تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المـقامة الخــنـزيــريــة



زكي السالم
11-05-2009, 01:25 AM
حدثنا عًبودُ سِليّم ، بحديثٍ كالدر قيّم ، تطربُ له الأسماعُ ، ويلينُ منه خَشنُ الطباع ، كأنه السيلُ في تحدره ، أو النبعُ في تفجره ، فعبودُ العابرُ للحدود إذا حدثَََ يأخذُ لبًّك بحُسنِِ حديثه ، ويأسرُ قلبك بسمينه وغثيثه ، فإن رفع صوته انسابَ كأُفعوان ، وإن غضَّ منه ارتاب كأُلعبان ، خير العارفين بعوادي الدهور ، وأول المتمرسين في خوافي العصور ، حلو العباره ، كأنه من فناني الهواره ، الذين ضربة قدمهم عالأرض هدّارة ، أنتو الأحبة والكنْ الصدارة ، كما قالت فيروز المغواره .
حدثنا في يوم جمعة ، وعبثاً حاول إخفاء دمعة ، فقال كنا نعيش في قرنٍ يُسمى الواحد والعشرين ، أحداثُه يشيبُ منها الجنين ، وأعاجيبُه تُضحكُ حتى مالك الحزين ، وكنا نعمل فيه الهوايل ، وتشغلنا عن ربنا الشواغل ، فمرة نحجُ مُلبين للتلفزيون ، ننهل مابه من رقصٍ ومجون ، نتناقز من قناة لأخرى خلف بنت وهبي ، وتحولُ أعيننا إذا طلعت علينا غوادالبي ، فنلوذ منهما ببنت مشعلاني ، فكأننا لذنا من الرمضاء بالنيرانِ ، فلا تؤثر فينا حكمةُ بنت عجرم ، فهي شنشنة نعرفها من أخزم ، ثم إذا بلغ بنا النسكُ مبلغه ، وكلٌ منا مال إلى عقله ففرغه ، اتجهنا إلى المسلسلات العربية ، من ليالي الحلمية إلى ليالي الصالحية ، ومن باب الحارة ، إلى ليش ليش ليش ياجارة ، ومن خلك معي وأبو هباش ، إلى غشمشم وطاش ما طاش ، ثم إذا اشتقنا للرفس والنطح والنح والدح ، والركل والطحل ، والمغازل البذيء ، المفعم بكل ما هو دنيء ، لوينا عنقنا للمسلسلات الخليجية ، فرأينا فيها الهم والأذية ، فبينا نحن بحالنا مشغولون ، وبما نجترحه مفتونون ، إذ نُفاجأ بخبر مثير ، عن مسكينٍ يُدعى الخنزير ، حيثُ اُتهم بجريرةٍ كبيرة ، وهو بعيدٌ عنها بعد العربية عن الجزيرة ، ولكنه ظلم الإنسان ، لا يُحدُّ بزمان ولا مكان ، اتهموه بمسؤوليته عن الأنفلونزا ، وحملوهُ مصائب البشر منذ آدم حتى هذه الحزة ، فلم يستطع بما أُوتي من جمالِ رفسة ، أن يدافع بها عن نفسه ، فهو لم يُعطَ سعةً عقلية ، لينطح فيها عتاة البشرية ، فاستسلم لبطش الجلاوزة ، لينفثََ كل جلواز فيه غرائزه ، فأوطأوا السيف رقبته ، ولم يمهلوه ليعلن توبته ، فكما نعرفُ أن المتهم بريء حتى تثبتَ إدانتُه ، لا مُدانٌ حتى تكفله خالتُه ، واسمعْ أيضاً يا صاحبي ، ما لم يروهِ الزمخشري ولا الكواكبي ، فالحدث جِدُّ خطير ، ولا يُنبئك مثل خبير ، فزماننا يحمل من العجائب ، ما لا تحملُه بُجر الحقائب ، حيثُ انقسم الناسُ في المرض ، فهم ليسوا سواءً وكلٌ له غرض ، فمن حاشرٍ بالكمامة أنفه ، وخائفٍ أن يلقى بهذا الداء حتفه ، إلى من يُحمّلُ خنزيراً ليعدمه كتفه ، غير مدرك أنه بفعلته يمشي للموت بزفة ، ومن مطمئنٍ شعبه أن الخطر عنهم بعيد ، إلى من أرعبهم ظناً أنه يضرب العدوى بيد من حديد ، فأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر ، خشية أن يفنوا كهشيم المحتضر ، فأصبحنا نعدو كالحُمُرِ المستنفرة ، التي فرت من قسورة ، وصرنا من هول ما بنا في حيص بيص ، كأننا نفتشُ دون جدوى عن رأس غليص ، فنسينا ما نجترحُه من هوايل ، وشغلنا خوفُنا عن الشواغل ، فهجرنا المسلسلات العربية ، مردفينها بأختها التركية ، والحلمُ الذي كان يملؤنا في نور ومهند ، من رؤوسنا الفاضية طار وتبدد ، فتبدلت صورة مهند التي تعجبنا ، بصورة الخنزير التي تُرعبُنا ، فجلسنا يرقبُ بعضنا بعضاً ، وأعيننا لا تعرفُ للنوم غمضا ، لعلنا نرى أحداً .. عيناه في رأسه دواره ، وسناسينه من أنفه فواره ، وسعابيله من شفتيه هداره ، فكما أُُخبرنا أن هذه أعراض المرض ، ولسنا على استعدادٍ أن يُصبح أحدنا حَرَضَ ، ولا أن يكون من الهالكين ، فلا نامت أعينُ الشامتين ، ثم لما بلغ التخويف والترويعُ مبلغه ، وصار الوسواس يسكن أفواهنا لنمضغه ، تذكرنا فجأةً أن لحم الخنزير حرام ، كما أوصانا الله في سورة الأنعام ، فقاطعناهُ زرافاتٍ ووحدانا ، وقلنا إن البارئ لم يحرمه إلا ليرعانا ، وصرنا نعظُ الناس بعظمة الدين ، وكيف إنه ينظر بعين اليقين ، فافتقرت من مقاطعتنا شركاتٌ غنية ، وهي التي لم تصحُ بعدُ من الأزمة المالية ، فصارت الأمم المتحدة بنا تتضرع ، فضربتان في الرأس توجع ، وتراجع العالم عن مبالغته ، وأدرك عظم وخطر غلطته ، فقال كلوا لحم الخنزير هنيئا مريئا ، فهو كان وما يزال بالبروتين مليئا .. فعدنا مرةً أخرى في حيص بيص ، وقلنا إن هيفاء وأليسا ومهند خير لنا من هذا التخبيص ..

فاطمه عبد القادر
11-05-2009, 08:14 AM
فقال كنا نعيش في قرنٍ يُسمى الواحد والعشرين ، أحداثُه يشيبُ منها الجنين ، وأعاجيبُه تُضحكُ حتى مالك الحزين ، وكنا نعمل فيه الهوايل


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلمت يدك ايها العزيز زكي
نصك مميز ,,فيه ما فيه من قديم الأسلوب
والفكاهة اللاذعة ,,,والنقد الجميل
ينزع الأقنعة عن المآسي وهو يغرق من الضحك
أشكرك ,,استمتعت بقراءته عدة مرات
ماسة

وفاء شوكت خضر
11-05-2009, 09:30 AM
التقى الأدب الساخر هنا بفن أدب المقامة ، أسلوب جميل وإن حاد في بعض أحيان للعامية ..
قدرة متفوقة على التسلسل التصويري والفكري ليظهر لنا سوء حال هذه الأمة / الأزمة ، الفكرية والفنية
والسياسية والاقتصادية ..

رسمت ابتسامة على شفاهنا تفوق ابتسامة المونوليزا ..

تحيتي ..

زكي السالم
11-05-2009, 11:40 AM
فقال كنا نعيش في قرنٍ يُسمى الواحد والعشرين ، أحداثُه يشيبُ منها الجنين ، وأعاجيبُه تُضحكُ حتى مالك الحزين ، وكنا نعمل فيه الهوايل


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلمت يدك ايها العزيز زكي
نصك مميز ,,فيه ما فيه من قديم الأسلوب
والفكاهة اللاذعة ,,,والنقد الجميل
ينزع الأقنعة عن المآسي وهو يغرق من الضحك
أشكرك ,,استمتعت بقراءته عدة مرات
ماسة
الأستاذة الفاضلة المتألقة فاطمة .. السلام عليكم
شكرا لمروركم هنا .. والشهادة التي أعتز بها
ومسرور جدا أن تمكنت من زرع ابتسامة صغيرة على محياكم
وسرور أكبر بقراءتكم المتعددة لهذا النص اللاهث
آمل أن أكون عند حسن الظن دائما

نادية بوغرارة
11-05-2009, 11:52 AM
مقامة أبدعتَ في التنقل في مواضيعها ، و سخرية كشفت بعض مآسينا ،

و بسمة مسحت شيئا من الحزن الطافح من سطور نصك .

سعدت بمروري من هنا .

هشام عزاس
11-05-2009, 06:27 PM
الجميل / السالـم

مقامة ساخرة و لاذعة في نفس الوقت , تعكسُ واقعنا المرير للأسف , و انسياقنا نحو المستجدات التي تطرأ بحياتنا كتبعية عمياء , دون أن نرهق أنفسنا في تحليلها و غربلتها , و كأننا أصبحنا وعاءً يقبلُ كل شيء يتمُ وضعه فيه , و يتسعُ و يضيق دون أن ندرس حركة تمدداته و تقلصاتهِ إن صح التعبير .

نصكَ من الأدب الساخر , و أظن أن استعمالك لبعض المفردات العامية فيه تتماشى و المضمون العام للفكرة و كذا روح النص , و يفهمها كل من يمر عليه دون أدنى شك.

اسمح لي بنقل النص إلى منتدى الأدب الساخر .

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام

زكي السالم
12-05-2009, 07:32 AM
التقى الأدب الساخر هنا بفن أدب المقامة ، أسلوب جميل وإن حاد في بعض أحيان للعامية ..
قدرة متفوقة على التسلسل التصويري والفكري ليظهر لنا سوء حال هذه الأمة / الأزمة ، الفكرية والفنية
والسياسية والاقتصادية ..

رسمت ابتسامة على شفاهنا تفوق ابتسامة المونوليزا ..

تحيتي ..
أختي الفاضلة الأستاذة وفاء .. صباح الخير
شاكر حتى الثمالة ومفعم بفضلك من رأس إلى قدم لهذه المداخلة وللرقراق من ألفاظك ..
أختي بالنسبة ( للحياد للعامية ) فهو مقصود وعن سبق إصرار وترصد .. فقالب المقامة الساخر بحاجة لتطعيمه بهذا المنحى حتى تصل الفكرة ..

تحياتي

زكي السالم
13-05-2009, 07:41 PM
مقامة أبدعتَ في التنقل في مواضيعها ، و سخرية كشفت بعض مآسينا ،

و بسمة مسحت شيئا من الحزن الطافح من سطور نصك .

سعدت بمروري من هنا .

اختي الفاضلة نادية .. سعدتُ كثيرا أن رسمتُ ابتسامة على محياك ..
شكرا لتشريفي في هذا النص المتواضع

زكي السالم
13-05-2009, 07:44 PM
الجميل / السالـم

مقامة ساخرة و لاذعة في نفس الوقت , تعكسُ واقعنا المرير للأسف , و انسياقنا نحو المستجدات التي تطرأ بحياتنا كتبعية عمياء , دون أن نرهق أنفسنا في تحليلها و غربلتها , و كأننا أصبحنا وعاءً يقبلُ كل شيء يتمُ وضعه فيه , و يتسعُ و يضيق دون أن ندرس حركة تمدداته و تقلصاتهِ إن صح التعبير .

نصكَ من الأدب الساخر , و أظن أن استعمالك لبعض المفردات العامية فيه تتماشى و المضمون العام للفكرة و كذا روح النص , و يفهمها كل من يمر عليه دون أدنى شك.

اسمح لي بنقل النص إلى منتدى الأدب الساخر .





إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام
أخي الاستاذ هشام شكرا لهذه اللمسات الرقيقة التي تفضلت بها على النص ..
والمقامة بأمرك ولكم حرية نقلها في أي مكان
تقبل مودتي

مصطفى السنجاري
30-09-2009, 06:52 PM
**)) أبدعت أيها الشاعر الهمام
فلك مني أحر السلام

عبد الغني سهاد
13-02-2010, 09:36 PM
لابد ا نك سيدي مبدع فد في فضاء المقامة العربية القديمة الساخرة لكن من واقع جديد كل مافيه يدعونا الى السخرية .. بارك الله فيك وحفظك من كل مكروه ...