهدئ من روعي ويكون معيناً يضفي على قراراتي رومانسية- ويهيأ لنضوجي – لكنه اختار حيزاً ضئيلاً من ذاتي
واستكان
وعدت إلى المال فألفت الحصول عليه صعباً إن أثرت الضمير وسهلاً
إن تجاهلته مما زاد في إرباكي --- بل من علامات استفهامي؟
ياترى ؟ إذا نلته هل سأجد ما أصبو إليه من نضوج.
وما لبثت أن هجرته وقلت لا حل لمشكلتي إلا الناس ففيهم علتي ودوائي ---
فتراني متنقلاً هنا--- وهناك --- متوسماً في صداقاتي وعلاقاتي ,مدّعياً الاجتماعية ويا ويلي كم آذتني تلك الاجتماعية
فما من جليس حضرته إلا وأبقاني الليل يقظاً مستنفراً أحاول إعادة التوازن لضغطي الدموي.
وما من خل ٍ أنسته إلا وفجعني آخر المطاف بميزة لا تمت إلى الرجولة أو الصداقة أو إلى ذاتي بصلة .
كل جولاتي التي استنفذتها بحثاً عن غايتي لم أدرك لها قرارا ً ولا سبيل
أتراني أم تراني كنت أبحث عن عقل مفكر --- أم صدرٍ واسع رحب
ما عدت أدري ؟ تراجعت بخطواتي وبدأت أحتاط في صداقاتي وسهراتي
وأبقيتها حكراً على من تفتحت عقولهم ورجفت قلوبهم أمام العطاء والإبداع
لكنني مع كل هذا لم أشفي غليلي بما أصبو إليه من نضوج مزعوم ---
أخيراً التمست نور العقائد والأديان --- وعشت قدسيتها
فهدأت روحي----- واستكانت حيناً
وفي لحظة صحوت من تخبطي وسط هاجس يدفعني إلى الشعور أو القول
أهناك من يحاول إنقاص نضوجي و يذوب إبداعي ويفقدني هويتي؟
أيا ترى هل أستطيع أن أدرك تلك اليد الخفية وأصل إلى الجسد الذي يحتويها
أم أكون من بقايا ركام الجرف الحاصل بفعل التيار أم أعزي ضعفي إلى تلك
التي يسمونها العولمة ---
وأعلن أمامها استسلامي ما عدت أدري ؟.........

د. نجلاء طمان
10-04-2009, 05:10 PM
بين خضم مجادلة نفسية وحوارية رائعة تجولت هنا, بينم أفياء اجتماعيات عركتنا, وفلسفة نفسية حيرتنا, كانت الحالة النفسية للكاتب بمكانِ ما أدخل المتلقي فيها متعاطفًا.

هي حوارية نفسية إذن خلت من الحبك القصصي, وخاصة أهم شقين فيه وهو عقدة الحكاء والقفلة النهائية, أيضًا احتاجت حواريتكَ الاتشاح بالفقرة النثرية بفواصلها المعتادة.

اسمح لنا بنقلها حيث تنتمي

ودي وتقديري

بابيه أمال
13-04-2009, 01:26 AM
سلام الله عليكما

في حياتنا الدنيا، لا مخرج لنا من أحد أمرين: إما العيش بسعادة تلقائية نقية خالصة - وعندئذ لا بد لمثل هذه السعادة من أن تكون لا شعورية، وإما التعايش المصحوب بشعور أو وعي بالسعادة - وعندئذ لا بد لمثل هذا الشعور أو الوعي من أن يكون ممتزجا بشيء من الألم أو المرارة..

ولكن من ذا الذي يريد لنفسه أن يكون سعيدا من حيث لا يدري؟! ألسنا نريد جميعا أن تجيء سعادتنا مصحوبة بتلك الحالة النفسية الواعية والناضجة التي تستمتع فيها الحساسية بنشاطها الذاتي؟ من هنا لا جرم في أننا آثرنا الوعي والحركة على الرغم مما يقترن بهما من ألم وتعاسة من جراء إدراكنا لما في الوجود من شقاء وفشل وإخفاق وشر أخلاقي.. ليبق القول في أن الوعي أو النضج باستشعار السعادة يأتي عندما لا نهرب من الحياة، وعندما نتعلم كيف نعيش أحزانها ونخوض معاركها بنفس القوة التي نستقبل بها أفراحها.. عندما ندرك أخيرا أن هناك نهاية لكل شيء حلو.. كل شيء نحبه..

الأخ رشدي
ورغم كل الكل.. سنبقى دوما في دوامة التساؤل: "متى ننظر لمعترك الحياة وما بعدها بعيون ناضجة ؟!"
أعانك الله وإيانا على المرور من بوابة نضوج طال تسمرنا على جنباتها..

رشدي مصطفى الصاري
13-04-2009, 07:30 AM
بين خضم مجادلة نفسية وحوارية رائعة تجولت هنا, بينم أفياء اجتماعيات عركتنا, وفلسفة نفسية حيرتنا, كانت الحالة النفسية للكاتب بمكانِ ما أدخل المتلقي فيها متعاطفًا.
هي حوارية نفسية إذن خلت من الحبك القصصي, وخاصة أهم شقين فيه وهو عقدة الحكاء والقفلة النهائية, أيضًا احتاجت حواريتكَ الاتشاح بالفقرة النثرية بفواصلها المعتادة.
اسمح لنا بنقلها حيث تنتمي
ودي وتقديري
الفاضلة د. نجلاء
أسعد الله أوقاتك بكل ما هو خير
عين الصواب بما فعلت يا سيدتي ,وحماك الله عيوناً شفافة ً نقية ًراعية لأقلام تلك الواحة
مودتي وتقديري

رشدي مصطفى الصاري
13-04-2009, 07:50 AM
سلام الله عليكما
في حياتنا الدنيا، لا مخرج لنا من أحد أمرين: إما العيش بسعادة تلقائية نقية خالصة - وعندئذ لا بد لمثل هذه السعادة من أن تكون لا شعورية، وإما التعايش المصحوب بشعور أو وعي بالسعادة - وعندئذ لا بد لمثل هذا الشعور أو الوعي من أن يكون ممتزجا بشيء من الألم أو المرارة..
ولكن من ذا الذي يريد لنفسه أن يكون سعيدا من حيث لا يدري؟! ألسنا نريد جميعا أن تجيء سعادتنا مصحوبة بتلك الحالة النفسية الواعية والناضجة التي تستمتع فيها الحساسية بنشاطها الذاتي؟ من هنا لا جرم في أننا آثرنا الوعي والحركة على الرغم مما يقترن بهما من ألم وتعاسة من جراء إدراكنا لما في الوجود من شقاء وفشل وإخفاق وشر أخلاقي.. ليبق القول في أن الوعي أو النضج باستشعار السعادة يأتي عندما لا نهرب من الحياة، وعندما نتعلم كيف نعيش أحزانها ونخوض معاركها بنفس القوة التي نستقبل بها أفراحها.. عندما ندرك أخيرا أن هناك نهاية لكل شيء حلو.. كل شيء نحبه..
الأخ رشدي
ورغم كل الكل.. سنبقى دوما في دوامة التساؤل: "متى ننظر لمعترك الحياة وما بعدها بعيون ناضجة ؟!"
أعانك الله وإيانا على المرور من بوابة نضوج طال تسمرنا على جنباتها.
أختي الفاضلة بابيه آمال
قرأت سطورك التي أبحرت معي في حواريتي تمخر عبابه ,بحثاً عن النضوج,ولقد رفعتِ شراع الإرادة
كوسيلة للنضوج,ولكن هل يتحكم القبطان بالريح.
قراءتك وغوصك في غور حواريتي أبهجني .
ودمتم

بابيه أمال
16-04-2009, 11:25 PM
الأخ رشدي

لا أحد يستطيع إدارة وجه الرياح، ما يمكننا فعله فقط هو تعديل الأشرعة.. ليبقى أن من أراد إتقان الإبحار، فلن يفيده بحر هادئة أمواجه..

دمتَ للخير..

مازن لبابيدي
15-05-2009, 07:07 AM
بوابة النضوج

.............
.....

أهناك من يحاول إنقاص نضوجي و يذوب إبداعي ويفقدني هويتي؟
أيا ترى هل أستطيع أن أدرك تلك اليد الخفية وأصل إلى الجسد الذي يحتويها
أم أكون من بقايا ركام الجرف الحاصل بفعل التيار أم أعزي ضعفي إلى تلك
التي يسمونها العولمة ---
وأعلن أمامها استسلامي ما عدت أدري ؟.........

أخي الأديب الراقي رشدي الصاري
عثرت لك على هذه الحوارية الرائعة فشدتني في قراءتها إلى النهاية .
تنقلت في هذا الحوار بمحطات مهمة جداً تتنازع إنساننا العربي ، ووصلت فيما أرى إلى جادة الصواب التي اطمأنت إليها نفسك ، وهذا ما أثار استغرابي في تساؤلك الأخير والذي اقتبسته من النص ، فأنا أظن أنك تدري تماماً بعد تجربتك المعمقة ما الذي يدور وما عليك أن تفعل ، إلا إذا كنت تقصد الإبقاء على حالة التساؤل متعمداً ذلك لتترك للقارئ الحكم على الحالة .
هذه خاطرة أثارها نصك البديع أحببت أن أطلعك عليها ، وهذا لا يقلل بأي حال من إعجابي الشديد بهذا الإبداع الذي سطرته .
لك أعطر تحية وتقدير أخي رشدي

رشدي مصطفى الصاري
15-05-2009, 10:04 PM
أخي الأديب الراقي رشدي الصاري
عثرت لك على هذه الحوارية الرائعة فشدتني في قراءتها إلى النهاية .
تنقلت في هذا الحوار بمحطات مهمة جداً تتنازع إنساننا العربي ، ووصلت فيما أرى إلى جادة الصواب التي اطمأنت إليها نفسك ، وهذا ما أثار استغرابي في تساؤلك الأخير والذي اقتبسته من النص ، فأنا أظن أنك تدري تماماً بعد تجربتك المعمقة ما الذي يدور وما عليك أن تفعل ، إلا إذا كنت تقصد الإبقاء على حالة التساؤل متعمداً ذلك لتترك للقارئ الحكم على الحالة .
هذه خاطرة أثارها نصك البديع أحببت أن أطلعك عليها ، وهذا لا يقلل بأي حال من إعجابي الشديد بهذا الإبداع الذي سطرته .
لك أعطر تحية وتقدير أخي رشدي
أخي العزيز د. مازن
عبق روحك الزكية وصلني مذ حططت الرحال في هذه الواحة
فوجدتك بين كل الأقلام وفي كل القلوب ماشاء الله وحماك الله أيها الغالي
وبعد
نعم ياصديقي تساؤلك في مكانه وماتقصده أقصده ومثلك من يبصر
أشكرك من كل قلبي

عبدالصمد حسن زيبار
19-05-2009, 01:54 PM
رشدي
حوارية ذاتية متسامية ترنو للكدح و الوصول , ميزتها التجربة المتعددة , و كأنني أمام الباحث عن النضوج\الحقيقة.
هو بحث متدافع فأنا أفكر إذن أنا موجود,إنه سؤال عن الماهية و الذات و علاقتها بالآخر و الفعل و الاشياء.
كلها تساؤلات فلسفية تبدأ مع الطفولة و تسير صوب النضوج و الكمال النسبي.
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } [الانشقاق:6]
و الكادح الساعي بجد و مشقة.
و عند اللقاء يكتمل النضوج لا النسبي الدنيوي بل الكامل الأخروي.

تحياتي

أماني محمد
19-05-2009, 08:34 PM
...

وقلت لا حل لمشكلتي إلا الناس ففيهم علتي ودوائي ---
فتراني متنقلاً هنا--- وهناك --- متوسماً في صداقاتي وعلاقاتي ,مدّعياً الاجتماعية ويا ويلي كم آذتني تلك الاجتماعية
فما من جليس حضرته إلا وأبقاني الليل يقظاً مستنفراً أحاول إعادة التوازن لضغطي الدموي.
وما من خل ٍ أنسته إلا وفجعني آخر المطاف بميزة لا تمت إلى الرجولة أو الصداقة أو إلى ذاتي بصلة .
كل جولاتي التي استنفذتها بحثاً عن غايتي لم أدرك لها قرارا ً ولا سبيل
أتراني أم تراني كنت أبحث عن عقل مفكر --- أم صدرٍ واسع رحب
ما عدت أدري ؟ تراجعت بخطواتي وبدأت أحتاط في صداقاتي وسهراتي
وأبقيتها حكراً على من تفتحت عقولهم ورجفت قلوبهم أمام العطاء والإبداع


رائعة هذه الوقفة ذكرتني ببيتين أحبهما جدا

تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي لون وطعم ... وقل بشاشة الوجه الصبيح

رشدي مصطفى الصاري
20-05-2009, 06:54 AM
رشدي
حوارية ذاتية متسامية ترنو للكدح و الوصول , ميزتها التجربة المتعددة , و كأنني أمام الباحث عن النضوج\الحقيقة.
هو بحث متدافع فأنا أفكر إذن أنا موجود,إنه سؤال عن الماهية و الذات و علاقتها بالآخر و الفعل و الاشياء.
كلها تساؤلات فلسفية تبدأ مع الطفولة و تسير صوب النضوج و الكمال النسبي.
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } [الانشقاق:6]
و الكادح الساعي بجد و مشقة.
و عند اللقاء يكتمل النضوج لا النسبي الدنيوي بل الكامل الأخروي.
تحياتي
الفاضل عبد الصمد
استقراء موضوعي وبحث أشمل في الوصول إلى النضوج
ّإذا عرف كل منا ذاته تصالح وإياها أونماها وجملها وأخلص لها وأطمأن لها فلعمري أنه سيدرك النضوج الدنيوي والسعادة الأبدية
ودمتم

رشدي مصطفى الصاري
23-05-2009, 12:19 PM
...
رائعة هذه الوقفة ذكرتني ببيتين أحبهما جدا
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي لون وطعم ... وقل بشاشة الوجه الصبيح

الفاضلة أماني
نعم صدقت أيتها الكريمة
تبدلت المفاهيم والقيم --- ولكن سبيل الله هو الأقوم
مودتي

