المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولمَ أخاف ؟



ضفاف أماني
07-02-2010, 10:13 PM
* بسم الله *



الوقت ..يقضمني بأسنانه ..
وتكات الساعة ..تنتظر مرور نبضة من قلبي لتعبر..
و عمري ...تيار يسري من قابس الحياة .


اللحظة...انقلب فوق عقرب الزمن, ليعود بي للوراء ,حد أن سقطتُ عند قدميّ جدتي,
كانت وقتها تصرخ بي ,وتُصور مشهدا للخوف,
استللته من بحر عينيها المفتوحتين على أخرها ,وفمها المزموم على صوتٍ مخيفٍ
,و بإشارات التحذير, كانت سبابتها تُلوّح في وجهي , تخويفا لي من الشارع ,
صوّرته لي بأنه مرتعا خصبا لأفضع الوحوش على وجه الخيال .

الوقت مضى ,وهي ماتت رحمها الله , ولازال الشارع قصة الخوف التي ترويها الجدات
لأحفادهن ,و الأطفال لازالوا يندفعون نحو المجهول
ولايعرفون أي شيء اطلاقا عن لغة الحذر هذه .

أما أنا فخوفي بدأ بالتلاشي بعد أن خرجت للمجهول/ الشارع ..وعرفت أن الغولة لاتعبره,
ولا حتى "الدينجيرة" جنية الجبل التي تسرق أطفال البيوت ..مفتوحة الأبواب .



ولكن.. هناك خوفا ما وراءه تقبع الحقيقة.. !
تقول الأمثال الشعبية : "من خاف سِلم "
وأنا أرى بأن من لايخاف هو الذي يسلم حقاً!

وبحثا عن الإجابات لخوف الناس ..وضعتُ عيني على عدسة ميكروسكوب الشارع / المجهول مُنجب الوحوش الخرافية هذه ..
الناس تذرع أرصفته جيئةً وذهابا مرتادين دكاكينه ومقاهيه ...
يتحدثون ..يتسامرون ... يأكلون ..يشربون على جنباته ,ومع هذا يخافون منه.!!
,

صديقتي خلود قالت لي وهي تسبح في تفكيرها و تمسح بباطن كفها جداراً فاصلاً بيننا والشارع
..بأن خلفه يكمن الوحوش والمجتمع الذي لايرحم ,ضحكتْ في سري وقلت هذه ضحية أخرى من ضحايا الجدات.

ـ قلت لها :وما الذي يمنع الشارع أن يقول بأنك أحد الوحوش التي يخاف منها .

الناس يا خلود كل منهم يظن ذلك في الأخر..حتى يعرفه ,
فالمجهول دائما مخيف وتحيط به الأسئلة ..ويعتقدون أن عتبات دورهم نظيفة تماما
وخالية من أي سوء وعتبات الغير هي القذرة ...ولذا وجّهَ الحـكيم كونفوشيوس تلميذه
ـ الذي كان مستاءً من تراكم الثلوج أمام المنازل ـ
نحو تنظيف عتبة داره ولايشغل باله بعتبات الأخرين .

الحياة مليئة بلأخطار التي نحن صُناعها و إن لم ننتبه لموضع خطواتنا
ستطالنا كوارثها ...كسيارة تعبر الطريق بسرعة جنونية ..يجلس الموت على مقدمتها ..
ويخطف كل من طاشت أقدامه به .

نحن من نهدد أنفسنا بأنفسنا إن لم نعبر الطرق الأوضح .
,أحلامنا لاتُدهس إلا حينما نسلمها لأوراق فارغة من الخطوات المدروسة
إذن فلنعقلها ونتوكل على الحافظ ..هذا واجب للنجاح .

الخوف مرض تعجز أجهزتنا المناعية عن صده إن لم ننتج له المضادات من دواخلنا ..
فإن فشلنا سنتحول إلى منددين بالواقع ونلومه على أخطاء نحن سببا رئيسا فيها بضعفنا وهبوطنا ...
فالحرب مثلا ستأتي دارك بكل سهولة إن لم تصنعي القنبلة لتدافعي عن نفسك.
,ولن تطالك الجراثيم إن نظفتي بيئتك .


نعمة الأمن التي يعلمنا معناها معجم الخوف ينعدم أثرها في أواسط أفريقيا ,
لذا يبقى الخوف هو الممثل البارع الذي يعرض مسرحية الهلع بكل اتقان كل آن ,
فالمليشيات والعصابات القبلية المتطرفة تبحث عن السلطة على حساب
كل المعاني الانسانية لتسفك /تشلف/ تنحر/ بلا أدنى رحمة
بلغة الغاب وأن العيش للأقوى فقط .

والبيض المستعمرون يتواطئون مع أصحاب الحكومات ضد شعوب تلك الأرض
ليستنزفوا خيراتهم ويبقوهم على الحديدة إن لم يكن تحتها
, فيظل الجوع حافلة تذرع مسافة لاتنتهي في طريقهم .
أصبح منظر الجثث شيء عادي فوق الأرصفة و الأحياء ليس أمامهم
إلا أن يتلفعوا بالركض للإحتماء من قبضة الأفخاخ التي هم صناعها بضعفهم .

لم يبقى للأفريقي إلا الخوف من كل شيء ..
ولايحاول تهذيب نفسه لتكون له دولة يحتمي بجدرانها من كل مستعمر يستنزفه على حساب مستقبله ومستقبل وطنه ..
لايحاول الجهاد المقدس كنيلسون مانديلا الذي عقِل معادلة صناعة الوطن
لتنهض جنوب أفريقيا .

لا أشك أن أفلاطون حينما كان يفكر في مدينته الفاضلة ويسرد أخلاق سكانها لحاضرة أثينا ..
بأنه يقصد من ذلك ارشادهم ليهندموا أخلاقهم الفاسدة , وهي المسافة الفاصلة
التي كانت تبعده عن واحتة المبتغاة.

حد فاصل واحد بيننا وبين يأجوج ومأجوج الخوف هذا ..ليس هو إلا القوة.
حد فاصل واحد بيننا وبين هزيمة الحرب ..السلاح المناسب.

الضعف لن يورثنا إلا عقولا باهتة لن تكف عن تصوير الأخرون بأنهم هم السبب في نكباتنا ..
وليس نحن بانهزامنا وهروبنا من تعديل الواقع وأنفسنا قبل من ذلك .

الخوف هو صناعتنا لأننا لانُقوّم أنفسنا فتستقيم لنا الحياة .


ابتسمت لي صديقتي كعادتها الكريمة
وقالت: لازال الجنون حليفك وناصرك ..

=الله كريم يا خلود ..
"أمشي بس أمشي لايجينا وحش يهبط علينا من الشارع "
بعدها امتدت الضحكة طويلا من كلينا .




دامت أيامكم بلا خوف http://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/smile.gif

محمد ذيب سليمان
08-02-2010, 08:23 PM
الأخت أو الإبنة ضفاف
قرأت نصك الجميل والممتع وراعني أن أحدا لم يمر عليه حتى الآن فأنا حديث العهد جدا في هذه الواحة
استمتعت به ليس لموضوعه فقط ولكن للطريقة الفلسفية التي طرحته بها ولا أراني أخالفك الرأي بأن الخوف
يولد الخوف الأكبر , لقد مررت في صغري عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري بذات الخوف الذي وصفته
الخوف الذي تولده قصص الجدات حتى ان الشيب قد غزا رأسي في ليلة واحدة .
أعلم أن موضوعك لا يقف عند هذه النقطة وأنه اوسع وأعمق .
دمت ودام صرير قلمك .

إسماعيل القبلاني
08-02-2010, 08:30 PM
الأنثى حينما تتحدث لا تجد شيء يواري إبداعها

إلا أن تتوقف عنده


مودتي

أماني عواد
08-02-2010, 09:57 PM
ضفاف الاماني


الخوف مرض تعجز أجهزتنا المناعية عن صده إن لم ننتج له المضادات من دواخلنا ..
فإن فشلنا سنتحول إلى منددين بالواقع ونلومه على أخطاء نحن سببا رئيسا فيها بضعفنا وهبوطنا ...
فالحرب مثلا ستأتي دارك بكل سهولة إن لم تصنعي القنبلة لتدافعي عن نفسك.
,ولن تطالك الجراثيم إن نظفتي بيئتك .
يـأخذني نصك بعيدا نحو مدرستي الابتدائية حيث بعض الدروس التي رسخت في ذاكرتي لقيمتها الرائعه ذاك النص (بعنوان بين الخانع والثائر)
حيث يبرز فهمين متضادين لمفهوم واحد كالصمت على ظلم الاكبرالذي
تعتبره فئة احتراما واخرى جبنا

