المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكاشفة



حنان عبد القادرإسماعيل
30-04-2009, 03:44 PM
مكاشفة


لم أكن على سجيتي وأنا أعود للمنزل بعد يوم دراسي شاق ، لم أتجاذب أطراف حديث مع زميلاتي ، ولم أرد على دعاباتهن .... الأفكار تتزاحم في رأسي ... دق قلبي بعنف عندما خطر ببالي أنه في خطر ... كيف أمضى يومه ؟ .. كيف تناول طعامه ؟ .. هل ينام الآن أم مازالت نيران الحمى تقض مضجعه ؟؟
أسئلة كثيرة .. لا إجابة ، لم أرد تركه وحيدا .. لكنه أصر ، تحت ضغوطه انصرفت ، لا يريد أن يفسد علي يوما دراسيا مهما ، لكني مازلت معه ... .

حمدت الله أن الطريق المؤدي إلى المنزل شارف النهاية، ودعت صديقاتي ، دخلت الشارع ... ثوان وكنت أمام باب غرفته .... طرقت الباب...
لم يجب...ازداد خوفي ... ناديته بتوجس...
جاءني صوته واهنا : من ؟
- أنا ..... – اتركيني أستريح .

تراجعت على مضض ؛ آثرت أن أطيعه .. القلق يقتلني ....
سألت الصغار : ماذا فعل أبوكم اليوم ؟
جاء ردهم يؤجج خوفي.... طرقت الباب بقوة ... آمرا يقول: ألم أقل لك أريد قسطا من الراحة ؟ !
تراجعت...... جلست أمام باب الغرفة .
هو هكذا ... عندما يمرض يعتزلنا ؛ كأن إباء نفسه يمنعه طلب شربة ماء .
ترقرقت دموعي...سرعان ما أخفيتها حتى لايراها الصغار .
تعالت ضحكاتهم ، وجلجل صراخ لهوهم البريء في أنحاء المنزل .
أحسست مزلاج بابه يفتح ،أسرعت واقفة ، دفعت الباب في خفة ، بهدوء تسللت إلى الداخل.
رفع رأسه المنهكة من بين يديه:
- مازلت بملابسك ؟!
- مابال آلام جسدك ؟!
- الحمد لله .. منه الداء وعنده الشفاء ... ماذا فعلت اليوم بالمدرسة ؟
- الأستاذ محمد أعطاني جائزة اليوم ... أحرزت المركز الثاني في اختبار الفيزياء، والأستاذ منصور أرسل لك رسالة ... والأستاذة فيوليت أ ...................

عاد يجلس القرفصاء على سريره واضعا رأسه بين كفيه ... أحسست باختلال جلسته .. دنوت منه... تحسست يده ... كأنما جمرة .. مسحت رأسه ، رفع إلي عينين فارقهما الوسن .


- لماذا لم تطلب بعض الماء أو الطعام ؟ ...
فرت دمعتان حارتان من عينيه .. مسحتهما بيدي ؛ فانهمرت سيول .. دس رأسه في صدري ... ... ضممتها بشدة..تشبث بي كطفل ... بكيت ؛ فاختلطت العبرات .. سمعت حشرجة صوته :
- سأموت .. سأموت ومازلتم صغارا ...
- لا تقل هذا .. ستحيا من أجلنا ...
لم أره قبلا هكذا... بالأمس كنا نخافه .. نرتعد لسماع صوته .. جبارا كان ؛ صرنا بخيال الأطفال نتمنى موته ... منذ رحيل أمي ، ونحن في حمى الله ثم رعايته ... لم يكل من خدمتنا ؛ لكنه كان شديد القسوة والخوف معا .

رفع رأسه بهدوء : أريد أن أنام ... تمدد في فراشه ... مددت يدي لأجذب الغطاء على جسده المنتفض ، نهاني بحزم ... مد يده ببطء شديد جاذبا الغطاء ، و أغمض عينيه.

ألقيت نظرة إشفاق لهذا المتجعد ... تسللت ، أوصدت الباب ، تناهى إلى سمعي صراخ الأطفال وضحكاتهم في مرحهم البريء .

سالم سليمان سلامة
30-04-2009, 06:24 PM
موضوع حي لين ، أساسه وصف تحليلي دقيق، يسوقنا إلى تتبع حوادثه،بتفاعل بين تنوعها وتنوع شخصياته، لتعرض الكاتبة قصة، تشعرنا بالواقعية، وقد حطت بنا في آخر الأمر إلى غاية في يسر واتصال ومتعة مع ((صراخ الأطفال و ضحكاتهم في مرح بريْ))... وأضمّ صوتي إلى صوت أخي الدكتور محمد : (( كل شيْ يوحي أننا أمام قص من الطراز الرفيع))
أضفيتي على الموضوع سموا و جدة ، في أسلوب حسن، يا حنان
تحليل رائع ودقيق و مختصر وجميل يا دكتور ماجد
نشكركم جميعا

آمال المصري
13-01-2015, 04:33 PM
رجعت بنا لعهد الطفولة البريئة وقسوة الأب التي كنا نريد التخلص منها ولو بنهايته دون أن ندرك معنى الأبوة
وأخذتني قصتك بما تحمل من عبرة للبكاء رغما لما تحمل من فيض مشاعر أجدت وصفها ونقلها كواقع ملموس
شكرا لك تلك المساحة أيتها المبدعة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ربيحة الرفاعي
07-02-2015, 05:40 PM
نص قصّي متقن بفكرة إنسانية مؤثرة وسرد شائق

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
08-02-2015, 07:57 PM
طرح طيب بفكرة نبيلة نقشت بهدوء وعمق ورسمت بسلاسة قضية اجتماعية
فقد الأم وخوف الأب ومسؤولية البنت الكبرى ومشاعر حيكت بمهارة
جميلة ومعبرة
تقديري

رويدة القحطاني
03-03-2015, 06:29 PM
عندما يصبح الأب أبا وأما يكون أقسى مما يكون الأب في العادة، لأنه يخاف مما لا يعرف كيف يتعامل معه
قصة رائعة بقضية هامة لا ينتبه إليها الناس

ناديه محمد الجابي
02-01-2016, 07:51 PM
نص مؤثر ـ ملئ بالشجن ـ قصة عميقة على بساطتها
وسرد جميل لحالة إنسانية أجدت تصويرها بلغة قوية
وأسلوب متمكن معبر.
كتبت فأبدعت وأمتعت فشكرا لك. :001: