تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لست وحيدا



عدنان القماش
10-12-2009, 03:47 AM
كل هذه الأيدي الممدودة في توسل، تلوح من أجل أن تنال منك ولو ابتسامة.
يحبونك، بل هم مهووسون بك.
تصرخ، تصرخ بقوة. تجعلهم يفقدون وعيهم، تطلق العدوى بين الجموع.
لا تكترث عندما تراهم يتساقطون.. لا ترأف بحالهم، فأنت أعلم بما يريدون.
ولا تنسى أبدا عندما تنهي رقصتك - فوق هذا العالم - الوقوف على أطراف أصابعك.

ها قد حانت فترة الاستراحة.. تسترخي، تلتقط أنفاسك، ترفع شعرك الطويل المنسدل على عينيك، قبل أن تمسح جبينك الذي يتصبب عرقا.
ترتشف قليلا من الماء المثلج. تقع عيناك على ذلك الشاب الواقف هناك. يكرر كل حركاتك، إنه نسخة كربونية منك. لا تعلم لماذا تكره النظر إليه.
تطرق برأسك، تنظر صامتا بين نعليك، فتعود تلك الدمعة لتتراقص في عينيك.
كم كان المشهد قاسيا. في الظلام، يسحبون منك ذلك الطفل البريء. يلقون به لتلك الصواعق المجلجلة بضوئها الأخاذ، تنقض عليه، تخطفه بقسوة.
مازال نحيب صراخه يدوي في أذنيك، يضج مضجعك.

لا يهم هذا الآن، الوقت يداهمك، يجب أن تركز. ينتظرونك لتعود إليهم، لتفعل ما لم يفعله غيرك. سيجن جنونهم عندما يرونك سائرا فوق القمر. بالطبع لم يكن هذا ليكفيك، لذلك ستكون مشيتك إلى الوراء.
تظهر عليك علامات التوتر، لكن تكسوك لمحة من الثقة، فقد تدربت كثيرا. تقف، تنزع عن وجهك تلك النظرة البائسة. تكثر من وضع المساحيق لتطمر بؤسك وما أصاب ابتسامتك.
تعلم أنه لا مجال للفشل، الحاقدون ينتظرون فرصة لاصطيادك. سيصمونك بكل نقيصة، سيطاردونك بالإشاعات.

ها قد حانت اللحظة. تبذل مجهودا عظيما جعلهم مبهوتين. تسعى لجعل الجموع يعبدونك. لا يفيقون إلا بعد أن التهم الألم أيديهم من شدة التصفيق، وتشققت حناجرهم من الصراخ.

تبدو مرهقا، تلتقط أنفاسك بصعوبة، يتصبب العرق من كل جسدك. لكن أنصت، ها هم يهتفون باسمك. أطلقوا أجنحة شهرتك إلي الأفق البعيد، أصبحت ملء السمع والبصر.
يركضون وراءك في كل مكان. تقف لتوزع ابتساماتك التي أراها لأول مرة.
لم يكتفوا، صنعوا لك تمثالا ضخما. تذهب لتنزع عنه الستار، يتدافعون حولك.
أرى أنفاسك قد اختنقت من الزحام المحيط بك. ازداد الأمر عن حده، بدأ يفقد لذته، أصبح لا يطاق، بل صار بشعا.

أصبحوا لا يتورعون عن انتهاك خصوصيتك. ضاق صدرك، تصرخ فيهم "توقفوا". تصرخ طلبا للسلام، راجيا أن يتركوك ترتشف قطرات من الهدوء.
لكنهم لم يحترموا صرخاتك، كم هم سريعو النسيان.
تصرخ فيهم، أنك شرير. تتركهم يفعلون ما يحلو لهم. تعود لمأواك مغاضبا، تصدر أوامرك برفع الأسوار، لقد قررت أن تضرب على نفسك حصارا.

ها هي دائرة الضوء تنحسر، تنزوي بعيدا في أحد الأركان.
تلقي بنفسك فوق أريكتك، تغمض عينيك، تهدأ قليلا. تبحث حولك، لا تجد تلك الشجرة التي اعتدت الراحة في حضن غصونها الظليلة. تداعب أوراقها وجهك، تضحك، فينساب صدى ضحكاتك على جنبات المكان. فقدتها إلى الأبد، لقد ماتت على حواف صرخاتك.

تفتح عينيك لترى الظلام قد عاد ليسيطر على عالمك من جديد. صرع دائرة الضوء المرتجفة، ثم راح يلتهمها بنهم.
تشعر بضيق في صدرك، كأن روحك تصعد إلى السماء. تظل راقدا تتأمل أضواء الشموع التي تتراقص أمامك. لا تحرك شيئا بداخلك، ولا تُشعرك بدفئها.
وأَنَّى لها هذا مع برد قارس لعين، يزحف على جدران قصرك المهيب. لا يرحم ضحيته، سوداء كانت أم بيضاء. زج بك إلى سجن نفسك، فصرت حبيسا، تشعر بالتيه والغربة. يجمد أناملك، وينحت الجمود على ملامح وجهك. تبكي من شدة الألم، لا أحد يسمعك، إنهم حقا لا يهتمون.

ها هو يوم آخر يجمع عقاقيره وأدواته، يرحل ومازلت وحيدا.
فقدت بريق الحياة، صرت هزيلا. تتململ في مكانك، تحاول الخروج من حالتك المزرية. لا تكترث لهذه الدماء التي تكسو الأرض، تستند إلى حطام نفسك، ترزح في أصفادك.
تزحف نحو ذلك الرجل في المرآة. بلغت موطئ قدميه. فزعت، كأنما رأيت مسخا. تجمدت في وقفتك، لماذا لا تتقدم؟. استرضه قدر استطاعتك. تلون ، ارقص، اضحك، ابك، لعله يسمح لك أن تكون هو.

فقدت جل طاقتك، شحب وجهك وذبلت عيناك. يئست وبكت الوحدة بداخلك، صرت منكسرا. تحاول جر نفسك من هذه الحالة البائسة. تنهض مرة أخرى لتؤدي هذه الرقصة. هذه المرة تفعلها لنفسك فقط.
تقفز، تدور على عقبيك. تضحك، تضحك، لا تتوقف عن الضحك. لكن تعود لتسقط، تجثو على ركبتيك وتبكي. تحاول أن تصرخ لعل هذا يشعرك بالراحة. لا فائدة، تشعر أن الأمر عديم الجدوى، بعد أن أصاب الخرس دموعك.

لكن انتظر، ما هذا الضوء الذي يسطع هناك؟.
ارفع رأسك. اقترب، تقدم أكثر. ما هذه النظرة اليائسة؟، يمكنك تحطيم كل هذه القيود، يمكنك الهرب.
أسرع، تحرك. اترك هذا الظلام، اصهر هذا الجليد الذي تكثف على ملامحك.
مالي أراك فاتر الهمة؟. إلى أين تركض؟ ليس في هذا الاتجاه، انتظر.
ما الذي جاء بك هنا؟ لماذا تضع رأسك على الأرض هكذا؟
أراك تصغي السمع لنبض الأرض. تنبش سطحها، تحفر، تحفر أسرع، يتملكك الجنون.
تزداد الحفرة عمقا، يتحول همس نبضها إلى صراخ. تصرخ أنت، وتصرخ هي واضعة حملها.
تفزع لرؤية هذا المولود، قبل أن يرتد إليك طرفك، تجده قد برق أمامك.
تتسابق نبضات قلبك محاولة الهرب. ملامحك المتجمدة تسأل عن أشعة الشمس التي تحمل على أجنحتها قطرات الندى.
تزحف رائحته بهدوء بين ثقوب أنفك التي بدأت تضيق كأنها سم الخياط.
يكف جسدك عن الانتفاض، بدأت تسكن. تغمض عينيك في استسلام، بعد أن أيقنت.. أنك لست وحيدا.

بقلم: عدنان القماش.
14 يوليو 2009.
من مجموعة: فأر في المصيدة.
مجموعة قصصية مشتركة.
توزيع: أخبار اليوم.

آمال المصري
22-02-2010, 02:12 PM
ماأقسى أن تكون وحيداً وسط الجموع تناجي أفكار جنونك وتنعي ضحكاتك المقتولة فاراً داخل انكسارك ... تغني .. ترقص ... حتى اللحظة الأخيرة حيث السقوط
والنهاية المحتومة .
تصوير دقيق لحالة يهذي بداخلها اليأس وعدم القبول والرضا تذكرت وأنا أقرأها المغني الأمريكي ( مايكل جاكسون ) الذي غير لونه وملامحه وفي النهاية كان إلى فناء
حاولت كثيراً مجاراة اللوحة لكن وجدتني أمام نص عميق الفكرة تؤول فيه الوحده لعدة وجوه .
سيدي الفاضل
قرأت النص وأعجبت به حد الدهشة
وأتمنى أن أقرأ لك المزيد
مرحبا بك في واحة الخير دوماً
احتراماتي

عدنان القماش
04-03-2010, 08:03 AM
ماأقسى أن تكون وحيداً وسط الجموع تناجي أفكار جنونك وتنعي ضحكاتك المقتولة فاراً داخل انكسارك ... تغني .. ترقص ... حتى اللحظة الأخيرة حيث السقوط
والنهاية المحتومة .
تصوير دقيق لحالة يهذي بداخلها اليأس وعدم القبول والرضا تذكرت وأنا أقرأها المغني الأمريكي ( مايكل جاكسون ) الذي غير لونه وملامحه وفي النهاية كان إلى فناء
حاولت كثيراً مجاراة اللوحة لكن وجدتني أمام نص عميق الفكرة تؤول فيه الوحده لعدة وجوه .
سيدي الفاضل
قرأت النص وأعجبت به حد الدهشة
وأتمنى أن أقرأ لك المزيد
مرحبا بك في واحة الخير دوماً
احتراماتي

بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخت الكريمة رنيم،،،

قراءة واعية لما بين السطور.

وجزاكم الله خيرا لهذا الإطراء لعملي المتواضع.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

مازن لبابيدي
04-03-2010, 09:35 AM
القاص المبدع عدنان القماش
أسلوب متميز بحق وتحليل نفسي عميق يترافق مع السرد الماتع الأقرب إلى الصراع الوجداني الداخلي منه إلى الحدث الخارجي .
شدتني من البداية إلى الخاتمة المدهشة .
تحيتي وتقديري

عدنان القماش
23-03-2010, 01:26 AM
القاص المبدع عدنان القماش
أسلوب متميز بحق وتحليل نفسي عميق يترافق مع السرد الماتع الأقرب إلى الصراع الوجداني الداخلي منه إلى الحدث الخارجي .
شدتني من البداية إلى الخاتمة المدهشة .
تحيتي وتقديري



بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ والأستاذ الكريم مازن،،،

أعتذر بشدة لتأخري في الرد، لا أعلم ماذا حدث لي في الفترة الأخيرة؟
أحسبه الزواج سيدي الفاضل....ربنا يجعل كلامنا خفيفا عليهم d:

جزاكم الله خيرا لهذا الإطراء الذي لا استحقه
وحقا تشرفت بزيارتكم الكريمة لعملي المتواضع

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

حسام القاضي
05-04-2010, 08:04 PM
أخي الفاضل الأديب / عدنان القماش
السلام عليكم

قصة شيقة أجبرني أسلوبها السلس
وإيقاعها السريع على المتابعة حتى النهاية
بلا وقفة واحدة لالتقاط أنفاسي ..
أراك تستخدم تقنية جديدة هذه المرة
وقد كنت موفقاً فيها جداً
مبارك لك تمكنك مع هذا التنوع

تقديري واحترامي

أحمد عيسى
05-04-2010, 08:29 PM
الأستاذ الأديب : عدنان القماش

أسلوب جميل ، وسرد سلس عذب ..
قرأت رواية كاملة لكاتب لا يحضرني اسمه حالياً كانت بذات الأسلوب ..

أحييك على جمال طرحك

محمد ذيب سليمان
09-04-2010, 04:05 PM
أمتعني جدا ما قرأت لك
لاأريد أن أزيد على ماتفضل به الزملاء من قبلي
وكأن كلامي سيكون مكرورا لما قالوا
أشكرك جدا على ما ذهبت اليه من أسلوب شيق

عدنان القماش
21-04-2010, 10:07 PM
أخي الفاضل الأديب / عدنان القماش
السلام عليكم

قصة شيقة أجبرني أسلوبها السلس
وإيقاعها السريع على المتابعة حتى النهاية
بلا وقفة واحدة لالتقاط أنفاسي ..
أراك تستخدم تقنية جديدة هذه المرة
وقد كنت موفقاً فيها جداً
مبارك لك تمكنك مع هذا التنوع

تقديري واحترامي


بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم حسام,,,

أولا أعتذر للتأخر في الرد
ولعلك تسامحني عندما تعلم أن التأخر بسبب قدوم ضيف جديد إلى أمة الإسلام.
فقد رزقنا الله عبد الرحمن...بارك الله فيه هو وأخوه ومن يليهم إن شاء الله
استخدمهم الله وإيانا فيما يحبه ويرضاه.

ثانيا
أشكر لك هـذا التعليق المشجع وهـذا ليس بغريب على إنسان كريم.

بالنسبة للعمل....فهـذه التجربة العاشرة
لو تتذكر أني حددت لنفسي عشر محاولات للحكم على تجربتي وهل سأستمر أم لا!!!
وما زلت في مرحلة دراسة التجربة...والله المستعان.

جزاكم الله خيرا لهذا الاهتمام...وشكر لأهالي الواحة الكرام لدعمهم المستمر.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

عدنان القماش
23-04-2010, 06:18 AM
الأستاذ الأديب : عدنان القماش

أسلوب جميل ، وسرد سلس عذب ..
قرأت رواية كاملة لكاتب لا يحضرني اسمه حالياً كانت بذات الأسلوب ..

أحييك على جمال طرحك


بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الكريم أحمد عيسى،،،

أشكر لك اهتمامك وإطراءك لعملي المتواضع.

بالنسبة للأسلوب
قرأت أعمال بهذا الأسلوب وأعجبت به كثيرا....لذلك حاولت محاولتي البسيطة هذه.

أما أن يكتب به رواية كاملة، فهذا تمكن...
لو حدث وتذكرت اسم الراوية، أرجو إرساله لتعم الفائدة.

جزاكم الله خيرا،،،

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

عدنان القماش
23-04-2010, 06:25 AM
أمتعني جدا ما قرأت لك
لاأريد أن أزيد على ماتفضل به الزملاء من قبلي
وكأن كلامي سيكون مكرورا لما قالوا
أشكرك جدا على ما ذهبت اليه من أسلوب شيق




بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الكريم محمد ذيب،،،

أشكر لك مرورك الطيب العطر.

تواجدكم أضاف للعمل بريقا.

جزاكم الله خيرا،،،

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

د. سمير العمري
26-08-2010, 04:26 PM
كثيرون أولئك الذين يشغلهم حاضرهم عن مستقبلهم وينسون في غمرة سطوع ضوء الوهم العابر أن الأيام القادمة تحمل لهم عتمة أحلك ووحدة أقسى.

نص قصصي بارع أجد فيه أسلوبا مميزا ومتجددا يزيد إلى رصيدك القصصي الثري!

دمت في ألق!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

عدنان القماش
30-08-2010, 02:52 AM
كثيرون أولئك الذين يشغلهم حاضرهم عن مستقبلهم وينسون في غمرة سطوع ضوء الوهم العابر أن الأيام القادمة تحمل لهم عتمة أحلك ووحدة أقسى.

نص قصصي بارع أجد فيه أسلوبا مميزا ومتجددا يزيد إلى رصيدك القصصي الثري!

دمت في ألق!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي


بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استاذي الكريم د. سمير،،،

قراءة واعية سبرت أغوار النص.

جزاكم الله خيرا لهذا الإطراء لعملي المتواضع...وكذلك لمتابعتك المستمرة.

دمتم ودامت لنا الواحة بكل خير....

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

ربيحة الرفاعي
17-10-2014, 06:01 PM
كانت استعارة موفقة لشخصية تجمعت فيها صراعات إنسانية متباينة، شخصية عايشت المعاناة المادية المنبع تارة، وتلك المتأتية عن أسباب عرقية تارة، فخَلقية السبب واجتماعيتة تارة أخرى، لتتخطاها جميعا نحو نجومية لا مدى لجنون اتساعها ...
ثم تصل الى لا شيء ... وحدة في قلب الجموع ، وصمت برغم الضجيج ، وخواء يستولي على الروح ....
إنها الحقيقة التي يغفلها الكثيرون ....
لا شيء يحقق طمأنينة القلب غير علاقة سوية بباريها، تجعل استعدادنا لرحلة النهاية آمنا مطمئنا ...
الى هنا حملتي رائعتك هذه
وهكذا قرأتها
نص شيق متسارع الحدث، وعذب الأسلوب
دمت مبدعا

تحاياي

خلود محمد جمعة
19-10-2014, 11:52 AM
البرودة التي تسربت الى روحه جمدت كل إحساس بالحياة الى أن غادر الجمع وهو بينهم وسكنه الصمت في وسط الضجيج وبقي هناك بقايا نبض في قلبه بعد أن رحل عن الواقع
بسرد مائز وأسلوب جاذب رسمت حروفك بتسارع أرهقنا ولم يتعبنا
قص جميل
تقديري