المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدخل القصص الشاعرة



محمد الشحات محمد
21-05-2009, 12:51 AM
مدخل القصص الشاعرة




هذا اللون الجديد المذهل في رونقه الساحر في ترتيبه للأفكار
القريب لحس الأذن ولدفق المشاعر المنبني على كلمات تجسد كل واحدة على حدة مشهدا يدخل في الصميم هي نوع من الفهم المتدفق دفعة واحدة وتختلف عن القصائد القصصية (الشعر القصصي مثل الملاحم والشعر التمثيلي المسرحي) والقصص الشعرية، والقصة القصيدة، والقصيدة القصة، والحكي الشعبي بأنواعه،
وكل مصطلح مما سبق له خواصه...، والقصص الشاعرة ليست مزيجاً أو خليطا من فنيِّ القصة والشعر، وإنما هي الناتج من تفاعل " ذهني" بين الجنسين ، وهذا الناتج له أثره الذي يختلف عن الجنسين المتفاعلين.



ولسوف نتعرف على المنهج العلمي لكيفية قراءة نصوص القصص الشاعرة، والدوافع التي أدَّت لاكتشافها، وكيفية كتابتها، وضرورة استخدام "الدوران الشعري" ودورها في ساحة الإبداع، وتماسها مع علوم النفس والاجتماع والأعصاب لمعالجة الأحداث الحياتية وكذلك دور القصص الشاعرة في مواجهة التغريب، وتصوير دور المواطن في المستقبل،
وتتعرض بعض النماذج إلى عدد من الرؤى حول النص.


ومن أهم خصائص "القصص الشاعرة" الظاهرة جداً هي أن نصوصها إذا قُرئتْ من قِبل قاص وجدها قصة كاملة الأركان، ولاسيما إذا كُتبتْ جملاً مُتجاورة لا يفصلها سوى عدد من النقط فضلاً عن وجود علامات الترقيم، وإذا قرأها الناقد على إنها قصيدة وجدها قصيدة تامة، ذات تفعيلات مثل شعر التفعيلة، إذا كُتِبَتْ أسفل بعضها على أن يكون السطر الشعري هو الجملة بين مجموعتين من النقط، وإذا كانت زاوية القراءة مستوية لكلا الرؤيتين، فسيكون الناتج "قصص شاعرة"


الشعرية أو الشاعرية:-


هي سمة تعني الإطار الأجمل بما تنتجه من أثر..، وهذا الإطار/السمة قد يكون لنص سواء كان قصة أو مقال أو حتى حوار أو جلسة وغيرها، وجاءت من الشعر لما يتميز به الشعر من مميزات على رأسها الجمال وشاعرية القص قد تعني شاعرية السرد أو التصوير، ومن هنا تكون القصة الشعرية أو الشاعرية،


أما الشاعرة


فهي ذلك النص الذي تتوافر فيه عدة شروط ومنها التزام التفعيل والدوران الشعري دون تسكين، فضلاً عن وجود كل مقومات القصيدة والقصة، وليست القصة الشاعرة مزيجا بين فنيِّ القص والشعر ليكون الناتج مجرد الجمع بينهما وإنما هي ناتج من تفاعل ذهني بين الجنسين ليكون الناتج عنصراً جديداً يختلف في خواصه عن خصائص العنصرين المكونين له.


إذن فالفارق الأول هو التزام "القصص الشاعرة" بالدوران الشعري من خلال سلامة التفاعيل.


- لا تعني القصة الشاعرة بالروي ( في لغة الشعر) ولا بالسجع ( في لغة النثر) وإنما تستبدل ذلك بالإيقاعت الداخلية واختيار المفردات والتراكيب والخيال اللامحدود مع مشروطية الترتيب السردي والمنطقى رغم الرمزية والإشارات السريعة للأحداث الحياتية المألوفة والموروث والمستقبل من خلال السرد الحادث فعلاً في المضارع ، وقد لا تألف هذه المشروطة أول الأمر في قراءة النص الذي لا يمكنك في ذات الوقت أن تمنع نفسك من الاستمتاع بالنص أو التفكير فيه وهذا أحد دوافع اكتشاف هذا الجنس في منتصف 2007، ومن منا لا يكتب من وعن ذاته؟ لكن ينطلق النص من الذاتية المنغلقة إلى العموم مع الحفاظ على الخصوصية التي يتمتع بها كل من المبدع والمتلقي والناقد، وكلٌ عليه التأويل كيفما يشاء، والنص لابد أن يحتمل كل التأويلات، لأنه يحمل بطبيعته عدة دفقات ولكنها تتماس كلها في نقطة الإحساسات الباطنية ومن ثَم النزعات لهذه الأحداث (الدفقات) والسلوكيات التي تعبر عن الأثر الناجم عن قراءة النص كسلوك صريح له دوافعه الذهنية والحياتية في آنٍ واحد.


ومن أسباب الكلام حول القصص الشاعرة محاولة جاهدة كي نقول للغرب أن العروبة بخير مادامت أقلامها المبدعة تنبض، ولن تتآكل مادامت تحفظ تراثها وتحتفظ بقدرتها على الاكتشاف الجديد والذي له جذوره من أصول عربية، وهذا فضلاً عن تطورها المستمر، منطلقاً من أن الماضي يرسم المستقبل.


ولأن الشعر هو فن العربية الأول، وله أصوله وتفعيلاته، ولأن المقامات عربية الأصل وكانت تحمل بين ثنايا المقامة الواحدة عدة قصص قصيرة، (والذي ادَّعى الغرب اكتشافها في القرن التاسع عشر!!)، ولأن لغتنا القومية هي لغة القرآن الكريم، ولضرورة معرفة أن القوة لم تعدْ بالسلاح والعدد، وإنما بالثقافة ومدى ريادتها، ومعرفة أفراد المجتمعات بما يدور، ولاسيما أننا نعيش تحت سقف السماوات المفتوحة، ولابد من التجديد والإبداع وإدراك اللغات الداخلية والظاهرة للمنافس والعدو القريب أو البعيد ..


ولأن البعض أصبح يستخدم المغالطات والتوجيه تحت مسميات شكلها صحيح وجوهرها خبيث، مثل المصطلحات الأدبية الحقيقية منها والفيروسية، وتدريجياً إن لم تكن هناك أداة تنبيه تطمس على الهوية، ويطمس على دور المواطن العربي في المستقبل وهكذا ..


لهذه الأسباب كانت "القصص الشاعرة" ، فهي جنسٌ لابد لمن يكتبه أولاً أن يكون شاعراً (بكل خصائص هذه الكلمة) لكي يتمكن ولو على الأقل من تطبيق شرط الدوران الشعري بالتزامه التفاعيل، وأيضا لابد أن يكون قاصاً (بما تعنيه هذه أيضاً وما تحركه موهبته أولا) لكي يكون السرد - رغم الرمزية التي تحملها كل كلمة - مُحكماً وله دلالته، ولا يكتفي فقط بسمة الشعرية أو الشاعرية كإطار أجمل له أثره، وهذه السمة قد تكون لأي نص أو لوحة أو حدث ولا يشترط أن يكون قصيدة .. في حين أن الشاعرة هي قصيدة وهي قصة وهي اللوحة المموسقة لتجمع كل الفنون والعلم والآداب..، ويشترط أيضاً فيمن يكتب نصوص "القصص الشاعرة" فضلاً على موهبته أن يكون قارئاً جيداً للتراث ومؤمنا بأن الهوية لا تُصنع بين يومٍ وليلة، وإنما هي تاريخ ممتد بين عروق الورق الشاب.


إذن ليست هي فقط مجرد كلمة أو نص، وفكرة، وليست إحدى شطحات المبدع والفنان وإنما هي واحدة من نبضات الوعي القومي، ودعوة للقراءة المتأنية وتدبر ما وراء النصوص جميعها في ضوء تراسل الأجناس الأدبية وتواصل الفنون وتماس كل الأحداث الحياتية والعلوم، ولأن من رسالة الموهبة لمس الشعور وكل التصورات الذهنية وما فوق الذهنية والتأثير والتأثر، كان لابد من دور لعلوم المخ والأعصاب والاجتماع، مع كون نصوص "القصص الشاعرة" دعوة للتوحد والتكامل بين المعارف المختلفة مع الحفاظ على الخصوصية التي يتمتع بها الأفراد، وتميز المجتمعات..، وهي كذلك دعوة للتكتل حول جنس عربي خالص، هذا التكتل يستطيع مواجهة التكتلات الدولية، وتقف بأصالة العروبة ضد محاولات التغريب

د. نجلاء طمان
10-06-2009, 07:44 AM
قد استمتعت بالدوران هنا في دوائركَ النقدية للقصة الشاعرة, وأنتظر تفعيل الدراسة بإلحاقها بنمازجٍ منها حتى يتم التواصل التام بين دوائر الاستقلال عند المتلقي بوتريات إرسال الدراسة.

أنتظر الإدراج.

تقديري

محمد الشحات محمد
06-05-2010, 05:28 AM
د. نجلاء طمان


تشرفتُ كثيراً بمتابعتكِ لما سطّرتُ حول التدوير الشعري ، وملازمته للتدوير القصصي كذلك..،

ولقد سرني أن راقت لمبدعةٍ في قدْركِ تلك الدائرة النقدية ، وإن كنتم أنتم مركز هذه الدائرة ..

معكِ حق مبدعتنا الراقية في أنه لابد من تذييل هذه الدائرة بنمازج من القصة الشاعرة .. ،

وسوف يألحق هنا نموزجين .. لعلهما يروقا لذائقتكِ الفريدة ولإخوة الإبداع في هذه "الواحة" الغالية

ما بين أجنحة حرفك المثير ، و عبق مرورك الشامخ


تنطلق سحابات الفكر و الأدب

محمد الشحات محمد
06-05-2010, 05:37 AM
والتزاما بما أشارت إليه الأديبة والناقدة المتألقة د. نجلاء طمان ..،

يسرني أن أضع بين يدي أصدقائي وإخوتي هذين النموزجين

الأول بعنوان "عودة القادم" .. تفعيلة الخبب ،

والثاني تحت عنوان "السقف القديم" .. تفعيلة المتقارب

وسبق وأن تم نشرهما في رواق القصة وشرفتُ بتعليق أستاذتنا د. نجلاء عليهما في الرابط

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=36710


ا- عودةُ القادم



اعتاد أخي أن يقرأ في كتبِ الوردة يُمطرها عبقاً كي يعرف سر الحلم الدائر حول سريري ، كان يُراقبني ، يتسلَّلُ ..، يدخل في الغرفة يفتح كل شبابيك الوجْه البحريِّ ..،أسائله عن لون البشرة في أقصى الأرض تكون إجابته القبلية وشْماً يرسمُ في الحلمِ جنوناً يُشبهني حتى أسْتيْقظ ، يضحكُ .. ، تأخذني عَبَراتُ الواعظِ ..، أغرق في كلماتِ الشرق الأوسط ..، يوم السبت الماضي لم يحضرْ كالعادة .. ،هرب النومُ ..، فتحتُ المذياع قليلاً ، أغْلقتُ الصوت اللامع في نشرةِ أخبار القدسِ المنهارِ على رأس الموتى ،كيف يصير الحزن طريقاً للمستقبل ؟ كان العنوانُ مثيراً عبْر فضائيات القمر التاسع من ذي الحِجة ..،دارت كاميرا الإعلانات تبثُّ مشاهد للْوضْع القائم في "السوبر ماركت" و طوابير الخبز و تجَّار البحر و لوحات جهاز الصمتِ الرادع في إحدى الغاباتِ ..، و مرتْ بضعُ دقائق كنتُ نويْت البحثَ خلال "النتِّ" عن الغائب .. ،بدأ البرنامج لكني قرَّرْتُ أُواصل بحثي .. ، في آخر صفحات الباحث أبصرتُ دليلاً للسرعة عند البحثِ ..،فرحْتُ بهذا الإنجاز الأرقى .. لا يمكن أن نستغني عن أحداث القرن الخامس و العشرين ..، ظهرتْ نفس الصفحة ، لم أعرف سرّ قراءتها ، أحسسْتُ جهازي يسخرُ منِّي .. ،حاولْتُ مع التعْليمات ِ.. ، سمعتُ العالم يشهدني قال جهازي اُنظر خلفك .. ، فالتفتَ المقعدُ بي .. ، كان أخي في التلفاز يُقدِّمُ تفسيراً للحلم القادم ..، لم أستغربْ كيف تمكَّن من تفسير اللا حُلم ، ولكن كيف تمكَّن من تحديد الساعة في الثانيةِ من الظهرِ الماضي ..،قُطع الإرسالُ و عاد أخي .

----------

2- السقف القديم



على غير عادتها اتصلتْ .."أيوه دادي .. يريتْ تفتح البابْ"..، بغير انتظارٍ دفَعْتُ إلى الباب شوْقي ، و دارتْ خطاي جنوباً كأني أجرِّبُ سوراً على يدِ طفلٍ تعثَّر بعض سنينَ .. ، وَصَلْتُ إلى حلْقِ شبَّاكِ جاري ، وقفتُ أمام الحائط بين عقارب ساعتنا و النجوم تُساقطُ أصواتَ موتى ، تمُوجُ ، تُمَوِّجُ عمراً ،فأركب باخرةً تَتَمَوْسقُ في رحْم جهْلي و تُجْهضُ أيام كنا صغاراً و نَنْحرُ في الليلِ أضغاثَ أمِّي ..، تذكَّرْتُ أيام كانتْ تُهرْوِلُ في مثل هذي المواعيدُ "صافي" ..، هنا ، و على بابِ شقَّتنا حيثُ كان أبي نائماً في عيون الغلاء الجديد يُكَوِّرهُ ألمُ القدمين ، و حيثُ تُعانقُ أمي شقيقي لأنه كان يشكو من البردِ و الأمنيات ..، و حيثُ أُذاكرُ ليلاً ، فتقتحمُ الليل "صافي" شقيقةُ جدِّي و تمسحُ وَجْهي ، تُقبِّلني ، تمنحني صدرها ، فأمارسُ مَوهبة النارِ في حطبِ الكلمات ، تداعبني خبرتُها و تنادي على ابنتها ، توقظها كي تصبَّ على قدمي أغنيةً منْ سنابل عطْرِ الصبايا ، أحنُّ عليها ، فتأخذني تحت سقف العراء ، تُغطي تسابيح عشقي .. ، تفورُ و تكبرُ كي تدفع المهرَ حباًّ ..، تذوبُ مع العشرات ، فإنْ مسّ صافي صداعٌ دَعوْتُ هنا ابنتها ..عمَّتي ، و تُلبِّي على الفورِ دعْوة صبري حنيناً ، و بعد الهوى أتخرَّجُ كي تتزوَّج ، ترحلُ غاليتي ، بينما تعلنُ ابنتنا ثورةَ الشعراء ، تُضيفُ زواجاً جديدا ..، " إلهي !! هنا ابنتنا .. لا .. ، فتحْتُ على الشارع الباب .. ، فوق سلالم مدخل حارتنا .. ربما ..لا .. نعمْ هي تبكي " .. ، فتحتُ على صدر أمي صراخي .. تولتْ كعادتها سورة الشعراء .. ، هنا خرجت طفلتي منْ سراديب سقفٍ قديم.

.....................

دمتم بحب و خير

ربيحة الرفاعي
14-07-2011, 08:48 PM
دراسة توضيحية بديعة في القصة الشاعرة تشرحها وتبين ملامحها وأدواتها كواحدة من " نبضات الوعي القومي" و حالة من الجمع بين أجناس أدبية عدّة بانسجام وتماه وانصهار واحدها بالآخر تماما بما ينطلق بنتيجته جنس جديد ليس مجرد تطوير على أي منها.
شكرا للدراسة والنماذج التي ألحقت بها

تحيتي

دمت بألق

محمد الشحات محمد
16-07-2011, 02:44 PM
دراسة توضيحية بديعة في القصة الشاعرة تشرحها وتبين ملامحها وأدواتها كواحدة من " نبضات الوعي القومي" و حالة من الجمع بين أجناس أدبية عدّة بانسجام وتماه وانصهار واحدها بالآخر تماما بما ينطلق بنتيجته جنس جديد ليس مجرد تطوير على أي منها.
شكرا للدراسة والنماذج التي ألحقت بها

تحيتي

دمت بألق


مُداخلة مُركّزة تُلْقي الضوء على هذا الفن الكتابي الجديد و أهم ما يعني به مبدعوه ،
و هذا ليس غريباً على أستاذتنا و مبدعة القصة الشاعرة القديرة/ ربيحة الرفاعي

* إن القصة الشاعرة فنٌّ يُلبي حاجةً في نفوسنا نحن العرب بما تتبناه من قضايا قومية ، و تحقيق الهوية عملياًّ و إبداعياًّ بفتح قناة ضوئية ترسلُ أشعتها على الانتصارات ، و كيفية مواجهة الانكسارات ، و تتحدى القصة الشاعرة تلك العولمة الجارفة ، و كانت أكثر الفنون الكتابية التي تنبأتْ قبل ذلك بهذه الثورات العارمة التي أعادت للعرب بهاءهم و ريادتهم

شكراً لكِ أستاذتنا ،


مودة و تقدير و احترام