ثريا الدوسري
02-01-2010, 05:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم,
وبه نستعين,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم,
والحمد لله رب العالمين ,وصلى الله وسلم على محمد معلم الناس الخير, وهادي البشرية إلى صراط الله المستقيم
و بعد فهذه تجربة إنسانية واقعية عميقة سُطرت لنا بأسلوب آسر حليته الصدق .تبدأ بوقفة عند نقطة تحول يلمع خلالها إدراك و وعي لحقيقة في غاية الأهمية....لحظة يقظة و انتباهة وفهم لحقيقة الحياة الفانية وضرورة التزود للباقية.
عند ذلك المنعطف تبدأ الرحلة و ببراعة نادرة يصورها لنا الكاتب تصويرًا دقيقًا ؛فهو يستخدم ضميرالمتكلم, الأمر الذي يجعل القاريء يشاركه التجربة لحظة بلحظة , و بكل ما حملت دقائقها و ثوانيها من احباطات و نصب وتعب حتى أن القاريء ليلهث و هو ينتقل مع الكاتب من مكان لمكان و من زاوية لأخرى وهو يردد..."كيف النضوج ؟وما السبيل إليه؟"
إحساس بمرارة اليتم و حزن عميق يسري في النفس وأنت ترى القاص و قد بات وحيدا عندما فقد الذي منحه الثقة فكان يفضي إليه بمكنونات نفسه,فليس ثمة من روح لبيبة أريبة تسبر أغوار نفسه وتزيح عنها ما تنوء به من أثقال بحنان وحب صادق ."فبت وحيدًا هائمًا وسط رياح تعصف من كل صوب" عبارة ترن في ذهن القاريء ....تحيط به من كل اتجاه .....توقفه قليلًا ليتأمل بلاغة الصدق ثم يعود و يصحب القاص وهو يودع الذي كان يحتمي (برؤيته و خبرته)و يواجه الحياة بعزيمة و شجاعة و إصرار.
فهنا يجري الكاتب بحثًا عن(النضوج) فيبدأ ينشد ضالته في السياسة ولكن سرعان ما يهجرها لأنه رأى فيها قصور الإنسان يتجلى بكل ما فيه من زيف..... فيتجه إلى الفن و لكنه لا يقف عنده بقدر ما وقف عند السياسة ربما لأنه جُبل على حب الصدق والحقيقة فهو قد تربى و نشأ على حب العلم ومهنته كطبيب نزيه تجعله لا يقبل إلا الحقيقة و الواقعية والذي في الفن إنما هوكذب و خداع واستخفاف بالعقل و الذوق الرفيع و ذلك الذي تمجه الفطر السليمة فالكاتب يقول إنه قد (اختار حيزًا ضئيلًا من ذاتي) فهو يحترم ذاته ولا يحب ما يهز ذلك الاحترام .فيعرض عن الفن و يتجه إلى المال وهنا يبرز الضمير الحي و يسري صوته الهاديء وحكمه القوي في نفس الكاتب فيحمله على أن يعيد النظر في ذلك "البريق" كرة بعد كرة حتى اقتنع بضرورة الحفاظ على المباديء,فالكمال لا يكمن هنا ...إذن أين يكمن؟أين يوجد؟...... ثم ينتقل الكاتب إلى البحث عن كنزه في الناس وصحبتهم فيتجلى حب الكاتب للصدق و مقدرته الفذة على فهم جلسائه وما يتمتعون به من سمات شخصية فتراه حذرًا بذكاء وهو يبحث عمن يستحق الثقة فهو يحلل تصرفاتهم ونفسياتهم فتراه يتركهم حفاظًا على مبادئه و مثله .و هنا يقف يبحث في جعبته عن سبيل يبلغه بغيته و يسأل نفسه متحيرًا بأسلوب يحدث ألمًا ليس في نفسه فقط بل في نفس القاريء أيضًا .....(أتراني أم تراني كنت أبحث عن عقل مفكر.....أم صدر واسع رحب ما عدت أدري؟)للاستفهام هنا وقع قوي يجعل القاريء يقف حذرًا مع الكاتب ....إلى أن جاءت لحظة الهداية إلى الطريق الصحيح إلى المكان الذي من دخله وجد السكينة و الاطمئنان و راحة البال ؛فالإيمان بالله وتحقيق ما خلقت من أجله النفس البشرية يورثها قدرة على التوافق النفسي .فكأنك ترى مع الكاتب النور حين بزغ و تحس بزوال الهم والغم و باليقين يسري برده في النفس . فالنضوج إذن هو أن تحقق ما خلقت لأجله وهذا هو عين" الحكمة. "
ذلك هو كنز الكاتب الذي يحبه و يخاف عليه من الضياع فهو يقول :(و في لحظة صحوت من تخبطي وسط هاجس يدفعني إلى الشعور أو القول أن هناك من يحاول إنقاص نضوجي و يذوب إبداعي و يفقدني هويتي.)أظن أن ذلك الهاجس هو سبب قلقه الذي يسميه هو (تخبطي) و هنا ترى قوة وعيه و يقظته فهو على وعي بقدسية كنزه , وبالذي يحاول إضعافه فيجعله يفقد كنزه و يعود للتيه ,وبحاجته لمعين يشد أزره .فأظن أن هذا الوعي هو الذي حرك ما بداخل نفس الكاتب من تجارب و أحاسيس رافقتها كانت قد تكرست مع الزمن فتغلغلت في أعماق نفسه و استقرت هناك حينًا فاستثيرت في لحظة فجعلته يسطر لنا هذه التجربة الفريدة .
و هنا ننتبه إلى أهمية أن نسأل الله الثبات فالثبات أمره عظيم فالله سبحانه و تعالى يقول :" ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا." و أن نتذكر و صية المصطفى صلى الله عليه و سلم:"احفظ الله, يحفظك. احفظ الله ,تجده تجاهك . و إذا سألت ,فاسأل الله .و إذا استعنت ,فاستعن بالله."و علينا أن نسال الله دائمًا أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه .
 أيها الطبيب الأديب لقد وهبك الله أسلوبًا بليغًا يجعل القاريء حينما ينتهي من قراءة النص يقف و عبارات رائعة يتردد صداها في ذاكرته و يحس بأنه قد أبحر في معان راقية سامية وتعلم دروسًا قيمة .فحقًا "إن من البيان لسحرًا."
تم بحمد الله.
ثريا

