المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كوخ وخيمة



أحمد الرشيدي
19-06-2009, 10:21 PM
كوخ وخيمة


أُغْمضُ جفني مرةً تِلْوَ مرة أَمْتري* النومَ عله يقطر غفوةً ، فكان الجفنُ في كلِّ غِمْضٍ صفحةً إثر أخرى كتبتُهنَّ صمتا منذ أنْ عرفتُ اللغة .

أيتها الصفحاتُ ليتكنَّ أضغاثُ أقلامٍ ، فلا يُرى من أثركن شيءٌ حين أفزعُ إلى القلم لا حبا فيكن ، ولكن لأرحمَ عينيَّ منكن .

يا ظلَ ألمي ، ونور أملي ، وصَوْبَ فكري ، وصدى نبضي ، أما علمتَ أنك في عينيها شيخٌ هرٍمٌ لك على السطور دَبيبٌ ، وكلما جاوزتَ سطرا نحوها ازدادتْ منكَ نفورا ، ومَنْ يدري لعلها تتصورك في ثيابٍ رثَّةٍ ، وعِمَّةٍ أكل الدهر عليها وشرب ، ولحيةٍ غَبِرَةٍ كثَّةٍ !

قد كتبتَ ثم كتبتَ ، فكان ماذا ؟ تلك منازلُكَ دوارسُ ، أيا قلمي نحن في زمن المادة والعُجْمة ! دراهمُ معدودةٌ تُقوِّضُ ناطحاتِ الخيالِ ، وتُغوِّرُ مناهلَ الفكرِ ، وتُخْرِسُ الأوتارَ ، كنتَ يا قلمُ مِنْ قبلُ مِنْ قلبٍ إنسانٍ بريشةِ طيرٍ على جلدِ حيوانٍ و لِحافِ شَجَر ، كلُكَ حياة ، والآن انظرْ إلى نفسك كلُكَ جمادٌ في جمادٍ .

على أيِّ سطرٍ ستعزفُ يا قلمي ، وصنَّاجةُ العربِ نسيبُهُ يَصُكُّ سمعَ هذا الزمن ، وحِكَمُ زُهيرٍ في مَنْطقٍه هَرْطقاتُ ، وعِفْةُ عنترةَ في طبعه شذوذٌ ، بل هم من النكراتِ في زمنٍ أمسى الأدبُ فيه لعابر السرير ْبعدِ أنْ يَسْتَعِجمَ لبُّهُ وقلبُهُ ولسانُه .

أين منكَ الأدبُ والحبُ مادمتَ عربيا ، ليلاكَ لا يَستهويها إلا نزاريُ الهوى ، باريسيُّ الملامحِ والعطر ، ذَلِقُ اللسانِ يُمطرُها بأقوالِ شكسبيرَ وأحفادِه ، مُتأنِّقٌ في رَبْطةِ عُنقِهِ وحذائِه ، يَحمِلُها على فارِهَةٍ ، ليُسمعَها موسيقا ليس فيها آلةٌ شرقية ، ويهديَها وردةً حمراءَ مستوردة ، ولِيَجوبَ بها كلَّ ذي نجومٍ سَبْع .

فُنِّدَتْ دلائلُ الحُبِّ ، الرجالُ أصفارٌ دونَ بَهْرجِ مالٍ أو جاه ، والحُبُّ حرْبٌ ، غايتُهُ السَّلْبُ ، ووسيلتُهُ مَكْرُ الثعالبِ وتَلَوُّنُ الحِرْباء ، انقضى زمنُ الدمعِ يا قلمي أصبحَ ضعفا وخورا ، انقضى زمنُ السهرِ والوفاءٍ أصبحا هدرا للأعمار ، انقضى زمنُ الحبِ يا قلمي جميلٌ دميمٌ ، وقيسٌ مجنونٌ حقا .

ليتَني مِنَ المهد إلى اللحد في كوخٍ مِنْ حولي نُخيلاتٌ ودجاجات ، أزرع بساعدي ، وأَمَةٌ سوداءُ عجوزٌ تَخْبِزُ وتَكْنُسُ ، الحَقْلُ كوكبي : مِحرابٌ ومَنْجَمٌ ، وملعب ومَخْدَع ... ، أو في خَيْمةٍ سقفي الغمامُ وبُسُطي الرياضُ ، عطري الخُزامى ، ومَطعمي من مِخْلبِ صقر ، ومشربي من ضَرْع شاة ، لياليَّ سراجُها البدر، وموسيقايَ نسائمُ الفجر ...

آهٍ منكَ يا قلمي وآه منك يا زمني ، ليتَني أنامُ فلا أصحو .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
* مَرَيْتَ النَّاقة : إذا مسحْتَ ضرعها باليد لِتَدُرَّ .

حسنية تدركيت
19-06-2009, 10:41 PM
سأظل هنا صامتة أتأمل الحروف وهي تنساب من عمق الألم كي تنسج أملا سيرافق إبداعك دائما وأبدا
ولعلني أتعلم بعضا من هذا الجمال فأتقنه يوما ما ...تقبل مروري المتواضع وجزاك ربي الجنة

مروة عبدالله
24-06-2009, 11:31 AM
آهٍ منكَ يا قلمي وآه منك يا زمني ، ليتَني أنامُ فلا أصحو .

صدقت هنا كثيراً كاتبنا أحمد الرشيدي, فها هو وجع الأيام يغرقنا في حبر القلم لتنسكب مدامعنا وقهرنا على ورقة الحياة لنغرق فيها وفي دواماتها, جميل حرفكَ ومعبر, تقبل مروري.

تقديري

هشام عزاس
26-06-2009, 12:02 AM
الأديب أحمد الرشيدي

اللجوء إلى الطبيعة و اعتبارها ملاذا يحررنا من قسوة الواقع و المفاهيم السائدة هو رجوع إلى طبيعة الإنسان رجوع إلى الزمن الجميل رجوع إلى البساطة الخالية من تعقيدات الحضارة و رؤى المادة التي طغت على كل شيء .
يصدمنا الواقع تارة و رؤانا المثالية تارة أخرى لذلك لا بد من أن نجد صيغة تفاعلية بين الأمرين كي لا ننهار في الأخير .

دمت بخير ...

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

لمى ناصر
26-06-2009, 11:16 AM
تأوهات على زمن الجراح....يتحمله بياض الورق

ونبض حائر في زمن القهر والإنكسار...

ملامح غائبة خالجها شعور جميل لعودة ما كان.

فلنصنعه بحرف العطاء لنقيم على ضفافه.

بوح رائع أيها الندي.

أحمد الرشيدي
26-10-2009, 09:08 PM
سأظل هنا صامتة أتأمل الحروف وهي تنساب من عمق الألم كي تنسج أملا سيرافق إبداعك دائما وأبدا
ولعلني أتعلم بعضا من هذا الجمال فأتقنه يوما ما ...تقبل مروري المتواضع وجزاك ربي الجنة

أختي الموقرة الأستاذة الأديبة حسنية تدركيت

بل ليت محاولتي تليق بمرور من هو مثلك علما وأدبا وتواضعا

وإني مدين لك باعتذار على تأخر ردي ، فالعذر منك ، وكل الشكر لك مني

حرسك الله ، ورفع قدرك في الدارين

ناريمان الشريف
26-10-2009, 09:50 PM
فُنِّدَتْ دلائلُ الحُبِّ ، الرجالُ أصفارٌ دونَ بَهْرجِ مالٍ أو جاه ، والحُبُّ حرْبٌ ، غايتُهُ السَّلْبُ ، ووسيلتُهُ مَكْرُ الثعالبِ وتَلَوُّنُ الحِرْباء ، انقضى زمنُ الدمعِ يا قلمي أصبحَ ضعفا وخورا ، انقضى زمنُ السهرِ والوفاءٍ أصبحا هدرا للأعمار ، انقضى زمنُ الحبِ يا قلمي جميلٌ دميمٌ ، وقيسٌ مجنونٌ حقا .


أخي الكريم
سلام الله عليك ..
وصفت فأبدعت .. زمن غريب .. وأمر عجيب
لم يعد ما كان كما كان !!
انقضت أزمان .. زمن الدمع .. وزمن الوفاء .. وزمن الحب
يحق لك بعد كل هذا أن تعتذر لقلمك

أشكرك .. امتعتني




..... الى هنا
مع تحياتي ... ناريمان الشريف

فاطمه عبد القادر
27-10-2009, 11:47 AM
قد كتبتَ ثم كتبتَ ، فكان ماذا ؟ تلك منازلُكَ دوارسُ ، أيا قلمي نحن في زمن المادة والعُجْمة ! دراهمُ معدودةٌ تُقوِّضُ ناطحاتِ الخيالِ ، وتُغوِّرُ مناهلَ الفكرِ ، وتُخْرِسُ الأوتارَ ، كنتَ يا قلمُ مِنْ قبلُ مِنْ قلبٍ إنسانٍ بريشةِ طيرٍ على جلدِ حيوانٍ و لِحافِ شَجَر ، كلُكَ حياة ، والآن انظرْ إلى نفسك كلُكَ جمادٌ في جمادٍ .



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صدقت أيها الرشيدي العزيز ,,لأن الأمية تزداد عندنا يوما بعد يوم ,,وصلت حدا ينذر بما هو أسوء
والجهل سبب كل المصائب ,,والجهل سببه الفقر ,,والفقر سببه السياسات المتخلفة ,,وهذه الأخيرة سببها تسلط الدول الكبرى على الصغرى ,,والتسلط سببه الأطماع
لكن فوقهم جميعا الله الذي نعبد ,,والذي سوف يتدبر كل أمر
هون عليك وكن بخير
ماسة

سحر الليالي
27-10-2009, 10:26 PM
الفاضل القدير [ أحمد الرشيدي ]
:
ولمثل حرفك يا أحمد ننصت ..ونعجز عن الرد..
أقرأ لكثيرين ولكن القلة منهم لهم في الذاكرة أرشيف زاخر بالابداع والدهشات وأنت منهم يا أحمد ..

سلمت ودام حرفك يدهشنا ببديع بذخه
لك خالص احترامي وتقديري وتراتيل ورد.

عبد الرحمن الكرد
28-10-2009, 02:49 PM
الرشيدي
آهٍ منكَ يا قلمي وآه منك يا زمني ، ليتَني أنامُ فلا أصحو .

هو الرجوع الى البساطه والهروب من
روتين الحياه العصريه القاتل الى الفضاء الرحب
تحياتي

زهراء المقدسية
30-10-2009, 09:28 PM
آهٍ منكَ يا قلمي وآه منك يا زمني ، ليتَني أنامُ فلا أصحو

لا يا سيدي الكريم

من مثلك لا يجب أن ينام ويطيل النوم

فأمامك مهمة للرجوع الى الزمن الجميل الذي تريد ونريد
زمن الوفاء والصدق والحب
بعيدا عن الكذب والزيف والخداع

لا تجعل أقلامهم المسمومة تنفث سمومها
قاومها وحاربها
واجعل من قلمك الحر سلاحك

تحية اليك والى قلمك

د. سمير العمري
13-09-2012, 04:23 PM
يا لك من أديب لا يشق له حرف ولا ينافس له قلم!

نص سامق بأسلوب فاره فلا عدمت اللغة هذا الحرف الماتع!

هذا وننتظر دوما تفاعلك ومشاركاتك المائزة مع مواضيع الأدباء في الواحة.

دمت بكل الخير والرضا!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير!


تحياتي

سامية الحربي
14-09-2012, 04:30 AM
على أيِّ سطرٍ ستعزفُ يا قلمي ، وصنَّاجةُ العربِ نسيبُهُ يَصُكُّ سمعَ هذا الزمن ، وحِكَمُ زُهيرٍ في مَنْطقٍه هَرْطقاتُ ، وعِفْةُ عنترةَ في طبعه شذوذٌ ، بل هم من النكراتِ في زمنٍ أمسى الأدبُ فيه لعابر السرير ْبعدِ أنْ يَسْتَعِجمَ لبُّهُ وقلبُهُ ولسانُه .

وقفت هنا أسترق الحرف و استشف العبرة فمكث طويلاً .الشاعر أحمد الرشيدي شكراً على هذه المندوحة السامقة . تحيتي وتقديري.

كاملة بدارنه
14-09-2012, 08:37 AM
[QUOTE]أين منكَ الأدبُ والحبُ مادمتَ عربيا ، ليلاكَ لا يَستهويها إلا نزاريُ الهوى ، باريسيُّ الملامحِ والعطر ، ذَلِقُ اللسانِ يُمطرُها بأقوالِ شكسبيرَ وأحفادِه ، مُتأنِّقٌ في رَبْطةِ عُنقِهِ وحذائِه ، يَحمِلُها على فارِهَةٍ ، ليُسمعَها موسيقا ليس فيها آلةٌ شرقية ، ويهديَها وردةً حمراءَ مستوردة ، ولِيَجوبَ بها كلَّ ذي نجومٍ سَبْع .

فُنِّدَتْ دلائلُ الحُبِّ ، الرجالُ أصفارٌ دونَ بَهْرجِ مالٍ أو جاه ، والحُبُّ حرْبٌ ، غايتُهُ السَّلْبُ ، ووسيلتُهُ مَكْرُ الثعالبِ وتَلَوُّنُ الحِرْباء ، انقضى زمنُ الدمعِ يا قلمي أصبحَ ضعفا وخورا ، انقضى زمنُ السهرِ والوفاءٍ أصبحا هدرا للأعمار ، انقضى زمنُ الحبِ يا قلمي جميلٌ دميمٌ ، وقيسٌ مجنونٌ حقا . [/QUOTE
أحسنت وأبدعت في التّصوير والتّعبير أستاذ احمد عن مشاعر المارقين التي يقدّمونها لمن يدّعون أنّها الحبيبة، ولكنّها كالعلكة يمضغها وقتا قليلا حتّى زوال حلو الطّعم، ويلصقها على جذع شجرة في حديقة نزقه وغراميّاته ليتباهى بعدد ملصقاته تلك!
قذفنا بكلّ القيم والمشاعر الصّادقة في بحر الوخامة، ورحنا ننتشل الزّيف من آبار من يكنّون لنا العداوة
بورك بهاء الحرف وطهر القلم
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
15-09-2012, 04:12 AM
الرائع أحمد رشيدي

نثرية بديعة رسمت صورها بعناية ونسجت حروفها بتمكن فكانت أنهمارا للجمال

أهلا بك في واحتك

تحاياي

وليد عارف الرشيد
15-09-2012, 12:07 PM
نصٌ باذخٌ وشاعر وأنيق وصادق
تألقت اللغة وزهت المشاعر رغم الشجن
دمت مبدعًا ودام لك اليراع النازف جمالا
مودتي وكثير تقديري

ناديه محمد الجابي
05-04-2020, 01:52 PM
لا أملك امام صدق وروعة ما أقرأ سوى المكوث بصمت
بوح يدعو إلى التأمل بحرف أنيق، ونبضات راقية
نثيرة تدفقت بالمشاعر، وصرخة حق في وجه الكذب والزيف والخداع.
بورك الحس والحرف.
:v1::001: