المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منمنمات على جرح وطن



سمير خليفة
29-06-2009, 01:17 AM
منمنمات على جرح وطن

بقلم : سمير خضر خليفة

غالية
عشق النوارس لرحابة الفضاءات ، رائحة ملح البحر، توقف إطلاق النار القصير على محور المخيم، صورُ آلام وأحزان تزاحمت في ذاكرة هذا اللاجئ فلبى نداء البحر .
بين القصور الرملية التي شيدها أبناؤه على الشاطئ،استلقى قبالة زوجته المنهكة في إعداد الطعام ، منشغلاً عن لهو أولاده ، متأملاً جبروت الشمس المنكسر على حافة الأزرق البعيد.
وغير مبال بزورقهم الحربي الذي يدنس قدسية هذا المشهد. صوت انفجارٍ استباح المكان. فتوقف الزمن. تسابقت عدسات المصورين لتسجل سبقاً إخباريا، فلم تجد أمامها إلا فتاة مذهولة غير آبهة بهم تتراكض متعثرة على الرمال توزع أحزانها ودموعها على أشلاء عائلتها المتناثرة. جثت قرب والدها أمسكت برأسه محاولة رفعه عالياً ، متجاهلة الغدر القادم من البحر، لتطل علينا من الشاشة نافذة عجزنا صارخة تنادي أباها الغافي . شاهدةعلى صمت العار فينا .

فارس
عاد فارس ومن خلفه صبية الحي إلى منزله مسرعاً يلوح لأمه بصحيفة أجنبية، اختارت صورته لصفحتها الأولى وهو يقف متحدياً "دبابة الميركافا" بقبضةٍعاريةٍ إلا من حجر. ناولها لأمه، التي أدمنت الانتظار . ابتسمت له محاولة أن تغالب الأسى الذي ما فارق محياها يوماً. قبلته على جبينه، وابتهلت بقلب كسير (الله يحميك .. الله يحميكوا.. يمه..).
أخذ جفن عينها الأيسر يرتعش دونما تفسير، عندما وقعت عيناها على الصورة معلقة على الجدار وقد كتب عليها بخط يده (الشهيد البطل فارس عودة) وانتبهت لرحيله المبكر هذا الصباح. ساعة مضت أيقنت بعدها أن ولدها لم يذهب إلى المدرسة. عندما أعاد لها أحد رفاقه الحقيبة .
وقفت أمام الدار تنتظر فارسها، فعاد ولكن هذه المرة محمولاً على الأكف. شقت طريقها بين الجموع، ضمته لصدرها وقبلته. وقبل لحظة الوداع الأخيرة انحنت ملتقطة حجراً ووضعته بكفه وقبلتها .فعلا التكبير والزغاريد.
أمام جبروت هذه الأم ارتبك المراسل ،وغصت الكلمات في حلقه. وحرقة الدمع بعينيه ،فهرب ليلحق بركب المشيعين وصوت الأم لا يبرحُ أذنيه .
( الأبطال يولدون مرتين ... الأبطال يولدون مرتين.)

يوم لم تصدقوا الحمار
على مشارف القرية، عند مفترق طريق الطاحونة، ونبع الماء، طريقه اليومي. توقف الحمار رافضاً المتابعة إلى خارج القرية، حثه صاحبه محاولاً سحبه من رسنه.ضربه بالعصا،حرن الحمار وبرك في مكانه، حاول بعضهم مساعدته لكن دون جدوى، فاضطر صاحبه لحمل طفله سميح مع صرة الملابس التي كانت معه على ظهر الحمار مهدداً : سأعود ولي حساباً معك . قالها ومضى مع أهل قريته الفارين خوفاً على أطفالهم ونسائهم من المجازر التي وصلتهم أخبارها من القرى المجاورة. بعد أن نفذت ذخائرهم، وصدقوا وعود قيادة الجيوش العربية التي ستعيدهم لديارهم بعد عشرة أيام على الأكثر كما ادعت . والآن بعد مضي أكثر من خمسين عاماً، جلس سميح مع أصدقائه كعادته على شفا الوادي الفاصل بين وطنه السليب مسقط رأسه، وبلد لجوئه يكحل عينيه برؤية بلده ويتنسم هواها على أمل العودة . قال أحدهم لا أدري كيف صدق أهلنا واقتنعوا بالرحيل (ولك الحمار ما بيصدق حكامنا ) .علق سميح ضاحكاً مخفياً الدمعة التي تلمع في مقلته : لا تظلم الحمار فقد قالها منذ أكثر من خمسين عام ولم يصدقوه .

آمال المصري
02-03-2010, 08:24 AM
فصول من أرض الواقع الأليم ومشاهد مازالت في الذاكرة ووطن مازال مسلوباً
براعة سيدي الفاضل في السرد وانتقاء الصور رغم أنها تحمل نمنمات حول مأساة واحدة إلا أنك أبدعت في اختلاف تناول كل منها .
معذرة سيدي الفاضل أن تأخرت بشرف قراءة نصك الباذخ
دمت بهذا الألق دائماً
ومرحباً بك في الخضراء
احترامي وتقديري

سمير خليفة
03-03-2010, 12:20 AM
استاذة رنيم
اشكر لك هذا المرور العطر الذي شرف متصفحي رغم تاخره واتمنى ان اكون عند حسن الظن
مع خالص المودة وفائق الاحترام

حسام القاضي
05-04-2010, 09:53 PM
الأديب الكبير / سمير خليفة
السلام عليكم
أدب المقاومة
قصص عميقة تستحق الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها
الأولى قصة هدى التي شاهدها الكثيرون على شاشات التلفاز وقتها
ولعلهم نسوا تلك الفجيعة ،أحييتها انت الان بتمكن واقتدار
لتضعنا أمام عارنا المستمر بلا أي محاولة منا لمحوه.

اما الثانية فقد عبرت فيها عن المشهد اللغز (بالنسبة للمراسلين الأجانب)
كيف تسعد أم بموت ابنها؟؟!!
هذه الازدواجية بين ألم الفراق وفرحة الشهادة
هذا ما لن يدركوه أبداً..


وقبل لحظة الوداع الأخيرة انحنت ملتقطة حجراً ووضعته بكفه وقبلتها .فعلا التكبير والزغاريد.
كم هو موجع ومؤثر هذا المقطع الذي يلخص قضية المقاومة .

والثالثة ذات السخرية المريرة القريبة من الكوميديا السوداء
طرح القضية هنا بأبعادها وبهذه الطريقة أوجعني جداً أيها القدير
وترك في نفسي جراحاً لا أظنها تندمل بسهولة..


علق سميح ضاحكاً مخفياً الدمعة التي تلمع في مقلته : لا تظلم الحمار فقد قالها منذ أكثر من خمسين عام ولم يصدقوه .
وهل هناك أشد سخرية وقسوة من هذا؟!!

تقبل مروري المتواضع لرفع نصك ـ الرائع ـ فقط عله يحظى بما يليق به من غيري

تقبل تقديري واحترامي

ربيحة الرفاعي
05-04-2010, 10:24 PM
لم أجد نمنمة هنا
كانت ركلا عنيفا أسال دمعتي
ما لا أفهمه حتى الآن، هو هذا الحزن يستولي علينا أمام مشاهد ليست بالجديدة ...
مالذي يباغتنا حين يتصدر شامخ مثلك لتذكيرنا بما لا أظننا ننساه؟
مالذي ينكأ تلك الجراح التي ما دَمِلت وما لها أن تندمل

كانت قصصك أكثر من رائعة، وجاءت المعالجة ذكية وشجية
دمت متألقا

سمير خليفة
05-04-2010, 11:35 PM
الأديب الكبير / سمير خليفة
السلام عليكم
أدب المقاومة
قصص عميقة تستحق الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها
الأولى قصة هدى التي شاهدها الكثيرون على شاشات التلفاز وقتها
ولعلهم نسوا تلك الفجيعة ،أحييتها انت الان بتمكن واقتدار
لتضعنا أمام عارنا المستمر بلا أي محاولة منا لمحوه.

اما الثانية فقد عبرت فيها عن المشهد اللغز (بالنسبة للمراسلين الأجانب)
كيف تسعد أم بموت ابنها؟؟!!
هذه الازدواجية بين ألم الفراق وفرحة الشهادة
هذا ما لن يدركوه أبداً..

اقتباس:

(وقبل لحظة الوداع الأخيرة انحنت ملتقطة حجراً ووضعته بكفه وقبلتها .فعلا التكبير والزغاريد. )

كم هو موجع ومؤثر هذا المقطع الذي يلخص قضية المقاومة .

والثالثة ذات السخرية المريرة القريبة من الكوميديا السوداء
طرح القضية هنا بأبعادها وبهذه الطريقة أوجعني جداً أيها القدير
وترك في نفسي جراحاً لا أظنها تندمل بسهولة..

اقتباس:

(علق سميح ضاحكاً مخفياً الدمعة التي تلمع في مقلته : لا تظلم الحمار فقد قالها منذ أكثر من خمسين عام ولم يصدقوه . )

وهل هناك أشد سخرية وقسوة من هذا؟!!

تقبل مروري المتواضع لرفع نصك ـ الرائع ـ فقط عله يحظى بما يليق به من غيري

تقبل تقديري واحترامي

استاذي الكبير
بداية انا جد اسف لتاخري بالرد وارجو ان تلتمس لي العذر
وشرف لي يا سيدي ان تكون هذه القصص قد لاقت كل هذا الاستحسان من طرفكم
ومهما كانت مساهماتنا من اجل فلسطيننا الحبيبة لن تطال مقام تضحيات اهلنا الصامدين على رباها وما نقدمه هو من اضعف الايمان
واخيرا لا يسعني الا ان اشكرك على هذه القراءة الواعية واتمنى من زملائي في المنتدى ان يبدو وجهات نظرهم حولها
دمت ودام ابداعك

د. سمير العمري
23-10-2010, 12:57 PM
قرأت هنا قصصا حدثت فجاءت بسردية مباشرة تقريرية لكن شفع لها وجود بعض تزيين بلاغي ببعض صور ومعان تضيف إلى البعد الإنساني.

أما قصة الحمار فهي الأجمل من الناحية الأدبية بما حمل من توظيف وإسقاط واتكاء على زمن معين وعودة إليه.

دمت أديبا مميزا ننتظر منه الأجمل دائما!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.



تحياتي

سمير خليفة
06-11-2010, 06:27 PM
قرأت هنا قصصا حدثت فجاءت بسردية مباشرة تقريرية لكن شفع لها وجود بعض تزيين بلاغي ببعض صور ومعان تضيف إلى البعد الإنساني.

أما قصة الحمار فهي الأجمل من الناحية الأدبية بما حمل من توظيف وإسقاط واتكاء على زمن معين وعودة إليه.

دمت أديبا مميزا ننتظر منه الأجمل دائما!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.



تحياتي

الاديب الفاضل د\ سمير العمري
انا اسف لتاخري بالرد
اشكر لك هذا الملرور الكريم واعتز بهذه الشهادة
واشكر لك ملاحظاتك الادبية وصدق المشاعر
مع فائق الاحترام والتقدير

عبد السلام دغمش
19-01-2014, 09:48 AM
ثلاثية مؤثرة : الاحتلال- المقاومة- المؤامرة.

وهي لا تزال وإن تعددت وتنوعت الأدوار.

الكاتب نقل الأحداث بصورة مؤثرة و كانت النصوص الثلاثة تكمل بعضها البعض.

تحياتي وسلم اليراع

خلود محمد جمعة
21-01-2014, 11:44 PM
جمال سردي لقصص من واقع مؤلم
اردت التوقف لعمق الجرح ولم استطع لجمال التعبير
ننتظر جديدك
دمت بخير
مودتي وتقديري

كاملة بدارنه
25-01-2014, 04:07 PM
جلس سميح مع أصدقائه كعادته على شفا الوادي الفاصل بين وطنه السليب مسقط رأسه، وبلد لجوئه يكحل عينيه برؤية بلده ويتنسم هواها على أمل العودة .
كثر المشَرَّدون في ديار الغربة غلى أمل العودة، وتعدّد المشرِدون!
قصص مؤثّرة
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
08-04-2014, 01:18 AM
تلك هي فلسطين
وهذه هي قصصها القوية
مؤثرة وحزنة وصادقة

شكرا لك أخي

ناديه محمد الجابي
19-02-2019, 07:28 PM
من عمق الواقع الفلسطيني كانت تلك الصور لقصص قوية الفكرة موفقة الطرح
قص مؤثر وحبكة مؤلمة بحرف جميل لقاص بارع
أدهشتني بقوة التصوير ونقلت معاناة لا يجيد صياغتها إلا يراع متمكن.
دمت بكل خير.
:009::001::009: