مشاهدة النسخة كاملة : النقد التطبيقي ( الجمع بين ما يبعد جمعه )
الدكتور ماجد قاروط
21-05-2009, 12:23 PM
( الجمع بين ما يبعد جمعه )
في تعليق الأستاذ الفاضل ( مجذوب العيد المشراوي ) على قصيدتي ( الحطَّاب اليتيم ) قال : إن (الجمع بين ما يبعُد ُ جمعه يثير غريزة الاكتشاف عندي .. رأيت ما يمكنه ذلك ورأيت ما لا يفيد جمعه بل يضعف النّصّ ، لو أذنت َ لي ناقشتك نقاش محب ٍّ يرى ذلك ما رأيك ؟ في منتدى النقد طبعا وليس هنا ..) و ها أنا ألبي هذه الدعوة الكريمة للوقوف على هذه القضية الدقيقة التي تمس بنية الفن عامة ، وبنية الشعر على وجه التحديد في حديث شفاف يرجو الفائدة للخروج بجملة من الطروحات على أكثر من مستوى .
و لعلنا في بداية هذا الولوج ، نقف على الجملة الرئيسة في كلام الأستاذ ( المشراوي ) و هي إمكانية ( الجمع بين ما يبعد جمعه )لنقوم بتفكيكها ثم نعيد ترتيبها لنبني عليها خطواتنا اللاحقة .
إن الجمع بين ما يبعد جمعه _ حسب مقتضيات النقد و اصطلاحاته _ هو العمل على التقريب بين حقلين دلاليين ( كلمتين ، أو منظومتين لغويتين ) لايتوقع العقل _ مبدئياً _ التقاءهما ، لتكوين صورة شعرية أو انزياح أو بؤرة جمالية . و الواقع أن ( النقد ) في ذاته ليس كافياً أو مؤهلاً للبحث في هذه القضية بأبعادها المختلفة ، فالنقد جزء بسيط من الحل و الاستكشاف ، لا سيما في أمر كهذا ، ذلك أن إمكانية ( الجمع بين ما يبعد جمعه ) ليست على صلة ببنية النقد بقدر صلتها ( بالوعي المعرفي الجمالي) للشاعر أو الناقد الذي يمكنه أن يخرج من قراءاته المتعددة للواقع متجها ً نحو المدرسة الأدبية التي أملتها تلك القراءات عليه ( كلاسيكية أو حداثوية أو سوريالية إلخ .... ) . نعم إن قراءة الواقع مراراً و تكرارا ، و الاطلاع على الفلسفات الكبرى في هذه المعمورة ، و النظر بكثير من التأمل إلى الواقع المعاصر، أمور تجعلنا ندرك عالمنا الجمالي المعرفي الخاص بنا الذي لا يمكن لنا أن نفرضه على الآخرين حتماً ؛ و من هنا لا بد لنا من إعادة قراءة أدبنا العربي عامة ، و الشعر منه على وجه الخصوص ، لنكتشف بعد ذلك أننا كم ألحقنا الظلم بهذا الشعر عندما أوقفناه عند مستويات دلالية معينة ، إذ اعتدنا على مسألة ( الوقوف على الأطلال ) و لم نعتد تلك المسألة التي تقول : ( إن الأطلال هي التي تقف علينا نفسياً ) و هذا الأمر الذي لا يتقبله الكثير منا بدعاوى واهية ؛ تستند على الاتهامات الجاهزة بأن هذا من الغموض و التغريب إلخ ..... ، فلولا وقوف الأطلال علينا وقوفاً نفسيا ًصارخا ً، لما كان كل هذا التوتر النفسي الذي شهدناه في شعرنا العربي القديم . لقد ظلت ذاكرتنا العربية تحتفظ برؤيا دلالية واحدة ، أو بكمون واحد من العبارات و الصور ؛ أي بمستوى جمالي معرفي واحد رافقنا سنين طويلة ؛ وهذا الأمر مخالف لناموس الحياة و مستهجن لدى عالم الفن و التطور الدلالي الحتمي ؛ و إن أي تغيير في المستويات الدلالية التي تحتفظ بها ذاكرتنا يـُعـد غموضاً و غير قابل للفهم و الإدراك ، و لهذا استهجن الناس في وقت ما أشعار أبي تمام و المتنبي .
هنا نقف على تساؤلات هامة وهي: لماذا نريد من الفن أن يخاطب عقلنا فقط كي نستسيغه ؟ و ما المانع أن نستمتع بالفن بقلوبنا قبل عقولنا من دون أن نشرحه عقليا ً بصورة خالية من الروح ؟ وهل ينفصل الفن عن التفكير الكلي الشامل للإنسان ؟ و إن السياق النصي للقصيدة هو الذي يفرض مسألة الجمال أو عدمه لأن القصيدة الحديثة كلٌّ متكامل لا يمكن فصله .
أما الجزء البسيط من النقد الذي يجيز لنا الدخول في مناقشة مسألة ( الجمع بين ما يبعد جمعه ) هو الجزء الذي وقف عليه التاريخ النقدي مطولاً ؛ أي مسألة ( الغموض ) و يبدو أنه عند أستاذنا الفاضل ( المشراوي ) غموض بعيد المنال ؛ وقد ظهرت كلمة (الغموض ) لأن ذاكرتنا لم تعتد نظاماً دلالياً أو جمالياً معيناً ، فأتى الاتهام مباشرة بأنه غامض ؛ وعلينا هنا أن نمـِيـْز ( الغموض ) من ( الوهم ) ؛ فحالة الغموض يمكن إسقاطها على أرض الواقع حسياً ؛ أي أن التفكير الكلي الشامل الخاضع لوعي جمالي معين قادر على تفكيكها و تجسيدها ؛ و إن القدرة على التفكيك و التجسيد تتفاوت من شخص لآخر ؛ غير أن ( الوهم ) لا يمكن في حال من الأحوال تجسيده أو تفكيكه ، فهو لم يبلغ أقصى درجات الذهنية و التجريد ،بل هو ليس داخلا ً أصلاًفي أي حكم من أحكام القيمة الجمالية أوالفلسفية أو الاقتصادية إلخ .. .
و الله من وراء القصد
مجذوب العيد المشراوي
21-05-2009, 06:46 PM
فـصَـفـَّـقَ رأسـي
حـائـرة ٌ قـاعـة ُ الـنـحـل ِ فـي ركـبَـتـَيَّ
تـَـقـَرَّبْـتُ مـن نـهـد قـُـبَّـرةٍ
فـاسـتـدار الـحـلـيـب ُ و أغـلـقَ فـوَّهـة َ الـنهـد
أثـقـُبُ دمـعـي .. أَمْـرُقُ
لـِـقـارعـةِ الـخـبـز حـزنٌ عـتـيق............
إنّ الجمل المنتقات من قصيدتك هذه ما استسغت ُ مؤدّاها الدلالي ولا ارتحت لفضائها السحري . لذا رأيت فيها ما يبعد جمعه من ألفاظ فيها بأي حال كان وعليه أردت ُ أن أسجّل هذا هنا لنكتشف أنا وأنت مدى ذوق كل ّ ٍ منا عبر تدخلات القرّاء حتى تكون لدينا مقاربة لهذا الجديد في نسجك والجريء جدا
أحمد الخضري
21-05-2009, 09:54 PM
دمت بخير أيها المبدع القدير
ناقد فذ مثلما أنت شاعر فذ
سأعود بعد قراءتها جيدا
هيثم محمد علي
21-05-2009, 10:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري هل لتلميذ أن يبدي وجهة نظره هنا في حضور الأساتذة
على قدر ما فهمت سأتحدث
أعتقد ان هناك أنواع متعددة من الغموض أو قل درجات لكل غامض
أبسطه هو ذاك الوهم الذي يجمل الجنس الأدبي ويستسيغه القارئ ويفهمه
لو اعمل عقله فيه
وأقصاها الوهم وهو ما لا يعرف معناه أو دلالته إلا كاتبه والذي في وجهة نظري الأكثر من متواضعة
هو يسيء للجنس الأدبي ولا يجمله فكأن المتلقي غارق في عبارات هيلوغريفية لا يعرف لها بداية ولا نهاية
أما عن الأسطر التي اتى بها الاستاذ مجذوب أعتقد أنها من ذلك الوهم
أحترامي للجميع
فيصل محمود
21-05-2009, 11:45 PM
الأستاذ القدير الدكتور ماجد قاروط
إن الأشطر و التفعيلات التي أتى بها الأستاذ الفاضل
مجذوب العيد المشراوي
هي أجمل المقاطع في القصيدة على الإطلاق
و كنت أفضل من الأستاذ المشراوي عدم اجتزائها
لأن القصيدة الحديثة متكاملة
وارجو من الأستاذ الدكتور ماجد قاروط عدم المساس بالقصيدة
أو تحليلها لإبقائها بريئة فطرية حرة كالشمس الساطعة
و المهم أنني استمتعت بقلبي و ليس بعقلي
هذه هي الحداثة وهذا هو الشعر الحق
وهذا هو التطور
أشد على يديك أيها المعلم القدير
الدكتور ماجد قاروط
22-05-2009, 12:50 AM
فـصَـفـَّـقَ رأسـي
حـائـرة ٌ قـاعـة ُ الـنـحـل ِ فـي ركـبَـتـَيَّ
تـَـقـَرَّبْـتُ مـن نـهـد قـُـبَّـرةٍ
فـاسـتـدار الـحـلـيـب ُ و أغـلـقَ فـوَّهـة َ الـنهـد
أثـقـُبُ دمـعـي .. أَمْـرُقُ
لـِـقـارعـةِ الـخـبـز حـزنٌ عـتـيق............
إنّ الجمل المنتقات من قصيدتك هذه ما استسغت ُ مؤدّاها الدلالي ولا ارتحت لفضائها السحري . لذا رأيت فيها ما يبعد جمعه من ألفاظ فيها بأي حال كان وعليه أردت ُ أن أسجّل هذا هنا لنكتشف أنا وأنت مدى ذوق كل ّ ٍ منا عبر تدخلات القرّاء حتى تكون لدينا مقاربة لهذا الجديد في نسجك والجريء جدا
الأستاذ الشاعر الحبيب مجذوب العيد المشراوي
شكراً لاهتمامكم النبيل الكريم بالقصيدة
ولكنني في ألم شديد و مفاجأة كبيرة حين أرى قصيدتي مقطَّعة الأوصال
و إن عتبي عليك كبير لأنك عزلتَ هذا المقطع و قمت َ باجتزائه من القصيدة
ذلك أن قصيدة الحداثة وحدة عضوية متكاملة كاللوحة الفنية
ثم إنك قد أتيتَ بمقطع يبدأ بالفاء(حرف العطف السببي) فكيف سيدرك المتلقي على أي شي ء عـُطـِفـَت هذه الجملة ؟ وهذا ما آلمني كثيراً
كان بوسعك يا أخي العزيز أن تقتبس القصيدة كلها ، او تحيل عليها ، و تقول : ( أخص بالذكر المقاطع الستة الأخيرة ) ، او تحيل القارئ على المقاطع التي لاتناسب ذائقتك
مودتي
الدكتور ماجد قاروط
22-05-2009, 10:04 AM
دمت بخير أيها المبدع القدير
ناقد فذ مثلما أنت شاعر فذ
سأعود بعد قراءتها جيدا
كل التقدير لهذا الكلام العذب الجميل
مودتي الخالصة و اهلاً بعودتك
مجذوب العيد المشراوي
22-05-2009, 10:28 AM
أعتذر ُ أولا فأنا كنت ُ بصدد ما لا أراه قابلا ً للجمع بأي حال وما أردت السياق في شيء وأراني ما أوصلت ُ فكرتي لذا أحييك وأعتذر مرّة ثانية ..
ودّي لقلبك أيها المجدد .
أحمد الخضري
22-05-2009, 06:10 PM
الأستاذ الدكتور القدير ماجد قاروط :
قرأت بحرص مقالتك الأدبية المتميزة حقا ً
فأما المقاطع التي أتى بها الأستاذ المشراوي من قصيدتك الحطاب اليتيم
فإنها ومضة غاية في الإدهاش و الجمال
وهي بحق ومضة سوريالية طازجة ذات تقنيات حداثية رائعة
و كان من الأفضل عدم عزل هذه المقاطع عن عالمها الشعري وهو قصيدة ( الحطاب اليتيم )
لأن عزلها هو عزل للامتداد الدرامي لها ذلك أن الومضة الأخيرة هي الذروة الدرامية الصاعقة المذهلة
حيث سيطرت القصيدة على قلبي وعقلي و كل شعرة من كياني
الدكتور ماجد قاروط
22-05-2009, 07:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري هل لتلميذ أن يبدي وجهة نظره هنا في حضور الأساتذة
على قدر ما فهمت سأتحدث
أعتقد ان هناك أنواع متعددة من الغموض أو قل درجات لكل غامض
أبسطه هو ذاك الوهم الذي يجمل الجنس الأدبي ويستسيغه القارئ ويفهمه
لو اعمل عقله فيه
وأقصاها الوهم وهو ما لا يعرف معناه أو دلالته إلا كاتبه والذي في وجهة نظري الأكثر من متواضعة
هو يسيء للجنس الأدبي ولا يجمله فكأن المتلقي غارق في عبارات هيلوغريفية لا يعرف لها بداية ولا نهاية
أما عن الأسطر التي اتى بها الاستاذ مجذوب أعتقد أنها من ذلك الوهم
أحترامي للجميع
شكرا على هذا الرأي الذي أحترمه
و لكن لديك بعض المغالطات النقدية
فكيف تقبل الوهم من جهة و ترفضه من جهة ثانية
على الرغم من أن الوهم لاعلاقة له بالفن إطلاقاً
فأنت هنا جعلته الغموض المحبب
و شتان بين الوهم و الغموض
تقديري
الدكتور ماجد قاروط
23-05-2009, 12:07 AM
أعتذر ُ أولا فأنا كنت ُ بصدد ما لا أراه قابلا ً للجمع بأي حال وما أردت السياق في شيء وأراني ما أوصلت ُ فكرتي لذا أحييك وأعتذر مرّة ثانية ..
ودّي لقلبك أيها المجدد .
الأستاذ العزيز مجذوب العيد المشراوي :
تأكد أن فكرتك قد وصلت تماماً منذ البداية
وأنا مستعد للدخول مباشرة إلى القصيدة وتحليلها ، لاسيما ذلك الجزء المقتطع منها
على الرغم من أنني لاأحبذ هذا الأمر
أنا أعلم أنك (ماأردتَ السياق في شي ء) ولكن كيف تريد من المتلقي أن يحلل جزءاً مبتوراً ؟
وكيف تريد مني أن أعالج جزءاً مبتوراً ، إذ لايمكنني أنا كاتب النص أن أقوم بتحليل المقاطع التي قمت َ باجتزائها دون أن أعود إلى القصيدة بأكملها، لأن تفكيك القصيدة كاملة يساعدنا على تفكيك تلك المقاطع التي وقفت َ عليها ويساعدنا على إيجاد مقاربة للمشكلة المطروحة
وكم أنا متفائل ومتحمس لهذا الحوار النبيل الشفاف الذي يجري الآن
حفظك الله أستاذي المشراوي ورعاك لخدمة الكلمة الحرة
هيثم محمد علي
23-05-2009, 01:21 AM
شكرا على هذا الرأي الذي أحترمه
و لكن لديك بعض المغالطات النقدية
فكيف تقبل الوهم من جهة و ترفضه من جهة ثانية
على الرغم من أن الوهم لاعلاقة له بالفن إطلاقاً
فأنت هنا جعلته الغموض المحبب
و شتان بين الوهم و الغموض
تقديري
أستاذي افاضل د/ ماجد
أشكرك على رحابة صدرك ونفع لله بعلمك وأثابك
وأقول
أنا لا أتقبل الوهم في العمل الفني ربما مداخلتي لم احسن صياغتها
ما أقصده أن الغموض درجات منه ما اتقبله وهو الذي لو أعمل المتلقي فيه عقله لفهم معناه
ومنه ما يغالي فيه الكاتب حتى يتحول إلى وهم
مهما أعمل فيه المتلقي عقله لم يصل إلى معناه
وهذا رأي متلقي وليس أديب
فعندما قرأت ما ساقه الاستاذ المشراوي
لم أفهم دلالته لذلك وصفته بالوهم
ربما لقصور في ثقافتي الأدبية
وليس في قصيدتك فقط بل في كثير من الأعمال التي تنحو منحى تلك الدرجة من الغموض
وعندي سؤال لو تكرمتم بإجابة على تلميذ
ما هي الفائدة المرجوة من الجنوح لهذا الغموض ؟ ولن أقول الوهم
احترامي وتقديري يا أستاذي
الدكتور ماجد قاروط
23-05-2009, 10:44 AM
أستاذي افاضل د/ ماجد
أشكرك على رحابة صدرك ونفع لله بعلمك وأثابك
وأقول
أنا لا أتقبل الوهم في العمل الفني ربما مداخلتي لم احسن صياغتها
ما أقصده أن الغموض درجات منه ما اتقبله وهو الذي لو أعمل المتلقي فيه عقله لفهم معناه
ومنه ما يغالي فيه الكاتب حتى يتحول إلى وهم
مهما أعمل فيه المتلقي عقله لم يصل إلى معناه
وهذا رأي متلقي وليس أديب
فعندما قرأت ما ساقه الاستاذ المشراوي
لم أفهم دلالته لذلك وصفته بالوهم
ربما لقصور في ثقافتي الأدبية
وليس في قصيدتك فقط بل في كثير من الأعمال التي تنحو منحى تلك الدرجة من الغموض
وعندي سؤال لو تكرمتم بإجابة على تلميذ
ما هي الفائدة المرجوة من الجنوح لهذا الغموض ؟ ولن أقول الوهم
احترامي وتقديري يا أستاذي
أخي الحبيب هيثم محمد علي :
أوقاتك سعيدة بكل الخير والمودة
دعنا نتكلم كلاماً علمياً صادقاً و صريحاً و شفافا ً
لقد أشرتَ أيها الغالي إلى سؤال على غاية كبيرة من الأهمية وهو
ما هي الفائدة المرجوة من الجنوح للغموض ؟
وقد تحتاج الإجابة عن هذا السؤال كتابا ً او أكثر ولكن يمكنني أن أضع النقاط التالية عسى أجد مقاربة بيني وبينك :
1- إن ماتسميه أنت غموضا ً هو عند غيرك ليس غموضا ً بل واضحا وضوح الشمس
ويمكنك أن ترى الآراء حول هذه القصيدة بالذات ( الحطاب اليتيم ) في صفحات الشعر الفصيح لتدرك
التفاوت في تلك الآراء .
و السؤال الأكبر لماذا لم يشعر الكثيرون بوجود هذا الغموض في شعر الحداثة ؟ وهنا ندخل على النقطة الثانية
2- للأسف الشديد و بصراحة كاملة : نحن تربينا و نشأنا على نظام لغوي أدبي واحد عبر مكوناتنا التعليمية المدرسية و الثقافية والحياتية ، و إن أي خروج على هذا النظام كان يـُقابـَلُ بالرفض و الهجوم والتنديد من المجتمع الذي نشأ معظمم شعرائه على قالب شعري واحد ، و لاندعي أننا نعارض هذا القالب من حيث المبدأ لضرورات الحرية و ماشابه ذلك ، و لذلك فإن أي نظام لغوي لم ننشأ عليه سنعتبره غريباًعنا و غامضاً ، وهنا النقطة الرئيسة في جوهر ما يُسمَّى غموضاً.
3- و الواقع أن قصيدة الحداثة تعرضت للكثير من التجريح بحق و بغير حق من بوابة الغموض ، و لا أجزم أن قصائد الشعر الحديث جميلة كلها ، و لا أجزم أن قصائد الشعر الإحيائي جميلة كلها أيضا ً ؛ ومشكلتنا أننا نعتبر القصيدة الكلاسيكية العمودية ذات الشطرين محـَرَّمة على النقد و مقدسة و الويل لمن يجرؤ من الاقتراب منها ؛ و هذا للأسف الكبير قد أساء لشعرنا العربي كله .
4 - أخي العزيز الجميل هيثم : أنا لا ألزم أحدا ً بالذي قلته سابقاً ؛ و لكن نصيحة محب لمحب أن نقرأ هذه الحياة المعاصرة بتوتراتها و تقلباتها و أن ننوع في اطلاعتنا الفكرية و الثقافية بانفتاح لندرك أن مسألة الغموض جزء بسيط لا يذكر من تطور الحياة و تبدلاتها .
5- و أخيراً و ليس آخراً ، كبف يرضى أحدنا أن تظل ذاكرته المعرفية تحتفظ بموروثات أدبية ثقافية و بوعي جمالي أحادي مضى عليه آلاف السنين دون أن يجرؤ على تغييره ،أو قراءته بصورة جديدة و الانطلاق منه لكتابة منظومة أدبية ، تلائم العصر الذي يعيش فيه ؛ إنه الخطر الذي يواجه جيلنا المحب للأدب و الشعر .
مودتي الخالصة
عمر زيادة
23-05-2009, 08:30 PM
أعتقد أنّ الجميع بين ما يبعد جمعه هو فتح نوافذ جديدة في الشعر و اللغة و الخيال ..
نوافذ تجعل العمق الشعري أوسع ..
و تعطينا فرص أكبر للتنويع .. و بعث الحياة في الميّت المستنزف من الألفاظ و الصور ..
أعتقد أنّ محاولات خنق مثل هذه المحاولات في التجديد الشعري هو جرم كبير بحق شعرنا العربي..
الشعر لا يتطور بهكذا تصرفات .. و إجراءات ..
الشعر كائن حيّ يحتاج إلى التنفّس ..
...
بعيداً عن كل شيء ..
و قريباً من كلّ شيء..
أعتقد أنّ أسلوب الشاعر الدكتور ماجد مميّز جداً ..
و واسع جداً ..
و من هذا الأسلوب هو جمعه بين ما يبعد جمعه ..
هذا يأخذ قلبكَ و عقلكَ معاً إلى أعلى .. أعلى ..
و الجمل التي انتقاها الاستاذ مجذوب المشراوي ..
هي بالنسبة لي أجمل الموجود .. بل جعلتني أطرب أيضاً ..
هذا شعر لذيذ يا أستاذ مجذوب ..
مثل أن تسمع شعر امرئ القيس مباشرة من فم امرئ القيس في زمن امرئ القيس ..
أتفهم ما أقصد ؟
..
هذه المحاولات التجديدية المستمرة .. لا تعني قتل أصالة الشعر العربي..
بل ربّما تضيف لهُ أصالة من نوع آخر و جمال من نوع آخر أيضاً ..
أعتقد أنّ من واجبنا كشعراء أن نشجّع على انسيابيّة أجزاء الشعر الناجمة عن تطور طبيعي جدا للشعر ..
كلّ منّا له فهمه الخاص بالشعر و مصطلحاته التابعة له ..
مثل الوهم و الغموض و الدلالة ... و غيرها ؟!!
و هذا ينعكس على شعرنا أيضاً ... فيصبح الشعر مرآة الواقع و النفس و مرآة الشعر نفسه ..
أعجبني قول الدكتور ماجد أنّ الأطلال كانت تقف علينا نفسياً ..
هذا صحيح ..
الشعر أوسع و أعمق و أكبر و أجمل مما نتخيل ..
أشكركم جداً ..
محبتي لكم جميعاً .....
الدكتور ماجد قاروط
24-05-2009, 11:29 AM
الأستاذ الأديب فيصل محمود
تقديري لك
سأعود إلى مقالتك بعد الرد على بعض الأمور النقدية
مازن لبابيدي
25-05-2009, 06:55 PM
أخي الحبيب د.ماجد
أود هنا طرح التساؤل التالي ، وأرجو أن أوفق في إيصال جوهر الفكرة التي أريد :
إن الأصل في الكلام بجميع أنواعه هو التواصل بين الأفراد لأغراض متعددة من الطلب الإخبار والتعبير والوصف والشكوى ... إلخ . ومن هنا فلا طائل من كلام لا يصل إلى من يسمعه ، فلا بد من توفر الإرسال والاستقبال إن صح التعبير .
والشعر والنثر والمقالة والقصة وغيرها هي فنون متعددة لا تخرج عن كونها كلاماً ، على حد معرفتي ، ومن ثم فكلما كانت أقدر على إيصال المقصود منها إلى المستمع اتسمت بالفصاحة والبلاغة .
لا أقصد حتماً بهذه التوطئة أي انتقاص أو اتهام ، وأنا على يقين أخي بأنك تفهم ما أرمي إليه فأرجو أن يتسع لي صدرك قليلاً ، خاصة أنني أفتقر إلى حد ما إلى المصطلحات الفنية المختصة بهذا الجانب .
أما تساؤلي أخي فهو : كيف يمكن لشعر تتسم تعابيره بكل هذا الكم من الرمزية والغموض _ على الأقل بالنسبة لشريحة ليست قليلة من القراء _ أن يوصل الفكرة أو الصورة التي أرادها الشاعر للقارئ ، وهو الغاية أصلاً من الكتابة . بالطبع الشاعر لن يرفق مع كل قصيدة كتيباً فيه شرح القصيدة كما فعلت في قصيدة الحطاب اليتيم (كمثال طبعاً) .
أتفهم تماماً ما بينته في ذلك الموضوع من أن لكل قارئ أن يفسر القصيدة بحسب فهمه لها ، ولكن هل الشاعر أيضاً أراد ذلك ، أي هل أراد من هذا الغموض أن يفسر بعشرات أو مئات التفاسير والتي قد تكون جميعها غير الصورة التي تحركت في وجدانه وتجسدت على شكل قصيدة ؟
لقد قلت في أحد ردودك على الأخ مجذوب ، أن ما يراه هو غامضاً ليس لغيره كذلك ، وأرى أن ذلك منصف إلى حد ما ، لكنني أظن في ضوء الفكرة السابقة بجواز تعدد التفاسير ، أن الغموض متحقق لغالبية القراء بدرجات متفاوتة حتى وإن أمكنهم الاجتهاد في تفسير ما .
أعتذر للإطالة أخي الكريم
بانتظار رد منك وربما أعود لتساؤل آخر .
تحيتي العطرة دائماً
عبدالملك الخديدي
26-05-2009, 08:36 AM
بارك الله فيك أخي الشاعر الدكتور ماجد قاروط على طرحك هذا التوضيح ، وإن دل طرحك للموضوع على شيء فإنما يدل على أنك فعلاً تشعر بما يدور في أنفس الكثيرين اتجاه شعر الإيحاءات أو الرمز في شعر الحداثة .
يتفق البعض على أن شعر الحداثة شيء جديد وتغيير للنمط الذي سارت عليه قصيدة القافية ، والتحديث هو من سنن الحياة والجمود هو قتل للنفس البشرية وإيقاف للعقل عند حد معين.
ولكن يظل الشعر هو الشعر ما هز الوجدان وحرك القلوب وألهب المشاعر وأبكى الأعين وأفرح الأنفس الحزينة .
الشعر هو ديوان العرب وموئل حكمتهم ومنار ثقافتهم وهو الملهم عندهم بعد القرآن الكريم والحديث الشريف وإن من البيان لسحراً .
الشعر قبل كل شيء رسالة تحمل فكرة معينة وتوصلها بطريقة معينة محببة إلى النفس البشرية وهذه الطريقة هي الموسيقى والكلمة الجميلة والتراكيب اللفظية المحببة للنفس والتناغم بين الجمل والحروف لإيصال المتعة والبهجة ، كما أنها سلاح قوي في يد الشاعر الذي يمارس الهجاء ، وأدوات مطيعة لمن يبرع في الرثاء ويبكي الأعين ، وحساسية شاعر مفرطة لمن هو عاشق يوجه سهام اللفظ لقلب المحب ويستعطفه بجميل العبارة وحسن اللفظ ويدخل بها القلوب ويأسرها ..
كل ذلك بعيد عن غرابة اللفظ وجمع المتضادات وبعثرة الحروف في صيغة فريدة لا يفهمها الا الشاعر وكأنه يكتب لنفسه فقط .
يجب أن تكون الحداثة في الشعر مشروطة بإمتاع الآخر وإشباع رغبتة في تذوق الكلمة وقراءة نص مختلف عن غيره من النصوص يملأ قلبه ووجدانه ويهزه طرباً بشيء من الرمزية التي تضفي على النص شاعريته ومعناه الأدبي .
اعذرني أخي الحبيب في مداخلتي فأنت تعرف قدرك عندي .. كما أخبرك بأنني استلمت بحثك الجميل الرائع عن اللون في الشعر العربي ، وقد استمتعت بقراءته كما دهشت بتأثير اللون في الشعر والعلاقة بين الكلمة والفن التشكيلي.
تقبل تحيتي وتقديري.
الدكتور ماجد قاروط
26-05-2009, 01:15 PM
أعتقد أنّ الجميع بين ما يبعد جمعه هو فتح نوافذ جديدة في الشعر و اللغة و الخيال ..
نوافذ تجعل العمق الشعري أوسع ..
و تعطينا فرص أكبر للتنويع .. و بعث الحياة في الميّت المستنزف من الألفاظ و الصور ..
أعتقد أنّ محاولات خنق مثل هذه المحاولات في التجديد الشعري هو جرم كبير بحق شعرنا العربي..
الشعر لا يتطور بهكذا تصرفات .. و إجراءات ..
الشعر كائن حيّ يحتاج إلى التنفّس ..
...
بعيداً عن كل شيء ..
و قريباً من كلّ شيء..
أعتقد أنّ أسلوب الشاعر الدكتور ماجد مميّز جداً ..
و واسع جداً ..
و من هذا الأسلوب هو جمعه بين ما يبعد جمعه ..
هذا يأخذ قلبكَ و عقلكَ معاً إلى أعلى .. أعلى ..
و الجمل التي انتقاها الاستاذ مجذوب المشراوي ..
هي بالنسبة لي أجمل الموجود .. بل جعلتني أطرب أيضاً ..
هذا شعر لذيذ يا أستاذ مجذوب ..
مثل أن تسمع شعر امرئ القيس مباشرة من فم امرئ القيس في زمن امرئ القيس ..
أتفهم ما أقصد ؟
..
هذه المحاولات التجديدية المستمرة .. لا تعني قتل أصالة الشعر العربي..
بل ربّما تضيف لهُ أصالة من نوع آخر و جمال من نوع آخر أيضاً ..
أعتقد أنّ من واجبنا كشعراء أن نشجّع على انسيابيّة أجزاء الشعر الناجمة عن تطور طبيعي جدا للشعر ..
كلّ منّا له فهمه الخاص بالشعر و مصطلحاته التابعة له ..
مثل الوهم و الغموض و الدلالة ... و غيرها ؟!!
و هذا ينعكس على شعرنا أيضاً ... فيصبح الشعر مرآة الواقع و النفس و مرآة الشعر نفسه ..
أعجبني قول الدكتور ماجد أنّ الأطلال كانت تقف علينا نفسياً ..
هذا صحيح ..
الشعر أوسع و أعمق و أكبر و أجمل مما نتخيل ..
أشكركم جداً ..
محبتي لكم جميعاً .....
الشاعر الغالي القدير عمر زيادة
شكرا لك على هذه المداخلة العميقة التي أضاءت الكثير من الزوايا العالقة حول فنيات قصيدة الحداثة
و استطاعت طرح أفكار غاية في الأهمية و الحيوية على بساط البحث
كما أتوجه لك بالامتنان الكبير على هذه الثقة الواسعة
دمت بخير
د. سمير العمري
26-05-2009, 02:46 PM
الأخ الأديب الكريم د. ماجد:
قرأت ما تفضلت به هنا ، وما كتبت هناك من تحليلك لقصيدتك وتعليلك لقصدك ، وهذا مما يدل على ما تملك من مخزون علمي ومكنون خلقي كريم يغري بالحوار.
ولكن لأنني أحرص عليك من أي رأي ، ولأن رضاك وعدم غضبك أهم عندي من حوار لاستقصاء الحقيقة فإني أجدني مترددا في الدخول في حوار هادف ومثمر ومتجرد أحب أن أدخله معك ، فإن كان منك الوعد أمام الجميع أن لا يغضبك اختلاف رأي ولا يزعجك صراحة حوار ولا سياق منطق فإني يسرني أن ندخل في حوار شامل بتجرد ونزاهة وباعتماد آليات الحوار النزيه وأدب الاختلاف.
في انتظار ردك الكريم ولا غضاضة فيما تقرر من قبول أو رفض إذ تظل عندنا محبوبا ولدينا مقبولا وقريبا وإنما القبول من الله ، ولقد تكون الغضاضة في أن نعد ثم نصدف.
لك التقدير والاحترام
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
26-05-2009, 03:03 PM
الأخ الأديب الكريم د. ماجد:
قرأت ما تفضلت به هنا ، وما كتبت هناك من تحليلك لقصيدتك وتعليلك لقصدك ، وهذا مما يدل على ما تملك من مخزون علمي ومكنون خلقي كريم يغري بالحوار.
ولكن لأنني أحرص عليك من أي رأي ، ولأن رضاك وعدم غضبك أهم عندي من حوار لاستقصاء الحقيقة فإني أجدني مترددا في الدخول في حوار هادف ومثمر ومتجرد أحب أن أدخله معك ، فإن كان منك الوعد أمام الجميع أن لا يغضبك اختلاف رأي ولا يزعجك صراحة حوار ولا سياق منطق فإني يسرني أن ندخل في حوار شامل بتجرد ونزاهة وباعتماد آليات الحوار النزيه وأدب الاختلاف.
في انتظار ردك الكريم ولا غضاضة فيما تقرر من قبول أو رفض إذ تظل عندنا محبوبا ولدينا مقبولا وقريبا وإنما القبول من الله ، ولقد تون الغضاضة في أن نعد ثم نصدف.
لك التقدير والاحترام
تحياتي
الأستاذ الدكتور الكريم سمير العمري الغالي
إن هذا ما أطمح إليه وأرغب به منذ أن أصبحت عضوا ً في هذه الواحة الكريمة
حفظكم الله من كل مكروه أيها الحبيب
د. سمير العمري
26-05-2009, 05:51 PM
أخي الكريم د. ماجد:
أشكر لك روحك الطيبة وردك الكريم ، ويسرني أن نطرح هنا حوارا شاملا ومستفيضا نصل فيه إلى ما نراه بات ضروريا للكشف أو الاستشكاف بما يحفظ علينا الود وللأدب الرقي والجد.
ولعلني أقترح مستأذنا أن نبدأ بطرح اعتماد آليات في الطرح والحوار ليكون الحوار علميا مفيدا بقدر المستطاع. وأنا أقترح ما يلي كأطر عامة:
1- الحوار وفق منهج أدبي نقدي هادف ونزيه ، وبرؤية متجردة قابلة للإقناع وللاقتناع بما يفرضه المنطق حينا أو الواقع الصائب حينا آخر.
2- اعتماد عمومية الحوار والتمحور حول الفكرة الكلية وتناول التفصيلات كجزيئات مكملة وكاشفة وليس باعتبارها الضيق كقضايا بديلة أو إقصائية.
3- التركيز على عموميات النصوص باعتبارها الشواهد والمشاهد ليس أكثر ، وتجنت الخوض في الشخوص إلا بسياق الاستشهاد والاستدلال لا أكثر.
4- اعتماد المنهج التحليلي وكذا المنهج التدريجي وصولا للرؤية الشاملة وفق مراحل حوارية متصلة ومتسقة دون الغرق في فيها ، وتحديد محاور حوارية متسلسلة يتم استقصاؤها قبل القفز عليها إلى غيرها.
5- جدية الطرح ، واعتبار الرأي خصما لا حكما ، وتجنب التجاهل أو التهوين أو التقدير بالهوى.
6- اعتماد منهجية التأصيل والتوصيل وفق ضوابط أدب الحوار وأرب التوجه.
7- استيفاء المراحل المتدرجة للحوار كل وفق إطاره وسياقة قبل الحكم النهائي ، واعتبار الأمر حوارا منهجيا لا صراعا شخصيا والخلوص من أثرة النفس إلأى أفق رحيب من الحق والخير والجمال.
هذه هي مقترحات أطرحها وأترك لك أخي الكريم أن المجال للحكم برفض أو برفد.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
26-05-2009, 08:28 PM
أخي الحبيب د.ماجد
أود هنا طرح التساؤل التالي ، وأرجو أن أوفق في إيصال جوهر الفكرة التي أريد :
إن الأصل في الكلام بجميع أنواعه هو التواصل بين الأفراد لأغراض متعددة من الطلب الإخبار والتعبير والوصف والشكوى ... إلخ . ومن هنا فلا طائل من كلام لا يصل إلى من يسمعه ، فلا بد من توفر الإرسال والاستقبال إن صح التعبير .
والشعر والنثر والمقالة والقصة وغيرها هي فنون متعددة لا تخرج عن كونها كلاماً ، على حد معرفتي ، ومن ثم فكلما كانت أقدر على إيصال المقصود منها إلى المستمع اتسمت بالفصاحة والبلاغة .
لا أقصد حتماً بهذه التوطئة أي انتقاص أو اتهام ، وأنا على يقين أخي بأنك تفهم ما أرمي إليه فأرجو أن يتسع لي صدرك قليلاً ، خاصة أنني أفتقر إلى حد ما إلى المصطلحات الفنية المختصة بهذا الجانب .
أما تساؤلي أخي فهو : كيف يمكن لشعر تتسم تعابيره بكل هذا الكم من الرمزية والغموض _ على الأقل بالنسبة لشريحة ليست قليلة من القراء _ أن يوصل الفكرة أو الصورة التي أرادها الشاعر للقارئ ، وهو الغاية أصلاً من الكتابة . بالطبع الشاعر لن يرفق مع كل قصيدة كتيباً فيه شرح القصيدة كما فعلت في قصيدة الحطاب اليتيم (كمثال طبعاً) .
أتفهم تماماً ما بينته في ذلك الموضوع من أن لكل قارئ أن يفسر القصيدة بحسب فهمه لها ، ولكن هل الشاعر أيضاً أراد ذلك ، أي هل أراد من هذا الغموض أن يفسر بعشرات أو مئات التفاسير والتي قد تكون جميعها غير الصورة التي تحركت في وجدانه وتجسدت على شكل قصيدة ؟
لقد قلت في أحد ردودك على الأخ مجذوب ، أن ما يراه هو غامضاً ليس لغيره كذلك ، وأرى أن ذلك منصف إلى حد ما ، لكنني أظن في ضوء الفكرة السابقة بجواز تعدد التفاسير ، أن الغموض متحقق لغالبية القراء بدرجات متفاوتة حتى وإن أمكنهم الاجتهاد في تفسير ما .
أعتذر للإطالة أخي الكريم
بانتظار رد منك وربما أعود لتساؤل آخر .
تحيتي العطرة دائماً
أخي الكريم الحبيب الدكتور مازن لبابيدي
شكراجزيلا لاهتمامك الصادق المتواصل
وسيكون لك ما أردت عزيزي الغالي
فربما تكون الإجابة عن تساؤلاتك في الحوارية النقدية
التي ستنطلق بيني وبين الدكتور الفاضل سمير العمري في هذه الصفحة
و إذا لم تكن هناك من إجابة فسأعود إلى تساؤلاتك مرة أخرى ويسعدني مشاركتم فيها لما تمتلكون من فكر واع عميق أيها الحبيب الحبيب
مودتي
دمت بخير
سالم سليمان سلامة
26-05-2009, 11:22 PM
كل التقدير لهذا الكلام العذب الجميل
مودتي الخالصة و اهلاً بعودتك
الدكتور ماجد قاروط
27-05-2009, 10:04 AM
أخي الكريم د. ماجد:
أشكر لك روحك الطيبة وردك الكريم ، ويسرني أن نطرح هنا حوارا شاملا ومستفيضا نصل فيه إلى ما نراه بات ضروريا للكشف أو الاستشكاف بما يحفظ علينا الود وللأدب الرقي والجد.
ولعلني أقترح مستأذنا أن نبدأ بطرح اعتماد آليات في الطرح والحوار ليكون الحوار علميا مفيدا بقدر المستطاع. وأنا أقترح ما يلي كأطر عامة:
1- الحوار وفق منهج أدبي نقدي هادف ونزيه ، وبرؤية متجردة قابلة للإقناع وللاقتناع بما يفرضه المنطق حينا أو الواقع الصائب حينا آخر.
2- اعتماد عمومية الحوار والتمحور حول الفكرة الكلية وتناول التفصيلات كجزيئات مكملة وكاشفة وليس باعتبارها الضيق كقضايا بديلة أو إقصائية.
3- التركيز على عموميات النصوص باعتبارها الشواهد والمشاهد ليس أكثر ، وتجنت الخوض في الشخوص إلا بسياق الاستشهاد والاستدلال لا أكثر.
4- اعتماد المنهج التحليلي وكذا المنهج التدريجي وصولا للرؤية الشاملة وفق مراحل حوارية متصلة ومتسقة دون الغرق في فيها ، وتحديد محاور حوارية متسلسلة يتم استقصاؤها قبل القفز عليها إلى غيرها.
5- جدية الطرح ، واعتبار الرأي خصما لا حكما ، وتجنب التجاهل أو التهوين أو التقدير بالهوى.
6- اعتماد منهجية التأصيل والتوصيل وفق ضوابط أدب الحوار وأرب التوجه.
7- استيفاء المراحل المتدرجة للحوار كل وفق إطاره وسياقة قبل الحكم النهائي ، واعتبار الأمر حوارا منهجيا لا صراعا شخصيا والخلوص من أثرة النفس إلأى أفق رحيب من الحق والخير والجمال.
هذه هي مقترحات أطرحها وأترك لك أخي الكريم أن المجال للحكم برفض أو برفد.
تحياتي
الأستاذ الشاعر القدير الدكتور سمير العمري
بداية كم يسرني ويسعدني أن نبدأ هذا الحوار ، وعسى أن يكون حواراًعلمياً ناجعاً يعي متطلبات العصر الحديث ويكون ذا فائدة كبيرة لشريحة عريضة واسعة من القراء و النقاد
لقد قرأت آليات الحوار بكل دقة فاستجبت لها بصورة عامة ، بيد أني أرى أن هناك نقاطا تحتاج توضيحاً لا رفضاً بإذن الله لاسيما منهجية البحث :
1-أرجو تحديد فكرة( المنهج التحليلي ) التي نريد العمل عليها لأننا نعلم جميعا أن هناك مناهج تحليلية متنوعة و ليس منهجا واحداً في التحليل إلا إذا كنتَ تقصد الاستعانة بالمناهج التحليلية تبعا ً لمسيرة التحليل .
2-يمكن لكل منا رؤية مناهج تناسبه في عملية البحث ، فأولاً وأخيراً إن طبيعة البحث هي التي تفرض مناهجها الدقيقة و أرى أنني أحتاج منهجاً لغوياً مساعداً تفرضه طبيعة الموضوع و لا ألزم به أحداً ؛ هو المنهج التفكيكي التشريحي العائد في أصوله و ملامحه إلى بعض المناهج التحليلية ، فهو منهج متطور عن المنهج البنيوي الشكلاني وهذا المنهج له مرجعيته في المناهج التحليلية لاسيما المنهج التكاملي .
3-أنا أوافقك جدا على العمل على المنهج التدريجي ، لأن نجاح أي عمل نقدي حواري عليه أن يكون متصاعداًً بصورة متوازنة ، يبني نتيجة ما على ماسبقها من تحليل وينطلق لتحليل آخر ليبني نتائج أخرى و هكذا دواليك حتي يصل إلى المقاربة النهائية .
4-استوقفتني عبارتك التي تقول ( الحوار وفق منهج أدبي نقدي هادف ونزيه ) و أقول لكَ أخي الدكتور الكريم أنني مادمتُ أستخدم منهجاً نقدياً معيناً ، فأنا بالضرورة راضٍ عنه ، وهو من وجهة نظري الخاصة نزيه ، وكذلك أنتَ اخي الكريم عندما تستخدم منهجاً معيناً فإنك تعتبره نزيهاً و هادفاً ، و قد لا يروق لك َ استخدامي لمنهج معين ، و بالمقابل قد لا يروق لي استخدامك لمنهج معين ، ذلك أن عملية استخدام المنهج خاضعة لرؤيا الناقد الخاصة التي تستند إلى القضية المطروحة للحوار، وهذا الكلام ليس رفضاً لشيء ما ، ولكن كي نضع نقاط التفاهم و الالتقاء لهذا الحوار
وتقديراً لشأنكم الكريم يسعدني ويشرفني أن تكون بداية الحوار على يديكم الكريمتين، حيث أعتقد أن لديكم الفكرة الوافية عن الموضوع المطروح من خلال قراءتكم لمقالتي السابقة وتحليلي للقصيدة .
و الله ولي التوفيق
د. سمير العمري
27-05-2009, 11:37 AM
أخي الفاضل الأديب الكريم د. ماجد:
أشكر لك ردك الكريم والذي أراه كأنه ربما ينهي الحوار قبل أن يبدأ ، ولكن لعلني أرد على تساؤلك ثم أوضح حيثيات رأيي في ردك الأخير.
أما ما أردت من المنهج التحليلي فهو المنهج الذي يعتمد التفسير التحليلي بما يتفق مع مدلولات اللغة ومقتضيات فقهها وبما يتسق والمنطق العقلي المجرد وأن نبتعد تماما عن المنهج التأويلي الذي يعتمد التفسير التأويلي وفق الرأي الشخصي وبما ينسجم مع الهوى والرغبة.
وأما حيثيات رأيي أن ردك الكريم هذا ينهي الحاجة للحوار باعتبار ما يلي:
1- اعتماد تعدد المرجعيات بما يؤسس لحالة من التشتت وتضارب الرؤى والآراء ويصب كل متحاور كمن ينادي في واد له وحده دون أن يسمع صوته ولا حتى صداه أحد.
2- ما ورد في النقطة الرابعة من ردك والذي يعني وببساطة أن القناعة راسخة وأن النية مبيتة للإقناع وليس للاقتناع والمنطق المعرفي المتجرد يجدر بأن يكون كما قيل (رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) ، وإنما يكون الحوار متجردا ومرتكزا على مرجعية واضحة تعتمد المنطق التجريدي العقلي دون تجاهل أهمية اعتبار الذائقة الحسية والتجربة المعرفية وفق ذلك الإطار. وحين لا تتوفر مثل هذه الأسس سيصبح طرح الحوار لا معنى له ولا ضرورة وسيتحول بشكل أو بآخر إلى جدل وضياع للجهد والوقت ونحن في أشد الاستغناء عن مثل هذا.
وتأكد أخي الفاضل بأنني أحترم وجهات النظر أيا تكن ولا أصادر حق أحد في تبني ما يرى ولا أزعم أنني أمتلك الصواب بل أسعى إليه وأبحث عنه في كل مكان وزمان ومن كل إنسان فاحق أحق أن يتبع.
وإن كان فهمي لما ورد في ردك الكريم لم يصب أو إن كان يظلم فلك أخي أن تبين لي ما غاب عني وإني بحق رغم ضيق وقتي وكثرة انشغالي لأكثر حرصا على حوار راق مثلك بما يمكن أن يمثل حالة فريدة ومثلا في الحوار الهادف والتآلف في ظل التخالف وصولا لما هوأصوب وأنسب.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
27-05-2009, 12:26 PM
أخي الفاضل الأديب الكريم د. ماجد:
أشكر لك ردك الكريم والذي أراه كأنه ربما ينهي الحوار قبل أن يبدأ ، ولكن لعلني أرد على تساؤلك ثم أوضح حيثيات رأيي في ردك الأخير.
أما ما أردت من المنهج التحليلي فهو المنهج الذي يعتمد التفسير التحليلي بما يتفق مع مدلولات اللغة ومقتضيات فقهها وبما يتسق والمنطق العقلي المجرد وأن نبتعد تماما عن المنهج التأويلي الذي يعتمد التفسير التأويلي وفق الرأي الشخصي وبما ينسجم مع الهوى والرغبة.
وأما حيثيات رأيي أن ردك الكريم هذا ينهي الحاجة للحوار باعتبار ما يلي:
1- اعتماد تعدد المرجعيات بما يؤسس لحالة من التشتت وتضارب الرؤى والآراء ويصب كل متحاور كمن ينادي في واد له وحده دون أن يسمع صوته ولا حتى صداه أحد.
2- ما ورد في النقطة الرابعة من ردك والذي يعني وببساطة أن القناعة راسخة وأن النية مبيتة للإقناع وليس للاقتناع والمنطق المعرفي المتجرد يجدر بأن يكون كما قيل (رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) ، وإنما يكون الحوار متجردا ومرتكزا على مرجعية واضحة تعتمد المنطق التجريدي العقلي دون تجاهل أهمية اعتبار الذائقة الحسية والتجربة المعرفية وفق ذلك الإطار. وحين لا تتوفر مثل هذه الأسس سيصبح طرح الحوار لا معنى له ولا ضرورة وسيتحول بشكل أو بآخر إلى جدل وضياع للجهد والوقت ونحن في أشد الاستغناء عن مثل هذا.
وتأكد أخي الفاضل بأنني أحترم وجهات النظر أيا تكن ولا أصادر حق أحد في تبني ما يرى ولا أزعم أنني أمتلك الصواب بل أسعى إليه وأبحث عنه في كل مكان وزمان ومن كل إنسان فاحق أحق أن يتبع.
وإن كان فهمي لما ورد في ردك الكريم لم يصب أو إن كان يظلم فلك أخي أن تبين لي ما غاب عني وإني بحق رغم ضيق وقتي وكثرة انشغالي لأكثر حرصا على حوار راق مثلك بما يمكن أن يمثل حالة فريدة ومثلا في الحوار الهادف والتآلف في ظل التخالف وصولا لما هوأصوب وأنسب.
تحياتي
الحبيب الدكتور سمير العمري
لن أطيل عليك أبدا ً
فأنا و الله لم أقصد سوى وضع اللمسات الأخيرة على عملية الحوار من خلال بعض الاستفسارات التي أراها إدارية و ليست تقنية في صلب الموضوع ‘ حتى يكون كل منا على دراية حرة و كاملة ضمن إطار منهجي لانتعداه
و عذري الشديد إذا خانني التعبير والكلام
باقات من الورد و الحب و الإخلاص لك سيدي
د. سمير العمري
27-05-2009, 01:45 PM
حسنا أخي الأديب الكريم د. ماجد ، لقد كنت هنا كريم نفس راقي تعاطٍ مهذب طرح وها أمر يضيف للحوار بهجة وأربا ومصداقية فأشكر لك ذلك إذ كنت خشيت أن نكون بحاجة لحوار قبل الحوار على منهجيات الحوار وآلياته وأهدافه فكفيتنا ذلك بفيض علمك وعظيم أدبك.
ولعلني أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم وبالدعاء له أن يلهمنا رشدنا وأن يجعلنا ممن يسعى بالحق ويعمل للحق ويدعو إلى الحق.
ثم لعلني أثني بالعودة للتأكيد على أهمية تحديد مرجعية حكم واحدة نرتكز عليها جميعنا كي يكون للحوار فوائده ولأنني أؤمن بأن لكل إنسان حقه في أن يؤمن بما يراه حقا ، وأؤمن كذلك بأن لا لإكراه في اعتقاد ولا استخفاف برأي الآخر أيا يكن وإنما الأمر خطأ وصواب وتسديد ومقاربة.
ولأن من طبائع النفوس ميلها لما تتبع وتعصبها لما اعتادت ، ولأن حين اختلاف العقل البشري وحين تباين المنطق فلا أجد أفضل من أن تكون المرجعية بعد العقل الذي ميز الإنسان عن سواه من المخلوقات للخالق ذاته تعالى ولما ورد في كتابه الكريم وسنة نبيه الأمين مما كان راسخا ثابتا لا تأويل فيه ولا جدل حوله.
ثم لعلني أبدأ هنا استجابة لطلبك الكريم الذي أقدره بأن نحدد المحور العام لهذا الحور ومن ثم المحاور الفرعية الدالة.
وأما المحور العام للحوار هنا فهو مفهوم الطرح الحداثي وجديته ومدى الحاجة إليه.
وأما المحاور الفرعية الدالة فأراها وبالترتيب كما يلي:
1- البيان ، معناه ودوره ومقتضياته.
2- الشعر ، لماذا وكيف؟
3- هل الأصالة قيود وسدود وهل الحداثة تحرر ونهوض؟؟
4- الأداء الشعري في المشهد الثقافي العربي.
5- هل هناك حلول وسط؟؟
هذا وأوضح أن هذه تظل خطوطا عامة لكل محور فري محاور أكثر تفرعا وفق ما يقتضيه السياق ، بله وهناك ربما ما يمكن أن يضاف إلى هذه المحاور سواء مباشرة أو بما تفرضه آليات ومدارات الحوار.
هذا وأعود بعد قليل لبدء الحوار من خلال المحور الفرعي الأول بإذن الله تعالى.
تحياتي
مازن لبابيدي
27-05-2009, 02:32 PM
أخي د. سمير ، أخي د. ماجد
أعتذر للتدخل في الحوار بمجرد اقتراح ، إن كان لا يخرج عن سياق المحور الذي طرحته ، وهو إضافة محور فرعي آخر في التركيب الفني لشعر الحداثة .
وجزاكما الله خيراً أنت والدكتور ماجد لهذا الحوار الممتع الذي لم أشهد نظيره من قبل حقاً وأرجو له النجاح .
الدكتور ماجد قاروط
27-05-2009, 04:07 PM
أخي د. سمير ، أخي د. ماجد
أعتذر للتدخل في الحوار بمجرد اقتراح ، إن كان لا يخرج عن سياق المحور الذي طرحته ، وهو إضافة محور فرعي آخر في التركيب الفني لشعر الحداثة .
وجزاكما الله خيراً أنت والدكتور ماجد لهذا الحوار الممتع الذي لم أشهد نظيره من قبل حقاً وأرجو له النجاح .
أخي الدكتور مازن لبابيدي
أوقاتك سعيدة
في المحاور المتكاملة الدقيقةالتي طرحها الدكتور سمير العمري
هنالك محور يفضي إلى المسألة التي طرحتَها بصورة تلقائية
دمت بخير
د. سمير العمري
27-05-2009, 07:34 PM
صدق أخي د. ماجد فما طلبته أخي د. مازن سيكون أحد التفريعات الدقيقة في أحد تلك المحاور العامة.
أما البداية فستكون بطرح معنى البيان ومأربه وهي بداية ربما ستبدو بعيدة عن أصل ما نتحدث عنه ولكنني أزعم ولا أجزم بأنها المدخل الرئيس للقضية بمجملها ذلك أن البيان هو غاية الكلام وما مدحت الفصاحة إلا لأنها أعلى قيم البيان ، وما ذم التلعثم وعيبت الرطانة إلا لأنهما لا يمثلان معنى ولا قيمة للبيان. ولأن البيان هو غاية الكلام فقد ورد ذكره مدحا في كتاب ربنا الكريم في عدة مواضع كقوله تعالى (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) وقوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) ، بل ولعلنا ندرك قيمة البيان حين ندرك أن الله تعالى قد من بنعمه الجليلة على الإنسان في قوله تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ولا يخفى على لبيب معنى أن يتبع من الله على عباده بالخلق منه عليهم بعلم البيان ذلك أن الإنسان بدون بيان سينحدر إلى ما دونه من مخلوقات قدرا وقدرة وأسلوبا.
والبيان لا يقف عند حدود الكلام لا ريب ، فالإشارة والحركة والإيماء والملامح قد يكون فيها بيانا ولكن لا بيان كالكلام ولا كلام كالفصاحة ولا فصاحة كالبلاغة. وما أحسب إلا أن للرطانة بهرة الحيرة ومحاولة الفهم والتأويل تجد هذا في توظيف السحر له ليدخل في قلوب رواده الدهشة ويأخذهم بما يهذر من حروف وأصوات وتمتمات لا يفهم منها شيء ولا ينسى أن يدس فيها بعض عسل البيان من كلمة موحية هنا ولفظة دالة هناك كي يزيد الإرباك ويحكم السيطرة على النفس الحائرة والقلوب الخائرة ، ومثله في هذا مثل قساوسة كل الأديان خلا الإسلام يتخذون من مثل هذا وسيلة سيطرة وتحكم في النفوس التي تنظر إليهم نظرة تبجيل ولا تتعامل معهم تعاملها مثلا مع سفيه يردد مثل ما قالوا فينهرونه ويسخرون منه.
ألم تر إلى قول الله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) لا كشاهد على ما نقول هنا من فعل أولئك كمثل قوله تعالى كذلك (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ) بل وتسير تلك الآية أيضا إلى أمر مهم جدا من أمر البيان وهو تفضيل البيان وتفضيل اللسان.
والبَيَانُ لغة هو بمعنى الظهور والكشف وأيضا بمعنى الحجة والدليل؛ أَيَّد قوله ببيان.والبيان أيضا يعني المنطق الفصيح المعبّر ، في البلاغة هو علم يقصد به إيراد المعنى في صور مختلفة كالتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية ، والبيان هو الإفصاح مع ذكاء. ولعلني لا أطيل لأربط الأمر هذا بمحورنا العام في قضية الشعر بشهادة سيد الفصحاء (إن من البيان لسحرا) يوم قالها يمدح بيان الشعر باعتباره أعلى درجات اللغة والكلام والبيان عند العرب بعيدا عن تفرد كتاب الله ومكانته.
وأما مقتضيات البيان فهي في تقديري اعتبار اللفظة والمعنى واعتبار التوظيف البلاغي واعتبار التركيب والسياق وتوصيل المراد ؛ فما يمكن لأبكم أن يفهم ما يريد إلا بأخذ ورد وتأويل وتحليل وبالكاد ، ولا يمكن لأعجمي أن يدرك ما يريد عربي أو العكس حتى وإن كان يبدي ما يبدي من إشارات وإيماءات. ولأن العربية لغة لا ككل اللغات وهي لغة القرآن الذي أنزل إعجازا لفصحاء العرب ببيان وبلاغة لا برموز وإشارات فإن اعتبار اللفظة ومعناها واختلاف ذلك باختلاف السياق واختلاف النطاق يصبح أمرا جوهريا وضروريا ، ولعل أهم ما في ذلك كله هو الالتفات لفقه اللغة وما به توحي وثراء اللغة بالمفردات والمترادفات لم يكن أمرا عبثيا ولا خبط عشواء بل تمييزا لها بالدقة المتناهية التي لا تتوفر لسواها وتوظيف فقه اللغة في الإيجاز والبلاغة لإيصال المعنى بأقل عدد ممكن من الكلمات ؛ فحين نقول "تكالب القوم" و "توافد القوم" و "تزاحم القوم" و "تجمهر القوم" فإنما نعني حضور القوم بكثرة ، ولكن لكل مفردة مما ذكرنا معنى إضافي آخر أو أكثر يفرضه فقه اللغة فيصل المعنى ذاك دون شرح أو إطناب وهذا هو أحد أسرار جمال العربية.
وبهذا نجد أن البيان هو غاية الكلام ومعناه الكشف والإفصاح ، وأن الكلام متى فقد دوره في البيان والإفصاح فقد الحاجة إليه وأصبح لغوا وهذرا ورطانة لا خير منها ولا أرب فيها إلا ما يكون من إزعاج الطنين أو ارتجاج الرنين.
هذا وأترك المجال لأخي الفاضل د. ماجد ليتفضل علينا بما يراه أو لينتقد من قولنا ما قلنا ونسمع له بكل ود وحرص واهتمام.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
28-05-2009, 03:50 PM
صدق أخي د. ماجد فما طلبته أخي د. مازن سيكون أحد التفريعات الدقيقة في أحد تلك المحاور العامة.
أما البداية فستكون بطرح معنى البيان ومأربه وهي بداية ربما ستبدو بعيدة عن أصل ما نتحدث عنه ولكنني أزعم ولا أجزم بأنها المدخل الرئيس للقضية بمجملها ذلك أن البيان هو غاية الكلام وما مدحت الفصاحة إلا لأنها أعلى قيم البيان ، وما ذم التلعثم وعيبت الرطانة إلا لأنهما لا يمثلان معنى ولا قيمة للبيان. ولأن البيان هو غاية الكلام فقد ورد ذكره مدحا في كتاب ربنا الكريم في عدة مواضع كقوله تعالى (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) وقوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) ، بل ولعلنا ندرك قيمة البيان حين ندرك أن الله تعالى قد من بنعمه الجليلة على الإنسان في قوله تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ولا يخفى على لبيب معنى أن يتبع من الله على عباده بالخلق منه عليهم بعلم البيان ذلك أن الإنسان بدون بيان سينحدر إلى ما دونه من مخلوقات قدرا وقدرة وأسلوبا.
والبيان لا يقف عند حدود الكلام لا ريب ، فالإشارة والحركة والإيماء والملامح قد يكون فيها بيانا ولكن لا بيان كالكلام ولا كلام كالفصاحة ولا فصاحة كالبلاغة. وما أحسب إلا أن للرطانة بهرة الحيرة ومحاولة الفهم والتأويل تجد هذا في توظيف السحر له ليدخل في قلوب رواده الدهشة ويأخذهم بما يهذر من حروف وأصوات وتمتمات لا يفهم منها شيء ولا ينسى أن يدس فيها بعض عسل البيان من كلمة موحية هنا ولفظة دالة هناك كي يزيد الإرباك ويحكم السيطرة على النفس الحائرة والقلوب الخائرة ، ومثله في هذا مثل قساوسة كل الأديان خلا الإسلام يتخذون من مثل هذا وسيلة سيطرة وتحكم في النفوس التي تنظر إليهم نظرة تبجيل ولا تتعامل معهم تعاملها مثلا مع سفيه يردد مثل ما قالوا فينهرونه ويسخرون منه.
ألم تر إلى قول الله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) لا كشاهد على ما نقول هنا من فعل أولئك كمثل قوله تعالى كذلك (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ) بل وتسير تلك الآية أيضا إلى أمر مهم جدا من أمر البيان وهو تفضيل البيان وتفضيل اللسان.
والبَيَانُ لغة هو بمعنى الظهور والكشف وأيضا بمعنى الحجة والدليل؛ أَيَّد قوله ببيان.والبيان أيضا يعني المنطق الفصيح المعبّر ، في البلاغة هو علم يقصد به إيراد المعنى في صور مختلفة كالتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية ، والبيان هو الإفصاح مع ذكاء. ولعلني لا أطيل لأربط الأمر هذا بمحورنا العام في قضية الشعر بشهادة سيد الفصحاء (إن من البيان لسحرا) يوم قالها يمدح بيان الشعر باعتباره أعلى درجات اللغة والكلام والبيان عند العرب بعيدا عن تفرد كتاب الله ومكانته.
وأما مقتضيات البيان فهي في تقديري اعتبار اللفظة والمعنى واعتبار التوظيف البلاغي واعتبار التركيب والسياق وتوصيل المراد ؛ فما يمكن لأبكم أن يفهم ما يريد إلا بأخذ ورد وتأويل وتحليل وبالكاد ، ولا يمكن لأعجمي أن يدرك ما يريد عربي أو العكس حتى وإن كان يبدي ما يبدي من إشارات وإيماءات. ولأن العربية لغة لا ككل اللغات وهي لغة القرآن الذي أنزل إعجازا لفصحاء العرب ببيان وبلاغة لا برموز وإشارات فإن اعتبار اللفظة ومعناها واختلاف ذلك باختلاف السياق واختلاف النطاق يصبح أمرا جوهريا وضروريا ، ولعل أهم ما في ذلك كله هو الالتفات لفقه اللغة وما به توحي وثراء اللغة بالمفردات والمترادفات لم يكن أمرا عبثيا ولا خبط عشواء بل تمييزا لها بالدقة المتناهية التي لا تتوفر لسواها وتوظيف فقه اللغة في الإيجاز والبلاغة لإيصال المعنى بأقل عدد ممكن من الكلمات ؛ فحين نقول "تكالب القوم" و "توافد القوم" و "تزاحم القوم" و "تجمهر القوم" فإنما نعني حضور القوم بكثرة ، ولكن لكل مفردة مما ذكرنا معنى إضافي آخر أو أكثر يفرضه فقه اللغة فيصل المعنى ذاك دون شرح أو إطناب وهذا هو أحد أسرار جمال العربية.
وبهذا نجد أن البيان هو غاية الكلام ومعناه الكشف والإفصاح ، وأن الكلام متى فقد دوره في البيان والإفصاح فقد الحاجة إليه وأصبح لغوا وهذرا ورطانة لا خير منها ولا أرب فيها إلا ما يكون من إزعاج الطنين أو ارتجاج الرنين.
هذا وأترك المجال لأخي الفاضل د. ماجد ليتفضل علينا بما يراه أو لينتقد من قولنا ما قلنا ونسمع له بكل ود وحرص واهتمام.
تحياتي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفتتح مداخلتي العلمية بالشكر العميق للأستاذ الدكتور الفاضل سمير العمري الذي فتح باب هذا الحوار الهادف في قضايا أدبية حساسة ،تستند إلى المحاور السابقة، كما أتوجه بالشكر العميق لكل قارئ و باحث وقف على هذه المقالة النقدية ، حيث افتتح الدكتور سمير العمري الحوار بوقوفه على المحور الأول وهو ( البيان ، معناه ودوره ومقتضياته ) .
في البداية أرجو من الأستاذ الكريم الدكتور سمير العمري أن يتسع صدره الرحب ، وما عهدتـُه إلا كذلك إن شاء الله ، للوقوف المطول على دقائق الأمور وتحليلها تحليلاً علمياً دقيقاً مسلَّحاً بالتوثيق و الإحالات العلمية و القرائن التاريخية الممنهجة للاستدلال على الواقعة المدروسة ، وللدكتور الكريم و القارئ الحبيب كل الحق و الحرية في العودة للمصادر و المراجع و الأبحاث لاستقصاء الأمور التي سأسوقها ومصارحتي بها لأننا لا نبحث سوى عن العلم الذي يطالعنا بالحقيقة ، و لسهولة العمل العلمي قررْت أن تكون المداخلة على مستويات متعددة :
1-المستوى الأول : قام الدكتور الفاضل بالوقوف على معنى البيان فقال إنه "غاية الكلام وما مدحت الفصاحة إلا لأنها أعلى قيم البيان ، وما ذم التلعثم وعيبت الرطانة إلا لأنهما لا يمثلان معنى ولا قيمة للبيان" وقال" أيضا والبَيَانُ لغة هو بمعنى الظهور والكشف وأيضا بمعنى الحجة والدليل؛ أَيَّد قوله ببيان.والبيان أيضا يعني المنطق الفصيح المعبّر ، في البلاغة هو علم يقصد به إيراد المعنى في صور مختلفة كالتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية" والحقيقة أننا نتفق الاتفاق كله مع أستاذنا الفاضل في هذه التعريفات ونسجل له مجهوده الكريم هذا ، غيرأنه قال "ولأن البيان هو غاية الكلام فقد ورد ذكره مدحا في كتاب ربنا الكريم في عدة مواضع" .
والواقع أن كلمة " البيان " في القرآن الكريم لم تأت في السواد الأعظم من التفسيرات بالمعنى الذي يشيرإلى منحى لغوي محض يستبطن أمور الكلام واللغة والبلاغة إلا ما رحم ربي , ولعل كلمة " البيان " في كتاب الله تعالى تأخذ طابعاً تشريعياً في المعنى وهي على علاقة ضعيفة بغايات الكلام وتقلباته اللغوية والبلاغية ، إذ تدل كلمة ( البيان ) على كلمة ( القرآن ) تماما ً ، و تدل في تفسير آخر على تبيان الخير و الشر ، و تدل أيضاً على تمييز الحق من الباطل ، وتشير كذلك إلى البرهان الإلهي و ليس البرهان اللغوي البلاغي المحض ، وسنسوق في عجالة بعض التفسيرات للآيات الكريمة التي أتى بها الدكتور سمير العمري حول قضية البيان .
لقد جاء في تفسير الآية الكريمة من سورة آل عمران لمحمد بن جرير الطبري (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)الآية138
"قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه ب "هذا " .
فقال بعضهم : عنى بقوله "هذا " ، القرآن .
ذكر من قال ذلك :
7873 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا [ ص: 232 ] عباد ، عن الحسن في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، قال : هذا القرآن .
7874 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة . قوله : " هذا بيان للناس " ، وهو هذا القرآن ، جعله الله بيانا للناس عامة ، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا . " راجع تفسير القرآن / الطبري / دار المعارف
وراجع تفسير ابن كثير، والبغوي إلخ
وقال الشيخ محمد الراوي في ( حديث القرآن للقرآن )
"ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران:138]
وسواء كانت الإشارة في قوله : ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾ إلى القرآن الكريم أو إلى ما يسبق هذه الآية من آيات ، فإن المشار إليه جدير أن يتدبر وأن تُعلم هدايته" المكتبة الإسلامية1430 للهجرة
وجاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء" ) قال ابن مسعود : [ و ] قد بين لنا في هذا القرآن كل علم ، وكل شيء .
وقال مجاهد : كل حلال وحرام .
وقول ابن مسعود أعم وأشمل ; فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق ، وعلم ما سيأتي ، وحكم كل حلال وحرام ، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ، ومعاشهم [ ص: 595 ] ومعادهم .
( وهدى ) أي : للقلوب ، ( ورحمة وبشرى للمسلمين )
وقال الأوزاعي : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) أي : بالسنة" .
انظر تفسير ابن كثير/ دار طيبة1422للهجرة/ 2002 ميلادي\
وقد ساق الدكتور الكريم سمير العمري شاهدا في الدفاع عن قضية البيان في غير موضعه تماماً من القرآن الكريم وهو الآية الكريمة : "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ"فيقول ابن كثير
في ذلك" يخبر تعالى عن اليهود ، عليهم لعائن الله ، أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون كلام الله ، ويزيلونه عن المراد به ، ليوهموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك ، وينسبونه إلى الله ، وهو كذب على الله ، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله ، ولهذا قال : ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) وقال مجاهد ، والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس : ( يلوون ألسنتهم بالكتاب ) يحرفونه .
وهكذا روى البخاري عن ابن عباس : أنهم يحرفون ويزيدون وليس أحد من خلق الله يزيل لفظ كتاب من كتب الله ، لكنهم يحرفونه : يتأولونه على غير تأويله .
وقال وهب بن منبه : إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله لم يغير منهما حرف ، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل ، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ، ( ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ) فأما كتب الله فإنها محفوظة ولا تحول" .انظر ابن كثير/ التفسير
، ويتبعه الطبري الذي يؤكد أن التحريف هو لكلام النبي عليه الصلاة والسلام فيما جاء به عن الله سبحانه وتعالى – راجع تفسير الطبري و البغوي
ذلك أن التحريف هنا هدفه التشويه وحرف الكلام لأسباب إيديولوجية ودينيةو سياسية بالنتيجة ، و ليس لإظهار تفوق بلاغة على أخرى
أمأ مجي ء كلمة البيان في الآيات الكريمة الأولى من سورة الرحمن "الرحمن* علم القرآن* خلق الإنسان* علمه البيان *
فتشير الكثير من التفسيرات لآية( علمه البيان ) إلى أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان و منحه إعجاز النطق ليميزه عن سائر خلقه ، و إعجاز تحريك اللسان عبر خروج الحروف من مخارجها المناسبة ، و تشير التفسيرات الأخرى إلى أن كلمة ( البيان ) هنا ، تعني بيان الخير و الشر ، و تعني أيضاً القدرة على تدبر تلاوة القرآن ، ولم يعط الله سبحانه وتعالى الإنسان معجزة البلاغة و الفصاحة مباشرة ، و من يقرأ تلك التفسيرات بتمعن و تحليل بسيط يدرك ذلك ومن أقوال المفسرين في تفسير هذه الآيات الأربع:
"ذكر ابن كثير( رحمه الله) مامختصره: يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه, أنه أنزل لعباده القرآن, ويسر حفظه وفهمه على من رحمه, فقال الرحمن* علم القرآن* خلق الإنسان* علمه البيان*) قال الحسن: يعني النطق, وقال الضحاك: يعني الخير والشر, وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى, لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن هو أداء تلاوته وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق, وتسهيل خروج الحروف من مواضعها, علي اختلاف مخارجها وأنواعها..." انظرمن اسرار القرآن الإشارات الكونية فى القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية بقلم: الدكتور زغلـول النجـارlقضايا و اراء43631 السنة 13-العدد 2006 مايو 22/ 24 من ربيع الآخر 1427 هـ الأثنين .
و علينا هنا أن نفرق بين (النطق ) من جهة وبين ( الفصاحة)من جهة اخرى ، فالنطق حالة عامة غير أن الفصاحة حالة خاصة .
2-المستوى الثاني :
نحن نعلم أن عملية التواصل بين البشر ترتكز إلى ثلاثة عناصر هامة وهي (المرسل- المتلقي- الرسالة) والذي يهمنا هنا هو المتلقي لأنه الإنسان
،باعتبار أن الرسالة هنا هي القرآن الكريم دائماً وأن المرسل هنا هو الله جل جلاله .
لقد وقف المرء ( المتلقي ) عبر مراحل زمنية مختلفة موقف الحائر والمفسر للكثير من الآيات القرآنية الكريمة ، وماعشرات الكتب حول (مشكل تأويل القرآن ) و(مشكل تفسير الغريب في القرآن)إلا الدليل الساطع على قوة إعجاز القرآن الذي أعطى لعقل المتلقي الحرية ضمن أصول الدين الحنيف للعمل بجد من أجل استقصاء وتفسير ماهو غريب ، أليس أصحاب هذه الكتب هم من المتلقين (علماء،وفلاسفة،ونقاد) ، وهنالك الكثير من المواقف والقصص التي وقف منها بعض الناس موقف المتفرج من الآيات القرآنية الكريمة التي تعتمد التصوير ، فهل هذا يضر ببيان القرآن الكريم ومعجزاته.
نحن نعلم قصة أبي تمام المشهورة ومحاججته بصورة بلاغيةمن القرآن الكريم لإفحام خصمه ويندرج هذا في توجه (المتلقي )الناقد القديم لقول أبي تمام:
لا تسـقني ماء الملام فإنني صبُّ قد استعذبتُ ماء بكائي
ذلك أن (الماء) لا يمكن أن يستعار لما يُكره كالملام، لأنه خير وبركة وحياة إلا في مواطن خاصة جعلها - جلت صنعته- منصرفة للعذاب، كما مثّلنا في جملة من الآي الكريم. غير أن أبا تمام، وقد أدرك ما يرمي إليه النافد، أجاب فأحسن الجواب، فقال لسائله الذي طلب متندراً أن يسقيه كأساً من (ماء الملام): لا أسقيكه حتى تأتيني بريشة من (جناح الذلّ).1الآيات ( الصافات 62 : 70 )
( انظر سلسلة كتب الأمة (42)في شرف العربية (الماء والحياة في أدب القرآن)
فهل نقول أن عبارة (جناح الذل) في الآية الكريمة ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) هي عبارة غير مفهومة لأن المتلقي الذي كان يقف أمام أبي تمام قد احتار في أمره بشأنها ؟
أليس هناك في القرآن الكريم صور بلاغية غاية في الروعة لم نطلع حسيا على مكنوناتها وعناصرها ، لننظر معاً للآية الكريمة التالية " ( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين) فنحن لانعرف الملامح الحقيقية للشجرة ولانعرف الملامح الحقيقية للجحيم ولانعرف الملامح الحقيقية للشياطين فهل نقول أن هناك خلخلة في البلاغة لأن المسألة تقترب من التجريد ، وماموقف الكثيرين من المتلقين في تفسير هذه الآيات الكريمة ؟ فالمسألة إذاًً لها علاقة بشكل أو بآخر بالمتلقي وبوعيه و إدراكه المعرفي الجمالي .
ولأن القرآن الكريم هو حقيقة دامغة ؛ ويعرض حقائق دامغة تتخللها صور بلاغية رائعة ، فعلينا أن نؤمن إيماناً قطعيا ً أن الوصول إلى الحقيقة والإدراك يتم أيضاً عبر بوابة التصوير و البلاغة كما هو حال القرآن الكريم ، وليس فقط الوصول إلى الحقيقة من بوابة الوضوح و المنطق ، ثم ألا تبتدئ الكثير من سور القرآن الكريم بالحروف التي لا يعلم تأويلها إلا الله ‘ فهل هذا نقص للبيان والبلاغة ؟وماذا بعد ذلك ، ولهذا أقول : وبصوت علمي واضح :نَعَمْ ، إن الإيماء و الرمز والإيحاء هم من متطلبات الفصاحة و البلاغة أيضاً ، لأن البلاغة الإيجاز , لدي الكثير من الوثائق والدلائل ‘ إلا أنني سأكتفي هنا .......
تحياتي
سالم سليمان سلامة
28-05-2009, 04:36 PM
جميل ومبدع و عظيم يادكتوراسأل الله تعالى ان يجعل لك في كل حرف جزاء و حسنة اشكرك ووفقك الله الى مافيه خير الامة الاسلامية تحياتي
د. سمير العمري
28-05-2009, 06:16 PM
الحبيب د. ماجد:
أشكر لك ما تفضلت به من رد ، واسمح لي أن أرد عليه بذاته بعيدا عن السياق العام بما يلي:
1- اتفقنا أنه لا يضيق صدر عاقل بحوار هادف أنى اختلفت الآراء ، وأؤكد أنني ممن يرى في اختلاف رأيه مع العقلاء سببا لود وتأكيد صلة وليس العكس فأرجو أن لا ننشغل بهذه المسألة أو نشير إليها إلا إن بدا ذلك الأمر واضحا جليا وأؤكد أن ذلك لن يكون من طرفي أبدا.
2- لقد كنت بادرت بما كان لي من تجارب سابقة في حوارات إلى توضيح التأكيد على آليات الطرح والحوار كي نتجنب الجنوح للجدل أو الخروج عن الأصل إلى الفروع ثم إلى فروع الفروع ليجد المرء نفسه يجادل في أمور لا علاقة لها بأصل الطرح الأساسي. ولعل ما ورد هنا في ردك الكريم يخالف بشكل أو بآخر ما ورد في النقطة الثانية من تلك الآليات حيث بات وكأننا سنغرق في أول شبر من الحوار من خلال التركيز على الأمثلة الجزئية كمدخل للقضايا الكلية حتى بدا وكأن حوارنا هنا شرعي فقهي لا أدبي لغوي والأصل أن محورنا الأساسي هو عن اللغة والشعر ما دخل في إطارهما بما يتصل بالأمر المطروح للنقاش.
3- لا أرى حكمة في أن نستغرق العقل والجهد في الحوار حول ما لا يحتاج لحوار ، ولا أجد أن اختلاف الرأي يعني اختلافا كليا أو يفرض المخالفة فيما هو متفق عليه بيننا على الأقل. وردك الكريم هو وإن بدا على غير ما رأيت لدليل إثبات لا نفي ولا أجدني أخالفك فيه قيد أنملة بل وأؤكد عليه وسأقوم بعد قليل برد غير مسهب لتأكيد ما تقول وما أقول اتفاقا واحدا جازما.
4- رأيت وكأنك تستعجل الدخول في صلب القضايا والقفز على بعض المحاور التي اتفقنا على ضرورة التدرج فيها ، واستنتاجك بأنني لا أقول بأهمية الصورة والرمز والإيحاء هو استنتاج مخطئ ولسوف تجرك بأنني أقول فيه بأشد مما تقول.
5- أثق بأن كريما بقدرك سيكون فوق استعمال أساليب الحوار للانتصار كالاجتزاء والاتكاء والاقتفاء والانتقاء والافتراء ، ولولا ذلك لما كنت المبادر بالطرح فما أيسر التفنيد لما يقال من وصف ذات الحال.
6- لعلني فيما أشرت إليه أن تتأكد أنه لا يقصد شخصك الكريم ، وأن يجد لديك القبول والتفهم لديك كي نركز على أصول الحوار وأهدافه دون الانشغال بالتفنيد والتعديد والتبرير.
هذا وأعود بعد قليل لأرد ردا استثنائيا على ما تفضلت به احتراما لقدرك وتأكيدا لما قلت في ردي هنا ، ولتوضيح أن حوارنا ليس شرعيا ولا فقهيا ولا يتناول القرآن إلا كمرجع وحكم لغوي ومنطقي لا أكثر.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
28-05-2009, 06:55 PM
الحبيب د. ماجد:
أشكر لك ما تفضلت به من رد ، واسمح لي أن أرد عليه بذاته بعيدا عن السياق العام بما يلي:
1- اتفقنا أنه لا يضيق صدر عاقل بحوار هادف أنى اختلفت الآراء ، وأؤكد أنني ممن يرى في اختلاف رأيه مع العقلاء سببا لود وتأكيد صلة وليس العكس فأرجو أن لا ننشغل بهذه المسألة أو نشير إليها إلا إن بدا ذلك الأمر واضحا جليا وأؤكد أن ذلك لن يكون من طرفي أبدا.
2- لقد كنت بادرت بما كان لي من تجارب سابقة في حوارات إلى توضيح التأكيد على آليات الطرح والحوار كي نتجنب الجنوح للجدل أو الخروج عن الأصل إلى الفروع ثم إلى فروع الفروع ليجد المرء نفسه يجادل في أمور لا علاقة لها بأصل الطرح الأساسي. ولعل ما ورد هنا في ردك الكريم يخالف بشكل أو بآخر ما ورد في النقطة الثانية من تلك الآليات حيث بات وكأننا سنغرق في أول شبر من الحوار من خلال التركيز على الأمثلة الجزئية كمدخل للقضايا الكلية حتى بدا وكأن حوارنا هنا شرعي فقهي لا أدبي لغوي والأصل أن محورنا الأساسي هو عن اللغة والشعر ما دخل في إطارهما بما يتصل بالأمر المطروح للنقاش.
3- لا أرى حكمة في أن نستغرق العقل والجهد في الحوار حول ما لا يحتاج لحوار ، ولا أجد أن اختلاف الرأي يعني اختلافا كليا أو يفرض المخالفة فيما هو متفق عليه بيننا على الأقل. وردك الكريم هو وإن بدا على غير ما رأيت لدليل إثبات لا نفي ولا أجدني أخالفك فيه قيد أنملة بل وأؤكد عليه وسأقوم بعد قليل برد غير مسهب لتأكيد ما تقول وما أقول اتفاقا واحدا جازما.
4- رأيت وكأنك تستعجل الدخول في صلب القضايا والقفز على بعض المحاور التي اتفقنا على ضرورة التدرج فيها ، واستنتاجك بأنني لا أقول بأهمية الصورة والرمز والإيحاء هو استنتاج مخطئ ولسوف تجرك بأنني أقول فيه بأشد مما تقول.
5- أثق بأن كريما بقدرك سيكون فوق استعمال أساليب الحوار للانتصار كالاجتزاء والاتكاء والاقتفاء والانتقاء والافتراء ، ولولا ذلك لما كنت المبادر بالطرح فما أيسر التفنيد لما يقال من وصف ذات الحال.
6- لعلني فيما أشرت إليه أن تتأكد أنه لا يقصد شخصك الكريم ، وأن يجد لديك القبول والتفهم لديك كي نركز على أصول الحوار وأهدافه دون الانشغال بالتفنيد والتعديد والتبرير.
هذا وأعود بعد قليل لأرد ردا استثنائيا على ما تفضلت به احتراما لقدرك وتأكيدا لما قلت في ردي هنا ، ولتوضيح أن حوارنا ليس شرعيا ولا فقهيا ولا يتناول القرآن إلا كمرجع وحكم لغوي ومنطقي لا أكثر.
تحياتي
أستاذي الكريم الدكتور سمير العمري
شكراً لردكم المبدئي الموقر حيث تفضلتم فيه بالقول "بدا وكأن حوارنا هنا شرعي فقهي لا أدبي لغوي والأصل أن محورنا الأساسي هو عن اللغة والشعر ما دخل في إطارهما بما يتصل بالأمر المطروح للنقاشً
ألا تلاحظ أخي الحبيب أن استشهادك حول الموضوع كان جله من الآيات القرآنية الكريمة ‘ وهذا الأمر دفعني إلى احترام هذا الاستشهاد ، فلم أخرج قيد أنملة عن روح القرآن الكريم حفاظاًعلى التواصل المنهجي و احتراماً لقدركم ، و حفاظاً على أحادية السير و الطريق ، حتى أن تعريفك للبيان قد استمد مرجعيته من القرآن الكريم ، فأتى كلامك كله ذا صبغة دينية
تحياتي وتقديري
د. سمير العمري
28-05-2009, 07:30 PM
الحبيب د. ماجد
أعود للرد بشكل استثنائي على ما رد في ردك الكريم من نقاط واعدا أن يكون هناك ثم تفنيد إلا بما يخدم المحاور الأساسية المطروحة.
أما تناولك المسهب في شرح الآيات التي طرحنا شواهد على ما أردنا أن نقول وليس قرائن على ما لا نؤمن أو نظن فهو وإن بدا تفنيدا داحضا لما قلنا إلا أنه يؤكد ما نقول ، فمحورنا الفرعي كان عن البيان وأوضحنا معنى البيان لغة واصطلاحا وأدبا وسقنا تلكم الآيات دليلا على أهمية البيان وضرورة ارتباطه بالكلام وأن الكلام متى أصبح بلا بيان فقد ضرورته ومعناه ودوره. وأنا للحق لا أجد أربا في التناول المسهب لتفسير الآيات الواردة ذلك أن ما يمكن الاستدلال عليه من القرآن بآيات أخر أكثر مما يمكن أن يتسع المجال هنا لسردها ، وكذا فإن تفسير الآيات لم يكن هو الهدف الأساس منها إلا فيما يتعلق بما نتحاور حوله. ولئن كان معنى البيان في بعض الآيات هو القرآن وأن القرآن أشمل من مجرد التبيان وكل هذا فهو مما نؤمن به ونوافق عليه ولا نخالفك فيه قدر قلامة.
إن ما أردناه من بداية الطرح هنا إنما كان للتأكيد على أهمية ارتباط البيان بالكلام لفظا ورسما صراحة وإيحاء وإيماء تماما كما أسلفنا ، واستشهادنا بالقرآن لم يكن لكونه حكما عدلا ومنطقا سويا بل ولأنه معجزة لغوية أدبية بيانية. ولعلني هنا أبين أهمية علاقة البيان باللغة والكلام ببعض آيات القرآن بعد أن كنا أوضحناه بعد أن كنا أوضحناه بأمثلة حياتية معاشة ، ولعل خير آية توضح هذا الأمر قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) إذ جعل تعالى حكمة تنزيل القرآن بالعربية هو العقل والإدراك ولو كان أنزل طلاسم لما كان له تأثير يذكر على النفوس والعقول. ولأن الله تعالى يدرك أهمية سلامة اللغة واللسان فقد قال تعالى (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ثم لأن العقل والفهم هو سبب تكليف ولأن القرآن نزل باللغة العربية فقد قال تعالى محملا العرب مسؤولية التكليف (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) فلولا أن كان العقل والإدراك أساسا للغة لما كان هذا التكليف وهذا الحساب.
أما ما تناولت أيها الأخ الحبيب من قضية بلاغة القرآن واعتماده الصور فهل كنت تظننا أخي إلا نوافقك وأكثر؟ بل لعلني أضيف إلى ما قلت من مسألة ضرب الأمثال التي كثرت في القرآن وأشار إليها الحق سبحانه في العديد من الآيات منها:
(وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وقوله تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وكذلك (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
وقوله تعالى أيضا:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا)
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)
وغاية الأمر أخي وبما ورد من الصور والرمز وأساليب البلاغة والأمثال حتى بالبعوض والذباب والحمير وغير ذلك هي أيضا من البيان ويتسق مع تعريفه ، وبهذا نحن متفقون في هذا وعليه ، وأما ما نختلف فيه فهو أحد محاور البحث في محور آخر قادم لا أحب أن أفقز عن غيره إليه الآن إلا إن أحببت.
تحياتي
د. سمير العمري
28-05-2009, 07:34 PM
أخي الحبيب د. ماجد:
أتمنى عليك أخي أن لا تجتهد في تبرير فإنك والله عندي كبير وثقتي بك عالية.
ثم إني أعتذر إن كنت نشرت ردي القصير هذا قبل أن أرى ردك الأخير ، وأقول أخي نعم لن تجد مني في هذه المرحلة إلا أكثر من الاستشهاد بالآيات ولكن هذا لا يعني أن نحول حوارنا هنا لنقاشها وتحويل الموضوع الأدبي إلى موضوع ديني.
أشكر لك اهتمامك الكريم وأرجو أن نعود لأصل محاورنا ونستكمل حوارنا.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
28-05-2009, 09:20 PM
أخي الحبيب د. ماجد:
أتمنى عليك أخي أن لا تجتهد في تبرير فإنك والله عندي كبير وثقتي بك عالية.
ثم إني أعتذر إن كنت نشرت ردي القصير هذا قبل أن أرى ردك الأخير ، وأقول أخي نعم لن تجد مني في هذه المرحلة إلا أكثر من الاستشهاد بالآيات ولكن هذا لا يعني أن نحول حوارنا هنا لنقاشها وتحويل الموضوع الأدبي إلى موضوع ديني.
أشكر لك اهتمامك الكريم وأرجو أن نعود لأصل محاورنا ونستكمل حوارنا.
تحياتي
الأستاذ الكتور سمير العمري الغالي
أرحب كل الترحيب مجدداً باستئناف الحوار من النقطة التي تريد
أملا في الوصول إلى هدف علمي مشترك
لكن أعتذر منك عذراً شديداً إذا تأخرتُُ في الرد كل مرة لظروف خاصة
خارجة عن إرادتي
كل الاعتزاز و التقدير
الدكتور ماجد قاروط
29-05-2009, 07:52 AM
بارك الله فيك أخي الشاعر الدكتور ماجد قاروط على طرحك هذا التوضيح ، وإن دل طرحك للموضوع على شيء فإنما يدل على أنك فعلاً تشعر بما يدور في أنفس الكثيرين اتجاه شعر الإيحاءات أو الرمز في شعر الحداثة .
يتفق البعض على أن شعر الحداثة شيء جديد وتغيير للنمط الذي سارت عليه قصيدة القافية ، والتحديث هو من سنن الحياة والجمود هو قتل للنفس البشرية وإيقاف للعقل عند حد معين.
ولكن يظل الشعر هو الشعر ما هز الوجدان وحرك القلوب وألهب المشاعر وأبكى الأعين وأفرح الأنفس الحزينة .
الشعر هو ديوان العرب وموئل حكمتهم ومنار ثقافتهم وهو الملهم عندهم بعد القرآن الكريم والحديث الشريف وإن من البيان لسحراً .
الشعر قبل كل شيء رسالة تحمل فكرة معينة وتوصلها بطريقة معينة محببة إلى النفس البشرية وهذه الطريقة هي الموسيقى والكلمة الجميلة والتراكيب اللفظية المحببة للنفس والتناغم بين الجمل والحروف لإيصال المتعة والبهجة ، كما أنها سلاح قوي في يد الشاعر الذي يمارس الهجاء ، وأدوات مطيعة لمن يبرع في الرثاء ويبكي الأعين ، وحساسية شاعر مفرطة لمن هو عاشق يوجه سهام اللفظ لقلب المحب ويستعطفه بجميل العبارة وحسن اللفظ ويدخل بها القلوب ويأسرها ..
كل ذلك بعيد عن غرابة اللفظ وجمع المتضادات وبعثرة الحروف في صيغة فريدة لا يفهمها الا الشاعر وكأنه يكتب لنفسه فقط .
يجب أن تكون الحداثة في الشعر مشروطة بإمتاع الآخر وإشباع رغبتة في تذوق الكلمة وقراءة نص مختلف عن غيره من النصوص يملأ قلبه ووجدانه ويهزه طرباً بشيء من الرمزية التي تضفي على النص شاعريته ومعناه الأدبي .
اعذرني أخي الحبيب في مداخلتي فأنت تعرف قدرك عندي .. كما أخبرك بأنني استلمت بحثك الجميل الرائع عن اللون في الشعر العربي ، وقد استمتعت بقراءته كما دهشت بتأثير اللون في الشعر والعلاقة بين الكلمة والفن التشكيلي.
تقبل تحيتي وتقديري.
الأستاذ الحبيب الشاعر عبد الملك الخديدي
على الود و المحبة دائما نلتقي
فشكراً لك على هذه الشفافية اللافتة وهذا الأسلوب العلمي الواضح
الذي يغني حوارنا البنَّاء
دمت بخير
الدكتور ماجد قاروط
29-05-2009, 10:23 PM
جميل ومبدع و عظيم يادكتوراسأل الله تعالى ان يجعل لك في كل حرف جزاء و حسنة اشكرك ووفقك الله الى مافيه خير الامة الاسلامية تحياتي
لك كل الاحترام والحب و التقدير
و كل الشكر لكلامك الجميل الرقراق
أيها الغالي الحبيب
مع الود و باقات الدف ء:0014:
هشام عزاس
29-05-2009, 11:28 PM
الدكتور / ماجد قاروط
حوارية ممتعة و هادفة هذه التي جمعتك و الدكتور سمير العمري , و في الحقيقة أنني أتابع هذا الحوار منذ بدايته و لكن ليس لي من العلم ما يؤهلني للخوض فيه , و لكنني أسجل استفادتي حقا سواء من الناحية المعرفية أو من خلال الطريقة التي يُدار بها الحوار .
هذا هو حوار الكبار فعلا , و ما أحوجنا إلى مثل هذه الحوارات سواء في منهجيتها أو مضمونها .
شكري العميق لك و للدكتور الفاضل سمير العمري
النص للتثبيت تقديرا لهذا الحوار الوامق .
إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام
الدكتور ماجد قاروط
31-05-2009, 12:36 PM
الدكتور / ماجد قاروط
حوارية ممتعة و هادفة هذه التي جمعتك و الدكتور سمير العمري , و في الحقيقة أنني أتابع هذا الحوار منذ بدايته و لكن ليس لي من العلم ما يؤهلني للخوض فيه , و لكنني أسجل استفادتي حقا سواء من الناحية المعرفية أو من خلال الطريقة التي يُدار بها الحوار .
هذا هو حوار الكبار فعلا , و ما أحوجنا إلى مثل هذه الحوارات سواء في منهجيتها أو مضمونها .
شكري العميق لك و للدكتور الفاضل سمير العمري
النص للتثبيت تقديرا لهذا الحوار الوامق .
إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشــام
شكراً من القلب على كلامك النبيل الرائع
و على حرصك العلمي النبيل أيها الغالي
وعلى حروفك الشفافة النقية
دمت بخير
د. سمير العمري
03-06-2009, 04:18 PM
أخي الأديب الكريم د. ماجد:
أعتذر لك بداية وللمتابعين الكرام عن هذا التأخر القسري في مواصلة الحوار بما طرأ علينا مما أشغلنا حدا يكاد يفقدنا التركيز ناهيك الانشغال الكثير المعتاد ، ولكن حوار مثلك لا يفوت ولا يعوض ويستحق أن نترك لأجله المهم للأهم.
وأرى هنا أننا قمنا بتناول محور فرعي وهو البيان كمدخل للمبحث الأساسي الذي هو الشعر وقضية التجديد و"الحداثة" وما يتعلق به وبدوره والمطلوب المناسب للنهوض به. وكان ملخص ما قلناه في المحور الفرعي السابق هو:
1- أن البيان لغة واصطلاحا وبلاغة هو الكشف والظهور والإفصاح والإبلاغ ، وأنها حتى بمعناها البلاغي الذي يقصد به بالصور بأشكالها من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز وغيرها تأتي بهذف واضح ومحدد وعو التبيان والإفصاح والإبلاغ.
2- أن القرآن الذي هو معجزة لغوية أدبية يتصف بالبيان ويسمى به باعتباره كاشفا وموضحا وبلاغا للعالمين وفي هذا دليل أكيد على أن البيان هو أساس بل غاية مقصد الكلام.
3- أن الكلام بدون بيان يلفت الانتباه إما تعجبا أو فضولا للإدراك أو طلبا للفهم ، بل ويمكن ن يثير الدهشة أو ما شابه باعتبار ما سقنا من أمثلة ما يتمتم به الساحر أو ما يدندن به الكاهن.
4- أن البيان وإن كان لا يقف عند حدود الكلام باعتماده أيضا على الإشارة والإيماءة والقسمات إلا أن الكلام يظل أساس البيان وعموده الذي لا تقوم خيمته إلا به ، وأن لكل لغة بيانها ومتى فقدت القدرة على فهم اللغة فقد بها الفهم والإدراك حتى لقد يساق المرء إلى حتفه لا يعلم ما يدور حوله ولا ما يفعل به وعليه كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عرف لغة قوم أمن مكرهم" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
5- أن من مقتضيات البيان فقه اللغة وإدراك السياق ووضوح الفكرة ، وقد سقت بعض مثال يوضح أهمية ذلك بل ولعلني أسوق مثلا حدث قبل أيام قليلة في رد من أخ فاضل على قصيدة لي أراد بها أن يمعن في الثناء علي فقال: "شاعر يتسلق سلم المجد ويمتطي صهوة الأدب وفنونه". ولعلك لا يغيب عنك أخي اتجاه الدلالة في نفس المتلقي لهذا القول بلفظة يتسلق والذي يقتضي فقه اللغة أن تكون ذما لا مدحا فهي غير يرتقي أو حتى غير يصعد .. إلخ.
6- أن ما ذكرناه كما أسلفت ليس محورنا الرئيسي بل مدخل مهم لتوضيح أهمية البيان في مطلق الكلام عموما وفي لغة الأدب خصوصا موضحا أن البيان لا يكون بالضرورة المباشرة ي الطرح والتبسيط حد السذاجة والسطحية.
هذا وسأدخل بعد قليل جدا بإذن الله في بحث المحور الثاني من محاور حوارنا الكريم وقبله أستأذنك فضلا أن أحيلك إلى مقالة في الشعر مرتجة كتبتها ببساطة ووضوح تلبية لطلب بعض الكرام ومقصدهم أن تفيد الجميع باختلاف المستويات. هناك ستجد بعض ما يمكن أن يكون مفيدا في حوارنا هذا ولكي لا يضيع وقتنا في إعادة الكثير مما ورد هناك فهاك وصلته:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=35765
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
03-06-2009, 06:07 PM
أخي الأديب الكريم د. ماجد:
أعتذر لك بداية وللمتابعين الكرام عن هذا التأخر القسري في مواصلة الحوار بما طرأ علينا مما أشغلنا حدا يكاد يفقدنا التركيز ناهيك الانشغال الكثير المعتاد ، ولكن حوار مثلك يفوت ولا يعوض ويستحق أن نترك لأجله المهم للأهم.
وأرى هنا أننا قمنا بتناول محور فرعي وهو البيان كمدخل للمبحث الأساسي الذي هو الشعر وقضية التجديد و"الحداثة" وما يتعلق به وبدوره والمطلوب المناسب للنهوض به. وكان ملخص ما قلناه في المحور الفرعي السابق هو:
1- أن البيان لغة واصطلاحا وبلاغة هو الكشف والظهور والإفصاح والإبلاغ ، وأنها حتى بمعناها البلاغي الذي يقصد به بالصور بأشكالها من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز وغيرها تأتي بهذف واضح ومحدد وعو التبيان والإفصاح والإبلاغ.
2- أن القرآن الذي هو معجزة لغوية أدبية يتصف بالبيان ويسمى به باعتباره كاشفا وموضحا وبلاغا للعالمين وفي هذا دليل أكيد على أن البيان هو أساس بل غاية مقصد الكلام.
3- أن الكلام بدون بيان يلفت الانتباه إما تعجبا أو فضولا للإدراك أو طلبا للفهم ، بل ويمكن ن يثير الدهشة أو ما شابه باعتبار ما سقنا من أمثلة ما يتمتم به الساحر أو ما يدندن به الكاهن.
4- أن البيان وإن كان لا يقف عند حدود الكلام باعتماده أيضا على الإشارة والإيماءة والقسمات إلا أن الكلام يظل أساس البيان وعموده الذي لا تقوم خيمته إلا به ، وأن لكل لغة بيانها ومتى فقدت القدرة على فهم اللغة فقد بها الفهم والإدراك حتى لقد يساق المرء إلى حتفه لا يعلم ما يدور حوله ولا ما يفعل به وعليه كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عرف لغة قوم أمن مكرهم" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
5- أن من مقتضيات البيان فقه اللغة وإدراك السياق ووضوح الفكرة ، وقد سقت بعض مثال يوضح أهمية ذلك بل ولعلني أسوق مثلا حدث قبل أيام قليلة في رد من أخ فاضل على قصيدة لي أراد بها أن يمعن في الثناء علي فقال: "شاعر يتسلق سلم المجد ويمتطي صهوة الأدب وفنونه". ولعلك لا يغيب عنك أخي اتجاه الدلالة في نفس المتلقي لهذا القول بلفظة يتسلق والذي يقتضي فقه اللغة أن تكون ذما لا مدحا فهي غير يرتقي أو حتى غير يصعد .. إلخ.
6- أن ما ذكرناه كما أسلفت ليس محورنا الرئيسي بل مدخل مهم لتوضيح أهمية البيان في مطلق الكلام عموما وفي لغة الأدب خصوصا موضحا أن البيان لا يكون بالضرورة المباشرة ي الطرح والتبسيط حد السذاجة والسطحية.
هذا وسأدخل بعد قليل جدا بإذن الله في بحث المحور الثاني من محاور حوارنا الكريم وقبله أستأذنك فضلا أن أحيلك إلى مقالة في الشعر مرتجة كتبتها ببساطة ووضوح تلبية لطلب بعض الكرام ومقصدهم أن تفيد الجميع باختلاف المستويات. هناك ستجد بعض ما يمكن أن يكون مفيدا في حوارنا هذا ولكي لا يضيع وقتنا في إعادة الكثير مما ورد هناك فهاك وصلته:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=35765
تحياتي
الأستاذ الدكتور الحبيب سمير العمري :
هل تصدق أيها الغالي أنني كنت مشغول البال على غيابك
و ها انت عدت و الحمدلله ، حفظك الله من كل مكروه
و أنا قلق أيضا من الأيام القادمة بالنسبة لي جداً
فإني أخاف أن أتأخر عليكم بعد فترة ما
لأسباب خاصة قاهرة قاهرة جداً
و الله أعلم بها
دمت بود
مجذوب العيد المشراوي
05-06-2009, 06:18 PM
تركت ُ الحوار يأخذ مجراه وأعجبني هذا الإختلاف وهذا التدافع الفكري الجميل .. ما زلت أزور مرة على مرة لأرى الحصيلة وأتعلّم من الحذاق هنا شيئا جديدا ..حتى لا أقطع الموضوع الدائر بينك وبين سمير أضيف مهما وضبطا لما رأيت .
إن ما سرقـْتـُه من القصيدة بدا لي جمعا ميتا لا إيحاء فيه .. ما أردت ُ السياق ولا الشرح ولا المعنى .. أردت ُ أنه في أدوات البلاغة غريب وغير موحي بل يرى صاحبه الأشياء بشكل مختلف مما حواه الممكن من جمع الألفاظ لإخراج معنى جديد .
فالتصفيق مثلا يجب أن يكون بيدين وفي العام يشيئين يقبلان ذلك فكيف أفهم التصفيق بهذا المنحى للرأس وحتى في الزاوية الأخرى ..الرأس جزء من الجسد لا يمكن أن نفهمه مستقلا عن الشاعر كشخص مستقل يصفّق ُ .. ونهد قبّرة غريب فعلا حتى ولو على لسان صبي أو مجنون كتصوّر يعني .. بل وإن ّ عملية التخيل عند القارىء في حالة نهد قبّرة يحيله إلى الضحك ..هذا ما رأيت كإحساس وما زلت أتابع الموضوع ..
أنظر أيها الجميل لآخر قصيدة ثبّتها أنا بنفسي كيف ارتحت إلى الجمع الإيجابي الخلاق تخيليا وأقصد ذلك الذي لوَّنْتُه ُ بالأحمر ..ودّي
د. سمير العمري
09-06-2009, 01:18 AM
أعود أخي الحبيب د. ماجد لأواصل الحوار في المحور الثاني من محاورنا الفرعية بالحديث عن محور مهم جدا وفاصل في قضيتنا الأساسية وهو محور الشعر.
ما هو الشعر؟
حين تتأمل أخي نظرة الأدباء والمثقفين بل وعموم أبناء الأمة من مختلف الطبقات والتوجهات تج أن تعريفهم أو مفهومهم عن الشعر يختلف اختلافا من النقيض إلى النقيض بما لا يمكن حصره هنا وما ذاك إلا لأنهم يعرفون اشعر تعريف كنه لا تعريف كينونة.
أما تعريف الكنه فهو رأي انطباعي يتفاوت بتفاوت الطباع والذايقةوالتوجه والحالة النفسية والاجتماعية والأخلاقية وربما الاقتصادية لأنه إنما يكون وليد ثقافات وتجارب ومشاعر مختلفة وخادم توجهات وأفكار وأهداف متباينة ، فكل حينها ريى الشعر وفق ما يوافق هواه وما يناسب مشاعره ويحدث الخلط الكبير واللغط الدائم.
وأما تعريف الكينونة فهو ما يمكن اعتماده شكلا واضحا لا لبس فيه ولا رأي في تحديده وهو ذات ما عرفه العرب يوم شهدوا أن القرآن ليس بشعر وحين تعرفه الذائقة الصافية شكله الذي عرف به وحفظه على مر الدهور والقرون بتراكيبه وأساليبه وصوره وموسيقاه ، وهو بهذا التعريف يتم الاتفاق عليه بأنه ذلك الكلام المنظوم في نسق والمتناغم بجرس والمدهش في تركيبه وتأثيره وبلاغته.
وما الفرق بين تعريف الكنه وتعريف الكينونة إلا كالفرق في الحكم بين معنى ووصفه كأن يكون عند أحدهم كلب قوي فيقول هذا أسد يقصد به قوته وجرأته ، وآخر يكون عنده كلب غادر فيقول هذا ذئب أو جبان فيقول هذا أرنب. فالكلب شكلا يظل كلبا يميز باسمه وصفته ولن يجعل منه الوصف أن يصبح بحق أسدا أو ذئبا أو أرنبا.
فالشعر أخي في تقديري يجب أن يخلص إلى تعريف واضح يحدد ملامحه ويؤكد شكله لأنني أرى بل أزعم أن الهلامية في التحديد أمر مقصود وخطير ليس فقط على لغتنا وأدبنا بل وعلى شرعنا وديننا ومنهج حياتنا.
إن الشعر هو اسم دال ولفظة محددة لما عرفه العرب على مدار قرون طويلة ، ولما عرَّفه العلماء وسطرته الكتب والمعاجم بأنه (والشِّعْرُ منظوم القول، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية، وقال الأَزهري: الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أَشعارٌ، وقائلُه شاعِرٌ لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره أَي يعلم.). وأما زعم الشبه فلا يعدو إلا خطأ فادحا ينحو منحى السفه كمن يقول بتشابه دلالات السَّفَر والسِّفر والقَدَر والقِدر والرَّجل والرِّجل والعَجَل والعِجل.
لماذا الشعر؟
الشعر هو أحد أدوات البيان مثله مثل النثر ومثل الخطابة وغيرها ، وإنما شرف الشعر عند العرب خصوصا بما يمتاز به عن غيره من أدوات البيان من وزن وقافية خصوصا وتراكيب فيها البلاغة والفصاحة والتشبيه والتقريب الكناية والاستعارة يمتاز بها الشعر على ما سواه بأكثر في محتواه.
وأما امتياز الشعر كما أسفنا فهو للوزن وللقافية والموسيقى الظاهرة والباطنة فيه ليس فقط لما فيه من إطراب وإطناب بل ولأن النظم أيسر للحفظ وأوقع في التأثير. ألم تر إلى الشعر حفظ أجمله وأفصحه وأكثره موسيقى وأبلغه حكمة وإبلاغا على مدى القرون وما عاش من الشعر ما عاش إلا بسهولة حفظه منظوما ودهشة تأثيره إيقاعا ووقعا.
وعليه فإني لا أرى الشعر أكثر من وسيلة تعبير متفوقة وأداة بيان راقية تستعمل لتوصيل فكرة ما أو رصد حدث ما أو التعبير عن مشاعر ما وفق سياق متصل ومنسجم وبأدوات الشعر من عروض ولفظة وتركيب وصورة وتشبيه وبلاغة واستعارة.
كيف يكون الشعر؟؟
لا يكون الشعر إلا باعتماد كينونته واتساق كنهه فإنه لا يكون شعرا دون توفر صفات الكينونة التي تميزه شكلا ودون توفر صفات الكنه التي تعطيه المذاق الخاص وتخلق حالة من التفاوت في الأساليب والمواضيع والصور والإحاسيس لتخلق جوا تكامليا يحقق للعر ما يراد له من دور ناهض ويحفظ له ما يستحق من ألق وجمال وتميز.
إن الشعر العربي علم محدد ولفظة دالة وحالة إبداعية وفق الدلالات والمفاهيم له بعد فقهي وحكم شرعي يجعلنا نتمسك به من هذا الباب بصفة أكبر حفظا للغة وحفظل للذكر من الخلط وحفظل لذكرة العرب الطويلة عبر قرون ، وهو ببساطة وبدون أية فلسفات وتلاعب على المصطلحات وسيلة من وسائل البيان والتعبير شرفت عن غيرها بالوزن والجرس والقافية وبالبلاغة حباها الله لمن شاء من عباده ابتلاء ، وهي ككل علم تحتاج ثقفا وصقلا وعقلا بمضمون سامق وأسلوب رائق وحرف عابق.
هذا باختصار ما أراه في هذا المحور ضمن رؤية انطباعية وتجربة ذاتية وإلمام عام بالتوجه الشعري قديما وحديثا. وأنا أرحب بتعريف أو رؤية لأخي الدكتور ماجد في هذا الخصوص لنبدأ في المحاورة الحقيقية التي نرجو بها أن نصل إلى الحقيقة الكاملة أو ما يقترب منها.
تحياتي
مازن لبابيدي
09-06-2009, 05:56 AM
أخي د. سمير
السلام عليكم ورحمة الله
قرأت مشاركتك الأخيرة من خلال متابعتي للحوار والتي بينت فيها بكل وضوح التعريف الواضح للشعر "العربي" بالتركيز على دلالية مفهوم كلمة الشعر والتفريق بين كنه وكينونة الشعر ووجوب اتسامه بصفات محددة من الوزن والقافية ، إضافة لنقاط أخرى لا أحتاج لإعادة ذكرها .
أتفق معك أخي د. سمير تماماً في هذا التعريف ، كما أوافقك الرأي في خطورة التحلل من هذه التعاريف في مجال الشعر العربي ، وإن كنت لا أرى أن أن ذلك سيكون له تأثير معتبر على القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه وهو المعجزة الخالدة للبشرية على مر الزمن والتي لا تقتصر فقط على الجانب اللغوي ، وهذه النقطة على أي حال ليست السبب في مشاركتي هنا وإنما تساؤل يحيرني ويثيره التعريف السابق للشعر العربي وكنت أود تأجيل هذا السؤال ولكن طرح هذا المحور الآن من قبلك أخي دعاني لذلك لإزالة اللبس الذي يمكن أن يعتري التعريف وأرغب منك بالإجابة عليه ، والسؤال هو :
هل يعني هذا التعريف أن الشعر موجود فقط عند العرب أم أن الشعر باللغات الأخرى يراعي كذلك وزناً ما وقافية ؟ وكيف تميز الشعوب غير العربية بين نثرها وشعرها ؟ ألا يعتمد ذلك أساساً على الكنه ؟
شكراً أخي د.سمير وأعتذر إن كنت قاطعت الحوار .
الدكتور ماجد قاروط
11-06-2009, 09:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد فإننا نواصل هذا الحوار العلمي الشائق يداً بيد مع الأخ الدكتور الحبيب سمير العمري في الوقوف على المحور الثاني من محاور نقاشنا وهو ( الشعر ، لماذا ؟ وكيف؟ ) ؛ حيث عرض الدكتور الفاضل مشكوراً مفهومه حول تعريف الشعر محدداً ذلك التعريف وحقيقته و جذوره التاريخية عبر جملة من المصطلحات لتوضيح ما رمى إليه ( الكينونة ، و الكنه ، و النظم ، و الشعر ، إلخ ) .
و ها أنذا أعمل على بلورة صيغة علمية واضحة تعمل جاهدة على الوقوف على حقائق الأمور و لا أدعي أنها الصيغة المثلى للحقيقة ، ذلك أننا في حوار حول مسألة إنسانية هي الشعر وليس مسألة علمية تخضع لمعادلات وحقائق بيولوجية وكيميائية و فيزيائية .
ولعلي سأقف بعض الوقت على القضايا التي طرحها الدكتور الفاضل في مداخلته السابقة ، لأعلن من خلالها رؤيتي للمحور الذي نحن نتداوله الآن ، فأقْدَمتُ كالعادة على توزيع هذه المداخلة على مستويات .
أولاً – المصطلحات وعلاقتها بالشعر .
واجَهَتـْني في حقيقة الأمر عقبة المصطلحات التي تناولها الدكتور( العمري) ، فأنا لا أستطيع التحرك إلا بعد تفكيك هذه العقبة ؛ و لا أستطيع –بصورة بدهية – أن أبني مرتكزاتي في الكلام على كلام اصطلاحي لا أراه مناسباً بالصورة التي تم تداولها في كلام الدكتور الفاضل ، و أقصد بالتحديد مصطلحـَي ( الكينونة ، والكنه ) و علاقتهما بتعريف الشعر،حيث يرى الدكتور أن عموم أبناء الأمة من طبقات مختلفة قد اختلفوا في تعريف الشعر لأنهم عرَّفوه تعريف (كنه) لا تعريف (كينونة) ،ويرى الدكتور العمري أيضاً أن (الكنه) هو رأي انطباعي يخضع للذائقة والطباع والتوجه النفسي ، الأمر الذي يسبب اللغط الدائم في تعريف الشعر ، ثم يرى أن التعريف القائم على (الكينونة ) للشعر هو التعريف الذي لا لبس فيه و لا رأي في تحديده وهو التعريف الذي جاء به العرب بأن الشعر هو ذلك الكلام المنظوم في نسق والمتناغم بجرس والمدهش في تركيبه وتأثيره وبلاغته.
وبناء على ما مضى من كلام الدكتور الفاضل ، ندرك الخطورة وراء الاستخدام غير الدقيق لهذه المصطلحات في عملية تعريف الشعر وتكمن هذه الخطورة في النقاط التالية :
1- إن الكنه ليس انطباعاً إنه جوهر الشيء وحقيقته وغايته و نهايته يقال بلغتُ كنه هذا الأمر وأعرفه كنه المعرفة وقدره ويقال فُعْل فوق كنه استحقاقه ووقته و يقال فعلت هذا الشيء في غير كنهه و الكنه: إدراك الحقيقة، وجوهر الشيء ومن كلامهم: هذا لا كنه له . انظر /العامي الفصيح من المعجم الوسيط باب القاف وباب الكاف(*)للأستاذ الدكتور أمين علي السيد/ وانظر (لسان العرب) وانظر (القاموس المحيط)و(المعجم الموسوعي في علم النفس) نوربير سلامي ، ترجمة (وجيه أسعد)
2-إ ن (الكينونة) هي الوجود المجرد المطلق للشيء وليست هي الموجود الملموس الذي يمكن تحريكه "فالكينونة هي الحياة. إنها الوجود. لنكون، تعني لنعيش، والوجود هو مجرد، أما الموجود فهو ملموس."انظر ( ما هي الكَيْنونَة ) الدكتور مفيد شهاب / مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة العدد /92
وعطفاً على ما مضى ندرك أن تعريف عموم الأمة ( من طبقات و شرائح مختلفة ) للشعر هو حالة صحية ،لأن المشاعر الإنسانية ليست نسخة واحدة ،بل تتفاوت من شخص لآخر ،لاسيما أننا أمام حالة إنسانية عميقة وهي الشعر وليس أمام علم بيولوجي أو تطبيقي‘ و أي كلام غير هذا هو اختراق لناموس الحياة ، فلكل نظرته إلى جوهر الحياة و كنهها ، و أما الكينونة فهي أمر مجرد يعيش في الفكرة المطلقة الثابتة ، فإذا أراد الدكتور العمري تعريف الشعر على أساس( الكينونة ) القائمة على النظرة العربية القديمة للشعر العربي فهذا شأنه ، و أقول – على سبيل المثال – إن لي (كينونة) أخرى في تعريف الشعر؛ و بالطبع فإن كلانا على خطأ ، لأن ( الكينونة ) مجردة غير ملموسة ولا يمكن تحريكها ؛ و الواقع أن لكل شيء كينونته المجردة ؛ فالشعر له ( كينونته ) المجردة ‘ و لكن لا يعني هذا أن التعريف الحقيقي للشعر هو( كينونته ) ، وبالضرورة فإن مفهوم الشعر بطبيعته الإنسانية يتغير من مكان لمكان ومن زمان لزمان .
ثانياً : لا تعريف محدد للشعر
إن مجمل التعريفات القديمة والحديثة للشعر هي مجرد اجتهادات مشكورة ، إذ لم تصل إلى تعريف محدد للشعر ، ولن تصل ، حيث ندرك أن هناك اختلافات جزئية أو كلية متشابهة أو غير متشابهة في تعريف الشعر ، ومن يقرأ التعريفات القديمة للشعر العربي يدرك بوضوح لا لبس فيه ذلك الخلاف الجزئي أو الكلي
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الشعرُ علم قوم لم يكن لهم علمٌ أعلمَ منه"
وقال ابن منظور: "الشعر: منظوم القول غلب عليه؛ لشرفه بالوزن والقافية، وإن كان كل علم شعراً. فقولهم: (كل علم شعر) إضافة جميلة، تدل على الدقة اللغوية. فكل لون معرفي إنما هو شعر؛ لأن أداته وبابه الشعور والعلم وهذا الإدراك الدقيق لهذه السمة في الشاعر أدى إلى اشتراط (الفيومي) لحد (القصد والنية) في الشعر. إذاً فالشاعر لا ينطق إلا متعمداً قاصداً؛ فهو يشعر أولاً ثم يقول الشعر؛ لأن أداته وبابه الشعور والعلم.
ويقول (ابن رشيق): "وإنما سمي الشاعر شاعراً؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه، أو استظراف لفظ وابتداعه، أو زيادة فيما أجحف فيه غيره من المعاني، أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر، كان اسم الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة، ولم يكن له إلا فضل الوزن، وليس بفضل عندي
المصباح المنير – الفيومي – (ش، ع، ر
القاموس المحيط – الفيروز أبادي -(ن، ظ، م
القاموس المحيط – (ن، ظ، م
انظر: العمدة – ابن رشيق – 1/19 – 20 وهذا التفضيل للنظم، لا يسري على القرآن والسنة اللذين يخلوان من النظم، ومع هذا، فهما في المقام الأرفع فوق كل نص شعري أو نثري.
انظر: العمدة – 1/ 20.
الممتع في صنعة الشعر – عبد الكريم النهشلي القيرواني – ص 18. كتاب الصناعتين – أبو هلال العسكري – 137.
العمدة – ابن رشيق – 1/134.
إن هذه التعريفات تُسقطُ بصورة واضحة قضية تعريف الشعر على أساس الكينونة التي جاء بها الدكتور الفاضل حيث بدا تعريف الشعر على ذلك الأساس حالة إلزامية صارمة لا يمكن الإتيان بغيرها ، و كأنها أمر مقدس .
والواضح من كلام الدكتور العمري التركيز على الكينونة التي تطالب بالوزن والقافية والبلاغة الشكلانية أساساً للشعر ،فـَمـَنْ هو الرقيب الغيبي الذي قرَّرَ أن كينونة الشعر هي ما جاء به أجدادنا العرب من تعريفات ؟، أليس أجدادنا بشراً يخطئون مرة ويصيبون في أخرى ؟ثم هل يقتصر تعريف الشعر ( على أساس الكينونة ) على بعض النقاد و الأدباء لأنهم فقط قالوا : إن الشعر عليه أن يعتمد الوزنَ و القافية والبيان؟ فلماذا أيضاً لايكون تعريف الشعر ( على أساس الكينونة ) مستنداً إلى تعريف ( عمر بن الخطاب )( رضي الله عنه ) ، أو حتى إلى موقف الرسول (ص) من الشعر برمته حين قال: " لئن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خيرا له من أن يمتلىء شعرا " رواه البخاري.ولماذا لا نتأمل بصورة علمية تحليل هذا القول ( لعلي بن أبي طالب) كرم الله وجهه، من جهاته العلمية والتربوية والأدبية ((لا تـُكرِهوا أولادكم على عاداتكم، فإنهم خـُلـِقوا لزمان غير زمانكم)). فليست الأجيال مكرَهة على التجمد الجمالي والتجمد المعرفي ،و ما ( الكينونة ) المطروحة سوى إلزام الناس كلهم بمنهج واحد لآلاف آلاف السنين ، وهذا مخالف لكل أسس التطور والحياة
ونحن نقول إن الكثير من النقاد والفلاسفة قد عرَّفوا الشعر من بوابة الوزن و القافية ، ولكن حتى في تعريفاتهم كانوا يختلفون في الطريقة التي تُدار فيها الموسيقى والوزن –انظر- مقدمة أسرار البلاغة للجرجاني ،-انظر- المقدمات الأولى لكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ، وكذلك كان أولئك يضيفون على الوزن أشياء أخرى، وبعضهم يحذف أشياء أخرى أيضاً ، وآخرون عرفوا الشعر ببلاغته وقوته وقدرته على التعبير –انظر:العمدة لابن رشيق – وأصبح الوزن لديهم شرطاً لازماً غير كافٍ
وفي حقيقة الأمر إن هذا الاختلاف بدهي ، إذ نحن أمام (فن الشعر) الإنساني الخاضع لأذواقنا وثقافاتنا وليس الخاضع لنظريات الفيزياء والرياضيات والكيمياء ، وانظر أيها القارئ الكريم إلى أن المرء لا يقف موقف خلاف أو اختلاف من الحقائق والقضايا العلمية ،فنقول إن الماء يتألف من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين ، فلا أحد في هذه الأرض من عالم أو أديب أو فيلسوف أو أي شخص آخر يخالفك في تركيب الماء ، و لكن إذا أتيت بناقدين و طلبت منهما تحليل قصيدة ما ، فإنهما لن يتوصلا إلى نتيجة واحدة حتمية ، على الرغم من أنهما اتبعا منهجاً علمياً معيناً ، و لهذا إن كلمة (العلم) التي ألحقت بالشعر لا تدل على ذلك العلم الصارم ذي المعادلات والنظريات الكيميائية والتطبيقية ، بل إن للعلم هنا معاني مختلفة ، فالعلم الإلهي للشعر قائم على بث الإلهام و الإبداع ، وأما علم الشعر الذي جاء على ألسنة العرب خاضع لحفظ الكثير من الأشعار ومعرفة الموسيقى و العروض ، ولكن ما فائدة هذا العلم إذا لم تكن هنالك موهبة شعرية حقيقية .
ولعل التعريفات المشكورة التي جاء بها أجدادنا العرب هي تعريفات انطلقت من بيئة معينة وتاريخ معين ووعي جمالي معين ، لذلك فهي منطلق أول وخطوات أولى لعالم الشعر ، وأساس جميل للعملية الشعرية المستقبلية ،ولم يقلْ أجدادنا باعتمادها دائماً و إلى أبد الآبدين .
إن الوزن و القافية هي شروط لازمة غير كافية لبناء العملية الشعرية ، فكم من وزن وقافية ليس لهما علاقة بالشعر ، والمثال الواضح على ذلك الآيات الكريمة الكثيرة و أحاديث السنة التي تسير على بحور الشعر العربي ،ولكنها ليست بشعر لأن القرآن الكريم ليس بشعر طبعاً ولا حتى الأحاديث الشريفة ،
ولننظر إلى هذا الكلام و لكم بعد ذلك الحكم :
يقول أحدهم :
ذهبَ الطبيبُ إلى المدينة باكراً --------- حتى يداوي طعنة المجروح ِ
نعم إن هذا الكلام موزون مقفى وله معنى ولكن هل هو شعر؟؟
و نتساءل أيضاً هل نختصر عالم الشعر بالوزن و القافية والبلاغة الشكلانية دون النظر إلى عالم الإحساس و المشاعر وما يجول داخل النفس البشرية التي لا يمكن أن يقيدها قانون . وهل الشعور مقدَّم على الوزن والقافية ، أم الوزن والقافية عناصر مقدَّمة على الشعور ؟ثم هل الشعر حالة عالمية إنسانية ؟ أم أن لكل بيئة تعريفها المحدد للشعر؟ فإذا كان الجواب : أن لكل شعب شعره و موسيقاه ، فمن الضرورة أن يكون لكل عصر شعره وموسيقاه نتيجة لتغير الوعي المعرفي عند الإنسان وتطور حياته، ثم أليس جديراً بنا أن ننفتح على كل أساليب الشعر في كل مكان و زمان و نأخذ منه ما يروق لنا و ندع مالايروق لذائقتنا ذلك لأن الشعر حالة إنسانية شاملة قابلة للتطور في مسيرة الحياة، أم اننا نقبل لأنفسنا أشياء محددة من العالم المحيط بنا ، و نحرِّم على الآخرين مالا يروق لنا تحت مسميات مختلفة .
و لذلك فإن الشعر ذوق و فن و وعي قبل أن يكون قانوناً وعلماَ ، والشعر بطبيعته فن خاضع للرؤيا النسبية والتحليلات المختلفة ، لأنه لو كان علماً أو قانوناً فلن يكون هنالك قصائد أو شعر ولا حتى فن ،وحينئذ يصبح علم الرياضيات علماً مسؤولاً عن الشعر . فأستطيع القول بسهولة :
الوزن المعين +القافية المعينة+البلاغة المعينة =الشعر المعين
----------------------------------------------------------
تحياتي و مودتي
د. سمير العمري
13-06-2009, 05:55 PM
أخي د. مازن:
تسرني مداخلتك القيمة ، وأثني على تميزك الواضح في التفاعل والإدراك المتعمق لمحاور الحوار ولمدلولات المعاني ، ولا أجد للاعتذار مكانا هنا بل الشكر والتقدير على هذا الإثراء المثمر والذي أراه يسهم بشكل واضح في اختصار الوقت والمسافة للوصول إلى عمق وجوهر الاختلاف في الرأي.
أما رأيك بشأن عدم تأثير هذا الخلط في المفهوم الدلالي للشعر ومحاولة تمييع كينونته على القرآن الكريم فهو رأي محترم إلا أنني أقف عند رأيي الذي لا يخالف ما تقول في الاعتقاد الراسخ بأن الله قد تكفل لحفظ كتابه وهو سيكون محفوظا بإذن الله ، وما قصدت التأثير بالتحريف وإنما بالتأثير وهذا مبحث فرعي لا أجد أن ننشغل به الآن فيشغلنا عن محاورنا الأساسية وإن كنت أتمنى أن نفتح له موضوعا قريبا بحوار جدي نوضح فيه ما نرى ويسهم كل أخ كريم بما يرى فنسلط الضوء على خطورة ما يدبر مباشرة أو مداورة للأدب العربي وللغة العربية ، وربما يكفي أن أشير مثلا بوعد الله تعالى لرسوله بأن يحفظ رسوله ويعصمه من الناس (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) وقوله تعالى الحق ولكن هل يمنع هذا سفهاء الأمم على أن يتطاولوا على قدر رسول الله تعالى ، وهل يكون هذا لنا سببا لنترك السفهاء والحاقدين يؤذون رسول الله في هذا العصر؟؟
وأما سؤالك المميز بشأن الشعر عند العرب وعند غيرهم فأقول مستعينا بالله:
لعلني أبدأ بأن أبين بأن إجابتي هنا لا تأتي من واقع علم وإلمام بالأمر فحسب بل ومن واقع تجربة وممارسة ودراية تامة بواقع هذا الأمر ذلك أنني أكتب الشعر بلغات ثلاث فبالإضافة للعربية أكتب بالإنجليزية وبالسويدية ، ولعله مما قد يبدو مستغربا أنني وجدت الاهتمام والتقدير من كتاباتي الشعرية بغير العربية سواء من حيث الجوائز أو من حيث الحفاوة وتنظيم أمسيات كثيرة أكون فيها ضيف الشرف وغير ذلك مما لا أكاد أجد منه شيئا من الجانب العربي من حرفي وهو الجانب الأزهر والأبرز ويبدو أن مزماري لا يطرب بني قومي ، ولكن لا غضاضة فقضيتنا هنا هو الشعر عند غير العبر وما سقت ما أتحدث عنه إلا للدلالة لا للتدلل.
أما الشعر فيمكن القول بعمومية المعنى إنه موجود في ثقافات وآداب لغات أخرى غير العربية ولكن يظل الشعر العربي مميزا ومتفردا بالتفوق لا مقارنه بل اتصافا واختلافا ، وأقرب ما يكون إليه هو الشعر عند الفرس والهنود إذ يعتمد على الجروس والإيقاعات التي تظهره على غيره من عموم القول. أما عند الشعوب الأخرى فيجب أن أوضح أمرا مهما لعله أن يكون أحد أهم مرتكزات حوارنا الدائر وهو أن ما يعتبر شعرا على العموم إنما هو على صنفين يختص كل منها باسم محدد له من ذات اللغة ؛ ففي الإنجليزية هناك ما يسمىpoetry وهناك ما يسمى rhyme ، وفي السويدية هناك ما يشبهه poesi و rim ، ويطلق الأول على كل كلام يعبر عن حميمية المشاعر بلا تحفظ ولا قيود وباستخدام ما لجماليات لفظية وصور تعتمد على عنصر المفاجأة بالتناقض أو بالغموض ، وأما الثاني فيطلق على كل كلام له جرس واضح وتناسق في الإيقاع ويكون في جله كلام واضح له معنى واضحا وهذا الصنف هو الذي يستخدم عادة في تأليف الأغنيات عندهم.
وبهذا ، وبالتنويه أن التعريف المقارن لشعرهم في العربية هي اللفظة الأولى يتضح تماما أحد أهم أسباب الخلط في التعريف الذي بات سائدا في العقود الأخيرة باعتبار التبعية التي تزداد يوما فيوم والانبهار العلمي الذي أدى إلى تبعية ثقافية وانبهار أعمى بكل ما هو غربي فبات الشعر عند الجل هو محاولة "الهذيان" الذاتي بكلام حر قد يقع في الجرس حينا وقد لا يقع ، وقد يفهم بعضه حينا وقد لا يفهم جله أحيانا. وأما الصنف الثاني فهو أقرب في خصائصه لشعر التفعيلة عندنا باعتباره يراعي الجروس ويراعي وجود قواف متعددة هي أقرب للسجع.
وأما سؤالك المكمل للصورة وكيف يعرفون شعرهم من نثرهم فهذا مما يزيد الأمر وضوحا باعتبار أن التمييز في الكتابة عندهم ينقسم في أساسه إلى ثلاثة أصناف رئيسية وهي المقالة العلمية والمقالة الصحفية والنص الأدبي الذي هو في حقيقته أحد ما ذكرنا مما سبق وبما يؤدي ببداهة وببساطة إلى اختلاط الفهم والدلالة عند المقارنة وهو ما أنتج الواقع الذي نراه منذ عقود من بداية اندثار النثر الأدبي العربي ومحاولة دثر الشعر العربي وطرح البديل (شعر اثنين في واحد) بما يسمى قصيدة النثر أو ربما نثيرة القصد وتسويقها باعتبارها دليل التحضر والرقي الثقافي والتخلص من الإرث العربي الفاشل على مدى الدهور.
ولعلني أحب فقط وقبل أن أختم ردي على مداخلتك الكريمة أن أوضح أمرين مهمين.
أما الأول فهو أن خصوصية اللغة العربية وخصوصية أدبها عموما وشعرها خصوصا يجعل عملية المقارنة أمرا غير منصف وغير دقيق ناهيك ما سقنا من اختلاف في الفهم وفي الحس وفي اللغة إذ لا يغفل أديب أو من هو دون ذلك عن خصوصية العربية وثراء مفرداتها ولك أن تدرك أن أبجدية العربية في حقيقتها (تجاوزا) هي أربعة أضعاف عددها المعروف باعتبار الحركات التي تجعل كل حرف مع حركته صائتا مختلفا ولو تذكرنا أن العربية هي أقل اللغات اعتمادا على الحرف الصامت (ثلاثة فقط) لأدركنا عظم الفرق بينها وبين أية لغة أخرى قديمة أو حديثة ولأدركنا مقدار ما تستحقه لغتنا منا من تقدير واحترام واهتمام وإكرام وقد كرمها الله.
ولعل ما لا يجدر أن نغفله هو تميز العربية في عدد مفرداتها التي تصل الجذور فيها دون الاشتقاقات إلى بضعة ملايين وأنها بهذا الثراء تجعل إمكانية وجود عدة مفردات لمعنى واحد بدلالات مترادفة عموما ودقيقة بشكل مذهل في التفريق في حين أنك تجد في اللغات الأخرى العكس تماما بوجود مفردة واحدة لعدة معان مختلفة ولا أثر لتأنيث عادة ولا لمثنى ولا لكثير مما تمتاز به هذه اللغة العظيمة.
وأما الأمر الثاني في أن الإيقاع في اللغة إنما يعتمد الصائت والصامت أو المتحرك والساكن فهو أساس الإيقاع بتوزيع الاحتمالات فيها وهذا قد يتوفر في لغات أخرى وأتذكر أن الأستاذ الكبير خشان قد تناول مرة الإيقاع الشعري الفارسي أو الهندي لا أتذكر ، ولكن لا سيء يقارن بما تمنحه العربية من مجال فسيح للتحكم في هذا كله بما تملك من ثراء لفظي وثراء لغوي وثراء حرفي.
وأود أخيرا أن أوضح أنني ركزت في محاولاتي الشعرية باللغات الأخرى على إدخال روح الشعر العربي بجرسه وإيقاعاته وإيجاد نوع من القافية ووجدت في هذا قبولا كبيرا ونجاحا مدهشا ، وربما أكرر باقتضاب قصة كنت ذكرتها مرة دليلا على أهمية الجرس الشعري العربي وقوة هذا الشعر في السيطرة على الشعور بأنني طلب مني مرة في أمسية شعرية أن ألقي شعرا لي بالعربية وقد كنت انتهيت من إلقاء أشعاري بالإنجليزية وبالسويدية فألقيت عليهم قصيدة وكانت طويلة نوعا على عادة شعري فما والله وجدت انتباها وإنصاتا كما رأيت هناك حتى إذا انتهيت صفق الحضور بحرارة عجيبة ثم إذ أنا أتقلب في بحور دهشتي واستغرابي إذ أقبلت علي امرأة تقترب من الستين وقد لمعت في عيونها دموع وبدت منهما نظره من سحر واقتربت بخطى وئيدة تهز يدي بحرارة وتثني على ما سمعت وتشكرني فزاد ذلك دهشتي وسألتها إن كانت تعرف العربية فأجابت بأن لا غير لأنها وإن لم تفهم الألفاظ فقد أحست بالمعاني وتأثرت بما سمعت وأحست. هو موقف لا أنساه منذ سنين وزاد يقيني بما أؤمن به من تميز وألق شعرنا العربي الأصيل ولغتنا الغالية العالية.
تحياتي
سالم سليمان سلامة
13-06-2009, 07:35 PM
عزيزي دكتور ماجد لقد أبدعت و أحسنت أسلوبك الذي قوامه المتعة الذهنية و الفكرية وتجلى السلامة والرونق فيه فتحياتي إليك أيها الغالي
الدكتور ماجد قاروط
14-06-2009, 12:03 PM
تركت ُ الحوار يأخذ مجراه وأعجبني هذا الإختلاف وهذا التدافع الفكري الجميل .. ما زلت أزور مرة على مرة لأرى الحصيلة وأتعلّم من الحذاق هنا شيئا جديدا ..حتى لا أقطع الموضوع الدائر بينك وبين سمير أضيف مهما وضبطا لما رأيت .
إن ما سرقـْتـُه من القصيدة بدا لي جمعا ميتا لا إيحاء فيه .. ما أردت ُ السياق ولا الشرح ولا المعنى .. أردت ُ أنه في أدوات البلاغة غريب وغير موحي بل يرى صاحبه الأشياء بشكل مختلف مما حواه الممكن من جمع الألفاظ لإخراج معنى جديد .
فالتصفيق مثلا يجب أن يكون بيدين وفي العام يشيئين يقبلان ذلك فكيف أفهم التصفيق بهذا المنحى للرأس وحتى في الزاوية الأخرى ..الرأس جزء من الجسد لا يمكن أن نفهمه مستقلا عن الشاعر كشخص مستقل يصفّق ُ .. ونهد قبّرة غريب فعلا حتى ولو على لسان صبي أو مجنون كتصوّر يعني .. بل وإن ّ عملية التخيل عند القارىء في حالة نهد قبّرة يحيله إلى الضحك ..هذا ما رأيت كإحساس وما زلت أتابع الموضوع ..
أنظر أيها الجميل لآخر قصيدة ثبّتها أنا بنفسي كيف ارتحت إلى الجمع الإيجابي الخلاق تخيليا وأقصد ذلك الذي لوَّنْتُه ُ بالأحمر ..ودّي
الأستاذ الشاعر القدير مجذوب المشراوي ، شكراً لمداخلتك القيمة الحبيبة ،
أما بعد لنعتبر أن الرأس - على سبيل المثال - هو شخص أو إنسان ما ، فمن البدهي و الطبيعي أن نقول صفق الرجل أو الشخص ، و بالضرورة فإن الرأس يصفق في هذه الحالة بصورة طبيعية من الذهول و الإعجاب بالحدث الموجود في قصيدة الحطاب اليتيم
دمت بود
الدكتور ماجد قاروط
14-06-2009, 05:09 PM
عزيزي دكتور ماجد لقد أبدعت و أحسنت أسلوبك الذي قوامه المتعة الذهنية و الفكرية وتجلى السلامة والرونق فيه فتحياتي إليك أيها الغالي
كل التقدير لك ولكلامك العذب النبيل
و لهذا الحرف الجميل
دمت بخير
سالم العلوي
17-06-2009, 10:18 PM
نتابع هذا الحوار بشوق وشغف بين أستاذين جليلين .. نتعلم منهما .. ولا أحب ان أعلق الآن لكن ..
كمداخلة انطباعية عما قرأت .. أقول الحمد لله ان رزقنا الله لغة لا تضيق مصطلحاتها عن وصف الأشياء.. فإن كان إخواننا الأدباء الجدد يرون أن التعبير الأدبي عن المشاعر والمتحلل من الوزن والقافية يمكن أن يكون شعرا فلا بأس من تسمية قصيدة النثر إن شاؤوا أو الشعر السريالي أو غير ذلك من المصطلحات وهي كثيرة متوفرة ولله الحمد ، وليتركوا للسواد الأعظم من العرب مصطلح الشعر ليطلقوه على ما اتفقوا أن يطلقوه عليه .. ولن يضيق الفضاء أبدا عن مكان للتعبير عن المشاعر والأحاسيس والمعاني المتولدة في النفس البشرية ..
ودمتم بخير وعافية..
الدكتور ماجد قاروط
18-06-2009, 05:04 PM
نتابع هذا الحوار بشوق وشغف بين أستاذين جليلين .. نتعلم منهما .. ولا أحب ان أعلق الآن لكن ..
كمداخلة انطباعية عما قرأت .. أقول الحمد لله ان رزقنا الله لغة لا تضيق مصطلحاتها عن وصف الأشياء.. فإن كان إخواننا الأدباء الجدد يرون أن التعبير الأدبي عن المشاعر والمتحلل من الوزن والقافية يمكن أن يكون شعرا فلا بأس من تسمية قصيدة النثر إن شاؤوا أو الشعر السريالي أو غير ذلك من المصطلحات وهي كثيرة متوفرة ولله الحمد ، وليتركوا للسواد الأعظم من العرب مصطلح الشعر ليطلقوه على ما اتفقوا أن يطلقوه عليه .. ولن يضيق الفضاء أبدا عن مكان للتعبير عن المشاعر والأحاسيس والمعاني المتولدة في النفس البشرية ..
ودمتم بخير وعافية..
الأستاذ الفاضل الشاعر الكبير سالم العلوي
شكرا لك من القلب على هذه المداخلة النقدية المميزة
و على هذا الطرح الجميل
و أعتز بك و بكل وجهات النظر لما فيه خير العلم و الإنسان
تحياتي
د. سمير العمري
23-06-2009, 12:07 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يبدو أنه يجب علي أن أعتذر مرة أحرى عن تأخري في التواصل مع هذا الحوار الماتع المثمر مع الأخ الفاضل د. ماجد قارووط واعدا هذه المرة بمتابعة حيثية وتواصل أسرع مع محاور الحوار.
ثم لعلني أعود هنا معلقا على ما تفضل به أخي الحبيب د. ماجد فأقول بأن لا أكثر موافقة مني لرأيه بعدم تجاوز كل النقاط التي طرحت في المداخلة الأخيرة وإن كنت أخالفه الوصف بالعقبة إلى غيرها ذلك أنني أرى أن محور الخلاف الرئيسي يتلخص هنا فيما تم ذكره وأجد أن ذلك يمثل عقدة يجب التوقف عندها وعدم تجاوزها بدون حل واضح إذ ‘ن في حلها يكون ما بعدها تحصيل حاصل في التوافق المرجو بإذن الله تعالى.
ولأن الأمر هنا بات ذا تشعبات كثيرة وحساسة فإني أرى ومن أجل التركيز في الجزئيات في الإطار الكلي أن نمعن في تناول تلك الجزئيات وفق ذات الإطار الكلي فلا نغرق في أحدها وننساق وراءه فلا يكون ما نجو من أرب.
ولعلني بعد هذا أبدأ ببعض عتاب على أخي الحبيب د. ماجد الذي أراه أشغل نفسه كثيرا بالبحث اللغوي المجرد في الكينونة والكنه ذلك أن هذا ليس مبحثنا ليشغلنا بأخذ ورد ولا هو مقصودنا لنتصدى لبحث لا يمثل لنا اختلافا إلا في الفرق بين مجازية اللفظ و إجازته.
ثم لعلني أوضح وبشكل قاطع أنني لم أعرف الشعر بأنه "كنه وكينونة" هكذا بل تحدثت عنهما في سياق التفسير والتأويل لاختلاف الكثير في ماهية الشعر أو تعريفه ولا أزال أقف عند ما قلت بهذا الشأن مؤكدا وراجيا ممن يرى غير ذلك أن يوضح لنا بشكل واضح تفسيرا أكثر دقة أو أقناعا. وإنا إنما قلت بعد ذلك إنني ضد من يعرف الشعر تعريفا جامدا (تعريف كينونة) يقف عنده ولكنني ضد من يعرفه تعريفا انطباعيا (تعريف كنه) ويقف عنده بل أنا ضد كل أشكال التطرف الفكري برفض النقيض بالنقيض ، وإنما قلت بأن الشعر يجب أن يراعي كلا الأمرين الكينونة والكنه أو إن لم يرق ذلك لأخي الحبيب د. ماجد أن يراعي الشكل والمضمون ، ولو سئلت تعريفا للشعر أقول ربما هو "حصافة الفكر في سلافة الشعور ينتظم في لفظ بديع وحس رفيع وجرس مطيع".
ومن حقك أخي الحبيب د. ماجد أن تبني مرتكزاتك على حقائق ما تؤمن به من رأي أو رؤية لا نصادر ذلك عليك قط ، ولكن لا حق لأحد في أن يبني الحقائق على ما يؤمن به من مرتكزات. ولعل الخطر الحقيقي يكمن أخي الحبيب في تمييع الألفاظ وتعميم دلالاتها فهذا والله هو الخطر العظيم والفساد الكبير ولا أعتقد هذا يخفى عليك ولا يتسع المجال هنا لنسوق الأمثلة التي تظهر خطورة تمييع أو تعميم مدلولات ومعاني الألفاظ أيا كانت فما من لفظة خرجت إلا لدلالة محددة إلا ما اتفق على أن تعمم الدلالة كلفظة "شيء" ، ولك أن تتصور لو قلت لك: أعطني الشيء لأفعل به الشيء وأحقق من ذلك الشيء وأعود بالشيء الذي طلبه مني الشيء ، فهل هذا مما يعقل أو يوصف قائله بالعقل؟!
ولعلني بعد هذا كله وإن أذنت لي ولكي لا أطيل على القراء أن أعود بشكل متواصل لأفند بما أرى ما تكرمت به من رأي نقطة بعد نقطة ليكون الأمر حوارا وتداولا لا حديثا على نغمة واحدة كل يتحدث في واد أو في قمة لا يسمع إلا ما يقول.
انتظرني أخي الحبيب لنتداول الأمر نقطة فنقطة لعلك ستدرك بعدها إن شاء الله أن حكمك السابق على رأي أخيك غير دقيق وأن اختلافنا بإذن الله مهم ولكنه غير كثير ولا كبير.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
23-06-2009, 12:41 AM
:noc:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يبدو أنه يجب علي أن أعتذر مرة أحرى عن تأخري في التواصل مع هذا الحوار الماتع المثمر مع الأخ الفاضل د. ماجد قارووط واعدا هذه المرة بمتابعة حيثية وتواصل أسرع مع محاور الحوار.
ثم لعلني أعود هنا معلقا على ما تفضل به أخي الحبيب د. ماجد فأقول بأن لا أكثر موافقة مني لرأيه بعدم تجاوز كل النقاط التي طرحت في المداخلة الأخيرة وإن كنت أخالفه الوصف بالعقبة إلى غيرها ذلك أنني أرى أن محور الخلاف الرئيسي يتلخص هنا فيما تم ذكره وأجد أن ذلك يمثل عقدة يجب التوقف عندها وعدم تجاوزها بدون حل واضح إذ ‘ن في حلها يكون ما بعدها تحصيل حاصل في التوافق المرجو بإذن الله تعالى.
ولأن الأمر هنا بات ذا تشعبات كثيرة وحساسة فإني أرى ومن أجل التركيز في الجزئيات في الإطار الكلي أن نمعن في تناول تلك الجزئيات وفق ذات الإطار الكلي فلا نغرق في أحدها وننساق وراءه فلا يكون ما نجو من أرب.
ولعلني بعد هذا أبدأ ببعض عتاب على أخي الحبيب د. ماجد الذي أراه أشغل نفسه كثيرا بالبحث اللغوي المجرد في الكينونة والكنه ذلك أن هذا ليس مبحثنا ليشغلنا بأخذ ورد ولا هو مقصودنا لنتصدى لبحث لا يمثل لنا اختلافا إلا في الفرق بين مجازية اللفظ و إجازته.
ثم لعلني أوضح وبشكل قاطع أنني لم أعرف الشعر بأنه "كنه وكينونة" هكذا بل تحدثت عنهما في سياق التفسير والتأويل لاختلاف الكثير في ماهية الشعر أو تعريفه ولا أزال أقف عند ما قلت بهذا الشأن مؤكدا وراجيا ممن يرى غير ذلك أن يوضح لنا بشكل واضح تفسيرا أكثر دقة أو أقناعا. وإنا إنما قلت بعد ذلك إنني ضد من يعرف الشعر تعريفا جامدا (تعريف كينونة) يقف عنده ولكنني ضد من يعرفه تعريفا انطباعيا (تعريف كنه) ويقف عنده بل أنا ضد كل أشكال التطرف الفكري برفض النقيض بالنقيض ، وإنما قلت بأن الشعر يجب أن يراعي كلا الأمرين الكينونة والكنه أو إن لم يرق ذلك لأخي الحبيب د. ماجد أن يراعي الشكل والمضمون ، ولو سئلت تعريفا للشعر أقول ربما هو "حصافة الفكر في سلافة الشعور ينتظم في لفظ بديع وحس رفيع وجرس مطيع".
ومن حقك أخي الحبيب د. ماجد أن تبني مرتكزاتك على حقائق ما تؤمن به من رأي أو رؤية لا نصادر ذلك عليك قط ، ولكن لا حق لأحد في أن يبني الحقائق على ما يؤمن به من مرتكزات. ولعل الخطر الحقيقي يكمن أخي الحبيب في تمييع الألفاظ وتعميم دلالاتها فهذا والله هو الخطر العظيم والفساد الكبير ولا أعتقد هذا يخفى عليك ولا يتسع المجال هنا لنسوق الأمثلة التي تظهر خطورة تمييع أو تعميم مدلولات ومعاني الألفاظ أيا كانت فما من لفظة خرجت إلا لدلالة محددة إلا ما اتفق على أن تعمم الدلالة كلفظة "شيء" ، ولك أن تتصور لو قلت لك: أعطني الشيء لأفعل به الشيء وأحقق من ذلك الشيء وأعود بالشيء الذي طلبه مني الشيء ، فهل هذا مما يعقل أو يوصف قائله بالعقل؟!
ولعلني بعد هذا كله وإن أذنت لي ولكي لا أطيل على القراء أن أعود بشكل متواصل لأفند بما أرى ما تكرمت به من رأي نقطة بعد نقطة ليكون الأمر حوارا وتداولا لا حديثا على نغمة واحدة كل يتحدث في واد أو في قمة لا يسمع إلا ما يقول.
انتظرني أخي الحبيب لنتداول الأمر نقطة فنقطة لعلك ستدرك بعدها إن شاء الله أن حكمك السابق على رأي أخيك غير دقيق وأن اختلافنا بإذن الله مهم ولكنه غير كثير ولا كبير.
تحياتي
اخي الفاضل الحبيب الدكتور سمير العمري
أنا في غاية السرور و البهجة أنك عدت بعد غياب أقلقني
و الحمدلله على سلامتك مهما كان الظرف و لا أصابكم الله بمكروه
و الحمدلله الذي أدخل الطمأنينة إلى قلبي بأني أراكم تعيدون الحياة من جديد إلى هذا الحوار
آملاً من الله العلي القدير أن يسدد خطاكم و يحفظكم من كل مكروه
د. سمير العمري
24-06-2009, 09:03 PM
أخي الحبيب د. ماجد:
أشكر لك هذه المشاعر الراقية وهل يتوقع من كريم راق مثلك إلا هذا الرقي في الود والحرص والنقاء؟!
ثم أنني أخي أعود متوكلا على الله ثم مراهنا على حسن تفهمك وكريم تقبلك لما سأورد هنا مما أرى أن يكون معمما بدون دخول في التفاصيل لعل التعميم يغني عن الدخول في التفاصيل ، ثم وقد احترت من أي النقاط أدخل الحوار هنا في هذه النقطة الحساسة والمهمة في تحديد المسار وتأطير الرؤى العامة للرؤية المطروحة ، ولأنني رأيت أن أي نقطة إن تمثل بداية للولوج في هذا الحوار فإنما في حقيقتها تمثل خاتمة طيبة لذات الحوار وكأننا في دائرة يمكن البدء من أية نقطة لتكون هي البداية وإليها النهاية المرضية بإذن الله تعالى. وعليه فإني أحب أن أبدأ هنا مما كنت أحب أن أختم به كما يلي:
رفض الأدب أم رفض النسب:
بداية أؤكد بأنني أوافقك وبشدة على رفض ما ترفض من جعل النظم الأجوف شعرا أو جعل الكلام المباشر في نسق وزني ما شعرا فهذه نقطة أوافقك على رفضها بل وبتشدد أكبر. وإني وقد رأيتك تحملني تبعة قول ما لم أقل أؤكد بأن الخلاف بيننا ليس في رفض هذا الأمر أو استحسان ذاك الأمر وإنما في تصنيفه ووصفه وتسميته ونسبه ، بما يعني أنني من حيث المبدأ لا أرفض النصوص كالتي يسمونها جورا "قصيدة النثر" بل إنني أؤكد أن العديد منها يروق لي ويعجبني من حيث البناء الأدبي الجميل وربما حتى من حيث المضمون الفكري أو الإنساني متى وجد ذلك ، وهذا أيضا ينسحب على نصوص أدبية أخرى أراها في ذاتها مقبولة لا نرفض منها إلا ما نرفض من غيرها من صنوف الأدب شعرا ونثرا مما يخالف المنطق أو يتعدى على المقدسات أو يخدش الحياء. المشكلة إذًا أخي الحبيب في نسب تلك النصوص وتصنيفها وتسميتها بما يخالف المنطق والمألوف عرفا فلا يمكن مثلا قبول مسمى "قصيدة النثر" لمخالفتها المنطق بداهة ، ولا يمكن قبول تعميم لفظة الشعر معنى واصطلاحا لما في ذلك من خطر عظيم. أرجو أن تكون هذه النقطة واضحة.
تطرف وتطرف:
ليس أسوأ منهجا ولا أخطر ضررا على الأمة من سياسة الإقصاء والرفض بالنقيض. وأعجب الأمر حين نجد أن شرعنا الحنيف قد أمرنا بالوسطية المنطقية في التوجه وبين لنا أن الإفراط كالتفريط كلاهما قاسط وغامط للحق وللعدل وللصواب.
إنك يا صديقي أن رفضت ما أشرت إليه من سطحية الطرح ومباشرة الأسلوب وعقم اللغة وجفاف الصورة في نصوص تنتظم في وزن بحر من البحور وهو مما أوضحنا موافقتك فيه بلا حدود فإننا نرفض ردك على ذلك بالتطرف المناقض بلا حدود ، إذ لا يمكن كما أسفلنا أن نرفض النقيض بالنقيض فنقوم في مجال الشعر مثلا برفض المباشرة بطرح منتهى الغموض ، ورفض النظم الأجوف بالتنكر للجروس ورفض جفاف الصورة بالغرق في الصور وهكذا. وإن حقيقة ما أراه عموما من نصوص من ينتهج هذا المنهج ويرتكز على هذه الاتهامات ثم ما أراه هنا خصوصا من مضمون الطرح العام يؤكد حقيقة هذا التطرف بما يجعل الطرفين على ذات القدر من المسؤولية عن الخطأ.
من يقصي من؟:
ولعل هذا يجعلنا نلحق طرح هذا السؤال مباشرة بما سبق والحديث عن سياسة الإقصاء لنعلم من يقصي من في حقيقة الأمر. ولعل هذا يذكرني بزميل عمل قديم من ذوي البشرة السمراء ممن كان يكثر الشكوى من التمييز العنصري ضد لونه رغم أنني وجل الزملاء كنا نعامله بلا شعور بالاختلاف عنه أو عنا بل كواحد منا نمدحه إن أحسن ونعاتبه إن أساء ، فلما أن أكثر الشكوى خصوصا حين يلام على قصور أو خطأ واجهته وبود موضحا له أن من يميز عنصريا في الحقيقة ليس إلاه وشعوره بالاضطهاد تولد في داخله هو وأصبح هاجسا عنده يحكم مواقفه وتصرفاته دوت أن يكون لغيره دخل في هذا. وهنا ربما أجد أن أوضح أخي الحبيب د. ماجد أن اتهامنا بالإقصاء مردود وإن الذي يحاول أن يقصي الآخر هو أصحاب هذا المنهج "الحداثي" بحيثيات مختلفة وتبريرات مختلفة.
المسميات والمصطلحات .. شأن من؟؟
رأيتك تقول أخي الحبيب بأن اعتبار المسميات والمصطلحات شأن العمري وأنها لا تلزمك في شيء فهل ترى في هذا الحق وهل ترى في فرضية اختيارك كينونة أخرى وفقك هواك أو تقديرك من الصواب؟؟
يا أخي .. كلنا يعلم أن الصلاة لها دلالة لفظية ودلالة اصطلاحية فهل ترى وفق ما يطرح منهجك الحواري أن ترى أنت الصلاة بدلالة اللفظ والمصطلح ركوعا وسجودا وأراها أنا مثلا مكاء وتصدية أو ذكر لسن أو غير ذلك؟؟ هل يجوز لكل شخص أن يحدد لنفسه ما يريد من "كينونة" أو دلالة اللفظ والمصطلح؟؟
نعم أوافقك أن هناك من يتلاعب على دلالة المصطلح ولكن هذا لا يكون إلا بدلالة اللفظة أولا. سأضرب لك مثلا. تعلم أخي أن "الوطن العربي" هو ما أطلقناه دلالة لفظية على منطقتنا الجغرافية بأقطارنا العربية جميعا وجعلناه ذا دلالة اصطلاحية باعتبار خصوصية المنطقة ووحدتها أرضا وشعبا وعقدية وتراثا ، ثم ولأغراض لا تخفى تم طرح مصطلح جديد بدلالة جديدة وبلفظة جديدة فأصبح "الشرق الأوسط" مصطلحا بديلا من الوطن العربي ليخدم أهدافا ويصف حالة مختلفة ، ولم يزالوا بنا يرددونه في وسائل الإعلام حتى بات هذا المصطلح يجري على الألسنة جميعها سواء أكانت تعلم أم لا تعلم فهل يجوز لنا هنا أن نتقبل هذا أو نبرر لهم بأن لكل شخص ما يرى في تحديد كينونة الأشياء وفرض دلالاتها؟؟
طيب ، وما الفرق بين الكفر والإيمان أخي إلا بتمييع معنى الإلوهية والربوبية فكل اتخذ إلهه هواه وبات يعبد كل فرد ما يريد من دون الله تعالى الإله الحق ، بل إن هناك من يردد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يقصد بهما الله ربنا الذي في السماء ولا محمد النبي الكريم من آل هاشم ، فهل يكفي هذا لندرك أخي الحبيب خطورة هذا الطرح باعتبار هلامية الدلالات لفظا واصطلاحا؟؟
الشعر أم الشعور؟:
ولعلني لا أكون أخطأت أخي في تفسير ما ذكرت تكرما من أنك لا ترى تعريفا للشعر وتبرر ذلك باتساع الأفق الإنساني واعتبار الشعر حالة إنسانية شاملة وعالمية لأنني أراك هنا تتحدث عن الشعور لا الشعر والشعور غير الشعر معنى واصطلاحا. الشعور أخي هو بحق حالة إنسانية عامة لعلها من أهم أسس التشابه بيننا على اختلاف الثقافات والعادات والمعتقدات بل وحتى الألوان والأجناس والأعمار. الألم هو الألم والفرح هو الفرح والحزن هو الحزن والجوع هو الجوع ؟؟ إلخ ... وقد يختلف مستوى الإحساس بهذا علوا وانخفاضا ولكنه يظل حسا أو شعورا ذا خصائص محددة ودلالات واضحة. تصور لو جاء أحد فقال لك أنا أرى أن اللفظة هنا غير دالة فالألم هو أن تشعر بالسعادة والشبع هو أن تشعر بالظمأ وهكذا؟؟!!
أما الشعر فهو غير الشعور وإن تشابهت الأحرف أو بعض الخصائص فلو اعتبرنا الشبه لأصبح هناك من ينازع الشعور الحق كالشَّعر وكالشعير وكالشعار وربما أتت لك الشعرى تطالب بحقها في النسب من بعيد فلم يكون الشعور تحديدا؟؟
هل لأنه أحد مقومات الشعر وأحد أهم خصائصه؟؟ فهل يخلو النثر من الشعور إذًا؟؟ وهل تخلو القصة والرواية والرسالة والخطابة؟؟ بل هل يخلو حديثنا هنا وحديث أحدنا لأهله أو لابنه أو لجاره أو لزميله من الشعور؟؟
ثم هل حقا الشاعر هو من يشعر دون سواه؟؟ وهل كل من يشعر بالأمر يصبح شاعرا وكاتبا للشعر؟؟ وهل كل شاعر هو صاحب مشاعر؟؟
الشعر علم محدد الدلالة:
وهذا أمر أوضحته ولو بغير تفصيل في مقالتي تلك في الشعر في تفسير معنى قوله تعالى "وما علمناه الشعر" وأوضحنا أن الشعر بما ورد هو علم وهو علم لدني من الله فالله هو الذي يعلم الشعر بما يرد على قولك أخي بأن الشعر كيمياء ومعادلات فهو علم من لدن الله تعالى إلهاما لا يلقن ولا يدرس ولا يفصل ، ولكنه في ذات الوقت علم محدد ذو دلالة واضحة وثابتة لا هلامية فيه ولا تمييع وإلا أصبح الأمر هنا أمرا يصيب العقيدة باعتبار أن الله تعالى لا يحسن الوصف أو توظيف اللغة ثم إن القرآن إما كان لا شعور فيه وإنما كان شعرا كما وصفه المشركون. ولكي لا نطيل في توضيح أهمية هذه النقطة لعلني أحيلك أخي لمراجعة ما قيل بهذا الشأن في كبراهين قاطعة بشهادات أن القرآن ليس إلا كلام الله تعالى ، وأن الشعر غيره فكيف يمكن أن يعرف الشعر عند العرب إن لم يكن ذا دلالة محددة ومعنى دال واضح؟؟
ثم كيف يمكن أخي الحبيب أن نتفق على أي أمر في الدنيا إذا بات كل منا يعرف ما شاء بما شاء فتقول لي أنت علوم الكيمياء فأقول بل هذا هو الفيرياء وتتحدث عن التفاح فأقول بل هو الموز؟؟
لقد كنت قدمت تعريفا شخصيا للشعر يجمل فيه الخصائص ويشمل فيه السمات التي تجعلنا نتحدث عن شيء واحد نعرفه كما أتحدث إليك الآن باعتبارك أخي د. ماجد قاروط وليس شخصا آخر وباعتبار أننا نتحدث عن شيء محدد اسمه الشعر حتى لا نكتشف فجأة أننا نتحدث عن أمرين مختلفين لا يربط بينهما رابط فهذا مما لا يليق بعقلاء. وأنا هنا رددت بهذا العموم وبتساؤلات تفتح الآفاق للتفكير دون الولوج للتفصيلات وتفنيد ما ورد في الرد ، وجعلت هذا الرد كله يبحث فقط عن إجابة عندك حول صواب تجريد الشعر من مسماه ودلالته لفظا واصطلاحا ، وليوضح لك أن ما نحتاجه حقيقة ليس في الجدل حول كينونة الشعر أو شكله أو مسماه بل في كنهه وجوهره ومضمونه وهناك سيكون حوارنا مثمرا جدا باعتبار تصحيح مسار الشعر وتصويب مضامينه وأساليبه ولعلا معا أخي الكريم نجدد الشعر العربي ونطوره بما يوافق العصر بالوسطية التي أدعو إليها فلا نقتلع الجذور ولا نقطع الفروع ، ولعلني حينها سأسوق لك أدلة من أشعاري وأشعار غيري مما يروق لك ربما أمثلة تحتذى في هذا المجال.
آمل بحق أن يلقى ما سقت القبول لديك وأن يظل الحوار مرتكزا على الأمرين الأساسيين الشكل والمضمون وثق بأن الأمر متى أمعنت النظر فيه لا يمثل اختلافا كبيرا بيننا.
في انتظار ردك الكريم فإما وافقتنا تكرما بقناعة على ما سقنا هنا فدخلنا إلى الموقعة الكبرى في تناول المضمون فنكون أول من يطرح هذا التناول الجاد للرقي الحقيقي الشعر العربي وتجديده بما يوافق العصر والذائقة وإما شكرت لك فرصة السعادة بإجراء هذا الحوار الكريم معك وأمسكت.
مودتي واحترامي
الدكتور ماجد قاروط
24-06-2009, 11:48 PM
أخي الحبيب د. ماجد:
أشكر لك هذه المشاعر الراقية وهل يتوقع من كريم راق مثلك إلا هذا الرقي في الود والحرص والنقاء؟!
ثم أنني أخي أعود متوكلا على الله ثم مراهنا على حسن تفهمك وكريم تقبلك لما سأورد هنا مما أرى أن يكون معمما بدون دخول في التفاصيل لعل التعميم يغني عن الدخول في التفاصيل ، ثم وقد احترت من أي النقاط أدخل الحوار هنا في هذه النقطة الحساسة والمهمة في تحديد المسار وتأطير الرؤى العامة للرؤية المطروحة ، ولأنني رأيت أن أي نقطة إن تمثل بداية للولوج في هذا الحوار فإنما في حقيقتها تمثل خاتمة طيبة لذات الحوار وكأننا في دائرة يمكن البدء من أية نقطة لتكون هي البداية وإليها النهاية المرضية بإذن الله تعالى. وعليه فإني أحب أن أبدأ هنا مما كنت أحب أن أختم به كما يلي:
رفض الأدب أم رفض النسب:
بداية أؤكد بأنني أوافقك وبشدة على رفض ما ترفض من جعل النظم الأجوف شعرا أو جعل الكلام المباشر في نسق وزني ما شعرا فهذه نقطة أوافقك على رفضها بل وبتشدد أكبر. وإني وقد رأيتك تحملني تبعة قول ما لم أقل أؤكد بأن الخلاف بيننا ليس في رفض هذا الأمر أو استحسان ذاك الأمر وإنما في تصنيفه ووصفه وتسميته ونسبه ، بما يعني أنني من حيث المبدأ لا أرفض النصوص كالتي يسمونها جورا "قصيدة النثر" بل إنني أؤكد أن العديد منها يروق لي ويعجبني من حيث البناء الأدبي الجميل وربما حتى من حيث المضمون الفكري أو الإنساني متى وجد ذلك ، وهذا أيضا ينسحب على نصوص أدبية أخرى أراها في ذاتها مقبولة لا نرفض منها إلا ما نرفض من غيرها من صنوف الأدب شعرا ونثرا مما يخالف المنطق أو يتعدى على المقدسات أو يخدش الحياء. المشكلة إذًا أخي الحبيب في نسب تلك النصوص وتصنيفها وتسميتها بما يخالف المنطق والمألوف عرفا فلا يمكن مثلا قبول مسمى "قصيدة النثر" لمخالفتها المنطق بداهة ، ولا يمكن قبول تعميم لفظة الشعر معنى واصطلاحا لما في ذلك من خطر عظيم. أرجو أن تكون هذه النقطة واضحة.
تطرف وتطرف:
ليس أسوأ منهجا ولا أخطر ضررا على الأمة من سياسة الإقصاء والرفض بالنقيض. وأعجب الأمر حين نجد أن شرعنا الحنيف قد أمرنا بالوسطية المنطقية في التوجه وبين لنا أن الإفراط كالتفريط كلاهما قاسط وغامط للحق وللعدل وللصواب.
إنك يا صديقي أن رفضت ما أشرت إليه من سطحية الطرح ومباشرة الأسلوب وعقم اللغة وجفاف الصورة في نصوص تنتظم في وزن بحر من البحور وهو مما أوضحنا موافقتك فيه بلا حدود فإننا نرفض ردك على ذلك بالتطرف المناقض بلا حدود ، إذ لا يمكن كما أسفلنا أن نرفض النقيض بالنقيض فنقوم في مجال الشعر مثلا برفض المباشرة بطرح منتهى الغموض ، ورفض النظم الأجوف بالتنكر للجروس ورفض جفاف الصورة بالغرق في الصور وهكذا. وإن حقيقة ما أراه عموما من نصوص من ينتهج هذا المنهج ويرتكز على هذه الاتهامات ثم ما أراه هنا خصوصا من مضمون الطرح العام يؤكد حقيقة هذا التطرف بما يجعل الطرفين على ذات القدر من المسؤولية عن الخطأ.
من يقصي من؟:
ولعل هذا يجعلنا نلحق طرح هذا السؤال مباشرة بما سبق والحديث عن سياسة الإقصاء لنعلم من يقصي من في حقيقة الأمر. ولعل هذا يذكرني بزميل عمل قديم من ذوي البشرة السمراء ممن كان يكثر الشكوى من التمييز العنصري ضد لونه رغم أنني وجل الزملاء كنا نعامله بلا شعور بالاختلاف عنه أو عنا بل كواحد منا نمدحه إن أحسن ونعاتبه إن أساء ، فلما أن أكثر الشكوى خصوصا حين يلام على قصور أو خطأ واجهته وبود موضحا له أن من يميز عنصريا في الحقيقة ليس إلاه وشعوره بالاضطهاد تولد في داخله هو وأصبح هاجسا عنده يحكم مواقفه وتصرفاته دوت أن يكون لغيره دخل في هذا. وهنا ربما أجد أن أوضح أخي الحبيب د. ماجد أن اتهامنا بالإقصاء مردود وإن الذي يحاول أن يقصي الآخر هو أصحاب هذا المنهج "الحداثي" بحيثيات مختلفة وتبريرات مختلفة.
المسميات والمصطلحات .. شأن من؟؟
رأيتك تقول أخي الحبيب بأن اعتبار المسميات والمصطلحات شأن العمري وأنها لا تلزمك في شيء فهل ترى في هذا الحق وهل ترى في فرضية اختيارك كينونة أخرى وفقك هواك أو تقديرك من الصواب؟؟
يا أخي .. كلنا يعلم أن الصلاة لها دلالة لفظية ودلالة اصطلاحية فهل ترى وفق ما يطرح منهجك الحواري أن ترى أنت الصلاة بدلالة اللفظ والمصطلح ركوعا وسجودا وأراها أنا مثلا مكاء وتصدية أو ذكر لسن أو غير ذلك؟؟ هل يجوز لكل شخص أن يحدد لنفسه ما يريد من "كينونة" أو دلالة اللفظ والمصطلح؟؟
نعم أوافقك أن هناك من يتلاعب على دلالة المصطلح ولكن هذا لا يكون إلا بدلالة اللفظة أولا. سأضرب لك مثلا. تعلم أخي أن "الوطن العربي" هو ما أطلقناه دلالة لفظية على منطقتنا الجغرافية بأقطارنا العربية جميعا وجعلناه ذا دلالة اصطلاحية باعتبار خصوصية المنطقة ووحدتها أرضا وشعبا وعقدية وتراثا ، ثم ولأغراض لا تخفى تم طرح مصطلح جديد بدلالة جديدة وبلفظة جديدة فأصبح "الشرق الأوسط" مصطلحا بديلا من الوطن العربي ليخدم أهدافا ويصف حالة مختلفة ، ولم يزالوا بنا يرددونه في وسائل الإعلام حتى بات هذا المصطلح يجري على الألسنة جميعها سواء أكانت تعلم أم لا تعلم فهل يجوز لنا هنا أن نتقبل هذا أو نبرر لهم بأن لكل شخص ما يرى في تحديد كينونة الأشياء وفرض دلالاتها؟؟
طيب ، وما الفرق بين الكفر والإيمان أخي إلا بتمييع معنى الإلوهية والربوبية فكل اتخذ إلهه هواه وبات يعبد كل فرد ما يريد من دون الله تعالى الإله الحق ، بل إن هناك من يردد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يقصد بهما الله ربنا الذي في السماء ولا محمد النبي الكريم من آل هاشم ، فهل يكفي هذا لندرك أخي الحبيب خطورة هذا الطرح باعتبار هلامية الدلالات لفظا واصطلاحا؟؟
الشعر أم الشعور؟:
ولعلني لا أكون أخطأت أخي في تفسير ما ذكرت تكرما من أنك لا ترى تعريفا للشعر وتبرر ذلك باتساع الأفق الإنساني واعتبار الشعر حالة إنسانية شاملة وعالمية لأنني أراك هنا تتحدث عن الشعور لا الشعر والشعور غير الشعر معنى واصطلاحا. الشعور أخي هو بحق حالة إنسانية عامة لعلها من أهم أسس التشابه بيننا على اختلاف الثقافات والعادات والمعتقدات بل وحتى الألوان والأجناس والأعمار. الألم هو الألم والفرح هو الفرح والحزن هو الحزن والجوع هو الجوع ؟؟ إلخ ... وقد يختلف مستوى الإحساس بهذا علوا وانخفاضا ولكنه يظل حسا أو شعورا ذا خصائص محددة ودلالات واضحة. تصور لو جاء أحد فقال لك أنا أرى أن اللفظة هنا غير دالة فالألم هو أن تشعر بالسعادة والشبع هو أن تشعر بالظمأ وهكذا؟؟!!
أما الشعر فهو غير الشعور وإن تشابهت الأحرف أو بعض الخصائص فلو اعتبرنا الشبه لأصبح هناك من ينازع الشعور الحق كالشَّعر وكالشعير وكالشعار وربما أتت لك الشعرى تطالب بحقها في النسب من بعيد فلم يكون الشعور تحديدا؟؟
هل لأنه أحد مقومات الشعر وأحد أهم خصائصه؟؟ فهل يخلو النثر من الشعور إذًا؟؟ وهل تخلو القصة والرواية والرسالة والخطابة؟؟ بل هل يخلو حديثنا هنا وحديث أحدنا لأهله أو لابنه أو لجاره أو لزميله من الشعور؟؟
ثم هل حقا الشاعر هو من يشعر دون سواه؟؟ وهل كل من يشعر بالأمر يصبح شاعرا وكاتبا للشعر؟؟ وهل كل شاعر هو صاحب مشاعر؟؟
الشعر علم محدد الدلالة:
وهذا أمر أوضحته ولو بغير تفصيل في مقالتي تلك في الشعر في تفسير معنى قوله تعالى "وما علمناه الشعر" وأوضحنا أن الشعر بما ورد هو علم وهو علم لدني من الله فالله هو الذي يعلم الشعر بما يرد على قولك أخي بأن الشعر كيمياء ومعادلات فهو علم من لدن الله تعالى إلهاما لا يلقن ولا يدرس ولا يفصل ، ولكنه في ذات الوقت علم محدد ذو دلالة واضحة وثابتة لا هلامية فيه ولا تمييع وإلا أصبح الأمر هنا أمرا يصيب العقيدة باعتبار أن الله تعالى لا يحسن الوصف أو توظيف اللغة ثم إن القرآن إما كان لا شعور فيه وإنما كان شعرا كما وصفه المشركون. ولكي لا نطيل في توضيح أهمية هذه النقطة لعلني أحيلك أخي لمراجعة ما قيل بهذا الشأن في كبراهين قاطعة بشهادات أن القرآن ليس إلا كلام الله تعالى ، وأن الشعر غيره فكيف يمكن أن يعرف الشعر عند العرب إن لم يكن ذا دلالة محددة ومعنى دال واضح؟؟
ثم كيف يمكن أخي الحبيب أن نتفق على أي أمر في الدنيا إذا بات كل منا يعرف ما شاء بما شاء فتقول لي أنت علوم الكيمياء فأقول بل هذا هو الفيرياء وتتحدث عن التفاح فأقول بل هو الموز؟؟
لقد كنت قدمت تعريفا شخصيا للشعر يجمل فيه الخصائص ويشمل فيه السمات التي تجعلنا نتحدث عن شيء واحد نعرفه كما أتحدث إليك الآن باعتبارك أخي د. ماجد قاروط وليس شخصا آخر وباعتبار أننا نتحدث عن شيء محدد اسمه الشعر حتى لا نكتشف فجأة أننا نتحدث عن أمرين مختلفين لا يربط بينهما رابط فهذا مما لا يليق بعقلاء. وأنا هنا رددت بهذا العموم وبتساؤلات تفتح الآفاق للتفكير دون الولوج للتفصيلات وتفنيد ما ورد في الرد ، وجعلت هذا الرد كله يبحث فقط عن إجابة عندك حول صواب تجريد الشعر من مسماه ودلالته لفظا واصطلاحا ، وليوضح لك أن ما نحتاجه حقيقة ليس في الجدل حول كينونة الشعر أو شكله أو مسماه بل في كنهه وجوهره ومضمونه وهناك سيكون حوارنا مثمرا جدا باعتبار تصحيح مسار الشعر وتصويب مضامينه وأساليبه ولعلا معا أخي الكريم نجدد الشعر العربي ونطوره بما يوافق العصر بالوسطية التي أدعو إليها فلا نقتلع الجذور ولا نقطع الفروع ، ولعلني حينها سأسوق لك أدلة من أشعاري وأشعار غيري مما يروق لك ربما أمثلة تحتذى في هذا المجال.
آمل بحق أن يلقى ما سقت القبول لديك وأن يظل الحوار مرتكزا على الأمرين الأساسيين الشكل والمضمون وثق بأن الأمر متى أمعنت النظر فيه لا يمثل اختلافا كبيرا بيننا.
في انتظار ردك الكريم فإما وافقتنا تكرما بقناعة على ما سقنا هنا فدخلنا إلى الموقعة الكبرى في تناول المضمون فنكون أول من يطرح هذا التناول الجاد للرقي الحقيقي الشعر العربي وتجديده بما يوافق العصر والذائقة وإما شكرت لك فرصة السعادة بإجراء هذا الحوار الكريم معك وأمسكت.
مودتي واحترامي
الحبيب الدكتور سمير العمري
هنا بدأت تضيق مستويات التباين نتيجة للكلام السابق ، وبدأت حالة من التوازن عبر نقاط التقاء متعددة
، أما النقاط العالقة فلا تشكل سداً أمام ولوجنا إلى محور آخر ، فهي نقاط في الأصل خلافية و شائعة بين النقاد و الشعراء ، و ليست خلافات جوهرية في صميم الموضوع ، ويمكن تدبر تلك النقاط الخلافية في سياق أي كلام
وهنا دعنا نسمح لأنفسنا بالولوج إلى المحور التالي ، ولكن أحبذ استراحة قصيرة بعد الجولات الأولى ، ذلك أني الآن في حالة من عدم الاستقرار هذه الأيام على صعيد السفر و الترحال ، فأنا مقيم في دولة (قطر) في مهنة التدريس ، وبعد أيام سوف أغادر لقضاء عطلة الصيف في بلدي الحبيب سوريا ، لذلك فأنا في حالة عدم استقرار نفسي و اجتماعي
لك كل الحب و الوفاء
سالم العلوي
25-06-2009, 06:57 PM
وسنظل نحن في شوق دائم لهذا الحوار الشائق الرائق، الماتع النافع ..
شكرا من القلب للأستاذين الجليلين ..
وأسأل الله تعالى .. أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه .. ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ..
وإجازة سعيدة وموفقة يا دكتور ماجد ..
ودمتم جميعا بخير وعافية.
سالم العلوي
25-06-2009, 10:44 PM
واسمحا لي مجددا أيها الكريمان الفاضلان أن ألخص أهم النقاط التي وردت في مداخلة الدكتور سمير العمري الأخيرة لاعتقادي أنها أساس تم التوافق عليه ..
ومن أهم ما جاء في تلك المداخلة - في تقديري- ما يلي:
1- ليس الحوار حول النتاج الأدبي للناس إذ ليست هناك مصادرة ابتداء للتعبير الأدبي أيا كان شكله، لكنه يخضع بعد ذلك لمعايير أخرى تتعلق بمضمونه تجعلنا نقبله أم نرفضه، لكن الحوار تحديدا على ما يمكن أن نطلق عليه مسمى (الشعر).
2- لا بد أن تكون هناك مرجعيات لتعريف الأشياء، وإلا لسمى من شاء ما شاء بما شاء.
3- الشعر ليس هو الشعور، فالشعور هو أمر مشترك بين الخلق جميعا، وقد يوفقون للتعبير عنه بطرق مختلفة، من بينها الشعر لمن وفقه الله إلى ذلك، وقد يعبرون عنه بالنثر، أو غير ذلك .
4- الشعر عند الناطقين باللسان العربي هو شيء محدد ومعلوم ، والدليل على ذلك قوله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( وما علمناه الشعر)، إذن قبل نزول هذه الآية - وغيرها من الآيات التي ذكرت لفظة الشعر أو الشعراء- كان هناك أسلوب في الكلام عند العرب يعرف بـ (الشعر) ومن يستخدم ذلك الأسلوب كان يسمى (شاعرا).
5- ثم انطلاقا من الآية السابقة فإن (الشعر) ملكة يهبها الله لمن يشاء، وليس في أصله وبداية ظهوره عند الإنسان مكتسبا، بدليل لفظة ( علمناه) في الآية، فهو تعليم من الله إذن لمن شاء وحجب منه لمن شاء سبحانه.
وإن كان هناك خطأ في هذا التلخيص أرجو تبيينه لأني أعتقد أنه قدر تم التوافق عليه من قبل المتحاورين الكريمين، بدليل المداخلة الأخيرة من الدكتور ماجد.
وفقكما الله وسددكما، وجعل ما نكتب حجة لنا لا علينا، إنه أكرم مسؤول سبحانه.
ودمتم بخير وعافية.
الدكتور ماجد قاروط
25-06-2009, 11:31 PM
واسمحا لي مجددا أيها الكريمان الفاضلان أن ألخص أهم النقاط التي وردت في مداخلة الدكتور سمير العمري الأخيرة لاعتقادي أنها أساس تم التوافق عليه ..
ومن أهم ما جاء في تلك المداخلة - في تقديري- ما يلي:
1- ليس الحوار حول النتاج الأدبي للناس إذ ليست هناك مصادرة ابتداء للتعبير الأدبي أيا كان شكله، لكنه يخضع بعد ذلك لمعايير أخرى تتعلق بمضمونه تجعلنا نقبله أم نرفضه، لكن الحوار تحديدا على ما يمكن أن نطلق عليه مسمى (الشعر).
2- لا بد أن تكون هناك مرجعيات لتعريف الأشياء، وإلا لسمى من شاء ما شاء بما شاء.
3- الشعر ليس هو الشعور، فالشعور هو أمر مشترك بين الخلق جميعا، وقد يوفقون للتعبير عنه بطرق مختلفة، من بينها الشعر لمن وفقه الله إلى ذلك، وقد يعبرون عنه بالنثر، أو غير ذلك .
4- الشعر عند الناطقين باللسان العربي هو شيء محدد ومعلوم ، والدليل على ذلك قوله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( وما علمناه الشعر)، إذن قبل نزول هذه الآية - وغيرها من الآيات التي ذكرت لفظة الشعر أو الشعراء- كان هناك أسلوب في الكلام عند العرب يعرف بـ (الشعر) ومن يستخدم ذلك الأسلوب كان يسمى (شاعرا).
5- ثم انطلاقا من الآية السابقة فإن (الشعر) ملكة يهبها الله لمن يشاء، وليس في أصله وبداية ظهوره عند الإنسان مكتسبا، بدليل لفظة ( علمناه) في الآية، فهو تعليم من الله إذن لمن شاء وحجب منه لمن شاء سبحانه.
وإن كان هناك خطأ في هذا التلخيص أرجو تبيينه لأني أعتقد أنه قدر تم التوافق عليه من قبل المتحاورين الكريمين، بدليل المداخلة الأخيرة من الدكتور ماجد.
وفقكما الله وسددكما، وجعل ما نكتب حجة لنا لا علينا، إنه أكرم مسؤول سبحانه.
ودمتم بخير وعافية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ العزيز الأديب سالم العلوي ، شكراً جزيلا ً على هذه المداخلة الجديرة بالوقوف ، وشكراً لك على متابعتك لهذا الحوار بكل إخلاص وهدوء .
أمابعد فلي وقفة بسيطة على بعض النقاط الواردة في مداخلتك السابقة ،إذ ليس هناك مرجعيات واضحة في تعريف الكثير من القيم و الأشياء التي حولنا ، لاسيما القيم المتعلقة بالحق و الخير والجمال ،و القيم الإنسانية التي يقف منها المرء موقفاً متبايناً ، فهل تستطيع أن تعرف لي ماهو ( الجميل ) على سبيل المثال ؟، و هل تستطيع أن تعرف لي ماهو ( القبيح ) أيضاً؟ بالطبع :لا ، لأننا ببساطة نقف من هذه المسائل مواقف مختلفة ، فأحدنا يرى منظر غروب الشمس جميلاً في زمن معين ، والآخر يراه قبيحاً في الزمن ذاته ، وذلك حسب الحوامل النفسية لكل واحد منا ، و( المستنقع ) الذي هو قبيح في الطبيعة ؛هل يبقى قبيحاً إذا رُسم بصورة رائعة في لوحة فنية؟!!!
و بالضرورة فإن أقرب الأشياء إلينا لانستطيع تعريفها لخضوعها لخصوصية غيبية ؛ فعلى سبيل المثال لايمكننا أن نعرف ( الروح) قال تعالى : ( يسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي )
أما الشعور فهو غيرالشعر قطعا ً ، و لكن هل تعلم أن الشعور ليس هو المشاعر ( حسب علم النفس ) ؛إن الشعور هو الأنا الواعية تماماً ، بينما المشاعر ذات أبعاد عميقة ، و الشعر لاينفصل عن الشعور ( الأنا) و لا عن المشاعر و لا عن التفكير الكلي للإنسان بوعيه أو بغير وعيه
لك كل الحب
د. سمير العمري
27-06-2009, 07:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر بداية أخي الحبيب سالم على هذا التلخيص المفيد والذي شمل أهم ما دار في ردي السابق إذ تناول الجزئية الأولى التي أجد أنها أحد أهم المرتكزات التي يجب أن لا نتجاوزها إلا بتوافق تام واتفاق صادق على ما طرح بشفافية وقناعة ووضوح. وأنا هنا أكرر التأكيد أننا لا نرفض أي لون أدبي أو أي تجديد أو تحديث في إطاره ووفق وصفه وتصنيفه دون خلط أو تعد أو تمييع.
ثم لعلني وقد رأيت رد أخي الحبيب د. ماجد أعود للرد بما يلي استكمالا لما بدأنا واستقصاء لما طرح أخي د. ماجد من أبعاد ومفاهيم حول قضية لزوم التسمية وحتمية الدلالة مؤكدا أهمية هذا التناول للتوافق باقتناع أو الاختلاف بود وبإقناع لما لهذه الجزئية من أهمية كبرى في تحديد وتثبيت ما سيلي من جزئية الحوار الأهم التي أشرنا إلى تناولها بتفصيلاتها وتأطير رؤية مشتركة نطرحها لعلها أن تمثل رؤية أدبية لرابطة الواحة.
ولعلني رأيت أخي الدكتور ماجد يطرح الأمثلة توضيحا لرأيه وهذا منهج صائب ومثمر بل ومنهج رباني أشكره عليه وأستأذنه في توضيح بعض أمور مما ورد.
أما أن المشاعر هي غير الشعور دلالة لفظ ودلالة اصطلاح فنعم وقد صدق ، وأزعم أنني وكثير غيري يعرف هذا بل وأبين أن الحس هو غير الإحساس وأن اللمس هو غير المس وأن هذا وذاك وتيك وتلك هما غير غيرهما فالحس هو غير الشعور والشعور هو غير المشاعر وهكذا دواليك. وهنا أحب أن ـوقف قليلا لأقول ورغم أن هذا ليس هو بالضبط موضوعنا إلا أنه يمثل مثالا جيدا عليه ، وأقول إن كنا نستخدم تلك الألفاظ المتقاربة الدلالة تساهلا وتجاوزا بما لا يؤثر سلبا على البيان المراد من اللغة مدركين أن لها دلالات أدق وأعمق ، وإن كنت أخي الحبيب تقول بنفسك هذا الأمر فكيف يسوغ عندك أن تمعن في التخصيص هنا وتمعن في التعميم هناك؟؟
وأما قضية الروح فهي أصل مما نعتقد به ونعلم أنه غيب أراده الله تعالى لنفسه ولكن هل بهذا تفقد اللفظة هنا دلالتها؟؟ حسنا ، نعلم أن الهواء موجود بل وبدونه لا تقوم حياة فهل نراه أو نشمه أو حتى نشعر به؟؟ قد تقول لي نعم نشعر به حين تهب الريح ويتحرك الشجر فأقول لك ومن أدراني أن الريح هي الهواء وأن الذي يحرك الشجر هو الريح أو هو الهواء أصلا؟
حسنا لنتوقف عن مثل هذا السياق ولنسأل أنفسنا سؤالا واحدا وبسيطا ، هل عدم رؤيتنا الهواء يجعلنا نعتبره ماء فنصبح أننا نعيش في الماء كالأسماك؟؟ وهل يمكن اعتبار الهواء غير محدد وغير موجود فنكون ممن ينكر بالتالي كل ما قام عليه الدليل العلمي أو قامت عليه تجارب السابقين واللاحقين؟؟
دعني أضرب المثل الأوضح والأخطر من مثل هذا القول. قلنا بأن الروح غيبية اختص الله بها نفسه فمن هو الله؟؟ هل نراه؟؟ هل نتخيله؟؟ هل نعرف كنهه أو كينونته إلا ما أخبر تعالى مما لا يمكن به الإحاطة أو الإلمام؟؟ فهل تكون الغيبية الإلهية هنا حيثية صائبة لفقدان لفظة "الله" دلالتها؟؟ وهل هذه الغيبية تساق مبررا لعدم القدرة على التعريف ثم على المعرفة فيكون الإنكار "الكفر أعاذنا الله إياك أخي الحبيب من ذلك" هو النتيجة المنطقية لهذا السياق؟؟
وأما قضية الجمال والقبح والحب والبغض والوفاء والغدر وما شابه من قيم إنسانية فلي معه مستأذنا بعض وقفات. أما الأولى فهو أن الجمال يظل جمالا وإن نعت بالقبح وأن القبح يظل قبحا وإن نعت بالجمال وأن من يخلط هذه المعاني بأوصاف كثيرة محددة الدلالة ويفقد بهذا الكثير.
وأما الثانية فإن وصف الحال بغير حاله إنما هو وصف لمن وصفه مزاجا وعقلا ومقدرة وليس وصفا للحال نفسه ، فمن يرى الغروب جميلا إنما يصف الغروب أو إحساسه به ، ولا يصف دلالة اللفظة بل يستخدمها. من يصف أن التفاح "لذيذ" ومن يصف التفاح بأنه "مقزز" فإنه هنا يصف التفاح أو يصف مذاقه له مستعملا دلالة اللفظة لا واصفا لها أو معرفا ، بمعنى أنه قاس التفاح على مقياس اللذة والتقزز كثابتين وليس العكس ومن هنا جاءت لفظة القيمة. ونعرف مثلا أن الرجل هو الذكر من البشر ، ولكن هناك قيم جعلناها في الرجولة فنقول بكل ثقة هذا رجل رجل ، ونقول عن آخر هذا ليس رجلا ، وغاية الأمر أننا قسنا تلك القيم على المعنى الثابت فما زاد التقييم الأول في وصف الكينونة شيئا أكثر من أنه ذكر من البشر ولا أخرج التقييم الثاني في وصف الكينونة من أنه ذكر من البشر أي أن الأمر لم يصف تغير الشكل بل تغير المضمون.
وأما الثالثة فأنت قلت والكل يقول بأن هذه قيم إنسانية أي هي أشياء تقاس على معان ثابتة كثرة وندرة علوا ودنوا التزاما واختزالا سجية وتكلفا. الجمال لفظة لغوية ذات معنى محدد ودلالة واضحة فإن أردنا الحكم على قيمة الجمال فإننا نقيس على المعنى المحدد والدلالة الواضحة والتي يسميها بعضنا "القيمة المطلقة" فننظر لقيمة الجمال عند فلان وقيمته عند علان ، بل وننظر في قيمة الجمال عند فلان ساعة الرضا ونقيسها عنده ساعة الغضب ، بل ونقيسها عند فلان ساعة الرضا وحيدا وساعة الرضا برفقة صديق وساعة الرضا برفقة حبيب وساعة الرضا في جماعة. بل ونقيس قيمة الجمال عنده ساعة الرضا في جماعة من الشباب أو الكهول أو الفتيات أو ... وهكذا. ولو نظرت لحقيقة الأمر ستجد أن هذه القيمة تتغير ارتفاعا وهبوطا حرارة وبرودا سجية وتكلفا بين فلان وعلان بل وبين فلان ومختلف حالاته ولكن هذا لا يعني مطلقا أن معنى الجمال قد تغير ليصبح قبحا أو ليصبح قدحا أو أي شيء آخر.
فالمعاني والدلالات أخي هي في حقيقتها ثابتة بألفاظ تحددها وإنما يتغير مدى الإحساس بها أو مدى التأثر بأهميتها أو بقيمتها ، وأنك هناك إنما وصفت القيم المتغيرة التي تقاس على المعاني والدلالات الثابتة باعتبارها هي هي وهنا حدث اللبس.
وأما الأمر الرابع أخي الحبيب فإننا حتى وإن اختلفنا على ما سبق فإننا لا يمكن الاختلاف على حقيقة أن اللفظة إنما وجدت للدلالة المحددة ولولا ذلك لم تكن لتكون ، وأن اللفظة المحددة بدلالتها المحددة يجب أن تستخدم في سياقها وبما وجدت له لا برأي أو بميل وإلا فإن ذلك ينسف اللغة ويقطع الحوار بل ويفسد الحياة. فقط تصور أخي الحبيب د. ماجد لو أنني بدأت أرد على ما تفضلت به مشكورا من قول هنا أو شعر هناك أو أي شيء قلته بما أحب أن أرى فأعتبر قولك السلام عليكم سبابا أو إهانة أو أقول لك مثلا ما هذا الإسفاف؟! وأزعم لك أنني أقصد مدح ما قلت ، وحينها فقط تدرك معي خطورة الأمر كما أراه.
أعود لألخص وباختصار أن الألفاظ ما وجدت في اللغة بل وفي كل لغات العالم بل وحتى الأصوات والحركات في الإنسان وفي الحيوان إلا لتحمل دلالات محددة فإن قلنا بغير ذلك أو عملنا به نسفنا اللغة وأضعنا الهدى وأفسدنا الحياة. وأقول بأن التشابه في اللفظ لا يجعله سببا للخلط في الفهم فالبِّرُ غير البَّر غير البُّر والحُبُّ غير الحَبِّ غير الحِبِّ والرَّجُلُ غير الرِّجْلِ والقَدَرُ غير القِدْرِ وهكذا.
ثم أقول بأن الألفاظ ذات معان ودلالات محددة يقاس عليها ولا تقاس فلا يمكن أن نجعل من الجمال قبحا لأن نفسا مكدرة رأته كذلك أو أن نجعل الإدراك المشوش دليلا على المعنى النقي الصافي.
وبهذا فإنني أؤكد مجددا أهمية اللفظة بدلالتها المحددة أيا كانت ، والشعر الذي هو محور حديثنا لفظة ذات دلالة محددة استخدمت على مر السنين من البشر وذكرت في كتاب رب البشر بدلالة محددة الطعن فيها طعن في الرسالة كلها باعتبار تحدي الإتيان بآية من مثله وباعتبار "وما علمناه الشعر وما ينبغي له".
تحياتي
د. سمير العمري
02-07-2009, 02:54 PM
ربما وجدتني سهوت عن ربط ما قدمت بمحور النقاش الذي هو الشعر ولذا أعود لأقول تلخيصا مختصرا كما يلي:
إن كلمة الشعر مسمى ذو دلالة محددة لفظا واصطلاحا استخدم في القرآن الكريم في عدة مواضع دالة ، واستخدم خلال قرون عديدة وعصور مختلفة للدلالة على هذا الأمر المحدد من أصناف الأدب بما يحمل من مقومات وصفات وخصائص فهو قيمة ثابتة دالة يقاس عليها ولا تقاس ، وأما قيمة الشعر وقدره فيقاس صعودا وهبوطا بما تميز به من خصائص وبما التزم به من مقومات فهناك الشعر الرصين والشعر البسيط ، وهناك الشعر المتين والشعر الركيك وهناك الشعر القوي والشعر الضعيف ، والشعر الجزل والشعر الرقيق وهكذا تصنيفا وتقييما بالقياس على الدلالة المحددة للفظة.
ولعلني أرى أن الوزن هو أهم خصائص ومقومات الشعر الذي يميزه على غيره من أصناف الأدب ، وما الوزن في الشعر إلا بمثابة الذكورة في الرجل. فالذكورة عنصر ضروري وأساسي ليصنف المرء في خانة الرجال ولكنه ليس كافيا ليمنحه وصف الرجل و صفات الرجولة إلا بقدر ما يحتوي في نفسه وفي جسده من صفات وخصائص ترفعه أو تضعه في درجات أو دركات ، ولكنه لا يخرج في نهاية الأمر من تصنيف الرجال إلى تصنيف النساء إن تجرد من كل صفة خلا الذكورة ، وكذا المرأة لا تخرج إلى تصنيف الرجال مهما اتصفت بصفات الرجال وافتقدت الذكورة.
ولعلني أستغرب أن أسوق هذا المثل من بين آلاف الأمثلة التي يمكن أن توضح وأن تكون دليلا شاهدا على حقائق الأمور ، وربما كان ذلك لأنني أرى بشكل أو بآخر ذكورة في الشعر وإنوثة في النثر يمثلان زوجي الأدب لكل فيهما دوره وجماله ويتزاوجان فينجبان البيان جميلا بقدر جمالهما راقيا بقدر رقيهما.
سأنتظر مرور أخي الكريم د. ماجد برأيه وبمداخلته الكريمة لنستكمل بعدها الحوار.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
29-08-2009, 01:41 AM
الأستاذ الدكتور الحبيب سمير العمري
أعتذر لهذا التأخير بسبب ظروف الإجازة و بعض الظروف الصحية القاهرة
و سأعود إلى هذا الحوار الجميل في أقرب فرصة ممكنة
دمت غالياً
د. سمير العمري
28-02-2010, 09:51 PM
الأستاذ الدكتور الحبيب سمير العمري
أعتذر لهذا التأخير بسبب ظروف الإجازة و بعض الظروف الصحية القاهرة
و سأعود إلى هذا الحوار الجميل في أقرب فرصة ممكنة
دمت غالياً
الأخ الحبيب والشاعر الأريب د. ماجد:
أسأل الله أن تكون غدوت بخير وعافية بعد كل هذا الوقت ، ولقد كنت غبت أنا لشهور في سفر للوطن وحبسني الحصار هناك طويلا وها عدت أخيرا في شوق إليك وفي شوق لاستكمال هذا الحوار الذي بدأناه راجيا أن نراك قريبا وأنت ترفل في ثياب العافية والرضا.
في انتظارك بكل الود.
تحياتي
الدكتور ماجد قاروط
27-01-2013, 02:35 PM
الأستاذ الدكتور سمير العمري الحبيب
الأخوة الأدباء أعضاء الواحة المحترمون
الأخوة الزوار و الأصدقاء
سوف أعاود الحوار قريباً جداً بعد استقراري في سورية ( مدينة حماة ) وطني الحبيب
والحوار الذي بدأ مع الدكتور الفاضل سمير العمري سيتواصل من حيث انتهينا
و لكم فائق الاحترام
الدكتور ماجد قاروط
28-01-2013, 11:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ الدكتور سمير العمري الحبيب ، نبدأ إن شاء الله هذه الجلسة العلمية النقدية بالوقوف على المحور الثالث وهو تساؤلك (هل الأصالة قيود وسدود وهل الحداثة تحرر ونهوض ؟؟؟ ) .
والواقع أن السؤال في ذاته ليس صحيحاً ، لأن هنالك خلافاً بيني وبينك حول مفهوم ( الأصالة) تاريخياً ؛ إذ سلـَّم الدكتور العمري بأن الأصالة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالشعر العربي العمودي ذي الشطرين ، و أبعد تلك الأصالة عن قصيدة التفعيلة و قصيدة النثر ، و الأمر هنا غير مقبول تماماً ، والمفارقة هنا أن معنى كلمة (الأصالة ) في معاجم اللغة العربية لاتشير بصورة أو بأخرى إلى معنى ( القديم ) بل تعني ( عراقة النسب ) التي ينفرد بها شخص ما أو تنفرد بها قبيلة ما
وتعني أيضاً ( الابتكار ) الذي لم يبدعه أحد ، وبالتالي فالأصالة لاتبتعد كثيراً عن مفهوم ( الابتكار والانفراد في مجال شي ء ما والحداثة المبتكرة الخلاقة ) .
أما مفهوم ( الأصيل و الأصالة ) فقد تعرَّف عليه ( المفهوم الشعبي الدارج ) من خلال ( الخيل الأصيلة ) غير المهجنة ، وإن إقحام هذا المفهوم في عالم الفن و الشعر أمر مرفوض ، ذلك أن مصطلح (الهجين ) في الأدب أمر فضفاض .
وبناء على مامضى فإن الأصالة مرتبطة بكل أنواع الشعر قديماً وحديثاَ ، فالشعر الأصيل هو الذي يراعي بيئته الاجتماعية الحاضنة له زمنيا ً ؛ فوعينا الجمالي المعاصر يختلف عن وعي أجدادنا العرب ، وإن الرجوع إلى وعي جمالي سابق لنبني عليه منظومتنا الشعرية إنما هو حالة من حالات التقليد الأعمى .
إن الفن الحق لايلغي ماسبقه ، لذلك فإن الحداثة الأصيلة لا تلغي الماضي الأدبي
، بل تستند إليه لتبني منظومتها الشعرية الحديثة الأصيلة التي تعتمد واقعاً اجتماعياً حاضناً ، الأمر الذي ينجب وعياً جمالياً متوازناً يراعي المعاصرة ، و العي المعرفي الجديد للإنسان .
ومن هنا تتماهى الأصالة بالحداثة تماهياً يكاد يكون مطلقاً ؛ فالقيود هي أمر يفرضه الأديب على نفسه ؛ وهو ذنب الأديب ، و ليس للشعر بمختلف ألوانه و ضروبه علاقة بتلك القيود ، فالمبدع الحقيقي هو الذي يتفوق على القيود ويجعل منها ( شرطاً لازماً غير كاف ) لإنجاح العملية الإبداعية .
ولو سلَّمْنا جدلاً بالسؤال الذي طرحه الدكتور العمري في ( محوره السابق )
لتوقف الشعر عند شكل واحد وعند مضمون واحد ، و أصبحت المسألة تقليداً فوق تقليد ؛ وهذا منافٍ للتطور الدلالي للغة ، وللتطور الشكلاني الفني لبناء النص ، و بالضرورة هو أمر مناف للتطور التاريخي للبشرية والصراعات وحركية الحياة ، فالأصالة ليست توقفاً عند حالة أحادية الجانب ، بل هي الركة المبتكرة المدروسة
والله ولي التوفيق
بهجت عبدالغني
29-01-2013, 04:40 AM
متابع بشوق لهذا الحوار الجميل الهادئ
دمتم بخير
د. سمير العمري
04-02-2013, 12:56 AM
أرحب بعودتك ابتداء بعد كل هذا الغياب وأسأل الله أن تكون دوما بخير وعافية.
ثم إني ولضيق وقتي بكثرة انشغالي في هذه المرحلة لأوضح بأنني سأرد على ما تفضلت به في مداخلتك الأخيرة دون العودة لتذكر ما كان بيننا من حوار فوقتي لا يسمح حاليا. وما سارعت للرد هذا إلا تقديرا لشخصك.
أما ردي على ما تفضلت به فهو كما يلي:
أما تفضلك بشرح معنى الأصالة بهذا الإسهاب لهو مما نشكرك عليه وإن كنا نعلمه علم أدب ولغة واصطلاح ، ونعم الأصالة هي ما ذكرت في عمومها ، ولكني أتعجب أشد العجب من الادعاء بأنني أقول بأن الأصالة هو القديم التالد فهذا محض ادعاء لا أساس له وإنما هو فهمك غير الواعي لما أقول ، وأمر يحسب عليك لا علينا.
بل إنك قد فرضت علي مسلمات من بنات خيالك بأنني أرى الأصالة مرتبطة بقصيدة البيت والتي تصفها بلفظك بالقصيدة القديمة من الشعر العربي ذي الشطرين. هذا أيضا محض زعم وادعاء بما يخالفه أنني لم أقل في هذا أي قول يحمل معناه ، ثم إنني أكتب قصيدة السطر التي هي "قصيدة التفعيلة" وهذا كاف للرد عليك وعلى هذا الزعم ، وإليك بعضا مما كتبت في هذا:
للنصر فلسفة البلابل:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=62434
نحت وتعرية:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=60145
مناجاة الضمائر:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=58307
غصون الحنين:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=36528
صوت دعاك:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=41628
وغير هذا من نصوص كتبتها بما يؤكد أننا نرحب ونقدر هذه الإضافة الحديثة لنكهة الأدب العربي ، ولكن أصل ما نختلف فيه في هذا الجانب هو دسّك لفظة "قصيدة النثر" وهي التي فندنا خطأ استعمالها بداية من تناقض المعنى إلى خروج المضمون بالكلية عن الحالة الشعرية التي هي فن من فنون البيان تمتاز أكثر ما تمتاز بالجروس والأوزان بنسق تطرب له الذائقة ويسهل فيه الحفظ ويستحب فيه الترنم ، وأطلنا الشرح بأن النثر نثر والشعر والشعر ولا يمكن إيجاد هجين بينهما لأن مجرد الطرح النظري لهذه الحالة يقضي على الحالتين إلى حالة هلامية لا ملامح لها ولا أسس ويختلط فيه كل شيء وهذا أساسا ما تحاول الحداثة كحركة فكرية أن تقوم به.
أما الاختلاف بيننا فليس في تعريف الأصالة والحداثة كمعنى بل كاصطلاح ، فأنا أرى الأصالة هي التمسك بعراقة النسب ووضوح الهوية والابتكار الخلاق بأطر إبداعية ضمن الصورة الكلية للهوية الأدبية للنص ، وأنت تحسب أن الأصالة هو التقيد والتزام القديم وغير ذلك مما تقول بين طيات كلامك ، رغم أن الجديد ليس بالضرورة أن يكون خيرا من القديم ، والقيد أحيانا يكون أفضل من التحرر والتفلت منه ، وهذا أمر لا يدركه إلا كل شاعر حقيقي وأديب حصيف ، ورغم هذا نقول بأننا نرحب دوما بالإبداع الخلاق والابتكار المميز دون خروج عن أطر الهوية والشكل الواضح إلى تلك الحالة الهلامية وإلى تلك الضبابية التي لا تؤدي غرضا ولا توصل بيانا وكل همها هو القضاء على الهوية الجمالية للأدب العربي بحالة هلامية لا شكل لها ولا معنى يمكن أن يتضح منها بزعم إطلاق الحرف وفتح المعاني على آفاق غير محدودة ، ولعمري إن الطريق الذي يؤدي إلى كل شيء لا يؤدي إلى أي شيء.
والاختلاف بيننا أيضا يتعلق بمعنى الحداثة كمصطلح فكل الحدثيين يصرون على الاختفاء خلف المعنى الهلامي والهروب للأمام من مواجهة المعنى الحقيقي باعتماد الاشتباه بين اللفظ والمعنى ، ويخاتل أولئك في معنى الحداثة باعتبارها التحديث أو التطوير تماما كأصحاب مصطلح العلمانية الذين يزعمون أنها منهج التعاطي العلمي وهم أبعد ما يكون عن العلم والمنهج العلمي ، ولكنهم يستخدمون أسلوب الاتهام بمحاربة العلم والفكر العلمي لكل من ينتقد العلمانية كمصلح فكري فاسد ، وعليه فإن أصحاب المنهج الحداثي يسارعون في اتهام من يكشف حقيقة منهجهم بأنهم متحجرين ومقيدين بالقديم ورافضين للتطور وإدراك متطلبات الواقع وأهل التقليد الأعمى وغير هذا من ترهات مردودة عليهم جملة وتفصيلا.
إن الأصالة في مفهومنا هو ما أوضحت أنت وأكدنا نحن من معنى الانتماء للهوية وعراقة النسب ، وهي الابتكار الخلاق والإبداع الحقيقي دون تبعية أو تشويش أو تشويه ، ونرحب في إطارها بما يمثل تطورا طبيعيا في اللغة وفي الأسلوب وفي الصور دون أن يكون هذا على حساب الشكل العام لأننا ببساطة ندرك خطأ نظرية دارون في النشوء والارتقاء ، ولا يمكن أن يتطور القرد ليصبح إنسانا أو يتطور الهر ليصبح ليثا ، وحتى لو فرضنا حدوث هذا جدلا فإن هذا التطور الجدلي يفرض منطقيا أن يتغير المسمى الدلالي فإن أصبح القرد إنسانا فسيصبح اسمه إنسانا وإن تردى الإنسان قردا سيصبح اسمه قردا.
وإن الحداثة عندنا فكر مشوه ومنهج استغرابي بعيد عن الأصالة "عراقة النسب" إلى التبعية والاستغراب "أسوأ من الهجين المنبوذ" ، وهي أبعد ما يكون عن التحديث والتطور الذي تتحدثون باسمه إما مكرا وإما جهلا فهي مصطلح لمنهج دخيل مفسد وابعد ما يكون عن وجود حالة التهجين الطبيعي الذي يحدث بشكل تلقائي ودون جهد أو دفع متهور تجاهه. وإن محالة الجلب على العقول والنفوس بمنهج المضاهاة والتشابه ومحاولة الاختفاء خلف المعنى اللغوي أمام المصطلح الفكري والهروب للأمام بخلط المعاني وتمويه الألفاظ ودس السم في العسل والحق في الباطل لا يخيل إلا على جاهل أو سفيه أو سطحي أو مأجور.
إن سؤالي "هل الأصالة قيود وسدود وهل الحداثة تحرر ونهوض ؟" هو سؤال صحيح وفي إطاره الصحيح ، وكنت أحض به عقلك على التفكير قليلا بأمل أن تكون تبحث حقا عن الصواب وعن الرشد ، وجوابه كلا وكلا ، فليس في الأصالة أية قيود أو أية سدود بل هي مجال خصب للإبداع والألق تظهر بقوة في أفياء واحة الخير بقصائد كالدرر وشعراء من زحل ، وليس في الحداثة إية معنى لمفهوم التطور والتحديث بل هي مصطلح للتبعية وتفريغ الأدب العربي شعرا ونثرا من مضامينه ليكون مكانه نص هلامي الشكل لا هو من الشعر ولا هو من النثر أطلقوا عليه سفها "قصيدة النثر" وضبابي المضمون لا يعدو كونه كلاما مرصوصا بصور متباينة وألفاظ متنافرة يغرق في الغموض ولا يقدم لا معنى ولا بيانا ولا ارتقاء ، وبهذا يكون القضاء على الهوية الثقافية العربية أدبا وفكرا والخروج من أصالة الانتماء وعراقة النسب إلى حالة جلد الذات والانبهار بالآخر الدخيل والتبعية المطلقة ولا يمكن أن يتم هذا إلا بألفاظ خادشة للحياء وتقديس لآلهة الحب والشهوات ثم التطاول على ذات الله خالق الأرض والسماء.
ها قد أوصحنا وأبرأنا ذمتنا ، وسقنا لك الحق يتركك على المحجة البيضاء فإن اخترت لتفسك الأصالة بمعناها الحقيقي فقد أفلحت وإن اخترت أن تكون عبدا لفكر دخيل فاسد مفسد فسيرك إلى ما سرت إليه.
تقديري
خليل حلاوجي
08-02-2013, 05:14 AM
متابعون بشغف .. مع الفائدة والمتعة ..
تقبلوا مودتي.
قوادري علي
08-02-2013, 06:27 AM
شكرا جزيلا على ماقرانا هنا..
لانا عبد الستار
09-02-2013, 06:06 PM
كنت أعد نفسي للرد على مداخلة الدكتور ماجد قاروط
فوجدت رد أمير الأدب الدكتور سمير العمري يغني عن كل رد
بل إنك قد فرضت علي مسلمات من بنات خيالك بأنني أرى الأصالة مرتبطة بقصيدة البيت والتي تصفها بلفظك بالقصيدة القديمة من الشعر العربي ذي الشطرين. هذا أيضا محض زعم وادعاء
ولكن أصل ما نختلف فيه في هذا الجانب هو دسّك لفظة "قصيدة النثر" وهي التي فندنا خطأ استعمالها بداية من تناقض المعنى إلى خروج المضمون بالكلية عن الحالة الشعرية التي هي فن من فنون البيان تمتاز أكثر ما تمتاز بالجروس والأوزان بنسق تطرب له الذائقة ويسهل فيه الحفظ ويستحب فيه الترنم ، وأطلنا الشرح بأن النثر نثر والشعر والشعر ولا يمكن إيجاد هجين بينهما لأن مجرد الطرح النظري لهذه الحالة يقضي على الحالتين إلى حالة هلامية لا ملامح لها ولا أسس ويختلط فيه كل شيء وهذا أساسا ما تحاول الحداثة كحركة فكرية أن تقوم به.
أما الاختلاف بيننا فليس في تعريف الأصالة والحداثة كمعنى بل كاصطلاح ، فأنا أرى الأصالة هي التمسك بعراقة النسب ووضوح الهوية والابتكار الخلاق بأطر إبداعية ضمن الصورة الكلية للهوية الأدبية للنص ، وأنت تحسب أن الأصالة هو التقيد والتزام القديم وغير ذلك مما تقول بين طيات كلامك ، رغم أن الجديد ليس بالضرورة أن يكون خيرا من القديم ، والقيد أحيانا يكون أفضل من التحرر والتفلت منه ، وهذا أمر لا يدركه إلا كل شاعر حقيقي وأديب حصيف
أشكركم
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir