مشاهدة النسخة كاملة : محطات معرفية
حسن العطية
05-03-2010, 06:47 PM
1 الانتباه أولا
***
· قال لي صديقي الجالس بجواري في السيارة المسافرة بنا :
- ما أرفع هذا الجبل الشامخ !!
- أي جبل ؟
- الذي مررنا به قبل قليل ألم تره ؟
- لا , للأسف لم أره , فلم أكن منتبها
- طيب ألم تسمع الدويّ الشديد بفعل الكسارة التي تعمل أسفل الجبل ؟؟
- عن أي دويٍّ تتكلم فلم أسمع شيئا ؟؟
- لكن كادتْ أذناي تصمَّان من شدة الصوت
- الحمد لله , لم أسمع شيئا , فلم أكن منتبها
- لكن كيف لم تر ولم تسمع هل كنت نائما ؟
- لا بل كنت غافلا , والغافل كالنائم لا يشعر بما حوله
- أنت يا صديقي تذكرني بقصة صويحبات زليخا اللاتي قطعن أيديهن ولم يشعرن بألم السكاكين
- نعم أنا من هذه الناحية فعلا مثلهن , فأنا لم أر الجبل الرفيع , ولم أسمع الدويّ الهائل وهنَّ لم يشعرن بالألم الشديد , جراء تقطيعهن أيديهن بالسكاكين , والجامع بيني وبينهن هو عدم الانتباه
- وهل للانتباه كل هذا الدور وهذه الأهمية ؟
- نعم يا صديقي العزيز .. فالإنسان الغافل قد تغيب عنه أوضح الواضحات .. فلا يعود يرى الجبل الشامخ .. ولا يسمع بالصوت المدوي .. ولا يشعر بالألم الشديد .. والإنسان الغافل والنائم سيان تغيب عنهما أوضح الواضحات كما وسبق أن قلت لك .. وحين تريد أن تعلم بأمرٍ ما , أي أمر , فلا بد أن تنتبه إليه أولا , وإلا فلن تستطيع التعرف عليه .. الانتباه يا عزيزي هو الخطوة الأولى في طريق المعرفة , أية معرفة كانت ..
- وهل يصدُق هذا الأمر - يا صديقي - على معرفة الخالق تعالى أيضا ؟؟
- نعم يا صديقي .. فمن لا ينتبه إلى نفسه , وإلى ما حوله , فإنه لن ينتبه لوجود الخالق تعالى , مع أن الله تعالى هو أوضوح الواضحات .. أليس الله تعالى هو مظهر الموجودات كلها ؟؟!! فكيف يكون لها من الظهور ما ليس لمظهرها ؟؟!!
- لكن يا صديقي : الفرق واضح وجلي بين الموجودات وبين الله تعالى .. فأنا أرى الجبل .. وأسمع الصوت .. وأشعر بالألم , لهذا أقول بأن الجبل والصوت أشياء موجودة ..
- نعم يا صديقي أنت الآن ترجعنا لما كنا فيه قبل قليل في السيارة ..
- كيف ؟
- نعم .. أنت وحدك من رأى الجبل أما أنا فلم أره .. وأنت وحدك من سمع الصوت المزعج القوي .. أما أنا فلم أسمع به .. والسبب هو أنك كنتَ منتبها للجبل فرأيته .. وكنتَ منتبها للصوت فسمعته .. أما أنا فلم أكن منتبها , فلم أر ولم أسمع .. وكذلك الأمر بالنسبة لله تعالى بالضبط .. فالله خالقنا تعالى يعلم به المنتبهُ إليه .. ويجهله الغافل عنه .. فالجهل بالله , لا يعود ذنبه لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وإنما يرجع سبب الجهل به إلى غفلتنا عنه ..
- وكيف عسانا نعلم بوجود خالقنا تعالى ؟
- إذا أردت أن تعلم بوجود الخالق عليك أولا أن تنتبه إلى وجوده ..
- طيب يا صديقي : حينما أعلم بأمر ما , وغيري لا يعلم به , فكيف عساني أخبره به كي يعلم بوجوده ؟
- إذا أردت يا - صديقي العزيز - أن تـُعلم شخصا بأمر ما , فعليك أولا , أن تنبهه إلى ذلك الأمر .. فالغافل كالنائم لا يمكن له أن يعلم شيئا , حتى لو كان أمرا واضحا جليا .. كما وقع لي , قبل قليل , ونحن في السيارة , فلم أر الجبل الشامخ , ولم أسمع الدوي الهائل , لأنني كنت غافلا عنهما .. وكذلك لو كنتُ نائما في السيارة , فإنني كذلك , ما كنت لأرى الجبل ولا لأسمع الصوت ..
- وهل يكفي الانتباه إلى الأشياء كلها , كي نعلم بها ؟
- يا صديقي العزيز الأشياء على أنواع : منها الأشياء الجلية , ومنها الأشياء الخفية الغامضة , و الأمور الجلية مثل كل ما نره من جبلٍ وشمسٍ وبحرٍ وأرضٍ وسماء .. وكل ما نسمعه من أصوات .. وكل ما نلمسه ونشعر به من حرارة وبرودة .. وكل ما نتذوقه .. وكل ما نشمه .. فكل هذه الأشياء أشياء واضحة جليه , يكفي لكي نعلم بها أن ننتبه إليها .. فإذا أردت أن تعلم بوجود جبلٍ ما, ما عليك إلا الانتباه إليه , لتراه .. وإذا أردت أن تعلم بوجود الشمس ما عليك , إلا الانتباه إليها , و هكذا بقية الأشياء الواضحة .. وهناك أمور غير واضحة , لا يكفي للعلم بها , الانتباه إليها .. بل تحتاج إلى أمور أخرى أكبر من الانتباه كي نعلم بها .. مثل مكونات الماء .. ومثل مكونات الهواء .. ومثل كيف تسري الكهرباء في الأسلاك .. ومثل كيف تنتقل الأصوات عبر الهاتف من بلد إلى آخر .. ومثل كيف تنتقل الصور .. وغيرها من الأمور التي نراها ونسمعها , لكن لا نعلم بحقيقتها ولا كيف تمَّت ..
- طيب يا صديق , وجود الله خالقنا العظيم , هل هو من الأمور الواضحة , التي لا تحتاج إلا إلى مجرد الانتباه أم من الأمور الغامضة ؟
- أحسنت يا صديقي , أرى أنك بدأت تـُعمل تفكيرك وتستفيد مما يمر عليك .. يا صديقي العزيز , وجود الله تعالى , من الأمور التي لا تحتاج إلا إلى الانتباه فقط .. لأن الله تعالى هو خالق الواضحات , وخالق الأمور الواضحة أكيد بأنه أوضح منها ..
- يا صديق العزيز , ممكن تزيد لي الأمر وضوحا ؟ كيف أن خالق الأمور الواضحة أوضح منها ؟
- نعم يا صديقي الأمر سهل , إذا تنبهت إلى هذا المثال الذي سأضربه لك
- تفضل فأنا مصغٍ إليك جيدا
- المثال هو : يا صديقي العزيز أنا وأنت الآن راكبان في سيارة صح ؟؟
- نعم يا صديقي , وهي سيارة يابانية الصنع ..
- الآن انتبه لي جيدا , سأسألك سؤالا عن هذه السيارة : هل لهذا السيارة صانع ؟
- هههههه ما هذا السؤال يا صديقي ؟؟!! أكيد لهذه السيارة صانع , وإلا كيف وجدت ؟؟ لابد أن يكون لها صانع هو الذي صنعها ..
- إجابتك صحيحة يا صديقي .. ولكن سؤالي لم يتنهِ .. انتبه لي جيدا سأسألك سؤالا آخر يتعلق بإجابتك الأولى , السؤال هو : كيف علمت بأن هذه السيارة صنعها صانع ؟
- يا صديق هذا أمر واضح وجلي , ولا أحد ينكره , أو يتردد فيه , كل الناس يعلمون به ..
- ممتاز .. انتبه لي جيدا فسؤالي لم يتنه بعد .. والآن أسلك السؤال التالي : أين الأكبر والأعظم والأهم الشمس أم هذه السيارة ؟ السماء العالية أم هذه السيارة ؟ الأرض الشاسعة أم هذه السيارة ؟ أين الأعظم والأكبر والأهم : كل ما نره حولنا من مخلوقات كبيرة وصغيرة ومتنوعة أم هذه السيارة ؟؟
- يا صديقي ما هذه الأسئلة السهلة البديهية التي يعرفها كل أحد .. أكيد الشمس أكبر وأوضح وأهم من هذه السيارة .. والسماء والأرض أكبر من هذه السيارة .. وما نشاهده حولنا أكبر وأهم م هذه السيارة ..
- ممتاز جدا يا صديقي العزيز .. والآن انتبه لي جيدا : إذا كنت علمت بأن هذه السيارة لها صانع , وأنها مستحيل أن توجد بدون صانع .. وأنت قلت بأن معرفة هذا الأمر أمر واضح لا ينكره أحد .. وقلت أيضا أن الشمس والأرض والسماء أشياء أعظم من السيارة , فهل يمكن أن توجد هذه الأشياء بدون خالق ؟
- بالفعل يا صديقي كلامك حق , وبدا لي الأمر سهل جدا .. لابد أن يكون للشمس وللأرض وللسماء ولكل المخلوقات صانع وخالق .. وأن وجود صانع لهذه المخلوقات أمر واضح يكفي للعلم به , مجرد الانتباه فقط ..
- لكن يا صديقي لو سمحت لي , لِمَ ير البعض أن وجود صانع للسيارة أوضح من وجود خالق للأرض والسماء والكون الفسيح ؟
- نعم يا صديقي سؤالك جيد ومهم , لكن الإجابة عنه سهلة جدا .. لأن السبب كما وسبق أن قلنا هو في الغفلة لا أكثر .. لأننا ننتبه إلى السيارة وصانعها , نعلم بأن لها صانعا .. ولو انتبهنا إلى الكون بما فيه وصانعه , لعلمنا عن يقين بأن له صانعا ..
- لكن يا صديقي هل كل هذا الجهل سببه عدم الانتباه فقط ؟
- يا صديقي لو تـُرك الإنسان ونفسه , على طبيعته , لم يحتج كي يعلم بوجود خالقه , إلى سوى الانتباه فقط .. كما سبق وقلت لك , حينما قارنا بين السيارة ومخلوقات الكون العظيمة ..
- يا صديقي أفهم من كلامك هذا , أن هناك أسباب أخرى , وراء الجهل بوجود الله تعالى ؟؟
- نعم يا صديقي فهمك صحيح .. فالعلم بوجود خالقنا العظيم أمر بديهي و واضح , بل هو أوضح من الشمس الساطعة , لكن ذلك لمن ترك على طبيعته .. أما لمن حال حائل دونه ودون طبيعته الصافية النقية , وتراكمت الأوساخ على مرآة عقله , حتى بات لا يرى أوضح الواضحات , فهذا وأمثاله , لا يكفيه مجرد الانتباه , بل عليه أولا من إزالة ما علق على مرآة عقله من أوساخ , وحينها يكون مجرد الانتباه إلى خالقة , كافيا في علمه بوجوده , .. وهذا مضمون الحديث الذي ورد عن رسولانا الكريم صلى الله عليه وآله الذي يقول : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه .. فحين تأثر البيئة والتعليم الخاطئ على الإنسان , فلا يعود يكفي له مجرد الانتباه , وهذا مثل المرآة الحقيقية , لو كانت متسخة , فهل يمكن أن ترى فيها نفسك ؟؟ لا يمكن أن ترى وجهك , مع أنك تعلم بوجودك يقينا , لكن لا ترى نفسك , نتيجة الأوساخ التي تراكمت على هذه المرآة .. وإذا أردت أ ترى وجهك في هذه المرآة عليك أولا أن تنظف المرآة .. وكذلك من تربَّى في مجتمع وبيئة فاسدة , لقنته أمورا خاطئة , هذه التربية الخاطئة صارت حائلا بينه وبين أن يرى الحقائق .. وعدم رؤيته لها , لا يدل على عدم وجود الحقائق , بل العيب في تربيته وبيئته التي قلبت عنده الموازين ..
- نعم يا صديقي كما تقول .. لكن دعني أسألك الآن : قلت بأن وجود الله الخالق العظيم أمر بديهي واضح لا يحتاج من أصحاب الفطر السليمة إلى سوى الانتباه فقط .. فهل كل ما يتعلق بالله تعالى أمر واضح لا يحتاج إلا إلى مجرد الانتباه ؟؟
- إذا انتبهت يا صديقي لما سبق وأن قلنا : فقد قلنا أن الأمور تنقسم إلى : أمور واضحة جلية وأخرى خفية غامضة .. وقلنا بأن الأمور الواضحة لا يحتاج للعلم بها إلى سوى الانتباه .. وأن وجود الله تعالى من تلك الأمور الواضحة – بل أوضح الواضحات – التي لا تحتاج على سوى الانتباه .. أما الأمور الخفية , فلا يكفي للعلم بها إلى مجرد الانتباه .. بل تحتاج إلى أشياء أخرى ..
- نعم يا صديقي العزيز .. وحبذا لو قلت لي الخطوات الأخرى للعلم بالأشياء من حولنا ..
- نعم يا صديقي أول خطوة للعلم بأمرٍ ما , - والتي سبق وإن قلنا بأنها الخطوة الأولى والتي لابد منها في العلم بأي أمر ما - هي خطوة الانتباه .. لكن بعض الأمور لا يكفي فيها الانتباه فقط , بل لابد فيها من خطوات أرقى من الانتباه للعلم بها ..
- والخطوة الثانية بعد الانتباه هي التفكر في الأمر .. وأعمال عقلنا فيه , للكشف عن ملابساته والعلم بخصوصياته .. فحين نريد أن نعلم بأمر غامض , علينا أن نفكر فيه مليَّا , ونتدبر فيه كي نكشف عن خفاياه ..
- وهل كل الأمور الخفية يمكن أن تحلّ بالخطوة الثانية فقط وهي التفكر في الأمر المراد معرفته ؟
- أحسنت يا صديقي العزيز على هذا السؤال .. وللإجابة عليه أقول : الأمور تتفاوت فيما بينها من ناحية السهولة والصعوبة والأهمية وعدم الأهمية – كما قلنا سابقا - فهناك أمور تحل بمجرد الانتباه وهناك أمور تحل بالانتباه والتفكير البسيط فيها , وهناك أمور أكثر خفاء , تحتاج إلى المزيد من التفكر , وهناك أمور معقدة تحتاج إلى وقت طويل , للتفكر فيها والتدبر , وتحتاج على المزيد من الصبر والمثابرة والإرادة ..
- طيب يا صديقي , بالنسبة للتفكر في الأمور والتبر فيها , هل هذا التفكر والتدبر محصور في معلومات الإنسان نفسه ولا يتعداها على الخارج ؟؟
- سؤال جيد يا صديقي ومهم , وأقول في الإجابة عنه : الأمور أيضا مختلفة , من هذه الناحية .. فبعض الأمور يمكن أن يجد لها حلا في معلوماته التي يختزنها .. لكن بعض الأمور , لا يجد الإنسان لها حلا في معلوماته المختزنة , وحينها ولكي يعلم بها ويكشف غموضها , عليه أن يستعين بمعلومات الآخرين , عليه أن يزيد من حصيلة معلوماته , كي يكشف النقاب عنها .. عليه أن يقرأ ويجرب ويسأل ويتعلم ويسعى ويجمع المعلومات ويتمثلها ويهضمها , ويعاود التفكير فيها مرة ثانية للخروج منها بحلّ ما يريده ..
- طيب ممكن يا صديقي , أن تجمل لي خطوات العلم بالأمور والأشياء ؟؟
- حسنا يا صديقي .. قلنا إن الخطوة الأولى الانتباه – والثانية التفكر - ودعنا نسمي الخطوات التالية كالتالي : الثالثة : زيادة المعلومات – والرابعة : هضم وتمثل المعلومات الجديدة – الخطوة الخامسة معاودة التفكر في الحصيلة الجديدة من المعلومات للخروج منها بالحل النهائي
- وهل تجري هذه الخطوات , في كل أمر نريد أن نعلمه , من الأمور الدنيوية والدينية ؟
- نعم يا صديقي العزيز في الأمور الدينية والدنيوية لكن .. أمور آخرتنا أهم من أمور دنيانا , لأن الآخرة هي دار المقر , وما الحياة إلا معبر إليها
- جزيت خيرا يا صديقي العزيز على تحملك عناء هذا الحوار ..
- وأنت أيضا جزيت خيرا أخي العزيز على سؤالك وبحثك واستقصائك .. زادك الله علما وعملا ..
***
حسن العطية
حسن العطية
06-03-2010, 04:40 PM
2التفكـُّر ثانيا
***
- عرفنا في موضوع " الانتباه أولا " وجود الخالق العظيم تعالى , وأنه تعالى أوضح الواضحات , وأن معرفة وجوده , لا يحتاج إلى أكثر من الانتباه إليه تعالى , من ذوي العقول النيرة , والنفوس الصافية .. كل هذا عرفناه من خلال موضوعنا السابق " الانتباه أولا " ..
- والآن بعد أن عرفنا بوجود الله تعالى .. يبدأ الإنسان بالتأمل في نفسه وفي كل ما يحيط به من أشياء .. ومن هذا التأمل , تثور في نفسه , عدة أسئلة , تقلقه , فيحاول التخلص من وطئتها , فيسعى للإجابة عليها , لإراحة نفسه من وطئتها ..
- ونحن قبل أن نذكر بعضا من تلك الأسئلة , التي تثور في داخل كلٍّ منا , جراء تفكره و تأمله في نفسه , وفيما حوله .. قبل أن نفعل هذا , يتوجب علينا , أن نتكلم عن أمر في غاية الأهمية .. لأنه يعتبر الأساس , لكل ما قمنا وما سنقوم به .. وبدونه , لن نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة في أي اتجاه ..
- وإن كنا قد أطلقنا على الدرس الأول عنوان " الانتباه أولا " , للإشارة إلى كون الانتباه هو الخطوة الأولى للمعرفة .. فإن هذا الأمر المهم سيكون الأول والآخر ..
- هذا الأمر المهم سنحاول التعرف عليه قريبا جدا في الدرس الثالث إن شاء الله تعالى فلا تذهبوا بعيدا ..
- أستودعكم الله تعالى ..
***
حسن العطية
حسن العطية
06-03-2010, 04:45 PM
3 العقل أولا وأخيرا
***
· حين ينتبه العاقل إلى نفسه وما حوله (( الانتباه أولا))
· تثور في نفسه أسئلة عديدة ((التفكـُّر ثانيا))
· وقلنا بأننا سنؤجل الحديث عن هذه الأسئلة وما يتعلق بها إلى ما بعد الحديث عن أمر بالغ الأهمية .. وقد جاء أوان الحديث عنه ..
· قلنا بأن الانتباه , هو الخطوة الأولى للعلم بالأشياء , وبدونه لن تكمل المعرفة مسيرتها التصاعدية .. وسيراوح الغافل مكانه الذي كان فيه .. أما المنتبه فإنه سيصعد درجة أخرى في سلم المعرفة , وهذه الخطوة , هي خطوة الاستجابة لهذا المنبه الذي تعرض له .. الخطوة الأولى المنبهات .. والثانية الاستجابة لهذه المنبهات ..
· الخطوة الأولى يشترك فيها كلُّ منتبهٍ من إنسان أو حيوان , بل ربما نقول ونبات بل وجماد .. لكن دعونا – الآن – نقصر الحديث على المنتبه من إنسان وحيوان ..
· والانتباه في كليهما – الإنسان والحيوان – يكون بواسطة الحواس الظاهرة والباطنة ..
· فالإنسان المنتبه يرى البحر أمامه بعينه , وكذا الحيوان .. والإنسان المنتبه يشم الرائحة بأنفه , وكذا الحيوان .. والإنسان المنتبه يشعر بحرارة النار بجلده , وكذا الحيوان ..
· إذن الانتباه يمكن أن يتأتـَّى من الإنسان ومن الحيوان على حد سواء .. وأن انتباههما يكون بالحواس .. وهذه الحواس مشتركة بين الإنسان والحيوان - وإن اختلفت شدة ًوضعفـًا بينهما كما تختلف شدة وضعفـًا بين أفراد الإنسان نفسه , وبين إفراد الحيوان نفسه ..
· وبعد الانتباه تأتي مرحلة الاستجابة للمنبهات .. وفي هذه المرحلة يشترك فيها الإنسان والحيوان أيضا .. فالإنسان المنتبه للبحر يستجيب لهذا المنبه بأن يحمي نفسه من الغرق فيه , وكذا الحيوان .. والإنسان المنتبه يستجيب لمنبه النار بالابتعاد عنها , وكذا الحيوان .. فالابتعاد عن النار استجابة من الإنسان والحيوان ..
· إذن فالإنسان والحيوان يشتركان في المرحلة الثانية أيضا , وهي مرحلة الاستجابة للمنبهات ..
· ونسأل هنا – كما سألنا في المرحلة الأولى – بـِمَ تتم الاستجابة للمنبهات في كلٍّ من الإنسان والحيوان ؟؟ وهل وسيلة الاستجابة واحدة في كليهما , كما كانت أداة الانتباه واحدة في كليهما ؟؟
· للإجابة نقول : لا , ليست أداة الاستجابة للمنبهات واحدة في الإنسان والحيوان .. بل لكلٍّ منهما أداته .. وهنا بالذات يفترق الإنسان عن الحيوان , فهما يفترقان في : أداة الاستجابة للمنبهات ..
· فبـِمَ يستجيب الإنسان للمنبهات ؟ وبـِمَ يستجيب الحيوان للمنبهات ؟
· يستجيب الحيوان للمنبهات بالغريزة المودعة فيه ..
· فحين يرى الحيوان النار مشتعلة .. يقوم بالهرب والابتعاد عنها لحماية نفسه .. فالنار منبه .. تم الانتباه لها بواسطة حاسة العين – وهي من الحواس الظاهرة - والهرب من النار استجابة للمنبه .. تمت هذه الاستجابة بواسطة الغريزة التي أودعت فيه ..
· و حين يشعر الحيوان بألم الجوع , يستجيب بدافع ٍمن غريزته لهذا المنبه , ويفترس حيوانا ليسدّ جوعه .. فالجوع منبه .. حصل بحاسة باطنة .. والافتراس لسد الجوع استجابة لهذا المنبه .. حصل بواسطة الغريزة المودعة في الحيوان ..
· وهكذا في بقية المنبهات والاستجابات , تتم بواسطة حاسة , ويستجاب لها بواسطة غريزة ..
· أما الإنسان .. فلا يستجيب للمنبهات بواسطة غريزته .. بل هناك أمر أهم وأشرف من الغريزة يتم به الاستجابة للمنبهات في الإنسان .. إنه العقل .. تلك الجوهرة التي وهبها الله تعالى كي يصرف بها حياته ..
· فحين يشعر الإنسان بألم الجوع , يستجيب لهذا المؤثر , فيقوم بسد جوعه .. لكن لا يسد جوعه بأيِّ ما يسد الجوع – كما يفعل الحيوان – بل العاقل , يحكـِّم عقله فيما يسد به جوعه .. ويشترط فيه اشتراطات قبل أن يقدم على أكل ما يسد جوعه ..
· الحيوان حين يشعر بالجوع يسد جوعه بأي ما يلائمه , ولا يعنيه أكان حلالا أم حراما .. ظلما أم عدلا .. يأكل أخاه أو عدوه ..لا يهم أكانت الطرق مشروعة أم محرمة .. لأنه لا يميز بين الصواب والخطأ ..
· أما الإنسان , فإنه لا يفكر في أي ما يسد جوعه وفقط .. بل العاقل يسد جوعه بالحلال .. بالعدل .. بالطرق المشروعة ..
· الحيوان حين تثور به غريزة الجنس .. يطفئها بأي ما يسكن ثورانها .. في أي زمان .. أو أي مكان .. ولو على قارعة الطريق ..
· أما الإنسان العاقل , فإنه يحكـِّم عقله فيما يسكن به غريزته الجنسية .. ويشترط فيه عدة اشتراطات .. فيسعى للحلال .. وللتكتم .. والمحدودية .. بدافع من عقله ..
· العقل هو الفيصل بين الحق والباطل ..
· ما قبله الحق فهو مقبول .. وما رده فهو مردود ..
· ما صوَّبه العقل فهو صواب .. وما خطأه العقل فهو خطأ ..
· العقل هو المرجع والحَكـَم في فض المنازعات التي تدور في داخل الإنسان وخارجه ..
· العقل هو الأول والآخر في مسيرة التكامل الإنسانية ..
· العقل هو الجوهرة الثمينة والشعلة المضيئة للعالم الأصغر ( الإنسان ) والعالم الأكبر( الكون ) ..
· العقل هو رسول الله إلينا ..
· العقل حاكم لا يعزل , ورسول لا يختم ..
· للعقل من المنزلة أكثر مما قلت ومما يقوله القائلون ..
· لهذا كان لزامًا علينا , أن ننصبه حكما عدلا في كل نزاع يثور بيننا وبين أنفسنا أو بيننا وبين خارجنا أو بين خارجنا وخارجنا ..
· وبدون أن نتفق على هذه المرجعية المطلقة للعقل , فستبقى كل التساؤلات بلا إجابات .. وكل المنازعات قائمات ..
· العقل هو السائل وهو المجيب .. هو الخصم والحكم .. هو الأول والآخر ..
· لهذا أجَّلنا الحديث عن الأسئلة التي تثور في داخل كلِّ منا , حين تفكـُّره وتأمُّله في نفسه وفيما حوله ..
· لنقول بأن العقل , هو من يطرح هذه الأسئلة , وهو خير من يجيب عليها ..
· ويمكن أن يقال : فهل يعني هذا أن العقل لا يخطئ ؟
· نقول في الإجابة : بل العقل يخطئ .. لكن من يكتشف خطأ العقل ؟ العقل نفسه ..
· أو يقال : فهل يعني هذا أن العقل لا حدود له ؟
· نقول في الإجابة : بل للعقل حدود .. لكن من يضع الحدود للعقل ويدعوه إلى عدم تجازها ؟ العقل نفسه ..
· أو يقال : وهل العقل واحد في الجميع ؟
· الإجابة : العقل ليس واحدا في الجميع .. لكن من يستطيع أن يعرف تفاوت العقل في الجميع ؟ العقل نفسه ..
· وحينها قد يقال : إذا كان العقل متفاوتا فأي عقل ٍنتـَّبع ؟
· الإجابة : على كل إنسان , أن يتبع عقله هو .. لأن عقل كل إنسان , رسول الله إليه , فعليه أن يطيع رسوله .. لأن إطاعة رسول الله إطاعة لله تعالى ..
· وقد يقال : لكن أنا أعلم يقينا , بأن هذا النبي أو الإمام أو العالم , هم أكبر عقلا مني , فلِمَ لا اتبعهم بدلا من اتباع عقلي ؟
· الإجابة : حين تتبع من هو أكبر عقلا منك , هذا اتباع لعقلك .. لأن عقلك هو من يرشدك إلى أن تتبع من هو أكثر علما وأكبر عقلا منك .. العقل هو من يرشد إلى أن تتبع الطبيب في طبه .. والمهندس في مجاله .. والعالم الديني في مجاله .. في اتباعك لكل هؤلاء اتباع لعقلك نفسه ..
· وقد يسأل : هل العقل يزيد وينقص ؟
· نعم العقل يزيد وينقص .. يزيد العقل باتباع العقل وبالتدبر في العقل وفي الأشياء بالعقل .. ويزيد بالإيمان والطاعة والتقوى .. والدعاء .. والتأمل .. والثقافة .. والسؤال .. والتجربة .. والجد والاجتهاد .. كل هذه وغيرها تزيد العقل , وتجعله أقرب للصواب وأبعد عن الخطأ ..
· تذكير بأمور مهمة :
1- العقل رسول الله إلى الإنسان .. وفي طاعة رسول الله طاعة لله ..
2- علينا أن نتتبع العقل في كل أمورنا .. في أصول الدين وفروعه .. في إثارة الأسئلة وفي الإجابة على الأسئلة المثارة ..
3- كل دليل يرجع في آخر المطاف إلى العقل ..
4- لا تعارض بين العقل والنقل الصحيح ..
5- كي نسعد في الدنيا والآخرة علينا بالاهتمام بالعقل والاهتمام بتنميته عن طريق التأمل .. والقراءة .. التجارب .. والتعلم .. والجد والاجتهاد .. والتقوى فاتقوا الله ويعلمكم الله ..
6- بقدر ما العقل ممدوح , فالتقليد مذموم .. والتقليد لا يجوز في أصول الدين .. لكن انتبه أن بعض ما نسميه تقليدا , كسؤال عالم الدين أو الطبيب أو المهندس أمور تحكم عقولنا بحسنها وهي من اتباع العقل ..
· و بهذا – إخواني وأخوات الأعزاء - نكون قد وضعنا لنا المرجعية التي سنتحاكم إليها , في كل ما سيمر علينا , في دروسنا القادمة .. والتي بها سنسأل وسنجيب كل ما يعترض طريقنا في رحلتنا الإيمانية ..
· وإلى أن ألقاكم في إكمال الدروس العقائدية أستودعكم الله التي لا تضيع ودائعه ..
***
حسن العطية
حسن العطية
07-03-2010, 05:24 PM
محطات المعرفة
***
· حين أتأمل في نفسي أرى أن المعرفة تسير داخلي على النحو التالي :
أنتبه أولا لأمر ما (منبه) .. أتأمل فيما انتبهت إليه تأملا مبدئيا .. وهذا التأمل المبدئي هو الاستجابة الأولى للانتباه الأول أو للمنبه الأول ..
· ويتم في هذا الانتباه المبدئي إلقاء نظرة عامة على ما انتبهت إليه .. وكأنني ألقي عليه عباءة أحوزه فيها إلى نفسي .. ثم أقوم بتفحص أجزائه بنظرة أكثر دقة ..
· ثم أقوم بفحص سريع على ما انتبهت إليه لأحدد مدى أهميته .. ومدى فائدتي منه ..
· والأمور تختلف فيما بينها بشأن اكتشافها .. فبعضها يكتشف ويتضح بتأمل بسيط فيه فحينها يكتفي العقل بذلك التأمل المبدئي بانكشاف ذلك الأمر و وضوحه لدى النفس .. وبهذا تقف عملية التفكير والمعرفة هنا .. انتباه – تأمل – انكشاف
· وبعض الأمور – التي ننتبه إليها – لا يكفي في إيضاحها التأمل القليل والسطحي بل تحتاج إلى المزيد من التأمل والغوص في أعماقها .. فيبدأ العقل في المزيد من التأمل والغوص محاولا اكتشافها ..
· وحين يستعصى عليه اكتشافها – وذلك بغرض التخلص من تعب الاكتشاف والتأمل – ينتقل من محاولة الاكتشاف إلى محاولة معرفة مدى أهمية ما يقوم باكتشافه فيقوم بسؤال نفسه : ما مدى أهمية هذا الأمر بالنسبة لي ؟
· فحين يعود الجواب بأهمية ذلك الأمر وضرورة اكتشافه .. يعود مرة أخرى إلى محاولة اكتشافه ..
· وهنا أيضا يختلف الناس .. فمنهم الصبور ذو العزيمة القوية الذي يظل خلف الأمر المهم بالتأمل بالسؤال بالتجربة بأي وسيلة يراها مفيدة في اكتشافه ولا يتركه حتى يتمكن من اكتشافه .. وحين يتم له اكتشافه ينتهي عنده عملية التفكير : انتباه – تأمل – انكشاف .. وبسبب طول الملازمة والتعايش بين الإنسان والأفكار المهمة لديه - التي يحاول اكتشافها أو تلك التي تم لها كشفها - تظل هذه الأفكار حاضرة عنده وملازمة له في عقله الظاهر لا تغيب عنه .. فالعقل الظاهر هو مخزن الإنسان للأمور المهمة المكتشفة أو غير المكتشفة ..
· ومن الناس قليل الصبر .. ضعيف العزيمة الذي يحاول مرة أو عدة مرات ثم يمل ويضجر ويترك الأمر .. ومع مرور الزمن ينسى ذلك الأمر نهائيا .. فينتقل هذا الأمر – شيئا فشيئا – من العقل الظاهر على العقل الباطن .. هناك في عمق أعماق الإنسان .. وهذه الأمور المختزنة في العقل الباطن لابد أن يأتي لها يوم وتظهر .. فإن لم تظهر في الحياة الدنيا بسبب أمر ما يذكر الشخص بها .. فإنها لابد أن تظهر في ذلك اليوم حين يحصل ما في الصدور ليسأل الإنسان حينها عنها ..
· وكلما تأمل الإنسان أكثر تكشفت له أمور خفية عنه وكل انتباه لأمر خفي يستتبعه تأمل مناسب له .. كل منبه يستتبعه استجابة مناسبة ..
· والإنسان في تأمله في أمر ما .. يحاول تفكيك وتفتيت الأمر المجهول الغامض إلى أمور أصغر منه أقل غموضا وأقل جهالة .. وهكذا يبدأ في التفتيت والتوضيح إلى أن يصل بالأمر الغامض المجهول إلى منتهى الوضوح والكشف وحينها تنتهي عملية المعرفة إلى هنا أيضا ..
· وقبل أن أستخلص لكم الزبدة مما مضى وأعددها في نقاط .. أود أن اضرب مثالا حسيا للعملية الفكرية المتقدمة .. تأنس بها العقول أكثر من الأفكار المجردة ..
· عملية المعرفة التي مرت علينا تشبه إلى حد بعيد بإنسان يمشي وفي أثناء ما هو يمشي وجد أمامه شيئا ما ( فعل ) ألتقطه ( ردة فعل ) ألقى عليه نظرة عامة مبدئية محاولا معرفته ( التأمل المبدئي ) إذا عرفه وكان مهما له أخذه و وضعه في مكان قريب منه ( العقل الظاهر ) أما إذا لم يعرفه فإنه يقوم بتفحصه جيدا ( التأمل الفاحص ) حين يشعر بالتعب من محاولة معرفته .. يسأل نفسه ما أهمية هذا الشيء كي أتعب نفسي في اكتشافه ؟ فإن كان الجواب – لأمر أو لآخر - : الأمر مهم ينبغي معرفته .. فإن كان الشخص صبورا وذا عزيمة صلبة فإنه سيعاود تفحصه مرة ومرتين ومرات .. و إذا لم يعرفه يأخذه معه ليتفحصه في بيته أو معمله أو يسأل عنه أصدقاءه .. ولا يتركه إلى أن يعرفه .. وحين يتم له اكتشافه ويستبين له أهميته فإنه يبقيه قريبا منه أمام ناظريه دوما ( العقل الظاهر ) ..
· أما إذا كان الشخص قليل الصبر .. ملولا .. فإنه سوف يسوف ويقول : سأترك اكتشافه إلى الغد .. وفي الغد يقول : بعد أسبوع .. وبعد أسبوع يقول بعد شهر .. وهكذا يبدأ يسوف ويسوف على أن ينسى الأمر نهائيا ليغيب في عقله الباطن .. وقد يجد – في يوم من الأيام – شيئا مشابها فيتذكر ما قد رآه سابقا .. وإن لم يمر عليه أمر مشابه ولم يسمع فلن يتذكره مطلقا إلا يوم القيامة حين يخرجه الله تعالى من صدره ليحاسبه عليه ..
· والآن تعالوا معا نستخلص الزبدة في نقاط سهلة وبسيطة :
· عملية التأمل في الأمور الواضحة .. وعملية التأمل في الأمور المعقدة , تسيران في طريق واحدة , وتمران بنفس المحطات , والاختلاف الوحيد بينهما إنما هو في قصر وطول الطريق لا أكثر ..
· كل عملية تفكير تمر بثلاث محطات رئيسة : الانتباه – التأمل – الانكشاف
· الغاية في كل عملية تفكير هي الوصول إلى انكشاف و وضوح المراد كشفه فمتى ما حصل هذا الانكشاف فقد انتهت عملية المعرفة ..
· الاختلاف بين عمليات التفكير والذي يسبب الطول والقطر ينشأ بسبب المحطة الثانية التأمل .. والأمور الأقل غموضا تحتاج لتأمل اقل لوضوحها .. وكلما زاد الأمر غموضا احتاج – إيضاحه – إلى المزيد من التأمل والتفتيت وبالتالي احتاج إلى طريق أطول للوصول إلى المحطة الأخيرة وهي محطة الكشف التام ..
· غموض أو وضوح الأمل المتأمل فيه هو العامل الوحيد لتطويل أو تقصير عملية التفكير .. بل العوامل المسببة لهذا الطول ثلاثة أنواع : أمور تعود إما إلى الشيء المتأمل فيه .. أمور تعود إلى المتأمل نفسه .. أمور تعود إليهما معا .. وسنتكلم عن هذا لاحقا ..
· ويمكن أن نضرب لكلتا العمليتين – القصيرة والطويلة – بأمور دينية من أصول الدين ..
· فكما سبق وأن قلنا بأن وجود الخالق العظيم من الأمور الواضحة – بل هو أوضح الواضحات – والتي لا يحتاج فيها المنتبه غليها على المزيد من التأمل والتفكير .. فالعقل يصل إلى محطة الكشف فيها بسرعة فائقة .. وهذه هي النوع الأول من عمليات المعرفة التي يجتاز فيها العقل البشري على محطات المعرفة الثلاثة بلمح البصر .. إلى درجة أنه لا ينتبه إلى مروره بهذه المحطات ..
· وهناك أمور ترجع إلى الخالق العظيم أكثر غموضا وتحتاج إلى المزيد من التأمل .. مثلا مسألة الهدف من الخلقة .. لم خلقنا الله تعالى ؟؟ فمثل هذه العملية تحتاج – من البعض – إلى المزيد من التأمل للوصل فيها إلى الوضوح والانكشاف ..
· في الإنسان صندوقان لخزن المعلومات صندوق للأمور كثيرة الاستحضار ويسمى العقل الظاهر .. وصندوق لخزن المعلومات قليل الاستحضار ويسمى العقل الباطن .. ومن الفروق الأخرى بين هاذين الصندوقين أيضا : أن استفادة الإنسان من العقل الباطن تتم عن طريق غير واعية ولا إرادية أما الاستفادة من العقل الظاهر فتتم بوعي .. لهذا قد يسميان العقل الواعي والعقل اللاواعي أيضا ..
· محطة التأمل هي أهم مراحل المعرفة .. وأيضا كما أن التأمل محطة من محطات المعرفة هو أيضا طريق من طرقها .. لكن كيف ؟
· هذا ما سنحاول التعرف عليه في الدرس القادم الذي سنخصصه لهذا الأمر ..
· أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
***
حسن العطية
عبدالصمد حسن زيبار
09-03-2010, 12:51 PM
أستاذي الكبير حسن
موضوع تفكري معرفي جميل
لي عودة معه
الموضوع للتثبيت
حسن العطية
09-03-2010, 05:59 PM
أستاذي الكبير حسن
موضوع تفكري معرفي جميل
لي عودة معه
الموضوع للتثبيت
أستاذي المبجل ..عبد الصمد زيبار ..
غمرتني بلطفك وتواضعك ..
ستبقى شهادتك وساما يزين صفحتي المتواضعة ..
ربي يخليك ويبارك لنا فيك ..
حسن العطية
09-03-2010, 06:18 PM
5 عناصر التأمل
***
· عرفنا في موضوعنا السابق – محطات المعرفة – أن التأمل هو المحطة الثانية من محطات المعرفة ..
· وقلنا – أيضا - بأن التأمل كما أنه محطة من محطات المعرفة , هو أيضا طريق من طرقها ,
وأنهينا الموضوع السابق بالتساؤل عن كيفية كون التأمل محطة من محطات المعرفة , وطريق من طرقها ..
· والآن جاء وقت الإجابة على ذلك التساؤل فنقول :
· قلنا سابقا : إذا أردتُ أن أعرف أمرًا ما : فإني أنتبه إليه أولا – أتأمله ثانيا – ينكشف لي ثالثا
· وقلنا بأن هذه هي محطات المعرفة الثلاث ..
· والآن إذا سحبنا المحطة الثانية - محطة التأمل - من بين المحطات الثلاث , لنشرحها ونتأمل فيها , فماذا عسانى واجدين فيها ؟؟
نجد بأن التأمل الذي هو المحطة الثانية , عبارة عن : التفكير والتدقيق في أمر ما , وتقليبه على مختلف وجوهه , لمعرفته جيدا .. ومحاولة الإجابة على التساؤلات التي يطرحها العقل عليه .. أو قل : هو إعمال العقل في أمر ما , هذا هو معنى التأمل ..
· فحين أتأمل مثلا في نفسي , من ناحية خالقها ..
هذا التأمل في نفسي يثير في نفسي عدة أسئلة .. وكل سؤال أحاول الإجابة عليه بعدة إجابات .. بعدها أبدا في اختبار الإجابات إجابة إجابة .. وأبدأ باستبعاد الإجابة التي لا اقتنع بها , إلى أن أصل إلى الإجابة المقنعة , التي اطمئن إليها , وتهدئ من ثوران نفسي .. هذه الأمور مجموعة تسمى تأملا ..
· إذن التأمل في أمر ما هو : طرح مجموعة من الأسئلة تخص ذلك الأمر .. ومحاولة البحث عن إجابة مقنعة لكل سؤال يطرح , مِنْ كمِّ الإجابات المحتملة ..
· فإذا أردنا أن نعدد عناصر التأمل – كما شرحناه قبل قليل - , فإن عناصره ستكون التالية :
1) الأمر المتأمَّل فيه .. وهو العنصر الأساس في عملية التأمل .. و بدونه لن توجد عملية التأمل من الأصل .. لأن التأمل لابد أن يتوجه لأمر ما ولا يحصل في ألا شيء .. وكما يقال : العرش ثم النقش ..
2) تشريح الشيء المتأمَّل فيه إلى حيثيات وجوانب عديدة .. فحين يكون محور التأمل هو النفس .. لابد أن أحدد أمرًا خاصا من أمور النفس , أتأمل فيه .. هل سأتأمل في النفس من حيث التكوين الجسمي الفسيولوجي مثلا .. أو من حيث خالقها .. أو من حيث لونها .. أو شكلها .. أو جمالها ... إلخ , و بدون تحديد نقطة محددة في الأمر المتأمل فيه , فإننا سنكون كمن يبحث عن إبرةٍ في كومة قش .. نعم يمكن أن نتأمل في جميع جوانب النفس لكن إذا أخدنا كل جانب على حدة , نتأمله جيدا ونخرج بقناعة تجاهه .. ثم ننتقل إلى الجانب الآخر .. إلى أن نأتي على كل الجوانب .. في مثل هذه الحالة المنظمة يمكن أن نتأمل في النفس بجميع جوانبها المفروضة ..
3) ثوران الأسئلة .. من طبيعة الإنسان , أنه يسأل نفسه دوما عن كل ما ينتبه إليه .. لهذا عبرنا بـ ثوران , للإشارة إلى أن الأمر غريزي تلقائي , يحصل بدون إرادة الإنسان .. فحين نحدد الأمر المتأمل فيه .. ونحدد نقطة معينه فيه .. يبدأ العقل بطرح عدة أسئلة حول تلك النقطة المحددة .. من خلق نفسي ؟ من يبقيها ؟ لم خلقت ؟ ...إلخ
4) الأجوبة المحتملة .. والعقل بعد أن تثور داخل النفس تلك الأسئلة , يحاول أن يجيب على كل سؤال إجابة مقنعة .. وذلك بأن يجيب بصورة مبدئية على كل سؤال بإجابات كثيرة محتملة , وكأنه يفرض فروضا .. ثم يبدأ بسبر وفحص هذه الفروض و الإجابات إجابة إجابة .. ويتمّ - في هذا السبر والاختبار – استبعاد الإجابات غير المقنعة , واستبقاء الإجابات المقنعة ..
5) الاطمئنان .. وكلما كانت الإجابات الباقية أكثر إقناعا , فإنها ستؤدي إلى هدوء النفس واطمئنانها , وبالتالي سكونها من ثورانها .. وبالتالي يمكن أن نعد حالة الطمأنينة , نجاح عملية التأمل وحصول المتأمل على ثمرة تأمله والتي هي الطمأنينة , وبهذا يمكن أن نعد الطمأنينة آخر عنصر من عناصر التأمل .. وهو بمثابة التسليم للصلاة .. فهو إشارة إلى أن الصلاة قد انتهت .. كذلك الاطمئنان يدل على أن عملية التأمل قد انتهت بسلام .. أم في حال لم يصل الإنسان إلى الإجابة المقنعة فإن حالة الثوران ستستمر .. مما يشير إلى أن عملية التأمل ما زالت مستمرة قائمة في النفس .. وقد تهدأ هذه الثورة في النفس بالحصول على الإجابة الشافية , وقد لا تهدأ أبدا .. وهذا الهدوء إن حصل قد يحصل في وقت طويل أو في وقت قصير .. حسب عوامل كثيرة قلنا سابقا أنها هي من يطيل أو يقصر عملية التأمل وبالتالي عملية المعرفة برمتها ..
· بهذا نكون قد عرفنا جيدا المقصود من التأمل , الذي هو المحطة الثاني من محطات المعرفة ..
· وبقي علينا معرفة أمرين :
الأول : أهمية هذا التأمل في حياتنا ..
الثاني : معرفة التأمل الذي هو طريق من طرق المعرفة ..
· ونحن سنتكلم عن كلٍّ من هذين الأمرين في موضوع يخصه ..
· وإلى أن ألقاكم على خير .. أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
***
حسن العطية
زهراء المقدسية
09-03-2010, 10:57 PM
انتبهت للعنوان دخلت
فتأملت المكتوب
وتكشفت لي حقيقة أننا أمام رجل
يفكر ولهذا فهو موجود
واسمح لي بسؤال
هل فعلا لا تعارض بين العقل والنقل؟؟
وعن أي عقل تتحدث؟؟
هل تنكر وجود عقول متمردة تتنكر للنقل
سواء في القرآن أو السنة بحجة أن العقل لم يستوعبه؟؟
وقد يخرج علينا أصحابها بقولهم أن ما ورد في المنقول من الأحاديث مثلا
هو من الإسرائيليات فعقله لم يقره ولم يستوعب مثلا
لما الغسل في حالة بول الرضيعة
والنضح في حالة بول الغلام ؟؟
أستاذ حسن
من آهات إلى خطرات إلى محطات
تسعدنا متابعتك بكل شغف وفضول للمزيد
دمت مفكرا
حسن العطية
10-03-2010, 07:32 PM
انتبهت للعنوان دخلت
فتأملت المكتوب
وتكشفت لي حقيقة أننا أمام رجل
يفكر ولهذا فهو موجود
واسمح لي بسؤال
هل فعلا لا تعارض بين العقل والنقل؟؟
وعن أي عقل تتحدث؟؟
هل تنكر وجود عقول متمردة تتنكر للنقل
سواء في القرآن أو السنة بحجة أن العقل لم يستوعبه؟؟
وقد يخرج علينا أصحابها بقولهم أن ما ورد في المنقول من الأحاديث مثلا
هو من الإسرائيليات فعقله لم يقره ولم يستوعب مثلا
لما الغسل في حالة بول الرضيعة
والنضح في حالة بول الغلام ؟؟
أستاذ حسن
من آهات إلى خطرات إلى محطات
تسعدنا متابعتك بكل شغف وفضول للمزيد
دمت مفكرا
انتبهت للعنوان دخلت
فتأملت المكتوب
وتكشفت لي حقيقة أننا أمام رجل
يفكر ولهذا فهو موجود
ثنكس .. وما عليك زود أستاذتي
واسمح لي بسؤال
هل فعلا لا تعارض بين العقل والنقل؟؟
هذا رأيي المتواضع .. وما الغريب في هذا ؟؟
وعن أي عقل تتحدث؟؟
كل سيحاسب حسب عقله .. وحين يتبع عقل غيره فعقله من يرشده الى اتباع ذلك العقل .. فلا مفر من العقل !!
هل تنكر وجود عقول متمردة تتنكر للنقل
سواء في القرآن أو السنة بحجة أن العقل لم يستوعبه؟؟
المكابرة شيء والعقل شيء آخر !!
وقد يخرج علينا أصحابها بقولهم أن ما ورد في المنقول من الأحاديث مثلا
هو من الإسرائيليات فعقله لم يقره ولم يستوعب مثلا
أستاذتي : من يقول هذا دليل على أنه يذهب أن لا تعارض بين العقل والنقل الصحيح .. لهذا ترينه يخدش في صحة النقل حين يجده يتعارض مع العقل الصريح .. وليس هذا منه ردا للنقل !!لم الغسل في حالة بول الرضيعة
والنضح في حالة بول الغلام ؟؟
أعجب لمن – لست أنت قطعا – يحاول التشكيك بالعقل بالعقل نفسه !! فالأمر لا يخلو : إما أن المشكك (بالكسر ) صحيح أو المشكك فيه صحيح وكلاهما عقل
أستاذ حسن
من آهات إلى خطرات إلى محطات
تسعدنا متابعتك بكل شغف وفضول للمزيد
دمت مفكرا
دمت أستاذتي
حسن العطية
10-03-2010, 09:24 PM
6 طرق المعرفة
***
· قلنا سابقا : حين أريد أن أعلم بأمر ما , أنتبه إليه أولا – أتأمله ثانيا – ينكشف لي ثالثا .. وقلنا بأن هذه هي محطات المعرفة الثلاث .. ثم قمنا بتحليل المحطة الثانية وهي التأمل لنحدد عناصرها الخمسة .. وكنا قد قلنا بأن التأمل تارة يكون محطة وتارة يكون طريقا .. وهذا ما سنتناوله في هذا الدرس ..
· التفريق بين التأمل المحطة والتأمل الطريق ..
· حين أنتبه إلى أمر ما .. أقوم بتأمله .. وعملية التأمل عملية مركبة من عدة أشياء يطلق عليها التأمل .. وفي هي العملية يقوم العقل بتصنيف الأمر المنتبه إليه والمراد معرفته ..أنه سيوجه إلى الفرع المختص به من العلوم ليقام في ذلك المعمل بتشريحه واكتشافه .. هل سيواجه إلى مختبر المواد كالحديد والذهب والنحاس .. أم أنه سيوجهه إلى معمل اللغة – فيما إذا كان الأمر يتعلق باللغات .. أو سيوجهه إلى معمل آخر ..
· ومن المعامل التي يمكن أن يوجه العقلُ إليه الأمر المجهول الجديد , يوجه إلى العقل نفسه وإلى المخزون الشخصي للإنسان نفسه .. ليقوم عقله نفسه بتحليله وتأمله وتشريحه بالعقل ..
· إذن لاحظوا : أول ما يتسلم العقل المجهول - الأمر المراد معرفته – يقوم بتأمله بغرض تصنيفه وتوجيهها إلى معمل الفرع المختص به .. و من المعامل المحتملة أن يوجه إليها : معمل العقل نفسه ليقوم بتأمله ..التأمل الذي يوجه المجهول إلى المعمل هو التأمل المحطة .. والتأمل المعمل الذي سيشرح المجهول هو تأمل الطريق ..
· وكما تلاحظون درسنا السابق (( عناصر التأمل )) كان أقرب إلى التأمل الذي هو طريق من طرق المعرفة لا التأمل الذي هو محطة من محطاته .. نعم التأمل المحطة يشمل كلا التأملين إلا أن خلاصته إنما هو في التأمل الطريق .. إما التأمل المحطة فهو فقط طريق وصول المجهول إلى معمل التأمل الطريق لا أكثر .. وإن كان التدقيق في تأمل المحطة يتضح أنه أيضا نوع من أنواع التأمل الطريق إلا أنه نوع قصير منه أو قل تأملي أولي .. أما الآخر فهو تأمر تفصيلي مركز ..
· إذن يمكن أن نفرق بين التأمل المحطة والتأمل الطريق بأن التأمل الطريق أكثر تركيزا من التأمل المحطة ..
· ولكي يتضح الأمر أكثر سنتكلم عن طرق المعرفة , حتى يتبين جليا كيف أن التأمل الطريقي طريق من طرق المعرفة :
· طرق المعرفة : هي تلك الوسائل التي يستعين بها الإنسان في اكتشاف المجهولات التي يرد معرفتها .. ولكل شيء فرع من فروع المعرفة يختص به .. اللسانيات .. الماديات .. النبات .. الطب .. ...إلخ
· وهناك فرع يختص بالأمور العقلية الصرفة .. والتي لا تدخل تحت أي فرع من الفروع الأخرى دخولا مستقلا .. وهو شديد اللصوق بعلم الفلسفة المعروف بل ربما يكون التأمل هو روح الفلسفة وأهم ميزاتها .. وهذا الفرع وهذا الطريق أهم طرق المعرفة قاطبة.. لأنه يدخل في كل فروع المعرفة .. فهي تعتمد عليه اعتمادا كثيرا أو قليلا .. فهو من يمدها بالقوانين العامة والكلية ..
· مثلا : من يجري تجارب على قطعة حديدية في مختبره .. يجدها تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة .. هذه القطعة التي بين يديه فقط .. لكنه لا يستطيع أن يعمم هذا الحكم على كل قطعة حديدية إلا عن طريق التأمل والفلسفة .. فعن طريقهما يستطيع العقل أن يعمم حكم هذه القطعة على كل قطعة حديد ..
· هذا الفرع هو ما نركز عليه ونطالب به تحت عنوان التأمل والذي هو محطة للمعرفة وطريق من طرقها بل طريقها العظمى ..
· بهذا نكون قد ميـَّزنا بين التأمل المحطة والتأمل الطريق .. وبقي علينا أن نتكلم عن أهمية التأمل الطريق .. أي كشف المجهولات عن طريق العقل المحض .. ومع أنه اتضح قبل قليل أهمية التأمل إلا أننا نريد أن نخصص موضوعا كاملا للحديث عن أهمية التأمل ..
· وهذا ما سنتكلم عنه في الدرس القادم بإذن الله تعالى .. وأظن أنه أهم درس مطلقا ..
· وإلى ذلكم الحين أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
***
حسن العطية
حسن العطية
11-03-2010, 05:00 PM
7 التأمل خير عبادة
***
· درسنا اليوم سيتناول أهمية التأمل أو التفكـُّر في حياتنا ..
· ولأن الموضوع – غاية في الأهمية – من وجهة نظري القاصرة – لهذا سنطيل فيه شيئا ما وسيكون بمثابة عدة دروس في درس واحد ..
· لكن بإذن الله تعالى .. كل الجهود المبذولة فيه لن تكون ضائعة .. نظرا للأهمية القصوى للتأمل في حياتنا .. والتي أدعو الله العلي القدير أن يمكنني بمنـِّه وفضله من بيان شيئا منها ..
· إخواني وأخواتي الأعزاء على قلبي جميعا : أنا أزعم أن مصائبنا كلها قاطبة الدنيوية والأخروية ناتجة عن إهمال التأمل وتهميشه في حياتنا .. وأدعو الله الكريم أن يمنَّ عليَّ بأن يجعلني من سيعيد للتأمل اعتباره في حياة بعض من سيقرأ الموضوع .. فلأن يجري الله تعالى شيئا من هذا على يديَّ لهو نعمة كبرى لن أقدر مهما حييت على شكرها ..
· فالموضوع غاية في الأهمية .. ويرتبط بأمور كثيرة جدا .. ومنها أمور سياسية أيضا .. فأدعو الله الكريم أن يمكنني من إثبات ذلك لمن يصبر عليَّ قليلا ويحاول مسايرة الموضوع إلى الآخر .. وإن شاء الله لن يخرج من هذا الموضوع كما دخل منه ..بإذن الله الكريم الجواد المنـَّان ..
· فدعونا نشرع في هذا الأمر متوكلين ومستعينين بالله العلي القدير ..
· وسنحاول الحديث عن التأمل من خلال النقاط التالية :
· أولا : التأمل ألفاظ متكثرة لحقيقة واحدة :
· هناك ألفاظ كثيرة تدل على حقيقة التأمل .. التأمل – التفكر –التدبر – التركيز - التعقل – التعمق – التوسم – التدقيق – التبحر – الإتقان – النظر - ...إلخ .. كل هذه الألفاظ ذات حقيقة واحدة ..
· فحين يحث القرآن الكريم على التفكـُّر في الآفاق وفي الأنفس .. فهو يحث على التأمل فيها .. وعلى تعقل حقائقها .. والوصول إلى عمقها .. وتدبرها .. وإمعان النظر فيها ...
· وحين يقال – مثلا – : التفكر خير عبادة .. فالمقصود منه التأمل أيضا .. وحين يقال بأن أكثر عبادة أبي ذر - رضي الله عنه - كانت التفكر .. فالمقصود التأمل أيضا ..
· إذن التأمل والتفكر والتعقل والوصول إلى حقائق الأشياء ألفاظ ذات حقيقة واحدة .. مثل القلب واللب والروح والعقل .. فهذه أيضا ذات حقيقة واحدة .. لكن تختلف هذه الحقائق بحسب اختلاف الزاوية التي ننظر منها إليها ..
· ويحضرني الآن مثل ليطف - لا أعلم أين قرأته - عن مجموعة أشخاص اجتمعوا في مكان مظلم وكان معهم فيل .. وهم لا يعرفون أنه فيل لأن المكان كان مظلما .. فراحوا يتحسسون الفيل .. فراح كلٌ منهم يتحسسه من مكان .. فالذي وقعت يده على ظهر الفيل وصفه بوصف .. والذي وضع يده على خرطومه وصفه بوصف آخر .. والذي وضع يده على أذنيه بوصف ثالث ... وهكذا تتعدد الأوصاف لحقيقة واحدة وهي الفيل ..
· كذلك ما نحن فيه .. كلها ألفاظ لحقيقة واحدة وهي محاولة الوصول إلى حقيقة الأمر المتأمَّل فيه ..
· إذن التأمل أو التفكر هو : تقليب الأمر المتأمل فيه على مختلف وجوهه الممكنة بهدف الوصول إلى حقيقته ..
· هذا التأمل هو بالضبط ما تكلمنا عنه في أحد دروس هذه السلسة تحت عنوان ( العقل أولا وأخيرا) فالعقل يعني تعقل الأمور بهدف الوصول إلى حقيقتها ..
· إذن بهذا نكون حددنا المقصود من التأمل الذي سنبين بعضا من أهميته في حياتنا ..
· هذه النقطة الأولى ... وستتبعها نقاط أهم بإذن الله تعالى لاحقا .. فلا تذهبوا بعيدا ..
· أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا ..
زهراء المقدسية
12-03-2010, 09:21 AM
كل سيحاسب حسب عقله .. وحين يتبع عقل غيره فعقله من يرشده الى اتباع ذلك العقل .. فلا مفر من العقل !!
المكابرة شيء والعقل شيء آخر !!
أستاذتي : من يقول هذا دليل على أنه يذهب أن لا تعارض بين العقل والنقل الصحيح .. لهذا ترينه يخدش في صحة النقل حين يجده يتعارض مع العقل الصريح .. وليس هذا منه ردا للنقل !!
[color="blue"]دمت أستاذتي
صباحك خير أستاذ حسن
لا شكر على رأي بشخصكم وعقلكم المفكر
أراه حق لكم ولا أجامل ولست من طبيعة من يحب المجاملات
كل سيحاسب حسب عقله .. وحين يتبع عقل غيره فعقله من يرشده الى اتباع ذلك العقل .. فلا مفر من العقل !!
لو كان الأمر متروكا للعقل تماما لما كان هناك نقل بل ملزمون باتباعه
فالدين بالعقل والنقل
ربنا أعلم بنا ويعلم أن هناك عقول جامحة عقول غير متوازنة
لو ترك لها المجال لأنكرت الحق واتبعت الباطل
ولهذا حجمها وألجمها بالنقل الصريح
ومن عقله متوازن يعدم أي تعارض بين عقله و النقل
ومن كان بغير ذلك سيحدث التناقض حتما
هذه وجهة نظري وأحترم وجهة نظرك
دمت أستاذا مفكرا
حسن العطية
12-03-2010, 06:33 PM
صباحك خير أستاذ حسن
لا شكر على رأي بشخصكم وعقلكم المفكر
أراه حق لكم ولا أجامل ولست من طبيعة من يحب المجاملات
لو كان الأمر متروكا للعقل تماما لما كان هناك نقل بل ملزمون باتباعه
فالدين بالعقل والنقل
ربنا أعلم بنا ويعلم أن هناك عقول جامحة عقول غير متوازنة
لو ترك لها المجال لأنكرت الحق واتبعت الباطل
ولهذا حجمها وألجمها بالنقل الصريح
ومن عقله متوازن يعدم أي تعارض بين عقله و النقل
ومن كان بغير ذلك سيحدث التناقض حتما
هذه وجهة نظري وأحترم وجهة نظرك
دمت أستاذا مفكرا
لو كان الأمر متروكا للعقل تماما لما كان هناك نقل بل ملزمون باتباعه
فالدين بالعقل والنقل
- بل الدين عقل وعقل .. عقل يرشد عقولا !!
- أستاذتي زهراء .. لا اظن بيننا اختلاف وإنما هي مجرد حوار لابراز الحقيقة اكثر !!
- أستاذتي : أنى ذهبت وأي طريق سلكت أجد العقل امامي .. لا اجد منه مفرا مطلقا مهما حاولت !!
- وإليك بعض النقاط التي يمكن ان تجلي كون العمدة في كل امر هو العقل فقط :
- الأولى : يقال: يُستدل على العقل بحُسن المقال ...وبما أنه : ليس أحسن من الله قيلا .. وليس ابلغ من القرآن .. ولأن نبينا الكريم أبلغ من نطق بالضاد .. لهذا أقول بأن النقل – في حقيقته – عقل .. هو عقل نقل إلينا بالكلمات .. إذن الفرق بين عقولنا وعقل النقل هو أن النقل عقل كبير وعقولنا عقول صغيرة فقط .. تماما كمن يدرس في الابتدائية والبروفوسور !!
- الثانية : الله تعالى يكرر دائما : أفلا يعقلون .. فلو كان هناك تعارض بين النقل والعقل .. والقرآن يدعونا إلى إعمال عقولنا .. إذا جمعنا بين هاتين تكون النتيجة بأن القرآن يدعونا إلى عدم الإسلام .. يدعونا لكي نؤمن بان نستخدم عقولنا .. وحين نستخدم عقولنا فيما جاءنا به نراه لا ينسجم معها .. فكأنه بالتالي دعى إلى رفض ما جاء به !!
- الثالثة : نفرض بأننا الآن نعيش عصر النبي الكريم .. وهو الآن واقف يدعونا إلى الإسلام شفاها – فلا نقل في البين – متى عسانا سنؤمن ؟؟ حين تقبل عقولنا ما يقوله .. فهو صلى الله عليه وآله : في بداية الدعوة قبل أن يأتينا ما اصطلح عليه بالنقل كان يعتمد على العقل في كلامه ..
- فكما كان السبب في قبول السلف هو العقل سيكون السبب في قبول الخلف هو العقل .. يفرق أن أولئك الكرام أسلموا بالكلام ونحن أسلمنا بالكتابة ..وكلا الأمرين الكلام والكتابة انما هو وسيلة لنقل الأفكار فقط !!
ربنا أعلم بنا ويعلم أن هناك عقول جامحة عقول غير متوازنة
لو ترك لها المجال لأنكرت الحق واتبعت الباطل
ولهذا حجمها وألجمها بالنقل الصريح
بل أرشدها ولم يلجمها !! ولا كلام لنا مع المكابر !!
ومن عقله متوازن يعدم أي تعارض بين عقله و النقل
ومن كان بغير ذلك سيحدث التناقض حتما
- متفقان
هذه وجهة نظري وأحترم وجهة نظرك
دمت أستاذا مفكرا
دمت أستاذتي
حسن العطية
13-03-2010, 04:23 PM
(2)
درجات التأمل ***
· الله الخالق الحكيم .. خلق الأشياء متفاوتة متفاضلة .. في سلسلة تبدأ بالأفضل نزولا إلى الأقل فضلا إلى أخر السلسلة النزولية ..
· وحين نقول (خلق الأشياء) فنحن نعني جيدا هذه الكلمة .. يعني الإنسان وغيره .. وإنما يتم حصر الأمر في الإنسان ربما من ضيق الأفق لا أكثر ..
· أنصتوا إلى هذه الآية الكريمة التي تقول صراحة : (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ...) بعضكم هنا تعم كل بعض من إنسان وغيره ..
· يعني الله تعالى خلق الناس متفاوتين الأفضل فالأفضل .. وخلق الملائكة كذلك .. وخلق الجن كذلك .. وخلق الكتب كذلك .. وخلق الشهور كذلك .. وخلق الأماكن كذلك .. والأزمان كذلك .. والحيوانات كذلك ... وإلخ ..
· كل عالم من هذه العوام فيها الفاضل وفيها المفضول ..
· وأيضا كلمة ( الرزق ) في الآية الكريمة .. غير محصورة في الأكل والشرب والأموال – وإن كانت هذه من الرزق أيضا – بل تشمل كل منحة إلهية .. فالعقل رزق .. والأخلاق رزق .. والبسطة في الجسم رزق .. وجمال الجسم رزق .. خفة الدم رزق .. والأموال رزق .. الإيمان رزق .. التكاليف رزق .. نفس هذا التفاضل بين الأشياء من أعظم الأرزاق ... إلخ ..
· إذن التفاضل طبيعة ربانية تعم كل المخلوقات بلا استثناء .. طبيعة تشمل كل ما نطلق عليه شيء ..
· ومن هذه الأشياء – بل من أفضلها – التي تتفاضل بين أفرادها (التأمل)
· التأمل نوع يدخل تحته أفراد كثيرة لا تحصى كثرة .. أي أن التأمل درجات .. فيها الفاضل وفيها المفضول وفيها بين بين ..
· وكلما كانت درجة التأمل أعمق وأفضل كلما كانت النتائج المترتبة عليه أفضل .. فالعلاقة بين درجة التأمل ونتيجته مطردة .. كلما علت الدرجة علت النتيجة وازدادت أهمية ..
· ونستطيع من خلال هذا الكلام أن نتوصل إلى النتيجة التالية :
كل ما يقوم به الإنسان – وغيره أيضا – هو نوع من أنواع التأمل .. لكن تختلف درجة التأمل فقط بين الأمور .. فحين أصلي - مثلا – فأنا أتأمل في الصلاة إلا أن درجة هذا التأمل ضعيفة لهذا سيكون مردود هذا التأمل ضعيف عليَّ .. وبالتالي سيكون تأثير الصلاة عليَّ محدودا وضعيفا ..
· أما حين أعمل كموظف أخشى أن يحسم عليَّ شيئا من راتبي .. فأن درجة التأمل ستزداد وبالتالي ستزداد نتائجه .. وسيصبح العمل الذي أقوم به أكثر جودة ..
· وحين أقوم بعمل أرغب فيه انأ وأحبه وأهواه .. فإن درجة التأمل فيه ستزداد أضعافا مضاعفة وبالتالي سيكون العمل الذي أقوم به ذا درجات عالية من الجودة ..
· وهذا هو السر في الجودة التي تظهر في هواياتنا .. فترى من يحبّ الرسم ويهواه يكون مبدعا فيه .. لأن درجة تأمله فيه أكبر من غيره من الأعمال التي يقوم بها ..
· والشاعر الذي يهوى الشعر ترى شعره أروع من أي شيء آخر يقوم به .. لأن درجة تركيزه وتأمله في شعره أكبر من غيره من الأعمال التي يقوم بها .. والمحب للصلاة تكون صلاته أفضل لأن تكيزه فيها يكون اكبر .. ومن يحب الرياضة تراه فنانا فيها لأن درجة تركيزه فيها اكبر .. والأطفال لحبهم للعلب ترى درجة تركيزهم أكبر .. ومن يحب الأكل يكون درجة تركيزه فيه اكبر ويصبح اكولا اكثر من غيره ... وهكذا بقية الأشياء .. كلما كان تركيزك في الأمر الذي تقوم به أكبر كلما كانت النتائج أكثر جودة ..
· ومن اراد أن تكون اعماله او أعمال من هم تحت يده متقنة وجيدة ..فعليه ان يزيد من درجة تركيزهم فيما يقومن به .. وتزداد درجة التركيز حين يتولد الحب فيهم لما يقومون به .. ويتولد الحب من معرفة اهمية ما يقوم به .. لهذا كانت معرفة الأشياء مهمة لأنها ستكشف عن اهمية الأشياء .. هذه الأهمية ستولد الحب فيها او البغض لها .. هذا الحب سيدعو إلى عملها بإتقان .. وبالإتقان تكون الأعمال جيدة وحسنة ومبهرة ..
· وكما تلاحظون .. فقد توصلنا إلى واحد من أسباب أهمية التأمل وهو : أن الأشياء تتفاضل بسبب التأمل .. مما يدل على فضله على غيره من الأشياء التي نقوم بها ..
· كما لو قلنا – مثلا – لطلاب : من يأخذ درجات أعلى يحصل على وظيفة أحسن .. الدرجات هي السبب في الحصول على المنزلة الأعلى التي سيحصل عليها الطالب .. مما يدل على أن الدرجات لها الفضل في حصوله على تلك المنزلة والوظيفة ..
· كذلك الأمر في التأمل .. فحينما نقول : العمل الأكثر تأملا أكثر جودة .. فهذا يعني أن الجودة لن تحصل إلا عن طريق أعلى درجة تأمل ممكنة .. لولا هذه الدرجة من التأمل لم نحصل على هذه المنزلة .. فبالتالي تكون هذه الدرجة من التأمل – لأنها سبب – أفضل من المنزلة التي وصلت إليها بسبب التأمل – لأنها مسبب .. والسبب أفضل من المسبب .. والعلة أفضل من المعلول ..
· إذن التأمل درجات .. مثله مثل بقية أشياء هذا العالم ..
· ونحن حين نطالب بالتأمل في الأمور فإننا نطالب كل فرد أن يحصل على أقصى درجة من التأمل يتمكن من الحصول عليها ..
· أي أننا لا ننكر أن الناس يتأملون فيما يقومون به إلا أن هذه الدروس هدفها الحث على زيادة التأمل .. للحصول على أعلى درجة من درجات التامل ..
· هذا النقطة الثانية التي عرفناها عن التأمل ..
· والنقاط ستتوالى بإذن الله تعالى .. إلى أن ترسم لنا لوحة التأمل الفسيفسائية الرائعة ..
· أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا ..
حسن العطية
14-03-2010, 04:05 PM
التكرار يعلم الشطار
***
· عرَّفنا سابقا التأمل .. وقلنا بأنه : تقليب الأمر المتأمَّل فيه .. في عقولنا على مختلف وجوهه الممكنة .. بغية التوصل إلى معرفة حقيقته ..
· والآن أريد أن أعود إلى نفس هذا التعريف لأزيده إيضاحا .. لأنني أحسب أن بالإمكان تبسيطه أكثر من هذا .. حتى يعرف الجميع المقصود من التأمل بصورة أوضح .. ويعلم المطلوب منه تماما حين نقول له : تأمل في القرآن – أو تأمل في نفسك – أو تأمل في الكون – أو تأمل في الشيء الفلاني ..
· تعرفون المقصود من التأمل باختصار ؟؟
· المقصود من التأمل هو التكرار .. تكرار الأمر المتأمَّل فيه في العقل .. إذا كررت وأعدت النظر في الأمر المتأمل تكون قد تأملت فيه ..
· إذا أردت أن تتأمل فيه أجعل نفسك كأنك تريد أن تحفظه .. تكرره على نفسك تماما كأنك تريد أن تحفظه .. هذا التكرار يركز الأمر في عقلك .. التركيز والتأمل شيء واحد ..
· لكن هنا أمر مهم لابد من الانتباه إليه وهو :
التكرار نوع له عدة أفراد .. فهناك تكرار للألفاظ .. فحين تكرر الألفاظ فهذا يعني أنك تأملت فيها .. وهناك تكرار للمعاني .. فحين تكرر المعنى فهذا يعني أنك تأملت فيه .. وكل من اللفظ والمعنى له درجات .. وكلما كان تكرار الدرجة الأعمق من الألفاظ والمعاني كلما كان التأمل أنفع ..
· يعني تخيل أن الأمر الذي تتأمل فيه بركة ماء عذبة .. وتخيل نفسك تغوص في هذه البركة .. محاولا الوصول إلى قعرها ..
· أو تخيل الأمر الذي تريد التأمل فيه قطعة لحكم وأنت تريد أن تقطعها تضغط على السكين لتقطع اللحم إلى الآخر .. هذا الغوص وهذا الضغط تركيز ..
· ونحن – لاحقا إن شاء الله تعالى – سنحاول أن نطبق التأمل على بعض الأمور لنجعله درسا تطبيقيا عمليا على التأمل .. لكن بعد أن ننتهي من المعلومات النظرية عن التأمل ..
· والآن أظن أن المقصود من التأمل اتضح أكثر بعون الله تعالى وفضله ..
· والآن أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على محمد وآله ..
حسن العطية
15-03-2010, 04:28 PM
أفراد المتأمل فيه
***
· قلنا سابقا بأن التأمل – مثله مثل كل المخلوقات – له درجات ..
· واليوم سنتكلم عن أمر له علاقة بالتأمل أيضا وهو : الأشياء التي نتأمل فيها ..
· فكما أن التأمل ذاته درجات .. منها العميق ومنها السطحي ومنها بين بين ..
· كذلك الأمور التي نتأملها ..متفاوت .. منها الأمور العظيمة .. ومنها الأمور الأقل عظمة ... وهكذا تتنازل العظمة إلى أن تبلغ درجات دنيا إذا ما قيست بالأمر العظيم الأول ..
· وكلما كان الأمر الذي نتأمل فيه عظيما ومهمَّا كلما كانت نتائج التأمل فيه مهمة وعظيمة ..
· ونحن نريد أن نعدد بعض الأمور المهمة التي نحث على تقديمها على غيرها في التأمل ..
· ولكن قبل أن نعدد تلك الأفراد المميزة .. علينا أن نقول أمرا عاما يشمل كل عملية تأمل وهي : أن كل عملية تأمل تعطي ثمارها .. مهما كانت نتيجة التأمل .. وفرد التأمل .. وإنما الاختلاف في النتائج والثمار لا أكثر ..
· فحين يكون التأمل أعمق تكون الثمار أنضج ..
· وحين تكون أفراد التأمل أعظم تكون النتائج أشهى ..
· وأمر آخر مهم جدا أيضا :
قد يُحال بين المرء وبين التأمل في أمر عظيم ما .. لأي سبب من الأسباب .. كعدم وجود الرغبة في التأمل في ذلك الأمر العظيم .. أو عدم معرفة عظمته من الأصل .. أو لأي سبب آخر ..
· ففي مثل هذه الظروف قد يكون هناك أفراد عظيمة أخرى تخص هذا الشخص ..
· فالطبيب البشري - مثلا - ونظرا لحبه ومعرفته بمهنته .. قد يتوصل إلى حقائق إيمانية مبهرة من خلال تشريحه وعمله الطبي .. تفوق تلك الحقائق التي قد يتوصل إليها من خلال تأمله في القرآن الكريم ..
· ففي مثل هذا الشخص يكون مجال عمله هو الفرد العظيم والأكثر أهمية من غيره من الأمور التي ينصح غيره بتأملها ..
· عظمة الأمور التي نخضعها للتأمل .. ترجع إلى الفرد نفسه ..
· فما أراه أنا أولى من غيره .. قد ترى أنت فردا آخر أولى منه وأكثر عظمة .. وهكذا في الطبيب البيطري .. وفي عالم اللغة .. وفي عالم النفس .. و و و ...
· والمفروض أن كل فرد يتبع عقل نفسه في التأمل ..
· نعم حين أقنعك بأن التأمل في القرآن الكريم – مثلا – أهم من التأمل في غيره – مثلا – وتقتنع أنت بهذا .. حينها نكون قد اتفقنا في هذا الفرد .. وإلا فقبل أن نتفق على عظمة أمر ما .. ونتفق على كونه اولى من غيره .. فليتبع كلٌّ منا ما يراه عظيما ..
· والآن دعوني أعدد بعض الأمور التي أراها عظيمة .. وأحث على تقديمها على غيرها في التأمل :
· 1 كل ما يتعلق بالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله
· 2 القرآن الكريم
· 3 السنة المطهرة
· 4 أسما الله تعالى الحسنى ..
· وعلى فكرة هذه الأفراد الأربعة المتقدمة يشكلون تيما واحدا وحلقة واحدة كل منها يصب على الآخر ..
· 5 عباد الله الصالحين من أنبياء وأولياء وكتب سماوية ...
· 6 الكون الأكبر الفسيح
· 7 الكون الأصغر العظيم ( الإنسان )
· 8 الصلاة
· 9 كل ما يمكنه أن يدلك على الله تعالى ..
· هذا وسنحاول إن نتأمل في بعض هذه الأمور الشريفة حسب ما تتاح لنا الفرصة .. لكن بعد أن نقول ما ينبغي قوله في التأمل .. بعدها نعود لهذه الأمور الشريفة لنخضعها للتأمل .. ونجهلها دروسا عملية على التأمل ..
· أستودعكم الله تعالى التي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على حبيبه محمد وآله ..
زهراء المقدسية
16-03-2010, 02:16 PM
أستاذ حسن العطية
أدعو الله أن يجعل كل حرف تخطه هنا في ميزان حسناتك
واسمح لي أن أقتبس مما كتبته مايلي
ا
لتأمل – التفكر –التدبر – التركيز - التعقل – التعمق – التوسم – التدقيق – التبحر – الإتقان – النظر - ...إلخ وابداء رأيي حسب مفهومي المتواضع
سأعتبر المعرفة نظام
والنظام له مدخلاته وعملياته ومخرجاته ومن وجهة نظري هي:
تأمل ===> تفكر===> تدبر
التركيز -التدقيق -التعمق -التبحر هي تأمل مع اختلاف المستوى والدرجة
وهي مدخلات هذا النظام
التفكر -التعقل هي العمليات والتي تهدف الى الوصول الى المخرجات
التدبر - الاتقان - التوسم وهي مخرجات النظام
وبالتالي يتبين أنه طالما أهملنا أهم عنصر وهو التأمل
فلن يكون هناك تفكر ولن يكون هناك تدبر
وبالتالي نعيش الغفلة التي نعيش فيها
أرجو أن لا تطول
دمت أستاذا معطاء
حسن العطية
16-03-2010, 05:20 PM
أستاذ حسن العطية
أدعو الله أن يجعل كل حرف تخطه هنا في ميزان حسناتك
واسمح لي أن أقتبس مما كتبته مايلي
ا وابداء رأيي حسب مفهومي المتواضع
سأعتبر المعرفة نظام
والنظام له مدخلاته وعملياته ومخرجاته ومن وجهة نظري هي:
تأمل ===> تفكر===> تدبر
التركيز -التدقيق -التعمق -التبحر هي تأمل مع اختلاف المستوى والدرجة
وهي مدخلات هذا النظام
التفكر -التعقل هي العمليات والتي تهدف الى الوصول الى المخرجات
التدبر - الاتقان - التوسم وهي مخرجات النظام
وبالتالي يتبين أنه طالما أهملنا أهم عنصر وهو التأمل
فلن يكون هناك تفكر ولن يكون هناك تدبر
وبالتالي نعيش الغفلة التي نعيش فيها
أرجو أن لا تطول
دمت أستاذا معطاء
- أستاذتي الكريمة الزهراء ..
- نورت الصفحة ..
- أستاذتي أرى ما تفضلت به جميلا ,,
- وأنا حين ذكرت تلك الألفاظ لم اكن أعني إلغاء الفروق بينها .. لكن قصدت أننا نستخدم تلك الألفاظ عادة في تقليب الأمر على وجوهه بطنا لظهر !! كما نفعل في ألفاظ السيف والبتار والحسام والمهند فنحن نستخدمها عادة للسيف وهذا لا يدل على أن لا فرق بينها !!
- أما حين نريد أن نميز بينها بدقة – كما حاولت أنت – فيمكن أن يكون الامر كما تفضلت به أنت ..
- وفعلا أنا رجعت للمعجم الوسيط بقربي لا لأبحث عن الفروق الدقيقة بين تلك الألفاظ وإنما لكي أقول بأن العادة جارية بأن تستخدم المرادفات في الأمر الجامع بينها ..
- فوجدته مثلا يقول : (تأمَّل) الشيء وفيه : تدبره وأعاد النظر فيه مرة بعد أخرى ليستيقنه ..
- وأظن أنه ايضا لا ينكر الفرق بين التأمل والتدبر !!
• أدام الله حجك إلى صفحاتي أستاذتي الكريمة !!
حسن العطية
17-03-2010, 06:47 PM
الغافل والمتأمل و ( الوسواسي والمتعمق)
***
· هذه الحلقة من الحلقات الغاية في الأهمية .. ولزيزة في نفس الوقت ..
· فأرجو التركيز معاي شوية ..
· هل تعلم بأن الوسواسي من المتأملين ؟؟
· نعم . هو كذلك .. إلا أنه فرد مذموم من أفراد المتأمل ..
· فليس كل تأمل تأملا محمودا ..بل المحمود من التأمل هو التأمل المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ..
· ولزيادة إيضاح علاقة التأمل بالوسواس .. نحتاج إلى تمهيد .. يحتاج إلى شيء من التركيز .. فخلوكم معاي ..
· الله الخالق الحكيم .. أبدع المخلوقات على شكل طبقات متراصة بعضها فوق بعض .. أو قل : خلقها على شكل سلسلة كل حلقة مرتبطة بالحلقة التي فوقها وبالحلقة التي تحتها ..
· كك المخلوقات خلقت بهذا النحو بلا استثناء ..
· مثلا : الإنسان عبارة عن سلسلة مترابطة من الأمور .. حلقة الظاهر .. وحلقة الباطن .. وكل من حلقة الظاهر وحلقة الباطن لها ظاهر ولها باطن .. وهذا الظاهر له ظاهر وله باطن .. وهذا الباطن له ظاهر وله باطن ... وهكذا دواليك لكل ظاهر باطن ولكل باطن ظاهر ..
· وهذه الحلقات أو قل الطبقات متراصة بعضها فوق بعض .. كل طبقة توصل إلى الطبقة التي بعدها .. وكل طبقة تؤثر وتتأثر بغيرها من الطبقات ..
· والإنسان مأمور بأن يكتشف كل طبقات المخلوقات التي حوله ..
· هو مأمور بأن يعلم بظاهر الإنسان وباطنه وباطن الباطن وباطن باطن الباطن إلى أن يصل على اللب وهي آخر طبقة من طبقات الإنسان ..
· وكذا يقال في غير الإنسان من المخلوقات ..
· مثال آخر غير الإنسان .. القرآن الكريم .. له ظاهر وله باطن والباطن له باطن .. وباطن الباطن له باطن .. وباطن باطن الباطن له باطن وهكذا إلى أن يصل إلى لب القرآن وهو آخر باطن للقرآن ..
· وهكذا على الإنسان أن يعبر من ظاهر الأمور إلى أكبر قدر يمكنه من بواطنها .. في كل مخلوقات العالم ..
· وحين شبهنا المخلوقات بالطبقات كنا نعني ذلك تماما ..
· و الآن افرضوا أن عندنا عمارة مكونة من سبعة أدوار .. وطلب منا أن نصعد هذه العمارة من أول دور إلى الدور السابع ..
· فماذا تلاحظون في هذه الأدوار ؟؟
· نلاحظ الآتي :
أولا : كل طبقة توصل إلى الطبقة التي فوقها .. فهنا سلسلة طولية تصاعدية ..
ثانيا : كل طبقة لها بحد ذاتها مساحة معينة كأن تكون مساحة كل دور 700 متر ..
· والآن : حين يطلب منك أن تصعد هذه العمارة فماذا عليك أن تفعل ؟؟
· أنت في أول دور .. فحين تريد أن تصعد إلى الدوار الثاني فعليك أن تبحث في الدور الأول جيدا لتجد الدرج الذي تصعد منه إلى الدور الثاني ..
· حين تجد الدرج تصعد إلى الثاني .. ثم تبحث في الدور الثاني عن الدرج لتصعد منه إلى الدور الثالث ..
· وهكذا في كل دور تقوم بأمرين : 1تبحث في نفس الدور عن الدرج 2 تصعد ..
· هذا الأمر يقوم به من يريد حقيقة ً الوصول إلى أعلى دور من أدوار العمارة ..
· لكن من لا يريد أن يصعد هل يفعل هذا الفعل ؟؟
· لا ..
· لنفرض أننا نحتاج إلى ترميم في الدور الأول ونأتي بعمال ليقوموا بهذا الترميم .. فهؤلاء العمال قرارهم من البداية أنهم سيبقون في هذا الدور ولن يتجاوزوه .. فهم لا يحتاجون إلى الصعود إلى الدور الثاني .. وبالتالي لا يحتاجون إلى البحث عن الدرج .. فتراهم يقبعون في الدور الأول يعملون إلى أن ينجزوا عملهم فيه .. يمكن أن يستغرق عملهم يوم شهر سنة عشر سنوات عمرهم كله .. وهم يعملون في دور واحد ..
· وهناك أشخاص آخرون لا يقبعون في الدور الأول باختيارهم .. بل لأنهم لم يتمكنوا من العثور على الدرج الذي يوصلهم إلى الدور الثاني .. فتراهم قابعين – أيضا – في الدور الأول طوال حياتهم وهم يبحثون عن الدرج ..
· إذن كلا النوعين قابعون في الدور الأول .. لكن النوع الأول باختيارهم .. والثاني بلا اختيارهم ..
· والفارق كبير بين النوعين ..
· لأن العمال القابعين في الدور الأول باختيارهم .. لو طلب منهم أن يصعدوا إلى الدور الثاني فسيقومون بالبحث عن الدرج للصعود فقد يجدوا الدرج ويصعدون وقد لا يجدوه .. إذا هم لا يصعدون لأنهم لا يريدون الصعود ..
· أما أشخاص النوع الثاني فهم يريدون الصعود إلا أنهم لم يجدوا الدرج ولو وجدوه لصعدوا ..
· والآن لو سئلت أنت وقيل لك : لو قدر أن المطلوب من كلا النوعين هو الصعود إلى الدور السابع .. فمن يا ترى أسوأ حالا من هذين النوعين : من لم يصعدوا لأنهم لا يريدون الصعود ؟؟ أم من لم يصعدوا لأنهم لم يجدوا الدرج ؟؟
· ماذا ستكون إجابتك ؟؟
· الجواب : النوع الأول أسوأ .. لأن النوع الثاني وهم من لم يجد الدرج .. بمجرد أن تدلهم على الدرج يبادرون إلى الصعود .. أما النوع الأول لو بقيت تدلهم على الدرج عمرك كله فإنهم لن يصعدوا وسيصرون على بقائهم في الدور الأول إلى أن يموتوا ..
· يمكن أن تقول : حتى لو أصروا على البقاء .. لأن إصرارهم هذا ناتج عن اعتقادهم أن البقاء في هذا الدور هو الأفضل لهم من الصعود .. فهم قد يرون أن صعودهم قد يسبب لهم الدوار ويسقطون ويموتون ؟؟
· الجواب : نحن فرضنا بأن المطلوب من النوعين الصعود .. فحين يصر أفراد النوع الأول على البقاء بدون عذر .. أي يكونون قادرين على الصعود ولم يصعدوا فهم مخالفون لأمر الصعود الذي فرضناه ..
· أما حين يرون أنهم مطالبون بالصعود إلا أنهم عاجزون عن الصعود فهم يكونون من النوع الثاني .. مثلهم مثل الذين لم يجدوا الدرج ..
...تتبع ...
حسن العطية
17-03-2010, 06:54 PM
تتمة :
· والآن تعالوا معا نطبق هذا المثال على الوسواسي :
· نفرض أننا مطالبون بالصعود على سلم الكمال .. من خلال الوضوء أو الصلاة ..
· والوضوء له طبقات .. طبقة الظاهر وهناك طبقة الباطن بالتدبر في أفعاله وأقواله للتوصل إلى أهداف كل حركة .. وكذا الصلاة ..
· الإنسان المتأمل السوي ماذا يفعل : يقول بينه وبين نفسه : هدفي هو الوصول إلى الهدف الحقيقي من الوضوء ..
· فتراه يتأمل أفعال وأقوال الوضوء كل مرة ليجد الهدف منها فيقول بينه وبين نفسه مثلا : لِمَ أمرنا بالوضوء بالماء دون سواه ؟ يمكن لأنه المادة التي تزيل الأوساخ ؟؟ إذن المطلوب مني تنظيف هذه الأعضاء قبل الصلاة .. إذن الصلاة أمر شريف يحتج لنظافة .. طيب كلنا يعلم بأن الإنسان جسم وروح .. والروح أهم من الجسم . . فإذا اهتم الله تعالى بنظافة جسمي فأكيد يهتم بنظافة روحي أكثر .. طيب الماء هو من ينظف جسمي .. فبأي مادة أنظف روحي ؟؟ الماء نظف الأوساخ الجسمية .. فإذا هناك أوساخ روحية ... وهكذا يبدأ يسأل ويجيب .. ويطوي الأمور بالتأمل .. وكلما سار قليلا انفتح بوجهه باب فيلجه ...إلى أن يشعر ببرد الاطمئنان في قلبه بشأن الهدف من الوضوء .. بعد ذلك لا يحتاج إلى أن يسأل فلانا ولا علانا .. لأن أقصى ما توصلني إليه أقوال فلان أو علان هو الاطمئنان الذي وصلت إليه فعلا .. نعم حين لا تصل إلى الاطمئنان القلبي التام حاول الوصول .. حاول الوصول بأي طريق بالتأمل بالسؤال بالقراءة ..
· هذا ما يفعله المتأمل ..
· إما الوسواسي فماذا يفعل ؟؟
يحصر نفسه بالأمور الظاهر من الوضوء وهي تنظيف هذه الأعضاء .. ويحسب أن واجبه فقط وفقط هو تنظيف هذه الأعضاء وفقط ..
· فيكرس كل اهتماماته في هذا التنظيف – لأنه الواجب الأوحد لديه – محاولا أن يأتي فيه بما لم يأتِ به الأولون ولا الآخرون .. ويغيب عن باله أن الوضوء طريق لأمر آخر أهم ..
· تراه يكاد يسلخ جلده وهو يتوضأ .. يخرج الدم من أنفه وهو يستنفر .. يكاد يكسر جمجمته وهو يمسح على رأسه .. وكلما انتهى من غسل عضو ودخل فيما يليه .. يعود إليه مرة ثانية لاعتقاده أنه لم ينجزه كما هو مطلوب ... وهكذا دواليك ... وتراه يبكي ويعلم بأنه على خطأ ويسأل الله تعالى أن يمن عليه بالشفاء ..
· أما المتعمق – وهو أسوأ حالا من الوسواسي لأن فيه عناد لا لين كما في الوسواسي لهذا تراه صدامي أما الوسواسي فيتدارى – فماذا يفعل ؟؟
· تراه يشغل نفسه بالسواك – مثلا – أنواع السواك .. من أي شجرة نأخذه .. ما طوله .. ما عرضه .. كيف نستاك عرضا أو طولا .. الطول طول الفم أم السن .. هل نتمضمض بعده أم نبلع ريقنا .. كم مرة نتمضمض .. يذهب بالسواك إلى المعمل ليحلله .. يكتب فيه البحوث المطولة .. ويرصد له جائزة كبيرة ... و و و ... ينتهي عمره وهو لم ينجز الوضوء .. لماذا لأنه يرى أن عليه البقاء في هذه الدرجة فقط ولا يتجاوزها ..
· وإذا فرض بأن الدرجة هي الصلاة تراه يهتم بالأمور الظاهرية منها فقط .. يجود التلاوة .. إلى درجة مضحكة .. يقلقل الحروف .. ويفخم .. ويتباكى .. ويمد .. ويقصر و و و من الأمور التي تعرفونها أكثر مني ...
· يحصر نفسه في ظاهر الصلاة .. يمشي بالعرض في المساحة لا في العمق .. مثل بحيرة شاسعة لا يأتي عليها النظر .. لكن عمقها سنتي متر فقط ..
· هؤلاء المتعمقون – كما قلنا – نوعان : نوع طالبون للحق في قرارة أنفسهم إلا أن عقولهم تقول لهم اهتمامنا بهذه الأمور هو الحق .. فهم قابعون عليه متمسكون به مضحون في سبيله بأرواحهم وأموالهم .. كالخوارج - قديما وحديثا ففي كل عصر خوارج - تماما ..
· هؤلاء معذورون إن شاء الله تعالى .. كما أوصى الأمير سلام الله عليه بالكف عنهم بعده وبأخذهم باللين والنقاش الهادئ لا على الفضائيات فهذا يزيد الطين به والقائمين عليه في شبهة يكاد يجزم بأهدافهم المشينة .. وذلك لأن الخوارج طلبوا الحق فأخطؤوه ..
· وقسم من المتعمقين .. ليسوا متعمقين حقيقة وإنما يدعون التعمق .. يعلمون بأن المهم هو روح الصلاة لا هذه الأمور الظاهر فقط .. إلا إنهم يزينون لأصحابهم هذا كي يبقونهم تحت رعايتهم وتصرفهم .. فتراهم يبذلون في سبيله الأموال الطائلة .. والتي ربما تخدع أصحاب النظرة السطحية .. فيقول : انظر إلى هذا ما شاء الله عليه .. يبذل على الفقراء .. وبناء المساجد .. والولائم والعزايم .. وفي الصفوف الأولى في الصلاة .. يبذل في طباعة المصحف .. ودورات تحفيظ القرآن .. والاهتمام بنشر الإسلام والفتوحات ..و و و ...
· وغاب عن هذا المسكين أن لو كانت هذه الأمور كافية في الكمال لأوصلت أصحابها أولا قبل من سواهم .. أثرَّت فيهم أولا قبل من سواهم .. ترى أمثال هؤلاء : يعقدون دورات القرآن وهم لا يعرفون يقرؤون آية .. يمتدحون المتواضعين .. وآنافهم تكاد تلامس السحاب .. يفتحون الجمعيات الخيرية للفقراء وأموالهم عدد الرمال والحصى في البنوك .. وذهبهم يكسر بالفؤوس .. وعبيدهم أكثر من عبيد الله ذاته .. يفتح إذاعة للقرآن وإذاعات للدعارة .. يستضيف العلامة الفلاني .. والفاسق الفلاني .. يلعب القمار ويبني المساجد .. يبني جداران مسجد ويهدم حصون الإسلام ..
· نعود إلى ما كنا فيه :
· إذن الوسواسيون و المتعمقون مبتلون بنوع مذموم من أنواع التأمل .. وهو التعمق العرضي لا الطولي .. تماما مثل الفرس التي تمشي - حين تزهو وتختال بنفسها وتريد الاستعراض - تمشي عرضا .. ترى غيرها من الأفراس بلغت خط النهاية وهذه المتبخترة لا تكاد تبرح مكانها ..
· والدرس الذي نأخذه من هذا من أهم دروس الإسلام وأعمها .. والذي تجده في أماكن عدة .. لكن من يعيه ؟؟ المتأملون .. لا المتعمقون ولا والوسواسيون ..
· تقرأ هذا الدرس كل يوم خمس مرات في سورة الحمد المباركة حين نقول : ( اهدنا الصراط المستقيم ( المعتدل ) صراط الذين أنعمت عليهم ( بالسير على الطريق المعتدل ) غير المغضوب عليهم ( بالتقصير المفرِّطين كاليهود الذين لا يكادون ينفذون لله أمرأ إلا بعد طلوع الروح ) ولا الضالين ( المتجاوزين المتعمقين المفرطين كالنصارى الذين اهتموا بالتبتل المبالغ فيه إلى درجة أدر خدك الأيسر لمن يصفعك على الأيمن .. وإلى درجة ترك الزواج ) ..
· وترى هذا الدرس الرائع في قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله في قوله للثلاثة الذين أرادوا السياحة والمبالغة في الزهد قال لهم : أنا أقوم وأنام .. وانكح النساء .. وأصوم وأفطر ..
· ترى هذا الدرس في أقول العلماء الربانيين الذين يقولون : كل صفة كمال محفوفة بصفتين مذمومتين .. الكرم محفوف بالبخل والإسرف .. الشجاعة بالجبن والتهور .. التأمل بالغفلة والتعمق ..
· اعتدل في أمورك كلها .. حتى في الصلاة بل في التوحيد أيضا .. هناك توحيد الوسطي المحفوف محفوف بالتشبيه والتعطيل ..
· هناك من يقول الله تعالى شيء لا كمثله شيء .. وهناك من يقول الله لا شيء وإلا صار مثلنا .. وهناك من يقول هو شيء مثلنا تماما .. له يد ورأس وبطن وفرج .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ..
· الصلاة : هناك من يصلي وينسى كل شيء وراءه .. يصلي ويترك النظافة .. ترى رائحته والعياذ بالله !! منظره مقزز !! ثيابه متسخة !! أترون أن صلاة هذا خير له من النظاقة ؟! أو من تسريح شعره ؟! أو من تنظيف ثوبه ؟! أو حتى من تقليم أظفاره ؟! تقليم أظفاره أفضل عند الله من كل صلاة يصليها بأظفار متسخة .. لا تقولوا هذه صلاة عمود الدين وهذا تقليم أظفار قذرة .. فالصلاة التي هي عمود الدين ليست ما يصليها أمثال هؤلاء ؟! وتقليم الأظفار حين يراد به وجه الله تعالى فهو عبادة يرتقي بسببها في سلم الكمال ؟! أو عساكم نسيتم درهم شطيطة ؟! هو درهم ؟! إلا أنه أثقل في ميزان الله تعالى من كنوز وكنوز وكنوز مبهرجة ؟!
· دعوني الآن أعود بكم إلى أصل موضوعنا لنربطه بما سيأتي :
· التأمل المحمود هو التأمل الذي يسير في عمق الأشياء باعتدال .. لا في عرضها .. ولا في عمقها بلا نهاية .. بل يسير إلى أن ينفتح له الطريق فيلجها ..هو الذي يكتفي من كل أمر بما يوصله إلى ما بعده ويترك الزائد عن هذا فهو لغو .. وإن بدا مبهرجا لمَّاعا يملأ العيون .. إلا أنه خواء كالطبل المملوء هواء .. كقشر البيضة حين تشرب لبها أفعى يبقى قشرا مكورا يحسبه المرء بيضة وهو مجرد قشر تطيره الريح هنا وهناك ..
· فلا تغتر بأن التأمل خير عبادة .. وتبدأ تتعمق في أمور توقعك مما فررت منه .. انتبه حين التأمل بمجرد ما ينفتح لك الباب لولوج ما بعده فلج فيه مباشرة واترك ما كنت فيه ..فانفتاح الباب دليل على أن مهمتك في هذه الطبقة قد انتهت وعليك أن تتحول عنها إلى ما بعدها .. هدف التأمل هو أن يدلك على باب الدخول فحين ترى الباب فادخل ولا تضع وقتك في أي أمر بعد دلالة الباب ..
· أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله في الآخرة والأولى .. وصلى الله على حبيبه وآله
حسن العطية
18-03-2010, 09:01 PM
تهيئة الأجواء المناسب للتأمل
أو : (الحجب الظلمانية والحجب النورانية )
***
عملية التأمل ليست بالعملية السهلة الهينة والتي تتم في أي أجواء .. بل تحتاج إلى توفير أجواء مناسبة كي تؤتي ثمارها ..
· وبما أننا وصفنا التأمل بأنه عبادة.. فهو يشترك مع باقي العبادة في حاجته إلى النظافة والطهارة .. وبما أنه خير عبادة فهو يحتاج إلى نظافة وطاهرة مضاعفتين ..
· وبما أن التأمل عملية عقلية أكثر منه أي شيء آخر .. فكلما كانت النظافة والطهارة راجعة إلى العقل كلما كان ذلك أجدى في التطهير ..وبالتالي أكثر ملاءمة بأجواء التأمل ..
· بدون السعي الحثيث إلى صقل لوحة العقل والباطن وإزالة كل ما علق بها من أدران .. فإن صور الحقائق التي سنتنطبع على لوحة العقل ستكون مشوهة وغير واضحة المعالم .. وكلما كانت مرآة العقل أكثر نصوعا كلما كانت الصور المنطبعة فيها أوضح .. وبالتالي تسكن إليها النفس وتطمئن إليها أكثر ..
· إذن من أحب أن يتأمل التأمل الصحيح فعليه أولا بالسعي الحثيث لتنظيف داخله من كل الأوساخ ..
· والذنوب هي الأوساخ التي تعمل على توسيخ الباطن ..
· وإذا كان الماء هو المطهر للأوساخ الظاهرية التي تعلق بأجسادنا ..
· فإن الإخلاص هو المطهر الرباني الذي يجلو الباطن ويزيح عنه كل الأدران ..
· الإخلاص هو أن تعمل العمل لله تعالى لا لشيء سواه ..
· وهنا المنزلق العظيم الذي يمكن أن تزل به أكثر الأقدام رسوخا .. إلى درجة أن يمتلك شخص اسم الله الأعظم ثم يُختم له بالتعاسة لأنه أخلد إلى للأرض كما هو الحال في بلعم بن باعورا ..
· تكمن المشكلة في الخلط بين الوسائل والغايات .. وشيئا فشيئا تتحول الوسائل إلى غايات يوقف عندها فتكون حجابا بعد أن كانت طريقا لاحبا ..
· إخواني وأخواتي الأعزاء جميعا .. الحجب التي يمكن أن توقف السالك لطريق الكمال وتصده عن التقدم تنقسم إلى قسمين :
· حجب ظلمانية و حجب نورانية ..
· الحجب الظلمانية أمرها أهون من النورانية .. لأنها مكشوفة يمكن بالعلم بمساوئها التغلب عليها ..
· والحجب الظلمانية هي الذنوب الواضحة التي يعرفها الكل .. الحسد – الكبر – العجب – الرياء – الظلم – الزنا – السرقة – الكفر – الشرك – السرقة – الغيبة – النميمة – ترك الصلاة – ترك الصيام - ... وغيرها من الذنوب التي نعرفها جميعا ..
· هذه الذنوب تحجب مرتكبها وتصده عن إكمال المسيرة التكاملية الخاصة به ..
· ورفع هذه الحجب الظلمانية عن الطريق يتم بتجنبها .. وتجنبها يتم بالمعرفة التامة والعلم اليقيني بمساوئها .. هذه المعرفة تنفر القلب منها .. أما مع الجهل بمساوئها فلن يتم الابتعاد عنها .. لأن المرء عدو ما جهل .. فما دام لم يعرف هذه المساوئ فلن يعاديها ولن يبتعد عنها .. النفور عن الشيء وحبه ناتجان عن المعرفةاليقينية والانكشاف التام .. فما عُرف خيره يحبّ وما عُرف شره يبغض ..
· ويمكن أن يقال : كثير من الناس يعرفون بأن ما يقومون به أمورا سيئة في الكثير من الأحيان ومع ذلك يقدمون عليها !!
· فالكثير يعرفون بأن الزنا محرم ومع ذلك يقدم عليه .. ويعرف أن الظلم ظلمات ويقدم عليه ..وان الحسد اعتراض على قسمة الله ويحسد .. والغيبة أكل لحم الأخوان أمواتا ولا تخلو مجالسنا منها إلا من عصم ربي ... وهكذا غيرها من الذنوب التي يعترف مرتكبوها بسوئها ؟؟!!
· الجواب : نحن قلنا المعرفة التامة بالأمور هي التي تردع عن المساوئ وتقرب للمحاسن .. أما حين تكون المعرفة ناقصة .. معرفة نص ونص .. فإن الابتعاد سيكون على قدر المعرفة سيكون أيضا نص ونص .. ولن يكون ابتعادا ونفورا تاما .. لهذا اعترافه بأن ما يقوم به من أمور سيئة هذا الاعتراف ناتج عن هذه المعرفة الناقصة .. وإقدامه عليها ناتج عن الجهل بها .. بجزء العلم يرتدع وبجزء الجهل يقدم ..
· أما لو انكشفت له المساوئ بشكل تاما فمن المستحيل أن يقدم عليها ..
· والدليل على ذلك أن هذا نفسه الذي أقدم على الحسد أو العجب أو التكبر أو الظلم أو الزنا .. لا يقدم على أكل العذرة ولا على شرب البول .. ولا على شرب السم .. ولا مواجهت السباع المفترسة ...
· لماذا يقدم على الحسد ولا يقدم على اكل العذرة ؟؟ لأن مساوئ العذرة منكشفة له تماما لهذا كان النفور تاما أيضا .. ومساوئ الحسد غير منكشفة عنده بشكل تام وإنما نص ونص .. لهذا كان الابتعاد أيضا نص ونص ..
· مع العلم بأن حقيقة الحسد أسوأ سبعين مرة من أكل العذرة .. ولو دار الأمر بين الحسد وأكل العذرة فعلى العاقل أن يقدم على أكل رطل من العذرة ولا أن يقدم على مثقال من الحسد ..
· فالجسم الملوث بالعذرة يطهر بوقت قصير وبماء قليل .. أما الحسد وأمثاله من الذنوب الباطنية فلا يطهرها إلا النار الحامية أجارنا الله وإياكم بمنـِّه وكرمه ..
· إذن كلما كنتَ بالشيء أعرف كلما كنت منه ابعد أو اقرب .. أبعد من الأمور السيئة وأقرب إلى الأمور الحسنة .. لهذا (إنما يخشى الله من عباده العلماء) لأن العلماء أعرف بالله تعالى من غيرهم .. فزيادة الخشية ناتجة عن زيادة المعرفة ..
· إذن بالعلم بالذنوب يمكن اجتنابها .. بالعلم التام بها ..
· أما كيف يتم لنا العلم التام بها ؟؟
· فالجواب : بالتأمل فيها .. أو قل : بما أن الذنوب أمور معرفية .. فيتم العلم بها بمحطات المعرفة التي تقدمت عندنا : بالانتباه أولا – بالتأمل ثانيا – بالانكشاف ثالثا ..
· إذن من أراد أن يهيئ الجو المناسب للتأمل عليه إن يتجنب الذنوب .. أو قل فعليه أن يزيح الحجب الظلمانية عن طريقه .. ويتم إزاحة هذه الحجب بالعلم التام بمساوئها .. ويتم العلم التام بمساوئها عبر طرق المعرفة الثلاث المتقدمة ..
· وبقي علينا أن نعرف كيفية إزاحة الحجب الورانية عن طريق المتأمل ..
· وهذا ما سنحاول معرفته في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى ..
· والآن أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه ..
· والحمد لله رب العاملين .. وصلى الله على سيد رسله وآله ..
حسن العطية
19-03-2010, 05:25 PM
الحجب النورانية
***
· لا زال الحديث عن تهيئة الأجواء المناسبة للتأمل ..
· وقلنا بأن هناك نوعين من الحجب أو قل الذنوب التي تعيق المتأمل وتقلل ثمار تأمله .. والتي على المتأمل محاولة رفعها لتأتي عملية تأمله ثمارها الناضجة ..
· النوع الأول الحجب الظلمانية .. وقلنا بأنها تلك الذنوب الواضح كونها ذنوبا .. مثل السرقة والزنا والحسد والظلم ..
· واليوم جاء دور الحديث عن النوع الثاني من الذنوب وهو : الذنوب الخفية .. أو قل : الحجب النورانية ..
· أي تلك الحجب التي يكون ظاهرها منيرا خيرا ومع ذلك يمكن أن تصد المتأمل والسالك عن إكمال طريقه ..
· فهي سلاح ذو حدين .. يمكن أن تستخدم في الخير ويمكن أن تستخدم في الشر .. وحسب استخدامها تكون ثمارها ..
· وهذه الحجب أخطر من النوع الأول .. لأنها خفية تحتاج إلى تأمل لاكتشافها .. وليس كالسابقة الواضحة البارزة ..
· وكما قلنا الجامع بين هذه الحجب النورانية أنها يمكن استخدامها في الخير وفي الشر ..
· ومن أمثلة هذه الحجب النورانية : العلم – العبادة – الصدقة – السمت الظاهري الحسن - ... فمثل هذه الأشياء يمكن أن تستخدم للخير ويمكن أن تكون للشر .. فالعلم تارة أطلبه كي أعرف ما عليَّ وما لي .. لآخذ ما لي واجتنب ما علي .. فيكون العلم خيرا .. وتارة أطلب العلم لأتفاخر به .. أو لاخترع متفجرات تضر بالأبرياء .. فحينها يكون العلم شرا ..
· وكذا في العبادات .. تارة أصلي لأتقرب له تعالى .. وتارة أصلي ليراني الناس فيظنوني صالحا وأتمكن من سرقتهم والضحك عليهم ..
· وكذا التمارين الرياضية – مثلا – تارة أعملها لأتقوى على الأمور الصالحة فتكون عبادة .. وتارة أتمرن كي أضرب هذا وأعتدي على ذاك فتكون سيئة ..
· والأمثلة لا عد لها ولا حصر .. وفيما قلناه كفاية ..
· لكن هناك أمور خفية لابد من التنبيه إليها .. ومنها :
· يقال : العلم هو الحجاب الأكبر .. فلم هو كذلك ؟
· الجواب : طبعا المقصود أنه حجاب من الحجب النورانية .. أي من تلك التي تستخدم باتجاهين خير وشر .. ولكن لم هو أكبر الحجب النورانية ؟؟
· لأن العلم هو الطريق الموصل لأي منزلة عالية .. ولا طريق سواه لبلوغ الكمال .. فهو أعظم طريق لبلوغ المقامات الرفيعة .. هذا حين يستخدم صح .. وفي المقابل يمكن أن يتحول إلى أكبر حجاب حين يستخدم خطأ .. وهذا مثل ما يقال مثلا : الحسنات في رمضان مضاعفة والسيئات أيضا مضاعفة .. أو يقال : الورع من الناس حسن إلا أنه من المنتسبين للرسول صلى الله عليه وآله أحسن .. أو يقال حسنات المنتسبين مضاعفة وسيئاتهم أيضا مضاعفة ..
· أي أن الكبير كبير في حسناته وفي سيئاته أيضا ..
· وبما أن العلم أعظم طريق للخير .. فعند استخدامه الاستخدام السيئ سيكون أعظم طريق للشر ..
· لهذا تسمع بأن صلاح وفساد المجتمعات بيد العلماء .. صلاحنا بيد العلماء الصالحين .. وفسادنا بيد العلماء الفاسدين ..
· وأيضا هناك أمر أيضا أخفى من هذا بكثير ويجب الانتباه إليه وهو :
· ما قلناه عن العلم قبل قليل يكون فيه العالم مبيِّت النية السيئة من البداية .. لكن هناك حالات تكون نية طالب العلم أو العابد حسنة إلا أنه ولغفلته في وقت ما – و لو في جزء من البليون من اللحظة – تتبدل نيته من الخير إلى الشر .. أو على الأقل وإن ظل على الخير إلا أنه لن يبرح مكانه وسيقف عنده وبهذا يكون العلم حجابا أيضا له عن التقدم ..
· متى يكون مثل هذا ؟
· مثلا : شخص يقرر أن يطلب العلم ليترقى .. وهذه نية حسنة .. وبالفعل يطلب العلم ويبدأ يقرأ ويسأل ويدرس .. وكلما مر عليه الوقت شعر بلذة العلم .. وكلما تقدم به العلم ازدادت هذه اللذة – فالعلم عند أصحابه ألذ من الشهد – وهكذا تزداد اللذة كلما ازداد نصيب الفرد من العلم .. وحينها الغافل الضعيف قد ينغر بهذه اللذة وينشغل بها عن مواصلة الطريق .. ويحسب الغافل أن هدف العلم هو الحصول على هذه اللذة !! وينسى أن الهدف من العلم هو الوصول إلى الغاية والغاية وراء هذه اللذة .. وما هذه اللذة إلا اختبار لعزيمة هذا السالك .. ليرى هل سيجتاز حجاب هذه اللذة أم لا .. فإن تنبه وبقي على الدوام يقظا قوي الإرادة .. فسيعلم بأن هذه اللذة اختبار يجب عليه التزود منها لما يعينه على إكمال الطريق فقط .. ولا يقف عندها ويبسط ويبدأ يعب منها إلى أن يثقل فلا يعود قادرا على المواصلة .. حينها ستكون لذة علمه حجبته عن الإكمال ..
· الله سبحانه وتعالى دائما يختبر المخلوقات ليرى مدى صبرها وليتضح هدفها الحقيقي من أعمالها لهذا ينثر بعض اللذائذ والثمار المستطابة على حافتي طريق السالك .. أما المنتبهون دوما فإنهم يقطفون من هذه الثمار بقد ما يقويهم على المواصلة إلى آخر الشوط .. أما الغافلون ضعيفو الإرادة فأنهم ينشغلون بهذه الثمار .. بالبعض يقف قليلا والبعض طويلا والبعض يبسط والبعض يستلقي والبعض يبني والبعض ينسى أصلا أنه في طريق ويحسب أنه خلاص وصل .. والبعض يعود للوراء لأخذ بعض الثمار التي لم يأخذها من قبل .. ويتراجع يتراجع يتراجع إلى أن يرى نفسه خلف نقطة البداية بمسافات ..
· تماما مثل من يريد أن يخفف وزنه .. حين لا يكون صاحب عزيمة قوية .. تراه يحتمي عن الطعام الزائد أسبوع أسبوعين شهر .. ثم تضعف عزيمته ويبدأ يأكل الخضر واليابس وينزجر أكثر مما كان ..
· ماذا نريد أن نقول من كل هذا ؟؟
· نريد أن نقول أن السالك عليه اليقظة والانتباه دوما .. وأن الغفلة ولو في جزء من البليون من اللحظة يمكن أن تسقط به سبعين خريفا في النار .. بل إلى أعظم من هذا .. إلا أن ظروف الكلمات لا تعينني على بيان مدى خطورة الموقف ..
· لهذا علينا أن نكون منتبهين دوما .. لمكر الله .. فمكره – بل كله – عظيم .. في منتهى العظيمة .. جلا ربي وعلا .. فعلينا أن نستعين به تعالى أن يؤمنا مكره أبدا ..
· إذن إخواني أخواتي الأعزاء .. من أراد أن تؤتي عملية تأمله ثمارها فعليه أولا بصقل لوحة عقله الداخلية لتنعكس فيها صور الحقائق ناصعة واضحة .. وصقل لوحة العقل يكون بترك الذنوب قاطبة .. وترك الذنوب قاطبة .. بالإخلاص لله تعالى في كل حركة وسكون ..
· قد يظن البعض أن التقليل من الأكل والشرب هو كل شيء في التأمل !! لكن أقول عن تجربة .. ليس الأمر صحيحا ..
· نعم التقليل من الأكل والشرب باعتدال - بلا إفراط ولا تفريط - له دور إلا أنه وبدون إخلاص فلن يؤتي ثماره المرجوة ..
· فالإخلاص هو العمدة في جلي وتنظيف الباطن .. وما التخفيف المعتدل إلا معين من المعينات لا أكثر ..
· فالله الله في الإخلاص .. ولا ييأس المتأمل .. فالإخلاص – بل كل شيء – يأتي تدريجا .. وكلما صبر وقوي كلما ازداد إخلاصا ورأى النتائج بأم عينيه ..
· الإخلاص في أوله صعب .. صعب .. صعب .. وهذه الصعوبة اختبار من الله تعالى ليراك هل تستحق الإخلاص أم لا .. وحين تـُري الله تعالى من نفسك القوة والعزم سترى بنفسك ما سيغنيك عن كل قول ..
· أظن أننا قلنا كل ما ينبغي علينا قوله في التأمل النظري ..
· وبقي علينا أن ننجز ما وعدنا به .. من تطبيق التأمل على بعض الأمور التي سبق وأن ذكرناها .. وهذا ما ننوي فعله لاحقا ..
· والله الكريم أسأل أن يعيننا على هذا وأن يسددنا ..
· أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على حبيبه محمد وآله ..
حسن العطية
20-03-2010, 04:05 PM
تأملات في آيات
***
· القرآن الكريم أكبر معجزة لأكبر رسول ..
· الله تعالى ورسوله المصطفى حثا على تدبره بما لا مزيد عليه .. وهو (أيضا ) دعا إلهما .. فكل منهما يدعو إلى الآخر ..
· وكنتُ – سابقا – حين أقرأ تحدي الله تعالى بأن يأتوا بسورة من مثله .. أميل إلى رأي القائلين بالصرفة في إعجاز القرآن الكريم ..
· ولكن بعد أن منَّ الله تعالى عليَّ بشيء من التدبر في هذا السفر الخالد .. تبدل رأيي .. وأيقنت بأن التحدي على حقيقته ..
· كنتُ – سابقا – حين أقارن بين سورة قصيرة من سور القرآن الكريم .. والتي لا تكون أكثر من سطر كسورة الإخلاص المباركة .. حين أقارنها بمعلقة مثل معلقة زهير بن أبي سلمى والتي يقول في بعض أبياتها :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة – وإن خالها تخف على الناس تعلم ..
- أو : لسان الفتى نصف ونصف لسانه – فلم يبق إلا صورة اللحم والدم ..
- أو : أقارن السورة بشعر المتنبي أو شعر امرئ القيس أو غيرهم من الشعراء ..
· أقول : ماذا عساها تكون سورة التوحيد قبال معلقة زهير ؟؟!!
· أو قبال أبيات المتنبي ؟؟!! أو أو أو ؟؟!!
· فقلت لابد أن يكون التحدي محمولا على الصرفة .. أي أن الله تعالى صرف قلوب العباد عن أن يأتوا بمثله .. ولو لم يصرفهم لكان بإمكانهم أن يأتوا بمثله ..
· هذا معنى القول بالصرفة في القرآن .. وللعلم هذا رأي من الآراء في وجه إعجاز القرآن .. وفي ظني أنه تبناه شخصيات كبيرة في عالمنا الإسلامي ..
· لكن الآن أنا على يقين بأن إعجاز القرآن الكريم ليس مبتنيا على الصرفة .. بل الأمر واقعا وحقيقة لا يمكن لأي أحد غير الله تعالى أن يأتي بمثله أبدا أبدا أبدا ..
· وهو أكبر دليل على نبوة نبينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله ..
· بتُ – ولله الحمد من قبل ومن بعد – على يقين بهذا تماما ..
· ما السر في إعجاز القرآن الكريم من وجهة نظري القاصرة ؟
· السر من وجهة نظري القاصرة – وأنا أجزم بأن هناك الأعمق مني تأملا إلى درجة أني قبالهم صفرا تماما يقينه بإعجاز القرآن أعمق لان معرفته بالقرآن أكبر – السر من وجهة نظري القاصرة هو :
· أنه طبقات يفيد كل عقل بحسبه .. القرآن الكريم يمكن أن يستفيد منه كل ناظر إليه من أنزل مخلوق إلى أشرف مخلوق .. وكل استفاداتهم صحيحة لا غبار عليها ولا تناقض .. وإنما التفاوت في درجة العمق ..
· لأن طبقات القرآن ذات ترتب طولي – لا عرضي – والطبقات الطولية لا تتناقض أبدا ..
· الترتب الطولي مثل أن أقول لك : - الله تعالى هو من يقبض الأرواح .. هذا أمر صحيح ..
- ومرة ثانية أقول لك : ملك الموت هو من يقبض الأرواح .. وهذا أمر صحيح أيضا لا يناقض الأول ..
- وثالثة أقول لك : رسل وأعوان ملك الموت هم من يقبضون الأرواح .. وهذا أمر صحيح أيضا .. ولا يناقض الأمرين السابقين ..
· لا تناقض بين هذه الأمور الثلاثة لأنها مترتبة طولا لا عرضا .. يعني أحدها تحت الآخر .. لا بجنب الآخر ..
· وهكذا في الفهوم التي يخرج بها الناظرون في القرآن الكريم .. كلها فهوم يمكن أن تكون صحيحة كلها إلا أنها متفاوتة في العمق فقط ..
· ففهم النبي صلى الله عليه من كلمة (الصمد ) أعمق من فهمي لها .. .. لا أن فهمه صحيح وفهمي خطأ .. لا بل فهمي وفهمه صحيحان إلا أن فهمه الشريف أعمق ..
· يعني مثل المدرسة : أنت تدرس القواعد في الابتدائي وفي المتوسط وفي الثانوي و في الجامعة .. كله قواعد إلا أن عمق ما تأخذه في هذه المراحل متفاوت .. كلما علت المنزلة كانت الدروس أعمق .. وإلا فكلها أحكام للقواعد صحيحة في الابتدائي والمتوسط والثانوي ..
· فكذلك الأمر في فهوم القرآن .. فهم الإنسان البسيط صحيح وفهم المتوسط العقل صحيح وكبير العقل صحيح والعبقري صحيح .. كلها فهوم يمكن أن تكون صحيحة كلها ..
· فالسر في إعجاز القرآن الكريم هو هذا .. أنه يعطي كلا على حسب استعداده .. ليس هذا فقط .. بل مع عدم التناقض بين هذا العطاء ..
· فتارة أنا افهم من قصيدة أمرا ما .. وسيبويه يفهم أمرا آخر .. والخليل أمرا رابعا .. لكن قد يكون فهم أحدنا هو الصحيح فقط .. لا أن كل فهومنا صحيحة ..
· أما القرآن الكريم فكلما تعمقت فيه بدا لك أمر جديد لا يناقض ما فهمته أولا بل يعضده ويقويه ويشده ..
· فحين يتحدى الله تعالى بأن يؤتى بسورة كسورة الإخلاص المباركة .. فالمقصود أن يؤتى بهذا السطر الواحد لكن الضارب بعمقه في الوجود بلا حدود .. أما أن تأتي بأحد طبقات ( قل هو الله أحد ) فيمكن حتى لي ولك ولفلان ولعلان ..
· المعجز أن نأتي بسطر ممتدا في عمقه من الذرة إلى المجرة .. يمكن أن ترتفع به من الذرة إلى المجرة ويمكن أن تنزل منه من المجرة إلى الذرة .. سلم ممدود من تخوم الأرض إلى عنان السماء .. مترابط الدرجات .. كل يفضي إلى الآخر ..
· أما أن تأتي بدرجة واحدة فليس هذا من الإعجاز في شيء ..
... يتبع ...
حسن العطية
20-03-2010, 04:13 PM
تتمة :
· مثلا .. خذ هذا البيت :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده – فلم يبق إلا صورة اللحم والدم ..
يقول البيت أهم عضوين في الإنسان لسانه وقلبه ..
طيب وبعد هذا ماذا هناك ؟ لا شيء !!
· أما حين تريد فهم ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ماذا عساك تفهم ؟؟!!
- أولا الآية تحث على ذكر اسم الله على كل أمر ..
- حين تذكر اسم الله سيقودك هذا الاسم إلى ذكر المسمَّى .. لأن الاسم علامة على المسمى ..
- أي اسم تذكر ؟؟ (الله) أعظم عظيم عند كل المخلوقات .. الذي حيَّر العقول وألهاها .. ليس فقط ذاته المقدسة حيرت العقول لا بل نفس ألفاظ اسمه .. فما معنى (الله) ؟؟ تجد ألف رأي .. وكلها يمكن أن تكون صحيحة ..
- مثلا أنا أفهم (الله) كالتالي :
- (الله) مكونة من الـ+لاهي .. الـ معروفة هي ال الجنس التي تدخل على الأسماء مثل الحكم الصمد القائم الراكع القائم ..
- طيب (لاهي) يعني الذي يلهي الخلائق عن كل ما عداه .. يلهي أحبابه عن كل شيء سواه .. مثل الحبيب حين يلهي حبيبه عن طلب سواه .. ليلى ألهت قيس المجنون عن كل شيء سواه فبات لا يريد سواها لا من أكل ولا شرب ولا سكن ولا ناس ولا ذكر ولا ولا ولا .. كذلك الله تعالى يلهي أحبابه عن كل ما عداه .. فتراهم مجانين فيه .. وما يزيدهم مر الزمان إلا جنونا .. قيس يقف جنونه بليلى بانفصال روحه عن جسده .. أما مجانين الله تعالى فيزداد جنونهم بانفصال أرواحهم عن أجسادهم ..
- ألاهي .. يعني الذي يلهي أحبابه عمن سواه .. فترى أحبابه لا يتحركون ولا يسكنون ولا يقولون ولا يصمتون إلا بإذن معشوقهم الذي ألهاهم عن خاصة أنفسهم .. فسلموا قيادهم لحبيبهم يصرفهم كيف يشاء عن طيب خاطر بل عن منتهى الرضا والحب ..
· طيب ألاهي كيف تحولت الله ؟؟
هي لاهي .. لكن كل أسماء الله فيها أقصى المعنى وأكمله بالنسبة لغيرها .. أنا رحيم لكن الله الرحيم يعني المتناهي في الرحمة .. أنا سميع لكن الله السميع يعني المتناهي في السمع .. أنا بصير وهو تعالى البصير .. أنا ألهي من يحبني .. لكن الله الملهي ..
· إذن صفة الإلهاء فيه تعالى تامة متناهية بدخول أل .. فصارت ألاهي ..
· ألاهي .. أول حرف فيها الهمزة وهي أول حرف من حروف المعجم وهي كناية عن أن الله تعالى أول كل شيء ..
· طيب ماذا حدث للياء في ألهي ؟؟
حذفت .. لماذا ؟؟ لأن الله تعالى أول كل شيء إلا أنه لا ينتهي والياء آخر حروف المعجم فإذا جاءت هنا تدل على أن الله ينتهي لهذا حذفت للدلالة على أنه تعالى لا ينتهي .. وأيضا حِيْرة أحبابه في سيرهم من الألف إلى أخر المسيرة وهي الياء لا يمكن أن تنتهي ..
- وأيضا قلنا بأن الله تعالى يلهي أحبابه ويحيرهم .. ومن مخلوقاته التي حيرهم .. نفس ألفاظ (الله) هذه الألفاظ تحيرت في عظمته ولم تطق مواصلة مسيرتها لإكمال الدلالة على الله تعالى لأنها أصلا لا تستطيع .. فحذف الياء يدل على كل هذا ..
فالمسيرة مقطوعة الآخر هنا لأن آخرها غير متناهي ..
- طيب حين تحذف الياء من ألاهي المفروض أن ترقق أل والهاء تبقى مكسورة فلم فخمت اللام وحركت الهاء بالضم حين نقول ( الله ُ ) ؟؟
- لأن الله تعالى يستقيم له كل معوج .. من عظمته فخمت أل لأن التفخيم أشرف وأكثر عظمة من الترقيق .. وضمت الهاء لأنها اشرف وأعظم من الكسرة والعظيم يناسبه العظمة ..
- وأيضا فعل به هكذا لحيرت الألفاظ فيه تعالى .. فالألفاظ خلق من خلق الله تعالى .. فكما نحتار نحن فيه تعالى هي أيضا تحتار فيه ولا تطيق عظمته ..
· وكما تلاحظون ذات الخالق العظيم محيرة ,, والاسم الذي يدل عليها محير أيضا .. كل ما فيه عجب عجاب ..
· طيب لم جاءت (الرحمن الرحيم ) بعد (الله) ؟؟
· لأن (الله ) تدل على أكبر عظمة عرفها مخلوق .. هذه العظمة تسبب الهيبة لكل أحد .. والهيبة تسبب الخشية والنفور .. والله تعالى يريد أن يجذب المخلوقات إليه .. كيف سيجذبهم وهم يهابونه ؟! فلابد أن يخفف من وطء هذه العظمة بأن يأتي بأوصاف مخففة لهذه العظمة فجاء( الرحمن الرحيم ) يعني إن كان الله غير متناهي العظمة والهيبة فهو أيضا غير متناهي الرحمانية والرحيمية .. فتعمل (الرحمن الرحيم ) على رد القلوب الهاربة من عظمة الله تعالى ..
· إذن الجمع بين عظمة الله ورحمته (الله الرحمن الرحيم ) جمع بين الخوف والرجاء الصفة التي لا يصلح المخلوق إلا بها ..
· وأيضا حين يقال: (بسم اله الرحمن الرحيم أقرب للاسم الأعظم من بياض العين لسوادها .. يبدو الأمر واضحا ..
· تصور أن البسملة محاطة بدائرة بيضاوية لوزية على شكل العين تماما .. ستجد حينها أن (الله) واقع في النصف تماما كالحدقة .. قبله (اسم) وبعده ( الرحمن الرحيم ) فكأن الحديث يريد أن يقول بأن اسم الله الأعظم هو (الله) !!
· وحين نريد أن نتكلم عن النقطة الموجودة تحت الباء فالأمر لن ينتهي أبدا .. لأن النقطة هذه التي قد يحسبها البعض هينة .. هي بداية كل شيء ونهاية كل شيء بل هي كل شيء ..
· هذه النقطة رمز لبداية وناهية كل عالم متصور بل رمز لكل عالم متصور ..
· النقطة هي أول وآخر حروف عالم الحروف .. وعالم الأعداد وعالم الإنسان وعالم الملائكة وكل عالم .. هذه النقطة هي بدايته ونهايته وكله .. النقطة هذه من أعظم أسماء إن لم تكن أعظم أسماء الله قاطبة ..
· وكما تلاحظون كيف يمكن تشقيق آية واحدة من القرآن الكريم بحسب فهم فرد واحد قاصر مقصر !!
· فكيف بفهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ؟؟!! وفهم الأئمة والعلماء الربانيين ؟؟!! وأيضا ماذا عسانى سنقول في بقية الآيات ؟؟!!
· أما بيت زهير - الذي يعد إذا ما قيس بأبيات الشعراء الأخرى - بيتا معجز إلا أن معناه لا يكاد يتجاوز الكلمتين ..
· الزبدة : القرآن الكريم من أعظم الأشياء الشريفة التي علينا جميعا تدبره وتأمله وتعقله ..
· أما كيف عسانى نفعل ذلك ؟؟!! وهل هناك أمور تعيننا على ذلك ؟؟!!
· فهذا ما قد نتطرق إليه لاحقا بإذن الله تعالى .. حينها سنعدد بعض النقاط التي يمكن أن تكون كبداية طريق للمتأمل في القرآن العظيم .. وبعدها يمكن للمتأمل أن يعلم نفسه بنفسه أو قل يقوده القرآن نفسه للكيفية المثلى المناسبة له في التأمل ..
· والآن أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه ..
· والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على محمد وآله ..
عبدالصمد حسن زيبار
20-03-2010, 07:04 PM
الكريم حسن العطية
و يستمر العطاء بهذه السطور المنيرة
متابعون أخي الكريم
حسن العطية
21-03-2010, 04:22 PM
الكريم حسن العطية
و يستمر العطاء بهذه السطور المنيرة
متابعون أخي الكريم
نورت الصفحة أستاذي الكريم عبد الصمد ..
دمت بعين الله ..
حسن العطية
22-03-2010, 05:08 PM
نقاط مهمة في التدبر في القرآن الكريم
***وصل بنا الحديث إلى بيان شيء من إعجاز القرآن الكريم ..
· وسنواصل الحديث عن التأمل في القرآن الكريم .. عبر ذكر بعض النقاط المهمة في التدبر والتأمل في القرآن الكريم :
· أولا : كيف نبدأ :
ما سنذكره من أمور ..إنما هي معينة على تدبر القرآن الكريم وكمالية لا أكثر .. فلا أحد يستصعب الأمر .. فالتدبر يمكن أن يتم بدونها .. فمن رآها تشق عليه فليتركها وليدخل في التدبر مباشرة بالكيفية التي سنذكرها لاحقا ..
· أما من أراد أن يحصل على ثمار التأمل كاملة غير منقوصة .. فعليه بتهيئة الجور الإيماني المناسب .. وذلك بحسب الطاقة ..
- من الأمور المعينة والتي تعتبر من تهيئة الجو المناسب للتدبر .. الطاهرة .. الطهارة الظاهرية بأن يكون على وضوء .. والطهارة الباطنية القلبية وذلك بأن يكون تأمله خالصا لله تعالى .. لا لإغراض أخرى ..
- وكل أمر ليس الله تعالى غايته فهو مبتور مقطوع لاغي هباء لا عبرة به ومبعد أكثر مما هو مقرب ..
- سواء أكانت هذه الغاية سيئة من بدايتها .. كمن يتدبر لأجل كسب الدنيا .. أو كانت الغاية متسترة بأمور نورانية .. كمن يتدبر لأجل لذة التدبر .. ولذة القرآن .. ولذة العلم .. فكل هذه الأمور النورانية حين تتحول إلى غايات فهي مبعدة عن الله تعالى وليست مقربة ..
- على المتدبر أن يخلص لله تعالى في كل أموره وخاصة في تدبره ..
- والأمر صعب في بدايته – شأن كل البدايات – إلا أن الأمر تخف صعوبته شيئا فشيئا مع الاستعانة بالله تعالى وأن يري العبد من نفسه الصدق والعزم على الإخلاص ..
- طبعا .. بخصوص الطهارة الظاهرية – الوضوء أو الغسل – الأفضل أن يؤتى بالفرد الأفضل منها بقدر الإمكان ..
- ولولا خوف الإطالة لأوضحت أكثر المراد من الفرد الأكمل من الطهارة ..
- و زبدة الأمر في هذا هو أنه كلما كانت الطهارة أكمل كلما كانت أجدى وأنفع في تهيئة الجو الإيماني المناسب للتأمل ..
· نكتفي بهذه بالنقطة الأولى لهذا اليوم ..
· استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على حبيبه محمد وآله ..
حسن العطية
24-03-2010, 05:09 PM
· النقطة الثانية :
الزمان والمكان المناسبان للتأمل :
· النقطة الثانية التي نود التنبيه عليها .. والتي تدخل ضمن تهيئة الأجواء الإيمانية المناسبة للتأمل هي : زمان ومكان التأمل ..
· التأمل الكامل ينبغي أن نتخير له أفضل الأزمنة الممكنة .. وأفضل الأمكنة كذلك ..
· فللأزمنة الشريفة والأمكنة كذلك .. طاقات تشع منها يمكن أن تعين المتأمل وتصفي روحه أكثر ..
· والخلاصة إخواني وأخواتي لكل شيء حولنا طاقة تشع منه .. طاقة مناسبة لنا أو غير مناسبة .. ومن هذه الأشياء الأزمنة المباركة والأمكنة الشريفة .. لها طاقات مناسبة للتأمل وتعد من الأجواء المعينة عليه ..
· والآن سأعدد بعض ما يحضرني من الأزمنة والأمكنة الشريفة :
· فمن الأزمنة الشريفة : عقيب الصلوات الخمس ..
· ومنها السحر .. ومنها شهر رمضان عموما .. وليالي القدر بالخصوص .. وأمثالها من الأزمنة الشريفة التي تعرفونها أكثر مني ..
· ومن الأمكنة الشريفة : المساجد .. بيوت العلماء الربانيين .. الأمكنة النظيفة المعطرة عموما .. الأمكنة البعيدة عن النجاسات الحسية أو المعنوية والتي تخلو من ارتكاب المعاصي فيها .. البيوت التي تخلو من المعاصي أو تقل فيها .. كل هذه وأمثالها من الأمكنة الشريفة التي لها طاقات هائلة مباركة تعين المتأمل ..
· المقصود أن التأمل فيها يعطي ثمارا أنضج وأسرع .. ولا يعني أن التأمل في غيرها بلا ثمار .. كما قلنا سابقا بأن التأمل له ثماره على كل حال .. وأن هذه الأمور كمالية ..كما قلنا هذا سابقا ..
· استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على حبيبه محمد وآله
حسن العطية
26-03-2010, 09:24 AM
· النقطة الثالثة :
اختيار الفرد الأكمل للتأمل من كل شيء دائما :تكلمنا سابقا وقلنا بأنه ينبغي أن يختار المتأمل الفرد الأكمل من كل ما له دخل في كمال تأمله .. كأن يأتي بالوضوء الأكمل .. والزمان الأشرف .. والمكان الأبرك للتأمل ..
· فأحببت أن أعطي قاعدة عامة في هذا الأمر .. لأنتقل بعدها إلى نقطة مهمة مختلفة ..
· القاعدة العامة هي : بما أن التأمل خير عبادة .. يعني الفرد الأكمل من أفراد العبادات الكثيرة .. فينبغي أن نختار له الأكمل من أفراد أي شيء له علاقة به .. من طهارة أو زمان أو مكان ..
· ومن تلك الأفراد الأخرى على سبيل المثال :
· نسخ القرآن الكريم :
يحسب البعض .. أن نسخ القرآن الكريم متساوية في الفضل !! وهذا آمر – أراه من وجهة نظري القاصرة – أراه رأيا مجانبا للصواب تماما ..
- فنسخ القرآن الكريم مختلفة جدا ..
- والعبرة في هذا الاختلاف هو : أنه كلما كانت المواد الداخلة في تكوين هذه النسخة أطهر كلما كانت النسخة أكمل ..
- فكما تعرفون نسخة المصحف الشريف مكونة من عدة مواد : من حبر – ورق – خط – غلاف كرتوني – كاتب – حواشي - ...إلخ ..
- هذه هي مواد نسخة المصحف ..
- وإذا أخذنا كل مادة من هذه المواد على حدة سنجد أن في كل منها فرد أكمل من غيره .. هذا الفرد كلما كان داخلا في نسختك من المصحف الشريف .. كلما كان تأثر القرآن عليك أكبر ..
- مثلا حين يكون الحبر المستخدم في نسختك طاهرا .. من مصنع طاهر .. القائم على تصنيعه طاهر .. الجالب له طاهر .. المسوق له طاهر .. الشاري له طاهر ... كلما كانت النسخة أقرب للكمال ..
- وأيضا : كلما كان كاتب النسخة أكثر إيمانا .. في حال وضوء أكمل ..في زمان أشرف .. في مكان أبرك ... كلما كان تأثير نسختك أكبر ..
- وأيضا : كلما كانت نسختك بخط أكمل وأجمل .. كانت اقرب للكمال ..
- وكلما كانت نسختك خارجة من مصنع أطهر .. كلما كانت أقرب للكمال ..
- وهكذا بقية المواد ..
- أما – مثلا – نسخة القرآن الخارجة من مصنع دنيوي ينسخها للمباهات .. وكاتبها ينسخها لغرض دنيوي .. والحبر الذي كتب بها غير طاهر .. والكاتب غير طاهر .. والشاري غير طاهر .. و و و .. فكن على يقين بأن مثل هذه النسخة تأثيرها سيكون تبعا لمواد هذه النسخة ..
- و العاقل النبه حين يدور أمره بين امتلاك نسخة ذات مواصفات عالية من الكمال .. ونسخة أقل كمالا .. فأنه بالتأكيد سيختار النسخة الأكمل ..
- مثلا : لو كانت هذه النسخة القائم عليها عالم رباني فبالتأكيد سيكون تأثيرها أكبر أضعاف المرات من نسخة القائم عليها محب للدنيا .. يقوم عليها والقرآن نفسه يلعنه ..
- وكذا الأمر في الاستماع .. يجري تماما .. كما جرى في النسخ الخطية ..
- فكلما كان القارئ أطهر .. وأكثر إيمانا .. كلما كانت تأثيره أكبر ..
- وليست العبرة بحسن الصوت والالتزام بأحكام التجويد المتعارف عليها .. فهذه مجرد أمور كمالية من أمور هناك الأهم منها بمراتب ..
- مثلا : لأن أنصت لقارئ مؤمن أعرف إيمانه وصلاحه .. صوته بين بين في حسنه .. خير ألف مرة من أن أستمع لقارئ حسن الصوت إلا أنه فاسق والعياذ بالله .. أو أو أو حتى وإن سمَّاه البعض شيخ القراء .. وأشرطته ملأت الخافقين .. فهذه السمعة حين نقارنها بذلك القارئ المؤمن المتواضع في حسن صوته .. فإن هذه السمعة ستكون قبالها هباء و ذات تأثير محدود جدا ..
- فأرجو أن لا يغتر الأخوان والأخوات بما يسمعونه من صوت جميل وإقامة لحروف القرآن مع تضييع لحدوده ومعانيه ..
- لا يغتروا بأن القارئ الفلاني هو فلان من الناس الذي يقرأ للملوك والوزراء وعلية القوم والذي لا تخلو منه منصة ولا احتفال ..
- فلأن أستمع لمن أعرف صلاحه وتقواه وإيمانه .. والله لهو خير لي من أن أستمع لفلان من القراء أو لعلان ..
· وكذا الأمر فيما يتعلق بمعلمك القرآن الكريم .. وفي كل شيء يتعلق بهذا الكتاب الخالد ..
- بل أزيدكم .. في بعض الأحيان قد تكون النسخة أو الاستماع أو التعلم ذو مردود سلبي على صاحبه ولست فقط يخول من التأثير الإيجاب أو يقل فيه ..
- وذلك كأن يكون الفرد منتبها لهذا التمايز بين النسخ والقراء والمعلمين .. ومتمكنا بكل حرية من امتلاك الفرد الأكمل ومع ذلك يقوم باختيار الفرد الأدون .. فمثل هذا يمكن أن يكون آثما .. لأن فعله هذا مخالفا للقرآن الذي يدعو إلى اختيار الأكمل دائما ويصيح بملء فيه : ( ...أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون )
- أظن أنني أقمت الحجة على من يقرأ كلامي هذا في هذا الأمر بصورة لا بأس بها ..
· والحمد لله أولا وأخيرا .. وصلى الله على نبيه المختار وآله ..
حسن العطية
27-03-2010, 06:47 PM
· النقطة الرابعة :
من أين نبدأ : القرآن الكريم كله نور .. إلا أن بعضه أولى بالبعض من البعض الآخر ..
- فكلٌ عليه أن يبدأ التأمل منه بأهم شيء بالنسبة إليه ..
- والعمدة في تحديد الأهمية هو كثرة الابتلاء ..
- فعلى الفرد أن يبدأ بتدبر ما يكثر ابتلاؤه به من القرآن الكريم ويقدمه على غيره من آيات القرآن الكريم ..
- و من أكثر الآيات المبتلى بها المسلم من القرآن الكريم .. سورة الحمد المباركة .. والسورة التي يقرأها بعد الحمد أكثر من سواها ..
- وقلنا بأن الحمد والسورة أكثر ابتلاء لأنه المسلم يقرأهما ما لا يقل عن عشر مرت في كل يوم .. عشر مرات لأنهما يجبان في كل صلاة من الصلوات الخمس في الركعة الأولى والثانية .. اثنان في خمس ينتج عشرة ..
- هذا أقل ما يجب عليه .. وكلما زاد تنفله زاد العدد ..
- وسورة الحمد المباركة مقدمة على السورة التي تليها لأنها مقدمة في التلاوة ..
- فعليه من السور المبتلى بها من القرآن الكريم سورة الحمد المباركة .. ثم ما اعتاد أن يقرأه بعدها من السور .. وهكذا تتدرج الأهمية بتدرج ابتلاء الشخص بها ..
- والابتلاء يختلف من شخص إلى آخر ..
- فالبعض يقرأ بعد الحمد سورة الإخلاص المباركة أكثر .. فعليه أن يبدأ بتدبرها بعد الحمد ويقدمها على غيرها ..
- والبعض يقرأ القدر فعليه أن يقدمها على غيرها .. والبعض الكوثر فعليه أن يقدمها .. وهكذا ..
- وأيضا من الآيات التي يكثر الابتلاء بها آية الكرسي المباركة ..
- وأيضا آيات التوحيد .. وآيات إثبات أصول الدين عموما من توحيد ونبوة ومعاد وأسماء الله تعالى الحسنى وصفاته .. وما يليق وما لا يليق عليه تعالى ..
- وأيضا الأمور المتعلقة بالعبادات .. وهكذا تتدرج الآيات مع الابتلاء .. وعلى كلٍّ أن يقدم من الآيات الأكثر ابتلاء بها على غيرها .. وهذا يختلف من شخص إلى آخر .. ولا نستطيع أن نلزم الجميع بآيات معينة .. بل كل إنسان على نفسه بصرة في الاختيار ..
- نعم حين يتم تدبره في الأمور المبتلى بها .. يمكنه الانتقال إلى بقية آيات القرآن وسوره .. ويقدم الأهم منها بالنسبة له على غيرها ..
- هذا والحمد لله رب العالمين أولا وأخيرا .. وصلى الله على حبيبه محمد وآله
حسن العطية
28-03-2010, 06:36 PM
· النقطة الخامسة :
كيف نقرأ :بعد أن حددنا نقطة البدء بالتدبر في القرآن .. علينا أن نعرف كيف نقرأ ونتدبر فيما اخترناه على غيره من القرآن وقدمناه على غيره ..
· هذه النقطة إخواني وأخوات الأعزاء .. من النقاط المهمة جدا .. والتي لم تعط حقها من البحث .. على الصعيد التطبيقي لا النظري .. أما النظري فيمكن أن يكون ما قيل فيها كافيا بل وفوق الكافي ..
- فلا أظن احد لم يسمع مرة عن أهمية التدبر في القرآن .. وأن القراءة بتدبر أهم من القراءة الخالية من التدبر .. فمثل هذا الكلام يقوله الجميع .. لكن حين التطبيق يخفق الأغلب ويخالف فعله قوله .. وهنا المصيبة ..
- فالبعض – وهو الأغلب – يخطئ في التطبيق عن عمد لأغراض شيطانية في قلبه ..
- والبعض يخطئ في التطبيق غفلة وعن حسن نية ..
- طيب فلنعد إلى أصل : كيف نقرأ ؟؟
- أولا : علينا أن نسير في قراءتنا للعمق والطول لا عرضا .. كما وسبق أن بينا هذا الأمر .. فهذا الأمر مهم جدا في التدبر في القرآن الكريم .. وهذه نقطة فاصلة بين القراءة بتدبر من القراءة الخالية من التدبر ..
- والمقصود من السير باتجاه العمق لا السير باتجاه العرض هو :
- حين تبدأ بالقراءة من أول آية وهي البسملة الكريمة – مثلا - اقرأها ولا تتجاوزها اقرأها وقف عليها ..
- طبعا نقول اقرأ الآية كلها وقف عليها لأنها من الآيات القصيرة المتصلة كلماتها ببعض ..
- وإلا ففي بعض الآيات الطويلة نقول اقرأ كلمة كملة وقف عند كل كلمة ولا تتعداها لتفعل بها ما سنقوله بعد قليل ..
- طيب إذن نقرأ البسملة ونقف عليها .. وكأن هدفنا من البداية من قراءة القرآن قراءة هذه الآية فقط ..
- حين تقف عليها انظر إلى نفسك .. هل يدور في ذهنك سؤال بشأن هذه الآية أو لا يدور ؟؟ فهنا احتمالان .. سنتكلم عن كليهما ..
- الاحتمال الأول : أن يدور في ذهنك بعض الأسئلة بشأن ما قرأت أي شيء :
- مثلا : ما معنى (الله) .. أو ما الفرق بين الرحمن والرحيم ؟؟ أو لم الرحمن والرحيم هنا دون غيرهما من الأسماء والصفات ؟؟ أو لم قال : باسم الله وليس بالله مباشرة .. أو ما معنى الاسم .. أو أو أو ..
- إذا وقفت عند البسملة انظر إلى نفسك هل تجد فيها سؤال يخص هذه الآية .. إن كان : نعم يوجد سؤال بخصوصها .. فامسك به بأسنانك ويديك فقد وقعت على طلبتك ..
- هذا السؤال حاول أن تفرض له الإجابات .. وبعدها حاول أن تستبعد الإجابات التي لا تراها صحيحة .. وتبقي الإجابات التي تقتنع بها أنت شخصيا .. ولا دخل لك بما يقول غيرك الآن .. فقط ما تقتنع أنت به ..
- وحاول وأنت تقوم بهذه الخطوات وهي : فرض الإجابات واختيار الإجابة الأكثر إقناعا حاول أن تكرر قراءة نفس البسملة من القرآن نظرا والقرآن مفتوح بين يديك .. وأن تفكر .. تقرأ وتكرر .. في البداية كرر كرر إلى أن ترى نفسك أنك اندمجت في التفكير وترى أن التكرار سيشغلك عن متابعة التدبر .. حينها اقطع التكرار وأغلق القرآن واستمر في الغوص الذهني في الآية .. إلى أن تسقط على الإجابة المقنعة التي يطمئن إليها قلبك .. حين يطمئن قلبك بها فهذا يعني أن عملية تأملك انتهت في هذه النقطة وذلك بإتيان عملية التأمل ثمارها ..
- فعليك إلى الانتقال إلى سؤال آخر دار في ذهنك وتفعل به كما فعلت بالسؤال الأول ..
- طبعا لا ترهق نفسك إذا كانت العملية الأولى استغرقت منك وقتا طويلا وجهدا مضنيا .. فأغلق القران الكريم وقم فقد انتهت حصة تدبرك هذا اليوم .. إما إذا كانت عملية التدبر قصيرة وليست مرهقة فانتقل إلى العملية التالية .. وهكذا تنتقل من نقطة إلى أخرى إلى أن تشعر بالملل والتعب فقم ولا تستمر في التأمل مع الملل والتعب لأنه سيكرهك في القرآن وستصاب بردة فعل معاكسة ذات أعراض جانبية سيئة جدا عليك ..
- حاول دوما أن يبقى القرآن الكريم محبوبا عندك .. وذلك بأن لا تجهد نفسك به .. وإلا فلن تعود إليه مرة أخرى بعد أول عملية تدبر ..
- هذه نقطة مهمة جدا أرجو الاهتمام بها جدا .. حاول أن يبقى القرآن محبوبا لديك ولو تتدبر في اليوم كلمة واحدة فقط ..
- لأن تتدبر كلمة واحدة فقط ويبقى حبك لقرآن يملأ قلبك لهو خير لك من أن تتدبر القرآن كله ويتحول حبك لقرآن إلى كره وقطيعة ..
- انتبهوا إلى هذه النقطة أرجوكم وإلا فالعواقب وخيمة جدا .. وقد أعذر من أنذر .. فلا احد يتهمني بعد ذلك بأن كنت السبب في إيقاع القطيعة بينه وبين القرآن !!
· طيب بعض الأحيان يدور في ذهنك بعض الأسئلة .. ولكن مهما تأملت فإنك لا تجد الإجابة المقنعة من الإجابات المحتملة .. يعني المعلومات المختزنة عندك لا تؤهلك إجابة على تلك التساؤلات .. فماذا عليك فعله حينئذ للتوصل إلى الإجابة المقنعة وإلى الاطمئنان ؟؟
· هذا ما سنحاول معرفته في الدرس القادم بإذن الله تعالى ..
· والآن استودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله رب العاملين في الآخرة والأولى .. وصلى الله على حبيبه المصطفى وآله
حسن العطية
29-03-2010, 08:18 PM
· تتمة : كيف نقرأ :قلنا سابقا : حين أتأمل آية كريمة ما .. تارة أتوصل إلى الإجابة التي يطمئن إليها قلبي .. فحينها ينتهي تأملي فيها .. لأبدأ في تأمل غيرها من الآيات الكريمة ..
· إلا أنه في بعض الأحيان أو كثيرها .. لا يستطيع مخزوني المعرفي من إيصالي إلى الاطمئنان المنشود .. فماذا عليَّ فعله عندئذ ؟؟
· هل أترك التأمل في تلك الآية .. وأنتقل إلى آية أخرى ؟؟ أم أن هناك طرقا أخرى توصلني إلى الاطمئنان غير مخزوني المعرفي ؟؟
· الجواب : الهدف من التأمل في أمر ما .. هو الوصول إلى الانكشاف والاطمئنان فيه .. هذا الاطمئنان أيضا هدف لأمر آخر .. وهكذا إلى أن تقف أهدافك عند الغاية القصوى التي ليس بعدها غاية وهي الله تعالى ..
· إذن الهدف هو حصول الاطمئنان .. هذا الهدف يمكن التوصل إليه بعدة طرق .. إحدى هذه الطرق .. المخزون المعرفي .. إلا أنه حين لا يفي هذا المخزون المعرفي الشخصي بالغرض في الوصول إلى الاطمئنان .. فلابد حينئذ من استخدام الطرق الأخرى التي تمكنني من الحصول على بغيتي وهي الاطمئنان ..
· ونحن نريد الآن أن نتعرف على بعض هذه الطرق .. بالتدريج ..
· حين يعجز مخزونك المعرفي من إيصالك إلى الاطمئنان فعليك أن تلجأ إلى تفسير القرآن بالقرآن ..
· مثلا : أنت كنت تتأمل في مفهوم ( الطاغوت ) ..
· فحين تفتش في ذهنك عن معنى لهذه الكلمة قد تجد وقد لا تجد ..
· إن وجدت واطمئن إليه قلبك .. فقد انتهى تأملك فيها .. وعليك بالانتقال إلى غيرها من المفاهيم ..
· أما حين تفتش ولا تصل على المعنى المطمئن .. فلجأ إلى القرآن فقد يفسرها لك ..
· كيف ألجأ إلى القرآن في تفسير هذه الكلمة ؟؟
· لابد أنك تعرف كتابا يسمى : (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) سوء أكان من وضع فؤاد عبد الباقي آو من وضع أي شخص آخر أو من وضعك أنت أيضا ..
· تذهب إلى هذا المعجم .. على مادة ط غ ي .. وتبدأ باستعراض الكلمات التي وردت في القرآن الكريم من هذه المادة .. بالترتيب حسب ترتيب المعجم الذي تستخدمه ..
· هذا الاستعراض للكمات المشابهة لكلمة طاغوت والتي تجتمع معها في المادة سيسلط بعض الأضواء على معنى كلمة طاغوت ..
· وعليك أثناء استعراض الكلمات التي تشترك مع الكلمة المقصودة في المادة عليك – حين يستدعي الأمر ذلك - أن ترجع إلى نفس الآية التي ورت فيها اللفظة .. لأنه بعض الأحيان تحتاج إلى أن تقرأ ما قبلها وما بعدها .. أي عليك أن تفهم السياق الذي وردت فيه ..
· وكلما استعرضت أكثر كلما ظهر معنى الكلمة المرادة أكثر .. إلى أن تصل في مرحلة ما إلى الانكشاف النهائي للكلمة ..
· هذا الانكشاف قد يحصل بعد استعراض ثلاث كلمات .. أو أربع أو خمس أو ست أو في نصف الكلمات ..
· فأنت بمجرد أن ينكشف لك المعنى ويطمئن إليه قلبك فقد انتهت مهمتك بخصوص هذه الكلمة (الطاغوت مثلا) فلا داعي لأن تتم بقية الكلمات في المعجم المفهرس .. وإلا يتخوف عليك أن تصاب بالتعمق والوسواس الذي سبق وأن حذرنا منه ..
· وبعض الأحيان تكون كلمات المادة كثيرة جدا .. لا تكفي جلسة واحدة باستعراضها .. بل لا يسمح الوقت إلا باستعراض خمس موارد فقط – مثلا – من المادة ..
· في مثل هذه الحالة : عليك بأن لا تجهد نفسك .. وأن تلتزم بوقتك المحدد .. وتقوم لأعمالك الأخرى الأهم ..
· لكن حين تنتهي من أعمالك الأخرى .. أو في الأوقات المتخللة بين الأعمال .. حاول أن تواصل تأملك في الكلمة وتأملك في الموارد التي قرأتها منها ..
· مثلا أنت محدد نصف ساعة للتأمل .. وقد انتهت وأنت استعرضت فيها ثلاثة موارد للكمة .. وبعد التأمل عليك أن تذهب لتأتي بأبنائك من المدرسة ثم تمر لجلب فاكهة للبيت .. بين هذه الأعمال عليك أن تعاود التأمل في كلمة الطاغوت وفي الموارد التي استعرضتها من الفهرس ..
· بمعنى آخر .. أجعلها في ذهنك دوما .. بمجرد أن تنهي عملا ما وتجد نفسك فارغا .. اشرع في إكمال التأمل .. واملأ هذا الفراغ بالتأمل
· أما حين تستعرض كل الموارد في الفهرس ولا ينكشف لك المعنى .. فهناك طرق أخرى أيضا يمكن اللجوء إليها لكشف المعنى ..
· وهذا ما سنحاول معرفته في الدرس القادم بإذن الله تعالى ..
· أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه .. والحمد لله في الآخرة والأولى .. وصلى الله على حبيبه محمد وآله ..
زهراء المقدسية
30-03-2010, 04:28 PM
لأن تتدبر كلمة واحدة فقط ويبقى حبك لقرآن يملأ قلبك لهو خير لك من أن تتدبر القرآن كله ويتحول حبك لقرآن إلى كره وقطيعة ..
ما أحوجنا إلى التأمل والتدبر فيما نقرأ من آيات الله
في وقت أتعجب فيه من قول قائل
أختم القرآن كذا مرة في اليوم وخاصة في شهر الخير والبركة رمضان
تمثلا لقوله صلوات الله عليه:
من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ،
لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف "
ولكن هل المطلوب قراءة عابرة وقد قال الرسول الكريم
" إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب"
لا أظن ذلك
أستاذ حسن العطية
بورك عطاؤك السخي
وما زلنا لمحطاتك متابعين
دمت بخير
حسن العطية
01-04-2010, 09:14 AM
ما أحوجنا إلى التأمل والتدبر فيما نقرأ من آيات الله
في وقت أتعجب فيه من قول قائل
أختم القرآن كذا مرة في اليوم وخاصة في شهر الخير والبركة رمضان
تمثلا لقوله صلوات الله عليه:
من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ،
لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف "
ولكن هل المطلوب قراءة عابرة وقد قال الرسول الكريم
" إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب"
لا أظن ذلك
أستاذ حسن العطية
بورك عطاؤك السخي
وما زلنا لمحطاتك متابعين
دمت بخير
بارك الله فيك أستاذتي الكريم الزهراء ,, على هذه الإشارة المهمة !!
- ما أشرت إليه مشابه لـ: من قال لا إله الا الله دخل الجنة .. فمن المسلم به أن ليس المقصود مجرد القول الخالي من التصديق .. كذلك ختم القرآن وقراءته ليس المقصود منها مجرد هذ الحروف هذا !!
- وعلى اقل تقدير : من يقرأ بتدبر طبق حكمين من أحكام الإسلام : القراءة والتدبر ..فله اجر القراءة وأجر التدبر .. أما القارئ بلا تدبر فقد طبق حكما واحدا وهو : القراءة فقط !!
- دمت بعين الله استاذتي ..
حسن العطية
01-04-2010, 10:15 AM
الدرس الأخير في :
( التأمل خير عبادة ):
· حين نرجع إلى القرآن الكريم .. لنكشف عن مفهوم استعصى علينا فهمه ..
· فهناك طرق أخرى أيضا يمكن أن تساعدنا في تسليط بعض الأضواء على المفهوم المراد فهمه غير أضواء القرآن الكريم نفسه ..
· بعد الرجوع إلى القرآن الكريم .. نعود إلى السنة الموضحة للقرآن الكريم ..
· يمكن الرجوع إليها عن طريق كتب التفسير التي تفسر القرآن عن طريق الروايات ..
· أو يمكن بالرجوع إلى كتب الحديث ..
· وعند بقاء المعنى مستغلقا تأتي المرتبة إلى الرجوع إلى العلماء وسؤالهم ..
· وسؤال العلماء له عدة أنحاء .. مرة من المرات تذهب للعالم الفلاني وتسأله مباشرة وتتلقى الجواب منه .. وحين لا تقتنع به .. تسأل غيره من العلماء إلى أن تجاب بالجواب المقنع ..
· ومن الرجوع إلى العلماء الرجوع إلى المعاجم اللغوية .. وذلك بأن ترجع إلى معاجم اللغة مثل : المعجم الوسيط .. والمصباح المنير .. والقاموس المحيط .. ومجمع البحرين ولسان العرب ومختار الصحاح وغيرها من المعاجم ..
· الرجوع إلى هذه المعاجم نوع من أنواع الرجوع إلى العلماء .. وأنا أفضله على الرجوع المباشر إلى العلماء .. لأن فيه العمل أكثر وهو يشبه الإقناع الشخص والاجتهاد .. بخلاف الرجوع المباشر للعلماء الذي فيه نوع من التلقين ..
· نعم حين ترجع للمعاجم ولا ينكشف لك المعنى يمكن أن ترجع إلى العلماء ..
· وحين يستعصى عليك المعنى حتى مع الرجوع للعلماء .. أي لا تقتنع بأقوال العلماء ولا يطمئن إليها قلبك .. فماذا تفعل ؟؟ هل تستسلم ؟؟ ..
· أكيد .. لا .. بل عليك أن تحاول التوصل إلى الجواب عن أي طريق يمكنك أن تجد الحل فيه ..
· عن طريق التأمل فيما حولك من أشياء .. عن طريق تصرفات عامة الناس .. بل حتى عن طريق أقول من نظنهم مجانين .. لهذا يقال خذ الحكمة من أفواه المجانين .. فالله تعالى قد يلقي على لسان مجنون حكمة تفيدك .. أو يلقيها في تصرف حيوان كنملة أو نحلة أو ديك أو كلب أو حمار ..
· ولولا الكسل الذي يعتريني لضربت الأمثلة على ذلك كله ..
· المهم عليك أن لا تستسلم أبدأ ..
· وعليك أن تعتقد بأن ما من سؤال إلا وله جواب .. علمه من عمله وجهله من جهله .. تماما كما أنه ما من داء إلا وله دواء .. بل ذاك من هذا .. لأن السؤال نوع من أنواع الأدواء .. والجواب نوع من أنواع الأدوية ..
· نعم حين تبذل قصارى جهدك .. لا تحصر نفسك فيما تبحث عنه .. بل عليك أن تتأمل آية أخرى .. وتفعل معها نفس ما فعلت بالآية الأولى .. ولا تنسى الآية الأولى التي لم تتوصل إلى فهمها .. بل بين الحين والآخر عاود النظر فيها .. لكن جهدك الأكبر اصرفه إلى الآية الجديدة .. وبعض جهدك للآية الأولى ..
· وهكذا دواليك ..
· ويمكن أن تقول : لا نراك ذكرت اللجوء إلى الله تعالى عند تعسر فهم آية معينة .. فلم لا ترشدنا إلى أن نلجأ إلى الله تعالى حين يتعسر علينا فهم أمر ما ؟؟
· الجواب : لأن اللجوء إلى الله تعالى في العسير دون اليسير نوع من أنواع الشرك ..
· بل عليك أن تلجأ إلى الله تعالى في اليسير قبل العسير ..
· عليك أن تلجأ إليه تعالى قبل أن تخطو أي خطوة ..
· بل إذا تأملت جيدا لعرفت بأن تأملك هذا .. وتسلسلك في هذا التأمل نوع من أنواع الاستعانة والالتجاء لله تعالى .. فانتبه لهذا ولا تغفل عنه فهو أمر مهم جدا ..
· بهذا نكون قد قلنا ما يحضرنا من أمور تخص التدبر في القرآن الكريم ..
· أما التدبر في غيره من الأمور المهمة فهو مشابه في تدرجه بالتدبر في القرآن الكريم ..
· وأرى أن نكتفي في هذه الدروس بالتدبر في القرآن الكريم .. وذلك لأنه أصابني شيء من الملل والكسل ..
· نعم قد يتميز التدبر في غيره بميزات .. إلا أن ما قلناه في التدبر في القرآن الكريم .. يمكن أن يسلط بعض الأضواء الكافية على التدبر في الأمور الأخرى ..
· مثلا : التدبر في كتاب الكون يمتاز ببعض الميزات والتي قد يسمح الوقت – لاحقا – لذكر بعض هذه الميزات ..
· أما الآن .. فاسمحوا لي أن أنهي هذه الحلقات إلى هنا ..
· والله تعالى اسأل أن يجعلها خالصة له .. وأن يتمها بكرمه وفضله .. وأن ينفع بها .. وأن يجنبها الزيغ والضلال وإيانا ..
· والحمد لله في الآخرة والأولى .. وصلى الله على حبيبه المصطفى وآله ..
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir