تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بين حارات الجوى



الضبابية
27-02-2004, 05:32 PM
دفنتُ أناملي في كفه ..
قرأتها في عينيه : حارةٌ قديمة و قلبٌ يشي بدفءٍ جزل
عَبرتنا الخطواتُ ..
و عيناي لا تثبتان على شيء ..
ابتلعتُ أسئلتي ..
و تركتُهُ يدفعُ في عروقي المرتجفة قصصَ الماضي و الحاضر
كنتُ أشعرُ أني معلقةٌ في الهواء
الجدران تتحركُ حولي
و حرارةُ كفه تتدفقُ .. تتدفق
تحارُ في قلبي بين الأمن و الحيرة
أشارَ بيده ..
هذي مدرسته القديمة
هذا المسجد الذي ضم فؤاده
هذه المئذنة التي كان يصحو على نشر عبيرها
و ذا بيت جدته ..
تبادلتُ و الجدرانَ النظراتِ ..
ابتسمنا معاً ..
رأيتُ الجدة الصارمةَ تجلسُ بكبريائها
و الجميع حولها
الأحاديثُ تدور
و هي تديرها بحنكةٍ و حزم
رأيتُ عينيها الملتهبتين
و قامتها المعتدلةَ رغم السن
تبادلتُ و الجدرانَ حديثاً صامتاً
اكتستِ الحجارةُ بنبضٍ بشري
و عبق الجو حولي بالشّجن
تراجعتِ الكلمات ..
أفقتُ على همسه ...
- ذا بيت أبي
عمتني الرهبة
سالتْ تفتحُ عروقي و تنشر فيها رحيق الماضي
التفتُ ببطء
أومأَ برأسهِ إلى البابِ و غمغمْ ...
- من هنا خرجوا بــ ....
انتفضَ الصمتُ بين شفتَيه
و انتفضتِ الأنفاسُ في صدري
حدقتُ بالباب طويلاً
اعتزلَ الصمت .. و مضى يحكي لي عنها
كان يلهو ..
لم يعلموا أنه هناك
و لم يعلمْ أن ذاك الصندوق كان يحملها
كان طفلاً لا يعي
حدقَ بهم بذهول
و كأنما أحس بدفءِ كفيها و رائحةِ قبلاتها تنتشرُ من قبرٍ جامد
حدق بأبيه ..
فانطلق إليه يجذبه و يُودِعه عند خالته
و عندما استطاعَ أن يصرخَ باسمها
كانتِ التواءاتُ الحارات قد غيبتها
ثم غيبتها الأرض
سالتْ خفقاتي تطرقُ بابَ البيت
تمنيتُ لو تخْرج ..
لو تحدّثُه
لو تخففُ عنه كلَ آلامه
و تبدتْ لي ..
سيدةٌ رقيقة
بثوبٍ ليلكي سابغ
و عينين أخذتْ منهما الشمسُ بريقها
و استوحى منهما القمر لوحاته الشجية
تبادلنا الخفق
ابتسمتْ بهدوء
قالَ: كانتْ رائعة
و همستْ : اعتني به
ترددَ صوته في أذني : كم كنتُ أحبها
و سمعتُها حدساً لا صوتاً : يحبك كذلك
مدّتْ أناملها إليّ
داعبتْ كفي
و أومأتْ برفق
بينما الذهول يحفرُ كلماته في أعماقي
نظرتُ إليه بعينين ذاهلتين
كان يحدقُ بالسماء
و قد غشيتْ الزرقة عينيه .. وجهه .. شفتيه
كدتُ أصرخُ : هاهي ذي
لكن الصرخةَ تفجرت في أعماقي لتدمر الكثير
تراجعتْ ببطء
عادتْ تومئ بوجهها الحيي
أفسحتِ الحجارة لها سبيلاً
و تبدى حزامُ حريرٍ منسدل ..
عرجتْ برفق و مضتْ تسعى .. و تسعى
و الحزام يلتفُ وراءها
يحملها إلى ديمةٍ باسمة
اجتذبني ..
غمغم ...
- فلنمضِ
خطوتُ ..
و تركتُ قلبي هناك
يحادثُ الجدران ..
و يسمعُ حكايا أيامٍ حنون
قبل أن تبتلعنا عتمة الحارة الضيقة التفتُ
أبصرتُها ترقبنا
و في عينيها كل الحنان
لوحتْ بكفها
و مضتْ
و بقي أمام البابِ قلبان
قلبٌ ذاهل ..
و قلبٌ ..
حزين



غموض

د. محمد الشناوي
28-02-2004, 12:44 AM
أيتها المبدعة

وبقي أمام هذه الرائعة لسان ألجمه الانبهار

لا أدري ما الذي انتابني عقب قراءة هذه الأسطر الرائعة

ذهول...انبهار...ألم...لوعة

لا أدري

كل الذي أعرفه أنني استمتعت بكل حرف من أول كلة إلى آخر كلمة

وللحظة أحسست أنني ثالثكما


تقبلي إعجابي وخالص تقديري

عبد الوهاب القطب
29-02-2004, 09:40 PM
اقشعر قلبي وذهل وانا اقرا السطور

وما بين السطور..وغشاني حزن عميق

وكانه استقر في جراحات الماضي العتيق

فانحدرت دمعة بعيدة المهوى والطريق..

الضبابية الرائعة

انت بلا شك بارعة وماهرة

ولحنك هذا يحرك الصخر..

تحياتي واعجابي

المخلص

ابن بيسان

ياسمين
07-03-2004, 01:29 AM
قرأتك هنا غموض عدة مرات
وفى كل مرة اتجول بين حارات الجمال الحزين

فأشعر بسعادة الألم هنا

غموض

كم كنت جميلة هنا

فى انتظار ابداعك حبيبتى بكل الحب


لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين

الضبابية
16-03-2004, 11:06 AM
الفاضل محمد الشناوي

و أنا لا أملك وصف سعادتي بمرورك بين حارات القلم ..
قد بقي أمام هذا الرد قلب ممتن
شكرا لك و جزيت الخير

مع خالص التقدير و التحية
أختكم في الله
غموض

الضبابية
16-03-2004, 11:09 AM
الفاضل ابن بيسان

مرور لا شك يسعد به القلم ..
و كم آمل أن أصل لما مدحتني به تشجيعا ... دعواتكم لي :011:
جزيت من الله خيرا

تحياتي و خالص الود
أختكم في الله
غموض

الضبابية
16-03-2004, 11:14 AM
العزيزة ياسمين الواحة

و كلنا يقرأ رقتك حيثما كنت
مرور تشرق له حارات القلم يا أخية
فتتمنى لك خالص السعادة و راحة الفؤاد
جزيت من الرحمن كل الخير و بورك فيك

تحياتي و ودي
أختك في الله
غموض