رشدي مصطفى الصاري
26-01-2012, 10:42 AM
بسم الله الرحمن الرحيم,
وبه نستعين,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم,
والحمد لله رب العالمين ,وصلى الله وسلم على محمد معلم الناس الخير, وهادي البشرية إلى صراط الله المستقيم
و بعد فهذه تجربة إنسانية واقعية عميقة سُطرت لنا بأسلوب آسر حليته الصدق .تبدأ بوقفة عند نقطة تحول يلمع خلالها إدراك و وعي لحقيقة في غاية الأهمية....لحظة يقظة و انتباهة وفهم لحقيقة الحياة الفانية وضرورة التزود للباقية.
عند ذلك المنعطف تبدأ الرحلة و ببراعة نادرة يصورها لنا الكاتب تصويرًا دقيقًا ؛فهو يستخدم ضميرالمتكلم, الأمر الذي يجعل القاريء يشاركه التجربة لحظة بلحظة , و بكل ما حملت دقائقها و ثوانيها من احباطات و نصب وتعب حتى أن القاريء ليلهث و هو ينتقل مع الكاتب من مكان لمكان و من زاوية لأخرى وهو يردد..."كيف النضوج ؟وما السبيل إليه؟"
إحساس بمرارة اليتم و حزن عميق يسري في النفس وأنت ترى القاص و قد بات وحيدا عندما فقد الذي منحه الثقة فكان يفضي إليه بمكنونات نفسه,فليس ثمة من روح لبيبة أريبة تسبر أغوار نفسه وتزيح عنها ما تنوء به من أثقال بحنان وحب صادق ."فبت وحيدًا هائمًا وسط رياح تعصف من كل صوب" عبارة ترن في ذهن القاريء ....تحيط به من كل اتجاه .....توقفه قليلًا ليتأمل بلاغة الصدق ثم يعود و يصحب القاص وهو يودع الذي كان يحتمي (برؤيته و خبرته)و يواجه الحياة بعزيمة و شجاعة و إصرار.
فهنا يجري الكاتب بحثًا عن(النضوج) فيبدأ ينشد ضالته في السياسة ولكن سرعان ما يهجرها لأنه رأى فيها قصور الإنسان يتجلى بكل ما فيه من زيف..... فيتجه إلى الفن و لكنه لا يقف عنده بقدر ما وقف عند السياسة ربما لأنه جُبل على حب الصدق والحقيقة فهو قد تربى و نشأ على حب العلم ومهنته كطبيب نزيه تجعله لا يقبل إلا الحقيقة و الواقعية والذي في الفن إنما هوكذب و خداع واستخفاف بالعقل و الذوق الرفيع و ذلك الذي تمجه الفطر السليمة فالكاتب يقول إنه قد (اختار حيزًا ضئيلًا من ذاتي) فهو يحترم ذاته ولا يحب ما يهز ذلك الاحترام .فيعرض عن الفن و يتجه إلى المال وهنا يبرز الضمير الحي و يسري صوته الهاديء وحكمه القوي في نفس الكاتب فيحمله على أن يعيد النظر في ذلك "البريق" كرة بعد كرة حتى اقتنع بضرورة الحفاظ على المباديء,فالكمال لا يكمن هنا ...إذن أين يكمن؟أين يوجد؟...... ثم ينتقل الكاتب إلى البحث عن كنزه في الناس وصحبتهم فيتجلى حب الكاتب للصدق و مقدرته الفذة على فهم جلسائه وما يتمتعون به من سمات شخصية فتراه حذرًا بذكاء وهو يبحث عمن يستحق الثقة فهو يحلل تصرفاتهم ونفسياتهم فتراه يتركهم حفاظًا على مبادئه و مثله .و هنا يقف يبحث في جعبته عن سبيل يبلغه بغيته و يسأل نفسه متحيرًا بأسلوب يحدث ألمًا ليس في نفسه فقط بل في نفس القاريء أيضًا .....(أتراني أم تراني كنت أبحث عن عقل مفكر.....أم صدر واسع رحب ما عدت أدري؟)للاستفهام هنا وقع قوي يجعل القاريء يقف حذرًا مع الكاتب ....إلى أن جاءت لحظة الهداية إلى الطريق الصحيح إلى المكان الذي من دخله وجد السكينة و الاطمئنان و راحة البال ؛فالإيمان بالله وتحقيق ما خلقت من أجله النفس البشرية يورثها قدرة على التوافق النفسي .فكأنك ترى مع الكاتب النور حين بزغ و تحس بزوال الهم والغم و باليقين يسري برده في النفس . فالنضوج إذن هو أن تحقق ما خلقت لأجله وهذا هو عين" الحكمة. "
ذلك هو كنز الكاتب الذي يحبه و يخاف عليه من الضياع فهو يقول :(و في لحظة صحوت من تخبطي وسط هاجس يدفعني إلى الشعور أو القول أن هناك من يحاول إنقاص نضوجي و يذوب إبداعي و يفقدني هويتي.)أظن أن ذلك الهاجس هو سبب قلقه الذي يسميه هو (تخبطي) و هنا ترى قوة وعيه و يقظته فهو على وعي بقدسية كنزه , وبالذي يحاول إضعافه فيجعله يفقد كنزه و يعود للتيه ,وبحاجته لمعين يشد أزره .فأظن أن هذا الوعي هو الذي حرك ما بداخل نفس الكاتب من تجارب و أحاسيس رافقتها كانت قد تكرست مع الزمن فتغلغلت في أعماق نفسه و استقرت هناك حينًا فاستثيرت في لحظة فجعلته يسطر لنا هذه التجربة الفريدة .
و هنا ننتبه إلى أهمية أن نسأل الله الثبات فالثبات أمره عظيم فالله سبحانه و تعالى يقول :" ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا." و أن نتذكر و صية المصطفى صلى الله عليه و سلم:"احفظ الله, يحفظك. احفظ الله ,تجده تجاهك . و إذا سألت ,فاسأل الله .و إذا استعنت ,فاستعن بالله."و علينا أن نسال الله دائمًا أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه .
 أيها الطبيب الأديب لقد وهبك الله أسلوبًا بليغًا يجعل القاريء حينما ينتهي من قراءة النص يقف و عبارات رائعة يتردد صداها في ذاكرته و يحس بأنه قد أبحر في معان راقية سامية وتعلم دروسًا قيمة .فحقًا "إن من البيان لسحرًا."
تم بحمد الله.
ثريا



صمت طويل...وخجل كبير..واعتذار أحتار بأي التعابير أغلفه..!
ياصاحبة القلم
وقفت هنا أتامل.. بعد انقطاع .. دام لعامين لاتفسير ولامعنى له أمام ذاتي
فشعرت بالتقصير أمام مفرداتك الرائعة وبيانك العميق..
أرجو أن تعبر وجنتا صفحتي عن مدى الأسف
وكلي مودة واحترام