المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خـرافـات الـسـيـد كـئـيـب !



احسان مصطفى
13-10-2009, 12:25 AM
كانت لدي رغبة في النهوض مبكراً اليوم على غير العادة ، ليس لأني نشيط وأحب الإستمتاع بمنظر العصافير الصباحية التي تهرول لأعمالها الشاقة كل صباح والتي لا تغني (برأيي) ولكنها تصرخ على بعضها ( اشتغل زين ولك ، دير بالك ، وخر شوية ...الخ )
ولأن صوتها مختلف ونبرته حادة بعض الشي فنقول عنها أنها تغني وتنشد ، هل صحوت يوماً وكان صوتك لذيذاً ولديك رغبة في الغناء؟

حتى لو كنت في بروكسل لن تفعلها ..

رغم كل تلك الرغبة لكني لم افلح في النهوض باكراً لأني وكالعادة لا أنام إلا بعد صلاة الفجر كبقية خلق الله في أوطاننا ، لأسباب الجميع يعرفها من كهرباء وبعوض وتفكير وأرق مزمن لا تنفع معه علبة هايبونتك كاملة ولا ضعفها ،



وبالرغم من هذا فقد أصريت أن أخرج من البيت لأذهب في مهمة صباحية نحو إحدى الدوائر الحكومية والتي كنتُ اتغاضى عنها لفترة طويلة ولأسباب أيضاً الجميع يعرفها ، من تلاعب وطوابير وتحقير للمواطن المسكين كأنه قادم ليسرق أو يستدين من جيب أبو الموظف الجالس في المكتب !



خرجت وأنا احمل في جيبي كمية كبيرة من الفراغ وهاتف خليوي خالي الرصيد بسبب مكالمة امس الخارجية ولا تسألوني بمن اتصلت !،


ولكن يبقى الجيب الخلفي الذي يحمل الاوراق الثبوتية التي تؤكد أنني منبوذ دولياً ومحلياً ومنزلياً كوني عراقي وكوردي والأخ الأصغر !

بقيت تلك الاوراق مع كروت لأصحاب محلات لا أعرفهم وشركات لم أدخل أليها
فقط للتمويه على من يحاول أن يتلصص على محفظتي فينشغل بالكروت وينسى أنها خالية من النقود ،



وصلت باب المنزل ، تذكرت أن أترك أحلامي في البيت ،

فهي لا تصلح للإستخدام البشري خارج غرفتي

وقد يعتقلوني بسبب تطرفي بفكرة الحياة الرغيدة

والموت على سرير يحيطه بعض الاشخاص الغير مظلومين ،





____

فاصل ونعود ..،

احسان مصطفى
13-10-2009, 12:27 AM
كم هو جميل أن تعرف أنكَ متوجهٌ لشيء محدد ، تعرف أي الطرق تختار وكيفية الوصول وسرعة خطواتك والوقت المتبقي
والأهم ما سوف تفعله في المكان الذي سوف تذهب إليه ، ومتى تعود ،

هكذا أمور قل ما تحدث لي ، فأنا أتدحرج كل يوم لعمل لا اعرف كم سيستغرق ولا يهمني أصلاً أن اعرف ،
وأعود لأشتري كومة بطاطس وكوكا كولا وأجلس امام أي شي ،
رياضة ، فيلم وثائقي ، أخبار ، أي شيء أمارس فيه هواية قتل الوقت كالعادة
وعدم التفكير فيما سيحصل غداً لأنه بالتأكيد سوف يشبه اليوم بأي حال من الاحوال ،

عموماً تحدث أمور غريبة أحياناً ولكنها بالتأكيد لا تحدث كل يوم وإلا فلن تكون أمور غريبة ونادرة !
مثلاً أن لا يكون هناك خبر انفجار أو عبوة ناسفة وأن لا أسمع عدد الضحايا أو عدم سماع تصريح هجومي من أحد النوّاب في حلبتهم ،
وتناطحهم على دستور لم يكتمل حتى الآن،

وأعتقد أنه لن يكتمل لأنه إن اكتمل فسوف تنقطع أرزاقهم فلن يجدوا ما يحللون بهِ راتبهم المليوني كل شهر ، وسفراتهم كجوقة موسيقية كل يومين لدولة ،

ولكن يبقى لكل يوم طعم خاص ، مثلاً طلب مني طفلين أمام باب الدكان أن اذبحهما ! تقدّم الأول قال ( عمّو إذبحني ، الآخر قال نعم عمو اذبحه! )
يؤكد على كلام صاحبه بتكرار الطلب لتأيد الفكرة العبقرية ..
قلت حسناً سأضربكما قليلاً ثم اذبحكما ،، ففرّا هاربين ،

بعدها بدقائق دخل شاب مجنون للمحل ،
قال : جوعان ، قدمت له بعض الطعام ، قال لي بتودد ! أنت طيّب هل تريد أن تتزوجني ؟!! سأفرح جـ قاطعته (أطلع برّا لا ألعـن .....) !
أغلقت باب المحل بسرعة وهربت للبيت ،
ما هذه المدينة المجنونة ؟









_________
فاصل آخر
ونواصل

احسان مصطفى
13-10-2009, 12:29 AM
يعتقد الكثير من الناس ان الكتابة هي الطريق الأسلم للوصول إلى فكرة مناسبة تأخذك بعيداً وتأخذ بدورها القراء إلى مساحات واسعة من التصورات ، والعلوم والفهم ،

الكتابة لغة حوار بين بني البشر ولكنها تختلف عن الكلام فهي لا تنتهي مع انتهاء خروج الهواء من فم المتحدث كما يحصل في الكلام ، ولكنها تبقى مثبتة على شيئ ما وتستطيع الصمود طالما كان الشيء الذي كتبت عليه صامداً ، حتى بعد مرور الآف السنين كما يحصل عند قراءة الكتابة الهيروغليفية أو السومرية وغيرها ،

حسناً ما الفائدة من هذه المقدمة المملة التي بدأت بها ؟!
ربما هو أي شيء أريد أن اتحدث به قبل أن أبدأ بالحديث عن شيء آخر لم أحدده حتى الآن ولكني متأكد انه سوف يأتي !
سوف يأتي ربما بالقاطرة التي ستصل كما يقال غداً من تركيا إلى محطة الموصل في العراق كخطوة أولى نحو المشروع العراقي التركي ولاحقاً الأوربي للنقل بالسكك الحديدية ،،
أوربي ، هذه لغة جديدة مختلفة عن لغة التجارة بين السماوة وديالى أو بين البصرة وعين كاوه كأبعد حد لوصول التمور العراقية الشهية !
وقد أكلت في الرمضان الماضي تمور سعودية المنشأ ولم أدري لماذا لم استسغ طعمها ربما لأنها في أرض أبناء عماتها من النخلات العراقية فهي تبدي الإحترام لطعم التمر العراقي وتدخل بخجل إلى افواه الصائمين القادرين على شراء التمر الذي ارتفع سعره مع ارتفاع الحرارة والضغط الجوي وارتفاع ضغط الدم ولستُ أدري ما هي العلاقة بينهم،


عموماً هناكْ مثل شعبي عراقي يقول " الحجي بالتفاطين" يعني الكلام يستمر مع استمرار العلاقة الفكرية بين فكرة وأخرى ، وبين تذكر الأحداث والأشياء التي اتجه نحوها الحديث ،

وبما أن الحديث قد أخذني إلى الموصل فقد تذكرت أنها البوابة الغربية إلى دولة مجاورة والتي تسمى سورية ، والمدخل المتربع على كتف منطقة "ربيعة" الحدودي هو الحد الفاصل بين دولة العراق وجاره الشقيق العتيق سورية ،


كنت منذ فترة طويلة أتمنى أن تسمح لي الفرصة لكتابة معاينات شخصية عما يحدث في ذالك المعبر المشؤوم ، والذي يذكرني بمعبر رفح بطريقة مدهشة ،
بعدما كان في سبعينيات القرن الماضي لا يتجاوز كونه بوابة شفافة يعبر منها السواح والتجار على حد سواء من العراقيين والمرحب بهم على الدوام كما هي العملة العراقية آنذاك ،

فقد انتقل في الثمانينات إلى ثكنات عسكرية ممنوع الاقتراب منها أو تجاوزها إلا عن طريق التهريب المتعارف عليه وكذلك مضت سنوات التسعينات على نفس المنوال ،
بعد الحرب الأخيرة خرجتُ من العراق سائحاً في بلاد الله وباحثاً عن أشياء حلمت بها منذ الطفولة في رؤية عوالم أخرى وأشياء جديدة وربما كان هرباً لفترة قصيرة بعدما قضيت سنة كاملة في دوامة الخراب والمشافي والمارينز والجروح ورؤية الموت حتى في صحون الرز أو التمن كما يسميه العراقيون ،


وأول ما كان يواجهني هو أسوأ ما قد يحصل فقد خرجت في نفس اليوم الذي حدثت فيه المناوشات والقتال في شوارع قامشلي المدينة الكردية على الجانب السوري فلم نستطع الدخول إليها كما كان يقول لنا السائقون على الطرف الآخر من المعبر،


والذي كان هو الآخر مشبعاً بالغضب العراقي من جهة والحقد الامريكي من جهة أخرى واحتقار السوريين من الطرف الثالث لكل ما هو عراقي ، ولو كان الأمر بأيديهم لوضعوا جداراً يعزل عنهم الهواء القادم من العراق ولكنها السياسة الملعونة ، فهي تبيت كل ليلة في حضن !

شاهدت سيارات عراقية مكسورة النوافذ تشير لنا بعدم الذهاب إلى القامشلي فاتجهت مع اثنين من التجار الأكراد إلى مدينة حلب على انغام "علي الديك" الذي جعلني في آخر الرحلة أصرخ بوجه السائق وأطلب منه أن يقتل هذا الديك أو أن اذبحه ونتعشى!
بعد ان قتلنا بتكراره لنفس الاغنية لساعات طويلة فقدت بها أعصابي ،


هناك كل شيء يختلف ويشعرك بحرارة الدمعة فوق تموجات الضحكة على وجنتيك ،،

فقط ما عليك سوى أن تتجاوز الحدود لترى وجوه عابسة أكثر منها التي في العراق وثياب رثة لشرطة الحدود والتي أكدت أنهم لا يكرهوننا لسبب كوننا عراقيين فقط بل يكرهون أنفسهم لأننا نجلس في سيارات مكيفة وهم يحتمون من الشمس بقبعة يقارب وزنها العشرين رطلاُ والله أعلم ،




فاصل ، وربما سنواصل

مينا عبد الله
13-10-2009, 01:25 AM
انا والدمعة .... بانتظارك سيد كئيب

احسان مصطفى
13-10-2009, 09:28 PM
انا والدمعة .... بانتظارك سيد كئيب



انتِ أهلا بكِ وسهلا ولكن بلا دموع ... على رأي (حليم) أي دمعة حزن لا ..لا :)

شكراً لأنكِ هنا ...


:tree:
محبة

زهراء المقدسية
13-10-2009, 10:48 PM
سيد كئيب

هلا سمحت لي بمشاركتك كآبتك؟؟

كلنا في الهم والكآبة عرب

فرج الله همنا وهمكم

تحياتي

هشام عزاس
14-10-2009, 02:17 AM
الجميل / احسان مصطفى

خرافات السيد كئيب / سردية حكائية ممتعة برغم الألم و سوء المنظر الذي يحمله المشهد العراقي وظفت الأفكار بأسلوب شيق يتماشى و الأحداث و كذلك عبرت عن نفسية العراقي اليوم و ترسبات مختلفة نكتشفها من خلال سياق الحكي .

جميل نصك و هو أقرب إلى القصة منه إلى البوح النثري و لذلك اسمح لي أن انقله إلى منتدى القصة و الأقصوصة .

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

ربيحة الرفاعي
27-05-2013, 01:46 AM
سلسلة جميلة السرد ماتعة ومؤثرة الفكرة والتصوير

أرفعها لحقها بالاطلاع

تحاياي

نداء غريب صبري
14-06-2013, 04:40 AM
قصة جميلة وممتعة أخي

شكرا لك

بوركت

وفاء عرب
02-06-2014, 04:32 AM
وصلت باب المنزل ، تذكرت أن أترك أحلامي في البيت ،

فهي لا تصلح للإستخدام البشري خارج غرفتي

وقد يعتقلوني بسبب تطرفي بفكرة الحياة الرغيدة

والموت على سرير يحيطه بعض الاشخاص الغير مظلومين ،


جميل وأكثر من رائع كان قلمك
تحية وتقدير

كاملة بدارنه
02-06-2014, 04:14 PM
صور مؤثّرة من صور المعاناة المتعدّدة
احتاج النّصّ للمراجعة قبل النّشر
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
07-11-2022, 08:06 PM
خرافات السيد كئيب .. نظرت إلى زمن نزول هذا النص فوجدته 2009
ترى لو كتبت الآن زكرياتك عن العراق هل كنت ستزداد كآبة؟؟
مع ذلك فقد استمتعت بسردك وأسلوبك الشيق والذي يتمتع بخفة ظل محببة
تخفف حدة الوجع والألم من المعاناة.
وكما قالوا : كلنا في الهم عرب.
تحياتي وتقديري.
:sb::sb: