المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عوج



عبد الواحد الأنصاري
12-08-2009, 04:34 PM
عوج



مثَله مثل عوج بن عنق، بعير آدمي هائج، يشرب أربع قرب ويأكل ثلاثة قدور، وينام نصف يوم، ويبقى حتى الغد وجوفه يصطخب بهضم طعامه، مطلقا ريحه وجشاءه بين البيوت الطينية القميئة، فيرتفع بكاء الصغير ويهتز فؤاد الكبير. ويمكّنه جسمه العملاق من رقاب تجار القرية، فتطال يده ما يشاء بحجة أنه فقير على باب الله، ويأخذ حقه بالقوّة. ومن يعارضه فإنه يطلق خرطوم بوله على بضاعته حتى يغرقها. غير أنه لا يتعرض لشيخ ولا صبي ولا امرأة، وكلّ بيت أو حائط أو بئر فله فيها فزعة يوم واحد تعادل عمل عشرين رجلا. وإذ يحدث شجار بين رجل من القرية وغريب فإنه يأتي متظاهرا بالبراءة كالمستفهم، ويعطس في وجه الغريم فيرتجّ رأسه ويفقد صوابه. لم يعجز في شيء قط إلا عن زحزحة الصخرة الكبيرة التي تجاور المحراب، فقد ضربها بالعتلة أكثر من مرة فلم تتزحزح من مكانها، فقرر أن يهجر المسجد إلى الأبد. وكان يقول للمطوع: أنا لا أصلي، لكن إذا جاء العدوّ وأعياكم القتال فأخبروني. احتال سادة السوق ليحدوا من طغيانه عليهم فتوصلت أذهانهم إلى أن يعرضوا عليه إحدى بناتهم للزواج. فسخر منهم قائلا: أنا مثل آدم، ولا يصلح لي إلا مخلوقة خرجت من ضلعي. واشتدّ وقع شكواهمْ منه ودعواتهم عليه بالعذاب والثبور، دون أن يرتدع أو يرف له جفن. لكن شيئا غامضا لا تفسير له جعله ينقطع عنهم ويظل غائبا سائر يومه وراء الجبل حتى يهبط الليل، وانقطعت غزواته المفاجئة لهم. لكن القرية بعد ذلك غاصت في وحل الذلّ وتسلط عليها الغادي والرائح وقاطع السبيل، فلم يكن من التجار إلا أن عقدوا اجتماعا آخر بهدف توليته منصب الشرطيّ لقاء مرتبٍ مجزٍ. فلم يقبل إلا بشرط أن تطلق يده لتنال ما يشتهي من الأطعمة والملابس والأمتعة. لم يوافقوا في البداية، ثم استقرّ الأمر على أن يرسموا له لليوم الواحد، أربع قرب لبن، وثماني قرب ماء، وثلاثة خراف، وأن يكسوه حلة لجثته المتطاولة مرة كل شهر. وأبرم الاتفاق بمشهد من الأعيان وكبار السن. ولم يحدث أي اختراق أمني بعد ذلك، إلا مرة واحدة، سارع فيها بإمطار الغزاة بوابل من الحصى جعلهم يولّون الأدبار. وظل البعير الآدمي ينام ويقيل على قطعة السعف في ظل الجبل، بعد أن يملأ جوفه الهائل بما لذ وطاب، مطلقا شخيره الرهيب في الأرجاء، دون أن يجرؤ أي طائف من طوائف الدهر على أن يسيء إلى جناب قريته المحروسة.

مازن لبابيدي
13-08-2009, 08:10 PM
الأخ عبد الواحد الأنصاري

قصتك طريفة وذات دلالة رمزية قوية ، جاءت بأسلوب سردي شيق .
هكذا فهمتها .
تقبل مروري مع التحية والتقدير

آمال المصري
02-06-2013, 11:15 AM
وكأنك شاعرنا أردت القول هنا بأننا نرتع تحت حراسة كافرة نستمد منها أمننا وأماننا مقابل سلب حقوقنا ومواردنا عنوة
نص غارق في الرمزية الجميلة بأسلوب ساخر محبب ولغة طيعة مزجت فيها بين الواقع والخيال
وكان لاختيار العنوان وربطه بتلك الشخصية يدل على اعوجاج الحال
نص جميل راق لي
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

براءة الجودي
03-06-2013, 12:28 AM
غلب الرمزية على القصة مما يجعل القارئ يُطلق ذهنه ليتأمل جيدا ويحلل بدقة
لم يكن هذا البعير سوى أكبر متسلط على الدولة الإسلامية وهو ( الغرب الكافر )
وكبار السن والتجار ( هم أهل المناصب والرؤساء المسلمين )
والشعب .. هم الضحية الذي تُنهب أموالهم وتُسلب حقوقهم لكن لنا الله هو اقوى الأقوياء إن توكلنا عليه حق التوكل ونهضنا لنعز أنفسنا ونثبت ذواتنا ونتحدى الصعاب فلن يقف حائل امام عزيمتنا إن كان طريق تضحيتنا هو تحقيق للطموح الشخصي ووسيلة لعمل الخير والتقرب لله
قصة من النمط الساخر
أحييك عليها

ربيحة الرفاعي
10-09-2013, 06:23 PM
مهارة عالية في اختيار الرمز ورسم ملامحه، وإسقاط سياسي ذكي بدلالات موزعة في أكثر من اتجاه

قصة قويّة موفقة الطرح

دمت بخير

تحاياي

كاملة بدارنه
13-09-2013, 05:29 PM
جاء الرّمز معبّرا عن كثير .. محتلّ مستعمر، باطش ، سلطوي .. وما إلى ذلك.
قصّة رائعة
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
16-01-2014, 12:21 AM
الرمز قوي وجميل والأسلوب ممتع

شكرا لك أخي الكاتب الرائع

بوركت

ناديه محمد الجابي
04-07-2018, 07:32 PM
حدوتة قصصية جميلة السرد والحبك بروح ساخرة
ورمز موظف بذكاء ليخدم الحبكة ويجعل
مضمون القص سهل الوصول إليه.
بوركت ـ ولك تحياتي.
:005::001::005: