تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : انعاش



هيثم عبدربه السيد
01-02-2010, 06:17 PM
كنت كلما سمعت الكلمة أجزئها الى جزأين "إن- عاش".
وحينما أفقت من غيبوبتى الأخيرة -احدى غيبوبات السكر اللعين المتكررة- وجدتنى محاصرا بأياد كهربية رفيعة تلتصق أكفها بخلايا جسدى المدد على بساط ابيض ،تحتضننى غرفة ضيقة لالغو فيها عدا اهات نبضاتى من أعماق قلبى القابع خلف شاشة " المونيتور" وعاود الظهور مرة اخرى ذلك الطائر الخرافى يحلق فى فضاء الغرفة الضيقة ، يقترب منى راقصا ، تصاحبه موسيقى جنائزية كلاسيكية كانت اخر مالتقطته اذناى قبل ان اغوص فى دوامات اللاوعى. يعاودنى الشعور بان انفاسه لهب حارق يعتصر طبقات جلدى فيخرج منها ينابيعا من ملح بارد واستشعر -كلما دنا منى-انتزاع انفاسى وارتخاءات أطرافى وزحف ليلى على طاقتى النور فى رأسى ، رويدا رويدا تتضح بشاعة الطائر ،أغلق طاقتى النور فى رأسى فى محاولة للافلات من بشاعة اقترابه فاجدنى هائما عاريا أمام بيتى الريفى على أطراف قريتى البعيدة المنسية ، أهرول إلى حيث كنت اجلس تحت شجرة التوت الكبيرة ،أتفقد أشيائى التى تركتها على منضدتى الصغيرة ...فنجان قهوتى النصف ممتلئ ،قصيدتى التى لم تنتهى ،جريدة المساء التى لم أقرأها وعلبة سجائرى الرخيصة . أقترب من أشيائى ، أحاول ان ألملمها ..تأتينى من بعيد تلك الموسيقى الجنائزية الكلاسيكية ، احتضن أشيائى بقوة ،انطلق كالممسوس إلى داخل البيت ،ارتمى وأشيائى فى احضان زوجتى وطفلتى الصغيرة ،تحاصرنى الموسيقى الجنائزية واجد الطائر الخرافى يقبض على رأسى بمخالبه الحادة ،يجتذبنى وهو فى طريقه للصعود ، تتشبث بى زوجتى وطفلتى ،نتغرس مخالبه فى عنقى كلما حاول الصعود ،تنبت من أشيائى أياد طويلة تلتف حولى ، تجتذبنى إلى الأسفل ..أكاد أتمزق بين مخالب الطائر وأيادى زوجتى وطفلتى وأشيائى فتنفلت من حنجرتى اهة مدوية ينفتح بعدها باب الحجرة الضيقة ،يلطمنى جناحا ملائكيا عدة لطمات أفتح عينى أجدها ممرضة شابة بثوب أزرق باهت طبعت على صدره بخط واضح "انعاش" ،أراها فى ذاكرتى مجزأة "ان-عاش".
تعيد الممرضة بعض الأسلاك المتصلة بجسدى إلى موضعها ، تقبض على معصمى بجناحها الملائكى وتركز نظرها على "المونيتور" للحظات . بعدها تنظر إلى وهى تبتسم قائلة
-الحمد لله ربنا كتب لك عمر جديد .
أتامل الغرفة ،أبحث عن ذلك الطائر الخرافى لاأجده أستلذ بدقات قلبى المنتظمة فتسرى فى عروقى نشوة البقاء فأبادلها الابتسامة.

مازن لبابيدي
03-02-2010, 11:34 AM
أخي القاص المبدع هيثم عبد ربه السيد
تحية أولاً ومرحباً بك في الرابطة الخضراء أديباً وأخاً .
هذه قصة قصيرة تدل على كاتب متمكن يتقن استخدام المفردات وتوظيفها في حبكة متلاحقة تأخذ القارئ مدهوشاً بالوصف والتشبيهات البديعة والسوريالية أحياناً والإيحاءات القوية . ولكوني طبيباً أقول أنك أجدت بحق تصوير حالة ما قبل السبات السكري (الغيبوبة) بأسلوب أدبي رفيع .
أرى أخي أنك بكرت في طرح الفكرة الهامة المدهشة في تقسيم كلمة إنعاش في بداية النص دون حاجة وكان يكفي أن تفاجئ بها القارئ في الجزء الأخير ولكانت أقوى تأثيراً .
اللغة راقية جداً وتمنيت لو أنك حليتها بالتشكيل .
تقديري البالغ لهذا الأدب الرفيع وتحيتي لك .

د.مازن لبابيدي

هيثم عبدربه السيد
03-02-2010, 09:25 PM
شكرا الطبيب الشاعر
شكرا لرقيق الكلم
شكرا لطيب المرور
دام مدادك ودمت شاعرا

د. مصطفى عراقي
06-02-2010, 01:32 AM
كنت كلما سمعت الكلمة أجزئها الى جزأين "إن- عاش".
وحينما أفقت من غيبوبتى الأخيرة -احدى غيبوبات السكر اللعين المتكررة- وجدتنى محاصرا بأياد كهربية رفيعة تلتصق أكفها بخلايا جسدى المدد على بساط ابيض ،تحتضننى غرفة ضيقة لالغو فيها عدا اهات نحليق الطائر الخرافي نبضاتى من أعماق قلبى القابع خلف شاشة " المونيتور" وعاود الظهور مرة اخرى ذلك الطائر الخرافى يحلق فى فضاء الغرفة الضيقة ، يقترب منى راقصا ، تصاحبه موسيقى جنائزية كلاسيكية كانت اخر مالتقطته اذناى قبل ان اغوص فى دوامات اللاوعى. يعاودنى الشعور بان انفاسه لهب حارق يعتصر طبقات جلدى فيخرج منها ينابيعا من ملح بارد واستشعر -كلما دنا منى-انتزاع انفاسى وارتخاءات أطرافى وزحف ليلى على طاقتى النور فى رأسى ، رويدا رويدا تتضح بشاعة الطائر ،أغلق طاقتى النور فى رأسى فى محاولة للافلات من بشاعة اقترابه فاجدنى هائما عاريا أمام بيتى الريفى على أطراف قريتى البعيدة المنسية ، أهرول إلى حيث كنت اجلس تحت شجرة التوت الكبيرة ،أتفقد أشيائى التى تركتها على منضدتى الصغيرة ...فنجان قهوتى النصف ممتلئ ،قصيدتى التى لم تنتهى ،جريدة المساء التى لم أقرأها وعلبة سجائرى الرخيصة . أقترب من أشيائى ، أحاول ان ألملمها ..تأتينى من بعيد تلك الموسيقى الجنائزية الكلاسيكية ، احتضن أشيائى بقوة ،انطلق كالممسوس إلى داخل البيت ،ارتمى وأشيائى فى احضان زوجتى وطفلتى الصغيرة ،تحاصرنى الموسيقى الجنائزية واجد الطائر الخرافى يقبض على رأسى بمخالبه الحادة ،يجتذبنى وهو فى طريقه للصعود ، تتشبث بى زوجتى وطفلتى ،نتغرس مخالبه فى عنقى كلما حاول الصعود ،تنبت من أشيائى أياد طويلة تلتف حولى ، تجتذبنى إلى الأسفل ..أكاد أتمزق بين مخالب الطائر وأيادى زوجتى وطفلتى وأشيائى فتنفلت من حنجرتى اهة مدوية ينفتح بعدها باب الحجرة الضيقة ،يلطمنى جناحا ملائكيا عدة لطمات أفتح عينى أجدها ممرضة شابة بثوب أزرق باهت طبعت على صدره بخط واضح "انعاش" ،أراها فى ذاكرتى مجزأة "ان-عاش".
تعيد الممرضة بعض الأسلاك المتصلة بجسدى إلى موضعها ، تقبض على معصمى بجناحها الملائكى وتركز نظرها على "المونيتور" للحظات . بعدها تنظر إلى وهى تبتسم قائلة
-الحمد لله ربنا كتب لك عمر جديد .
أتامل الغرفة ،أبحث عن ذلك الطائر الخرافى لاأجده أستلذ بدقات قلبى المنتظمة فتسرى فى عروقى نشوة البقاء فأبادلها الابتسامة.


وكذلك يا أديبنا الصادق السامق سرت في عروقنا روعة السرد المشحون بأجواء الأسطورة (بين مخالب الطائر الخرافي وحنوّ الجناح الملائكي) ودقة الواقع بين الأسلاك في الحجرة الضيقة موظفا أدوات القص بمهارة وإتقان
الصوت (موسيقى جنائزية كلاسيكية ) موسيقا تصويرية تتسق مع الحدث
واللون (زرقة ثوب الممرضة ) الذي يوحي بالصفاء والسماوية
والحركة ( تحليق الطائر واللطمات) التي تضفي الحيوية على اللوحة القصصية النابضة

وكم أعجبني توظيف فن السيناريو في هذا المقطع الكاشف عن طبيعة الشخصية :
...فنجان قهوتى النصف ممتلئ ،قصيدتى التى لم تنتهى ،جريدة المساء التى لم أقرأها وعلبة سجائرى الرخيصة .


وأتفق مع رأي أخي الفاضل الدكتور مازن في المقدمة وكنت أوثر أن يكون التمهيد بتجزيء كلمة أخرى غير (إنعاش)



ولك الشكر خالصا والودّ صافيا

نبيل مصيلحى
10-02-2010, 09:56 PM
هكذا التواجد المشرف بين الأحبة كتَّاب الواحة ..

يالها من غيبوبة أخذت بطلك إلى عالم آخر ..
من الضيق والتوتر والألم ..
عالم رسمته بقدرة فائقة ..
حتى آتى هذا الملاك بأجنحته لينقده من التعثر بيني الحياة والموت ..
دمت مبدعاً رائعاً يا هيثم ..
خالص ودي
نبيل مصيلحي

هيثم عبدربه السيد
01-07-2010, 11:50 PM
الاستاذ الأب نبيل مصيلحى عذرا على عدم تواجدى بكثرة فى الواحة وتأخرى فى الرد على قلمكم المبدع ...شكرا جزيلا لمروركم الكريم النبيل ....ودام قلم سيادتكم مبدعا متألقا

ربيحة الرفاعي
11-12-2012, 09:54 PM
سرد قصي بديع بلغة قوية مريحة للقارئ وتوظيف للوصف بمهارة ليرسم مؤثرات خلفية المشهد وعناصره، وبإيحاءات مدروسة وتعريج ذكي على مؤشرات الشخصية منحت المتلقي تصورا شاملا للمشهد بشخصيته الرئيسة وما حولها ليعايش الحدث بتصاعد وتيرته مشاركا في حسه

أهلا بك ايها الكرمي في واحتك

تحاياي

لانا عبد الستار
20-12-2012, 08:42 PM
أنت كاتب رائع
واسلوبك اعجبني
والقصة رائعة

أشكرك

آمال المصري
20-06-2013, 06:54 AM
عشنا معك أجواء الإنعاش والتي لايجيد تصويرها بتلك الدقة إلا من اقتربت منه
نص رائع البيان والتصاوير بديع الفكرة
بوركت واليراع المبدعة أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نداء غريب صبري
17-09-2013, 10:52 PM
قصة جميلة جدا بأسلوب ممتع ووصف للحالة والبيئة رائع

قصة ممتعة ومؤثرة

شكرا لك أخي

بوركت

محمد عبد القادر
18-09-2013, 02:38 AM
القصة جميلة أيها الكتاب فى جوانبها المحكمة إلى حد كبير
سواء على المستوى اللغوى القصصى أو المستوى الفنى من سرد و وصف و حبكة
و أتفق مع من سبقونى بالملاحظة عن الجملة الاستهلالية
كل التحية لك
و
إلى لقاء

كاملة بدارنه
19-09-2013, 09:34 PM
قصّة رائعة في وصف اللّحظات الحرجة في غرفة الإنعاش، وتتابع الأحداث حتّى لحظة الفرج
كانت ستكون أروع لو راجعتها لغويّا قبل النّشر
بوركت
تقديري وتحيّتي

سامية الحربي
02-02-2014, 08:24 AM
ليس كل الناس لديهم نفس الشجاعة في مواجهة الرحيل. قصة بديعة الوصف تألقت فيها اللغة.
سلم اليراع. تحية وتقدير.