تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عن الموت والحب والرحيل



راضي الضميري
18-05-2009, 11:29 PM
لساعات الرحيل حزن يدمي القلوب ، يحرق الأفئدة ويحيل الليل إلى نهار والنهار لا يدور لا يعلم إلى أين سيذهب ومتى الليل سيرحل كي يعود ، يطير النوم ويتغيّر المناخ ويتوه الوقت في الفضاء ، وتنعدم كل السبل أمام الحياة لتجلس تحت خط الاستواء تمامًا عاريًا مكشوفًا أمام نفسك وكل الكائنات من شدّة حرارة الموقف ولحظات الوداع ، فتأتي الدموع محمّلة بدفاتر الذكريات وأيام الشوق واللقاء ، مات فلان يرحمه الله كان اسمه فلان وكانت وكان وهذا هو حال الدنيا وحال الأنام .

لطالما رأيت الموت يمشي من أمامي ومن خلفي ، يأخذ منّا ما نحب ومن أحبّنا ، ويترك لنا علامات وآثار لكي نتعظ وننتبه إلى ما هو قادم ، و نظرًا لانشغالنا بمصاب الفقد غالبًا لا نعير أي انتباه لكل ذلك ؛ فننخرط في الحزن والدموع تنفجر كينابيع اخترقت الأرض بعد أنْ ضاقت عليها بما رحبت ، ننسى أنفسنا ونغرق في أحزاننا ونتخيل من مات للتو ونكاد لا نصدق أعيننا ، أهذا من كان قبل قليل يكلمنا وتشع البسمة من وجهه ؟ما به لا يحرك ساكنا تخاطبه فلا يرد عليك تهمس في أذنه فلا تسمع جوابا ، تنظر من حولك وفي كل الوجوه فترى حالهم لا يختلف عن حالك ، غير أنّك لست مصدق أنّهم يعانون مثلك ، فلكل حزن إحداثياته الخاصة وظروفه وتشكيلاته التي بُنيت على حسب ما شكلته الأيام والشهور والعقود من أحداث ، لكنك لا تقتنع أنّك مثلهم فحالة التعب المصحوبة بالذهول تأخذك بعيدًا وأنت تدور بين نفسك وعقلك عن منفذ يخرجك من فوضى الألم وثورة الوجع وانتفاضة الأنين عليك وأنتَ تخنقك العبارات من هول نار الزفير ولهيب الشهيق وصدرك ينتفخ وينقبض بشدّة فيخيّل إليك أنّك ستتمزق وتتناثر في أية لحظة ، فماذا لو كنت وحيدًا ومرّرت بذلك يا قلب يا إنسان ؟

الحزنُ مشروع والدموع لها حضورها الذي يخفّف بعض الألم ويطفئ شعلة اللهب في صدر كأنّه بركان يتفجّر تسمع فيه صوت العظام وهي تطقطق من خفقان القلب وانقباضاته التي تفوق قوة الزلزال . ولكنّ الموت حق وكلنا سنموت وستصبح أيامنا هذه ذكريات لها حضورها بقدر تأثيراتها على القلب والعقل ، نبدأ من الأمّ قلب الدنيا النابض إلى الأب عماد البيت والأسرة ، مرورًا بالأخت والأخ والزوج إلى الأبناء زينة الحياة الدنيا والأقارب والجيران ، لنصل إلى الحبيب ثمّ الصديق ، فلكل واحد منهم وجود خاص به وله ، وللقلب ميزانه وذاكرته التي لا تمحَ ، و نتذكّر كل ذلك في لحظات الفراق وما يعقبها ويا لقسوتها من لحظات !.

في حياتي مرّرت - كما هو حال الجميع – بأيام الموت وما رافقها من عذاب منها ما ذهب لحاله نتذكره على عجالة فنذكره بالرحمة ، ومنها ما بقيّ في القلب لا يغادره فهو فيه مقيم ، وحضوره وغيابه عن شبكية العين والمخيخ له طقوسه الخاصة وألمه الذاتي فلا يشعر به أحد ولا يقيّم حجم غيابه سوى أنت ، وقبل قليل أيقظتني أختي أم إبراهيم رحمها الله ، ورأيتها كأنّها أمامي ، لا أدري ماذا حدث لي ، ففي لحظة رأيت كل أيامي التي عشتها معها تمرّ أمامي ، أتذكّرها وأكاد ألمسها بيديّ ، ثمّ أعود إلى واقعي فأقول رحمها الله فقد ارتاحت من هذه الدنيا وهمومها ، هكذا نقول جميعًا ، وهكذا سنقول غدًا أو بعد غد أو بعد سنيين فالعلم عند الله تعالى متى سيكون الرحيل .

وكما للأهل حضور في القلب فللأصدقاء حضور كبير أيضا ، وصديق القلم لا ينسَ أبدًا ، فهو من شاركك أفراحك وأتراحك ، وهو من نصحك ووجهك وطيّب خاطرك بكلماته العذبة والجميلة ، وأمدّك بقوة معنوية كبيرة ، فلم تعد تخشى لحظات الضعف التي كانت تنتابك وأنت تكتب ، فتنطلق بثقة وعزم كبيرين ، صديق القلم له جمال مختلف ، وصديقك الآخر له حضور غير عادي أيضا والصداقة تبقى هي الصداقة بمفهومها النقي العذب .

وعن الحبيب والحب والرحيل ، لن أتكلم كثيرًا ، فلطالما سألت الله تعالى أنْ يكون رحيلي قبل رحيله ، غير أنّ لله حكمة بالغة في كل شيء ، فلم أعد أتمنى أي شيء من جهة الرحيل وسلمت الأمر لصاحب الأمر ، وقلت ذات يوم في نفسي إنا أحب كل أهلي و حبيبي وأصدقائي وهم أيضًا يحبونّني ولو تمنيت الموت قبلهم جميعًا ومتّ فعلًا فكيف سيكون حالهم ؟ وأنا الذي لا يريد أنْ يتألم لموتهم أتراهم لن يتألموا هم أيضا ؟ وكيف بحبيبي بشكل خاص لو رحلت أو رحل عني ؟ يا الله كم نحن ضعفاء ! وكم نحن قساة على أنفسنا ! أليست هذه الدنيا لو دامت لغيرنا ما اتصلت إلينا ؟ لذا تركت السؤال والأماني للغفور الرحيم ، وقلت إنّ خير ما أفعله لهم هو أنْ أكون نعم الابن للأم والأب وأن أحفظ حقوق الأخوة والصداقة وحقّ الحبيب بما يرضي الله تعالى ، وحسبي أنْ أراقب نفسي وأرجو النجاة لي ولمن أحب ، وأنْ أقرأ قبل النوم آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة لأنام على وعد بيوم جديد أو حياة أخرى نتوسم فيها الخير بحسن الظن بإلهٍ لا تعدل عنده الدنيا وما فيها جناح بعوضة ، وقد أمسك عنده تسعة وتسعين جزءً من الرحمة وهي للبشر جميعا ؛ فبأي حال أقبل أيّها الإنسان وضع أمام ناظريك أنّه سبحانه غنيّ عنك وعن عذابك ، فأقبل ولا تدبر والموت نهاية كل شيء والرحيل إلى الحياة الأخرى له وقت معلوم ينتظرنا ولا نعلمه .

أطال الله في عمركم جميعًا وأحسن ختامنا وثبتنا وإياكم على دينه في الدنيا والآخرة .

حسنية تدركيت
18-05-2009, 11:47 PM
الأمر لله من قبل ومن بعد , أخي الأديب راضي الضميري لقد عبرت عما أحسه أحيانا كثيرة , لكن أخي ربما نغفل عن حقيقة الدنيا وأنها قنطرة نعبر عليها إلى دار الخلد , ولو قدر لأحد أن يخلد لكان ذلك لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام , برد اليقين والإيمان يخفف من حقيقة أن الموت والفراق شيء مؤلم , ورحمة الله أوسع وأشمل ولاشك أن الله برحمته سيشملنا ويغمرنا بلطفه فلا رب لنا سواه ..جزاك الله خيرا أخي راضي الضمير وأسعدك في الدارين .

شريفة العلوي
18-05-2009, 11:52 PM
أخي العزيز الأديب راضي ضميري
إن النصوص كائنات حية فهي تمدنا بالطاقة واي كانت هذه الطاقة سواء أكانت طاقة ألم يخطه الإبداع أم طاقة جنون فن تمر بحمة الأماني وتحترق تحت صرير القلم كما يحترق الذهب الخالص الا انها عالم يعيشنا ونعيشه ..نصك هنا يختزل بإبداع مدهش الحياة بكل مقوماتها بأحزانها وأوجاعها بفراقها ولقائها , نص بالفعل يمثل قطنة جروح مطهرة وبلسم يداوي بل يمثل كأس ماء بارد تقدمه لك يد الصدفة في الصحراء , نص ينسج من خيوط الوجع أكيل ورد لم ينبت في الثرى وكأنه نبت في الغمام ..الأمر دائما وأبدا لله تعالى ..ربنا يتولى موتانا برحمته ويمد أحيائنا بالايمان الى أن نقابل وجهه الكريم ..
دمت اخي بكل خير .

مازن لبابيدي
19-05-2009, 10:34 AM
الأخ والحبيب راضي الضميري
ما أصدق ما كتبت أخي ، يبدو أننا نعيش في أيامنا العادية وكأنه لا موت ، ثم ينزل علينا الخبر كالصاعقة ، فلا أدري أنبكي الميت أم نبكي أنفسنا إذ تذكرنا فجأة أن هناك موت ؟
خاتمة مقالتك في غاية الروعة ، والله لقد كدت تنجح في اعتصار الدمع من عيني لو لم يسعفني الممرض بقوله أن هناك مريضة في غرفة الطوارئ .
أخي راضي أرجو أن أكون صديق قلم لك ، فلعلك تذكرني بخير في يوم من الأيام .
أطال الله عمرك بالخير ومتعك بالعافية ، ورزقك السعادة في الدارين .

عطاف سالم
19-05-2009, 02:01 PM
يالهذا البهاء والطهر والجمال الذي خالج روحي هنا ..!
نثارات حكيمة شجية أنيقة ورقيقة وتفوح شذا من عميق الشعور ..
دمت بكل الود والتألق الدائم أيها الأديب الكبير وأخي العزيز راضي الضميري
تقبل تحيتي وكل تقديري
ولاعدمناك قلماً معبراً ومؤثراً كعادتك
قلت مرة :
غداً نكرر للشمس بعد الممات :
أشرقي أو لا تشرقي إنما الدنيا ظلام !

للموت قشعريرة لاشك تكوي المُهج
وللرحيل احتراق لايزول أثر ميسمه
وكذا للحب آثار من الإستحالة أن تمحى بمضي الزمان
تقبل الله منك دعوتك الطيبة النبيلة في آخر المقال ورزقك بمثلها وزيادة
سلمت ودمت في كل حال وبألف خير
:0014:

هشام عزاس
19-05-2009, 05:24 PM
الحبيب الصديق / راضي الضميري

حرفك ينفذُ في القلوب برقته و عذوبة لفظه , و يضفي هالة من السكينة و الهدوء على قلوب أفجعها الفقد و آلمها رحيل الأحبة .
نعم أيها الجميل هو فراق آني دنيوي حتى يأتي اليوم المعلوم الذي تعود فيه الطيور المهاجرة إلى أراضيها التي نتمناها خضراء , بل و التي يجب أن نعمل و نكدّ و نجتهد لتكون خضراء , و كما قلت أملنا في الغفور الرحيم أكبر من أن تقف أمامه جحافل القنوط .
و لكننا كبشر خلقنا في كبد , و تلك مشاعرنا تطغى علينا أحيانا فتطمسُ نور البصيرة في لحظات اليأس و الألم المرير , و لكننا دوما ما نسترجع أملنا لأننا على يقين بلقاء قريب , أو لأننا نعرف بأنّ هناك عدالة ربانية لا نظلم فيها و لا نحزن أبدا, أو لأنّ ما نقدّمه اليوم سنجده غدا خيرا كان أم شرا .
هكذا نحن سنظل بضعفنا الذي لا توازيه القوة بالمفهوم المرادف للضعف , و إنما قوة الإيمان و التي هي السبيل الوحيد لكي نحافظ على اتزان العقل و القلب معا .

أسأل الله أن يجمعك و أحبائك في أراضيه الخضراء .
أحبك في الله ...

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام

خالد الهواري
19-05-2009, 06:01 PM
ساقراء اولا وثانيا ثم اعود برد
ولكن اولا احببت ان احيك علي روحك الجميلة التي دائما ما تدفعك لان تكون بجوار من هم مثلي
واحي ردودك القيمةواخلاقك العالية فانا من اشد المعجبين
هههههههههههه

ساعود
خالد الهواري

راضي الضميري
20-05-2009, 02:33 AM
الأمر لله من قبل ومن بعد , أخي الأديب راضي الضميري لقد عبرت عما أحسه أحيانا كثيرة , لكن أخي ربما نغفل عن حقيقة الدنيا وأنها قنطرة نعبر عليها إلى دار الخلد , ولو قدر لأحد أن يخلد لكان ذلك لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام , برد اليقين والإيمان يخفف من حقيقة أن الموت والفراق شيء مؤلم , ورحمة الله أوسع وأشمل ولاشك أن الله برحمته سيشملنا ويغمرنا بلطفه فلا رب لنا سواه ..جزاك الله خيرا أخي راضي الضمير وأسعدك في الدارين .

ونحن في رحلة وعابري سبيل ، كم نتمنى أن لا يكون ظلنا على هذه الأرض ثقيلا ، فتحتها هناك ما هناك يا ندى الصبار.

والفراق آتٍ لا محالة ، وعلينا أن نستعد له جيدًا ، ورحمة الله وسعت كل شيء ، صدقت يا أختاه في كل حرف نثره قلمك وقلبك الطيب النقي .

نسأل الله العفو والعافية والنجاة للجميع .

كوني بخير

مينا عبد الله
20-05-2009, 05:31 AM
كم من الحزن يسكن النفوس ... على فقد أحبة لنا

بالامس القريب كنت أظن ان الموت يمس كل أحبة الآخرين .. إلا إحبتي ، اصدقائي ، القاطنين في القلب

وعلى حين غفلة مني سرق الموت وبفترة متقاربة حبيبين ... بعدها تعلمت ان الموت رفيق الخطوة ولكننا غافلون


استاذي الفاضل راضي الضميري ...

لك التحايا والتقدير

مينا

راضي الضميري
20-05-2009, 01:48 PM
أخي العزيز الأديب راضي ضميري
إن النصوص كائنات حية فهي تمدنا بالطاقة واي كانت هذه الطاقة سواء أكانت طاقة ألم يخطه الإبداع أم طاقة جنون فن تمر بحمة الأماني وتحترق تحت صرير القلم كما يحترق الذهب الخالص الا انها عالم يعيشنا ونعيشه ..نصك هنا يختزل بإبداع مدهش الحياة بكل مقوماتها بأحزانها وأوجاعها بفراقها ولقائها , نص بالفعل يمثل قطنة جروح مطهرة وبلسم يداوي بل يمثل كأس ماء بارد تقدمه لك يد الصدفة في الصحراء , نص ينسج من خيوط الوجع أكيل ورد لم ينبت في الثرى وكأنه نبت في الغمام ..الأمر دائما وأبدا لله تعالى ..ربنا يتولى موتانا برحمته ويمد أحيائنا بالايمان الى أن نقابل وجهه الكريم ..
دمت اخي بكل خير .
أحيانًا ننسى أو نتناسى وتاخذنا الحياة وتبحر بنا فنضيع في مشاغلنا ، غير أنّنا نستيقظ فجاة على وقع الفقد ؛ والوجع ينام في مدخل القلب تمامًا كي يراقب الهواء الداخل والخارج منه وإليه ، وكي يتأكد أنّ الدم قد وصلته الرسالة وأنّ الاحتراق بكامل أناقته وطاقته يعمل .
الرحيل واجب و غير مزعج حين لا ننسَ أنّنا مجرد ضيوف على هذه الأرض .
كوني بخير أختي العزيزة شريفة
كوني بخير دائمًا

سحر الليالي
20-05-2009, 05:08 PM
الفاضل [ راضي الضميري]
:
وبمثل حرفك يا أيها القدير لا شيء يقال..
بحق هناك نصوص تلجمنا ،ومهما قلنا فيه فلن نوفيه حقه..ونصك هذا يندرج منهم..
رائع

يسرى علي آل فنه
21-05-2009, 03:18 AM
لساعات الرحيل حزن يدمي القلوب ، يحرق الأفئدة ويحيل الليل إلى نهار والنهار لا يدور لا يعلم إلى أين سيذهب ومتى الليل سيرحل كي يعود ، يطير النوم ويتغيّر المناخ ويتوه الوقت في الفضاء ، وتنعدم كل السبل أمام الحياة لتجلس تحت خط الاستواء تمامًا عاريًا مكشوفًا أمام نفسك وكل الكائنات من شدّة حرارة الموقف ولحظات الوداع ، فتأتي الدموع محمّلة بدفاتر الذكريات وأيام الشوق واللقاء ، مات فلان يرحمه الله كان اسمه فلان وكانت وكان وهذا هو حال الدنيا وحال الأنام .
لطالما رأيت الموت يمشي من أمامي ومن خلفي ، يأخذ منّا ما نحب ومن أحبّنا ، ويترك لنا علامات وآثار لكي نتعظ وننتبه إلى ما هو قادم ، و نظرًا لانشغالنا بمصاب الفقد غالبًا لا نعير أي انتباه لكل ذلك ؛ فننخرط في الحزن والدموع تنفجر كينابيع اخترقت الأرض بعد أنْ ضاقت عليها بما رحبت ، ننسى أنفسنا ونغرق في أحزاننا ونتخيل من مات للتو ونكاد لا نصدق أعيننا ، أهذا من كان قبل قليل يكلمنا وتشع البسمة من وجهه ؟ما به لا يحرك ساكنا تخاطبه فلا يرد عليك تهمس في أذنه فلا تسمع جوابا ، تنظر من حولك وفي كل الوجوه فترى حالهم لا يختلف عن حالك ، غير أنّك لست مصدق أنّهم يعانون مثلك ، فلكل حزن إحداثياته الخاصة وظروفه وتشكيلاته التي بُنيت على حسب ما شكلته الأيام والشهور والعقود من أحداث ، لكنك لا تقتنع أنّك مثلهم فحالة التعب المصحوبة بالذهول تأخذك بعيدًا وأنت تدور بين نفسك وعقلك عن منفذ يخرجك من فوضى الألم وثورة الوجع وانتفاضة الأنين عليك وأنتَ تخنقك العبارات من هول نار الزفير ولهيب الشهيق وصدرك ينتفخ وينقبض بشدّة فيخيّل إليك أنّك ستتمزق وتتناثر في أية لحظة ، فماذا لو كنت وحيدًا ومرّرت بذلك يا قلب يا إنسان ؟
الحزنُ مشروع والدموع لها حضورها الذي يخفّف بعض الألم ويطفئ شعلة اللهب في صدر كأنّه بركان يتفجّر تسمع فيه صوت العظام وهي تطقطق من خفقان القلب وانقباضاته التي تفوق قوة الزلزال . ولكنّ الموت حق وكلنا سنموت وستصبح أيامنا هذه ذكريات لها حضورها بقدر تأثيراتها على القلب والعقل ، نبدأ من الأمّ قلب الدنيا النابض إلى الأب عماد البيت والأسرة ، مرورًا بالأخت والأخ والزوج إلى الأبناء زينة الحياة الدنيا والأقارب والجيران ، لنصل إلى الحبيب ثمّ الصديق ، فلكل واحد منهم وجود خاص به وله ، وللقلب ميزانه وذاكرته التي لا تمحَ ، و نتذكّر كل ذلك في لحظات الفراق وما يعقبها ويا لقسوتها من لحظات !.
في حياتي مرّرت - كما هو حال الجميع – بأيام الموت وما رافقها من عذاب منها ما ذهب لحاله نتذكره على عجالة فنذكره بالرحمة ، ومنها ما بقيّ في القلب لا يغادره فهو فيه مقيم ، وحضوره وغيابه عن شبكية العين والمخيخ له طقوسه الخاصة وألمه الذاتي فلا يشعر به أحد ولا يقيّم حجم غيابه سوى أنت ، وقبل قليل أيقظتني أختي أم إبراهيم رحمها الله ، ورأيتها كأنّها أمامي ، لا أدري ماذا حدث لي ، ففي لحظة رأيت كل أيامي التي عشتها معها تمرّ أمامي ، أتذكّرها وأكاد ألمسها بيديّ ، ثمّ أعود إلى واقعي فأقول رحمها الله فقد ارتاحت من هذه الدنيا وهمومها ، هكذا نقول جميعًا ، وهكذا سنقول غد أو بعد غد أو بعد سنيين فالعلم عند الله تعالى متى سيكون الرحيل .
وكما للأهل حضور في القلب فللأصدقاء حضور كبير أيضا ، وصديق القلم لا ينسَ أبدًا ، فهو من شاركك أفراحك وأتراحك ، وهو من نصحك ووجهك وطيّب خاطرك بكلماته العذبة والجميلة ، وأمدّك بقوة معنوية كبيرة ، فلم تعد تخشى لحظات الضعف التي كانت تنتابك وأنت تكتب ، فتنطلق بثقة وعزم كبيرين ، صديق القلم له جمال مختلف ، وصديقك الآخر له حضور غير عادي أيضا والصداقة تبقى هي الصداقة بمفهومها النقي العذب .
وعن الحبيب والحب والرحيل ، لن أتكلم كثيرًا ، فلطالما سألت الله تعالى أنْ يكون رحيلي قبل رحيله ، غير أنّ لله حكمة بالغة في كل شيء ، فلم أعد أتمنى أي شيء من جهة الرحيل وسلمت الأمر لصاحب الأمر ، وقلت ذات يوم في نفسي إنا أحب كل أهلي و حبيبي وأصدقائي وهم أيضًا يحبونّني ولو تمنيت الموت قبلهم جميعًا ومتّ فعلًا فكيف سيكون حالهم ؟ وأنا الذي لا يريد أنْ يتألم لموتهم أتراهم لن يتألموا هم أيضا ؟ وكيف بحبيبي بشكل خاص لو رحلت أو رحل عني ؟ يا الله كم نحن ضعفاء ! وكم نحن قساة على أنفسنا ! أليست هذه الدنيا لو دامت لغيرنا ما اتصلت إلينا ؟ لذا تركت السؤال والأماني للغفور الرحيم ، وقلت إنّ خير ما أفعله لهم هو أنْ أكون نعم الابن للأم والأب وأن أحفظ حقوق الأخوة والصداقة وحقّ الحبيب بما يرضي الله تعالى ، وحسبي أنْ أراقب نفسي وأرجو النجاة لي ولمن أحب ، وأنْ أقرأ قبل النوم آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة لأنام على وعد بيوم جديد أو حياة أخرى نتوسم فيها الخير بحسن الظن بإلهٍ لا تعدل عنده الدنيا وما فيها جناح بعوضة ، وقد أمسك عنده تسعة وتسعين جزءً من الرحمة وهي للبشر جميعا ؛ فبأي حال أقبل أيّها الإنسان وضع أمام ناظريك أنّه سبحانه غنيّ عنك وعن عذابك ، فأقبل ولا تدبر والموت نهاية كل شيء والرحيل إلى الحياة الأخرى له وقت معلوم ينتظرنا ولا نعلمه .
أطال الله في عمركم جميعًا وأحسن ختامنا وثبتنا وإياكم على دينه في الدنيا والآخرة .
أخي الراقي طيب النفس راضي الضميري
أجمل مافي الحياة ماتحمله من مساحة رحبة للحب وأجمل مافي الرحيل شوقٌ يؤكد صدق مشاعرنا
وربما للموتِ جماله عندما نراه سبيل حياةِ سرمدية مع من نحب
كل مايحزننا في حقيقته جهلنا في أي حال نكون بعده
نسأل الله رحمته لنا جميعاً أحياءً وأمواتا
أيها الأديب
حروفك معطرة بدمعة حب ونصح ودعاء
حفظك الله وأكرمك دائماً بكل خير

راضي الضميري
04-06-2009, 01:31 PM
الأخ والحبيب راضي الضميري
ما أصدق ما كتبت أخي ، يبدو أننا نعيش في أيامنا العادية وكأنه لا موت ، ثم ينزل علينا الخبر كالصاعقة ، فلا أدري أنبكي الميت أم نبكي أنفسنا إذ تذكرنا فجأة أن هناك موت ؟
خاتمة مقالتك في غاية الروعة ، والله لقد كدت تنجح في اعتصار الدمع من عيني لو لم يسعفني الممرض بقوله أن هناك مريضة في غرفة الطوارئ .
أخي راضي أرجو أن أكون صديق قلم لك ، فلعلك تذكرني بخير في يوم من الأيام .
أطال الله عمرك بالخير ومتعك بالعافية ، ورزقك السعادة في الدارين .

الأخ الحبيب الأديب مازن لبابيدي

وأنت صديق قلم وقلب أيّها الحبيب ، ثق بذلك ونحن نحبك في الله .

وهذه الحياة مصيرها إلى زوال ، وأجمل ما فيها أننا تعرفنا على أناس مثلك ، فنسأل الله تعالى أن يحسن ختامنا جميعنا وأن يعفو عنا .

تقديري واحترامي

راضي الضميري
15-12-2009, 01:55 PM
يالهذا البهاء والطهر والجمال الذي خالج روحي هنا ..!
نثارات حكيمة شجية أنيقة ورقيقة وتفوح شذا من عميق الشعور ..
دمت بكل الود والتألق الدائم أيها الأديب الكبير وأخي العزيز راضي الضميري
تقبل تحيتي وكل تقديري
ولاعدمناك قلماً معبراً ومؤثراً كعادتك
قلت مرة :
غداً نكرر للشمس بعد الممات :
أشرقي أو لا تشرقي إنما الدنيا ظلام !

للموت قشعريرة لاشك تكوي المُهج
وللرحيل احتراق لايزول أثر ميسمه
وكذا للحب آثار من الإستحالة أن تمحى بمضي الزمان
تقبل الله منك دعوتك الطيبة النبيلة في آخر المقال ورزقك بمثلها وزيادة
سلمت ودمت في كل حال وبألف خير
:0014:

لا أجد ما أقوله أمام كلماتك الرائعة أختي الفاضلة ، فلقد كانت الحكمة تنبع من بين ثنايا حروفك الوقادة .

الموت حق وكلنا يعرف ذلك ؛ ولكننا في لحظات الضعف التي تنتابنا بعد كل فقد نجد أنفسنا في مهب الريح ولو لا لطف الله بنا وعنايته وهذا الدين العظيم الذي يثبت أركان قلوبنا وعقولنا لذهب بنا اليأس إلى الهاوية . القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الربّ عز وجل .
الأديبة الرقيقة عطاف سالم
شكرًا لك على كل حرف نثرته هنا.
تقديري واحترامي

عايدة عبد الله
15-12-2009, 04:39 PM
السلام عليكم
الاخ راضي الضميري
مع كل شمس تشرق
مع كل يوم جديد
نذكر من أحبونا و أحببناهم
و نعيش على أمل لقياهم
في جنات الخلد ان شاء الله
نص يفيض يمشاعر صادقة رقيقة
تقديري و احترامي
عايدة

ريم الحربي
15-12-2009, 07:12 PM
الفاضل راضي الضميري

أحسن الله عزاءك وجبرمصيبتك الكبيرة بفقد والدك ...

غفرالله لنا وله وأبدله دارا" خيرا" من هذه الفانية ...وينال كتابه بيمينه فيقول هآؤم أقروأ كتابيه...

وينال العيش الراضية ..في جنة عالية ...لاتسمع فيها لاغية ...

ونحن معه وكل من يشهد أن لاإله إلاالله خالصة لوجه الله الكريم..

ويا{راضي} كن كإسمك راضيا" بقضاء الله عزوجل وقدره...

فأنتم أساتذتنا ونحن نتعلم منكم ونقتدي بكم



أعتذرأن تأخرت بالتعزية وهي واجب علي ولكني أعايش ظروفا" أخرتني عن دخول الملتقى وحين دخلت الآن
وقرأت الخبر أحسست بالأسف لتأخري ولكن لعلكم تعذرونني...

وأعذرني أخرى لإنني لم أقرأ خاطرتك هذه ...
عجزت أن أقرأها تماما"
فقدالوالدين هوغربة قاسية " جدا"
أسأل الله أن يعينك

عبد الرحمن الكرد
15-12-2009, 09:02 PM
الرائع راضي
ليس هناك حقيقه ثابته غير الموت
فالموت حق وهكذا هي الحياه دوره كامله ومتجدده
ولكن طبيعة البشر هي النسيان وهي حكمه ربانيه
لأعمار الكون
تحياتي لقلمك الراقي

فاطمه عبد القادر
16-12-2009, 08:18 PM
لساعات الرحيل حزن يدمي القلوب ، يحرق الأفئدة ويحيل الليل إلى نهار والنهار لا يدور لا يعلم إلى أين سيذهب ومتى الليل سيرحل كي يعود ، يطير النوم ويتغيّر المناخ ويتوه الوقت في الفضاء ، وتنعدم كل السبل أمام الحياة لتجلس تحت خط الاستواء تمامًا عاريًا مكشوفًا أمام نفسك وكل الكائنات من شدّة حرارة الموقف ولحظات الوداع ، فتأتي الدموع محمّلة بدفاتر الذكريات وأيام الشوق واللقاء ، مات فلان يرحمه الله كان اسمه فلان وكانت وكان وهذا هو حال الدنيا وحال الأنام .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أكاد أجزم أن الموت هو الحقيقة الوحيدة ,,والحياة كذبة كبرى
لكن للأسف,,, يؤمن الإنسان بالكذبة ويصدقها ,,ويتذكرها دائما
ولا يتذكر الموت إلا لماما ,,لذلك يصعق ابن آدم كلما فقد أحد, حتى لو كان معرفة من بعيد ,والحقيقة أنه يتذكر الموت ويحسه قريبا منه ,ولهذا يصعق
لقد وصفت الحالة وصفا دقيقا وعميقا وصادقا أخي العزيز راضي
وتكلمت بلسان العارف المجرب المحترق حتى النخاع
هذا النص رائع ومتقن وجميل
سلّمك الله من كل شر وأذى وحزن أيها العزيز وأطال عمرك بكل خير ورضى
وسلمت ريشتك الساحرة
ماسة