تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سيجارة



محمد ذيب سليمان
11-02-2010, 03:22 PM
وبينما كان الصمت المقفرلا يزال يلف المكان والظلمة الحالكة تنسحب من جسده النحيل مع كل زفرة ملتهبة تخرج من أعمـاقه البائسـة لتزيد إلى ظـلام الكون ظلاما آخر من حـوله, لا يقطع ذلك الظلام سـوى وهج سيجارة ودخان يرتفع , إذ بجرس الهاتف يقطع بمخالبـه الحاده ذلك الصمت الموحـش المسـتقر في نفسه وتلك الظلمه المنبعثه منها . رفع السماعه وكأنه يرفع جبلاً ثم أعادها دون أن يجيب ليزيد من وحشـة الصمت وظلمة المكان , ولكن جرس الهاتف أصر على تقطيع أوصـال الصمت .
رفع سـماعة الهاتف وأجـاب بصوت هزيل مخنـوق بتمتمات غير مسـموعة ولا مفهومه , أقفل سـماعة الهـاتف وعـاد يرتوي من ذلك الصمـت ليضيف إلى نفسه ظلاما جديداً آخر ,أخـذ من سـيجارته نفَسـاً عميقـاً ونفـث دخانهـا , بـدأ يراقب ذلك الدخان المتصاعد وهو يتلوّى بلونه الأبيض الباهت ثم يذوب ويتـلاشى في تلك الظلمـه
ليبدأ من جديد بنفس آخر ودخان آخر جديد مرة أُخرى , تَسـمَّرت عيناه إلى ذلك الوهـج المنبعـث من السـيجاره , أشـعل أُخرى إنتبـه إلى مـا يفعل ذلك الوهـج الصغير في تلك الظلمة الحالكة الممتـدة بين جسـده والمكان من حوله .
وفجـأه قام من مكانه , إتجه نحو الحـائط , أشـعل المصباح فتمـزق الظـلام من حوله ورأى كل شـيء بوضوح أكثـر
أخـذ يتمطى ويتثـاءب فاتحاً ذراعيه وسـاقيه وكأنه وجـد ضالَّته , قفز مرّة أخـرى نحو الحائط , إتجـه نحو النـافذه , أزاح تلك السـتاره الداكنه فانهمـرت أشـعة الشمس تضيء نفسه وتفتت تلك الظلمة وذلك الظـلام الذي امتد طويلا حتى غمرت أشـعة الشمس أرجاء نفسه وامتلأ المكان بها ولوَّنت فضـاء الحجرة , فتـح النـافذة فتدفَّـق الهـواء نقيـاً إلى رئتيه , مدَّ ذراعيه وكأنه يحتضن بينهما كل أشـعة الشمس وكل هواء الكـون ذهـب بعيـداً الى آخر الدنيـا , تجوَّل ببصره فى فضاء الله الواسع , سـمع زقزقة العصافير وناي الـراعي وحفيف أوراق الشـجر سـمع ورأى مـا افتقـده ونسيه منـذ زمن بعـيد ,
تذكّـر أن الحيـاة ما زالت تناجيه وتتودَّد اليه .
زرع كل ذلك في نفسـه ثم ....
قرر التحـدي ....
لمـاذا لا يبـدأ من جديـد ... ؟

راضي الضميري
11-02-2010, 03:41 PM
نعم لماذا لا يبدأ من جديد ؟

أحيانًا يشعر الإنسان أنّ الدنيا كلّها مثل ثقب الإبرة، ولا يرى أيّ بصيص أمل فيها وفي حياته، كل شيء من حوله عدم ، لكن التمسّك بالأمل حتّى آخر رمق وإعادة الحسابات من جديد ومن ثمّ التوكل على الله تعالى ؛ قد يفتح نوافذ كثيرة كان يظنّها مغلقة تماما.

نصّك هذا رائع جدا، ويغري المرء على قراءته أكثر من مرّة .

مع أني أراها قصّة مكتملة الملامح ، بل قصّة تجلّت فيها كل العناصر الفنيّة للقصّة، لكن يبدو لي أنّ ملاحظتك التي أدرجتها للأديبة ضفاف أماني وذكرت فيها ما حصل هو السبب .

سأنقلها إلى قسم القصّة بعد إذنك، ونحن في خدمتك إنْ رأيت غير ذلك.

رائع وأكثر أديبنا الكبير.

تقديري واحترامي

فدوى يومة
11-02-2010, 08:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القدير محمد..
عندما نوقن بنهاية الأشياء يستحيل يقيننا لمجرد كذبة تجد منفذا لها على أبواب الحقيقة لتعانق نورها بيقين ان هناك دوما شيء يعيدنا من جديد غلينا شيء وإن حاولنا التغلب عليه ونسيانه فهو عائش فينا يمد يده نحونا كي نمسك به لنواصل السير ..
قد نحتاج لإعادة إحياء الحياة بداخلنا وقد لا نحتاجها فحياتنا سلسلة من عقبات تنتهي حتى وإن اعتقدنا العكس
اقصوصة اكثر من رائعة
امتناني لك أيها القدير

محمد ذيب سليمان
11-02-2010, 08:41 PM
الأسناذ الفاضل راضي الضميري
كان لمرورك وتعليقاتك على هذا النص وقع جميل في نفسي والذي أقدره لك
أخي : أجمل ما في الأدب هو الأختلاف بين الكتّاب في معالجة موضوع معين
وفي المحصلة كل نص يعانق الذوق الذي يناسبه
شكرا لمرورك وتعليقاتك
دمت ودام صرير قلمك

محمد ذيب سليمان
11-02-2010, 08:50 PM
الأخت الفاضلة فدوى
أسعدني جدا مرورك الجميل على هذا النص
وأسعدني تعليقاتك عليه إذ أن التفاعل والتواصل بين الكتاب أيا كان مشربهم
يزيد من فرص الألتقاء الفكري
دمت ودام صرير قلمك

آمال المصري
18-12-2011, 05:01 PM
نعم أديبنا المكرم يبقى الأمل مادامت الحياة
فنحن من نصنع لأنفسنا المناخ سيئا كان أو مستبشرا حيث نرسمه خارطة قاتمة الألوان نقطن في كهوفها بعيدا
أو فاقعة الألوان ننطلق على شواطئها مبتهجين بكل مايحيي فينا الأمل
نص رائع وخاتمة حكيمة
دمت ببهاء وألق
تحيتي الخالصة

رعد حيدر الريمي
18-12-2011, 06:07 PM
قد تخفت او تتصاغر أو تتماير فتال التغير والإنتشار من جديد إلا انها لا تنطفى
نص راقي من إنسان راقي

الحسين المسعودي
18-12-2011, 06:55 PM
ما أروع هذا التصوير الدقيق بل ما أروع قدرتك على التقاط جزئيات المحيط ، لوحة صورت نقيضين : حياة مصطنعة نسجن فيها أنفسنا و أخرى فطرية نتغاضى عنها، و كلما نظرنا إلى الوجود بعين الرضى و التفاؤل كلما وجدنا الحياة جميلة و تستحق أن تعاش.

شكرا لك أستاذي على الإبداع و الإمتاع.

مودتي

كاملة بدارنه
18-12-2011, 07:08 PM
قرر التحـدي ....
لمـاذا لا يبـدأ من جديـد ... ؟
حقّا لماذا لا يبدأ الإنسان من جديد، كاسرا القوقعة التي تعيق حركته، وتجعله رهين انتكاسات وتراجعات الماضي؟
مع كلّ فجر جديد، يجب أن نبدأ يوما جديدا!
شكرا لك شاعرنا على هذه القصّة المتحديّة!
تقديري وتحيّتي

د. مختار محرم
18-12-2011, 08:35 PM
حياتنا تنتظر قرارا منا ..
هي لحظات .. بل لحظة
تفصل بين الفكرة والقرار
وبعدها ..
يتغير كل شيء
ونبدأ من جديد
رائعتك أثَّرت فيّ جدا أديبنا القدير

ربيحة الرفاعي
19-12-2011, 03:35 AM
كلنا يمر بتلك اللحظات بعد كل انتكاسة، فيغلق الستائر الداكنة دون النور ودون الحقيقة، ويعلن اعتزال الحياة والناس والأمل، ثم لا يلبث أن يعود من جديد، بروح جديدة وإرادة جديدة وإقبال على الحياة

كان لوقوف كاتبنا على أدق حيثيات المشهد ما أضفى عليه بهاء واستطاع بما رسم من التفاصيل استقطاب انفعال القاريء ليعايش انفعالات البطل بسكناتها وفوراتها

نص بديع أديبنا

تحيتي

ربيع بن المدني السملالي
19-12-2011, 03:10 PM
أستاذنا الأديب ( محمد ) أشكر لك هذا الإبداع والفكر واللّغة ، ومنكم نتعلم بارك الله في أدبك وإبداعك الهادف
دمت متألقا في سماء واحة الخير
تحياتي

فاطمه عبد القادر
20-12-2011, 12:52 AM
وفجـأه قام من مكانه , إتجه نحو الحـائط , أشـعل المصباح فتمـزق الظـلام من حوله ورأى كل شـيء بوضوح أكثـر
أخـذ يتمطى ويتثـاءب فاتحاً ذراعيه وسـاقيه وكأنه وجـد ضالَّته , قفز مرّة أخـرى نحو الحائط , إتجـه نحو النـافذه , أزاح تلك السـتاره الداكنه فانهمـرت أشـعة الشمس تضيء نفسه وتفتت تلك الظلمة وذلك الظـلام الذي امتد طويلا حتى غمرت أشـعة الشمس أرجاء نفسه وامتلأ المكان بها ولوَّنت فضـاء الحجرة , فتـح النـافذة فتدفَّـق الهـواء نقيـاً إلى رئتيه , مدَّ ذراعيه وكأنه يحتضن بينهما كل أشـعة الشمس وكل هواء الكـون ذهـب بعيـداً الى آخر الدنيـا , تجوَّل ببصره فى فضاء الله الواسع , سـمع زقزقة العصافير وناي الـراعي وحفيف أوراق الشـجر سـمع ورأى مـا افتقـده ونسيه منـذ زمن بعـيد



السلام عليكم
صورة فيديو تمت بإبداع ,,جاذبة القارىْ من اللمحة الأولى
أجمل ما فيها هو تحريض الكل أن لا يستسلم لليأس ويبدأ,,ودائما هناك نقطة معينة للبدىء , فالحياة دائما تنشده
المسألة تحتاج إرادة جبارة ,وإيمان عميق بالقدر خيره وشره
قصة رائعة جدا ,وذات مضمون حقيقي
شكرا لك أخي محمد
ماسة

الطنطاوي الحسيني
21-12-2011, 11:48 AM
قصة جميلة الوصف
متحدة المضمون لاظهار الجمال
وكأنها قصيتين
رائع اخي محمد في هذه ولو ان الرمز اراه غير موفق لآنه لا يعبر الا عن وجه واحد من القصة لا كلها
فلو راجعناه اظنه يكون افضل
دمت مبدعا رائعا

خلود محمد جمعة
11-12-2014, 10:56 AM
نهاية الامس هو ابتداء اليوم
لكن نحن من نقرر كيف ستكون ملامح النهار في حياتنا
قصة معبرة وجميلة
كل التقدير

ناديه محمد الجابي
05-12-2015, 08:43 PM
نحن من نجعل حياتنا سوداء مليئة باليأس والأحزان
ونحن أيضا بإرادتنا نجعلها وردية ، نرسم فيها الأحلام ونحققها
نحن من نعرف كيف نجعل حياتنا سعيدة ، مليئة بالأمل.
جمعت بين البساطة والقوة والتكثيف وحسن السرد ودقة الوصف.
راق لي نصك.
دام ألقك. :001: :001:

ناديه محمد الجابي
19-11-2024, 07:28 PM
كن جميلا ترى الوجود جميلا والرضا والقناعة كنز جميل لا يفنى
ومن لا يرضى ولا يقتع يرى الحياة قاتمة مظلمة ويتحول الجمال في نظره إلى قبح
مثل هؤلاء يحرمون أنفسهم نعمة التوفيق للحمد والشكر لله العظيم على نعم يملكونها ولا يدركون قيمتها .
فالحامدون الشاكرون الممتنون لله ، تزداد درجاتهم ، وبالصبر تُفتح لهم أبواب الخير إن عاجلاً أو آجلاً.
قصة رائعة ومعبرة وجميلة
دمت بكل خير.
:v1::0014::wow: