المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثلاثية عائد - سمير خليفة



سمير خليفة
31-05-2009, 08:46 PM
ثلاثية عائد

(1)
راشيل كوري

بقلم سمير خضر خليفة
أوفد مستر جورج من قسم التربية وعلم النفس في إحدى الجامعات الأمريكية، إلى إحدى مدارس وكالة الغوث في مخيم جنين، لدراسة أثر الحرب على سلوك الأطفال .
أخذ مكانه في قاعة النشاطات أمام حشد كبير من الأطفال وبعض الإعلاميين. بدأ يعرض صوراً أخذت لأطفال من بلاد العم سام وهم يلعبون ويمرحون في حدائق وباحات مدارسهم النموذجية . و بعربيته المكسرة التي أصر على التحدث بها دون مترجم، شرع يشرح لهم عن حقوق الطفل في الحياة والتعلم واللعب، متحدثاً عن ضرورة السلام ونبذ العنف والإرهاب . استأذن صبي بالانصراف . لم يكن اسمه بلائحة المدير التي اختارها ولقنها بعض الأسئلة وأجوبة لأسئلة مفترضة، محذرا باقي الطلاب من السؤال أو النقاش، مهددا بأن لا يقوم احدهم بالحديث إلا بإشارة منه أو من مساعده . عاد الصبي بعد فترة قصيرة حاملاً لوحة من الكرتون رفعها مباشرة بوجه مستر جورج، فامتعض و ظهرت عليه علامات الانزعاج والحيرة لما شاهده، ارتباكه الفاضح لم يترك له مجالا إلا الاعتذار عن متابعة محاضرته العصماء. مبرراً ذلك ارتباطه بموعد هام. ثم انسحب يتبعه المدير ومعاونه . استدار الفتى رافعاً لوحته باتجاه الطلاب والإعلاميين، دُهش الحضور لدى رؤيتهم صورة كبيرة لجرافةٍ "إسرائيلية" وفي وسط اللوحة صورة لفتاة أمريكية اسمها راشيل كوري ترتدي كوفية فلسطينية ،وكتب على اللوحة بخط كبير باللغتين العربية والانجليزية:

" هذه الإنسانية قالت كفى".

(2)
الجدار
زحفت أفعى إسمنتية امتدت على طول الوطن الجريح. قاطعة أوصال ارض الأجداد المتوارثة منذ كنعان الأول . لِتُخلد بالذاكرة تاريخاً جديداً كهزائمنا المتعاقبة، وليبدأ التاريخ منها. فبتنا ندون تاريخنا ما قبل الجدار وما بعد الجدار. حّول الفتية الجدار إلى لوحة إعلانات كبيرة . افرغوا عليها هواجسهم وأحلامهم الصغيرة . هنا رسم لقلب دامٍ غرست به سكين معلق على خاصرة الوطن... هناك ذكرى لأسماء رحلت أو ما تزال... رسوم لأعلام وطنية أو فصائلية... صور لشهداء.... ملصقات لمناسبات وأعياد اجتهدنا باستنساخها حتى غطت كل أيام سنواتنا. وحده هذا الفتى رسم ساعدان عاريتان ولِدا من رحم الأرض وامتدتا على الجدار الأسمنتي، تفتحانه كستارة نافذة، فينكشف المشهد عن صورة فجوة قُُطعت قضبان المعدن بداخلها، لتمر من خلالها أشعة الشمس... كَتَبَ فوقها "عائدون" .
عندما دخل المعلم غرفة الصف كان جميع الطلاب على مقاعدهم ما عدا ذلك الصبي. بعد قليل بثت المحطات الفضائية نبأً عاجلاً: " لقد تسلل فتى من خلف الجدار، ونفذ عملية في إحدى المستوطنات استشهد على إثرها ومازالت هويته مجهولة.



(3)غرباً
انقلبت حياه الصبي منذ اليوم الذي دخل والده حاملاً حمامةً مكسورةَ الجناحِِ. ليصبح المسئول الوحيد عن إطعامها والاعتناء بها، حتى استردت عافيتها وقدرتها على الطيران من جديد.
ذات مساء جلس الصبي على حافة سطح المنزل يراقب حمامته تحوم فوقه. فجأة حلقت الحمامة عالياً، وبدأت تشق طريقها باتجاه الغرب. حتى اختفت عن أنظار الصبي بين الغيوم الملونة بلون الشفق القاني . هدّأ الوالد من روع ولده مواسياً: " يا ولدي لا بد من يوم تعود به الطيور إلى أعشاشها ". عندها استبدل الصبي رسوم الحمام التي ملء بها كراريسه المدرسية، وجدران زقاق المخيم، برسوم لبيت حجري كما أخبره والده يطل من سفح تلة غرباً على بحر حيفا.

وائل راشد
01-06-2009, 06:52 PM
الأخ الفاضل سمير خليفة :
أن تتحدث عن قضية فلسطين بهذه الثلاثية "التي أعجبتني " فخر لكل الأقلام الحرة. قضية جدار العزل العنصري، وقضية العودة وكل القضايا التي تمس الوجود الفلسطيني تستحق منا كل الابداع. ألا تشاطرني الرأي بأن هذه القضايا الكبيرة التي طرحتها بحاجة الى مساحةأوسع؟ ؟؟؟ دوام المحبة والتقدير للأستاذ سمير خليفة...
ولي عودة صديقي.:nj:

مروة عبدالله
04-06-2009, 10:12 AM
أخي سمير

قصة معبرة جداً, أجمل ما فيها أنكَ أقرنتها بمثال مع البراءة والطفولة, ونظرة أمل وتفاؤل مقرونة بحزنٍ دفين, جميل ما قدمت أخي, فطبتَ برقي.
تقديري

سمير خليفة
14-06-2009, 11:01 PM
أخي سمير

قصة معبرة جداً, أجمل ما فيها أنكَ أقرنتها بمثال مع البراءة والطفولة, ونظرة أمل وتفاؤل مقرونة بحزنٍ دفين, جميل ما قدمت أخي, فطبتَ برقي.
تقديري
الكاتبة مروة عبد الله:
أسعدني مرورك الطيب على ثلاثيتي ، فليس هناك أجمل من براءة الطفولة لتحيي فينا الأمل
مع مودتي وتقديري

الطنطاوي الحسيني
17-06-2009, 05:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القاص المبدع سمير خليفة
قصص صراحة تخلق الدمع و تروي الارض القاحلة
وتفتح باب الوجع للعودة للعزة فلا عودة الا من خلال باب الاوجاع فهو موصوف
ومن لم يعرف الداء يصعب عليه الدواء
رائعات مدهشات ايها السمير
تقبل اعجابي الشديد بكل حرف فيها وتسلسلها وافكارها ووطنيتها والحلم المغروس فيها
تحياتي

سمير خليفة
18-06-2009, 08:48 PM
الأستاذ الفاضل الطنطاوي الحسيني :
شكرا لمرورك العطر على هذا العمل المتواضع مع بالغ المودة والتقدير

سعيدة الهاشمي
26-06-2009, 05:39 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفاضل المبدع سمير خليفة،

هو الدمع ينهمر من هذه الثلاثية، وهو الحزن يعتصر الفؤاد على ما يحدث في الشقيقة الغالية فلسطين

وفي العراق وغيرهما، لكن الجميل أن تجد من بين الأنين صدى بسمة أمل تحملك على الحلم بغد أفضل

وكما قلت ليس هناك أحسن من الأطفال للتعبير عن هذا الأمل.

احترامي وتقديري.

هيثم السليمان
27-06-2009, 10:44 AM
أخي سمير
ثلاثية أسقطت قناع الزيف والخداع
ورسمت صوراً حقيقية لواقع سيتغيّر إن شاء الله
شكراً لك

لمى ناصر
27-06-2009, 10:56 AM
لعل لغة الأطفال تسمع الصمم


ولكن ....لمتى سنتقن فن اللعبة الصامتة؟؟


ومضات جميلة كتبت بدماء أطفالها ورسوماتهم

التي أغتيلت قبل المولد.


شكرا لك وللوطن.

سمير خليفة
03-07-2009, 09:45 PM
الاخت الفاضلة سعيدة الهاشمي :
اشكر لك هذا المرور الكريم على صفحتي ويبقى الاطفال هم الامل لامتنا وقضايانا
مع خالص مودتي

سمير خليفة
03-07-2009, 09:50 PM
الأخت الفاضلة لمى ناصر :
شكرا لمشاعرك النبيلة مع خالص مودتي

سمير خليفة
03-07-2009, 09:59 PM
الأستاذ الفاضل هيثم السليمان :
ألأقنعة تخفي خلفها الوجوه القبيحة والكلمة الجريئة كفيلة بكشف الحقيقة
شكرا لمرورك العطر

د. سمير العمري
09-09-2013, 08:26 PM
أجدني أشكر لك هذا الحرف الراصد للحالة في الوطن الحبيب وهو وإن كان يحتاج بعضا أكثر من الأسلوب الأدبي إلا أنه تميز بالفكرة الراقية وبالطرح المعبر وبالذكاء الموضوعي ولم يخل من ألق أدبي.
دمت سامقا!

تقديري

ربيحة الرفاعي
01-10-2013, 09:45 PM
ثلاثية سامية الهدف موفقة بمحمولها الفكري وقالبها القصّي
تحتمل بزعمي بعض اشتغال لتألق

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
16-01-2014, 10:09 PM
قصة جميلة حزينة مؤلمة
إنها قصة فلسطين الجريحة بلون البراءة


شكرا لك

بوركت

ناديه محمد الجابي
09-09-2020, 05:54 PM
بسرد شائق وأداء ماتع قدمت لنا ثلاثية قصصية عن فلسطين
فأوصلت أفكارا موجعة حد القهر في إطار قصي نابض بالألم
ولكنك بينت أن الأطفال هم الأمل في غد أفضل.
أبدعت وأكثر.
:v1::001: