المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فِي صُنْدُوقِ بَرِيدٍ عَصَبيّ!



أحمد حسن محمد
11-08-2009, 02:33 AM
فِي صُنْدُوقِ بَرِيدٍ عَصَبيّ!
(من ذكريات الحرب)
نمْ يا بنيَّ على سرير دمي، فصلب أبيك أرحم من قبور الآخرينَ..
ولن أقدم وجبة أخرى إلى وطنٍ بَدِينٍ، أتخمتْه لحوم عائلتي وكأسَ الدمعِ..
تعصرنا الإهانةُ، وهْو يشربُ..
شمعةُ العمرِ استعدّتْ للظلامِ وَأَنْتَ تنفخُهَا بِشَوْقِكَ للخروج، مفتشًا عن أي أمٍ..
لن أشارك في جريمة مولدٍ أخرى!
أرى عامًا جديدًا يا بنيّ أتى يعزي فيكَ..
يحفظ قصةً أخرى عن الدمِ في البلادِ..
يعمِّر الأعصاب بالشكوى، وما زال السرادقُ يشرب السنواتِ..
ألسنةُ الحدادِ تكفِّنُ العينينِ في غمض بليغٍ..
تأكلُ الساعاتُ أرغفةَ التذكرِ..
والدقائقُ ترتدي أثوابها السوداءَ، تشرب قهوةَ الإحباطِ
تجلس فوق كرسيٍّ من البَرْدِ الوثيرِ..
ويبدأ النفسُ العميقُ مراسمَ التشييعِ..
يابْنِي، لن يرى أنفاسك الخضراء غيري..
لا قبورَ على رصيفِ العمرِ، أمشي في مكاني..
والجنازةُ تلبسُ الأشياءَ، يلبسها البكاءُ
وأنتَ في تابوت لحمي قصةٌ أخرى عن الوطنِ الذي جلدوه بالسرقاتِ
وافتضوا حضارةَ ضَوْئهِ العربيِّ في وضح السلامِ
وكفَّنوا ثمراتهِ في جيْبِ الِاسْتِعْمَارِ..
مائدة العزاء شهيةٌ للجرْحِ: أرغفة السماع..


وبيضتان لفارسينِ استشهدا في فترةِ الجوعِ الصليبيِّ..

الوفيرُ من الملوحةِ في شقوق الجلدِ..



لحمُ القلبِ محروقٌ بنار الموتِ...



كوبٌ من دمي المعصورِ في حَنَكِ الحصارِ

﴿........﴾

ثقيلةٌ يا جثة الأرض الغنيّة بالفتوحات القديمةِ..
والمآذنِ.. والعساكرِ، والحقولِ، وضحكة الأطفالِ، والجرحي، وخنزير احتلالكِ..
لا قبور على طريقِ الليلِ؛ أمشي في مكاني..
هل عرفْتَ الفرق بين مساء تابوتي وبين الساعة الستين في ليل العروبةِ
هل تعلَّمتَ السماعَ..
فمنذ لم تولدْ وحقل الجار يشكو من صداع الطائرات العسكريَّة..
بنت جار الجارِ تصرخُ من مضاجعة الجنود لها..
وحتى جثة الأوراق بين يديّ أحقنها فتصحو في صراخ الحرفِ..
شُفتُ اليوم مذبحةً وراء الدارِ؛ زرت مقابر الأحلامِ بعد القصفِ..
غسلنا شهيدًا، لم نجد كفنًا له إلا ملاءة بنت جار الجارِ..
رافقنا نعوشًا مثل نمل الصيفِ، شيعنا الحقولَ وشيعتنا في مساء الدفنِ..
أكملْ نومك المرجوَّ يابْني.. عامُ ميلاد بعيدٍ
إنه عام جدير باحترام الموتِ في بدن العروبةِ
عامُ ميلاد يهوديّ جديدٌ، عامر بصراخ أطفال الحروبِ..

وفي يديه بنادقٌ مخمورة بعصير أجسام الشبابِ..
عليه ثوبٌ من جلود الطيبينَ..
ومقلتاه بحيرتانِ من الدم العربيِّ تتصلان بالعام القديمِ..
روائح العرق الأليفةُ قصة بقيتْ من الصبر المملح بالدموعِ..
ونسخة من عقْد بيع بلادنا يومًا على رَفِّ الدُّيُونِ الأجنبيةِ.
في رحاب البيع دارت خمرةُ الدم بين تجار الحضارةِ
واستعدّتْ قريةُ الذبحِ الخصيبةُ للبناءِ
على مساحة وعد بلفور الجدير بلعنة الأيتامِ
في عصر النزيف الإنجليزيِّ المكابرِ..
قصة الأشياء كفَّنتِ الضحايا في قماش الشمسِ؛
أمشي في مكاني..
لا وصولَ على حدودِ الريحِ يابني..
قد جناه أبي عليّ وما جنيتُ عليك! نم

لمياء سليمان
11-08-2009, 05:38 AM
لم تترك شيئ لم تذكره
وحل السم والقهرِ
كلنا ميتون عند حافة قصيدتك
كيف نتخلص من هذه القشعريرة التي حلت بنا بعد قراءة هذا النص
ام انك تعمدت ان تفرش المرارة والحقيقة على العصب والوترِ
اخي الشاعر أحمد حسن محمد

بقدر ما هي مؤلمة
لك تقديري

عادل العاني
11-08-2009, 02:38 PM
نص جميل وحرف يعانق السحاب
تحياتي وتقديري

حازم محمد البحيصي
11-08-2009, 09:38 PM
أيها الحبيب المبدع
مرارة نصك أوجعت كل عربي غيور نص جميل وفكر عميق وحرف تألق في رسم المأسآة طويلا
دمت والإبداع
تحيتي لك

أحمد حسن محمد
13-08-2009, 12:41 PM
لم تترك شيئ لم تذكره
وحل السم والقهرِ
كلنا ميتون عند حافة قصيدتك
كيف نتخلص من هذه القشعريرة التي حلت بنا بعد قراءة هذا النص
ام انك تعمدت ان تفرش المرارة والحقيقة على العصب والوترِ
اخي الشاعر أحمد حسن محمد

بقدر ما هي مؤلمة
لك تقديري


الأديبة القديرة الأستاذة لمياء

نعم..

هذا ما شعرت به..

يأس كبير في الكتابة من موقف عربي صريح وآمل

أشكرك

وربما راجعتُ آخرتها بنظرة أمل

تقبلي احترامي

أحمد حسن محمد
13-08-2009, 12:42 PM
مِنْهَا تَدَلَّى رَأْسُ "صَدَّامٍ" عَلَى صَدْرِ الْعِرَاقْ

ليتك قلت " تعالى " بدل " تدلى "

والأمر لك يا ابن النيل ..

تحياتي وتقديري




أستاذي الحبيب

أهلا بك

ووجهة نظرك تستحق مني التأمل..

ولكني أنتظر منك على كل حال رأيك في القصيدة نفسها

تقبل احترامي

لقلبك الذي أحترمه

أحمد حسن محمد
13-08-2009, 12:52 PM
أيها الحبيب المبدع
مرارة نصك أوجعت كل عربي غيور نص جميل وفكر عميق وحرف تألق في رسم المأسآة طويلا
دمت والإبداع
تحيتي لك



أخي النبيل الشاعر القدير

أشكر لك مرورك الرائع

وتقبل احترامي

لحرفك

وحضورك

يحيى سليمان
13-08-2009, 04:51 PM
شاعر قدير أنت
نص منحنا رغيف الحقيقة ساخنا
حد الحرقة
وشاعر يطيعه الحرف والفكر

فلك التقدير
فقط عتابي
أني أحب أن تكون جرعة الإيحاء والرمزية أعلى
ولكن هذا اختلاف على المذهب وليس اختلاف على الشاعر
تحيتي وتقديري

أحمد موسي
13-08-2009, 04:54 PM
قصيد بحق لا غبار عليه

شاعر ماتع وباهر ... تبارك الله
دمت بشعر أيها الهادر الجميل

متابع لك من الآن

تقديري ومودتي

أحمد موسى

سالم العلوي
13-08-2009, 05:00 PM
الشاعر القدير / أحمد حسن
نص مكثف في الغوص إلى عمق المأساة الغائبة الحاضرة ..
وليتنا نصحو .. وليتنا نتعلم ..
ولكن .. ما ذلك على الله بعزيز ..
أختلف مع أخي يحيى فأنا مع الرمزية المعتدلة وأرى هذا النص لها مثالا ..
دمت بخير وعافية وألق ..

أحمد حسن محمد
14-08-2009, 05:30 AM
أخي الشاعر القدير الأستاذ يحيى سليمان

أشكر لك مرورك الرقيق

وكلماتك الغنية بالضوء

وفي عتابك فأنت عندك حق، ولكن كما تفضلتَ بالقول أنت أنها مذاهب فنية في الكتابة.. ولو كان في يدي أن أكتب بشكل أسهل من هذا الشكل لكتبت، لكن للأسف أجد أن الصورة الشعرية التي أقدمها لا يمكنها الخروج بشكل موزون في ثوب أوضح من ذلك..

تقبل احترامي للطفك

أحمد حسن محمد
14-08-2009, 05:31 AM
الأديب القدير الأستاذ أحمد موسى

لك التحية من قلب حقل مصري واعٍ لخضرتِهِ

أشكر لك مرورك العزيز

وكلماتك النقدية التي رحبت بحروف أخيك

تقبل احترامي

أحمد حسن محمد
14-08-2009, 05:33 AM
الشاعر القدير الأستاذ سالم العلوي

أشكر لك مرورك الكريم..

ونقاشك المثمرَ

وتحية من قلب كل حرف قرأتَه في القصيدة

وأنا معك على رأيك كذلك، ولعل ذلك قريب مما حاولت قوله لأخي الكريم الأستاذ يحيى..

تقبل احترامي

ووردة ود

الطنطاوي الحسيني
14-08-2009, 10:49 AM
تحياتي ايها السامق بينا الرائع فكرا وشعر وبوحا
مررت لاسجل اسمي تحت ابداعكم
نغبطكم لهذا التحليق والروعة
تقبل حبي وتقديري

د. سمير العمري
30-05-2010, 03:50 PM
لا أفصح ولا أوضح ولا أبلغ!

أداء شعري من طراوك الخاص وصور بكر وكنايات عميقة وتراكيب حالمة متألمة رشيقة.

أحسنت السرد والوصف ، وأنصفت القصد والقصيد!

دام هذا الألق المحلق!

وأهلا ومرحبا بك مبدعا دائما في أفياء واحة الخير.


تحياتي