تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من أوراق فرح



فلسطين أم الرؤى
19-02-2010, 05:41 PM
من أوراق فرح



"أراوغ أمي ومن حولي لأكتب مذكراتي وبوح ذاتي...وأودع أسراري هذه تحت وسادة لي صغيرة ...



ثمة أوراق كثيرة لي باتت هناك....ترى متى سأملك الجرأة لأكشف أوراقي ؟"



هذا الليل لم يتوان اللحظة عن إلقاء ضفائره الطويلة في وجهي , ولم يبخل بسكب بحر من السكون بين كفي الصغيرتين ,
بالرغم من زخات مطر تطرق نافذة غرفتي بين الفينة والاخرى في محاولة متواضعة لكسر هذا السكون,
أحاول أن أكون جزءا من هذا الجو الليلي , فلا تطاوعني عيناي لنعاس, ويصحو في مكان ما في جسدي ألم يمور ولا يهدأ , تستنفر كل حواسي, ويستفزني هذا الهدوء الذي لا يأبه بي,ينهشني شعور الشوق للحليب ,هذا الذي لا تسنح لي فرصة استكشاف طعم سواه,
وأطلق بوق تعبيري الذي أتقن النفخ فيه لغاياتي المتعددة بأقصى طاقة لدي ,لأمزق ثوب سكون يطول وينساني,
بسرعة غريبة يقترب مني ذات الوجه الذي اعتدته ,وأشتم رائحة حنان دافئ وحب صاف , واستبشر بالخير الجزيل, هي من تدرك تفاصيل حركاتي وسكناتي,وها هي تهدهد سريري, تناغيني, ثم أشعر بدفء يلفني يغاير دفء الفراش المعتاد,
لكن...لا زال ألم ما يؤرق جسمي الغض ويلسعه بلا رأفة , يعلو صوت بكائي , وأسمع والداي يلهجان بأدعية وتراتيل تعجبني ألحانها , فأسكن قليلا لأتلذذ بما يجودا به علي ,وما إن ألمح علامات ارتياح بدأت تستقر على وجه من تحتضنني ,
حتى يقرصني الألم مرة أخرى,إنه يترصدني, أي شيء هذا الذي يجرؤ على غزو مدائن أمي؟



وتنطلق صفارتي من جديد و بأعلى ما يمكن معلنة ألمي, وها هي أمي تقلبني...تدقق في كل جزيئات جسدي...
وتمسح كل بقعة فيه علها تتحسس مكمن البكاء بعدما تقاصرت فترات إغلاق فمي, ولم توفق في رحلتها الاستكشافية هذه كما يبدو,
أنا تعبت,



تــ عـــ بــــ ت......, وإنهاك يسري من رأسي حتى أخمص قدمي,وعلى وجه أمي حل بحران من التعب والقلق في آن يتلاطمان على قسماته , لكنها ما فتئت تتحرك بي, تحضنني بشدة تارة وتهرول تارة أخرى باحثة عن أي أمر قد يكون من شأنه تهدئتي,
لحظات وتستقر بين كفيها عوضا عني أداة لمحت مثيلتها في عيادة التطعيم مرارا, وأحتفظ لها بذكريات وخزات أليمة في مواضع عدة في جسدي,لكني لا ألمح رأسها المدبب المؤلم ...ارتحت قليلا .... إنها تضمر لي أمرا,
عبأتها بسائل ذي لون شهي, وانتظرت بشوق ولهفة وفضول لأعرف هذا الجديد , إنها تعاين ما بيدها للمرة الأخيرة ,
وتسرع بها لفمي, تفرغ محتويات السائل الجذاب فيه, أوووه.....ياله من طعم مر يعكر طعم لساني الحليبي!!!



أين انت أيها الحليب اللذيذ؟ ويُبتلع رغما عني, إذ أنها " أمي " تقف لتحركات فمي الممتعض بالمرصاد,
فلا تسمح بتسرب أي نقيطة خارجه , وما إن تدحرج في حلقي حتى آخر قطرة فيه حتى فتحت بوابة فمي على مصراعيها في ضجة كبيرة وبلا انقطاع , لحظات مرت و أشعر بدبيب يسري في أرجاء جسدي يشعرني ببعض الخدر والارتياح,
وها هو الآذان يلامس مسمعي في اعلان لانسحاب الليل وضفائره , أتلفت باحثة عن وجه أمي فأجدها لا زالت ترقبني وتتأكد من دفء فراشي, أشعر براحة لذلك على الرغم من إرهاق عام يغزوني, يبدو أن رياح الألم تجرجر أذيالها مغادرة أطراف جسدي,
وأتلذذ لنسمات نوم تتقدم صوب أجفاني, لا زلت أشعر بحركة حول سريري وأدعية دافئة تهدل في أفقي وتناغم صوت الآذان ,
...ها أنا على بوابة عالم النوم والأحلام....يتناهى لمسمعي تهامس امي وأخواتي اللاتي أفقن كما يبدو الان استعدادا لرحلة نهار جديد بانتظاره,. تتلاشى الأصوات حولي تدريجيا ...إذ إنني ...أنــــــــــــــاااااام .




*فرح هي طفلتي ذات الشهور الستة .

أماني عواد
19-02-2010, 07:58 PM
فلسطين أم الرؤى

ثمة قوى خارقة تتسلل من بقاع الفطرة , تتسلق نبضين تجوب جسدين وتنحتى لتخرج من فم واحد كانشودة لاهثة

اوراق فرح دفاتر من الفرح باذن الله
حماها الله من كل الم

هشام عزاس
19-02-2010, 11:21 PM
المورقـة/ فلسطين أم الرؤى

ما أروع أن تتقمصي دور ابنتك الصغيرة الرضيعة و تبوحين عنها بما لا تفهم و لكن بلا شك تشعر به .
هذا التقمص الرائع أعجبني جدا و راق لي و أنا أقرأ تفاصيل بوح حليبي - إن صح التعبير - مبتسما تارة و مندهشا تارة أخرى من هذه المعايشة الوجدانية التي شعرنا بها صدقا ، كيف و لا و قلب الأم يخط تفاصيل فرح !!

جميلة الفكرة جدا و رائع هذا التقمص الوجداني العجيب .

دامت فرح فرحة بعيونكِ و عيون والدها الكريم

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

فدوى يومة
20-02-2010, 07:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القديرة فلسطين أم الرؤى..
عندما قرأت مدخل بوحك ووصلت لما كتبته على الهامش كبرت بداخلي الدهشة سرعان ما صغرت عندما لمست حرفك القاص باتقان...
حفظك المولى لفرح وحفظها لك حتى تقرأ ما كتبت من أوراق
وجعلها فرحتك الدائمة..
امتناني لك

فاطمه عبد القادر
20-02-2010, 11:20 PM
أين انت أيها الحليب اللذيذ؟ ويُبتلع رغما عني, إذ أنها " أمي " تقف لتحركات فمي الممتعض بالمرصاد,
فلا تسمح بتسرب أي نقيطة خارجه , وما إن تدحرج في حلقي حتى آخر قطرة فيه حتى فتحت بوابة فمي على مصراعيها في ضجة كبيرة وبلا انقطاع


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلسطين إم الرؤى
حقا هي أقصوصة منثورة جميلة ورائعة ومشوقة
استطعت التحدث باتقان سلس عن مشاعر طفلة جائعة ,,شعورها بالجوع يؤلمها في مكان لا تعرفه هذة الطفلة ,,لكن الألم لا يرحم
ولكني أتساءل لماذا استعاضت أمها بالمنوّم عن الحليب ؟؟؟هل الحليب قد جف من صدر الأم فجأة ؟؟أم هو الحصار والحليب خير متوفر ؟,,أم تقصدين الفقر مثلا ؟؟؟ لما لم تعطها أمها الحليب ؟؟
كنت أود لو لمّحت عن الموضوع
على كل الأحوال
النص بغاية الروعة
دمت يا فلسطين بكل خير
ماسة

فلسطين أم الرؤى
21-02-2010, 07:31 PM
فلسطين أم الرؤى

ثمة قوى خارقة تتسلل من بقاع الفطرة , تتسلق نبضين تجوب جسدين وتنحتى لتخرج من فم واحد كانشودة لاهثة

اوراق فرح دفاتر من الفرح باذن الله
حماها الله من كل الم

العزيزة أماني:

لك جزيل الشكر على قراءتك الواعية الراقية لنصي..

لك كل الاحترام
ودام قلمك يانعا

فلسطين أم الرؤى
21-02-2010, 07:53 PM
المورقـة/ فلسطين أم الرؤى

ما أروع أن تتقمصي دور ابنتك الصغيرة الرضيعة و تبوحين عنها بما لا تفهم و لكن بلا شك تشعر به .
هذا التقمص الرائع أعجبني جدا و راق لي و أنا أقرأ تفاصيل بوح حليبي - إن صح التعبير - مبتسما تارة و مندهشا تارة أخرى من هذه المعايشة الوجدانية التي شعرنا بها صدقا ، كيف و لا و قلب الأم يخط تفاصيل فرح !!

جميلة الفكرة جدا و رائع هذا التقمص الوجداني العجيب .

دامت فرح فرحة بعيونكِ و عيون والدها الكريم

إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام

أستاذ هشام :
مرورك يملأ حدائق وجهي بابتسامة عرفان ....

لك كل التقدير لقراءتك لما أكتب....قراءتك تروق لي وأنتظرها ...

زادك الله عطاء ...
ودمت بكل خير

ثائر الحيالي
23-02-2010, 03:31 PM
"أراوغ أمي ومن حولي لأكتب مذكراتي وبوح ذاتي...وأودع أسراري هذه تحت وسادة لي صغيرة ...




ثمة أوراق كثيرة لي باتت هناك....ترى متى سأملك الجرأة لأكشف أوراقي

؟"

الأستاذة فلسطين أم الرؤى


لا أدري لماذا ..حين واصلت قراءة النص لم أتخلص من تاثير صدق هذه

الكلمات . رغم أن هناك الكثير من الجمال في مطلع النص ومتنه .

.وكأني نسيت أنها لطفلة ..أو كأني لاأجد الصدق اليوم إلا في كلمات تنطقها

براءة الطفولة ..!


سلمت...وسلم مدادك ِ


محبتي وتقديري

فلسطين أم الرؤى
23-02-2010, 03:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القديرة فلسطين أم الرؤى..
عندما قرأت مدخل بوحك ووصلت لما كتبته على الهامش كبرت بداخلي الدهشة سرعان ما صغرت عندما لمست حرفك القاص باتقان...
حفظك المولى لفرح وحفظها لك حتى تقرأ ما كتبت من أوراق
وجعلها فرحتك الدائمة..
امتناني لك

العزيزة فدوى:
سرني جدا مرورك الراقي على النص مما زاده بهاء...

قراءتك توحي برقة إحساس وتمكن لغوي..

دمت بكل الخير عزيزتي

فلسطين أم الرؤى
23-02-2010, 03:54 PM
أين انت أيها الحليب اللذيذ؟ ويُبتلع رغما عني, إذ أنها " أمي " تقف لتحركات فمي الممتعض بالمرصاد,

فلا تسمح بتسرب أي نقيطة خارجه , وما إن تدحرج في حلقي حتى آخر قطرة فيه حتى فتحت بوابة فمي على مصراعيها في ضجة كبيرة وبلا انقطاع


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلسطين إم الرؤى
حقا هي أقصوصة منثورة جميلة ورائعة ومشوقة
استطعت التحدث باتقان سلس عن مشاعر طفلة جائعة ,,شعورها بالجوع يؤلمها في مكان لا تعرفه هذة الطفلة ,,لكن الألم لا يرحم
ولكني أتساءل لماذا استعاضت أمها بالمنوّم عن الحليب ؟؟؟هل الحليب قد جف من صدر الأم فجأة ؟؟أم هو الحصار والحليب خير متوفر ؟,,أم تقصدين الفقر مثلا ؟؟؟ لما لم تعطها أمها الحليب ؟؟
كنت أود لو لمّحت عن الموضوع
على كل الأحوال
النص بغاية الروعة
دمت يا فلسطين بكل خير

ماسة


القديرة فاطمة:
أحيانا يتقن الصغار ما لا يتقنه الكبار...وهذه كانت مشاعر طفلة لسعها الجوع والألم ولا من يقرأ ما ألم بها..

أما عن المنوم يا عزيزتي فلم يكن منوما بقدر ما كان دواء للأطفال اعطته حين عجزت معها كل الطرق الأخرى .
وأما عن الحليب فربما تكشف فرح في أوراقها التالية عن سر عدم إعطائها حليب أمها..

دام قلمك راقيا شفيفا
ودمت بكل خير

زهراء المقدسية
23-02-2010, 04:11 PM
العزيزة فلسطين أم الرؤى

جميلة وقفتك على اللحظات الشعورية
مع طفلتك فرح التي أضحكتني بشقاوتها

أخبريها أن تشكر المولى أن أنعم الله عليها بأم كأمها
وأني سأتابع معها في أوراقها القادمة

دمت أما رائعة

فلسطين أم الرؤى
25-02-2010, 02:04 PM
"أراوغ أمي ومن حولي لأكتب مذكراتي وبوح ذاتي...وأودع أسراري هذه تحت وسادة لي صغيرة ...





ثمة أوراق كثيرة لي باتت هناك....ترى متى سأملك الجرأة لأكشف أوراقي


؟"


الأستاذة فلسطين أم الرؤى



لا أدري لماذا ..حين واصلت قراءة النص لم أتخلص من تاثير صدق هذه


الكلمات . رغم أن هناك الكثير من الجمال في مطلع النص ومتنه .


.وكأني نسيت أنها لطفلة ..أو كأني لاأجد الصدق اليوم إلا في كلمات تنطقها


براءة الطفولة ..!



سلمت...وسلم مدادك ِ




محبتي وتقديري


أخي الفاضل ثائر:

قراءتك للنص زادته إشراقا ,...ورائحة الطفولة لذيذة منعشة أينما كانت....

دمت معطاء كالسنابل
ودمت بكل الخير