تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : معا



هيثم عبدربه السيد
28-12-2009, 08:04 PM
--------------------------------------------------------------------------------


فى وقت كهذا كنت أرقبه من بلكونتى الصغيرة وهو جالس على المقهى المواجه لمنزلنا يلعب الدومينو أو الطاولة مع احد أصدقائه ممن لهم تقريبا نفس هيأته..الرأس المشتعلة بالشيب،النظارة الطبية التى تبتلع نصف معالم الوجه،اليدين المعروقتين والجلباب الأبيض المكوى بعناية.
كانت ضحكته تجلجل فى الشارع وهو يطرقع بقطع الدومينوعلى "ترابيزة" المقهى الخارجية واعتدت سماع عبارته
"إلعب ياصليب ..إلعب" كان يطلقها مدوية يكاد يسمعها كل الشارع
كان صليب هو صديقه الأكثر تواجدا معه والأكثر شبها به حتى انى سألت أمى ذات مرة فى صغرى هل عم صليب وعم محمد أقارب فابتسمت وهى تنشر الغسيل فى البلكونةحيث كنت أقف إلى جانبها وأرقبهما على المقهى.
الأسبوع الماضى مات عم صليب فانقطع عم محمد عن المقهى .زرته فى المنزل ..وجدته متكورا على كرسيه فى البلكونة يختلس النظر إلى المقهى والترابيزة الخارجية والكرسيين الجريد حيث كان يسجلس هو وصليب من بعد العصر إلى مابعد المغرب..لايقطعه عنه سوى صلاة المغرب .بعدها يعود يطلب بأعلى صوته من صبى المقهى "الشاى بالنعناع يالولو" ...كأنه لم يشعر بوجودى ظل ساكنا سكون تلك الدمعات التى لمحتها راكدة فى مقلتيه.تنحنحت وحاولت أن افتتح معه حديثا فقلت
-البقاء لله ياعم محمد . قلتها فى هدوء..رد فى هدوء مماثل -ونعم بالله
لم يضف على عبارته ولاربع كلمة سوى تنهيدة عميقة تصورتها تخرج من اعماقه.حاولت مجددا ان أطرق بابا آخر لفتح الكلام فاخبرته ان البشر فانون وان الموت هوالمعادل الطبيعى للحياةوانه لاخلود إلا للخالق ..كررعبارته مرة ثانية دون ان يحرك ساكنا .طاف بخاطرى ان الوقت غير ملائم وانه لن يتحدث وان انصرف لولا ماكان يضعهعلى ركبتيه ويستند إليه بساعديه...كان البوما كبيرا للصور.سحبته برفق وانا أسأله مداعبا
-إيه ده ياعم محمد..........ذكريات؟ فأجاب بصوت خفيض وهو يرفع عنه ساعديه
-يعنى.... كان الألبوم بتصميمه القديم يوحى بأنه كتاب تاريخ لاألبوم صورومازاد ذلك الاحساس فى نفسى تلك العبارة المنقوشة بالخط الكوفى المذهب على غلافه "محمد عبدالرحمن و صليب موريس ..ألبوم خاص"
استأذنته فى فتح الالبوم فأومأ براسه موافقا .
واجهتنى الصورة الاولى ..ابيض واسود لطفلين صغيرين بمرايل مدرسية يلتف ذراع كل منهما حول رقبة الآخر..يأتينى صوت عم محمد كالقادم من الحلم، يخبرنى ان الصورة التقطها والده عند باب المدرسة الابتدائية فى أول يوم دخل فيه المدرسة مع صليب.
الصورة الثانية احدهما يحمل الآخر وهو حاملا لكأس بملعب كرة قدم ، يخبرنى عم محمد انها التقطت فى المدرسة الثانوية .
الصورة الثالثة أميز فيها عم محمد وهوإلى جانب عم صليب ، يخبرنى عم محمد انها التقطت يوم التخرج من الجامعة....
استمر فى تقليب الصور ويستمر صوتعم محمد يصاحبنى "هذه ونحن فى التجنيد" و"هذا فرح عمك صليب"
و "هذه كنا نصطاد فى بركة اكياد" و"هذه عند عودتى من الحج" و"هذا معا على المقهى"
وتنفرط الدمعات من عيني عم محمد ويقول لى وهو يعاود النظر إلى المقهى "انا حاسس انى هاموت وراه"
تترددعبارته فى أذنى بينما أمى تلكزنى فى كتفى وانا مستغرق فى النظر إلى المقهى والترابيزة الخارجية والكرسيين الجريد.. - قوم صلى العصر عشان تلحق جنازة عمك محمد

عصام عبد الحميد
29-12-2009, 05:24 PM
حلم جميل
يذكرنا بالأيام الخوالي
ترى ستعود؟

ابن الدين علي
03-01-2010, 10:24 PM
أخي هيثم
القصة هي فعلا قصة من الناحية الفنية قراتها و أعدت قراءتها يبدو انك أنسان تتمتع بحس رهيف القصة ناجحة جدا بارك الله فيك و لا جف قلمك ايها الأديب .تصوير رائع و توغل في نفسية بطل القصة...

آمال المصري
01-01-2013, 01:22 AM
عندما يكون الارتباط وثيق لتلك الدرجة .. يكون الفراق صعب على أيهم
هي توأمة روح تأبى الفراق رغم اختلاف الديانات
نص جميل وسرد ماتع وجاءت الخاتمة مفاجأة
أثارت شجوني أقصوصتك أديبنا الرائع
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ربيحة الرفاعي
23-01-2013, 08:33 AM
سرد جميل شائق ولغة قصية جسدت السهل الممتنع شابها قليل من إسهاب في بعضها، وتوظيف للأسماء في توصيل رسالة للفرقاء المتأهبين دائما للاقتتال بلا سبب غير تحريض المغرضين ..
أعتقد أن الصورة الأولى تتنافى وتاريخ التصوير إلا إذا كان والده مصورا، فالكاميرات لم تكن متاحة والتصوير الشمسي كان حرفة صعبة

دمت بألق أديبنا

تحاياي

ناديه محمد الجابي
23-01-2013, 09:13 PM
أقصوصة بديعة ــ أخذنا السرد الممتع والوصف الدقيق
لصداقة لم يستطع إختلاف الأديان أن يقلل من قوتها ورقيها
ونهاية صادمة تعزز قوة الصداقة ومدى الأرتباط الروحى بينهما
فكرة راقية أبدعت فى التعبير عنها
خالص المودة والتقدير .

نداء غريب صبري
18-02-2013, 11:22 PM
عندما تتآلف القلوب تصبح الفروق وهما
قصة جميلة وسرد مشوق

شكرا لك

بهجت عبدالغني
19-02-2013, 12:16 AM
لغة سهلة .. مشاهد عفوية .. لحظات إنسانية تسير دونما تكلف أو تصنع .. قفلة مفاجأة ..
ترسم لنا هذا النص الجميل ..


الأخ المبدع هيثم
تقبل مروري وقراءتي


دمت بخير وعافية


وتحاياي ..

كاملة بدارنه
19-02-2013, 01:38 AM
الصّداقة الحقيقيّة كنز العلاقة الذي يجعل رهف الحياة ملموسا
موت الصّديق أثبت صدق ما كان بين الاثنين، ولكن لا يعني أن يموت بعده حزنا!
سرد مشوّق وصف صدق المشاعر وصفا جميلا
بوركت
تقديري وتحيّتي
(تمنّيت الاهتمام باللّغة قبل النّشر )
(الرّأس المشتعل - اليدان المعروقتان - يجلس - وهو حاملٌ - وكذلك بعض الهمزات )

براءة الجودي
19-02-2013, 03:09 AM
القصة رائع ووصفك جميل يتوغل في أعماقنا وكأنما كنا معهم نعيش اللحظة , إن كانت هناك روحانكتوأم واحدفسيكون من الصعب جدا تحمل فراق الآخر وجميل أن كان قدره الموت مع رفيقه , الله أعلم مابقلبه وكان موته بعد صديقه رحمة له من ربنا
المصادقة بين المسلم والكافر شئ جميل إن كان فيه دعوة إلى الله أوأمل للاستجابة , جميل ان يتعامل المسلم بأخلاقه ولطفه مع الجميع مسلمين وغيرهم , ولكن على حد علمي لايجوز أن نحمل للكافر محبة ومودة في قلوبنا
لأن المسلم يبغض من يبغضه الله ويحب من يحبه , مع علمنا أن هناك من النصارى من يبحث عن الحق فيؤمن به ومنهم من يبحث عنه ولايتمكن من الصول إليه فهؤلاء الله أعلم بهم وارحم

شكرا لك أخي هيثم عل هذه الرائعة التي أتحفتنا بها