تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من محبرة الضباب والسراب



أحمد الرشيدي
27-06-2009, 08:57 PM
الوردة تكون أجمل ما تكون إذا كانت في حديقتها ، وهي بما خُصت به من بديع الخِلقة ، ورقة الطبع ، وتَبَدِّيها بهيئة المترقب للقطف تغري بالنظر وتقصي المحاسن لكل عين تبصرها ، فمن قائل : ليت ولعل ذوبان قلب من جمرة نظر ، وقائل : سبحان من سواك ، وقائل :... ، ثم كلٌّ يمضي إلى وجهته حاملا معه ذكراها وهي في مستقرها لا تعلم عما كتبتْ في القلوب من قصائد ، وما أشعلت في المقل من حرائق ، وما قد كابده تقي من هول فتنتها ، وهي على ما هي عليه حتى إذا ما لمحها أناني جشع آذَنَها بالهلاك والذبول وهي في ريعان شبابها ، وعنفوان جمالها ، فيَتَسور لها الحرمات واحدا تلو الآخر حتى إذا ما دنا منها جثا بين يديها حرباء تتبدل وتتشكل وتتحول على مقتضى هواها حينا ، وبحسب الظروف ومقتضى النصب والاحتيال أحيانا أخر ، إن خلا بها في جنح الليل اهتبل اللحظات ليسمعها من أنينه قصائد العشق أنغاما شجية زفرات وتأوهات - والورد رقيق طروب – ثم إنه يَتَحيَّنُ مرورَ مَنْ هو به أشبه ليسمعها زئيرا هو أشجى عندها من كل تغريد ، فإذا رأى منها تمايلا ، اقتطفها خطفا ، وإن رآها تتلكأ وتتمنع ، انقلبت الحرباء حمامة حرم حتى الإلف والطمأنينة إن كان ذا صبر وجلد ، ومتى ما قدر أن الوقت سوف يطول به وكان على عجالة من أمره اختصر الوقت ذات خدر منها لتجد نفسها بعد الإفاقة ملقاة على قارعة الطريق تشمئز منها النفوس ، وتلعنها الألسنة ، وتطؤها الأقدام .

إن الورد خُلِق ليقطف ولكن ليس أي قطف ، هو قطف يد رحيمة كريمة متوضئة ، يد موسيقي فنان يراها قلبه الذي به يحيا ، وعينه التي بها يبصر ، والنور الذي يبدد كل ظلام ، واللقاح الذي يهزم كل مرض ، والتعويذة التي تفرج كل هم ، هو قطف من حياة ضيقة إلى حياة رحبة من صنع قاطفها يغرسها في سويداء قلبه ليعيشا معا كل الثواني شهيقا وزفيرا ، وكل الخطوات يمينا وشمالا ، عين وهدب ، وليلة وبدر ، ونهار وغيمة ، وشراع وسفينة ، وريشة ووتر ، وطفل ولعبة ، وحَبْر ومكتبة ... ، وجواد موسر وضيف ، وفراسة حكيم ولغز ... ، وعفة وطهر ، ورفعة وشمم ، وعبقرية وسؤدد ، وأناة ووقار ، و ألفة ووئام ، وفرحة وسلام ... ، أم وأب حنانا وأمنا ، وبرد وجمر عشقا وصبوة ،
وسيد وأمة ، وحرة وعبد ، تَأْمُرُه بما شاءتْ مادام قلبها مملكته ، وعيناها عرشه ، وأهدابها شعبه .

عشقتك - ليلى - عشق الأشجار للماء ، والطير للأفنان ، والفراشات للأزهار ، والأسماك للأنهار ، والعُبَّاد للأسحار ، عِشْتُك يقظة ومناما ، ومع كل خطوة أخطوها إليك توصد الأبواب مِن خلفي ، والطريق يطول يطول يطول ويضيق ويضيق ويضيق ... أَسِيرُه وحدي شطحات خيال مني إلى مَنْ لَمْ تُخلق بعد ، وإن يكن حسبي أنها معي قلبي مهدها ، وقلبها لحدي .

حسنية تدركيت
27-06-2009, 09:47 PM
بديع حرفك أخي الفاضل وله معاني عميقة
كما لو كان ماء يبحث عن متعطش كي يرويه , يتسلل إلى الجذور البعيدة , يؤلم للوهلة الأولى لأنه يتصادم مع الأرض الصلبة المتشققة , لكنه ألم يبشر بأمل الري والنماء والعطاء والخير المرجو من غيث هذه الرائعة .
سلمت اخي الكريم وسلم نبضك الأدبي الراقي المتميز .

لمى ناصر
28-06-2009, 07:00 AM
هي اسقاطات الواقع...إن وجدت تربة صالحة ستنمو وتكبر في رعاية

اليد الحانية...وإلا فتصبح أرضا بورا


حرفك رائع .كن بخير.

هيثم السليمان
28-06-2009, 04:29 PM
أخي الكريم
أجدت في عمق التصوير , وإسقاط المعاني والأحاسيس المرهفة
معاناة حقيقية لم تزل
شكراً لك

مينا عبد الله
29-06-2009, 12:27 AM
الاديب والاستاذ الفاضل أحمد الرشيدي

تسحرني افكارك .. فأستوطن المكان طويلا

تحياتي واحترامي

مينا

هشام عزاس
29-06-2009, 12:35 AM
الأديب المبدع / أحمد الرشيدي

نص أدبي فاخر يحتاج إلى إعمال الحس و الفكر معا لإقتفاء كل الطرق المؤدية إلى المعنى المقصود .
أعتقدُ أن لذة الضباب و السراب تهوّن على الشاعر علقم الواقع , فمن الصعب أن يجد لتلك الصورة انعكاسا على غدير الحقيقة .

النص للتثبيت

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

خليل حلاوجي
29-06-2009, 09:40 AM
قالها من قبل شاعرنا



ماضر الورود وما عليها ... إذا المزكوم لم يطعم شذاها

ثائر الحيالي
29-06-2009, 09:41 AM
الاستاذ الفاضل احمد الرشيدي

مـُبهــر هذا الحرف..

ورائق حد الثمالة..

مررت في رياض حرفك..فكان ضوع الياسمين..

سلمت..وسلم مدادك


محبتي

وفاء شوكت خضر
29-06-2009, 01:50 PM
من محبرة السراب والضباب ، كان مدادك واقعا ..
كم من وردة أغرتها نعومة يد تمتد إليها لتجود عليها بما حرمت منه ، فآثرت على أن تغرس أشواكها في روحها
حتى لا تجرح يدا امتدت حانية زيفا وتزلفا ..
كم من وردة قطفت لتلقى في طرقات الندم والألم تتدثر بالحسرة لتخفي ما عظم من سوء منقلبها ..
أيا راعي الورد ..
التقى نقاء الروح ببلاغة الكلمة وجمال اللغة على صحائف العفة لتنقش ببهي الحرف صورة واقع
أليم مر ..
علها تكون الموعظة والتذكرة ..


بتقى أديبا رائعا بتوجهاتك وفكرك وحرفك ..
أسأل الله لك الثبات والسعادة في الدارين ..
لك من الود أصدقة ومن الورد أجمله أديبنا الراقي السامق .

سعيدة الهاشمي
30-06-2009, 12:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأستاذ الفاضل أحمد الرشيدي،

لا أظن الشكر يفيك حقك على هذه الرائعة لغة ومعنى ولا أملك إلا غيره للأسف تعبيرا عن إعجابي

بما قرأت فشكرا ألفا بل مليونا على عقد المعاني البليغ المنفرطة حباته في حدائق الورد.

كثيرون هم الذين إذا لم تقطف لهم الورود بسرعة ،يلبسون ثوب الحمل الوديع وما إن

يقطفوها حتى يقتلونها فتصبح حتى أشواكها عديمة النفع، ويصعب إيجاد تربة خصبة لها مجددا،

ولكن مازال هناك صابرون يمشطون الطريق بمفردهم في انتظار ليلى فحتى إن لم تأتي تبقى ذكرى جميلة.

من محبرة الضباب والسراب انبعثت الحكمة، كتبت فأبدعت.

احترامي وتقديري.

فدوى يومة
04-07-2009, 05:11 PM
الفاضل أحمد
وكم من ورود قدمت قربانا بلا اسم
تقديري وامتناني لك

يسرى علي آل فنه
06-07-2009, 04:12 PM
الوردة تكون أجمل ما تكون إذا كانت في حديقتها ، وهي بما خُصت به من بديع الخِلقة ، ورقة الطبع ، وتَبَدِّيها بهيئة المترقب للقطف تغري بالنظر وتقصي المحاسن لكل عين تبصرها ، فمن قائل : ليت ولعل ذوبان قلب من جمرة نظر ، وقائل : سبحان من سواك ، وقائل :... ، ثم كلٌّ يمضي إلى وجهته حاملا معه ذكراها وهي في مستقرها لا تعلم عما كتبتْ في القلوب من قصائد ، وما أشعلت في المقل من حرائق ، وما قد كابده تقي من هول فتنتها ، وهي على ما هي عليه حتى إذا ما لمحها أناني جشع آذَنَها بالهلاك والذبول وهي في ريعان شبابها ، وعنفوان جمالها ، فيَتَسور لها الحرمات واحدا تلو الآخر حتى إذا ما دنا منها جثا بين يديها حرباء تتبدل وتتشكل وتتحول على مقتضى هواها حينا ، وبحسب الظروف ومقتضى النصب والاحتيال أحيانا أخر ، إن خلا بها في جنح الليل اهتبل اللحظات ليسمعها من أنينه قصائد العشق أنغاما شجية زفرات وتأوهات - والورد رقيق طروب – ثم إنه يَتَحيَّنُ مرورَ مَنْ هو به أشبه ليسمعها زئيرا هو أشجى عندها من كل تغريد ، فإذا رأى منها تمايلا ، اقتطفها خطفا ، وإن رآها تتلكأ وتتمنع ، انقلبت الحرباء حمامة حرم حتى الإلف والطمأنينة إن كان ذا صبر وجلد ، ومتى ما قدر أن الوقت سوف يطول به وكان على عجالة من أمره اختصر الوقت ذات خدر منها لتجد نفسها بعد الإفاقة ملقاة على قارعة الطريق تشمئز منها النفوس ، وتلعنها الألسنة ، وتطؤها الأقدام .
إن الورد خُلِق ليقطف ولكن ليس أي قطف ، هو قطف يد رحيمة كريمة متوضئة ، يد موسيقي فنان يراها قلبه الذي به يحيا ، وعينه التي بها يبصر ، والنور الذي يبدد كل ظلام ، واللقاح الذي يهزم كل مرض ، والتعويذة التي تفرج كل هم ، هو قطف من حياة ضيقة إلى حياة رحبة من صنع قاطفها يغرسها في سويداء قلبه ليعيشا معا كل الثواني شهيقا وزفيرا ، وكل الخطوات يمينا وشمالا ، عين وهدب ، وليلة وبدر ، ونهار وغيمة ، وشراع وسفينة ، وريشة ووتر ، وطفل ولعبة ، وحَبْر ومكتبة ... ، وجواد موسر وضيف ، وفراسة حكيم ولغز ... ، وعفة وطهر ، ورفعة وشمم ، وعبقرية وسؤدد ، وأناة ووقار ، و ألفة ووئام ، وفرحة وسلام ... ، أم وأب حنانا وأمنا ، وبرد وجمر عشقا وصبوة ،
وسيد وأمة ، وحرة وعبد ، تَأْمُرُه بما شاءتْ مادام قلبها مملكته ، وعيناها عرشه ، وأهدابها شعبه .
عشقتك - ليلى - عشق الأشجار للماء ، والطير للأفنان ، والفراشات للأزهار ، والأسماك للأنهار ، والعُبَّاد للأسحار ، عِشْتُك يقظة ومناما ، ومع كل خطوة أخطوها إليك توصد الأبواب مِن خلفي ، والطريق يطول يطول يطول ويضيق ويضيق ويضيق ... أَسِيرُه وحدي شطحات خيال مني إلى مَنْ لَمْ تُخلق بعد ، وإن يكن حسبي أنها معي قلبي مهدها ، وقلبها لحدي .



الأديب الراقي أحمد الرشيدي

نصحٌ ندي وتعبير أخاذ

طيّب الله أوقاتك بكل مايحب ربنا ويرضى

تذكرت مع قراءتي لهذا النص الرائع قول الشاعر:-

كنت مشغوفاً بكم إذا كـنـتـم

شجراً لا يبلغ الطير ذراهـا

لا تبيت اللـيل إلا حـولـهـا

حرس ترشح بالموت ظباهـا

وإذا مدت إلى أغصـانـهـا

كف جان قطعت دون جناها

فتراخى الأمر حتى أصبـحـت

هملاً يطمع فيهـا مـن رآهـا

تخصب الأرض فلا أقـربـهـا

رائداً إلا إذا عـز حـمـاهـا

لا يراني الـلـه أرعـى روضةً

سهلة الأكناف من شاء رعاهـا

وإذا ما طمـع أغـرى بـكـم

عرض اليأس لنفسي فثنـاهـا

فصبـابـات الـهـوى أولـهـا

طمع النفس وهذا منتـهـاهـا

لا تظنوا لـي إلـيكـم رجـعةً

كشف التجريب عن عيني عماها

إن زين الـدين أولانـــي يداً

لم تدع لي رغبة فيما سـواهـا

*****

دمت راقياً

د. سمير العمري
19-04-2010, 01:40 PM
دام هذا الحرف المحلق شعرا ونثرا!

لا أحسبك تنتظر مديحي ولكن ربما يرضيك أن تعلم أنك ممن أحرص على قراءة ما يكتبون مستمتعا.

أهلا ومرحبا بك دوما عاليا في الأفياء!


تحياتي

ثائر الحيالي
19-04-2010, 08:05 PM
الأستاذ والأديب القدير أحمد الرشيدي

هذا النص..وكل نص مررت عليه كان من ضوع رياضك الساحرة ..
وحري بمن قرأ التأمل والتوقف عنده ..طويلا ً
عسى ..أن ننهل من منابعه الرواء..

سلمت ..وسلم مدادك

محبتي ..وتقديري

فاطمه عبد القادر
20-04-2010, 12:49 AM
وتطؤها الأقدام .
إن الورد خُلِق ليقطف ولكن ليس أي قطف ، هو قطف يد رحيمة كريمة متوضئة ، يد موسيقي فنان يراها قلبه الذي به يحيا ، وعينه التي بها يبصر ، والنور الذي يبدد كل ظلام ، واللقاح الذي يهزم كل مرض ، والتعويذة التي تفرج كل هم ، هو قطف من حياة ضيقة إلى حياة رحبة من صنع قاطفها يغرسها في سويداء قلبه ليعيشا معا كل الثواني شهيقا وزفيرا ، وكل الخطوات يمينا وشمالا ، عين وهدب ، وليلة وبدر ، ونهار وغيمة ، وشراع وسفينة ، وريشة ووتر ، وطفل ولعبة ، وحَبْر ومكتبة ... ، وجواد موسر وضيف ، وفراسة حكيم ولغز ... ، وعفة وطهر ، ورفعة وشمم ، وعبقرية وسؤدد ، وأناة ووقار ، و ألفة ووئام ، وفرحة وسلام ... ، أم وأب حنانا وأمنا ، وبرد وجمر عشقا وصبوة



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لك أيها العزيز الفاضل أحمد الرشيدي على هذا النص الرائع بكل أبعاده
كل ما قلته هنا أخي صحيح
وليت الكل يسمع وخاصة من يهمه الأمر
دمت مبدعا
ماسة