مشاهدة النسخة كاملة : سيف الدولة ينقد المتنبي
فريد البيدق
22-06-2009, 11:48 AM
من كتاب "المتنبي .. رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"، لأبي فهر محمود محمد شاكر، ص696-697
ومن عجيب نقد الشعر أن المتنبي لما أنشد سيف الدولة بن حمدان قصيدته التي أولها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
[ فلما بلغ المتنبي إلى قوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف ] ** كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ** ووجهك وضاح وثغرك باسم
[ قال سيف الدولة : قد انتقدتهما عليك ] كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا للذة ** ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال
فكما كان ينبغي لامرئ القيس أن يركب القسم الأخير من بيته الأول على القسم الأول من بيته الثاني|، فيقول:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة ** ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
فيقرن لذة الشرب بلذة النكاح وركوبه الجواد بأمره خيله بالكر، فكذلك كان ينبغي أن تركب البيتين فتقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف** ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة** كأنك في جفن الردى وهو نائم
حتى يأتلف المدح بتيقن الموت مع توضح الوجه وتبسم الثغر
د. سمير العمري
22-06-2009, 08:39 PM
أشكر لك هذا النقل المميز أيها الأديب الكريم.
وليت شعري إن مثل هذا الأمر يثير في النفس الشجن ويلفت النظر إلى درسين مهمين.
أما الأول فهو أهمية الالتفات لتوظيف اللفظة وإدراجها في مكانها ، والحفاظ على تكاملية الصورة بمزج الألوان دون خلط الظلال.
وأما الثاني فهو إبراز أهمية المتلقي ودوره في التذوق والفهم والرصد ، وما كان ذلك العصر ليبرز فيه الشعر عاليا لولا مثل هذا التلقي وهذا الاهتمام.
آسف حقا على زمان كزمانهم ومن زمان كزماننا.
تحياتي
فريد البيدق
22-06-2009, 09:50 PM
أكرمت أيها الجليل الدكتور سمير، ودام دفعك!
بندر الصاعدي
29-06-2009, 05:53 AM
أستاذ فريد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة
لما ذكرت تكملة أوردها كما وردت في بعض المصادر كيتيمة الدهر والمثل السائر وغيرهما , وذلك أنه لما انتقد سيف الدولة عليه البيتين قال :" أيد الله مولانا! إن كان صح أن الذي استدرك على امرئ القيس أعلم منه بالشعر
فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، والثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك لأن البزاز يعرف
جملته والحائك يعرف جملته وتفاريقه، لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية. وإنما
قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في سباء الخمر للأضياف
بالشجاعة في منازلة الأعداء، وأنا لم ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكرى الردى وهو
الموت ليجانسه. ولما كان الجريح المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً وعينه باكية قلت:
ووجهك وضاح وثغرك باسم
لأجمع بين الأضداد في المعنى وإن لم يتسع اللفظ لجميعها. فأعجب سيف الدولة بقوله
ووصله."
ولا أخفيك أنني حين تمعنت في نقد سيف الدولة وفي البتين وجدت أن البتيين على أصلهما أجود وذلك لأنه ذكر الموت في البيت الأول فأتمَّ الفكرة ثم ذكر حال العدو وهو البؤس والهزيمة وجمع معه ضده وهو حال الممدوح السرور والنصر , فلك أن تقول أن البيت الأول منهما كان يبين الحال أول المعركة إلى قبل نهايتها والبيت الثاني منهما هو حال نهاية المعركة أو مشارفتها على ذلك .
هكذا تذوقت البيتين
لك التحية والتقدير
خليل حلاوجي
29-06-2009, 09:46 AM
تصفيق ... لكل هذا البهاء
د. سمير العمري
29-06-2009, 04:15 PM
الحقيقة أنني بعد ردي الأول الذي شدني التعاطي النقدي الراقي بين الملقى والنتلقي فيه ‘لى مدح هذا الأمر والسهو عن تبيان رأيي في هذا النقد ، وكنت قبل يومين قد انتبهت لهذا وهممت بالرد فشغلني شاغل حتى سبقني أخي الحبيب بندر وهو للخير دوما سباق.
وإذ أعاد الموضوع فذكرنيه أقول بأنني وجدت أن تعديل بيتي امرئ القيس أجود وأنسب للصورة وللمعنى ، وأما بخصوص بيتي المتنبي فإني أرى أن كلا الأمرين يصح ويناسب باعتبار القصد منهما وباعتبار تذوق الصورة والهدف منها.
فالصورة التي ساقها المتنبي فيها الإبراز بالتضاد والتأثير بالمقابلة بربط الوقوف دلالة على التوتر والتوجس بالنوم دلالة على الثقة والأمان والاسترخاء ، وكثف الصورة ساعة الاحتدام وهجوم الموت بن جعل الممدوح محفوظا من الردى بين جفنيه وهو مطمئن نائم دلالة على المنعة وقصور الموت من الوصل إليه.
وفي البيت الثاني قابل الصورة بين من هم "أبطال" الحرب ممن أزبدوا وأرعدوا وقد غرهم ما كان من بأسهم من قبل يمرون عليه كلمى وكسيرة معفرة الوجه ومتألمة وبين وقوفه هو وضاح الوجه باسم الثغر إمعانا في وصف النصر والتفوق في القوة وفي المنعة.
أما ما أراد سيف الدولة فهو المقابلة والتضاد بين كرب احتدام الموت وعسر الحال وامتقاع الوجوه وبين وجهه الوضاح وثغره الباسم ثقة بالنصر وبالقوة وهزوا الكرب وبالموت ، وفي البيت الثاني أنما أراد أن تكون المقابلة بين انكسار الأبطال وانهزامهم ونزف جراحهم وبين سلامته هو حتى من العفر وعدم اكتراثه كثيرا بالنصر باعتبار اثقة التامة بقدرته على ذلك.
ولعله لا يحفى هنا أن كلا الأمرين مقبول وجائز في مثل هذا المدح لمثل هذا الموقف إلا أنني أرى أن مدح المتنبي أوثق وأحق وأن ما طلبه سيف الدولة كان المزيد من مبالغة المدح بما قد يبدي غرورا وتكبرا.
تحياتي
فريد البيدق
12-07-2009, 11:51 AM
بورك الحرف المتألق بندر!
فريد البيدق
12-07-2009, 11:52 AM
بوركت أخي خليل!
مصطفى السنجاري
15-08-2009, 07:25 AM
**)) أنا أضيف صوتي لصوت الدكتور
فإن كمال الصورة فيما قاله المتنبي
وشكرا لك لهذا النقل المميز
فريد البيدق
17-08-2009, 11:19 AM
أكرمت شاعرنا الحبيب مصطفى!
فريد البيدق
18-08-2009, 07:16 AM
رد المتنبي
وجدت رد المتنبي في كتاب "البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها" فرغبت في إيراده إكمالا للموضوع.
فقال أبو الطيّب: "إنْ صَحَّ أَنَ الّذِي اسْتدرك على امرئ القيس هذا أعْلَمُ منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطَأْتُ أنا، ومولانا الأمير يعلَمُ أنّ الثوب لا يَعْرفُه البزّاز معرفة الحائك، لأنَّ البزّاز لا يعرف إلاَ جملته، والحائك يعْرِفُ جُمْلَتَهُ وتفْصيله، لأنّه أخْرجه من الغزليّة إلى الثوبيّة، وإنَّما قَرَنَ امْرُؤُ القيس لذّة النساء بلذّةِ الرُّكُوب للصيْد، وقرنَ السماحة في شراء الْخَمْر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء.
وأنَا لمّا ذكَرْتُ الموتَ في أوّل البيت أبعتُهُ بذكْرِ الرَّدَى لتجانسه، ولمّا كان وجْهُ المنهزم لا يخْلُو من أن يكونَ عَبُوساً، وعينُهُ من أن تكون باكية، قُلْتُ: "وَوَجْهُكَ وضّاحٌ وثَغْرُكَ باسِم" لأجْمَعَ بَيْنَ الأضداد في المعنى..".
أقول (مؤلف الكتاب):
لقد أدرك المتنبّي بما لديه من ذوقٍ فنّيّ رفيع لدقائق الجمال في قَرْنِ الأشباه والنظائر والأضداد، أنّ قرن الأضدّاد الفكرية في تتابع اللّوحة البيانية، أجْمَلُ وأكثر تأثيراً في النفس من قرن الأشباه والنظائر بعضها ببعض، لأنّ تخاطرُ الأضداد في الأذهان أقربُ من تخاطر الأشباه والنظائر.
محمد حامد عيسى
02-12-2009, 06:56 PM
راااااااااااااائع
يدل على تمكن العرب من اللغه
فريد البيدق
03-12-2009, 07:10 PM
أكرمت أخي الحبيب محمد!
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir