تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الناس الكهربا



فريد البيدق
07-02-2010, 10:49 AM
بعد صمت مؤلم خرج حرفها:
- في قريتي تستعمل النسوة الاكتشافات العلمية في إنتاج تكنولوجيا أدبية تعبيرية مفادها الكناية عن صفة، ووسيلتها التشبيه البليغ.
فاجأه الحرف، نظر إليها .. هم بقول شيء لكنه أمسك .. عدَّتْ ذلك إذنا بالاستمرار:
- كيف؟
انكسرت نظرتها إليه، وتابعت:
- عندما تردن وصف امرأة أو فتاة بالسرعة في إنجاز المهام يقلن: فلانة كهربا.
شاع هذا التعبير وانتشر، وأصبح من كنايات قريتنا، ودخل عرف الرجال.
نظر إليها دَهِشًا ناشرا الاستفهام حوله .. استشعر الخطر في حرفها .. استمرت كلماتها غير ملتفتة إلى ما أظهره:
- لكن هل اقتصرت الكهرباء على ذلك فقط؟
أجابت نفسها بسرعة:
- لا.
فسَّرت جوابها بسؤال جديد:
- كيف؟
أجابت سؤاليها:
- هناك نمط من الناس يعاملون نمطا آخر من الناس على أنهم كهرباء، لا يُرون وليس لهم وجود إلا أداء المهام التي تطلبها الفئة الأولى كما أنك لا ترى الكهرباء لكنك تضغط الزر فتعطيك الكهرباء النور.
- ما هذا؟
نطقها وقد تحفز جسده من استرخاءته .. نظرت إليه طويلا، ثم قالت:
- لا، ليس كما تخيلت؟
- وماذا تخيلت؟
- لا بد أنك تخيلت أنهم السادة غير الدَّيِّنين والخدم، أو أنهم أرباب العمل غير الدَّيِّنين وموظفيهم، أو ... لا، لا.. إنهم أناس من طبقة النمط الكهرباء الذي ليس له حقوق ، وإنما عليه واجبات فقط.
أحست شفتاه تحاولان الانفراج فعاجلته قائلة:
- لعلك تسأل عن السبب قائلا: ولماذا؟
أحست حيرة صمته، فتابعت:
- ولعلني أجيبك بأنه النفسية الأنانية التي لا ترى إلا الذات، وتحدد مواقفها وأفعالها في الحياة من الأشياء والأشخاص بناء على ما يُحقَّق للأنا الخاص بهم.
نظرت في الفضاء الضيق، واستأنفت:
- ولعلك بعد أن عرفت السبب تسألني: لماذا هذا الحوار؟
نظر في وجهها محاولا قراءة سِنِي حياتهما .. راح بعيدا .. عاد بوجه رأته خاليا، فقالت:
- وأجيبك من دون اتهام: أنا أبوح.
- ...
- ولعلك تستمر في سلسلة أسئلتك غير المجابة: ولماذا تبوحين؟
- ...
- ولعلني أقول: إنها الحياة. ثم لعلني أسكت!

د. مصطفى عراقي
09-02-2010, 12:01 PM
بعد صمت مؤلم خرج حرفها:
- في قريتي تستعمل النسوة الاكتشافات العلمية في إنتاج تكنولوجيا أدبية تعبيرية مفادها الكناية عن صفة، ووسيلتها التشبيه البليغ.
فاجأه الحرف، نظر إليها .. هم بقول شيء لكنه أمسك .. عدَّتْ ذلك إذنا بالاستمرار:
- كيف؟
انكسرت نظرتها إليه، وتابعت:
- عندما تردن وصف امرأة أو فتاة بالسرعة في إنجاز المهام يقلن: فلانة كهربا.
شاع هذا التعبير وانتشر، وأصبح من كنايات قريتنا، ودخل عرف الرجال.
نظر إليها دَهِشًا ناشرا الاستفهام حوله .. استشعر الخطر في حرفها .. استمرت كلماتها غير ملتفتة إلى ما أظهره:
- لكن هل اقتصرت الكهرباء على ذلك فقط؟
أجابت نفسها بسرعة:
- لا.
فسَّرت جوابها بسؤال جديد:
- كيف؟
أجابت سؤاليها:
- هناك نمط من الناس يعاملون نمطا آخر من الناس على أنهم كهرباء، لا يُرون وليس لهم وجود إلا أداء المهام التي تطلبها الفئة الأولى كما أنك لا ترى الكهرباء لكنك تضغط الزر فتعطيك الكهرباء النور.
- ما هذا؟
نطقها وقد تحفز جسده من استرخاءته .. نظرت إليه طويلا، ثم قالت:
- لا، ليس كما تخيلت؟
- وماذا تخيلت؟
- لا بد أنك تخيلت أنهم السادة غير الدَّيِّنين والخدم، أو أنهم أرباب العمل غير الدَّيِّنين وموظفيهم، أو ... لا، لا.. إنهم أناس من طبقة النمط الكهرباء الذي ليس له حقوق ، وإنما عليه واجبات فقط.
أحست شفتاه تحاولان الانفراج فعاجلته قائلة:
- لعلك تسأل عن السبب قائلا: ولماذا؟
أحست حيرة صمته، فتابعت:
- ولعلني أجيبك بأنه النفسية الأنانية التي لا ترى إلا الذات، وتحدد مواقفها وأفعالها في الحياة من الأشياء والأشخاص بناء على ما يُحقَّق للأنا الخاص بهم.
نظرت في الفضاء الضيق، واستأنفت:
- ولعلك بعد أن عرفت السبب تسألني: لماذا هذا الحوار؟
نظر في وجهها محاولا قراءة سِنِي حياتهما .. راح بعيدا .. عاد بوجه رأته خاليا، فقالت:
- وأجيبك من دون اتهام: أنا أبوح.
- ...
- ولعلك تستمر في سلسلة أسئلتك غير المجابة: ولماذا تبوحين؟
- ...
- ولعلني أقول: إنها الحياة. ثم لعلني أسكت!



===


توظيف رائع للمجاز في نسيج حواري أشبه بالمناجاة

لله درك من عالم أديب!

فريد البيدق
10-02-2010, 07:44 PM
بورك حرفك دكتورنا الحبيب مصطفى!

نبيل مصيلحى
10-02-2010, 10:06 PM
أخي / البيدق

تحياتي
سعيد جداً بلغتك القوية ..
ولكن ألست معي أن القصة القصيرة لا تحتمل التفسير أو التحليل ..
ولكن قد تحتمل التأويل , والإيجاز , والتكثيف ..
خالص تحياتي
نبيل مصيلحي

فريد البيدق
11-02-2010, 03:11 PM
نعم، أخي الحبيب نبيل!
التحليل لا يلائم القصة القصيرة إذا كان غير موظف، وإذا كان مبالغا فيه.

فدوى يومة
11-02-2010, 08:46 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القدير فريد ..
هناك نمط من الناس يعاملون نمطا آخر من الناس على أنهم كهرباء، لا يُرون وليس لهم وجود إلا أداء المهام التي تطلبها الفئة الأولى كما أنك لا ترى الكهرباء لكنك تضغط الزر فتعطيك الكهرباء النور.
أحيانا عندما تضغط الزر تصعق !!!
هكذا تصبح المعادلة قابلة لكل قسمة ..
أسعدت بالقراءة لك أيها الفاضل
ـ االاستفسار فحسب ـ
فلانة كهربا
اهو تشبه الكاتب أم انه من واقع حياتنا وأنا التي غفلت عنه فحسب
امتناني لك

فريد البيدق
12-02-2010, 05:39 AM
بوركت أيتها الجليلة فدوى!
كلاهما أيتها الكريمة، في الواقع، ثم أخذه الكاتب!

آمال المصري
20-02-2010, 10:44 PM
ولأنها امرأة لم تر من الكهرباء عطاءً سوى النور
شلالات مندفعة من الأسئلة قوبلت بوابل من استفهامات دهشته الصامتة
تلاحقها الأجوبة على لسان حالها
حوار من طرف واحد حيك ببراعة
يخاطب العقل ويداعب اللغة في بعض مفرداته
سيدي الفاضل ...
لك نكهة حرف وفلسفة متميزة في إيصال المعنى وماتريد ...
تقديري لفكرك الراقي .

فريد البيدق
22-02-2010, 09:12 PM
أكرمت مشرفتنا الجليلة رنيم، ودام تفاعلك!

ربيحة الرفاعي
28-01-2014, 08:50 PM
حوارية قصّية غلبت عليها الحالة الشعورية فجاءت عميقة ملفتة بتوظيف بديع للمجاز

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
08-04-2014, 12:51 AM
قصة جعلت من الحوار قويا وإبداعيا
ورمزيتها متميزة

شكرا لك أخي

بوركت

خلود محمد جمعة
10-04-2014, 07:43 AM
عمق في الحوار و سلاسة في السرد
اسجل اعجابي
دمت بخير
مودتي وتقديري