تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مــــــســـــرح



هيثم السليمان
21-06-2009, 05:40 PM
مــــــســـــرح




رُفعَ الستارُ ، وضجت القاعةُ بالتصفيقِ والصفيرِ، وتعالت الأصواتُ لتشكلَ هالةً من الصدى المنعكسِ في أرجاءِ القاعةِ المكتظّةِ بالأشخاصِ ؛ المتشابهيَن بالأصوات، المتباعدينَ بالأحلام ، فهم لم يعتادوا الاجتماعَ من قبل، لكنَّ المسرحَ اليومَ احتضنهم ، وانتشلهم من غبارِ السنين التي قضوها على أرصفةِ النسيانِ ، وشوارعِ الحرمانِ .
إنّه العشقُ الأبدي الذي طالما حلموا به وانتظروه طويلاً ، لقد جاءَ إليهم أخيراً لينتشلهم من زمانِ اللازمانِ ، ومكانِ اللامكانِ ، وواقعِ اللاواقع ِ .
إنّه الهدايةُ المنتظرةُ ، والحياة ُ التي بكوا بنجيعِ قلوبهم ليحيوها ... إنّه المسرحُ ... الحياةُ ..
هدأَ الجميعُ ، وحلَّ الصمتُ في أروقة القاعة بانتظار الممثلينَ الذينَ طالما حلموا بلقائهم ، ومصافحتهم ومبادلتهم عباراتِ الحبِّ والاحترامِ ، وأخذِ التواقيعِ منهم على دفاترِ الصمتِ .
كانت العيونُ تترقبُ هؤلاءِ الملائكةِ الذين نذروا حياتهم من أجلِ أن يرسموا البسمةَ على وجوهٍ تساقطتْ هياكلها من شدّةِ الوهن ِ .
هؤلاءِ الذين ارتقوا بأنفسهم إلى عالم الأحلامِ ، ليجعلوا الدنيا في أيديهم شريطَ " سلفان " ملونٍ ينشرُ أطيافهُ على مدن الضبابِ الداخلةِ في غياهبِ الواقعِ .
هذه اللحظةُ التي كانوا توّاقيَن إليها منذُ زمنٍ بعيدٍ ، زمنٍ رسمَ بريشته أروعَ مشاهدِ الأسى الممتزجِ بروعةِ الحرمانِ ... هذه اللحظة التي ستنتشلهم من الصمتِ لتضعهم في سيمفونيةِ البلابلِ الشاديةِ .
إنّها اللحظةُ الحاسمةُ ... دخلَ الممثلونَ بأزيائهم الراقية ، وأشكالهم الملائكيّة ، وعيونهم تبرقُ .. تبرقُ بشـدّةٍ ، وشفاههم توزّعُ البسمـات ذاتَ اليمينِ وذاتَ
الشمالِ ... لكنّهم لم ينحنوا للجمهورِ كما هي العادةُ أثناءَ دخولِ الممثلينَ إلى المسرح .
لم ينتبه الجمهورُ إلى هذهِ النقطةِ ، فشدّةُ الفرحِ أخذتْ بقلوبهم وعقولهم معاً ، فالمهمُّ لديهم أنّهمْ يشاهدونَ الممثليَن وجهاً لوجهٍ دونَ حاجزٍ أو مانعٍ .
بدأت المسرحيةُ بتوجيهِ الممثلِ " الحاكم " أمراً بشنق ِ الشاعرِ " الغرّيدِ " لأنَّ صوتهُ كان َ نشازاً لا يوافقُ الأذنَ الموسيقيةَ التي يتمتعُ بها هذا الممثلُ " الحاكم " .
ثمَ أمرَ بإلقاءِ القبض ِ على الرسام " موهوب " وزجّهِ في السجن ، لأنَّ لوحاته كانت تتطرقُ للإباحية في عرضِ همومِ الناسِ ، وهذه الإباحيةُ من شأنها تربيةُ جيلٍ مشوهِ الفكرِ والذوقِ ، عديمِ المسؤوليةِ .
هنا .. دخلَ الممثل ُ " الوزيرُ " ، وهو المعروفُ ببدانته ودهاءِ عقلهِ ، يطلبُ موافقةَ الممثلِ " الحاكم " على رفع ضريبةِ المعيشةِ لأنَّ السكانَ أصبحوا في رغدٍ من العيش ، وبدأتْ نفوسهم تتفسّقُ من كثرةِ الثراءِ ، وهذا سيؤدي إلى أمورٍ خطيرةٍ لا يحمدُ عقباها .
وطلبَ أيضاً الموافقةَ على إطفاء ِ النجومِ ليلاً لأنّها السببُ في سهر ِ الناسِ ، فهم يسهرونَ ليـلاً وينامـونَ
نهاراً ؛ الأمرُ الذي سيسببُ خللاً في التوازن البيئي والاجتماعي ، كما أنّها تنيرُ الطريقَ للصوص فيسطونَ على الناس وهم غافلونَ عنهم ، والأهمُّ من هذين الأمرين أنها متنفّسٌ للعشاق يبادلونها لوعاتهم وحنينهم ، والعشاقُ هم الفئةُ الأخطرُ في المجتمع ، والتي يجبُ أن تبقى تحــتَ المراقبةِ والسيطـرة ِالتامّةِ لئلا ينشــأَ جيلٌ
" متمايعٌ" يتمايلُ في الطرقاتِ من شدّةِ الحبِّ ، فيكون عالةً على المجتمع ، كما أنّه سيكونُ سبباً قوياً من أسباب ِ البطالةِ .
بعدَ قليلٍ .. جاء َ الممثلُ " المستشارُ " راكضاً وهو يلهثُ ، والعرقُ يتساقطُ من جبينه ... " مولاي .. إنَّ الهواءَ في الخارج أصبحَ ملوّثاً غيَر قابلٍ للاستنشاق ، فأرجو أن تصدرَ أمراً بمنعِ استنشاقه حتّى لا يتسمّمَ الناسُ من البكتيريا التي تجولُ داخله .... "
ُسمعتْ بعض التنهداتِ التي أطلقها أحدُ الجمهورِ فأمرَ الحاكمُ بمنع التنهداتِ واعتقالِ صاحبها لأنّها تشوّشُ على عقولِ المتفرجيَن .

مصلح أبو حسنين
22-06-2009, 04:42 PM
أرى هنا نقدا رائعا لحالات كثيرة تستحق النقد

صيغت بطريقة طريفة

مسرح أيما مسرح

سردك شيق وهدفك نبيل أيها الكاتب

تقديري ومودتي

ريمة الخاني
24-06-2009, 08:19 AM
فكرة القصة قيمة جدا ولقطة ذكية كان يمكنك ان تجعل النهاية اكثر قوة وصادمة للمتلقي بعد تكثيف.
تحيتي لقلمك القيم

سعيدة الهاشمي
26-06-2009, 05:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

إنه مسرح الحياة أخي، انتقدته بحرفية من خلال هذه القصة الهادفة، مسرح جدرانه بلد

وممثلوه حكامها والمتفرجون مواطنوها.

الفاضل هيثم السليمان،

لك احترامي وتقديري على واقعية هذه المسرحية.

عماد أمين
28-06-2009, 12:09 PM
لا عليك أخي هيثم.
بإذن الله ستتغير قاعة العرض.
ويُستبدل الممثلون.
وبعضُ أو جلُّ ....أو كلُّ المتفرجين.
ويأتي سيناريو آخر غير هذا.

(ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).

أعجبتني عبارة (وأخذِ التواقيعِ منهم على دفاترِ الصمتِ ).

مودتي وتقديري


فعلا كان يمكن للخاتمة أن تكون أقوى.

هيثم السليمان
12-06-2013, 03:36 PM
لا عليك أخي هيثم.
بإذن الله ستتغير قاعة العرض.
ويُستبدل الممثلون.
وبعضُ أو جلُّ ....أو كلُّ المتفرجين.
ويأتي سيناريو آخر غير هذا.

(ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).

أعجبتني عبارة (وأخذِ التواقيعِ منهم على دفاترِ الصمتِ ).

مودتي وتقديري


فعلا كان يمكن للخاتمة أن تكون أقوى.



أذن الله أن تتغيَّر قاعة العرض
ويستبدل الممثلون
أسأل الله أن ( يفرح المؤمنون بنصر الله) قريباً
اللهم آمين

ربيحة الرفاعي
13-07-2013, 01:19 AM
ثمة سيناريو آخر ستأتي به الأيام
ومأدّون آخرون في كل المواقع

قصة مؤثرة وموفقة في طرحها وفكرتها

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
05-08-2013, 02:18 AM
قصة سياسية جميلة تكشف الواقع الصعب الذي تعيشه الشعوب المظلومة

شكرا لك

بوركت

خلود محمد جمعة
28-03-2015, 08:04 PM
إسقاط سياسي نجح في رسم صور للواقع بقبح سلاطينه
لا بد ان يتغير السيناريو يوما ما
قصة عميقو برمزها وجميلة في طرحها وجادة في فكرتها
بوركت وكل التقدير