المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : .... الطلقةُ الأخيرة ....



محمد فكري
12-05-2009, 12:18 PM
.... الطلقةُ الأخيرة ....

من أينَ يبداُني الكلامُ وكلُّ حرفٍ فيَّ يرحلُ في اتجاه!!

ولمن سأُكتَبُ قصَّةً..

وأمامَنا القصّاصُ يفقاُ أعيُنَ المتعلّمينَ فيصرخُ الجهلاءُ أن..

سَلِمَتْ يداه


سافرتُ في كلِّ المعاجِمِ باحثاً عن مصدرِ الـ (قلبِ) المُمَزَّقِ بيننا

فعلِمتُ أنّ القافَ من قدسٍ أتت واللامَ من لُبنانِنا

والباءَ من بغدادَ جاءت ليسَ يعرِفُها أحد

إلا بذورُ الشوقِ للحرمِ الحزينِ وأفرُعُ الزيتونِ

والظلُّ المُقيَّدُ في حبالٍ من مسد

ويظلُّ هذا الظِلُّ يبحثُ عن جسد

حتى يشاهدَ طفلةً تبكي..

فمنذُ الأمسِ ما زالت تَعُدُّ على أصابِعِها ذويها النائمينَ إلى الأبد

هل...سبعةٌ!!

بالأمسِ كنتُ أعُدُّهُم مِلءَ اليدينِ فكيفَ قد نقُصَ العدد!!

أم أخطأ الأستاذُ لمّا قالَ أنّا نستطيعُ العدَّ حتى خمسةٍ في كلِّ يَدّ

يا أيها الأستاذُ قد نقُصَ العدد!!

وازدادَ يأسُ يمامِنا العربيِّ محتضِناً سِهامَه

سقطَ الجميعُ وما تبقت غيرُ زرقاءِ اليمامة

وابيضّتِ الزرقاءُ إذ مرّت سنينٌ

وانحنى للحُلمِ ظهرٌ يكسِر التحليقَ لا أملٌ هناكَ ولا ابتسامة



كانت تظنُّ بأنَّ طعمَ الحُلمِ ممزوجٌ بسُكَّر

وبأنَّ رفرفةَ الجِناحِ ستستعيدُ نجاحَها بعدَ الهزيمةِ في المعسكر



وبأنَّها وبأنَّها..لكنّهم..

قد أيقظوا الأحلامَ من أحلامِها..

عجزوا عن التمييزِ بينَ بياضِها السِّلميِّ واللونِ الكئيب

ظنّوا بأنَّ يمامةً ستبيعُ نخوَتَها لتُنتِجَ بيضَةً ذهبيّةً..

أو أنْ تُدِرَّ لهم شراباً من حليب!!

ستّونَ عاماً..والجَناحُ بلا فضاء

يا قدسُ كم ناداكِ شِعرٌ وارتوى منكِ البكاء

إنّي اختصرتُ الأبجديةَ كلَّها ألِفاً وياء

ناديتُ باسمِكِ فلتُجيبي قبلَ أن يَفنى النِّداء

هُزِّي إليكِ بجذعِ هذا المِدفَعِ المغروسِ في قلبِ الشّقاء

هُزِّي..فقد جاءَ المخاضُ وطلقةٌ أخرى ويولَدُ بينَ كفِّكِ بئرُ ماء



هُزِّي إذن كي ترتوي لُبنانُ من نبعِ القلوب

لُبنانُ والسجّادةُ الخضراءُ فوقَ تُرابِها..

وحُلِيُّ بنتِ الشمسِ تُنثَرُ في الدروب

ما زِلتُ أبحثُ في شمالِكِ عن جنوب!!



ما زلتُ ألمَحُ في خدودِكِ ألفَ آهٍ كلُّ واحدةٍ تُحَمَّلُ باثنتين

فلِمَ البكاءُ وأنتِ مَن طلَّقتِ دمعَكِ في عيونِكِ مرّتين!!

والآنَ اخِرُ طلقةٍ هيّا انطِقيها واسلُكي في الحبِّ دربي

وابدأي بالفرحِ أوَّلَ خطوتين

أنتِ التي إن أبعدونا إذ مررتِ بجانِبي..

يتصافحُ الظِّلانِ في بُعدِ اليدين



فمتى أصافِحُ في هوى بغدادَ كفَّ تُرابِها

ومتى سأمضي حافيَ القلمينِ فوقَ كتابِها



بغدادُ مسرحُنا الحزينُ وكلّ يومٍ مسرحيّة

لا تبتدي إلاّ إذا نامَ الصغارُ وتنتهي معَ بَدءِ قصفِ المروحيّة



أطفيء عيونَكَ كي ترى ما مسرحيةُ يومِنا!!

الآنَ ينزِفُ ذلكَ العربيُّ في كلِّ البِقاعِ الآنَ تكتَمِلُ الوَليمة

ليست بصِبغةِ سائِلٍ تجري احمِراراً إنّما..

هَذي دماءٌ أتقَنَتْ فنَّ النزيفِ فأهّلتنا أن نكونَ الأوّلينَ بكلِّ ساحاتِ العزيمة


هَذي الدماءُ الجارياتُ على طريقِ عروبتي..

قد أهّلتني أن أخونَ حبيبتي بطهارةٍ

وبرغمِ أنّي عاشِقٌ ما زِلتُ في العشرينَ شابّاً شاعِرا



وبرغمِ أنَّكِ نبضةٌ تُحيي الفؤادَ لألفِ عامٍ بعدَ ألفٍ من دمار

أنا آسِفٌ..منذُ ابتداءِ الأرضِ تسبَحُ في المدار


أنا آسِفٌ..حتّى انتحارِ الشمسِ في وضحِ النهار

أنا آسِفٌ يا حُلوتي..أرجوكِ لا تترفّقي لا تقبلي منِّي اعتذار!!



فصّلتُ من كفني المؤَجَّلِ بدلةً وعباءَةً للعُرسِ

فانتظِري حبيبَكِ كي يعودَ بما معَه

أنا راحِلٌ لأموتَ ألفي مرَّةٍ في القدسِ..في لُبنانَ..في بغدادَ

في يومِ الزَّفافِ إذا تزوّجتُ الثلاثةَ والبخورُ يفيضُ حولي من غبارِ المَعمَعة

لا تقلقي..

سأعودُ يوماً ها هُنا..

حتّى وإن قد جئتُ محمولاً على الأعناقِ

فانتظِري حبيبَكِ واستَعِدّي للزفافِ بفرحةٍ..

فالشّرعُ يسمَحُ في الزواجِ بأربَعَة



لا تقلقي إن مسَّني جوعُ الهوى أو ذقتُ في حلقي انتغاصَة

حتّى وإن ما عادَ في أمعاءِ مِدفَعِيَ الصغيرِ سِوى رَصاصَة



لا تقلقي..

فالنصرُ ليسَ يخافُ من نقصِ الذخيرة

الآنَ أكشِفُ سِرَّ موتي فاشهدي-حبّاً-

لقد خبّأتُ نصري ها هُنا في طلقةِ الموتِ الأخيرة

الهام احمد سعد
12-05-2009, 11:01 PM
المبدع العزيز المتميز دائما / محمد فكرى
حقا سلمت يداك
الطلقة الاخيرة رائعة اخرى من روائعك
انا احب تلك القصيدة وسعدت كثيرا بنشرها هنا
وسعيدة ايضا انى اول المعانقين لهذا النص الرائع الذى طالما اسعد بقراءته
دمت مبدعا ورائعا
تقبل خالص تحياتى وتقدرى
إلهام أحمد سعد

محمود عبد الفتاح
13-05-2009, 05:35 AM
سافرتُ في كلِّ المعاجِمِ باحثاً عن مصدرِ الـ (قلبِ) المُمَزَّقِ بيننا

فعلِمتُ أنّ القافَ من قدسٍ أتت واللامَ من لُبنانِنا

والباءَ من بغدادَ جاءت ليسَ يعرِفُها أحد

الشاعر / محمد فكري

أدهشتني قصيدتك كثيرا بما فيها من صور رائعة متنوعة
وهذا الجزء الذي اخترته هو أكثر جزء أدهشني في القصيدة

فقد تخلل حب الوطن العربي في قلبك حقا لأنك استطعت أن تصل إلى هذا التعبير

جمع الله شمل سرورنا رغم كل ما تمزق بيننا

تحياتي إلى قلبك وقلمك

محمود عبد الفتاح

حازم محمد البحيصي
13-05-2009, 10:14 AM
الحبيب محمد فكري
نص باذخ بحق رائع بديع قوي المعنى والمبنى جميل السبك
تنوع فى الالفاظ والاساليب على وتر الوفاء للارض
دمت مبدعا
تحيتى لك

محسن شاهين المناور
13-05-2009, 06:18 PM
أخي الحبيب محمد فكري
مرحى لهذا الحرف السامق وهذا الشعر الراقي
رغم مسحة الحزن والشجن والألم والجراح المثخنة
بقيت قوة المعنى والبناء تحرك النفس والشعور
دمت ودام ابداعك المميز وحرفك المضيء

تثبت تقديرا

مازن لبابيدي
13-05-2009, 07:44 PM
الأخ الشاعر المبدع محمد فكري
قصيدة رائعة بحق ، قوية المعنى عميقة الدلالات ، متدفقة سلسة
سلمت بنبضك وحرفك
تحيتي العطرة

أحمد موسي
13-05-2009, 07:54 PM
سلمت يمينك أيها الغالي

والله جميله قصدا وقصيدا

وأقل ما يقال فيها أنها رائعه

دمت مبدعا ومشرقا كم أنت

تحياي

أحمد موسى

مجذوب العيد المشراوي
14-05-2009, 08:33 AM
نص رأيت أنه ما زال يتناثر فينا بهاء . .

قرأت وتجوّلت فعلا .

أميرة عمارة
14-05-2009, 11:58 AM
أخي الكريم
بارك الله فيك
وفي هذا القلم المبدع
الشامخ
الذي حمل هم الأمة في كل سطر من القصيدة
تحيتي لك
أميرة عمارة

محمد فكري
15-05-2009, 08:21 AM
أحبتي جميعاً..
شكراً لكم على جميلِ حضورِكم
..
وعذراً مني على غيابٍ سيمتدُّ لعشرينَ يوماً

:
دمتم بخيرٍ حتّى لقاء

حسنية تدركيت
16-05-2009, 10:38 PM
جميل جدا ما كتبته اخي الفاضل

لا فض فوك

د. سمير العمري
26-09-2010, 04:29 PM
محمد فكري ... أنت شاعر من الطراز الكبير تتقن الصنعة الشعرية في كل حالك وتغوص في دلالات الألفاظ و تضمين المعاني بما يجعل لقصائدك رونقا مختلفا ومميزا!

أحيي فيك هذه القدرة الفائقة وأثني على حرفك السامق!

دمت محلقا متألقا!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

ربيحة الرفاعي
30-09-2010, 08:49 PM
ما شاء الله
قصيدة بديعة المبنى باهرة المعنى
وحس قومي عميق سكن الحروف وتدفق عبرها بكل ألق الولاء

صور مدهشة ومفردة رصينة رائقة

دمت مبدعا