المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امرأة ... موقف



منى العمد
24-05-2009, 11:58 AM
امرأة .... موقف
تعالت الأصوات في مقر القيادة , وأخذ 1لجنود الصهاينة يروحون ويجيئون في فرح ظاهر, يهنئ بعضهم بعضا ً, فقد نجحوا في اغتيال المجاهد الذي أعياهم وزرع الخوف في دروبهم كما غرسه في نفوسهم وقلوبهم , أعدوا له كمينا ً, ساعدهم في ذلك أبو رغال* آخر عليهم كلهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
دخل أحد الجنود فجأة ونظر إلى وجه الشهيد وقال في تخوف : أخشى ألا يكون هو !*************
قال هذه الكلمة وكأ نما فجر قنبلة في المعسكر, ودب الرعب في قلوب الجميع وانتقلت كلماته هذه بين الجنود كما تنتقل النار في الهشيم وشاع الخوف , إذا لم يكن هو فأين هو الآن ؟
ربما يخطط الآن لعملية جديدة , بل ربما يكون بيننا يحاول تنفيذ عملية جديدة , أخذوا يتلفتون حولهم في حذر يشوبه الخوف , فقد بذلوا الكثير من الجهد والوقت والمال ونصبوا له عدة كمائن حتى إذا ظنوا أنهم ظفروا به أتاهم هذا الشك فأقلقهم وأحال سرورهم إلى يأس قاتل , قال الضابط مهدئاًَ من روعهم : بل إنه هو سنأتي بأمه إلى هنا للتعرف عليه .
وأرسل عصابة من جنوده ليأتوا بأم البطل وسرعان ما عاد الجنود بصحبتهم امرأة كبيرة في السن , تمشي بقوة لا تكترث لهؤلاء المدججين بالسلاح حولها حتى وقفت قرب جسد الشهيد المسجى .
سألها الضابط وهو يكشف وجهه : هل هذا ولدك ؟؟ نظرت المرأة إلى وجه يكاد يشع منه النور, وهم يرقبونها في تخوف واضح , يتمنون أن تنهار باكية وتتعرف إلى ولدها . لكنها خيبت آمالهم جميعاً, استمدت من ضعفهم قوة ومن خوفهم عزة ثم رفعت رأسها في كبرياء وقالت : إنه ليس ولدي.
ومضت تشق طريقها بين الجنود الذين دب الذعر واليأس في قلوبهم , حتى غادرت المعسكر وقد أحدثت كلماتها فيه فوضى عارمة .
لا يمكن , قال أحد الجنود : إنه هو, إنني أعرفه جيدا ً, قالوا : بل لا يمكن أن يكون هو , أرأيت لو كان هو ألا تصرخ أمه أو تبكي أو على الأقل تنحني لتقبله , تودعه ...!!
ولكن أيمكن أن تكون بهذه القوة وتكتم مشاعرها إلى هذا الحد ؟! لقد بدت غير مكترثة .. لا يمكن .. ربما لهول الصدمة ؟؟ ربما . ولكن ألا ترى أننا نتعامل مع صنف غريب من البشر؟ ألا تذكر تلك الأم التي زغردت إذ بشرت بمقتل ولدها , إنهم يبحثون عن الموت مظانه ربما أكثر مما نبحث نحن عن الحياة.
قرروا أخيراً أن يأتوا بخاله للتعرف عليه , وجاء الخال ومشى الطريق الذي مشته أخته قبله حتى إذا كشفوا له عن وجه الشهيد انكب عليه يقبله ويبكي ويقول : في ذمة الله يا ابن أختي في ذمة الله يا ولدي . احتار الجنود , لم يفرحوا هذه المرة , بل راحوا يتساءلون : هل أنت متأكد أنه أبن أختك ؟ ثم رجعوا إلى أنفسهم هذا خاله غارق بدموعه , إنه هو لا شك في ذلك , يحاولون إقناع أنفسهم وتسكين مخاوفهم دون جدوى فنفي المرأة لا يدع لهم مجالا للشعور بالأمان , تشاوروا فيما بينهم ثم قرروا استدعاء الأم بوجود أخيها ..
وأتت الأم رابطة الجأش ثابتة الفؤاد . وفوجئت بأخيها يبكي عند رأس الشهيد . فأطرقت تغالب مشاعرها , وأدركت أن لا سبيل للاستمرار في الإنكار التفتت إلى أخيها كالمعاتبة , لماذا؟؟
شعر الضابط ببعض الارتياح لكنه قال لها : أريد أن أسألك سؤالاً واحداً فقط : لماذا أنكرت في المرة السابقة ؟؟ لم تلتفت إليه . لكنها رفعت رأسها وقالت لأخيها , سامحك الله يا أخي لماذا أبلغتهم انه هو , كنت أريدهم أن يخافوه ميتاً كما خافوه حياً.
__________________________________________________ ______
*أبو رغال هو ذلك العربي الذي دل أبرهة على طريق البيت الحرام وهو يعلم أنه ينوي هدمه , فأصبح اسمه رمزاً لكل خائن.

رشدي مصطفى الصاري
24-05-2009, 01:19 PM
وأتت الأم رابطة الجأش ثابتة الفؤاد . وفوجئت بأخيها يبكي عند رأس الشهيد . فأطرقت تغالب مشاعرها , وأدركت أن لا سبيل للاستمرار في الإنكار التفتت إلى أخيها كالمعاتبة , لماذا؟؟
شعر الضابط ببعض الارتياح لكنه قال لها : أريد أن أسألك سؤالاً واحداً فقط : لماذا أنكرت في المرة السابقة ؟؟ لم تلتفت إليه . لكنها رفعت رأسها وقالت لأخيها , سامحك الله يا أخي لماذا أبلغتهم انه هو , كنت أريدهم أن يخافوه ميتاً كما خافوه حياً




الأستاذة منى العمد
أديبة مُقِلّة في نتاجها, ثرية بعطائها, متميزة في طروحها
صور ومواقف تحمل في طياتها الكثير من أدب المقاومة الذي لايرتقي إليه سوى قلوب تداوي جراحها بالصبر والعزة
ويا عجبي من أمة ولدنا فيها من أمهات أحرار---
وأبناؤها مازالوا يدفعون أرواحهم ثمنا لتلك الحرية
مؤلم ماسطر بنانك ---والعزة والشموخ لما رسمته رؤاك في هذه المرأة العربية
قلم يخط بحرارة الدم

لمى ناصر
24-05-2009, 05:53 PM
لوحة موجعة للفقد وعدم الصراخ

أم تحمل تبعات الصمت والصورة أمامها ترتعش

من غضبة الروح... ما أصعبها من لوحة يا غالية

رسمتها بدقة الإنكسار الذي يواجهه شعبنا وأمتنا.

رائعة يا منى .

عماد أمين
24-05-2009, 07:09 PM
كنت
أريدهم
أن
يخافوه
ميتاً
كما
خافوه
حياً


وكأني بصحابيَّة تقول حكمة تبقى مدى الدهر.

كانت والله أكثر حنكة وخبرة وبُعد نظر من أخيها ومن معظم الرجال.

قصة محكمة سيدتي تمنيت فقط أنك لم تقولي ( عليهم كلهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
لأنك أظهرتِ نفسك ككاتبة، وحبذا لو قالتها هي أو الخال في ختام القصة .
أو يمكن الاستغناء عنها .

تحياتي.


هم كذلك : عليهم كلهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

منى العمد
25-05-2009, 06:28 AM
الأديب الفاضل رشيد مصطفى الصاري
جزاك الله خيرا
ولولا أمثال هذه الأم العربية المسلمة الحرة
لما كان ما كان مما سمعناه وشاهدناه في غزة
شكرا لردك الكريم

منى العمد
02-12-2009, 07:59 PM
وأنت أحسنت وصف الموقف أختي الكريمة لمى الناصر
جزاك الله خيرا
لك تحياتي ومودتي

هاني الشوافي
03-12-2009, 06:12 AM
قصة بديعة وجميلة

ورائعة

وددت لو لم تدخل كلمات اللعن في القصة

اجعليها على القارئ

شكرا لك

منى العمد
28-02-2010, 05:51 PM
الأخ الكريم عماد أمين
لك جزيل الشكر والتقدير
ملاحظتك محل تقدير
تحياتي

منى العمد
28-02-2010, 05:55 PM
الأخ الفاضل هاني الشوافي
جزاك الله خيرا
تعليقكم الكريم يقابل بالتقدير
تحياتي

هشام عزاس
01-03-2010, 08:12 PM
المورقـة / منى العمد

قصة هادفة و معبرة إلى حد كبير ، و هي لم تبتعد عن الواقع البطولي الذي يفخر به كل فلسطيني و فلسطينية ، واقع فرض روح الصمود و التحدي و المقاومة ، حتى في عيون أم مفجوعة بفقد وليدها .

سعدت بمعانقة حرفك لأول مرة و أتمنى زيارته مجددا


فقط لي ملاحظة ، أتمنى أن تأخذي بها ، و هي أن تكتبي بأسلوب الفقرة و بمحاذاة اليمين .

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

ربيحة الرفاعي
01-03-2010, 09:35 PM
القاصة منى العمد
لله در المقاومة كيف أفرزت لنا أدبا مختلفا، أدبا يتوقد شموخا في زمان الهوان
صورة أبيه لواقع لا يخلو في حقيقته من ذلك الإباء برغم اختلاط الأمر على الناس

بانتظار جديدك ودمت بألق

ابراهيم السكوري
01-03-2010, 11:31 PM
حياك الله يا منى ..
قصة محكمة االبناء ، جملية السرد ، رائعة الوصف ، نبيلة الرسالة .. شأنها شأن الشعب الفلسطيني البطل الذي يعطي العالم دروسا في المقاومة و الإبداع ..
تمنيت لو لم تصرحي ببعض الأمر في القصة و أفضل أن تتركيها للقارئ بدل أن تصدري حكمك أنت ..
مثلا قولك " الجنود الصهاينة.." ليس ضروريا فالقصة تقول ضمنا إنهم هم بلا شك ، و إذا فهم غيرهم - ولا أظن ذلك - فليكن كل مجرم يقتل الأبرياء المدافعين عن حقوقهم في اي مكان..
"وأرسل عصابة من جنوده ليأتوا بأم البطل" هو بطل فدعينا نصفه بذلك و نرفعه عاليا على هاماتنا ، ولك أن تسميه بعلم ذي رمزية تاريخية كما فعلت مع المتعاون الخائن ...
أرجو أن اقرأ ردك على هذه الملاحظة..

كل التقدير أختاه ..و دام أدبك متألقا

منى العمد
03-06-2010, 09:10 AM
الأخ الكريم هشام عزاس
سعدت بقراءة ردك
جزاك الله خيرا
ملاحظتك في محلها
لك تحياتي وشكري

منى العمد
03-06-2010, 11:54 AM
الأخ الفاضل إبراهيم السكوري
أولا أعتذر عن تأخري في التعليق على ردك الكريم
ولقد سرني ما أثنيت به على قصتي
ملاحظاتك بالنسبة للإفصاح عن نفسي ككاتبة محل تقدير
أما قولك هو بطل فدعينا نصفه بذلك , فلا أدري ماذا قصدت فيها ؟
وأنا قد وصفته فعلا بالبطل وهو كذلك , أما عن تسميته فهي فكرة حسنة
أشكرك جدا على كرم خطابك وحسن ردك
لك تحية تقدير

بابيه أمال
19-08-2012, 02:33 AM
رائع أن يجيد القاص تصوير الأحداث بكلمات تعبيرية لها من أسلوب السرد المحكم ما يضيف للصور أكثر مما ترمز له من أبعاد..

دخلت الواحة اليوم وقلبي محبط من صور الإعلام ذات اللون الأحمر القاني لأحداث الثورة.. وأقول يا ربي أين طعم العيد؟، لأجد بين طيات الصفحات هنا ما يعيد للقلب بعض قوة..

ستبق المقاومة الشريفة في يد الشعوب.. أولئك من دعموها بصبرهم وتجلدهم والقلوب منهم لا تنشد سوى الحرية..

أختي منى
لك الشكر بحجم روعة ما خطته يداك هنا من شموخ..