وبرأيي ان هذا النص جدير ان يعلم في المناهج التعلمية التربوية


دمت شامخة

زين عبدالله
09-02-2010, 01:15 AM
نص رائع في اسلوب أروع

لم أكتفي منه بعد فقط أنا هنا أسجل أعجابي

لك شكري وتقديري

فاطمه عبد القادر
09-02-2010, 09:09 AM
عن الإجابات لخوف الناس ..وضعتُ عيني على عدسة ميكروسكوب الشارع / المجهول مُنجب الوحوش الخرافية هذه ..
الناس تذرع أرصفته جيئةً وذهابا مرتادين دكاكينه ومقاهيه ...
يتحدثون ..يتسامرون ... يأكلون ..يشربون على جنباته ,ومع هذا يخافون منه.!!
,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك أيتها العزيزة ضفاف على هذا الموضوع الجميل المضمون والكلمة
معك حق يا ضفاف ,,,فالجدّات والأمّهات يبالغن بالتخوييف علّنا نحصل على أقل قدر من الحذر
ولا يعلمن كم يترك هذا بالنفس !!ثمّ لا نلبث أن نتمرد على كل شيء عندما نكبر ونصبح في سن المراهقة ,,لكننا نعود إليه عندما نصبح أمهات أو جدات وكل ما يهمنا هو سلامة أحبتنا الصغار اللذين لم يدركوا بعد المساوئ التي تسمعها الأمهات والجدات
أنا شخصيا مع الجدات فيما يرمون إليه من وراء التحذير ,,فالطفل بريء ,,لا يدري من أمره شيئا
وليس من الأجدى أن يظن أن كل الناس حمائم وادعة ,,ولكني ضد الحجر على الأطفال من الخروج واكتشاف الدنيا بنفسه ,,ما عدا الأوقات الخطرة كالخروج بالليل مثلا
دمت يا ضفاف بكل خير
وفي النهاية لا حذر يرد خطر
ماسة

ضفاف أماني
09-02-2010, 01:49 PM
الأخت أو الإبنة ضفاف
قرأت نصك الجميل والممتع وراعني أن أحدا لم يمر عليه حتى الآن فأنا حديث العهد جدا في هذه الواحة
استمتعت به ليس لموضوعه فقط ولكن للطريقة الفلسفية التي طرحته بها ولا أراني أخالفك الرأي بأن الخوف
يولد الخوف الأكبر , لقد مررت في صغري عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري بذات الخوف الذي وصفته
الخوف الذي تولده قصص الجدات حتى ان الشيب قد غزا رأسي في ليلة واحدة .
أعلم أن موضوعك لا يقف عند هذه النقطة وأنه اوسع وأعمق .
دمت ودام صرير قلمك .

مرحبا بك وسعيدة جدا أن أعجبك المضمون والصياغة

ضفاف أماني
09-02-2010, 01:51 PM
الأنثى حينما تتحدث لا تجد شيء يواري إبداعها

إلا أن تتوقف عنده


مودتي


إن شاء الله اكون هذه الأنثى فلا أتوقع أن سقفي الكتابي قد لامست أطرافه .. لذا إن شاء الله سائرين باتجاه المزيد من الابداع هذا ..شاكرة مرورك وثناءك .


ـ

هشام عزاس
09-02-2010, 09:25 PM
المورقـة / ضفاف أماني

القلوب تماما مثل الأرض و كل ما يزرع فيها سينبتُ مع الوقت و يصبح كشجرة تتساقط أوراقها في الخريف ( في حالة شعورية ما ) أو تورق أوراقها في الربيع ( كحالة شعورية كذلك )

لذلك فزراعة الخوف في الأفئدة ليس بزرع حميد ، بل هو نبات متطفل على فطرتنا السوية .

أعتقد هذا لأنني مررت بتجارب مماثلة ، و أعتقد أن الحكايات لها تأثيرها العميق في نفوسنا ، خصوصا عندما نكون صغارا تماما كسلبيات أفلام الخوف و الخيال التي أصبحت هاجسا في وقتنا هذا ، نظرا لما تتركه من آثار سلبية في نفسية و خيال الصغار .

لذا حرّي بنا أن نختار نوع الحكايات التي نرويها للصغار ، إذ يجب أن تحمل قيم معينة كالشجاعة و الجود و الإيثار مثلا .

مرحبا بقلمك مجددا ...

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

زهراء المقدسية
09-02-2010, 09:27 PM
العزيزة ضفاف الأماني

نصك هذا مقال قيم تطرقت فيه لعدة قضايا -اجتماعية وسياسية وتربوية-

الضعف لن يورثنا إلا عقولا باهتة لن تكف عن تصوير الأخرون بأنهم هم السبب في نكباتنا ..
وليس نحن بانهزامنا وهروبنا من تعديل الواقع وأنفسنا قبل من ذلك .
الخوف هو صناعتنا لأننا لانُقوّم أنفسنا فتستقيم لنا الحياة .

هنا تطرحين أسباب تخلفنا كأمة عربية واسلامية
ما زالت دولة فيها محتلة منذ أكثر من 60 عاما
تعاني من أطول احتلال في التاريخ
ودولة أخرى احتلت والباقي الله أعلم مسألة وقت
والمخفي نسأله تعالى اللطف فيه

فلسفة الخوف التي أتقنها العرب
ليبرروا عجزهم وفشلهم
لكنهم تناسوا أن الخوف أساس النجاح
ويجب أن يكون أساسا للنجاح وبلورة حلول تخلصهم منه
لكن للأسف هذا لغاية الآن لم يحدث
وما زلنا نجتهد في خلق أسباب الخوف

أحييك على هذا النص
وفتح الله عليك

عبد الرحمن الكرد
09-02-2010, 10:04 PM
القديره ضفاف
نص جدير بالأشاده
والتقدير لأنه ينوه لأمر مهم في تربية النشيء
تحياتي لأفكارك النيره

ضفاف أماني
16-02-2010, 01:36 AM
ضفاف الاماني


يـأخذني نصك بعيدا نحو مدرستي الابتدائية حيث بعض الدروس التي رسخت في ذاكرتي لقيمتها الرائعه ذاك النص (بعنوان بين الخانع والثائر)
حيث يبرز فهمين متضادين لمفهوم واحد كالصمت على ظلم الاكبرالذي
تعتبره فئة احتراما واخرى جبنا

وبرأيي ان هذا النص جدير ان يعلم في المناهج التعلمية التربوية


دمت شامخة



شهادة كريمة وكثيرا ..

سعيدة أن أعجبك نصي ..


مرورك كريم .
ـ

عبدالله المحمدي
16-02-2010, 09:32 PM
سيدتي أماني ..
أحيانا وأحيانا كثيرة تضيق حروف الدنيا عن وصف لحظة انهزامنا ...أو خوفنا
أحيانا تضيق بنا حدود الأرض وأطرافها
فنلجأ إلى ملاذ أكثر رحابة وأصدق حسا ..
اماني حرب
ربما لم نلتق كثيرا ولكنني أشعر
بمدادك يقترب أكثر وأكثر ويضيء جانبا مظلما

دمت بخير ..
إلى اللقاء

ضفاف أماني
28-02-2010, 09:28 AM
نص رائع في اسلوب أروع

لم أكتفي منه بعد فقط أنا هنا أسجل أعجابي

لك شكري وتقديري
حضورك تشريف للمتصفح وزيادة لقيمته ..فشكرا هو العبور ..

ثائر الحيالي
28-02-2010, 12:00 PM
الأستاذة ضفاف أماني

كان للسرد المميز حضور واضح..

ومحاولة الإحاطة بفكرة الخوف المنبثق من الداخل سعيا ً للصدام مع المحيط..

تنقل ذكي بين الأنا ..والآخر..

سلمت ..وسلم مدادك ِ

محبتي