تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : // شرخ في جدار الروح //



فدوى يومة
04-06-2009, 06:09 PM
مدخل
كل حي يصبح ميتا حين يصبح الزمن لديه مجرد عكاز يتكئ عليه خوفا من السقوط


ذات ليل بعيد مضى يحتسب فيه ساعات من عمره الفائت
سألته عنه، فأجاب :مازلت أتنفس.
سألته: أيعقل أن تتنفس فقط لتطيل البقاء أكثر؟
فابتسم ولم يجب
ومضى الزمن يجر معه بعضا مني وبعضا منه، مضى يجر معه بعضا من ذكريات حينا القديم،أختي تلعب بدميتها في شرود ،وأنا أرسم في الفراغ قوس قزح،أخي يمحي ما رسمت في يقظة سرعان ما تنتهي بصوت أمي الناهي:ألن تكفوا عن اللعب !!
وفقيه الحي يردد:
الله أكبر الله أكبر
أبي يمر من حديقة منزلنا الخالية من الزهور ،فوق الطين العائم تحت بعض الماء يحاول أن لا يفقد توازنه وهو يخطو من حجر لأخر كي لا يعلق الطين بحذائه ،يدس في جيب سترته وردة حمراء أهديتها له في ميلاده الخمسين قبل وفاة الوردة بعشرين سنة ،يعبر سياج المنزل نحو الجامع الكبير
وفقيه الحي يردد:
حي على الصلاة حي على الصلاة
وأطفال الحي يلعبون في هدوء،ونسوة الحي يتهامسون ،يضحكون
وفقيه الحي يردد :
حي على الفلاح حي على الفلاح
وتكثر الأرجل الحائرة على عتبة مسجدنا،سلمى تبتسم لقوس قزح ،تقتطع منه لونا لتطعم به أختها الصغرى
تبتسم أختها في فرح طفولي ،وتختفي كما اختفى قوس قزح من قبل.
وفقيه حينا يردد:
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
يعبر أبي سياج منزلنا و يسألنا في غضب:ألن تدخلوا الجامع !!
يضع حذائه بين يديه ويخطو بيمينه للداخل،وأنا مازلت أرسم قوس قزح،وما زال أخي يمحي ما رسمت ،وما زالت أمي تصرخ فينا في ملل ،وسلمى مازلت تمد يدها نحو قوس قزح الشبه المختفي في الفراغ، وأختها تعاند لأجل البقاء، ونسوة الحي خففن من ضحكاتهن ،وفقيه الحي يردد:
قد قامت الفلاح قد قامت الفلاح
أسرع فيسرع خلف الجميع موسم من حصاد لن يقطف
وصوت الفقيه يصاحبني:
الله أكبر الله لأكبر
لا حول ولا قوة إلا بالله
فيدخل الحي في سيمفونية صمت تطول لدقائق عدة، قبل أن يتغلب الضجيج عليها من جديد
سلمى تسألني في شبه همس:
أيمكنني أن أصلي معك في المرة المقبلة؟
أبتسم لها فتبتسم بالمثل،تجلس على إحدى الدرجات تراقبك ،وأنت تجلس على كرسي مصنوع من خشب مهترئ،تراقب كل ما يحدث أمامك كـ هي
تسألك أمي: أأتيك بكأس شاي؟
تبتسم ،فأكف عن اللعب،فليس هناك أجمل من كأس شاي مع قطعة حلوى مذاقها كـ أمي ..
تحضر أمي معها صينية الشاي ،تجلس بجانبك على كرسي خشبي فقد أحد قوائمه،فأفقدها القدرة على الجلوس بهدوء عليه ،تضل تراقبه بين الحين والحين مخافة السقوط
تبتسم أنتَ وابتسم معك ،نهزها فتصرخ بنا أن نكف على فعل ذلك فنكف،سلمى تبتسم ببلاهة ،تمد يدها باتجاه أمي فتبعدها ،فتمد يدها نحوك تخيفك بأصابعها النحيلة ،تدعي الخوف منها وتظل تخيف الجميع حتى هي،
استغرب منها كيف تجعل لها لحظات خاصة بها حتى عندما نكف عن رؤيتها.
تضحك سلمى بصوت مسموع يوقظ قطتنا السوداء النائمة على سياج المنزل، نصفها معلق في الفراغ ونصفها تلصقه بالسياج،تنضر نحونا في مللـ ،تجر جسدها وتجلس عند قدم أمي ،ترمقها أمي بتلك النظرة تخيفها بها كما تفعل بنا سلمى، فتمضي من أمامها لتجلس عند قدميك،تقدم لها قطعة حلوى، تلعقها وتبتعد عنها. أذكرك أن القطط لم تعد تأكل الحلوى وقطع الخبز اليابس .
فتسألني بصوت حزين:ومتى كفوا عن فعل ذلك ؟
أجيبك :مند كففنا عن أكله الخبز اليابس بالمثل
تسألك أمي بهمس:هل سترحل غدا ؟؟
ترقب الفراغ وعيون سلمى العالقة بك،تمسك كأس الشاي بيدك وتبتعد
تسألني أمي في حزن:أأخطأت بالسؤال؟
أربت على كتفها ،أمسك بيدها أقبلها وأمضي خلفك،عيونك مازالت تراقب الفراغ..
أتذكر قبل رحيلك بزمن
سألتك إن كنت ستكون بخير؟
أجبتني ستكون كذلك فالحياة رحلة بحث وعليك أن تبحث عما حسبت أنه ضاع منك،
وفي أعماقي كنت أذرك أنك لن تكون بخير.
فليس لكل رحيل مسافات
ولا لكل واقف ساقان.




مخرج
كل ميت يصبح حيا حين نطيل التفكير فيه في السر والعلن

فدوى يومة
04-06-2009, 06:12 PM
همسة
ضحى بوترعة
أتمنى أن لا تعاتبني الفاضلة ضحى على استعمال سطريها كخاتمة لهذا الشرخ في جدار الروح

"ليس لكل رحيل مسافات
ولا لكل واقف ساقان.........."

د. نجلاء طمان
04-06-2009, 09:59 PM
هذه الحكائية المتشحة بثوب الخاطرة جاءت تحكي موقفًا من قلب الحياة ولو كان خط الحكاء اتصل فيها وظهر لكانت قصة تحتاج لحبكة نهائية لتتألق. لكنها تبقى حكائية خاطرية أو خاطرة حكائية- مهما يكن الاسم- أسعدنا التجوال في أعماقها.

ملحوظة:

لن تغضب ضحى أظن ما دمتِ نوهتِ عن انتساب السطرين لها.

ولم أفهم هذه العبارة :

قد قامت الفلاح قد قامت الفلاح

أظنكِ قصدتِ حي على الفلاح!

تقديري لحسكِ المرهف.

ثائر الحيالي
04-06-2009, 10:15 PM
مدخل
كل حي يصبح ميتا حين يصبح الزمن لديه مجرد عكاز يتكئ عليه خوفا من السقوط


الاستاذة فدوى يومة


توقفت طويلا عند مدخل النص..

وجدت في ما يغني عن اي كلام..!

سلمت..وسلم الق مدادك


محبتي

شريفة العلوي
06-06-2009, 05:05 PM
مدخل

أجبتني ستكون كذلك فالحياة رحلة بحث وعليك أن تبحث عما حسبت أنه ضاع منك،
وفي أعماقي كنت أذرك أنك لن تكون بخير.
فليس لكل رحيل مسافات
ولا لكل واقف ساقان.




مخرج

كل ميت يصبح حيا حين نطيل التفكير فيه في السر والعلن





الأديبة المبدعة المتميزة فدوى يومة
وجدت دفئا مغايرا وجمالا دفاقا غارقا في هذه الصفحة ووجدتني أتقلب على جمر الإبداع كما وجدت كل ادوات القلب هنا وكأن النبضات كان لها صوت المطرقة والعيون تومض ببريق يحمل مغزى العثور على ذات كانت ضائعة في صحراء التيه قبل ان تستدل آهاتها الى محطة تنهي مسار اللهاث وكان ما كان من جرعات حكم ورجرجة غيمات صيف ممطرة وإمتلاء الروح بقناعة صفية شافية ..
دمت ومازلت تبهرينني ..

شيماء وفا
07-06-2009, 08:56 AM
مخرج

كل ميت يصبح حيا حين نطيل التفكير فيه في السر والعلن

الميت هو من رحل عنا بجسده , والتفكير فيه إحياء مستمر لروحه فكيف يرحل عنا من نتذكره دائما . دائما ما يُفؤقنا الموت لكن غالبا منظل مُتصلين بهم عَبر ذكراهم وذكرياتنا معهم
عـزيـزتـي فدوى
لكِ خالص تحياتي

فدوى يومة
08-06-2009, 05:04 PM
هذه الحكائية المتشحة بثوب الخاطرة جاءت تحكي موقفًا من قلب الحياة ولو كان خط الحكاء اتصل فيها وظهر لكانت قصة تحتاج لحبكة نهائية لتتألق. لكنها تبقى حكائية خاطرية أو خاطرة حكائية- مهما يكن الاسم- أسعدنا التجوال في أعماقها.
ملحوظة:
لن تغضب ضحى أظن ما دمتِ نوهتِ عن انتساب السطرين لها.
ولم أفهم هذه العبارة :
قد قامت الفلاح قد قامت الفلاح
أظنكِ قصدتِ حي على الفلاح!
تقديري لحسكِ المرهف.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العزيزة نجلاء
واسعدني تواجدك فيها وأكثر
عن العبارة
قد قامت الفلاح قد قامت الفلاح
قدأخطأت فيها و أيضا قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وأشكرك لأنك انتبهت لها
امتناني لهذا التواجد العطر

فدوى يومة
08-06-2009, 05:06 PM
مدخل
كل حي يصبح ميتا حين يصبح الزمن لديه مجرد عكاز يتكئ عليه خوفا من السقوط


الاستاذة فدوى يومة


توقفت طويلا عند مدخل النص..

وجدت في ما يغني عن اي كلام..!

سلمت..وسلم الق مدادك


محبتي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذي الفاضل ثائر
عندما يتساوى الحي مع الميت ماذا يبقى؟
اسعدني ان اجدك هنا
سلمت من كل شر وحماك ربي
تقديري وامتناني لهذا التواجد العطر

فدوى يومة
08-06-2009, 05:12 PM
الأديبة المبدعة المتميزة فدوى يومة
وجدت دفئا مغايرا وجمالا دفاقا غارقا في هذه الصفحة ووجدتني أتقلب على جمر الإبداع كما وجدت كل ادوات القلب هنا وكأن النبضات كان لها صوت المطرقة والعيون تومض ببريق يحمل مغزى العثور على ذات كانت ضائعة في صحراء التيه قبل ان تستدل آهاتها الى محطة تنهي مسار اللهاث وكان ما كان من جرعات حكم ورجرجة غيمات صيف ممطرة وإمتلاء الروح بقناعة صفية شافية ..
دمت ومازلت تبهرينني ..

العزيزة شريفة
وكم من ذات حائرة في فراغ هذا الكون أيتها العزيزة لا نحن حررناها ولا نحن تركناها كما هي
للسعادة طعم أخر لتواجدك هنا
شرف لي ان تهتم أديبة مثلك بحرفي
دمت بسعادة وحياة

فدوى يومة
08-06-2009, 05:15 PM
الميت هو من رحل عنا بجسده , والتفكير فيه إحياء مستمر لروحه فكيف يرحل عنا من نتذكره دائما . دائما ما يُفؤقنا الموت لكن غالبا منظل مُتصلين بهم عَبر ذكراهم وذكرياتنا معهم
عـزيـزتـي فدوى
لكِ خالص تحياتي[/center]
العزيزة شيماء
إنهم لا يرحلون أيتها العزيزة فهم ساكنون فينا ومهما حاولنا ابعادهم عن تفكيرنا يغرسون فينا من جديد
احيانا لا يكون الموت في ضم الجسد للقبر فحسب لأن الحي يفقد حياته حين يضع حد فصل بينه وبين من يحب
امتناني لك وتقديري

لمى ناصر
08-06-2009, 06:08 PM
هم باقون هنا في أرصفة

ذاكرتنا...نزرعهم من جديد وتضخ الحياة

بنبضهم عندما نتكلم عنهم.... ما زالوا مقيمون

في أوردتنا.. نبض رائع أيتها السامقة.

فدوى يومة
11-06-2009, 09:07 PM
هم باقون هنا في أرصفة
ذاكرتنا...نزرعهم من جديد وتضخ الحياة
بنبضهم عندما نتكلم عنهم.... ما زالوا مقيمون
في أوردتنا.. نبض رائع أيتها السامقة.

العزيزة لمى
كذلك هم أيتها العزيزة لا يتركون ربوع الذاكرة
فهم فيها موجودون على الدوام حين الحضور والغياب
أسعدك ربي
وشكرا لهذا المرور العذب كأنت
تقديري لك وامتناني

د. سمير العمري
01-07-2009, 06:00 PM
بين المدخل والمخرج رأيت إبداعا أدبيا أراه استقر بين النثر وبين القصة ، ولكن الذي شدني هو هذا الحرف البارع والأسلوب المميز والذكاء الكبير.

يكفيني شحصيا ما بهرني من مدخل ومخرج وأوافقك عليهما جدا.

أحسنت وأبدعت.

أهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.



تحياتي

هشام عزاس
01-07-2009, 11:40 PM
المورقة فدوى

هي ذكريات تعيد تشكيل ملامح و مواقف , نعيشها بصدق احساس حتى نخالنا نحياها من جديد , و لا سيما إذا ارتبطت بمواسم تعلق في الذاكرة كوشم بدل رسم .
صباح العيد ذلك اليوم الذي كنا ننتظره بشغف و نحن صغار يحملنا على ألوان قوس قزح و يسلب النوم من عيوننا , تلك الأيام التي لا تنسى أبدا لأنها محفورة في وجداننا و طافية على متخيلاتنا حتى و إن تقدّم بنا العمر و تغيرت نكهة الأشياء .
بإحساس فريد رسمتِ صورا تتحرك و روائحَ تنبعث و أصواتَ تُسمع وكأنّ الزمن لم يتقدم خطوة واحدة و هنا تكمن لذة و روعة الاسترجاع .

نص صادق عشتُ معه بكل جوارحي

على لسان إخواننا في مصر ( تعيشي و تفتكري ... )

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

سعيدة الهاشمي
02-07-2009, 02:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

المبدعة فدوى،

في كل مرة أقرأ لك فيها حرفا أتيقن أكثر أنك تشبهين مبدعة عرفتها، نفس اللون ونفس الإبداع، وسير على

تقاسيم المدينة والوجوه وتعريج على سكان الحي وعلى فقيه الحي، كل هذا قرأته يوما في كتابات أخرى.

ربما هو وهم لكن و إن كان سيكون أجمل وهم.

مزج رائع بين الحالة وما يجري في الواقع، وحرف جميل ذكي.

الرائعة فدوى يكفينا المدخل والمخرج لنعرف مدى جمالية فكرك وحرفك.

دمت بإبداع، تحيتي ومودتي.

آمال المصري
17-07-2013, 08:17 PM
بين المدخل والمخرج كانت حكائية جميلة من الذاكرة عشت معها أتنفس كل التفاصيل وأنتقي الحكمة من بين السطور
ثرة المضمون بديعة اللغة
بوركت أديبتنا الفاضلة واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

زهراء المقدسية
18-07-2013, 12:48 PM
شرخ في جدار الروح يعلن بداية الموت رغم الحياة

العزيزة فدوى
طال غيابك ونفتقدك بحق أرجو من الله أن تكوني بخير وعافية
ورمضان كريم

ربيحة الرفاعي
25-05-2014, 07:28 PM
خاطرة جميلة بقالب حكائي شائق ومحمول حسّي ملفت
عازها شئ من المراجعة لضبط ما شابها من عثرة أظن السرعة كانت وراءها

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
04-05-2015, 07:36 AM
عندما يتصدع جدار الروح تتغير معالم الأيام وتسير متكئة على قلوبنا حتى تثكلها ألما
بوح جميل رغم وجعه بإحساس عميق ورهيف
بوركت وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
15-11-2017, 04:52 PM
خاطرة أدبية حكائية مائزة الحرف بليغة التعبيربأسلوب تصويري مائز جميل
حمل بين المدخل والمخرج المشاعر قوية غامرة
الحنين لمن رحلوا يبقى يعشش في القلوب
يرحلون وتبقى ذكراهم ـ يحملوا قلوبنا معهم لنبقى بعدهم بلا قلوب
أعبر عن إعجابي الشديد
شكرا لإبداعك.
:011::006::003: