تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حول معنى كلمة الترفيل



صالح زيادنة
08-01-2003, 09:00 PM
الترفيل


ليست جعبة الشاعر مليئة بالقصائد الجديدة في كلّ الأوقات ، فلذلك نراه عندما يرفرف شيطان شعره ويعود إلى مقره في عبقر ، يلجأ الشاعر إلى التسلية بالمطالعة في هذا الكتاب أو في ذاك ، وكانت لي سياحة من هذا القبيل في كتاب للعروض ، وقد استوقفتني كلمة ترفيل ، وإن كنت أعرفها من قبل إلا أنها في هذه المرة أشغلت حيّزاً من فكري فتابعتها قليلاً وكان من نتاج هذه المتابعة هذه السطور التي أمامكم :
التَّرْفيل في العَروض : هو زيادة سبب خفيف على تفعيلة مجزوء الكامل، فتصبح مُتَفاعلن مُتَفَاعِلاتُنْ ، والبيت الذي فيه ترفيل يسمّى " مُرَفَّلاً " ، وإِنما سُمِّي مُرَفَّلاً لأَنّه وُسِّع فصار بمنزلة الثوب الذي يُرْفَل فيه.
ليس في هذا ما هو جديد أليس كذلك ؟
أجل ، لأننا بصدد المعنى العامّ لكلمة الترفيل وليس بصدد معناها في علم العروض .
أذكر أننا كنا نكتب في رسائلنا :" أتمنى أن تصلكم رسالتنا هذه وأنتم ترفلون بثياب الصحة والعافية " . فكيف يرفلون إذن؟
وأذكر أن أبي رحمه الله كان يقول دائماً متمثلاً بمثلٍ شعبي فيه شكوى من الزمان وعدم التمسك بالدنيا :" اللي يتحَزَّم بالليالي رفالي " .وهو شبيه بمثل آخر :" اللي يتغطّى بالليالي عريان " .
وأردت أن أعرّج على لسان العرب لأرى ماذا يقول في شرح هذه الكلمة فوجدت شرحاً كثيراً فأخذت منه ما يبيّن المعنى الأصلي لهذه الكلمة :
أَرْفَلَ الرجلُ ثيابَه إِذا أَرخاها. وإِزار مُرْفَلٌ: مُرْخىً.
وأَرْفَل ثوبه: أَرسله .
ورَفَّل إِزاره إِذا أَسبله وتبختر فيه.
وترفيل الثوب هو إِسباغه وإِسباله.
نفهم من ذلك أن الترفيل هو لبس الثياب الواسعة الفضفاضة ، ولكن الحقيقة التي لم يذكرها صاحب لسان العرب هي أن المعنى الحقيقي لكلمة الترفيل هي لبس الثوب دون حزام ، فيُرخى ويُسبل ويطول قليلاً بعد فكّ الحزام ، ومن هنا يكون الخليل قد استعار هذه الصفة وهي استطالة الثوب بعد ترفيله أو إرفاله ليطلقها على تلك التفعيلة التي استطالت بعد أن زيد عليها السبب الخفيف ، وأصبحت كالثوب المُرْفَل الذي يزداد طوله بعد الترفيل فيصل إلى الكعبين بعد أن كان مُشَمَّراً ومرفوعاً بعض الشيء بفضل الحزام ، والثوب الذي يتمنطق عليه بمنطقة أو حزام لا يكون مرفلاً .
وقد وردت كلمة الترفيل ومشتقاتها كثيراً في الشعر العربي ، ولكنها كانت في معظم الأحوال تعني الثوب المُسبل الفضفاض ، وها هو أبو العلاء المعري يقول :
ورُبّ ساحِبِ وَشْيٍ مِنْ جآذِرِهَا..........وكان يَرْفُلُ في ثَوْبٍ من الوَبرِ
أما الشريف المرتضى فيقول :
ومشيتَ في الخطط الصِّعائب رافلاً.........ومَن الذي لولاك فيها يرفُلُ؟
ويقول ابن الرومي :
ليـس حميـداً سائـقٌ كعاتـل........شمّـر لكي تَسبُلَ ذيلَ الرافل
ولابن الرومي كذلك :
وكائـنْ كسوتُـكَ من حُلـةٍ ..........مشيـتَ بها مِشيـةَ الرافل
ويقول حافظ إبراهيم :
وباتَ بَنُوكَ الغُرُّ ما بين رافِـلٍ ............بحُلَّة يُمْنٍ أوشَكُـورٍ لمَوْلاهُ
ويقول البارودي :
يَمْشِي الضَّرَاءَ إِلَى النُّفُوسِ، وَتَارَةً......... يَسْعَى لَهَا بَيْنَ الأَسِنَّةِ رَافِلاَ
ويقول أيضاً :
حَتَّى تَعُودَ سَمَاءُ الأَمْنِ ضَاحِيَةً ........... وَيَرْفُلَ الْعَدْلُ فِي ضَافٍ مِنَ الْحُلَلِ

وفي الختام نرجو أن نكون قد أوضحنا شيئاً من معنى هذه الكلمة وقربناها إلى الأذهان ، وبيّنا سبب اختيار الخليل لهذه الصفة ليطلقها على تلك العلة من علل الزيادة العروضية .

وتقبلوا تحياتي .

د. سمير العمري
19-01-2003, 02:47 AM
أخي الحبيب صالح:

قد أوضحت وأفدت بارك الله بك ...

وقد أمتعني اسلوبك الرشيق السرد الخفيف الظل في توضيح معنى الترفيل ....

أخي الشاعر لا يقتصر جهده على كتابة الشعر فقط بل يتعدى ذلك إلى الكثير الكثير من آفاق أخرى من الفكر والعلم والأدب وها أنت تظهر لنا قدرة إبداعية جديدة نرجو أن لا تحرمنا من تكرارها ...

تحياتي وامتناني

صالح زيادنة
19-01-2003, 11:08 PM
أسعدك الله أخي سمير ودمت محركاً نشيطاً لهذه الواحة ، وشاعراً فذاً من شعراء هذا العصر .
محبتي للعربية تفوق كل وصف ، وأنا دائم التفكير والتأمل في مفرداتها ، كثير الغوص في معاجمها ، أسمع الكلمة فأسرح بفكري معها ، وقد قرأت أن الخليل أخذ معظم أسماء العلل والزحافات من أجزاء الخيمة كالوتد وغيره ، ورأيت أن الترفيل ، والتسبيغ والتذييل وكلها علل زيادة في العروض أخذت من زيادات في الثوب الذي يرتديه الإنسان .
فبدأت بالترفيل ، وعندما رأيت أن الموضوع لم يثر اهتمام أحد أردت الإقلاع عن الموضوع ، ولكنك الآن أعطيتني الدافع لأعود بسياحاتي الفكرية حول بعض مفردات اللغة ( والقائمة طويلة ) وأرجو أن تقبلوها على علاتها .
مع تمنياتي لكم بالتوفيق
صالح زيادنة

د. سمير العمري
21-01-2003, 05:01 AM
نعم بارك الله بك أخي صالح وأعانك على فعل الخير والحث عليه ....

إننا بحاجة إلى مزيد من التواصل والعمل الجاد ليكون فيما نفعل فائدة أو منفعة ولا يكون ما نفعل إلا لله خالصاً ولثوابه طلباً ...

زدنا أخي مما زادك الله ....

تحياتي وتقديري

محمود قحطان
05-05-2008, 04:37 AM
أفهم من هذا أن
قصيدة تفعيلة على بحر الكامل
يجوز أن أزيد في آخر تفعيلة لها في الشطر سبب خفيف ، هل هذا صحيح ؟

غيث شندالة
28-01-2009, 12:58 PM
ألاستاذ صالح زيادنة
بارك الله فيك و أدامك ذخرا للواحة
فلقد أستمتعت كثيرا و انت تشرح لنا معنى هذه الكلمة بأسلوبك المتميز
تحياتي لك
غيــث شندالة

بندر الصاعدي
28-09-2009, 11:40 PM
الأستاذ الشاعر : صالح زيادنة
السلام عليكم
طرح رشيق الأسلوب خفيف الصياغة عميق الدلالة وبه فهمت أن الترفيل أصل في الكامل لا دخيل عليه لأن الزيادة من أصل الوزن وهي سبب خفيف .

شكرا

راوية مجدي
31-01-2010, 11:39 PM
بارك الله فيك على هذه الافادة

نوارالسلمي
05-02-2010, 10:28 PM
الترفيل
المعنى الحقيقي لكلمة الترفيل هي لبس الثوب دون حزام ، فيُرخى ويُسبل ويطول قليلاً بعد فكّ الحزام .
الأستاذ صالح زيادنة..
شكرا لهذه الإضافة الجميلة وليتك تتابع لترسخ معاني المصطلحات...
..
وأضيف..
أن الترفيل خاص بمجزوء الكامل وليس بالتام منه..لتعويض النقص الذي نتج عن الجزء..وهنا يتقاطع المعنى الاصطلاحي مع اللغوي..
...
تحياتي للجميع..

د.عمر خَلّوف
05-02-2010, 11:20 PM
الترفيل
ولكن الحقيقة التي لم يذكرها صاحب لسان العرب هي أن المعنى الحقيقي لكلمة الترفيل هي لبس الثوب دون حزام ، فيُرخى ويُسبل ويطول قليلاً بعد فكّ الحزام ، ومن هنا يكون الخليل قد استعار هذه الصفة وهي استطالة الثوب بعد ترفيله أو إرفاله ليطلقها على تلك التفعيلة التي استطالت بعد أن زيد عليها السبب الخفيف ، وأصبحت كالثوب المُرْفَل الذي يزداد طوله بعد الترفيل فيصل إلى الكعبين بعد أن كان مُشَمَّراً ومرفوعاً بعض الشيء بفضل الحزام ، والثوب الذي يتمنطق عليه بمنطقة أو حزام لا يكون مرفلاً .
.
بحثت عما سماه الكاتب (بالمعنى الحقيقي للترفيل) فلم أجد أكثر مما جاء به اللسان والصحاح والقاموس...
فمن أين جاء الكاتب بهذا المعنى الزائد؟
علماً بأن ما فسر به العروضيون واللغويون معنى الترفيل يشتمل على المراد منه من إطالة الثوب وجرّه وسحبه على الأرض، والتبختر به...إلخ
وأزيد أخوتي هنا: أن الترفيل في العروض الخليلي لم يرد إلا في مجزوء الكامل، وذلك أن الخليل رحمه الله تعالى لم يجده في غيره في كل ما استقصاه من الشعر العربي حتى عصره..
إلاّ أن الشعراء لم يلتزموا ذلك، فرفـّلوا تام الكامل، ورفلوا (مستفعلن) في الرجز، تامه ومجزوئه.
كتب أبو العتاهية قصيدةً على تام الكامل:

للهِ درّ ذوي العقول المُشْعِباتِ=أخذوا جميعاً في حديثِ الترّهاتِ
وأما وربِّ المسجدَينِ كلاهما=وأما وربّ مِنى وربّ الراقصاتِ
إنّ الذي خُلِقتْ له الدنيا وما=فيها لنا ذُلٌّ يجلّ عن الصفاتِ

ويقول الششتري من مشطور الرجز:

قد لاحَ نورُ الحَقِّ مِنْ سِرِّ الجَلالِ
وأشرقَتْ شمسُ المَعالي والكمالِ
ودارَ كأسُ الأنْـسِ ما بينَ الرجالِ