المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فقاعة مليئة ؛؛



سعيدة لاشكر
09-03-2010, 01:56 AM
فقاعة مليئة






جلست القرفصاء بركن سحيق من زاوية القطار .. تستجيب لتطاولات الحلم الوهم ..


استنشقت الهواء الملوث .. هواء ما وراء الإدراك .. فابتعدت رويدا .. رويدا صوب الخفاء


داهمتها رفقة .. شابة جميلة المحيى اتخذت كرسيا بجانبها




يسير القطار الهوينى يلتهم المساحات بشره عجيب .. يهتز اهتزاز خفيف يبيح الذهاب نحو ما خلف الجفون المغلقة ..




فجأة سألتها :


- فيم تفكرين ؟؟


دون أن تنظر للسائلة ابتسمت ابتسامة من وجدت صديقتها القديمة .. تلك التي لا تعترف بتمهيد ولا بداية فقط تخترق السؤال بعبقرية من يرى الإجابة قبل الاستفسار..


أجابت والابتسامة لا تفارقها:


- أحاول أن أسابق القطار


- هناك قطارات عديدة .. فأيها تسابقين ؟


- ممم أسابق قطار الرياح


- قد ترفعك العاصفة وتطيح بك للأرض


- وقد ترفعني العاصفة وتريني عالم الغيمة .. بعيدا عن متناول السواد ..


- أو تظنين أن هناك عالما آخر دون الذي تنتمين إليه ؟


- أكيد هناك .. كلما أدرتِ فكرك ناحية كلما وجدتِ عوالم


- هذا يدل على أنك تنجعين لأحلام اليقظة


- يا أنتِ .. ليست هناك أحلام يقظة .. هناك فقط فكر متفتح وفكر مغلق على التأملات الموحية .. قد تجلسين مستكينة هادئة دون أي نازع بالفرار .. وقد تنتابك نوبة تأمل فتخترقين حدود المعقول لتصلي للأعالي ..الأعالي


- الواضح ظهرت لديك بوادر الجنون


- الواضح بدأت أتعقل .. وأسموا لما تحت قدمي .. يوجد فرق بين من ينظر تحت قدميه ومن ينظر للأمام .. وهناك فرق بين من لا ينظر أصلا بل يتخذ الطريق قنطرة


- أو ليست القنطرة تقاطع منحدرين ؟ أوليس الطريق بؤرة عبور ؟


- نعم هما كذلك


- حسنا لما لا تنظرين إذا وتفتحين جفونك لمزيد من الإدراك؟


- لأني لا أحب أن انظر .. أولم تلاحظي أني لم انظر إليك إطلاقا مد جلستِ جنبي؟


- أيعقل تخشين أن أكون سراب من نسج خيالك ؟


- ممكن


- أولا تتأكدين ؟


- لا أريد التأكد


- الحقيقة مطلوبة ولو كانت مرة


- من الحقيقة ما قتل وجلب النوبة تلو النوبات


- يعني أنا مهمة لديك لدرجة خوفك من انفجاري فقاعة؟


- ألا تسأمين الجدران الضيقة والأسوار العالية ؟


- أراكِ تغيرين فحوى الحديث.. لكن لا بأس سأجيبك .. الجدران والأسوار من صنع الإنسان هي محدوديته تخيل إليه أنه مقيد ولا يستطيع الحراك و يخيل إليه أيضا من فرط الضيق أنه مستقر في مكان وكأنه محبوس إلى إشعار آخر .. لكن كل هذا مجرد ابتكار


- وما الحل إذن ؟


- يوجد حل وحيد أن يتعود السير بالمساحة المحددة المرسومة له .. وأن يألف القيود حول معصميه حتى يعتبرها زينة أو من ضروريات الحياة ..


- منطقك قاسي جدا .. كيف للمحبوس أن يتعود الزنزانة السوداء؟ وكيف للمقيد أن يألف القيود المؤلمة ؟


- هي لعبة من بدأها لا مفر له من إنهائها


- قصدك هي لعنة من لحقت به ترافقه طول العمر


- أولا تسأمين أنتِ من تحريف الأمور لتفاؤل مصطنع وخيال من سراب ؟


- لأني سئمت الأغلال فقط حاولت تدميرها .. وها أنا قد نجحت ...


- لم تنجحي يا المختالة وأنا أكبر دليل على ذلك .. انظري إلي فقط وستعلمين فشلك الدريع


- كيف ذلك لا يمكن .. ؟ ما الذي تقولينه ؟


نظرت للكرسي بجانبها فوجدته فارغ إلا من حقيبتها .. تطلعت حولها تستكشف لأول مرة المكان فلم ترى أي بادر على وجود محاِورتها


جاءها صوت من الأعماق :


- أنا أناكِ تلك التي تخفينها عن الوجود .. تلك التي ما فتئتِ تدوسينها مرة تلو المرات ..


- ليس صحيح .. كيف سمحت لك أن تظهري من جديد ؟ ظننتني قتلتك آخر مرة واسترحت منك


- لن تستطيعي .. فأنا نصفك الآخر .. ولا استغناء لك عني


- بلى سأستغني عنك .. سأنزل المحطة القادمة فإليكِ عني إياكِ أن تتبعيني





تباطأ القطار معلنا التوقف ..




توقف لحظات وبعدها غادر فارغا




مخلفا وراءها محطة فارغة





إلا من رياح شديدة تنذر بهبوب العاصفة








؛







؛

نادية بوغرارة
09-03-2010, 11:11 AM
ما أروع هذه القصة ،
تذكرت و أنا هنا استغراقي و ذهولي حين أقرا روايات الفيلسوف :
جون بول سارتر .
توقعت ان يكون كرسي محاوِرتها فارغا ، لكن لم أن أتوقع النهاية التي جعلت كل الشخوص سرابا .

همسة : لعلك تقصدين : مخلفا وراءها | وراءه محطة فارغة .

تقبلي مروري أختي سعيدة.

محمد ذيب سليمان
09-03-2010, 06:28 PM
روح فلسفية
وإدراك قوي لما يدور في النفس الإنسانية
كل النفوس البشرية ترى أناها وتحاوره ليل نهار
وقد توصله أحيانا الى حافة الجنون
وما كانت النفس والأنا سوى متحاورين
أردت من خلالهما طرخح تصورك لأمور ناقشتها
شكرا لك على هذه الأفكار وهذا الإبدع

سعيدة لاشكر
14-03-2010, 11:42 PM
نادية المميزة


أنت الروعة سيدتي ..



سرني رأيك المهم .. واستمتاعك بالسطور



نعم عزيزتي .. وراءه بدل وراءها .. إذ الهاء عائدة على القطار

سقطت سهوا

أتمنى إصلاحها



لقلبك اللافندر



مع ودي ودي

سعيدة لاشكر
01-04-2012, 11:08 PM
ما أروع هذه القصة ،
تذكرت و أنا هنا استغراقي و ذهولي حين أقرا روايات الفيلسوف :
جون بول سارتر .
توقعت ان يكون كرسي محاوِرتها فارغا ، لكن لم أن أتوقع النهاية التي جعلت كل الشخوص سرابا .

همسة : لعلك تقصدين : مخلفا وراءها | وراءه محطة فارغة .

تقبلي مروري أختي سعيدة.



نادية بوغرارة

كم جميل تواجدك

كم هي ساة كلماتك


تنثر الروعة




نعم هي العبارة وراءه .. نسبة للقطار



ممتنة لك



مع تحياتي



؛

ربيحة الرفاعي
02-04-2012, 01:54 PM
تباطأ القطار معلنا التوقف ..
توقف لحظات وبعدها غادر فارغا
مخلفا وراءه محطة فارغة
إلا من رياح شديدة تنذر بهبوب العاصفة

مدهش حوار النفس حين يحمل غوصا وراء المعاني المختبئة في الأعماق بطرح فلسفي رائق
وحين يغلفه هذا الإطار القصي الحذق يكون أبهى وأصدق تعبيرا عن تميز الكاتب وتمكن من أدواته القصية

وددت لو أنك أوليت اللغة بعض عناية لتساير الفكرة بعمقها والسلوب بتميزه

أهلا بك في واحتك

تحيتي

سعيدة لاشكر
27-04-2012, 10:31 PM
مدهش حوار النفس حين يحمل غوصا وراء المعاني المختبئة في الأعماق بطرح فلسفي رائق
وحين يغلفه هذا الإطار القصي الحذق يكون أبهى وأصدق تعبيرا عن تميز الكاتب وتمكن من أدواته القصية

وددت لو أنك أوليت اللغة بعض عناية لتساير الفكرة بعمقها والسلوب بتميزه

أهلا بك في واحتك

تحيتي



دوما يسرني تواجدك المميز بما ينثره من نصائح مهمة

يروقني محاولة اتباعها


ممتنة لك

لافندر


مع تحياتي



؛

لانا عبد الستار
20-02-2013, 01:27 AM
نص فلسفي عميق في إطار قصي قوي الأسلوب وفيه تمكن
أحسنت سعيدة
اشكرك

نداء غريب صبري
29-06-2013, 03:55 PM
قصة جميلة بأسلوب فلسفي عميق
كنت رائعة بحهذا الحوار الداخلي لوهم شخص

شكرا لك اختي

بوركت

خلود محمد جمعة
07-12-2014, 08:33 AM
فلسفة عميقة وسبر للذات بحوارية وقفت على تفاصيل دقيقة بجمال وذكاء
رسمت الصورة بإتقان
بوركت
كل التقدير

آمال المصري
12-11-2015, 05:31 PM
كان الحوار شائقا بفلسفته واقتناص الفكرة وترويض الحرف
كان بحاجة لبعض اهتمام ليبدو في حلة أروع وهذا لم يؤثر على روعته
بوركت أيتها الرائعة واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحيتي مغلفة بزهر الأوركيد

د. سمير العمري
18-08-2019, 06:24 PM
شدني مضمون هذه القصة بطرحه الفلسفي العميق في رحلة تسابق قطار الريح إلى كشف كنه الحقائق ومعرفة أعماق الذات في صراع بين المحسوس والملموس.
وأنا هنا أشهد لك بتفوق الأسلوب من حيث الشكل وعمق المضمون من حيث المعنى والرؤية ، ولكني رأيت اللغة دون ذلك واستوقفني بعض أخطاء قليلة ولو أن هذه اللغة ارتقت لمستوى الأسلوب والمضمون لكان لهذه القصة شأنا وأي شأن.
أثني على مستواك وأثني على هذه القصة.


تقديري