تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كرم المرأة المسلمة



د عثمان قدري مكانسي
12-09-2009, 02:36 PM
كرم المرأة المسلمة

الدكتور عثمان قدري مكانسي
أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كرم المرأة وفيرة إنْ بالحضِّ على الجود والإنفاق ، وإنْ بالمدح والثناء ، وإنْ بالإيثار على النفس وسعادتها بضيافها الأصدقاء والأحباب ، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّهم ذبحوا شاةً (1) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn1) فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ما بقي منها ؟ )) قالت : ما بقي منها إلا كتفُها .
قال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( بقي كلُّها غير كتفِها )) (2) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn2) .
فهو عليه الصلاة والسلام يوضح لآل بيته أن ما تصدَّقوا به بقي أجره إلى يوم القيامة ، وأن ما بقي في الدنيا فأكلوه لم يستفيدوا من أجره في الآخرة . وهذه لفتة كريمة إلى الحضّ على الصدقة ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى .
وهذه السيدة أسماء أخت عائشة رضي الله عنهما ينصحها النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتصدُّق كي يزيدها الله من فضله فتقول : قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا توكِي فيوكى عليك )) (3) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn3) وفي رواية (( أنفقي أو انفحي ، أو انضحي ولا تُحصي (4) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn4) فيُحصي الله عليك ، ولا توعي (5) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn5) فيوعي الله عليك )) (6) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn6) فهي دعوة إذاً إلى الإنفاق فيُفيد منه اثنان :
أـ المنفِق في سبيل الله تعالى ، فإن الله يبارك في رزقه في الدنيا ، ويدّخر له أجره في الآخرة .
يقول النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهمَّ أعط ممسكاً تلفاً )) (7) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn7) .
ب ـ المنفَق عليه . فلا يبقى في المجتمع الإسلامي فقير ، ويشعر كل فردٍ في المجتمع الإسلامي غنيّه وفقيره أنهم إخوة متحابون متضامنون متكافلون ، يُعين بعضُهم بعضاً ، ويدفع بعضهم عن بعض غائلة الجوع والحرمان ، ويسعَون جميعاً إلى بناء صرح إسلامي قويِّ يكون مثالاً حيّاً للإنسانية جمعاء ، وقدوة صالحة للحياة البشرية الممتدة إلى ماشاء الله تعالى .
وقد سألت أم سلمة ـ إحدى أمهات المسلمين (8) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn8) ـ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا رسول الله هل لي أجرٌ في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ؟ ولست بتاركتهم هكذا وهكذا (9) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn9) إنما هم بنيَّ . . فقال : (( نعم لك أجر ما أنفقت عليهم )) (10) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn10) .
فعلى الرغم أن عاطفة الأمومة تدفع الأمَّ إلى أن تؤثر أبناءها على نفسها فتعطيهم بأريحية وسخاء فهم أفلاذ أكبادها ، تنال الأجر والثواب حين تتصدَّق عليهم وتؤويهم وتحنو عليهم .
وقد مرّ في موضوع (( المرأة المربية الداعية )) سؤال امرأة من الأنصار وزينب زوجة عبدالله بن مسعود رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أتجزئ الصدقةُ عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( لهما أجران :
أـ أجر القرابة .
ب ـ وأجر الصدقة )) (11) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn11)
وتعال معي نقرأ قصة الرجل وزوجته اللذين أكرما ضيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال :
جاء رجل إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : (( إني مجهود )) (12) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn12) فأرسل إلى بعض نسائه فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء .
ثم أرسل إلى الأخرى ، فقالت مثل ذلك ، حتى قُلن كلهُنَّ مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحقِّ ما عندي إلا ماء .
فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مَن يُضيفُ هذا اليلةَ )) ؟
فقال رجل من الانصار : أنا يا رسول الله . فانطلقَ به إلى رحله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وفي رواية قال لامرأته : هل عندك شيء ؟ فقالت : لا ، إلا قوت صبياني . قال : علّليهم بشيء إذا أرادوا العشاء ، فَنَوِّميهم ، وإذا دخل ضيفنا ، فأطفئي السراج ، وأريه أنّا نأكل . فقعدوا ، وأكل الضيفُ ، وباتا طاويين (13) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn13) .
فلما أصبح غدا على النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لقد عجب (14) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn14) الله من صنيعكما بضيفكما الليلة )) (15) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn15) .
يأتي فقير إلى مجلس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، سيّد المدينة وحاكمها ، موقناً أنه سيلقى طعاماً يملأ معدته ، فقد قرَّحها جوعه الشديد وأضعفه ، فما عاد يقوى على الحركة . أوَليس المالُ كلّه والطعام جلّه في بيوت المالكين وأصحاب القرار ، ومَن بيدهم مقاليد الأمور ؟!! لقد وقع إذاً على طِلبته ، ووصل إلى مكان راحته . .
نعم ، لقد وصل إلى طلبته ، ومكان راحته ، لكنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس همُّه الطعامُ ولا الشرابُ ، ولم يكن يحفل بملذات الدنيا ، فما كان يوقد في بيته نار ولا يُطهى طعام إلا في أوقات متفرّقة ، وكان جلَّ طعامه الأسودان (( الماء والتمر )) كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها (16) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn16) ، فليس غريباً ـ إذاً ـ أن يرسل إلى زوجاته يسألهن ما يملأ معدة هذا الرجل الفقير فيأتيه الردُّ : لا والذي بعثك بالحق ، ما عندي إلا الماء .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يعود من صلاة الفجر ويسأل زوجاته ما يأكله فلا يجد ، ينوي الصيام . . . فإذا لم يكن في بيوت أزواجه ما يقري به ضيفه ، التفت إلى أصحابه يسألهم مَن يُضيف ضيفَه ؟ فيلبي أحد أصحابه من الأنصار فرحاً مسروراً ، فمن يحوز مثل هذه الغنيمة ؟ إنه ضيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وينطلق الرجل بضيف رسول الله إلى بيته ، ويسأل زوجته : ما عندنا من طعام ؟ فتجيبه : ما عندنا من شيء سوى قوت الأطفال ، فأنا وأنت نصبر على الجوع ، أما الأطفال فلا يصبرون . فماذا يفعلان ؟ لا بدَّ من قرى الضيف ، ويتفتق ذهنه بخطة محبوكة ، ويُعلَّلُ الأولاد ويمنَّوْن بطعام طيب إن صبروا ، وتحاول الأم صرفهم لحظة وراء لحظة وبطرق مختلفة عن العشاء إلى أن يأخذهم سلطانُ النوم فيستسلموا له . . . وهذا ما كان ، ويدخل الضيف إذ ذاك إلى البيتِ الذي أعدَّ فيه الطعام ليأكل ، ولأنَّ الأكل قليل لا يكاد يكفي واحداً فإن الضيف سيشعر بالخجل والإحراج . . . ولن يأكل إلا قليلاً إذ لا بدَّ أن يؤاكله أهل البيت ، فماذا يفعل الزوجان كي لا يشعر أن الطعام قليل . . ؟! فليطفأ ِ السراج ، ولا بأس أن يعتذر الزوجان بأي عذر لانطفائه ، ومن ثمَّ يجلس الرجل وامرأته يوهمان الضيف أنهما ياكلان ، فينشرح صدره ، ويملأ معدته . . . وهكذا كان . . . لقد بات أولادهما جائعين وباتا بعد ذلك جائعَين مثلهم ، وأكل الضيف ، وشبع ، ونام قرير العين .
ويذهب الضائف والضيف كلاهما إلى صلاة الفجر حيث ينظر الرسول الكريم إلى الأنصاري نظرة إعجاب وتقدير . . . إعجاب بحسن تصرفه وزوجته ، وتقدير لكرمهما .
أما الزوجة فقد ضبطت عاطفتها ولم ترفض عرض زوجها أن ينام أولادهما دون عشاء ، إنما كانت له خير عون في مهمّته لتحفظ ماء وجهه ، وتعينه على حسن ضيافة الرجل الفقير ضيفِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهكذا تكون المرأة الصالحة ، والزوجة الأصيلة ، لقد قاما بعمل جليل أرضى الله سبحانه وتعالى ، فأنزل ملكاً يخبر نبيّه صلوات الله عليه وسلامه برضا الملك الجليل ، وهو أعظم مكانة للإنسان أن يرضى الله سبحانه عنه ؟
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال :
خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال : (( ما أخرجكما من بيتكما هذه الساعة ؟ )) قالا : الجوعُ يا رسول الله ، فقال : (( وأنا ، والذي نفسي بيده ، لأخرجني الذي أخرجكما . قُُوما )) فقاما معه ، فأتى رجلاً من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحبا وأهلاً . فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أين فلان ؟ )) قالت : ذهب يستعذب لنا الماء ، إذ جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبيه ، ثم قال الحمد لله ، ما أحدٌ اليوم أكرمَ أضيافاً مني ، فانطلق فجاءهم بعذقٍ فيه بُسر وتمر ورطب (17) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn17) ، فقال كلوا ، وأخذ المُدية ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إياك والحلوب )) (18) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn18) فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق ، وشربوا ، فلما أن شبعوا وَرَوُوا قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما : (( والذي نفسي بيده لتسألُنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم )) (19) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn19) .
فامرأة هذا الرجل طيبة النفس ، كريمة ، تحب الضيفان ، لم تعتذر لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن استقباله وصاحبيه ، بل استقبلتهم مرحّبة مؤهّلة ، واستبْقتـْهم إلى حين وصول زوجها ، وذكرت أنه لن يغيب طويلاً فقد ذهب إلى إحدى الآبار العذبة ليأتي بماء عذبة طيّبة ، وقد حان وقت عودته ، مما يجعل الضيفان يأنسون لهذه الحفاوة فلا يغادرون .
(( إن حُسْنَ الاستقبال نصفُ القِرى إن لم يكن القِرى كلّه ، وهذا يذكرنا بالحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله (20) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn20) وقد جاء فيه أن إسماعيل عليه السلام تزوج من قبيلة جرهم امرأة ، وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعدما تزوّج إسماعيل يطالع تركته (21) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn21) ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ـ وفي رواية ـ يصيد لنا ، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحنُ بشَرٍّ ، نحن في ضيق وشدّة ، وشكت إليه ، قال : فإذا جاء زوجك ، اقرَئي عليه السلام ، وقولي له : يُغيّرْ عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل كأنّه آنسَ شيئاً فقال : هل جاءكم من أحدٍ ؟ قالت : نعم ، جاءنا شيخٌ كذا وكذا ، فسأَلَنا عنك ، فأخبرته ، فسألني : كيف عيشنا ، فأخبرتُه أنّا في جَهد وشدّةٍ . قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول : غيِّر عتبةَ بابك . قال : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك ، فطلَّقها ، وتزوَّج منهم أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعدُ ، فلم يجده ، فدخل على امرأته ، فسأل عنه ، قالت : خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بخير وسعةٍ . وأثنت على الله تعالى ، فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحمُ . قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماءُ . قال : اللهمَّ بارك لهم في اللحم والماء . . . قال : فإذا جاء زوجك ، فاقرئي عليه السلام ، ومريه يُثَبِّت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل ، قال : هل أتاكم مِنْ أحد ؟ قالت : نعم ، أتانا شيخ حَسَنُ الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك ، فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا ، فأخبرته أنّا بخير ، قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت نعم ، يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تُثبت عتبة بابك . قال : ذاك أبي ، وأنت العتبَةُ ، أمرني أن أمسككِ . . . )) .
فالأولى : كانت ضيّقة النفس ، قصيرة النظر ، ضعيفة حُسن الظن بالله سبحانه وتعالى ، وامرأة كهذه تصبغ البيت بما فيها من صفات ، ولا تحسن تربية أبنائها ، ولا تريح زوجها ، وتنشر في أجواء البيت والأسرة عدم الاستقرار والبعد عن الرضا ، وتزرع فيه القلق والبؤس .
والثانية : طيبة النفس ، مطمئنة القلب ، حَسَنَةُ الظن بالله سبحانه وتعالى ، وامرأة كهذه تملأ الحياة سعادة وأملاً ورضا بقدر الله ، وتنشر في البيت الهناءَ والاستقرار ، والحبَّ والودَّ ، فينشأ أولادها نشأة طيبة ويحيَوْن حياة فيها أسس الخير ، وفضائل الشمائل .
وهؤلاء المسلمون يخرجون من صلاة الجمعة فيجدون عجوزاً على باب المسجد قد طبخت سلقاً في قدر لها ، وخلطته بشعير مطحون ، فتقدمه للمسلمين تبتغي من الله سبحانه الأجر والمثوبة ، فيأخذونه منها ، ويأكلونه متحلقين حولها يدعون لها بطول العمر وحسن العمل . . ما الذي دعاها إلى ذلك ؟ إنه الكرم المتأصل فيها ، والرغبة في إحراز الأجر والفضل (22) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn22) .
أما أم عمارة الأنصاري فيدخل عليها النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقدم إليه طعاماً فيقول لها : (( كلي )) فتقول : إني صائمة ، فيقول لها النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( إنَّ الصائم تصلّي عليه الملائكةُ إذا أُكِلَ عنده حتى يفرُغوا )) وربما قال : (( حتى يشبعوا )) (23) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn23) .
فعلى الرغم مِنْ أنها صائمة رأت أن قِرى الضيف واجب ، فأكرمت ضيفها ، وأحسنت وفادته ، فكان جزاؤها أن الملائكة تدعو لها وتستغفر لها ما دام الضيف يأكل زادها وهي تخدمه وترعاه . .
إذن هي دعوة إلى الكرم في كل الأحوال . . الكرم الذي يقارب بين الأرواح فتصفو النفوس ، وتتمازج القلوب ، وتُستل السخائم ، وتزول الشحناء من الصدور ، و . . .
وهذا الصاحب الجليل جابر بن عبدالله يرى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة الخندق وبطنه معصوب بحجر ، فيستأذنه أن يعود للبيت يسأل زوجته إن كان عندها شيء ، فتجيبه أن عندها صاعا من شعير وأنثى ماعز ، فذبح الماعز وعجنت هي الشعير بعدما طحنته ، وبدأت تصنع الطعام ، وانطلق زوجها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعوه مع رجل أو رجلين يتخيّرهما ، فما كان من النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن نادى : (( يا أهل الخندق ، إن جابراً قد صنع سؤراً (24) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn24) فحيّهلا بكم )) وجاء يقدم الناس ، وقال لجابر : انطلق ، فمُرْ زوجتك أن لا ترفع الغطاء عن اللحم ، ولا تخبز حتى آتي ، فجاء جابر إلى زوجته فأخبرها ، فخاصمته قائلة : فضحتنا ، ألم أقل لك ادع رسول الله ورجلاً أو رجلين معه ؟ قال : بلى ، وقد فعلتُ ، فقالت : إذن يتكفل بهم رسول الله .
وكان المسلمون ألف رجل ، فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العجين واللحم بالبركة ، وأمر المرأة أن تخبز ، ودخل الناس فوجاً بعد فوج ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغرف لهم من اللحم ويكسر لهم الخبز حتى شبعوا جميعاً .
قالت امرأة جابر : فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن القدر مليئة باللحم كأنه لم يأكل ، وإن العجين ليُخبزُ كما هو ، فقال لها النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة )) (25) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn25) .
فقد كانت المرأة تشعر بشعور زوجها وتجتهد أن ترضيه وتكرم ضيوفه ، ولا يخفى مافي هذه القصة من معجزة ظاهرة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومن أسوة رائعة له عليه الصلاة و السلام ، فقد أطعم بيديه الشريفتين المسلمين جميعاً حتى شبعوا ، ثم أكل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ونبّه إلى ضرورة تفقُّد الجيران والإحسان إليهم ، كي يشعروا بالانتماء إلى جسمٍ واحدٍ وفكرٍ واحد ومجتمع واحد ، يظلهم دينُ الله وشرعُه فيجعل منهم أمّة متحابّة قوية . . . والقصة نفسها تتكرر مع أبي طلحة وزوجه أم سُليم ، فقد كانت مثال الزوجة الصالحة التي تكرم ضيوف زوجها وتخدمهم (26) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn26).
ولعلَّ من المفيد أن نختم هذا بقوله سبحانه وتعالى يحضُّ المسلمين على الكرم في قصة سيدنا إبراهيم في سورة الذاريات : ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ )(27) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn27) ؟! وقول النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )) (28) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn28) .
والمسلم والمسلمة كريمان جوادان لا بخيلان شحيحان ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) (29) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_edn29) .










(1 (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref1)) آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد ذبحوا الشاة ووزّعوا أكثرها على الفقراء .

(2) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref2) رواه أحمد برقم ( 23720 ) ، والترمذي برقم ( 2470 ) ، وقال : هذا حديث صحيح ، وانظر المشكاة برقم ( 1919 ) .

(3) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref3) لا تدّخري ما عندك ، وتمنعي ما في يدك ، فيقطع الله عنك رزقه ، وهذا لفظ البخاري برقم ( 1433 ) .

(4) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref4) لا تتمسكي بالمال وتدّخريه ، فيمسكه الله عنك .

(5) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref5) لا تمنعي ما زاد عنك عمّن هو يحتاج إليه ، فيحيجك الله إلى مثله فلا تجديه .

(6) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref6) رواه البخاري برقم ( 2591 ) ، ومسلم برقم ( 1029 ) واللفظ له ، وأحمد برقم ( 26395 ) وغيرهم .

(7) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref7) رواه البخاري برقم ( 1442 ) ، ومسلم برقم ( 1010 ) ، وأحمد برقم ( 7993 ) .

(8) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref8) زوجها أبو سلمة رضي الله عنهما من أوائل المهاجرين إلى المدينة ، وأصابه جرح في إحدى الغزوات فكان سبباً في موته ، فتزوجها
النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم . نساء فاضلات ص 42 ـ 43 ، والأعلام ج8 / ص 97 .

(9) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref9) لا ترضى أن يتفرّقوا عنها في طلب الرزق يميناً وشمالاً .

(10) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref10) رواه البخاري برقم ( 1467 ، 5369 ) ، ومسلم برقم ( 1001 ) ، وأحمد برقم ( 25970 ، 26102 ) .

(11) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref11) أخرجه البخاري برقم ( 1466 ) ، ومسلم برقم ( 1000) ، وأحمد برقم ( 15652 ، 26508 ) ، والنسائي برقم ( 2583) وغيرهم .

(12) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref12) أصابه الجهد : وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع .

(13) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref13) جائعَين : معدتهما خاويتين . شبَّه المعدة الخاوية بشيء يُطوى لفراغه .

(14) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref14) المراد بالعجب الرضا ، فقد رضي الله سبحانه ـ وهو الكريم ـ عن فعلهما الذي يدل على الكرم .

(15) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref15) رواه البخاري برقم ( 3798 ، 4889 ) ، ومسلم برقم ( 2054 ) .

(16) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref16) كما ورد في صحيح البخاري برقم ( 2567 ، 6459 ) ، ومسلم برقم ( 2972 ) .

(17) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref17) العذق : الغصن ، والبُسر : ثمر النخيل قبل أن ينضج ، والرطب : نضيج البُسر ، والتمر : يابس الرُّطب .

(18) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref18) الحلوبة : الشاة ذات اللبن ، فذبحها خسارة ، وغيرها أولى بالذبح .

(19) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref19) رواه مسلم برقم ( 2038 ) ، والترمذي برقم ( 2369 ) .

(20) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref20) برقم ( 3364 ) .

(21) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref21) يتفقّدهم .

(22) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref22) أخرجه البخاري برقم ( 938 ، 2349 ، 5403 ) .

(23) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref23) رواه أحمد برقم ( 26926 ) ، والترمذي برقم ( 785 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .

(24) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref24) طعاماً يُدعى إليه الناس . . وليمة .

(25) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref25) رواه البخاري برقم ( 4101 ، 4102 ) ، ومسلم برقم ( 2039 ) ، وأحمد برقم ( 14610 ) وغيرهم .

(26) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref26) رواه البخاري برقم ( 3578 ، 5381 ، 6688 ) ، ومسلم برقم ( 2040 ) ، وأحمد برقم ( 12082 ، 12870 ) وغيرهم .

(27) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref27) الذاريات : 26 ، 27 .

(28) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref28) متفق عليه .

(29) (https://www.rabitat-alwaha.net/newthread.php?do=newthread&f=38#_ednref29) الحشر : 9 .

نادية بوغرارة
21-03-2010, 07:18 PM
....فلما أصبح غدا على النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لقد عجب (14) الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ))(15) .

=======

سبحانك ربي ، ما عبدناك حق عبادتك .

سبحانك ربي ، ما أطعناك حق طاعتك ،

سبحانك ربي ، ما شكرناك حق شكرك .

بارك الله فيك دكتور عثمان ، و زادك من فضله و كرمه حتى ترضى .

د عثمان قدري مكانسي
21-03-2010, 11:53 PM
رضاء الله تعالى غاية لا يدركها إلا ذو الحظ السعيدُ ،
نرجو أن يتغمدنا برحمته يا أختاه ، والإلحاح بالدعاء أمر مشروع ومطلوب
اللهم اجعلنا من السعداء في الدارين..... آمين