المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كابوسٌ مُتَسَوِّل



محمود أبو سل
11-03-2010, 06:09 PM
كابوسٌ مُتَسَوِّل

(1)

في اللحظةِ التي زَحَفَت بها سَحَابةٌ ضالَّةٌ وأطفأتْ ضوءَ بدرٍ في تمامِهِ من ليلةِ صيْف، تَرَنَّحَ بريقُ نجمةٍ ثَمِلةٍ تناوَبَتْ كسرَ ضوئِها وُريقاتٌ مُحَدّبةٌ حتى تسَرّبَ بعضُه خلالَ ثقبِ نافذةٍ مُزيحاً السَّترَ عن هواجسِ طِفلةٍ في شُروقِ ربيعِها تُصَارِعُ كابوساً في نومها ويصرعها ، فتستيقظُ من قبضتِه فارَّةً لمخدعِ والدِها تبحثُ عن صدرٍ إليهِ يضمُّها.....وهل صدرٌ كصدرِ الأُمِّ يُتقنُ ضَمَّها؟.
وصلتْ..لكنَّ الحجرةَ خاويةٌ ، فمضت هائمةً تبحثُ في أرجاءِ المنزلِ عن صدرٍ والبحثُ يؤولُ إلى "المفقود".
بذلكَ جاوزَ خوفُ الطفلةِ بابَ المنزلِ يطوي الرّملَ ويطرقُ أبوابَ المجهول.



(2)

تناقُصُ الطاقةِ استوْقفَ خوفَها وطمْأنَها سكونُ الليلِ فاسترختْ. وبينما تراجعَ نبضُها ماضٍ إلى مُعَدَّلِه إذ بصوتٍ مُقلِقٍ لسكينةِ الأجواءِ يُفزِعُها ويقتربُ، فجرْجرتْ أطرافَها هرباً واشتمَّها أنفُ الغريبِ ولاحقتْ خطواتُه طرْفَ الإزارِ فشدَّهُ وتعثَّرَتْ، وجَثَى البدينُ بركبتيهِ على النّحيلةِ مغلقاً فاها وقيَّدَها بإفراطٍ فسالَ الدَّم. ضَحِكَ الغريبُ مُمَرِّراً طرفَ اللسانِ على يديه.. أيُّ كابوسٍ ذاك الذي يُطارِدُها؟؟..بل أيُّ كابوسٍ هذا الذي فَرَّتْ إليه؟؟



(3)

حملَ البريئةَ من تلابيبِ الإزارِ مُنّقِّباً عن نصفِ قرنٍ مُزْهَقٍ في بؤرتيه، والطفلةُ المُزرَقَّةُ الأطرافِ قد أُغشَى عليها .أسِفَ التغطرُسُ من يديهِ وناحتْ الدُّنيا عليها.

ألقَى بها في القَبْوِ فَوْرَ وُصُولِهِ ، حيثُ العناكبُ بَطَّنَتْ جدرانََه بخيوطِها ، وبِجَوِّهِ القَذِرِ القوارضُ في مواعيدِ التكاثُرِ تستجيرُ تَطَفُّلاً ويجيرُها.

ذاك الغريبُ أَذَلَّها بتَمَتُّعٍ ، وبخوفِها كانت تَبُوُل أمامَهُ في القبوِ أينَ أذلَّها. وَبِلِذَّةٍ ما انفكَّ يَسلِبُ دمعَها ، فالماءُ كي تحظى به تبكي وترجو ركبتيه.. منْ أيِّ كابوسٍ تُرى هَرَبت هنا؟؟..بل أيُّ كابوسٍ هنا هربت إليه؟؟!



محمود أبو سل

صيف 2005

حازم محمد البحيصي
11-03-2010, 11:20 PM
أخي ومعيني في الهموم وساعدي الحبيب المبدع محودمود أبو سل
أي نص هذ بل أي ثورة شعرية مسرحية هذه ؟!!
الجميل فيك يا محمود أنك تأخذ القارئ إلى اللامحدود وتأتيه باللامتوقع وهذا عصيٌّ على غيرك
نص كبير لأديب كبير يملك ناصية الإبداع
دمت
تحيتي لك

الطنطاوي الحسيني
12-03-2010, 08:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة رائعة وشاعر رائع وأحداث مؤلمة
فكرة بديعة وتصوير وعمل عليها أروع وأبدع بل وإضافة المقاطع الشعرية رفعها من رائعة إلي غاية في الروعة
واحييك ايها الفارس على اللغة الرائعة والتمكن
يالك من قاص جميل وشاعر بهي رقيق
ولكنك احزنتنا
تقبل فائق تقديري لهذا الكم من الإبداع القصصي واللغوي والنفسي والشعري

ربيحة الرفاعي
13-03-2010, 11:56 PM
مسكونة بالضبابية والذعر منذ أسطرها الأولى، حبكة مترابطة لحدث كابوسي فعلا، كأنني أتابع واحدا من أفلام الرعب الهوليودية التي استحوذت على الناس في كل أنحاء الأرض زمانا....
توظيف متمكن للغة لم تغادرها الموسيقى حتى في المقاطع غير الشعرية، واستخدام ذكي لتداخلات الدفء والبرودة على مستوى الاحساس والسلوك ، جعلت من توصيف المعاناة الانسانية تشتد قساوة حتى تبلغ ما يشبه الهذيان.

لا أدري كيف تفتق ذهنك عن هذه الصورة المغرقة في السواد حد حلول كابوس الفتاة في أعماق القاريء... أرجو أن يكون كابوسها الثاني جزءا من ذات الكابوس ... فلا فرت منه ولا اليه إلا فيه.

دمت متألقا

آمال المصري
14-03-2010, 08:12 AM
ريشة مبدع تفوق الوصف لغة ومتنا وشعرا , تمكن من رسم كابوس بتلك النكهة الرائعة الجديدة , تشد القارئ منذ أول لحظة
هنا حلقت إلى أعالي الفن القصصي الرفيع حيث قوة الأسلوب وتَملُّك قوي بزمام اللغة
تابعت أحداث الكابوس حتى النهاية لينحني قلمي بانبهار أمام نصك سيدي الفاضل خجلاً عاجزاً عن الثناء
دمت مبدعا شامخ الفكر والأدب
تحية تليق

محمود أبو سل
22-03-2010, 05:14 PM
أخي الحبيب القريب حازم البحيصي

أتعبتني بإطرائك

أنت تتجاوز اللامحدود ومرورك خلال تفاصيل الكابوس له في النفس وقعٌ مبهج

أشكر لك رفقتك ومرورك

صديقي المبدع
تقبل مودتي

محمود أبو سل
22-03-2010, 05:15 PM
الشاعر الطنطاوي الحسيني
لك مني من الود والتقدير ما يزيد عما أبديت لي أخي الحبيب

أشكرك

محمود أبو سل
22-03-2010, 05:20 PM
أختنا الشاعرة ربيحة الرفاعي

وصلتِ إلى أبعد نقطةٍ في النص ولمستِ قمَمَه المتمثلة بالسلوك اللا إرادي وقيعانه المتمثلة ب " الاضطرار"

لكِ الشكر على هذه القراءة العميقة والرافعة لمستوى الطاقة الإيجابية التي استنفذ بعضها في النص

تحيتي

محمود أبو سل
22-03-2010, 05:22 PM
أختنا الأديبة رنيم مصطفى

أنحني بخجلٍ أمام مرورك الراقي

وأشكر لكِ مرافقة الطفلة إلى آخر زفرةٍ في " كابوس متسول"

مودتي

محمد ذيب سليمان
22-03-2010, 09:41 PM
أخي محمود
قد بكون هذا أول نص أقرأه لك
وبعده بدأت رحلة البحث عن نصوصك السابقة
مذهل أنت في لغتك وطريقة أدائك وأسلوبك العجيب
سأكون مواظبا لأحظى بالإستمتاع
شكرا لك

مختار عوض
25-03-2010, 08:30 AM
الشاعر الجميل
محمود أبو سل
نص مدهش بلغة شاعرية ..
هنا تعانق الشعر مع السرد فأنجبا نصا كابوسيا مذهلا ..
تقبل كل المودة والتقدير ومعهما قرنفلة حزينة لتلك الصغيرة البائسة ...

نداء غريب صبري
12-09-2014, 12:26 AM
مسكونة بالضبابية والذعر منذ أسطرها الأولى، حبكة مترابطة لحدث كابوسي فعلا، كأنني أتابع واحدا من أفلام الرعب الهوليودية التي استحوذت على الناس في كل أنحاء الأرض زمانا....
توظيف متمكن للغة لم تغادرها الموسيقى حتى في المقاطع غير الشعرية، واستخدام ذكي لتداخلات الدفء والبرودة على مستوى الاحساس والسلوك ، جعلت من توصيف المعاناة الانسانية تشتد قساوة حتى تبلغ ما يشبه الهذيان.

لا أدري كيف تفتق ذهنك عن هذه الصورة المغرقة في السواد حد حلول كابوس الفتاة في أعماق القاريء... أرجو أن يكون كابوسها الثاني جزءا من ذات الكابوس ... فلا فرت منه ولا اليه إلا فيه.

دمت متألقا

ردّ عميق استوفى جمال الفكرة

شكرا لكما

بوركتما

رويدة القحطاني
28-09-2014, 12:49 AM
كابوس حقيقي دخلناه مع الطفلة وابتلعنا في سوداوية الشعور الذي تحدثت به تفاصيله
هذا كئيب جدا ومرعب، لكنه قلم أديب قدير

د.حسين جاسم
30-08-2015, 04:52 PM
كابوسية خدمتها حداثة اللغة وقدرة الكاتب العالية، فارتسمت بقوة وعمق يشلّ المتلقي عن الفرار من قسوة المشهد
أحييك