تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الغريب



أشرف فوزي صالح
06-05-2009, 09:48 AM
عاد الغريب إلى قريته مسقط رأسه متلهفا بعد طول ترحال، ينشد شيئا من دفئها وحنان تربتها، وطيب العشرة بين أهلها، هؤلاء البسطاء .. البسطاء في كل شيء، حتى في أحلامهم ..

وما إن وطئت قدماه تلك الأرض إلا وشيئا غريبا أحس به، فما عادت لأجوائها تلك الرائحة الزكية التي تستقبل القادم .. رائحة الزهور، وشذى العطر العبق في كل ركن تفد عليه، ما عادت البسمة المهللة المرتسمة على الوجوه، وما عادت الأرض تلك الأرض، وخبت الخضرة التي كانت يوما تنشرك على صفحتها سابحا في خيالاتك، تائها حائرا عند أيها تقف وبأيها تبدأ، فجميعها صالحة، وجميعها تستدعيك للحظة بدء ..
هنا على تلك الأرض الطيبة كم لهونا ببراءة، ولعبنا، وانتشينا، وأحببنا، وحلمنا، ولا مانع أن يتخلل تلك البراءة شيء من لهو الأطفال ومشاكساتهم، وعبثهم، وأحيانا مجونهم .. هذا المجون اللذيذ البريء، وليد حينه، وابن لحظته، ابن تلك التلقائية البريئة المتأصلة في كل أبناء هذا الوطن العزيز العريق .. هذا الوطن الذي ما عاد كما كان، وتداعت عليه الخطوب من كل جانب، حتى أقزام القوم، بعد أن كانوا يرقصون ببهلوانية في بلاطه، راضين سعداء بهذا الدور، تجدهم الآن يسعون لأخذ دور صاحب البيت، متجاهلين أنهم كانوا يوما خدما في بلاطه .. وتناسوا أن خطب وده كان قصارى طموحاتهم .. ولكنها ليست قوتهم، فالضعف هنا في البيت، وسيد الدار، وجدران المساجد، وترانيم الصوامع، وأجراس الكنائس، وكتب الساسة، ونظريات الفقهاء، وعباد التزلف، ومبدعي النفاق، وأهل الحل، وشرذمة العقد، وفجور القيم، ووأد الضمير، ورجم الأنثى، ونفي الصبي .. الضعف فينا، إذ تناسينا، وتخلينا، واتبعنا، وخنعنا، وارتضينا، وهُنَّا، وبتنا نبكي على أطلال، ونحكي عن بقايا تليد أمجاد .. الضعف في استمراء الخنوع، والتلذذ بالتبعية، والرضا بأن يصبح لك سيد، تمضي مزهوا في ركابه، بعد أن كنت يوما سيدا .
عاد الغريب محملا بهموم عمر قضاه في الترحال بحثا عن أناه، وكان أمله أن يجد حضن قريته الدافئ ليحتويه ويخفف عنه مرارة الغربة والترحال، ولكن الأرض لم تعد هي نفسها الأرض، وتبدلت الناس، وخبت أمارات الابتسام من على الشفاه، ووجد العبوس طريقه لكل القلوب، والكل يمضي في طريقه سكران لا يلوي على شيء، ولا يرى شيئا، وهنا أحس العائد بغربته الحقيقة، وأن أرضا لا تسعك لا تصلح أن تكون لك موطنا، مع أن طينها مترسخ في أعماق القلب، وشذى تاريخها هو كل ما لديك من ذاكرة، ولكن لم يتبق من الأيام مثلما انقضى، وللعائد الغريب أن يعود من حيث أتى، أو يبحث لأحلامه عن غربة جديدة .. عن مدفن جديد .. ربما يوما تكون له موطنا .

غسان هيبي
06-05-2009, 01:33 PM
اخي الفاضل اشرف
وصفك وكتابتك جميله جدا
انت وصفت بايجاز عن حال العرب السيئ بشتى مجالات الحياه
ولقد المك هذا الشيء حتى اصبحت تشعر بالغربه حتى في بلدك
واربط على يديك واقول لك
لا بد وان ينكسر القيد
تحمل يا اخي ولنتحمل فالحياة فصول خريف وربيع
وصيف وشتاء
دمت متالقا

أشرف فوزي صالح
07-05-2009, 06:05 AM
ياعزيزي غسان، لم يبق من العمر كما قلت مثلما مضى .. أرجو ذلك لك ولكل شباب هذه الأمة، فأنتم بحق الأمل، وأرجو أن تتحقق بشرى الخلاص على أيديكم ..
أشكر لك هذا المرور الكريم
وتلك الكلمات المشجعة
ودمت بخير

يحيى مراد
07-05-2009, 07:26 AM
لا شك عزيزي ..
إننا في دوامة كبيرة ...
نقترب والامل يبتعد ...
نعترف ولا نجد الا النكران ...
فمن السهل أن تجلس في أنتظار القطار ..
قطار الامل ..
وأنت تعلم بأنه سيتأخر لكنك تجزم بأنه حتماً سيصل ..
لكن من الصعب أن تجلس بإنتظار ممن تعتقد بأنه لن يصل !!

استاذي الفاضل :

اشرف فوزي صالح


وها نحن نعيش نتأمل المستقبل بالأمل
القادم من خلف الضباب
ولاتبقى احزاننا عائقاً
لنا في امورنا
تحايا قلبي إليك أزجيها
ولك مني خالص الاحترام والتقدير

أشرف فوزي صالح
07-05-2009, 02:34 PM
ياصديقي قطارنا بلا وقود، وإن أراد أن يمضي فهو بلا ربان، ومع ذلك أرجو أن يظل الأمل ..
ولك خالص التحايا

د. نجلاء طمان
08-05-2009, 09:05 PM
عاد الغريب محملا بهموم عمر قضاه في الترحال بحثا عن أناه، وكان أمله أن يجد حضن قريته الدافئ ليحتويه ويخفف عنه مرارة الغربة والترحال، ولكن الأرض لم تعد هي نفسها الأرض، وتبدلت الناس، وخبت أمارات الابتسام من على الشفاه، ووجد العبوس طريقه لكل القلوب، والكل يمضي في طريقه سكران لا يلوي على شيء، ولا يرى شيئا، وهنا أحس العائد بغربته الحقيقة، وأن أرضا لا تسعك لا تصلح أن تكون لك موطنا، مع أن طينها مترسخ في أعماق القلب، وشذى تاريخها هو كل ما لديك من ذاكرة، ولكن لم يتبق من الأيام مثلما انقضى، وللعائد الغريب أن يعود من حيث أتى، أو يبحث لأحلامه عن غربة جديدة .. عن مدفن جديد .. ربما يوما تكون له موطنا .

عاد الغريب عودته بعد غيبة طالت كثيرًا في قلب الأيام, عاد عودته الأخيرة يلاحق خطاه وتلاحق خطاه ذكريات الماضي بكل مجده وشرفه وبراءته الغافية على أكتاف البساطة. عاد ليصطدم بواقع أليم. هكذا الحال أيها الغريب, فلا تبتئس, ولا تبحث عن اللحد ليكون لك موطنًا, بل ابحث عن أرضٍ جديدة في قلب حلم جديد.

ودي وتقديري

أشرف فوزي صالح
08-05-2009, 10:37 PM
أعتقد ياسيدتي أن جميعنا يعيش تلك الغربة، أو على الأقل واحدة من حالاتها، سواء مع النفس، أو مع الآخر، أو مع متغيرات الواقع التي لا تكف عن التلون والتقلب والتبدل، وأتمنى أن يخرج من وسط هذا الركام رمز يأخذ بأيدينا جميعا إلى أرض أمل جديدة يكون فيها الخلاص ..
دمت ودام مرورك

شيماء وفا
10-05-2009, 06:49 PM
وهنا أحس العائد بغربته الحقيقة، وأن أرضا لا تسعك لا تصلح أن تكون لك موطنا، مع أن طينها مترسخ في أعماق القلب، وشذى تاريخها هو كل ما لديك من ذاكرة، ولكن لم يتبق من الأيام مثلما انقضى، وللعائد الغريب أن يعود من حيث أتى، أو يبحث لأحلامه عن غربة جديدة .. عن مدفن جديد .. ربما يوما تكون له موطنا .

إغتربنا أو غَربتنا دنيانا , تنازلنا وتنازلت هي عنا , تهنا ,هُنَّا على أنفسنا حتى صِرنا لا نعرف أنفسنا . حينما نجلس على أعتاب فكرنا نبحث عن نسيم عليل مختلط بهواء نقي يخلو من عادم التلوث القاتل لقلوبنا قبل فكرنا لانجد سوى ذكريات مجردة من أي معنى من معاني الحياة , فقد ضاع منا الكثير ومازال أمامنا الكثير مماسيضيع ؛ بين تبعية وعجرفة ليس لها معنى , بين ملل وعناد , بين حلم ضائع خلف أروقة العقل سابح في أعمق مدن القلب ينعم بتجاهل الروح وقسوتها ,فهل نحتمل قسوتهم وهل يحتملون قسوتنا ؟ هل هناك من يستطيع تحمل الآخر . غرباء في دنيانا غرباء حتى على أنفسنا, أنعود من حيث أتينا لنغترب غربة على غربتنا , أم نعلن الحرب على غربتنا؟؟!!!!!!!!!
أستاذي الكريم
مازلت تتمنى وسأشاركك التمني , فهل سيأتي اليوم الذي تتحقق فيه الآمال أم أن الأمنيات ضاعت هباء ؟؟
خالص تحياتي

أشرف فوزي صالح
10-05-2009, 11:20 PM
ياسيدتي ستظل أمانينا ضائعة تائهة حائرة، لأنا تخلينا عنها في الوقت الذي كانت في حاجة منا إلى الاحتواء، وكانت لا تزال لدينا القدرة على فعل ذلك، أما الآن، ولم يعد لدينا شيء، وبتنا بلا قوة أو عزيمة، أو حتى قدرة على الاختيار، فهل ستعود تلك الأماني أو حتى تعرف طريقها إلينا؟؟!! .. أعتقد أن البداية لابد أن تأتي منا ، من داخلنا، من المصالحة مع النفس، ومع الغير .. من العودة إلى التمسك بالقيم والنخوة والكرامة .. من الرجوع إلى الله، والتوبة، والإنابة ، من عدم الجور على حقوق الآخرين، وإن كان لسد الرمق، أو الإبقاء على الحياة، فخير للمرء أن يموت حرمانا من أن يسلب غيره، ولو نفسا ليبقي على حياته، ومن ثمَّ فما بالك بمن يريد أن يقوض عُشَّ زُغْبٍ صغار ليتسلى برؤيتهم يموتون، أو يرى من بعيد موت أمهم الثكلى لهفة عليهم وألما وحسرة؟! ..
سيدتي أشكر لك كلماتك، ومرورك الكريم ..
ودمت بخير

راضي الضميري
11-05-2009, 12:14 AM
من يقرأ لك يشعر بالهدوء يخيم على كل الأجواء المحيطة به.

لن أقول أن هناك عواصف قد اجتاحت وتخللت لحظات الهدوء تلك ، لأننا أحيانًا ولكي نفهم أكثر يجب أن نخضع قلوبنا لميزان العقل كي ندرك أننا هكذا نعيش وهذا هو واقعنا الأليم ، وأننا أيضًا لن نسمح للضجيج من حولنا أن يفقدنا الأمل أبدا.

أستاذي الفاضل

لقلمك قوة السحر الحلال .

تقديري

أشرف فوزي صالح
11-05-2009, 12:29 AM
ياأخي الكريم، حسبما يقول علماء الفلك : تسبق العاصفة دوما لحظات هدوء، وقد طالت هذه الحظات، ولكن ما أخشاه أن تأتي العاصفة غير واعية، فتقضي، على مابقي من اليابس، فما عاد لدينا أخضر .. أما مسألة العقل والتعقل، فدعهما، فقد تنحينا عنهما منذ أن تنازلنا عن حقنا في العيش الكريم ..
دمت متألقا، ومبدعا، ولك من قلبي خالص الود

هشام عزاس
11-05-2009, 01:06 AM
الجميل / أشرف فوزي

صدقتَ أيها الكريم , بتنا نفتقدُ الوطن أرضا و حسا و حلما و ذكرى , و لكن رغم ذلك جذورنا تتشبتُ فيه باصرار و تعنت , و يكفي أن نسمع صدى كلمة وطن , لنحس بصحوتهِ في داخلنا .
نعم , نعتبُ على الأيام و على الأوضاع , و نقسو على أنفسنا , و أحيانا نشعر بأنّنا على وشك الاختناق , و لكننا لا نختنق .
أتعرفُ لماذا ؟؟؟ ببساطة لأننا لن نسمح لأولئك المتسلقين أن يطفئوا شعلة حبه في ذواتنا .
إنه شعور ليس نحن من نصنعه , و لكن أعتقدُ أن له مكانا متجذرا في أعماقنا البعيدة .
رحلة البحث عنه هي رحلة البحث عن أنفسنا , فمتى وجدناها وجدنا الوطن طافيا, و وقتما ضيعناها ضاع منّا في أغوار العتمة .

تحيتي لك ...

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام

أشرف فوزي صالح
11-05-2009, 01:35 AM
ياصديقي العزيز لولا هذه الشعلة، وهذا التجذر المتأصل في أعماق أعماق نفوسنا وذواتنا لأوطاننا لما كانت الحياة حياة، ولما أصبح الموت بعيدا عن تربتها راحة، ولكن ياأخي الكريم إلى متى سنظل على مانحن عليه ، بلا وطن في داخل أوطاننا، مع الوطن أيضا يئن لحالنا، ومما أوصلناه إليه ..
أشكر لك هذا التواضع الكريم بالمرور الطيب
ودمت بكل الخير

د. سمير العمري
30-06-2009, 11:53 PM
نص أدبي جميل أجد نسبه للقصة وقد استكمل الخصائص.

أما الغربة في الأوطان فهو أهون من الغربة في الأزمان وهي أهون من الغربة في الأبدان.

طوبى للغرباء.

أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.



تحياتي

أشرف فوزي صالح
13-07-2009, 08:28 PM
المتفضل د.سمير، أشكر لك هذا التفضل الرقيق بالمرور، ولكن ياسيدي، وأنتم تعلمون ذلك جيدا، الغربة هي الغربة، اختلف مسماها، أو تباينت أنواعها، المهم إلى متى، وإلى أي مدى يمكننا التحمل؟!
دمت سامقا، ولك خالص التحية وكل الود

د. سمير العمري
09-12-2010, 04:23 PM
المتفضل د.سمير، أشكر لك هذا التفضل الرقيق بالمرور، ولكن ياسيدي، وأنتم تعلمون ذلك جيدا، الغربة هي الغربة، اختلف مسماها، أو تباينت أنواعها، المهم إلى متى، وإلى أي مدى يمكننا التحمل؟!
دمت سامقا، ولك خالص التحية وكل الود

أشكرك أخي الحبيب على ردك الكريم ولكني أقول بكل الود: لا ، ليست الغربة هي الغربة.

أما غربة الأوطان فعلى قسوتها تظل طوع بصيص أمل بعودة إن كانت اغتراب من الخارج ، أو بخلاص إن كانت غربة في الداخل.

وأما غربة الأزمان فهي أشد وأقسى على النفس ذلك أن غريب الأزمان يدرك أنه لا مناص ولا خلاص فإن الزمن لا يعود للوراء ولا ينتهب الخطى للأمام.

وأما غربة الأبدان فهي الأشد والأنكى بما تثقل على النفس الكبيرة الهموم الكثيرة التي يعجز عنها البدن ، ويلتفت للقضايا التفصيلية التي تقوم عليها القضايا الكبيرة فينهره عنها القريب قبل البعيد. هنا يكون الألم الحقيقي الكبير.

فإن اجتمعت هذه الغربات الثلاث على نفس فقد عزلتها وغزلتها بعباءة الوحدة والتغرب.

وأقول مجددا .. طوبى للغرباء.


تحياتي

ربيحة الرفاعي
03-01-2015, 12:10 AM
الغربة وجع يزلزل الكيانات ويضعفها في مواجهة الواقع وهي تزداد قسوة أو تقل باختلاف طبيعة الغربة

قصة موفقة الطرح والأداء
دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
04-01-2015, 08:14 AM
نرسم صورة للوطن ونتشبث بها ونحنطها وتبقى طفلة مدللة لا تنمو في عقولنا ولا نريد لها ان تكبر متناسين أن للوطن أبناء يملكون أحلامهم التي من حقها تغير معالم الوطن وتجميله كما يرونه هم وكما يلائمهم هم فهم من يسكنوه وهم من يملكوه
نعود بعد ان سكن الاغتراب قلوبنا نريد التعويض بصورة الوطن القديم ، لن يعود كما كان فكما تغيرت تغير وكما تقدمت تقدم وكما أردت أن تكون الافضل أرادوا له أبناءه الافضل
فلا تعود بعد عشرين عاما تبحث عن رائحة الخبز في الطابون
قصة عميقة ومؤثرة
بوركت

نداء غريب صبري
27-01-2015, 12:28 AM
لن تدخل الأوطان في غيبوبة بانتظار عودتنا بعد أن نكتفي من هجرها
قصة جميلة أخي

شكرا لك

بوركت

أشرف فوزي صالح
01-07-2015, 10:08 PM
الفضليات الكريمات، الأديبات: ربيحة الرفاعي، خلود محمد، نداء غريب، شكرا لكن على كرم المرور على هذا الحرف المتواضع .. كل عام وأنتن والجميع بكل خير وحفظ الله أمتنا ورفع راية عالمنا العربي.

ناديه محمد الجابي
17-01-2019, 06:34 PM
ماأقسى الشعور بالغربة وأنت تعيش داخل وطنك ..! . ماأقسى الشعور بأن الوطن ليس وطنك ,
والأرض ليست أرضك , ماأقسى الشعور بأنك تعيش ببدنك فقط داخل الوطن .
أما نفسك فتحلق فى فضاء غريب , أما روحك فهى كالطائر فى القفص ,
مهيضة الجناح , مقصوصة الريش.
هى الغربة الأصعب .. عبرت عنها في مشهد ملفت بجمال السرد
وعمق الفكرة وروعة الأداء.
دمت بكل خير ـ وطوبي للغرباء.
:009::005::009: