تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بشيرة و حكايات الجن



نزار ب. الزين
26-10-2009, 09:25 PM
بشيرة و حكايات الجن
قصة قصيرة
نزار ب. الزين*


ضاقت رويدة خانم ذرعا بالعزلة التي تعيشها و أفصحت لزوجها مرارا عن مر شكواها فكان كل مرة يتذرع بالأطفال << لقد أنجبت خمسة أطفال خلال عشر سنوات ، فالذنب ذنبك ! >> إعتاد أن يقولها مازحا ، فتجيبه مازحة : << و هل أتيت بهم من بيت أبي ؟ >> و لكنه فاجأها ذات يوم بقرب إيجاد حل للمشكلة ، فقد وعده أحد زبائنه أن يؤمن له خادمة فتية يمكن الاتكال عليها في كافة شؤون البيت بما فيها المساعدة على رعاية الأطفال .
كانت فرحتها لا توصف عندما دخلت بشيرة الدار ، هي في الثامنة عشر من عمرها ، بدت في غاية التهذيب عندما خاطبت ( الست ) مجيبة على أسئلتها الكثيرة ، ثم باشرت في الحال تنفيذ كل ما تؤمر به .
فرح بقدومها كذلك مصطفى ، بِكر العائلة ذو التاسعة و كذلك فرحت بها شقيقته أماني ذات السنوات السبع ، فقد دخل الأسرة عنصر جديد قد يغير من رتابة حياتهم .
تقبلت بشيرة بكل رضا إلقاء ثوبها الريفي و استبداله بأحد أثواب (الست) القديمة ، كما تقبلت أوامرها بضرورة الإستحمام قبل ذلك ، و ضحك عليها الشقيّان عندما خرجت من الحمام بهيئتها الجديدة وجلة مرتبكة .


*****


اعتادت بشيرة على مجالسة الأطفال بعد أن يفرغوا من مراجعة دروسهم و كتابة واجباتهم ، فما أن تنجز ما أنيط بها ، حتى يلتفون حولها في دائرة ، لتبدأ في قص ما لديها من حكايات ، فيضحكون في مواقف الطرافة و تدمع أعينهم في مواقف الحزن .
و لكن ...
ذات ليلة و بينما كان الوالدان في زيارة بعض الأقارب ، حلا لبشيرة أن تقص عليهم حكاية من حكايات الجن...
إتسعت مآقي الأطفال و تفتحت آذانهم و تسمرت رؤوسهم و لم يخفِ الصغار وجلهم فالتصقوا ببعضهم بعضا و رغم كل مظاهر توجسهم ظلوا يحثونها على المواصلة.
و ما أن أنهت بشيرة قصتها ، حتى بدأ سيل من الأسئلة ينهال عليها : << نعم هم قادرون على الظهور و على الإختفاء أنّى شاؤوا >> تجيبهم بشيرة واثقة ، ثم تكمل : << و هم أيضا قادرون على التشكل ، قد يظهرون على شكل قطة سوداء ، أو فأر أبيض ، و بإمكانهم الدخول من خلال الأبواب أو النوافذ المغلقة ، و بإمكانهم أيضا تقمص البشر ! >>
تصرخ الصغيرة كوثر هلعا فتضمها بشيرة إلى حضنها مطمئنة ، ثم تضيف قائلة : << إنهم لا يدخلون إلى أي مكان فيه أكثر من شخص واحد ! >>
يسمع مصطفى صوت ارتطام ، يتجمد رعبا ، يتساءل بصوت مرتعش : << هل سمعتم ما سمعته ؟؟ >> تنتقل موجة الرعب إلى الآخرين فيصيحون معا : << لعله جني ؟! >> تهب بشيرة واقفة ، تحمل بيدها الصغير رضوان و تجر بيدها الأخرى كوثر ، و تهرع و الآخرون من خلفها نحو الحمام ، تغلقه من الداخل ، ثم تحكم إغلاق نافذته الصغيرة ، ثم تجلس أرضا و قد التصق بها الكبار و الصغار ....
الكبار بمن فيهم بشيرة - ذاتها - يرتعشون و الصغار يبكون بصمت عدا كوثر التي علا نحيبها....
فجأة تنظر بشيرة إلى الأرض فتلمح ( البلاعة ) ...
تشهق :<< ويلاه ، قد يخرجون علينا من البلاعة !! >> ثم تشد منشفة معلقة ، تكورها ثم تسد بها البلاعة ، ثم تعود للجلوس محاولة أن تتماسك .
و على حين غرة تصيح أماني منذرة : << شاهدتُ المنشفة تتحرك >> ثم تنخرط بالبكاء ...
يعلو صراخ الصغار أكثر و أكثر ...
يمتقع وجه مصطفى ، يقترح بفم مرتجف : << هيا فلنغادر البيت في الحال ! >>
ثم يندفعون معاً نحو الشارع ، في كتلة واحدة ، بين باكٍ أو مرتعشٍ ، حفاةً عراةً إلا من مباذلهم !
--------------------------
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العربArabWata
الموقع :www.FreeArabi.com (http://www.freearabi.com/)

آمال المصري
26-07-2010, 01:08 AM
للأسف بشيرة هنا قامت بدور الأسرة كاملا حتى أنها سيطرت على العقول التي مازالت براعم صغيرة تحتاج سقاية طيبة بدلاً من ثقافاتها الخرقة وجهلها المدقع الذي ساق خيال الأطفال ليجسدوا الوهم واقعا
العيب يقع على الأسرة التي ألهاها زخرف الحياة ومادياتها عن هؤلاء الصغار بدلا من الاحتواء والرعاية والاعتماد كلية على الخادمة في كل الأمور الحياتية والمعنوية وحتى المبادئ وإن اختلفت البيئات والديانات
سيدي الفاضل ...
نص رائع ماتع بكل ماحوى
مازلت في بحث مستمر لاستخراج دررك الثمينة المليئة بالحكم والعظات والدروس المستفادة
تقديري الكبير

اماني محمد ذيب
27-07-2010, 04:07 PM
كثيرون هم سيدي الذين يستغنون عن
ادوارهم لكي يعطوها لغيرهم
ولكن....
الاجدر بنا ان يلعب كل منا دوره لكي تتوازن الحياة
وتمضي على خير
وهنا اعطيت كل الادوار للخادمة التي زرعت الرعب
والخرافات في عقول الاطفال
سيدي قصة جميلة
دمت متميزا

محمد ذيب سليمان
27-07-2010, 05:41 PM
الحبيب نزار
تتحفنا في كلب مرة بأقصوصة من واقع الحياة
نراها أو مرت علينا
وارى بأنك تقصها للعبرة ولتعليم من لا يزال يحمل تلك الأفكار البالية
وهنا تكمن أهميتها
النظرة السطحية للقصة لا تعطيها اهتماما ولكن لننظر الى ما وراء الكلمات من معطيات .. الى أين تسير بنا
دمت مبدعا

نزار ب. الزين
28-07-2010, 05:04 AM
للأسف بشيرة هنا قامت بدور الأسرة كاملا حتى أنها سيطرت على العقول التي مازالت براعم صغيرة تحتاج سقاية طيبة بدلاً من ثقافاتها الخرقة وجهلها المدقع الذي ساق خيال الأطفال ليجسدوا الوهم واقعا
العيب يقع على الأسرة التي ألهاها زخرف الحياة ومادياتها عن هؤلاء الصغار بدلا من الاحتواء والرعاية والاعتماد كلية على الخادمة في كل الأمور الحياتية والمعنوية وحتى المبادئ وإن اختلفت البيئات والديانات
سيدي الفاضل ...
نص رائع ماتع بكل ماحوى
مازلت في بحث مستمر لاستخراج دررك الثمينة المليئة بالحكم والعظات والدروس المستفادة
تقديري الكبير



*****
أختي المبدعة الفاضلة رنيم
أشكرك لايقاظ القصة من مرقدها في الأرشيف
و ممتن لمشاركتك القيِّمة التي رفعت من قيمة النص
أما ثاؤك فهو شاهدة أعتز بها على الدوام
مع خالص مودتي و تقديري
نزار
*****

نزار ب. الزين
28-07-2010, 05:12 AM
كثيرون هم سيدي الذين يستغنون عن
ادوارهم لكي يعطوها لغيرهم
ولكن....
الاجدر بنا ان يلعب كل منا دوره لكي تتوازن الحياة
وتمضي على خير
وهنا اعطيت كل الادوار للخادمة التي زرعت الرعب
والخرافات في عقول الاطفال
سيدي قصة جميلة
دمت متميزا

*****

أختي الكريمة أماني
صدقت ، فالكثيرون بتركون تربية أولادهم للخدم ، بحيث يتشرب الأطفال سلوكيات غريبة عنهم قد تضر مستقبلهم
***
أختي الفاضلة
ممتن لمشاركتك القيِّمة في نقاش النص
و لثنائك الدافئ
و دمت بخير و سعادة
نزار

نزار ب. الزين
28-07-2010, 05:15 AM
:001:
الحبيب نزار
تتحفنا في كلب مرة بأقصوصة من واقع الحياة
نراها أو مرت علينا
وارى بأنك تقصها للعبرة ولتعليم من لا يزال يحمل تلك الأفكار البالية
وهنا تكمن أهميتها
النظرة السطحية للقصة لا تعطيها اهتماما ولكن لننظر الى ما وراء الكلمات من معطيات .. الى أين تسير بنا
دمت مبدعا
*****

أخي المكرم محمد ذيب
مشاركتك أضاءت نصي و أدفأتني
و ثناؤك وسام زين نصي و صدري
فلك الشكر و الود ، بلا حد
نزار

ربيحة الرفاعي
04-03-2014, 07:00 PM
أمة باتت الخادمات مربيات فعليات لشريحة كبيرة النشء فيها لهي أمة تسير في منحدر اجتماعي نحو قيعان الحضارة

وبحرفك الهادف أديبنا رصدت حالة من تلك الحالات التي تشكل الشريحة المضيعة بنصب الياء وجرها

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
06-03-2014, 06:22 AM
ارى كاتبنا انك رصدت اكثر من حالة
الخادمات و سلبياتهم
التربية ومسؤوليتها
الخرافة وتأثيرها
فانا لا زلت الى الان انظر خلفي في الليل خوفا من الجني
لم يكن حينها خادمات لكن الرسائل السلبية التي قد تصل الينا من خلال سرد القصص قد تؤثر فينا لاحقا
رائع كالعادة
مودتي وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
04-11-2018, 12:08 PM
تربية الطفال فن قائم بذاته ـ والطفل السعيد اليوم هو الرجل العظيم في الغد
فياليت الأمهات لا يتركن أطفالهن في رعاية الخادمات ، فكم من أطفال كانوا ضحايا
لخادمات غير مؤهلات فيكون تاثيرهم سلبيا وفي غيرصالح الطفل عادة
وقد يتعرض الأطفال على أيديهن للتعذيب والضرب والعنف والتخويف
فالخادمات في المنزل قد تكون كالقنبلة الموقوتة في خطورتها.
رحلت ياسيدي ولكن لازالت مواضيعك الهامة معين لا ينضب
رحمة الله عليك ولك الجنات العلى إن شاء الله.
:0014::0014:

عماد هلالى
04-11-2018, 11:01 PM
بشيرة جاءت إلى المرعى حين غاب الراعي وملأت الفضاء الفارغ بما تعرف وما لا تعرف , بشيرة لا لوم عليها ولا ذنب لها , وكل اللوم والإثم على من ترك مسؤوليته وسلّمها المهام . يترك الآباء الأبناء , وتترك الحكومات الشعوب , وتسيطر الخرافة . نص ماتع ورائع أستاذنا المحترم , واستسمحك في عرض ما وصلت اليه قراءتي القاصرة , وأكيد ما ترمي اليه القصة أبعد نظرا وأفقا , خالص تحياتي وتقديري