مشاهدة النسخة كاملة : المسرحية ... الروايــــة ... القصــــة .. والأقصوصـــــة
آمال المصري
04-03-2009, 11:51 PM
http://alas7ag.jeeran.com/بسملة%20فلاش.gif
الروايــــة ... القصــــة .. والأقصوصـــــة
لقد انتقلت القصة من مفهومها القديم إلى مفهومها الفني الحديث المسمى بالأقصوصة أو القصة القصيرة كجنس مستقل بعد أن اشتهرت لدى كل الشعوب
وأصبحت من أحب الأنواع الأدبيـة إلى القــراء في عصرنا الحاضرلأنها تلائمهم من حيث سرعة قراءتها في الحيز الصغير التيتشغله .. والزمن المحدود الذي تستغرقه
القصة هي الحياة كما يقول تودوروف ولا يمكن لشعب أن يتواجد دون أن يضمن رؤاه وخصائص هويته الأكثر غموضا في الحكاية وقد عرفت القصة لدى العرب بأشكال متنوعة كالخبر والحكاية والمثل والمقامة والنادرة وتعددت مواضيعها فهي من قصص العشاق إلى أحاديث السمر إلى أساطيرالجن، إلى أيام العرب ووقائع الفتوحات، إلى طرائف الحمقى والمجانين وكل ذلك لغايات (التاريخ / التسلية / التعليم / الوعظ / المناظرة) لكن كثرة المادة القصصية لدى العرب لم يوازها اهتمام بدراستها وضبط مفاهيمها وتدبر أساليبها بل وقع اللجوء في الغالب إلى دراسات غربية دخيلة على النص الأصلي يستلهمون منها الأفكار والمقاييس ولهذا نجد أن الأقصوصة كجنس هي في حد ذاتها من المفاهيم الوافدة الدخيلة على أدبنا كإبداع وكنقد وإنما تداخلت بأدبنا من خلال العلاقات الكنيسية والبعثات التبشيرية منذ عصور , إضافة إلى أهمية حملة بونارت على مصر 1798 موطن الأقصوصة الأول ودورالمؤسسات الفرنسية في تكوين البعثات التعليمية ورواد الترجمة.
*******************************************
وتقوم الأقصوصة على عدد من المقومات أهمها:
ـ == قصر النص : == مسحة أساسية تقوم على اعتبارين:
== كمّي : == بتقليص الفضاءين الزماني والمكاني وقلة عدد الشخصيات واختصار الأحداث ومحاور الاهتمام.
== كيفي : == وحدة الهاجس، وحدة الإنطباع،شمولية التأثير والإيحاء.
ـ == وحدة الموضوع : == كل العناصر يجب أن توظف لإبرازالاهتمام بمدا ر واحد وتكون كثرة العناصر الأخرى مجرد لبِنات أو عناصر خادمة للموضوع «إن الأقصوصة تتناول شخصية مفردة أو حادثة مفردة أو عاطفة مفردة أو مجموعة من العواطف أثارها موقف مفرد» ادغار اَلان بو.
ـ == الوحدة الزمنية : == التركيز على لحظة واحدة هي مدار الاهتمام وإليها تؤدي سائر الأزمنة (إن تعددت) وتعمق تأثيرها «لينتقل كاتب القصة القصيرة من الزمن كيف شاء وليجتز من الشهور والسنين ولكن الذي يجعل عمله قصة قصيرة رغم ذلك... الوحدة الزمنية (..) التي تربط بين لمساته المتباعدة في الزمان» عزالدين إسماعيل (الأدب وفنونه).
== ـ وحدة الشخصية : == وحدة الشخصية لا تعني وجود شخصية واحدة فيستحسن الاقتصار من الشخصيات على ما يخدم الرؤية العامة للقصة ويؤدي إلى خدمة إحساس أو موقف بعينه: إنه التركيز على لحظة أوإحساس أو جزئية هي في الحياة أشبه بقطعة الفسيفساء، لكنها القطعة التي يمكن أن يتبين الناظر إليها فناً كاملا أو سمة أساسية من سمات اللوحة في كليتها.
ـ== وحدة الإنطباع == : هو أساس الرؤية الجمالية في الأقصوصة وهو تضافر جميع عناصرالأقصوصة لبناء أثر واحد «إذا كان الفنان بارعاً فإنه لا يسلط أفكاره على الأحداث وإنما هو يتصور سلفا انطباعا يروم بلوغه ثم ينتقي من الواقع ويركب من الأحداث مايكفل له بلوغ التأثير المراد» إدغار اَلان بو.
ـ == وحدة الهاجس: == قد تتعددعناصر الأقصوصة (الحجم والشكل ومنطق البناء والغاية وطبيعة التأثير) لكن ما يجمع بينها هو صدور منشئها عن شاغل واحد يشدّها جميعا.
ـ == لحظة التنوير : == إنها لحظة الكشف أو اللحظة الجامعة حيث تتجلى الفكرة ويصل الإنطباع قمته هو وقوع تغيرجذري يرافقه اهتزاز أو ارتجاج أو مفاجأة وربما التقاء هذه الألوان جميعا.
ـ == خصوصية البناء : == هنا يظهر الفرق الأساسي بين الرواية والأقصوصة فالأقصوصة لا يبني فيها الصعود ثم النزول بل تبنى فيها لحظة النهاية منذ البداية فالنهاية ليست ملائمة بالضرورة لما سبق إنما هي معه في علاقة تناقض أو مفارقة أو إدهاش وهذا ما يعرف بالمفاجأة أو لحظة الإنقلاب.
ـ == شمولية التأثير: == بما أن الرواية لا تقرأ دفعة واحدة فانها لا يمكن أن تتسم بشمولية التأثير «ادغار اَلان بو» : «ان وحدة مقام القراءة مضافة إلى قصر النص تمكن القارئ من جميع المعطيات فتتولد لديه لذة انتشاء فكأنه إزاء لوحة شاملة تساعد رؤية كل عنصر من عناصرها على رؤية عناصر أخرى أولا وعلى رؤية جميع العناصر مجتمعة ثانيا».
ـ == صرامة البناء: == يقول اَرلاند: «إنّ الإطالة والزوائد والاضطراب أمور قد تنتاب العمل الروائي فيبقى رغم ذلك مثيراللإعجاب، أما في الأقصوصة فإن أبسط الأمور (مثل تغير اللهجة أو اختلال السرعةاختلالا طفيفا أو التواء العبارة أو رسم خط رسما أكثر وضوحا مما ينبغي (أو أقل) كافية للقضاء على الأقصوصة إن الأقصوصة لا ترحم».
ـ == أهمية النهاية : == النهاية في الأقصوصة ليست مجرد خاتمة... إنها المتحكم في طرائق الإنشاء وجميع الإيحاءات والروافد وهي مركز الثقل. «تتطلب الأقصوصة انقلابا حادا على نحو يجعل خطوطها الكبرى بينة واضحة» شليغل.
ـ == تماسك العناصر : == لابدّ أن تكون علاقة العناصر داخل الأقصوصة عضوية فتكون العناصر مترابطة وفق مبدأ التلاقي الذي يجعل كل اللبنات مهما بدت ثانوية ضرورية لبلوغ اللحظة الحاسمة لدرجة أن الاقصوصة على خلاف سائر الأنواع القصصية الأخرى ـ لا تقبل التمطيط أو التلخيص فهي كالقصيدة أو اللوحة «إذ الأقصوصة وحدة درامية غير قابلة للتجزئة ـ فلانري أوكنورـ فوحدة القصة هي التي تثير الانفعال وتؤدي المعنى والعمل القصصي في النهاية ليست وحدة مضمونية منطقية وإنما وحدة فنية تخيّلية.
ـ == التركيز: == هو أساسي في الأقصوصة وهو من مقتضيات ظهور المجال النصّي وضيق مجال الأركان القصصية «إن مادة الأقصوصة مختلفة تماما عن مادة الرواية ،فمادة الأقصوصة موحدة أما مادة الرواية فسلسلة من الحلقات أو الفصول. إن ما يعرض ويصوّر في الأقصوصة يفصل عما سواه (في الحياة) ويعزل عنه. أما الحلقات التي هي مدارالرواية فتلصق وتربط وتكون ممارستها بالتحليل والنشر والتفصيل أما ممارسة مادة الأقصوصة فتكون بالتركيز الدقيق الصارم، إن الأقصوصة نغم أو لحن منفرد ،أما الرواية فهي أشبه بسمفونية قوامها أنغام شتى (بول بورجيه).
ـ == الاسترسال الحاد السريع ==: يرى ايخنباوم أن الرواية تشبه نزهة طويلة هادئة في أماكن مختلفة، أما الأقصوصة فهي كتسلق صخرة أي أن التقدم فيه حاد مركّز لا مجال فيه للارتخاء أوالتباطؤ وهذا يقتضي اجتناب جميع وسائل التفصيل والزينة على نحو يجعل الأفكار مذببة واضحة.
ـ == حدة المنقلب : == انها أساس الطرافة في الأقصوصة فمدار الأقصوصة يمكن أن يكون حدثا عاديا ومألوفا لكن بناء مادتها على نحو مخصوص يساعد على تعميق الاحساس بالنهاية ويفرض بديلا غير منتظر. «إن هدف الأقصوصة أن يوضع حدث (مهم أوتافه) تحت الضوء الكاشف الوهاج وهذا الحدث حتى وإن كان مألوفا يسير الوقوع في الحياة اليومية فانه يغدو في الأقصوصة عجيبا مدهشا وربما صار فذّا فريدا وذلك لأنه يتجه من نقطة ما من الاقصوصة وجهة غير منتظرة وهذا الاتجاه يساعد على نفس هذا الحدث في خيال القارئ وذاكرته ولا سيما إذا كان هذا الحدث مستعارا من الحياة اليومية» (غودان: الأقصوصة الفرنسية). الاتصال بالواقع: هذه السمة أساسية بحكم تزامن ظهور الأقصوصة الحديثة مع ظهور المنحى الواقعي في الفن عموما. يقول( موبسانلعل )أكثر الأشياء بساطة وتواضعا هي التي تؤثر فينا تأثيرا حادا عميقا «لكن (ايخنباوم) يقول «أما الاقصوصة فقائمة على الوحدة والبساطة أساسا مع التنبيه ههنا إلى أن البساطة لا تعني أن الاقصوصة ذات بناء بدائي ضعيف» نظرية الادب فكاتب الأقصوص لايترك مادته الاولية على حالها بل يعالجها معالجة فنية تجعلها جديرة بأغرب التأثيروليس في هذا الزام بالواقع بقدر ما هو توق إلى احداث انطباع لدى المتقبل، انطباعا متصلا أساسا بروح العصر ونبضه وقد نجد أقاصيص موغلة في الخوارق حتى عند (موبسان) وهومن اعلام الواقعية والطبيعة مثل: بل أنّ الرعشة الناشئة عن الخوارق هي سر اعجابه بالكاتب الروسي (تورجنياف) وهو يقول فيه «مع هذا القصاص نجد إحساسا حادا بالخوف الغامض إزاء ما لا يرى أو إزاء المجهول المختفي وراء الجدار أو خلف الباب أو وراء هذه الحياة الظاهرة المرئية، مع هذا القصاص تخترقنا فجأة أنوار مريبة لا تضيء إلا بالقدر الذي يزيدنا رعبا». أهمية الإيحاء: تتضافر هذه الخاصية مع ضمورالحيز النصي وهاجس التركيز وشحن اللغة بما ينبغي لإكساب العمل طاقة فنية صرفاً ومن هنا كثيرا ما لا تنتهي الأقصوصة بانتهاء نصها ففعلها يتواصل في مجال ذات القارئ. يقول ميشال برنود إنّ الأقصوصة ترتحل بك ارتحالا خفيفا , إنها لا تحتاج من الكلمات إلا عدد قليل لكنها بمثابة الطريق المختصرة إلى القلب». إن الأقصوصة هي نبض العصر لما فيها من قدرة على الإختزال وطرق لأهمّ القضايا في حيز نصي ضيق يقوم على نهاية مؤثرة ومقنعة لكن هذه المبادئ قابلة للتقليص والإندماج تحت عدد أقل وربما للاضافة بحكم تطور العصر وتطور الأجناس الأدبية.
******************************************
أهم سمات القصة القصيرة
إن طبيعة الأقصوصة هي التركيز .. تدور حول حادثة أو شخصية أو عاطفة مفردة .. أو مجموعة من العواطف يثيرها موقف مفرد
ولذلك فهي لا تزدحم بالأحداث والشخصيات والمواقف كالرواية والقصة
ولا تجد فيها تفصيلات .. وجزئيات تتصل بالزمان والمكان أو الأحداث والشخصيات
ولا مجال فيها للاستطراد والإطالة في الوصف
ووحدة الحديث أساس فيها ,
ولهذا تكون كل عناصرها خاضعة لتصوير الحدث وحده حتى يبلغ غايته
بل نجد كل كلمة فيه تؤدي دوراً لا غنى فيه كلمة سواها
ولا يستعين كاتبها بالوصف لذاته .. بل للمساهمة في نمو الحدث
ولا بد من وحدة الزمن في القصة القصيرة حتى مع امتداد هذا الزمن .. لأنها تتناول فكرة واحدة أو حدثاً واحد أو شخصية مفردة
وإذا كثرت الشخصيات في القصة القصيرة لا بد أن يجمعها حدث واحد
وإلا انقطع تطور الحدث بتشتت ذهن القارئ بين شخصيات متباينة
وحين يكون الحدث مداراً للقصة القصيرة تكون له بداية ........ يسميها النقاد الموقف
وله وسط ........ ينمو من الموقف ويتطور الى سلسلة من المواقف الصغيرة التي تتشابك بين العوامل التي يتضمنها الموقف الرئيسي
ولكون له نهاية ....... تتجمع فيه العوامل والقوى في نقطة واحدة يكتمل بها الحدث ويسمي النقاد هذه النقطة لحظة التنوير
تعددت أنواع القصة بحسب اختلاف أساليبها ومواقف كاتبها فهناك
= من يعتمد على عنصر الشخصية اعتماداً كبيراً
= الاعتماد على الحدث
= الاعتماد على الجو .... وهو الاطار الذي يشمل الحدث والشخصية
= الاعتماد على أسلوب التحليل .. وهو عرض الدوافع التي تحرك الشخصية .. وذلك ما يسمى بحديث النفس
= الاعتماد على الوصف الخارجي .. وهو الاستعانة بالحوار وترك القارئ يتصور الدوافع النفسية
وهي جميع الأحوال تظل وحدة الانطباع مسيطرة على القصة القصيرة
*************************************************
الفرق بيت القصة والحكاية
القصة القصيرة :
سرد قصصي قصير نسبييا (قد يقل عن عشرة آلاف كلمة) يهدف إلى إحداث تأثير مفرد مهيمن ويمتلك عناصر الدراما. وفي أغلب الأحوال تركز القصة القصيرة على شخصية واحدة في موقف واحد في لحظة واحدة. وحتى إذا لم تتحقق هذه الشروط فلا بد أن تكون الوحدة هي المبدأ الموجه لها. والكثير من القصص القصيرة يتكون من شخصية (أو مجموعة من الشخصيات) تقدم في مواجهة خلفية أو وضع، وتنغمس خلال الفعل الذهني أو الفيزيائي في موقف. وهذا الصراع الدرامي أي اصطدام قوى متضادة ماثل في قلب الكثير من القصص القصيرة الممتازة. فالتوتر من العناصر البنائية للقصة القصيرة كما أن تكامل الانطباع من سمات تلقيها بالإضافة إلى أنها كثيرًا ما تعبر عن صوت منفرد لواحد من جماعة مغمورة. ويذهب بعض الباحثين إلى الزعم بأن القصة القصيرة قد وجدت طوال التاريخ بأشكال مختلفة؛ مثل قصص العهد القديم عن الملك داوود، وسيدنا يوسف وراعوث، وكانت الأحدوثة وقصص القدوة الأخلاقية في زعمهم هي أشكال العصر الوسيط للقصة القصيرة. ولكن الكثير من الباحثين يعتبرون أن المسألة أكبر من أشكال مختلفة للقصة القصيرة، فذلك الجنس الأدبي يفترض تحرر الفرد العادي من ربقة التبعيات القديمة وظهوره كذات فردية مستقلة تعي حرياتها الباطنة في الشعور والتفكير، ولها خصائصها المميزة لفرديتها على العكس من الأنماط النموذجية الجاهزة التي لعبت دور البطولة في السرد القصصي القديم. ويعتبر (إدجار ألن بو )من رواد القصة القصيرة الحديثة في الغرب . وقد ازدهر هذا اللون من الأدب في أرجاء العالم المختلفة، طوال قرن مضى على أيدي ( موباسان وزولا وتورجنيف وتشيخوف وهاردي وستيفنسن )، ومئات من فناني القصة القصيرة. وفي العالم العربي بلغت القصة القصيرة درجة عالية من النضج على أيدي يوسف إدريس في مصر، وزكريا تامر في سوريا ، وسمير البرقاوي في الأردن ،ومحمد المر في دولة الإمارات.
الحكاية:
سرد قصصي يروي تفصيلات حدث واقعي أو متخيل، وهو ينطبق عادة على القصص البسيطة ذات الحبكة المتراخية الترابط، مثل حكايات ألف ليلة وليلة ومن أشهر الحكايات "حكايات كانتربري" لتشوسر. وقد يشير التعبير دون دقة إلى رواية كما هي الحال في حكاية (قصة) مدينتين لديكنز. الحكاية الشعبية : خرافة (أو سميديا: (http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/c/c8/Example.ogg) رد قصصي) تضرب جذورها في أوساط شعب وتعد من مأثوراته التقليدية. وخاصة في التراث الشفاهي. ويغطي المصطلح مدى واسعا من المواد ابتداء من الأساطير السافرة إلى حكايات الجان. وتعد ألف ليلة وليلة مجموعة ذائعة الشهرة من هذه الحكايات الشعبية. اللغة ونوعها ومستواها في العمل القصصي: فاللغة العامية لغة مبتذلة لا تقوى على إقامة معان ذات إيحاءات متعددة مؤثرة، كما هو الحال في اللغة الأدبية الفصحى.
************************************************** ******
عناصر القصة :
الفكرة والمغزى:
وهو الهدف الذي يحاول الكاتب عرضه في القصة، أو هو الدرس والعبرة التي يريدنا منا تعلُّمه ؛ لذلك يفضل قراءة القصة أكثر من مرة واستبعاد الأحكام المسبقة ، والتركيز على العلاقة بين الأشخاص والأحداث والأفكار المطروحة ، وربط كل ذلك بعنوان القصة وأسماء الشخوص وطبقاتهم الاجتماعية …
الحــدث:
وهو مجموعة الأفعال والوقائع مرتبة ترتيبا سببيا ،تدور حول موضوع عام، وتصور الشخصية وتكشف عن صراعها مع الشخصيات الأخرى … وتتحقق وحدة الحدث عندما يجيب الكاتب على أربعة أسئلة هي : كيف وأين ومتى ولماذا وقع الحدث ؟ . ويعرض الكاتب الحدث بوجهة نظر الراوي الذي يقدم لنا معلومات كلية أو جزئية ، فالراوي قد يكون كلي العلم ، أو محدوده ، وقد يكون بصيغة الأنا ( السردي ) . وقد لا يكون في القصة راوٍ ، وإنما يعتمد الحدث حينئذٍ على حوار الشخصيات والزمان والمكان وما ينتج عن ذلك من صراع يطور الحدث ويدفعه إلى الأمام .أو يعتمد على الحديث الداخلي … العقدة أو الحبكة : وهي مجموعة من الحوادث مرتبطة زمنيا ، ومعيار الحبكة الممتازة هو وحدتها ، ولفهم الحبكة يمكن للقارئ أن يسأل نفسه الأسئلة التالية : - - ما الصراع الذي تدور حوله الحبكة ؟ أهو داخلي أم خارجي؟. - ما أهم الحوادث التي تشكل الحبكة ؟ وهل الحوادث مرتبة على نسق تاريخي أم نفسي؟ - ما التغيرات الحاصلة بين بداية الحبكة ونهايتها ؟ وهل هي مقنعة أم مفتعلة؟ - هل الحبكة متماسكة . - هل يمكن شرح الحبكة بالاعتماد على عناصرها من عرض وحدث صاعد وأزمة، وحدث نازل وخاتمة .
القصة والشخوص:
يختار الكاتب شخوصه من الحياة عادة ، ويحرص على عرضها واضحة في الأبعاد التالية :
أولا : البعد الجسمي : ويتمثل في صفات الجسم من طول وقصر وبدانة ونحافة وذكر أو أنثى وعيوبها ، وسنها .
ثانيا: البعد الاجتماعي: ويتمثل في انتماء الشخصية إلى طبقة اجتماعية وفي نوع العمل الذي يقوم به وثقافته ونشاطه وكل ظروفه المؤثرة في حياته ، ودينه وجنسيته وهواياته .
ثالثا :البعد النفسي : ويكون في الاستعداد والسلوك من رغبات وآمال وعزيمة وفكر ، ومزاج الشخصية من انفعال وهدوء وانطواء أو انبساط . القصة والبيئة: تعد البيئة الوسط الطبيعي الذي تجري ضمنه الأحداث وتتحرك فيه الشخوص ضمن بيئة مكانية وزمانية تمارس وجودها
******************************************
مساحة القصة القصيرة
يقول ( فخري قعوار )
نجد أنه لابد للكتابة الأدبية من توفر الموهبة وسعة الإطلاع والإلمام باللغة والتمكن
من إستعمال اللفظة الموحية ، والموهبة لابد لها من التمرين المستمر ، فكم
من المواهب ضاعت في خِضـَّـم الحياة ، وبما أن القصص من فنون الأدب فيجب
أن تتوفر فيها العاطفة الصادقة ، على الكاتب أن يطلع على النتاجات الأدبية
المنوعة وخاصة في مجال القصة القصيرة التي تعتبر جديدة في عالمنا العربي
إذا ما قيست بالعالم الغربي.
وإذا بدأنا بمحاولة لتحديد مساحة القصة القصيرة أو عدد كلماتها، لوجدنا قصصاً يبلغ طولها عشرات الصفحات، ولوجدنا أيضاً قصة قصيرة لا يتجاوز عدد كلماتها خمسين كلمة.
الأولى تعدّ من حيث خصائصها العامة، قصة قصيرة، والثانية تعدّ كذلك، ونحن نستطيع أن نجد نماذج كثيرة جداً من القصة القصيرة ذات الصفحات العديدة في أدب آرنست همنغواي ومكسيم غوركي ويوسف إدريس، كما أننا نستطيع أن نجد نماذج كثيرة جداً للقصة القصيرة جداً عند أنطون تشيخوف ويوسف الشاروني وزكريا تامر. وهذا التفاوت في المساحة موجود في الأدب المحلي، ويستطيع المتتبع أن يلاحظ ذلك بيسر.
هذا عن مساحة القصة، أما عن بنائها الفني، فنحن لا نجد كذلك تعريفاً محدداً، إذ إن الكتب المدرسية، وأحياناً الجامعية، تحاول أن تُدخل في عقول الطلبة، أن القصة يجب أن تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- بداية،
ب- وسط،
ج- نهاية،
انطلاقاً من أن البداية هي للتعريف بالمكان والزمان والشخوص، ثم السير بالحدث تدريجياً نحو وسط القصة، حيث تبلغ الأزمة ذروتها، ثم تتدرج من هناك نحو الحل أو ما يسمونه لحظة التنوير ، التي تمثل الخاتمة أو النهاية.
وحقيقة القصة القصيرة ليست كذلك دائماً، إذ نستطيع أن نكتب قصة تبدأ من حيث يجب أن تنتهي، ثم نعود بسرد الأحداث وروايتها إلى أن نصل إلى الخاتمة التي بدأنا بها. وهذا ما يطلق عليه اسم ( كف وَّفٌئ) ونلاحظه كثيراً في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، كما نستطيع أن نكتب قصة قصيرة تبدأ من الوسط، ثم نرجع بها وبأحداثها إلى البداية، ومن ثم إلى الوسط مرة أخرى، ثم إلى النهاية. وباختصار يمكن القول إن الكاتب قادر على التصرف بشخوص قصته ومكانها وزمانها وحركتها بالوجهة التي يراها ملائمة أكثر لتشويق القارئ، وشده نحو متابعة القصة.
ونجد بعد هذا، أن التسلسل الذي نجده في بعض الكتب المقررة، ليس هو ما نجده عندما نطّلع على قدر كاف من النماذج القصصية لمجموعة من الكتاب المختلفين، أو لكاتب واحد أحياناً.
أما عن الحدث، فليس شرطاً أن يكون عنيفاً أو مفجعاً، كما نراه في قصص الكاتب الفرنسي جي.دي. موباسان، ومن بعده الكاتب المصري المعروف محمود تيمور.
لتيمور قصة قصيرة بعنوان حزن أب يرويها الكاتب على لسان الراوي الذي تابع سير الأحداث، وهي بإيجاز قصة الشيخ عساف الذي فقد إبنه عندما دهسته عجلات القطار، حيث تحول إلى كتلة من اللحم المفروم.
لماذا اختار هذه النهاية الدامية للقصة؟.
ولماذا لجأ إلى هذا العنف المفجع؟.
ثم، ما الذي يريد محمود تيمور أن يقوله لنا من خلال قصته؟.
اختار الكاتب هذه النهاية الدامية، كي يقول لنا إن حزن الشيخ عساف كان شديداً، وإن تعلقه بابنه كان مثالياً. وعليه، فهو يريد أن يقدس هذه القيمة الاجتماعية. وقد لجأ الكاتب إلى العنف الشديد ليجعل أحداث القصة ترسخ في أذهاننا مدة طويلة، وهي ترسخ في الذهن فعلاً نظراً لشدة كثافة العنف فيها. أما ما الذي يريد أن يقوله لنا محمود تيمور، فهو في تقديري، لا يتجاوز أن يكون دعوة للارتباط الحميم بين الابن وأبيه وبالعكس. ولكني أرى أن قصة كهذه، خرجت عن المغزى الذي يريده الكاتب، وتحولت إلى دعوة لكل الآباء الذين فقدوا أبناءهم، كي يموتوا بالطريقة نفسها. فالأب الذي مات ابنه دهساً، عليه أن يقتل نفسه تحت العجلات، والأب الذي مات ابنه يشرب الفليدول ، عليه أن يهبّ فوراً لشراء كمية مناسبة من هذه المادة السامة وشربها. .. وهكذا.
******************************
الرواية
الرواية نوع من انواع سرد القصص، تحتوي على العديد من الشخصيات لكل منها اختلاجاتها وتداخلاتها وانفعالاتها الخاصة، وتعتبر الروايات من أجمل انواع الأدب النثري. تمثل النوع الأحدث بين أنواع القصة (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%B5%D8%A9_(%D8%A3%D8%AF%D8%A8))، والأكثر تطوراً وتغييراً في الشكل والمضمون بحكم حداثته ووما لهُ صِلة بالرواية أو ما شبيه بها كفن السيرة وفن المقامةوإنْ كانا يعدان أساساً واحداً من الأسس التي قامت عليها الرواية العربية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9) اليوم ذلك إنَّ ما احتواه هذا الفن من قواعد فنية يرجع إلى عهد قريب حين تعرف العرب هذا النوع الأدبي وأصوله كما ظهر مع بدء القرن الماضي إذ ترجم الكثير من القصص والروايات العالمية من الشرق والغرب.
تتناول الرواية مشكلات الحياة ومواقف الإنسان منها في ظل التطور الحضاري السريع الذي شهده المجتمع الإنساني خلال هذا القرن.
لقد شهد أوائل القرن العشرين محاولات بسيطة في كتابة الرواية العربية عالجت موضوعات تاريخية واجتماعية وعاطفية، بأسلوب تقريري مباشر. توخّت تسلية القارئ وتعليمه ثم تبعت ذلك محاولات فنية جادة في كتابة الرواية. منها:
رواية (زينب (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8)) سنة 1914 للدكتور محمد حسين هيكل (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86_ %D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84)
رواية (دعاء الكروان (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1% D9%88%D8%A7%D9%86)) للدكتور طه حسين (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D9%87_%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86)
رواية (سارة (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A9)) لعباس محمود العقاد (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3_%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88% D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%AF)
رواية (إبراهيم الكاتب (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8&action=edit&redlink=1)) تأليف إبراهيم عبد القادر المازني (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85_%D8%B9% D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%B1_% D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B2%D9%86%D9%8A)، وغيرها في العراق وسوريا ولبنان.
وتعد رواية (جلال خالد (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%84_%D8%AE%D8 %A7%D9%84%D8%AF&action=edit&redlink=1)) للقاص العراقي محمود أحمد السيد (http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D8 %A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8% AF&action=edit&redlink=1) التي اصدرها عام 1928 (http://ar.wikipedia.org/wiki/1928)م من أولى المحاولات الناجحة في كتابة الرواية الفنية في العراق.وظلت وتائر تطور الرواية في الوطن العربي مستمرة لتصل في النصف الثاني من القرن العشرين إلى المستوى الذي جعل بعضها يقف مع أفضل الأعمال الروائية العالمية، وبرز في كتابتها أكثر من واحد من الروائيين العرب الذين طبقت شهرتهم أنحاء كثيرة من العالم وترجمت أعمالهم إلى لغات عديدة منهم: توفيق الحكيم (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%AD% D9%83%D9%8A%D9%85)ونجيب محفوظ (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8_%D9%85%D8%AD%D9%81%D9%88% D8%B8)ويوسف أدريس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81_%D8%A3%D8%AF%D8%B1%D9%8A% D8%B3).
أرجو أن تعم الفائدة للجميع
خالص احترامي للجميع
منقول للفائدة
آمال المصري
04-03-2009, 11:51 PM
عناصر تأليف*النص المسرحى*
*******
********يتكون النص المسرحى من مجموعة من العناصر التى تتضافر معاً منتجة النص المسرحى إذ أن كل عنصر من تلك العناصر يساهم بقدر معين فى تشكيل النص المسرحى،*وعند التعرض إلى النص المسرحى بالدراسة لا يمكن الاعتماد على عنصر من تلك العناصر دون الأخر ولكن ما نقوم به من* تقسيم*النص المسرحى إلى عناصر بهدف تسهيل عملية دراسة مكونات النص المسرحى ولكن*عند التعامل معه*لابد أن يُنظر له*كعمل فنى*متكامل.*
*
*******وقبل أن نبدأ حديثنا عن النص المسرحى وعناصره علينا أولاً أن نتعرض إلى التأليف المسرحى وأهمية دوره فى إنتاج العمل المسرحى المتكامل ومنه نتعرف على المؤلف المسرحى وسماته ثم نصل بعد ذلك إلى العناصر التى*يعتمد عليها النص المسرحى فى تكوينه.
*
*التأليف المسرحى وسمات المؤلف المسرحى*
*
********" عند النظر إلى التأليف المسرحى كعنصر من عناصر العرض المسرحى نجد أن ذلك العنصر فى حقيقة الأمر مركب إذ يتكون من عناصر أخرى تلك العناصر تتراكب مع بعضها من أجل إنتاج عنصر التأليف المسرحى المتًمثل فى إنتاج النص المسرحى وخروجه إلى حيز الوجود. كما أن ذلك العنصر يتصل فى بادئ الأمر بكاتبه الذى يجب أن يكون له صفات خاصة حتى يطلق عليه مؤلف مسرحى وليس مؤلف فى المطلق. فعند الحديث عن المؤلف المسرحى ودوره فى صياغة العملية الفنية المتمثلة فى العرض المسرحى نجد أنه لابد أن يتوافر فيه مجموعة من السمات حتى يكون لديه القدرة على كتابة نص مسرحى إذ أنه فى البداية لابد وأن يكون مُلم بحرفيات الكتابة المسرحية وإلى جانب ذلك قدرته على التعبير عن المضمون الذى يريد توصيله من خلال نصه المسرحى كما أنه لابد أن يوازن بين الشكل والمضمون للنص دون أن يطغى أحدهما على الأخر لكى يخرجا فى كلٍ متناغم.
*
********ولكى يتمكن المؤلف المسرحى *من أدواته عليه قراءة واستيعاب أكبر قدر ممكن من النصوص السابقة على مر العصور بل وأن يعيش العديد من التجارب المسرحية حتى يتشبع بحياة المسرح وروحه وهذا يؤدى إلى إثقال خبراته الفنية وتكوين شخصيته التى لابد وأن يثقلها بالدراسات الأكاديمية فى مجال المسرح إلى جانب الموهبة الموجودة *لديه وبهذا يكون قادراً على التعبير عن أفكاره بشكل مكتوب يتوافر فيه شروط النص المسرحى الجيد.
*
********و من خلال* اكتسابه *الخبرات السابقة*ستؤدى إلى اتساع مداركه وظهور العديد من*الأفكار التى يحاول التعبير عنها وبهذا يستطيع التعبير عن رؤيته للقضية التى يتناولها سواء سياسية أو اقتصادية أو فكرية أو اجتماعية أو إنسانية من خلال توظيفه لعناصر العمل الفنى التى تحدد غاية العمل المسرحى* وإلى جانب ذلك عليه أن يكون قادراً على تحديد نوعية التأثير المراد*بثه فى الجمهور فالنص المسرحى عادة ما يكون اللبنة الأولى أو المؤشر الاولى الذى يحدد نوعية العرض المسرحى وشكله الذى سيتابعه الجمهور المستهدف من عمله لكى يستطيع تحقيق الهدف المرجو من العرض المسرحى .
*
********والوصول إلى الهدف يكون له وسائل مختلفة *لبلوغه بالشكل النهائى للعرض ،لكن يظل الهدف ثابت لا يتغير والذى يجب أن يكون المؤلف على درجة كاملة من الوعى به.وتنبع أهمية عنصر التأليف المسرحى من خلال* أنه لا *يمكن أن تبدأ عناصر العرض المسرحى عملها قبل عنصر التأليف فالانتهاء من كتابة النص بمثابة إشارة البدء لعناصر العرض الأخرى من*إخراج وتمثيل وديكور وإضاءة.. وغيرها من العناصر التى تٌبنى على ما يوجد فى النص المسرحى من معانى وأهداف مراد تحقيقها.
*
********لذا فعنصر التأليف المسرحى هو أكثر العناصر استقراراً وثباتاً ذلك لأن أساليب الإخراج والتمثيل والتصميم تختلف باختلاف العصور والبلاد بل وتوجهات القائمين عليها. وتتأثر أساليب التأليف المسرحى وأنواعه طبقا لهدف الكاتب ومفهومه لمضمون ومعالجة مادته. إلى جانب ذلك هناك حتميات درامية لا يمكن تجاهلها فى توصيل الخطاب الذى تحمله المسرحية لكى تثير الإنتباه وتسيطر على مشاعر المشاهد كما تخاطب عقله. وإذا كانت وحدة الهدف مطلوبة فى كل نص مسرحى فإنها ليست الهدف الوحيد لأنها لابد أن تتبلور من خلال الأدوات الفنية والأساليب الدرامية والتى بدونها لا يصبح هناك نص مسرحى على الإطلاق.
*
********كما يجب**أن يمتلك الكاتب مضمون نصه فالمضمون يتشكل طبقاً لأسلوب معالجته الدرامية إذ يختار نوع المضمون كوميدى أم تراجيدى أم مزج بينهما لأن الحدود بين هذه الأنواع الدرامية ليست فاصلة. كما يجب أن يتسق الشكل مع المضمون فهناك الكاتب الذى يخضع مضمونه الفكرى لحتميات الإتساق الدرامى والشكل الفنى فى حين أخر يلح عليه المضمون إلحاحاً قد يجعل مسرحيته مجرد أداة عابرة لتوصيل مضمونه فالمضمون يتشكل طبقا للمعالجة الدرامية التى تصهره فى بوتقتها وتقدمه للجمهور فى قالب متماسك جيد كأنه يراه لأول مرة وبالتالى فليس هناك مضمون أو فكر أو موضوع مطلق أو مجرد أو مستقل بذاته ذلك*لأنه *يستحيل الفصل بين المضمون الفكرى والشكل الفنى فى العمل المسرحى الناضج فالتوازن والتفاعل الدرامى بين الفكر والفن ضرورة منطقية وجمالية مُلحة . ولكى يستطيع المؤلف تحقيق ذلك عليه*أن يكون ذو ثقافة عالية وقدرة على رصد القضايا والمشكلات بل وتحليلها واختيار الزاوية التى يتناولها منها لكى تعبر عن رؤيته للقضية من خلال أعماله الفنية.
*
********ففى التأليف المسرحى واختيار موضوعاته معايير عامة ثابتة تتصل بتمكن المؤلف من أدوات الحرفة الكتابية وخبراته ودراساته ; ولكن هناك معيار متغير قائم على كيفية توظيف الثوابت السابقة فى التعبير عن الفكرة التى يريد إثارتها لأن الفنان لا يوجد فى المطلق ولكن هناك مؤثرات ثقافية وبيئية وأيديولوجية إلى جانب روح العصر الذى يعيش فيه. إذ تؤثر كل تلك العوامل فى كيفية تمثيل عناصر التكثيف والبلورة وتدفق السياق فى عفوية وحيوية تساعد كل القائمين على العرض المسرحى فى الإنطلاق والإبداع بقدر طاقاتهم. *
*
*
********كما أنه هناك فرق بين الحياة الواقعية والأحداث المقدمة على خشبة المسرح فعلى المؤلف أن يعى ذلك الاختلاف ويكون قادر على تناوله من خلال وعيه لنوعية الزمن المسرحى الذى يختلف عن الزمن الواقعى إذ أنه يجب أن يكون مُلم بأبعاد الزمن ومستوياته المسرحية وكذلك قادراً على بلورة وتكثيف أحداثه حتى تأتى مسرحيته بالشُحنة الفنية والفكرية المنشودة فى حدود زمن معين لا يقيدها; بل تنطلق فيه بكل أبعادها ودلالاتها إلى عقل المشاهد ووجدانه ولا يتأتى الإحساس بالوحدة العضوية إلا من خلال توليد الأحداث من بعضها البعض والتى يُصبح سلوك الشخصيات فيها منطقياً وحتمياً . كما يٌحتم على الكاتب المسرحى أيضاً أن يكون واعياً ومتمكناً من كل الأساليب والحيل الدرامية التى تمنحه القدرة فى السيطرة على مشاعر المشاهد وأفكاره بقدر الإمكان فلابد أن يكون قادراً على شحن اللغة المستخدمة بالحيوية وطاقات تعبيرية لا تتأتى لها فى الحياة اليومية *رغم أنها نفس اللغة ".(1)
*
*****وبعد تلك الإطلالة على أهمية عنصر التأليف المسرحى وسمات*مؤلفه التى*تؤثر*فى بناء النص المسرحى* نقوم الآن بتناول العناصر التى يتكون منها النص المسرحى. إذ تٌقسم عناصر النص المسرحى إلى:
*
*أ*-***الفكرة الرئيسية (الثيمة).
ب*-* الشخصية.
ت*-* الحبكة.
*ث*-* الحوار.
ج- الصراع.
ح- الإيقاع.
*
************************* وفيما يلي نورد*شرح لكل عنصر............
*
*
أ- الثيمة أو الفكرة الرئيسية :
********
********* " من المستحسن تعريب الكلمة الأجنبية والإحتفاظ بكلمة "فكرة" لكلمة**Thought idea كما أن كثيراً من المثقفين في البلدان العربية يتداولون اللفظة علي صورتها الدخيلة. الثيمة هي " الفكرة الرئيسية التي تتغلغل في هيكل العمل الفني كالدم إنها موضوعه .والثيمة الدرامية هي المفهوم المجرد الذي يحاول المؤلف تجسيده من*خلال تمثيله في شخصيات لها أقوال وأحداث ".(2)
************
*************فالثيمة هنا تعنى الفكرة أو القضية أو المشكلة*التى يقوم المؤلف بطرحها من خلال النص المسرحى الذى يقدمه ويقوم عليها العمل بأكمله فالفكرة هى اللبنة الأولى والأساسية فى بناء أى نص درامى عامة . لذا فاختيار الفكرة من أهم*وأول عناصر كتابة النص المسرحى وذلك لأنه لو لم يكن هناك قضية ما تشغل المؤلف يحاول طرحها من خلال النص المسرحى لما كان هناك نص مسرحى فالفكرة محور*إرتكاز أى نص مسرحى. ولا بد أن تكون تلك الفكرة واضحة ومحددة الأبعاد لدى المؤلف لكى يستطيع التعبير عنها من خلال الشخوص المسرحية التى يٌحملها الرسالة التى يود توجيهها إلى الجمهور بشكل غير مباشر*من خلال قالب درامى يعتمد على بناء فنى محدد.*وأياً كان نوع الفكرة لابد وأن يكون مؤلف النص مُلم بجميع جوانبها وأبعادها وتفريعاتها كى يستطيع الجمهور إستيعاب ما يٌحمله المؤلف للنص المسرحى من*خطاب موجه للجمهور يعبر عن رؤيته تجاه الموضوع أو الفكرة المُثارة فى النص المسرحى.*
*
ب - الشخصية :
**أولا: التعريف اللغوى للشخصية وتاريخ المصطلح:
*
******** " إن لفظة (Persona) والتي تعني في ترجمتها اللاتينية القديمة "القناع " والتي اشتقت منها الألفاظ التي تدل علي الشخصية في اللغات الأوروبية كالأسبانية* **(Personaje) وفي الفرنسية Personalite)) والتي تعني في الإنجليزية**** *(Personality) منذ استخدامها الأول في المسرح وهي تفتقر إلي المعني المحدد بين مصطلحات المسرح فهى تعنى*: الشخصية الدرامية، الممثل، الدور .
*
********واستخدمت هذه اللفظة قديماً بمعني القناع عند الممثلين اليونانين والرومانين حينما استخدموه في عروضهم المسرحية لتحديد طبيعة الدور الذي يقومون به، كوميدي، تراجيدي، ساتيرى، إضافة إلي المكانة الإجتماعية وبيان حالات الشخصية العاطفية والعقلية المختلفة ".(3)
*******
ثانيا: التعريف الاصطلاحى للشخصية:
*
********" يٌعرف د. إبراهيم حمادة فى كتابه معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية الشخصية(character/ dramatis personae) بأنها"* الواحد من الذين يؤدون*الأحداث الدرامية فى المسرحية المكتوبة أو على المسرح فى صورة ممثلين . وكما قد تكون هناك شخصية معنوية تتحرك*مع الأحداث ولا تظهر فوق خشبة التمثيل فقد يكون هناك أيضاً رمز مجسد يلعب دوراً فى المسرحية كمنزل أو بستان أو بلدة أو نحو ذلك. فالشخصية إذن هى مصدر الحبكة التى يمكن أن تتطور من خلال الأفعال والأقوال التى تصدرها الشخصية ".(4)**
*
********نصل مما سبق إلى أن الشخصية (الشخصيات) تٌعد بمثابة الوسيط الذى يٌحمل بالمضمون الفكرى الذى يعبر عن رؤية المؤلف فى القضية التى يتناولها من خلال النص المسرحى الذى يكتبه ، إذ أنه من خلال تصوره ورسمه للشخصيات يقوم بتحميلها بالخطاب العام للنص المسرحى من خلال كيفية طرح شكل الشخصية وطبيعتها ودورها فى شبكة العلاقات بينها وبين الشخصيات الأخرى فى النص ودورها فى تحريك الحدث وتطوره*وتبعاً لنوع الشخصية محورية أم ثانوية ..الخ. إذ يعبر المؤلف بشكل غير مباشر عن فكرته وخطابه الذى ينسجه داخل الحدث الدرامى للمسرحية من خلال الحوارات التى تدور بين الشخصيات على خشبة المسرح والمكتوبة على الورق فى النص المسرحى. وهنا نجد أن الشخصية المسرحية يوجد لها العديد من الأنواع.
*
"*ثالثا:*أنواع الشخصيات تبعا لمجالات تحركها :
*
-****شخصية رئيسية
-*** شخصية ثانوية
-****شخصية نمطية* ".(5)
*
رابعا:أبعاد الشخصية
*
" تتكون الشخصية الدرامية من ثلاث أبعاد هى:
1- بعد فسيولوجي (مادى أو عضوى).
2- بعد سوسيولوجى(اجتماعى).
3- بعد سيكولوجى(نفسى).
*
1- البعد الفسيولوجى(المادى أو العضوى)
*
********يتصل بتركيب جسم الشخصية ذكر أو أنثي ، العمر، الطول، لون الجلد والشعر والعينين وما إلي ذلك من عناصر تكوين هذا البعد المادي للشخصية.فهذا البعد يعطي لنظرة الشخصية في الحياة لوناً معيناً عن غيرها من الشخصيات ويؤثر فيها تأثيراً مباشراً ... فالإنسان ذو الذراع الواحد لابد أن تكون نظرته للحياة مختلفة تماماً عن نظرة الإنسان السليم البنية وكل عنصر من هذه العناصر يضع فروقاً بين شخصية وأخري ويحدد ملامح شخصية عن أخري ويعتبر هذا البعد أوضح الأبعاد الثلاثة في الشخصية لأنه يشكل التكوين الرئيسي لها.
*
******2- البعد السوسيولوجى(الاجتماعى)
*
*********هو تحديد نوعية التعليم، الديانة، العمل, الطبقة، الجنسية..الخ. ولابد أن يعتني به المؤلف جيداً حتي يضع يده علي جزء هام من مكونات الشخصية فتحديد نوعية التعليم الذي يتلقاه الفرد وديانته والطبقة التي ينتمي إليها سواء راقية أو متوسطة أو كادحة ونوعية العمل الذي يقوم به ومكانته في المجتمع .... كل*تلك المستويات تٌعد*فروقاً جوهرية بين شخص وأخر .
*
3-*البعد السيكولوجي*( النفسي)
*
********هو ثمرة البعدين السابقين فهو الذي يكون مزاج وميول الشخصية ومركبات النقص فيها ولذلك هو الذي يتمم الكيان الجسماني والاجتماعي ويحدد المعايير الأخلاقية والحياة الجنسية للشخصية وأهدافها في الحياة وقدرتها على الإبتكار والخلق والتجديد.
*
********ولابد من تضافر هذه العناصر معاً لتكوين الهيكل للشخصية حتى تظهر كوحدة واحدة مجسدة فى العمل الدرامى. كما أن الشخصية المسرحية لابد أن تتغير باستمرار لأنه من المحال أن تظل كما رسمها الكاتب من البداية حتى النهاية. وأى مسرحية جيدة تتطور شخصياتها تطور دائما واضح (مثل مسرحيات هاملت، بيت الدمية) فكل شخصية يصورها المؤلف لابد أن تشتمل فى داخلها على بذور تطوراتها
*المستقبلية ".(6)
*
*********" ولقد عرف "أرسطو" الشخصية* في كتابه "*فن الشعر" بأنها الجزء الثاني التالي لعنصر الحبكة ضمن الأجزاء الستة المكونة للتراجيديا وهذه الأجزاء هي الحبكة والشخصية واللغة والفكر والمرئيات المسرحية والغناء ، حيث يري "أرسطو"* أن الحبكة والشخصية وجهان لعملة واحدة فلا حبكة بلا شخصية ولا شخصية بلا حبكة. وكذلك يربط "أرسطو" بين اللغة بصفتها الجزء الثالث المكون للتراجيديا والشخصية فاللغة هي العنصر الذي يعبر عن أفكار الشخصيات من خلال الكلمات.أما الفكر بصفته الجزء الرابع المكون للتراجيديا فيربطه "أرسطو"*أيضاً بالشخصية ويعني به القدرة علي قول ما يمكن قوله أو القول المناسب في الظرف المناسب المتاح.
**** ويضع "أرسطو" مواصفات* للشخصية :
1-*** الصلاحية الدرامية : لابد أن تكون الشخصية صالحة للقيام بوظيفتها الدرامية بحيث تتسق طبيعتها وفكرها وسلوكها مع مجري الأحداث.
2-*** الموائمة أو الأتساق النمطي: فيقصد به*"أرسطو" أن تصدر عن الشخصية الكلمات والحركات والإيماءات التي تتمشي مع طبيعة الشخصية وكيانها وتربيتها وفكرها ... فالشخصية لا تنطق إلا بما تعرفه ولا تتحرك إلا من خلال الدوافع الذاتية المرتبطة بآمالها وآلامها وطموحاتها وإحباطاتها.
3-*** الصدق الواقعي : يقصد به*"أرسطو" ألا تشذ الشخصية عن أنماط الحياة الطبيعية بحيث تتشابه معها وتنبع منها حتي تمتلك خاصية الصدق الواقعي وبالتالي القدرة علي الإقناع بوجودها الطبيعي غير المفتعل.
4-*** ثبات الكيان:* فيقصد به*"أرسطو" الشخصية التراجيدية علي وجه التحديد فهي تملك من الثبات ما يجعلها صامدة في وجه التغييرات المفاجئة التي لابد أن تتعرض لها " .(7)
*
ت - الحبكة
************تٌعد الحبكة " بمثابة الجزء الرئيسي في المسرحية وقد وصفها "أرسطو"*بأنها نواة التراجيديا والتي تتنزل منها منزلة الروح".(8)
******** " ويمكن تعريف الحبكة بأنها :
1-* هي التي تقدم الإطار الرئيسي للفعل وهي خط تطور القصة وهي خطة الفعل التي يمكن عن طريقها للشخصيات وغير ذلك من العناصر المكونة للدراما أن تكشف عن نفسها.
2-* هي تتابع الأحداث الحدث يلي الحدث بحتمية درامية بحيث تخلق في وجدان المشاهد شعوراً بأن الأحداث تتبع في طبيعتها ما سبقها من أحداث وتؤدي إلي ما يليها من أحداث أيضا علي أساس من التسلسل المنطقي ويجب أن تكون الأحداث ملتزمة بضرورة وجودها في المسرحية بحيث إذا تم حذف حادثة معينة أو تغير مكانها تصاب المسرحية بخلل*في بنائها "(9)
*
********فالحبكة فى أبسط تعريفاتها " المقصود بالحبكة mythos هو التنظيم العام للمسرحية ككائن متوحد. أنها عملية هندسة وبناء الأجزاء المسرحية وربطها ببعضها بهدف الوصول إلى تحقيق تأثيرات فنية وانفعالية معينة. وعلى هذا فكل مسرحية حتى ولو كانت عبثية لا تخلو من الحبكة أى من الاشتمال المرتب على شخصيات وأحداث ولغة وحركة موضوعة فى شكل معين ومن ثم فإن الحبكة لا يمكن فصلها عن جسم المسرحية إلا نظرياً فقط لأنها هى روح العملية الدرامية".(10)
*
**********" وتتكون الحبكة*من بداية (مقدمة) ووسط ونهاية هذا من ناحية البناء الأرسطي التقليدي. كما أن هناك العديد من الحبكات منها:
1-*** الحبكة البسيطة ( وهي التي تتكون من حدث درامي واحد من بداية العمل إلي نهايته)
2-*** الحبكة المعقدة ( وهي الحبكة المكونة من*احداث*فرعية تعمل علي تغذية الحبكة الرئيسية)
3-*** الحبكة المحكمة ( تعتمد علي التتابع الحتمي للأحداث وهو ليس تتابع آلي لكنه ممزوج بالمنظورالفكري للمؤلف).
4- الحبكة المفككة .
*
******* وتتكون الحبكة من :
1-*** التقديمة الدرامية
2-*** نقطة الإنطلاق
3-*** الحدث الصاعد
4-*** الاكتشافات
5-*** التنبؤ
6-*** التعقيد
7-*** التشويق
8-*** الأزمة
9-*** الذروة
10-** الحدث الهابط
11-** الحل
*
******* ومن خلال السطور القادمة سيورد*شرح لكل جزء من الأجزاء المكونة للحبكة:
*
1-* التقديمة الدرامية : ذلك الجزء الذي يقع في بداية المسرحية في صيغة حدث أو محادثة درامية. وفي هذا المشهد الدرامي يقدم المؤلف معلومات عن مكان الفعل وزمانه وعلاقة الشخصيات ببعضها وفكرة عن الموضوع المُعالج والخلفية الاجتماعية وبعض الإشارات إلي الأحداث السابقة ويجب أن تكون التقديمة جزءُ لا يتجزء من النص المسرحي ككل ". (11)
*
********" 2-* نقطة الإنطلاق : هي البداية الحقيقية في المسرحية بعد المقدمة الدرامية ويعرفها "أرسطو" بأنها اللحظة التي تفجر فيها القوة المحركة الحدث كي ينطلق ويتصاعد نحو التأزم " .(12)
*
********"* 3-* الحدث الصاعد : هو ذلك الجزء من البناء الدرامي الذي يبدأ بعد التقديمة ويحركه العامل المثير إلي أعلي كي يصدمه بقوي التصارع وعادة ما يفضي الحدث إلي ذروة التأزم " .(13)
*
********" 4-* الاكتشافات : هي اكتشاف أشياء لم تكن معروفة من قبل مثل اكتشاف أخ أن شقيقه يحب صديقته أو اكتشاف معلومات جديدة تساعد علي تطوير الأحداث ورسم الشخصيات ".(14)
*
********" 5-* التنبؤ والتلميح : هو تقديم كلمة أو إشارة أو فعل يهئ الذهن لما يمكن أن يقع في المستقبل، فهو التمهيد المنطقي للأحداث .
*
6-* التعقيد : هو ما يعرقل السير الطبيعي للأحداث، كأصطدام البطل بشئ معارض يدفعه إلي التصارع معه وعلي هذا فإن التعقيد هو نتاج العامل الذي يتدخل في سير الحدث لتغيير مجراه والتعقيد يثير في نفس المشاهد التشويق والترقب وحب الاستطلاع* ".(15)**
*
********"* 7-* التشويق : هو إثارة نزعتي الخوف والأمل في نفس المشاهد ; الخوف علي مصير الشخصية، والأمل في نجاتها ويتم عن طريق إثارة اهتمام المشاهد عن طريق تحريك شئ من القلق الممزوج بالمتعة هذا الاهتمام يخلق ترقباً لنتيجة ما لفترة زمنية محددة حتي إذا فُجرت الذروة المسببة لذلك التوقع حدث إشباع الاهتمام.
*
8-* الأزمة : هي لحظة التوتر التي تسببها القوي المتعارضة ، وتؤدي إلي ترقب في تحول الحدث الدرامي.*والمسرحية قد تتألف من عدة أزمات ".(16)
*
********" 9-* الذروة : فهي الوصول بالأفكار والأحداث والكلمات والأزمات من خلال شكل درامي مركب متطور إلي النقطة الحاسمة المعقدة المشحونة في المسرحية والتي تحتاج إلي تفجير ".(17)*
*
********"*10- الحدث الهابط : هو الحدث الذي يلي الذروة ويعتبر من ناحية التقسيم النقدي الكلاسي نصف المسرحية الثاني تقريبا وفي هذا النصف يتأكد سوء حظ البطل في حالة ما إذا كانت المسرحية مأسوية أو نجاح مساعي البطل في المسرحية الملهوية* " .(18)**
*
********"**11-الحل: هو هبوط الفعل بعد وصوله إلي ذروة التأزم إنه محصلة الأحداث المسرحية المتوترة وعلي هذا فهو وقوع الفجيعة في المأساة وحدوث النهاية السعيدة أي هي المنظر الأخير الذي تفشي فيه الأشياء التي ظلت مجهولة وتحل القضايا التي كانت
معقدة ".(19)*
*
ث- الحوار:
*
*
********* "*الكلام الذي يتم بين شخصيتين أو أكثر وقد تستخدم صيغة الحوار لعرض آراء فلسفية أو تعليمية أو نحوها كما هو الشأن بالنسبة لمحاورات أفلاطون أو مقالة دريدان في الشعر الدرامي.
أما في المجال المسرحي فالحوار يتميز بقيم خاصة منها :
1-*** يدفع إلي تطوير الحدث الدرامي .. ومن ثم تنتفي وظيفته كعامل زخرفي خالص.
2-*** يعبر عما يميز الشخصية من الناحية الجسمية والنفسية والاجتماعية والبيولوجية .
3-*** يولد في المشاهد الإحساس بأنه مشابه للواقع مع أنه ليس نسخة فوتوغرافية للواقع المعاش.
4-*** يوحي بأنه نتيجة أخذ ورد بين الشخصيتين المتحاورتين وليس مجرد ملاحظات لغوية تنطق بالتبادل.
********ولقد ظهرت أتجاهات حديثة في استخدام الحوار المسرحي كمجالات كلامية، ارتباطها بالقصة المسرحية ضعيف; لأن هدفها الأساسي هو التعبير عن قيم فكرية دعاوية معينة كما هو الحال عند برنارد شو مثلا. وقد يقع الحوار المسرحي شعراً كله أو نثراً، عامياً أو فصيحاًً وقد يقع مزيجاً من تلك الأنواع ومن المعروف أن الدرامات الإليزابيثية أنطقت شخصياتها النبيلة طبقياً بالشعر الحر أو النثر المشعور.أما الشخصيات الوضيعة أو العامية أو الملهوية فقد أنطقتها بالنثر العادي وفي تاريخ الدراما العربية نجد بعض الأمثلة علي ذلك ".(20)
*
*************" كما يعتبر الحوار أوضح جزء فى العمل الدرامى وأقرب إلى أفئدة الجماهير وأسماعهم ويُعبر به الكاتب عن الأحداث المقبلة والجارية فى المسرحية وعن الشخصيات ومراحل تطورها. والحوار الجيد هو الذى تدل كل كلمة فيه على معنى يكشف عن حقيقة معينة ويعبر عن تلك الحقيقة تعبيراً دقيقاً لا مبالغة فيه أو إفتعال،لأنه الوسيط الذى يحمل العمل الدرامى إلى أسماع المتلقين. فالحوار أداة التخاطب والسمة التى تشيع الحياة والجاذبية فى المسرحية وهى خاصية تميز المسرحية عن سائر الصور الأدبية.
*
************كما أن الحوار الدرامى يخضع لطبيعة الجماهير وطبيعة العمل الفنى فهو حوار ليس من أجل الشخصيات والأحداث فحسب ،وإنما من أجل المشاهد. فالمشاهد هو الطرف الثالث فى الحوار كما أنه جزء أساسي فى الحوار الدرامى.*وهناك فرق بين الحوار الدرامى والمحادثة اليومية فالمحادثة هى الكلام فى الحياة ولا يوجد بها طرف ثالث. لهذا لا ينبغى أن يكون الحوار الدرامى صورة طبق الأصل من الأحاديث اليومية لأن نقل العمل الخاص فى الحياة إلى العمل الدرامى لا يعطى أي متعة للمتلقى، كما أن الحديث اليومى يفتقر إلى الهدف الكلى أو الأثر الكلى " .* (21)
*******
وظيفة الحوار
*
********"*كما يقول روجرم .بسفيلد (الابن) في كتابه فن الكاتب المسرحي للمسرح والإذاعة والتليفزيون والسينما:
1-*** السير بعقدة المسرحية أي تقدمها أو تدرجها وتسلسلها.
2-*** الكشف عن الشخصيات.
3-*** مساعدة التمثيلية من الناحية الفنية أثناء إخراجها ". (22)
*
********"*ويستخلص عادل النادي في كتابه (مدخل إلي فن كتابة الدراما)* أربعة وظائف للحوار هي :
1-*** التعريف بالشخصيات.
2-*** التعبير عن الأفكار.
3-*** تطوير الأحداث
4-*** مساعدة الحوار علي إخراج المسرحية ". (23)
*
*ج- الصراع:
*
*******" يمثل العمود الفقرى للبناء الدرامى وهو ليس تناطح أفكار بل الصراع الدرامى يكون بين إرادات إنسانية تحاول فيه إرادة أن تكسر الإرادة الأخرى ، فالصراع يكون بين أرادتين متكافئتين، أو تصادم بين قوتين متكافئتين، أو تعارض أهداف ومصالح بين طرفين والهدف من هذه الصراعات البقاء " .(24)
*
ح -الإيقاع:
*
"هو كيفية سير العمل الفنى فى سياق متناغم متسلسل بشكل منطقى يعطى طابع عام للإيقاع داخل العمل".(25)
*
*
*
المصادر:
*
*1-* نبيل راغب (د): فن العرض المسرحى، القاهرة، الشركة المصرية العالمية*للنشر- لونجمان،ط1، 1996، صـ78:11*. بتصرف.*
*
2-ابراهيم حمادة (د) : معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية ، القاهرة،*دار المعارف ، 1985 ،صـ 88 .
*
3- رضا غالب (د): المثلث البنائي لفن التمثيل ، القاهرة،*2001، صـ 6 .
*
4- ابراهيم حمادة (د):* مرجع سابق،صـ155 .
*
5- المرجع السابق ، صـ 156 .
*
6-*عادل النادي : مدخل إلي فن كتابة الدراما ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، صـ 42-43 .
*
7- نبيل راغب (د): موسوعة الإبداع الأدبي ،القاهرة،الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان، 1996،صـ 222 – 225 . بتصرف.
*
8- أرسطو: فن الشعر، ت: ابراهيم حمادة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية،1983 ,*صـ 54
*
9- عادل النادي :* مرجع سابق، صـ 56 .
*
10- إبراهيم حمادة(د):مرجع سابق ،صـ 93 .*
*
11-عادل النادي :مرجع سابق،صـ 58:56 . بتصرف.
*
12- المرجع السابق، صـ 81 .
*
13-* المرجع السابق، صـ99 .
*
14-* المرجع السابق، صـ59 .
*
15-* ابراهيم حمادة (د): طبيعة الدراما ،القاهرة، سلسلة كتابك رقم 26، دار المعارف، 1978 ،صـ 22:20 .بتصرف.
*
16- ابراهيم حمادة (د): معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، مرجع سابق،* * صـ46.
*
17-* ابراهيم حمادة (د): طبيعة الدراما، مرجع سابق، صـ 22:21.
*
18- ابراهيم حمادة (د): معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية*،مرجع سابق،* *صـ 99 .
*
19-* المرجع السابق، صـ101 .
*
20- المرجع السابق، صـ102:101 .
*
21- عادل النادى:مرجع سابق،صـ24 .
*
22- روجرم .بسفيلد الابن: فن الكاتب المسرحي للمسرح والاذاعة والتليفزيون والسينما، ت: دريني خشبة، القاهرة*، مكتبة نهضة مصر،بدون تاريخ، صـ 230.
*
23- عادل النادي: مرجع سابق ، صـ*30 .
*
24- عبد العزيز حموده(د): البناء الدرامى، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1998, صـ102 .
*
25-* نبيل راغب(د):* فن العرض المسرحى، مرجع سابق،صـ68:65.بتصرف.
*
*
لمزيد من الاطلاع في الموضوع السابق :
*
1- جلال الشرقاوي(د) : الأسس في فن التمثيل والإخراج، القاهرة،الهيئة المصرية العامة للكتاب،2002 .
*
2- ابراهيم حمادة(د) : معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية ، القاهرة،*دار المعارف ، 1985 .
*
3- رضا غالب(د) : المثلث البنائي لفن التمثيل ،القاهرة، 2001 .
*
4- عادل النادي : مدخل إلي فن كتابة الدراما ، القاهرة،الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1993 .
*
5- نبيل راغب(د) : موسوعة الإبداع الأدبي ، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، 1996 .
*
6- أرسطو: فن الشعر، ت: ابراهيم حمادة، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية،1983 .
*
7- ابراهيم حمادة (د): طبيعة الدراما ، سلسلة كتابك رقم 26، القاهرة،* دار المعارف*، 1978 .
*
8-* روجرم .بسفيلد الابن : فن الكاتب المسرحي للمسرح والإذاعة والتليفزيون والسينما، ت: دريني خشبة ،القاهرة، مكتبة نهضة مصر، بدون تاريخ.
*
الحواشي
*
الساتير
*
********"**يعد النوع الثاني من التمثيليات الشعبية الملهوية الرومانية فهو عبارة عن خليطاً من الموسيقي والإيماءات والحوار ويعتبر هذا التمثيل الهزلي البدائي المقدمة التي أدت إلي بلورة الملهاة الهجائية الرومانية ".(1)
*
*
الشخصية الرئيسية
*
********" الممثل الأول الذي كان يلعب الدور القيادي في الدراما الإغريقية ثم يلعب أدواراً أخري ثانوية - أو غير ثانوية - في نفس المسرحية. أما الآن فيطلق المصطلح علي الشخصية التي تلعب الدور الأساسي في المسرحية كنص مكتوب "*.(2)
*
الشخصية الثانوية
*
********" هي الشخصية المسرحية التي لها وظيفة في مجري الأحداث ولكنها ليست وظيفة ضرورية وهامة لتطوير الحبكة الدرامية ".(3)
*
*
الشخصية النمطية
*
********" الشخصيات ذات الخصائص النفسية أو الاجتماعية أو الحسية المعينة التي تظهر بنفس الخصائص في العديد من المسرحيات مثل شخصية الجندي النفاخ، الخادم الخبيث، المومس غيرها ".(4)
*
مصادر الحواشي
1- ابراهيم حمادة (د) : معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية ، القاهرة،*دار المعارف ، 1985، صـ143 .
2-* المرجع السابق، صـ156 .
3-* المرجع السابق، صـ 157 .
4-* المرجع السابق، صـ155.
*
نادية بوغرارة
05-03-2009, 10:20 AM
إنها وقفة ضرورية لكل هواة الكتابة القصصية .
أشكرك رنيم .
راضي الضميري
05-03-2009, 03:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة رنيم مصطفى
هذا موضوع قيّم جدا ، وبعض الكتّاب يخلط ما بين القصة القصيرة الأقصوصة والحكاية ، وفي هذا الموضوع أراك قد سلطت الضوء على أهم الجوانب والخصائص التي تميّز هذا النوع من الفنون الأدبية ، والذي نرجو أنْ يستفيد منه الجميع ، وأنْ يساهم أيضًا أدبائنا وكتّابنا في عرض وجهات نظرهم ، وأنْ يثروا هذا الموضوع بالحوار والنقاش الهادف .
وهذا الموضوع نظرًا لأهميته الكبيرة سنقوم بتثبيته لكي تعمّ الفائدة على الجميع .
تقديري واحترامي
عبد القادر رابحي
06-03-2009, 12:08 AM
رِؤية أكاديمية تعليمية دقيقة للأجناس الأدبية و تطور انواعها السردية خاصة..
و الفروق الأساسية بينها
عمل جاد و نافع
شكرا لك
عبد القادر رابحي
آمال المصري
11-03-2009, 02:59 AM
إنها وقفة ضرورية لكل هواة الكتابة القصصية .
أشكرك رنيم .
مؤكد أستاذة نادية أنها ضرورية لهواة الكتابة القصصية
أتمنى الفائدة للجميع
تقديري واحترامي
آمال المصري
17-03-2009, 07:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة رنيم مصطفى
هذا موضوع قيّم جدا ، وبعض الكتّاب يخلط ما بين القصة القصيرة الأقصوصة والحكاية ، وفي هذا الموضوع أراك قد سلطت الضوء على أهم الجوانب والخصائص التي تميّز هذا النوع من الفنون الأدبية ، والذي نرجو أنْ يستفيد منه الجميع ، وأنْ يساهم أيضًا أدبائنا وكتّابنا في عرض وجهات نظرهم ، وأنْ يثروا هذا الموضوع بالحوار والنقاش الهادف .
وهذا الموضوع نظرًا لأهميته الكبيرة سنقوم بتثبيته لكي تعمّ الفائدة على الجميع .
تقديري واحترامي
ممتنة أستاذ راضي لمتابعتك الجادة ولتثبيت الموضوع
بالفعل يخلط بعض كتاب القصة بين القصة القصيرة والأقصوصة والحكاية
لذلك ارتأيت أن توضيح الفارق بينهم سيخدم هذا الجانب الأدبي
هناك أيضاً بعض النقاط وددت التنويه عنها
كما كل شيء في الحياة يتطور .. ويتغير .. فالأدب أيضا يتطور ويتغير ويميل مع رغبات الكتاب وتداعيات عصرهم ..
والفن القصصي شأنه شأن الفنون الأخرى يتطور .. ويدخله تغيير في مفهومه وفي طريقته وفي مغزاه ..
ومن الواضح أن مصطلح ( ق ق ج ) ليس بجديد على القارئ سوى بإضافة حرف ج إلى مفهوم قصص قصيرة ..
فالقصص القصيرة هي فن معروف مطروق وتناوله الكثير من الكتاب وهو فن محبب . وكما نقول ( فن مهضوم ..) .. وربما عصر السرعة والملل هو ما جعل فن القصص القصيرة جدا فن مطلوب وموجود .. وله محبيه .. وجمهوره ( سواء اتفقنا معه أم خالفناه ..)
و كبداية لا بأس أن نتناول أهم عناصر القصة المعروفة بشكل عام كي نتعرف الفرق بينها وبين عناصر القصة القصيرة جدا:
فعناصر القصة كما يلي:
المقدمة والعقدة والحل ... بالإضافة لوجود الشخصية والحدث والبيئة ـ الزمان والمكان
... ولكن بم تختلف القصة القصيرة جدا من ناحية العناصر .. عن القصة
الحقيقة لا يوجد اختلاف .. لكن ربما قام القاص فقط باختصار بعض العناصر أو تجاوزها ..
وربما يجب أن تتميز القصص القصيرة جدا لتمتع القارئ بما يلي:
« الطرافة ، الإدهاش ، الإيقاع »
ويرى بعض الكتاب ضرورة وجود « الجرأة والتكثيف »
ومما لا شك أن تلك العناصر هي من عناصر أي عمل أدبي .... لكنها هنا ربما تعتبر ضرورة او لازمة ..
التداخلات بين مسمى ق ق ج وبين بعض المصطلحات الأخرى:هناك مصطلحات تتقارب مع ق ق ج مثل الطرفة أو النادرة ، و الفكرة والخاطرة، والومضة ... وفي تفصيل ذلك نقول:
1- النادرة: إن القصة القصيرة جدا تتميز عن النادرة في كونها تسرح في عالم الفانتازيا الخيالي ... بينما النادرة تسجيل حرفي لحدث اجتماعي أو تاريخي غير مألوف يتّصف بالغرابة و الإدهاش ...كما أن النادرة قد تطول على مدى صفحات ...و قد تنكمش في سطور قليلة بحسب عدد الشخصيات و الأحداث فيها، بعكس القصة القصيرة جدا التي تلتزم بسطور قليلة جداً ...
2- الفكرة: إن تشبيه ق ق ج بالفكرة خطأ لأن الفكرة قد لا تروي حدثا ولا تتلبس شخصية ولا تتأطّر في زمان أو مكان .
3- الخاطرة: أيضا تختلف عن القصة القصيرة جدا لأنها أشبه بالمناجاة و البوح و هي بعيدة عن السرد المتضمن حكاية ...
4- أمّا الومضة فهي لمحة موجزة تتأرجح بين الشعر و الخاطرة وهي إلى الصورة الشعرية أقرب .لذا فهي أبعد ما تكون عن القصة القصيرة جدا .
مما سبق يمكننا تحديد معالم ق ق ج من خلال العناصر الأساسية التي يجب أن تتوافر فيها و هي :
1- الحكاية : فعليها أن تحكي حكاية تماما كالرواية و القصة القصيرة و المسرحية .. إلخ .
2- وجود الشخصية : فلا قصة بدون شخصيات تُنجِز الحدث و تشكّل جوهر السرد ا.... و لا يُشترط في الشخصية أن تكون إنسانا.
3- الوحدة : أي الإضاءة على حدث واحد بعينه مصوغ في حبكة واحدة تُبدي وضوحها للعيان.
4- التكثيف المقصود : و هو يعتمد على ضغط الصور و الرؤى بشكل موجز مختصر يحافظ على جوهرها بكل مكوّناته دون شرح أو تفصيل أي على مقاسها تماما دون تطويل مملّ أو إيجاز مُخلّ .و لعل هذا الشرط هو الأصعب بين عناصرها لأنه يحتاج إلى الموهبة و الثقافة و القدرات اللغوية العالية .
5- المفارقة : و هي عنصر جوهري لأنها تتمحور حول صدم القارئ بما لا يتوقّع ... لأن المفارقة تشكّل عنصر التشويق اللذيذ الذي يميز القصة الناجحة و يسكب المتعة و الارتياح في نفس القارئ .
6- العنوان : وهو رغم أهميته في النصوص على اختلاف أنواعها فإنه في القصة القصيرة جدا يجب أن يختار بدقة لأنه يلعب دورا حاسما في وضوح المضمون.
ونعود للتأكيد أن تلك العناصر السابقة هي أيضا مهمة في أي عمل قصصي ... لكنها في ق ق ج تعتبر ضرورية .. وإلا باتت ق ق ج دون الجذب، واقل من الاهتمام ... فنحن لا نريد أن يكون بعض كلامنا .. أو شيء من خاطرة أو فكرة أن نعتبرها ق ق ج ... حيث أن هذا يمكن أن يؤدي هذا إلى فقدان معنى القص وخاصة ق ق ج هذا الفن الناشئ والجميل.
أتمنى أن تعم الفائدة للجميع
تحياتي
منقول للفائدة
آمال المصري
28-03-2009, 08:40 AM
رِؤية أكاديمية تعليمية دقيقة للأجناس الأدبية و تطور انواعها السردية خاصة..
و الفروق الأساسية بينها
عمل جاد و نافع
شكرا لك
عبد القادر رابحي
مرور أفخر به أستاذي الكريم / عبد القادر
لك دعوة صادقة تعانق السماء
وقلادة من ثناء
رشدي مصطفى الصاري
28-03-2009, 09:38 PM
تنوع وغزارة المواضيع لديك بوأك أمينة لمكتبة الواحة ولا غروّ فأنت أهلٌ لذلك .
الموقرة رنيم
قرأت بإسهاب ما تفضلت به مشكورة عن القصة والرواية والأقصوصة
ولي مداخلة خجولة في هذا المقام
إن كل ما قرأته في الأدب العالمي عن القصة سحرني بأمرين
------------ خطورة الفكرة وتجددها وسبقها للزمن الذي طرحت فيه
------------ الإبداع في التشويق لطرح تلك الفكرة .
وهذا ما تميز به الكتاب الغرب وإن أكاديمية الأدب الذي تفضلت به في موضوعك القيم هو تطويرٌ وصقلٌ لموهبة
ندر وجودها في هذا الزمن ودمتم
سامح محرم السعيد
28-03-2009, 10:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جميل أن تتحفينا بهذا الشرح الأكاديمي الرائع واطلب منك أن تتكرمي بشرح فن آخر من فنون الشعر أومهارة من مهارات الشعر - إن أمكن ذلك - " الشعر الرمزي مثل شعر الأسطورة أوالإسقاطات الأسطورية" العرافة المقدسة " أمل دنقل
وهكذا الرمز التاريخي والديني والشعبي
أنا أًقول أنه باب مغلق لم يطرقه كثيراً من شعرائنا في الأيام التي نعيشها
وفقنا واياكم لما فيه الخير
آمال المصري
26-04-2009, 01:40 PM
تنوع وغزارة المواضيع لديك بوأك أمينة لمكتبة الواحة ولا غروّ فأنت أهلٌ لذلك .
الموقرة رنيم
قرأت بإسهاب ما تفضلت به مشكورة عن القصة والرواية والأقصوصة
ولي مداخلة خجولة في هذا المقام
إن كل ما قرأته في الأدب العالمي عن القصة سحرني بأمرين
------------ خطورة الفكرة وتجددها وسبقها للزمن الذي طرحت فيه
------------ الإبداع في التشويق لطرح تلك الفكرة .
وهذا ما تميز به الكتاب الغرب وإن أكاديمية الأدب الذي تفضلت به في موضوعك القيم هو تطويرٌ وصقلٌ لموهبة
ندر وجودها في هذا الزمن ودمتم
ونفخر سيدي الفاضل بلغتنا الجميلة
ولا ننسى أن أول لون من القصة عرفته أوروبا في العصر الوسيط كانت ليهودي أندلسي يدعى (موسى سفردي) وكانت كتاب ( التربية الدينية ) وأغلب الظن أنه كتبها بالعربية ثم ترجمها وهي خليط من كليلة ودمنة والسندباد البحري وغيرهما، وتعتبر هذه مَعْبَر أوروبا إلى القصة،
{أما القصة القصيرة بشكلها الحديث الذي وصلت إليه فهي نتاج أوربي بلا مراء، ولكن العرب لم يتخلفوا عن ركب القصة القصيرة؛ لأننا أبدعنا في هذا المجال في عصر موازٍ للإبداع الغربي، ودعوى سبق أوربا لنا لا تقوم؛ لأن الفارق الزمني بيننا وبينهم لا يتعدى عشرات من السنين، وهذا -في رأيه- ليس زمنًا طويلاً ولا عصرًا كاملاً.} (الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمة )
ممتنة لحضورك الكريم د . رشدي مصطفى وعذرا على التأخير في الرد
دمت بهي المرور
ودي وزهور الأوركيد
آمال المصري
27-04-2009, 06:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جميل أن تتحفينا بهذا الشرح الأكاديمي الرائع واطلب منك أن تتكرمي بشرح فن آخر من فنون الشعر أومهارة من مهارات الشعر - إن أمكن ذلك - " الشعر الرمزي مثل شعر الأسطورة أوالإسقاطات الأسطورية" العرافة المقدسة " أمل دنقل
وهكذا الرمز التاريخي والديني والشعبي
أنا أًقول أنه باب مغلق لم يطرقه كثيراً من شعرائنا في الأيام التي نعيشها
وفقنا واياكم لما فيه الخير
السيد الفاضل الأستاذ / سامح محرم
جزيل امتناني لمرورك ومداخلتك الطيبة
وأعدك بالمزيد إن شاء الله تعالى
لك تحية المساء والدعاء
رشدي مصطفى الصاري
29-04-2009, 06:56 AM
ونفخر سيدي الفاضل بلغتنا الجميلة
ولا ننسى أن أول لون من القصة عرفته أوروبا في العصر الوسيط كانت ليهودي أندلسي يدعى (موسى سفردي) وكانت كتاب ( التربية الدينية ) وأغلب الظن أنه كتبها بالعربية ثم ترجمها وهي خليط من كليلة ودمنة والسندباد البحري وغيرهما، وتعتبر هذه مَعْبَر أوروبا إلى القصة،
{أما القصة القصيرة بشكلها الحديث الذي وصلت إليه فهي نتاج أوربي بلا مراء، ولكن العرب لم يتخلفوا عن ركب القصة القصيرة؛ لأننا أبدعنا في هذا المجال في عصر موازٍ للإبداع الغربي، ودعوى سبق أوربا لنا لا تقوم؛ لأن الفارق الزمني بيننا وبينهم لا يتعدى عشرات من السنين، وهذا -في رأيه- ليس زمنًا طويلاً ولا عصرًا كاملاً.} (الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمة )
ممتنة لحضورك الكريم د . رشدي مصطفى وعذرا على التأخير في الرد
دمت بهي المرور
ودي وزهور الأوركيد
الفاضلة رنيم
لك مني الود والتحية
اضاءة قيمة في عالم القصة
لكن السؤال ؟
جميع العلوم بدأت من ها هنا لكن أين استقرت...!
باقة ورد أنسقها من روائع عالمك--- وأعطرها بعبير مودتي
أحمد عيسى
15-03-2010, 01:13 PM
أخت رنيم .. قمت قبل سنوات بتجميع مقال من عدة كتب ومراجع عن فن القصة والقصة القصيرة جداً ..اذا أحببت يمكنني نشره هنا في نفس مقالك أو في موضوع مستقل ..تحيتي
آمال المصري
15-03-2010, 01:38 PM
أخت رنيم .. قمت قبل سنوات بتجميع مقال من عدة كتب ومراجع عن فن القصة والقصة القصيرة جداً ..اذا أحببت يمكنني نشره هنا في نفس مقالك أو في موضوع مستقل ..تحيتي
هنا نافذة لكل مايتعلق بفن القصة - القصة القصيرة - الرواية
ودعوة لمن يمتلك مقالاً أن يثري به تلك النافذة لتعم الفائدة للجميع
جزيل امتناني وتقديري أستاذ / أحمد لتواجدك هنا وللجهد المبذول في قسم القصة
تحيتي
حسام محمد حسين
15-03-2010, 02:09 PM
معلومات قيمة اضافت لي الكثير في ذلك الفن الأدبي
دُمتِ مُعَلِمة
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:29 PM
لو بحثنا عن هذا الموضوع عبر مواقع العنكبوتية فاننا سوف نتيه ، لذا فقد حاولت عبر هذا الموضوع وضع دراسة مختصرة عن القصة والقصة القصيرة جداً ، واستعنت ببعض مواقع الانترنت ، وبعض الكتب والدراسات الهامة ، منها " عن كتاب فن كتابة القصة " لفؤاد قنديل وكتاب " أركان القصة " للكاتب فورستر وترجمة كمال جاد .
أين نشأت القصة القصيرة..؟
على وجه التحديد لا يمكن لباحث أن يقر بالموطن الذي نشأت فيه القصة القصيرة؛ وذلك ببساطة لأن الحكي خصيصة إنسانية فهي "حكاية" أو "حدوتة" أو "قصة" كانت دومًا في وجداننا حتى صارت جنسًا أدبيًّا متميزًا ونظَّر النقاد والأدباء لهذا الفن وأصَّلوه
كثير من الباحثين يرون أن القصص الأوربية في عصر نهضة أوروبا تأثرت كثيرا بالأدب الفارسي ومن هذه الأشكال "الفابولا" أحد الأجناس الأدبية الأولى للقصة، وقد ظهرت في فرنسا منذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى أوائل القرن الرابع عشر، وهي أقصوصة شعرية تحمل روح ومعنى الهجاء الاجتماعي.
ومن هؤلاء "جاستون بارى" أستاذ الأدب المقارن الذي يقول عن الفابولا: إنها استمدت عناصرها وروحها من كتاب "كليلة ودمنة" الفارسي الأصل، والذي ترجمه ابن المقفع، وكانت فكرته الأساسية هي الحكم والفلسفات التي تقال على ألسنة الحيوان، وتعتبر الترجمة العربية لـ"ابن المقفع" أساسا مباشرا أخذت عنه الفابولا".
أول لون من القصة عرفته أوروبا في العصر الوسيط كان كتاب (التربية الدينية) ليهودي أندلسي يدعى (موسى سفردي) اعتنق الكاثوليكية 1106م وسَمَّى نفسه (بدرو ألفونسو)، وأغلب الظن أنه كتبها بالعربية ثم ترجمها وهي خليط من كليلة ودمنة والسندباد البحري وغيرهما، وكان هذا هو مَعْبَر أوروبا إلى القصة، وهو جسر عربي واضح المعالم باعتراف نقاد الغرب أنفسهم، وباقتصار القَصّ الأسباني على الوعظ والتربية، نما القص الإيطالي في القرن الرابع عشر داخل حجرة فسيحة في الفاتيكان أطلقوا عليها: "مَصْنع الأكاذيب"، اعتاد أن يتردد عليها العاملون في الفاتيكان للَّهو والتسلية وإطلاق القصص المختلفة عن رجال ونساء الفاتيكان حتى دوَّن أحدهم (بوتشيو) هذه القصص وسماها "الفاشيتيا"..
وفي القرن السادس عشر انتشرت في أسبانيا وإيطاليا وفرنسا قصص الرعاة، وهي قصص تمجِّد الحب العذري وأخلاق الفرسان وحياة البداوة متأثرة بوضوح بقصص العرب (محور الحضارة وموضة العالم آنذاك!)، حتى خبا وهج القصة القديمة في القرن 18 الميلادي وكادت تندثر بتأثير إهمال الأدب في العالم كله والاهتمام بما هو مادي ملموس فحسب.
ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ انتشار الصحافة وانتشر معها الفن القصصي، ودخول القصة معترك السياسة أعطاها حيوية ومضيًّا كسلاح لا يُفَلّ، ودخلت في الصراع الاجتماعي والديني حتى أصبحت مناضلة دون مقصدها تتنفس بالشكوى والتمرد، وتصارع مع البسطاء قسوة الحياة وغلظتها، ويكفي أن نذكر أسماء ذات اعتبار لندرك كيف أن هذا القرن هو قرن القصة القصيرة:
موباسان – تشيخوف - إدجار آلان بو – جوجول- أوسكار وايد- دوديه – هوفمان.
كانت المقامة هي الإرهاصة الأولى لفن القصة القصيرة العربية بشكلها المتعارف عليه الآن. وبعد فترة خفت صوت الحضارة العربية ليتلقف الغرب منجزها الفكري/ العلمي، فأضاف إليه بعد أن عكف على دراسته وتحليله، وكان لهذا الفكر دور مهم في النهضة الغربية الحديثة، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت موجة من الترجمات عن الغرب -وإن كانت قد بدأت قبل ذلك وتحديدًا في الثلاثينيات، على يد رفاعة الطهطاوي- فحدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المنجز الذي أضاف ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون.
ظهرت القصة كفن أدبي في بداية القرن العشرين، وكان لها ذيوع كبير، وتذهب بعض الآراء إلى أن أول قصة قصيرة عربية بالشكل المتعارف عليه كانت قصة "في القطار" لمحمد تيمور، والتي نشرت في جريدة "السفور" سنة 1917، بينما هناك آراء أخرى تقول بأن أول قصة قصيرة عربية تظهر في العصر الحديث كانت لميخائيل نعيمة، وهي قصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914
يعدّ فن القصة القصيرة من أحدث الفنون الأدبية الإبداعية حيث لا يجاوز ميلادها قرنا ونصف قرن من الزمان، حتى ان الدارسين والنقاد يعتبرونه مولود هذا القرن؛ بل أن مصطلح "القصة القصيرة" لم يتحدد كمفهوم أدبى إلا عام 1933 فى قاموس أكسفورد.
وقد كان من أبرز المبدعين لهذا الفن الحادث "ادجار ألان بو الأمريكى" و "جودى موباسان الفرنسى" و "جوجول الروسى" الذى يعدّه النقاد أبا القصة الحديثة بكل تقنياتها ومظاهرها وفيه يقول مكسيم جوركى: "لقد خرجنا من تحت معطف جوجول"
ومن هنا فالقصة القصيرة بتقنياتها الحديثة وأسسها الجمالية وخصائصها الإبداعية المميزة وسماتها الفنية لم يكن لها فى مطلع القرن العشرين شأن يذكر على الإطلاق .
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:32 PM
تعريف القصة القصيرة :
القص في اللغة : قص الأثر أي تتبع مساره ورصد حركة أصحابه ، والتقاط بعض أخبارهم ، ومن هذا المعنى قوله تعالى في سورة الكهف " قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على اثارهما قصصا "
وفي سورة القصص يقول تعالى " وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون "
والمعنى الثاني هو الاخبار والرواية وأغلب الظن أنه وطيد الصلة بالمعنى الأول ، فالقصة على نحو ما تتبع لأخبار شخص أو أشخاص وتلمس أخباره ورواية ذلك أوة قصه
كلمة القصة بالانجليزية Story ترتبط ارتباطاً اشتقاقياً واضحاً بكلمة history في اللغة ذاتها ومثل ذلك في اليونانية
وقد ورد كلمة قص في القران الكريم في نحو عشرين موضعاً
الفروقات بين القصة والرواية :
القصة القصيرة تختلف عن الرواية في علامات فارقة هي : الطول -الرؤية - ازمن - الشخصيات - الأحداث - البناء - اللغة - المكان - الأسلوب
ولم يحتسب الصراع بين الفروق لأنه يكاد يكون ملمحاً رئيسياً في الرواية ومحدود جداً أو شبه منعدم في القصة القصيرة
1.الطول : تتكون الرواية من شخصيات وأحداث عديدة ، وتمتد عبر مساحات زمانية عريضة ويتطلب ذلك بالطبع صفحات كثيرة تتجاوز المائة في أغلب الأوقات ، وفي المقابل من المنطقي أن تكون القصة أقصر لأنها لا تتناول غير حدث واحد بسيط أو تغوص في خلجةو من خلجات النفس الانسانية تقع تحت ضغط ما .
أقصى طول محتمل في العرف الأدبي للقصة القصيرة هو ثلاثون صفحة وما تجاوز ذلك حتى سبعين صفحة يعد رواية قصيرة وليس قصة قصيرة
أما الحد الأدنى فقد ارتضى العرف الأدبي ألا يقل عن خمس صفحات
على أن تسمى القصة التي تقل عن خمس صفحات بالأقصوصة وهو نوع أدبي شاع خلال ربع القرن الأخير وهو قصة قصيرة بلغت درجة عالية جداً من التكثيف والتركيز وهو ما بات يعرف بــ " القصة القصيرة جداً "
2. الرؤية : تمثل الرؤية نقطة الانطلاق الأساسية في تصور النص الأدبي وهولا يزال نطفة في رحم البوتقة الابداعية لدى الكاتب ..
الرؤية في القصة القصيرة ليست غير نقطة ضوء تطل في لحظة بسبب موقف قد يبدو للبعض عادياً ، واذا كان الروائي يبدو أحياناً وكأنه يرى الانسانية جمعاء فان كاتب القصة القصيرة يطل على العالم من ثقب صغير في الباب ومع ذلك فيمكن أن تعبر رواية كبيرة وقصة قصيرة جداً عن رؤية واحدة ..
3. الزمن : يعد الزمن محور اختلاف رئيسي بين الرواية والقصة القصيرة ، ذلك أن الرواية تتناول أحد قطاعات مجتمع ما وقد تستوعب الحياة في أكثر من شريحة ومرحلة عمرية عبر فترات طويلة نسبياً قد تكون شهراً او سنة أو عدة سنوات
أو ربما عبر قرون من الزمان ..
أما القصة القصيرة فقد تصور موقفاً يستغرق دقائق أو ساعة أو ربما ساعات أو يوماً كاملاً
4. الشخصيات : اذا كانت الرواية ترصد حياة مجموعة من البشر في زمن ما فانها تحرص على رسم تفاصيل ملامحهم الجسمانية والنفسية والعقلية والامكانات الاقتصادية والثقافية
لكن القصة القصيرة ليست مطالبة بكل ذلك لأنها معنية بصوير شخصية واحدة أو اثنتين في موقف بسيط مكتفية برسم صورتيهما بالايماء الى الملامح فالاهتمام يكون عادة بالحالات النفسية ومعطياتها الخارجية
5. الحدث :تتعدد الأحداث في الرواية وتتوالى في صورة تركيبية بعضها يفضي الى بعض صاعدة من البسيط الى المعقد وتشارك الشخصيات كل حسب اهميتها في صنعها ودفع عجلتها لتشكل عالم الرواية الكبير
أما القصة فلا تحتمل غير حدث واحد وقد تكتفي بتصوير لحظة شعورية نتجت عن حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه ولا يدهش القارئ اذا انتهى من القصة ولم يعثر بتا على حدث اذ يمكن ان تكون مجرد صورة او تشخيص حالة او رحلة عابرة في اعماق شخصية ثائرة او حائرة .
6. البناء : البناء هو الشكل وهو المعمار الفني ، يمكن أن يتشابه بين القصة والرواية ، لكن حجم الرواية واتساع عالمها يجعل احيانا من نقط التقارب امراً متعذراً
فالبداية في القصة القصيرة هي مفتاح العمل في اغلب جوانبه ونقطة الانطلاق الاساسية لهذا العالم المحدود لأن القصة يبدأ بناؤها مع اول كلمة ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه وهو ما لا ينطبق على الرواية المتشعبة ..
7. اللغة : أمام الروائي فرصة طيبة ومتسع كي يدبج العبارات الطويلة في تصوير الشروق والغروب وروعة الافق والبحر والغيوم والسماء والفضاء الشاحب ويصور لنا حال البطل ومشاعره فهو يرسم صورة تفصيلية لكل حدث ولكل عنصر في بيئة الحدث
أما القصة القصيرة فهي نص مكثف الى اقصى درجة لا حشو فيه ولا تأكيد ولا تكرار وربما يسمح بالتشبيه في أضيق الحدود ، الألفاظ مرهفة ومسنونة بلا تزيد وليس في ثم مجال لاستعراض ثروة الكاتب اللغوية ..الا في حدود المتاح ..
8. المكان : واضح أن الرواية تحتاج الى تعدد الأماكن من سفر ومطاردات وحوادث وتغير في اماكن السكن بل ويرخص فن الرواية لكاتبها ان يستغرق في وصف المكان بعدة صفحات .
القصة القصيرة طبيعة زمانها وشخصياتها لا تحتمل الا مكاناً واحداً وربما لا تتناول الا جانباً منه كأن يكون شرفة أو حقلاً أو جزءاً من طريق .
9. الأسلوب : هو التقنية أو التكنيك الذي يستعين به القاص في طرح فكرته ، في مجال الرواية يحتاج الروائي الى أساليب فنية تتغير بتغير المواضع والشخصيات والزوايا والأحوال ، فنجد السرد المتدفق حيناً ، يعقبه مونولوج داخلي بين المرء ونفسه وقد يستعين الكاتب بالأحلام والفلاش باك والحوار وغيرها من الأساليب
في القصة القصيرة تختلف المسألة تماماً فالموقف حرج ولا مجال أمام الكاتب الا استخدام اسلوباً واحداً او اثنين على الأكثر
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:32 PM
خصائص القصة القصيرة :
أولاً : الوحدة :
تعتبر أهم خصائص القصة القصيرة على الاطلاق وقد ألح عليها ادجار الان بو ، والتزمها تشيكوف وموباسان ، وهي مبدأ أساسي من مبادئ الصياغة الفنية في القصة القصيرة .
مبدأ الوحدة يعني أيضاً الواحدية ، أي أن كل شئ فيها يكاد يكون واحداً .. الفكرة الواحدة / الحدث الواحد / شخصية واحدة / هدف واحد / نهاية منطقية واحدة ...
ثانياً : التكثيف :
التكثيف الشديد مطلوب لتحقيق أعلى قدر من النجاح للقصة القصيرة ..
القصة القصيرة رصاصة كما يقول يوسف ادريس ولا ننسى أن قصته " نظرة " وهبت لصاحبها ما لم تهبه بعض الروايات لأصحابها ..
ثالثاً : الدراما :
هي خلق الاحساس بالحيوية والديناميكية والحرارة ، حتى ولو لم يكن هناك صراع خارجي ولم تكن هناك غير شخصية واحدة .
يجب أن تثير القصة في القارئ منذ أول كلمة شهوته للاستطلاع ومعرفة ا يجري ، وأن يترقب لمطالعة السطور التالية على أمل اكتشاف جديد هذا العالم القصصي
التشويق لا يقصد به الاثارة المفتعلة لكنه الاسلوب الفني الذي يصهر كل عناصر القصة في نسق جمالي مبهر كالبداية الساخنة والشخصية الحية والمونولوج "الصراع الداخلي ، المفاجأة المقبولة والمنطقية ..المفارقات الانسانية الطريفة والحس الفكه .
حين سئل يوسف إدريس عن تعريف القصة القصيرة، فقط.. أشرع كفه وحك إبهامه بالوسطي، محدثا تلك الطرقعة الشهيرة، الدالة علي المباغتة والاكتناز والسرعة والتكثيف والإيجاز.. ..
طالما أننا نوهنا الى قصة نظرة وما تمثله في أدب القصة القصيرة للمبدع ادريس فسوف أضعها لكم هنا لكي يتسنى لنا دراسة عناصر القصة القصيرة وعيننا على قصة نظرة كأنموذج ..
................................................
نظرة ... للكاتب الكبير يوسف ادريس
كان غريبا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقدا حقا ففوق رأسها تستقر «صينية بطاطس بالفرن»، وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة، وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتي أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط.
ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيري، وأسرعت لإنقاذ الحمل، وتلمست سبلا كثيرة وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية. ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي. ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل، وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلي الفرن وكان قريبا، حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه.
ولست أدري ما دار في رأسها، فما كنت أري لها رأسا وقد حجبه الحمل. كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير، لم تلتقط أذناي منه غير كلمة (ستي)..
ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتي عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين.
وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك، ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة، وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
راقبتها طويلا حتي امتصتني كل دقيقة من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة.
وأخيراً استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
واستأنفت سيرها علي الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك.
وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها. وحين وصلت كان كل شيء علي ما يرام والحوض والصينية في أتم اعتدال، أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون.
ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها. وقبل أن تنحرف استدارت علي مهل واستدار الحمل معها، وألقت علي الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة.
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:33 PM
قصة أخرى ليوسف ادريس أيضاً أرى أن من واجبي نقلها كما هي ففيها تجتمع روائع القص وحكمة النهاية والرمزية الدالة ولغة القص القوية المحكمة
القصة هي المرتبة المقعرة من مجموعة النداهة
المرتبة المقعرة ... ليوسف ادريس
« في ليلة الدخلة » و«المرتبة» جديدة وعالية ومنفوشة، رقد فوقها بجسده الفارع الضخم، واستراح إلي نعومتها وفخامتها، وقال لزوجته التي كانت واقفة إذ ذاك بجوار النافذة :
- انظري .. هل تغيرت الدنيا ؟
ونظرت الزوجة من النافذة، وقالت :
- لا ... لم تتغير.
- فلأنم يوما إذن.
ونام أسبوعا، وحين صحا كان جسده قد غور قليلا في المرتبة. فرمق زوجته وقال:
- انظري.. هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة، ثم قالت :
- لا .. لم تتغير.
- فلأنم أسبوعا إذن.
ونام عاما، وحين صحا كانت الحفرة التي حفرها جسده في المرتبة قد عمقت أكثر، فقال لزوجته :
- انظري.. هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت :
- لا .. لم تتغير.
- فلأنم عاما إذن.
ونام عشرة أعوام. كانت المرتبة قد صنعت لجسده أخدودا عميقا. وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوي سطحها بلا أي انبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلي لحد وألقوه من النافذة إلي أرض الشارع الصلبة.
حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتي مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة، وأدارت بصرها في الفضاء، وقالت :
- يا الهي ! لقد تغيرت الدنيا !
يتبع ...
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:38 PM
عناصر القصة القصيرة:
وهي بالترتيب:
1 الرؤية:
هي جوهر العمل الفني، ونواته الفكرية التي قد تصدر عن الفنان دون وعي منه لفرط خبرته، فهي تعبر عن مفهومه ونظرته للحياة، فالمبدع الحقيقي هو الذي يكون له نظرة ما فيما يقدمه من أعمال فنية، فبالرؤية يختلف الكاتب الكبير عن الكاتب الصغير.
2 الموضوع:
هو الحدث أو الحدوتة التي تتجسد من خلالها الرؤية التي اعتبرها المبدع أساس عمله، وهي حدث يتم في مكان وزمان محددين، تنشأ عنه علاقات إنسانية مختلفة، متمثلة في أنماط سلوكية بشرية تسعى لتحقيق هدف ما، ومعبرة عن أمالها ومشاعرها الوجدانية.
3 اللغة:
وهي المعبر والمصور لرؤية المبدع وموضوعه فهي أساس العمل الأدبي، فالبناء أساسه لغوي والتصوير والحدث يتكئان على اللغة، والدراما تولدها اللغة الموحية المرهفة، كل هذا يشير بدلالة واضحة على أهمية اللغة وإنه لولاها لكان العمل الأدبي سيء وغير مفهوم.
سمات اللغة الفنية:
1 السلامة النحوية.
2 الدقة.
3 الاقتصاد والتكثيف.
4 الشاعرية.
4 الشخصية:
وهو جوهر القصة القصيرة، فهو الحدث الذي تبنى عليه القصة وهو قد يكون شخص أو قوى غيبية، أو بمعنى أدق كل شيء مؤثر في اتجاه الحدث صعودا وهبوطا، انبساط أو تأزما.
5 البناء:
وهي مراحل أو شكل العمل الأدبي، وهي عادة لا تق عن ثلاثة مراحل هي، البداية والوسط وهو قد يطول أو يقصر وفيه يكون ذروة الصراع، ثم النهاية وفيها يكون الكشف عن كل محتوى العمل وهدفه الأساسي.
6 الأسلوب الفني:
وهو التقنية الفنية التي يتم بها تصوير الحدث أو الحالة، والكاتب في حاجة لتشكيل هذه الصياغة الفنية لوسائل عديدة ينفذ بها لشخصياته ومواقفه، بحيث تتعاون في النهاية في رسم صورة جيدة للعمل الأدبي.
فهي المنظور الذي منه يتم رؤية العمل الفني، فيتم الإعجاب به من قارئه، فحرفية القاص تنبع من الأسلوب الأخاذ الذي عبر به عن قصته، بحيث تبدوا كما لو كانت عملا واقعيا وإن كل دور الكاتب فيها هو عمله على نقلها على الورق.
والأسلوب الفني يتأتى بالأتي:
1 السرد:
هو الوصف أو التصوير، فهو جزء من الحدث والشخصية ومن كل عناصر القص، فقصة بلا سرد ولا وصف ليست بقصة.
وهما يجب أن ينبعا من صميم العمل فلا يكونا دخيلين عليه، كما يتعين أن يكونا فاعلين فيع لا مجرد زينة.
2 الحوار:
هو الديالوج والمحادثة التي تدور بين شخصيات العمل، فهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في بناء العمل، وذالك لأنه
أ هو نافذة يطل منها القارئ على ثنايا القصة.
ب وسيلة فنية لتقديم الشخصيات و الأحداث والتعريف بها من داخلها.
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:39 PM
القصة القصيرة جدا
ظهرت القصة القصيرة جدا منذ التسعينيات من القرن الماضي استجابة لمجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة التي أقلقت الإنسان وما تزال تقلقه وتزعجه ولا تتركه يحس بنعيم التروي والاستقرار والتأمل، ناهيك عن عامل السرعة الذي يستوجب قراءة النصوص القصيرة جدا والابتعاد عن كل ما يتخذ حجما كبيرا أو مسهبا في الطول كالقصة القصيرة والرواية والمقالة والدراسة والأبحاث الأكاديمية….
1- تعريف القصة القصيرة جدا:
القصة القصيرة جدا جنس أدبي حديث يمتاز بقصر الحجم والإيحاء المكثف والنزعة القصصية الموجزة والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة، فضلا عن خاصية التلميح والاقتضاب والتجريب والنفس الجملي القصير الموسوم بالحركية والتوتر وتأزم المواقف والأحداث، بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار. كما يتميز هذا الخطاب الفني الجديد بالتصوير البلاغي الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ماهو بياني ومجازي ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي
تعرف القصة القصيرة جدا بمجموعة من المعايير الكمية والكيفية والدلالية والمقصدية والتي تحدد خصائصها التجنيسية والنوعية والنمطية:
أ*- المعيار الكمــــــي:
يتميز فن القصة القصيرة جدا بقصر الحجم وطوله المحدد، ويبتدئ بأصغر وحدة وهي الجملة كما في قصة المغربي حسن برطال"حب تعسفي": " كان ينتظر اعتقالهما معا…لتضع يدها في يده ولو مرة واحدة"، إلى أكبر وحدة قد تكون بمثابة فقرة أو مقطع أو مشهد أو نص كما عند فاروق مواسي وسعيد منتسب وعبد الله المتقي وفاطمة بوزيان. وغالبا لا يتعدى هذا الفن الأدبي الجديد صفحة واحدة كما عند زكريا تامر وإبراهيم درغوثي وحسن برطال في "ماسح الأدمغة" و"كلاب الگرنة". وينتج قصر الحجم عن التكثيف والتركيز والتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والمقاطع المناسبة واجتناب الحشو والاستطراد والوصف والمبالغة في الإسهاب والرصد السردي والتطويل في تشبيك الأحداث وتمطيطها تشويقا وتأثيرا ودغدغة للمتلقي. ونلاحظ في القصة القصيرة جدا الجمل القصيرة وظاهرة الإضمار الموحي والحذف الشديد مع الاحتفاظ بالأركان الأساسية للعناصر القصصية التي لايمكن أن تستغني عنها القصة إلا إذا دخلت باب التجريب والتثوير الحداثي والانزياح الفني.
ب*- المعيار الكيفـــي أو الفنــي:
يستند فن القصة القصيرة جدا إلى الخاصية القصصية التي تتجسد في المقومات السردية الأساسية كالأحداث والشخصيات والفضاء والمنظور السردي والبنية الزمنية وصيغ الأسلوب، ولكن هذه الركائز القصصية توظف بشكل موجز ومكثف بالإيحاء والانزياح والخرق والترميز والتلميح المقصدي المطمعم بالأسلبة والتهجين والسخرية وتنويع الأشكال السردية تجنيسا وتجريبا وتأصيلا. وقد يتخذ هذا الشكل الجديد طابعا مختصرا في شكل أقصوصة موجزة بشكل دقيق في أحداثها كما في مقطع حسن برطال من نص:﴿ حرب البسوس﴾:
" السهام تنطلق…تضرب… الحناجر تصيح…﴿ حبي ليك…يابلادي، حب فريد…﴾ السهام تضرب… الأيادي تتشابك…﴿ حبي ليك…يابلادي،حب عنيف…﴾ السهام تضرب… الأجساد تتناطح…﴿ الحب الغالي…ما تحجبو الأسوار…﴾ انتهت المعركة…جثث هنا وهناك…صمت… جسد تحرك…لازالت فيه روح…حمل اللواء ثم قال:
باسمكم جميعا نشكر مجموعة السهام…انه منظم الحفل…".
ج- المعيار التداولي:
تهدف القصة القصيرة جدا إلى إيصال رسائل مشفرة بالانتقادات الكاريكاتورية الساخرة الطافحة بالواقعية الدرامية المتأزمة إلى الإنسان العربي ومجتمعه الذي يعج بالتناقضات والتفاوت الاجتماعي، والذي يعاني أيضا من ويلات الحروب الدونكيشوتية والانقسامات الطائفية والنكبات المتوالية والنكسات المتكررة بنفس مآسيها ونتائجها الخطيرة والوخيمة التي تترك آثارها السلبية على الإنسان العربي ، فتجعله يتلذذ بالفشل والخيبة والهزيمة والفقر وتآكل الذات…
- الخصائص الدلالية:
يتناول فن القصة القصيرة جدا نفس المواضيع التي تتناولها كل الأجناس الأدبية والإبداعية الأخرى، ولكن بطريقة أسلوبية بيانية رائعة تثير الإدهاش والإغراب والروعة الفنية، وتترك القارئ مشدوها حائرا أمام شاعرية النص المختزل إيجازا واختصارا يسبح في عوالم التخييل والتأويل، يفك طلاسم النص ويتيه في أدغاله الكثيفة، ويجتاز فراديسه الغناء الساحرة بتلويناتها الأسلوبية، يواجه بكل إصرار وعزم هضباته الوعرة وظلاله المتشابكة. ومن المواضيع التي يهتم بها هذا الفن القصصي القصير جدا تصوير الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية وصراعها مع الواقع المتردي، والتقاط المجتمع بكل آفاته، ورصد الأبعاد الوطنية والقومية والإنسانية من خلال منظورات ووجهات نظر مختلفة،ناهيك عن تيمات أخرى كالحرب والاغتراب والهزيمة والضياع الوجودي والفساد والحب والسخرية و التغني بحقوق الإنسان…
شعرية القصة القصيرة جداً
تتخذ اللغة في القصة القصيرة جدا شكلا ليس كشكلها المعتاد في الأدب القصصي، ففي القصة القصيرة والراوية يسعى الكاتب إلى إدهاش القارئ بتميز سرده أو تماسك حبكته، أما هذا النوع من الأدب القصصي فهو مختلف في كل شيء، حتى في غايته، فالقصة القصيرة جدا لا ترمي إلى عرض مقطع عرضي في لحظة من الزمن ووضعه تحت مجهر السرد كما هو الحال في القصة القصيرة، بل تسعى إلى توليد الدهشة في ذهن القارئ بأسرع ما يمكن اعتمادا على تكنيكات لغوية خاصة.
تفرض المساحة الصغيرة المتاحة للقاص لغة خاصة تمتاز بالكثافة العالية، فضلا عن تسارعها المحموم باتجاه النهاية، فيبدو القاص كطير محبوس في قفص، لا يلبث أن يجد منفذا حتى ينطلق منه بسرعة السهم.
وتعني الكثافة قي لغة القصة القصيرة جدا شحن الكلمات بأكثر ما يمكن من المعاني، والتعبير عن أكثر ما يمكن من (الأفعال) بأقل ما يمكن من المفردات. وهذا لا يتأتى إلا بلغة الشعر التي اكتسبت مع توالي الخبرة الإنسانية عليها القدرة على التكثيف الهائل للمعاني.
ولننظر مليا في بعض من النماذج لنحدد سمات تلك اللغة وتأشير ملامح شعريتها.
إن أهم أركان السرد أن يعمد القاص إلى رسم صور شخصياته وهي (تفعل)، لا أن يخبرنا هو عن (أفعالها)، ومن هنا تكون الأفعال عنصرا غاية في الأهمية في لغة القصة القصيرة جدا، فكثير من الأفعال يعني كثيرا من المعاني وكثيرا من الأحداث. هذه قصة (غصة) لـ (السعدية باحدة):
مر من أمامها ،نظر في عينيها...
فنظرت في عينيه
مرت من أمامه،ابتسمت له ...
فابتسم لها
لم يعد يمر من أمامها..
تحسست بطنها بيدها....
فأيقنت أنه...
وقع امتداده....
ورحل
يمكن أن نرصد غلبة الأفعال على الأسماء في هذا النص، ففي الوقت الذي لا يحتوي على أكثر من ثمانية أسماء – مع استبعاد الضمائر المتصلة من العدد لأنها لا تشكل قيمة حقيقية في الطول- يحوي النص اثنا عشر فعلا.
هذه صفة عامة في القصة القصيرة جدا، حشد الأفعال وتزاحمها، بل سيادة الجمل الفعلية الضاجّة بالحركة.
ولغة (الإشارة) تكنيك آخر من تكنيكات القصة القصيرة جدا يقرب لغتها من لغة الشعر، ففي النص السابق ذاته نلاحظ الكثافة المعنوية الهائلة التي حملتها العبارة (تحسست بطنها بيدها)، فهذه الحركة اختزلت الكثير من الكلام والكثير من الأفعال، وأغنت الكاتب عن العودة إلى أحداث ماضية، عندما أوحت هذه العبارة بها إلى القارئ،وفي هذه القصة لـ(هدى فائق) نجد ذات التكنيك:
تقلب صفحات الاجندة ..تبحث عنه ..يقع بصرها على التاريخ ..تهم كتابة تعليق احتفالا بالذكرى الثانية ..تمنعها دمعة غافلتها وسقطت ..لتمحو شيئا ظل عالقا بالذاكرة .
صورة الدمعة الساقطة هنا هي كل القصة فهي تحكي قصة حب عجز عن الاستمرار ولم يعد سوى ألم يعلق بالذاكرة.
ضرورة التكثيف في لغة القصة القصيرة جدا كثيرا ما تغري كتابها باختيار موضوع شعري لقصصهم، هذه مثلا قصة (موجة) للقاص محمود أبو أسعد:
تساقط الظلام وانساب كظل امرأة، عندما أرخت وشاح الريح فوق شعرها ، تسابق ظلالها قوافل الأشرعة ، انحسرت ما بين خصر وثنايا موجة مغرورة ، لتكتب في الشاطيء قصائد وأشعار غزل.
نحن هنا أمام لغة شعرية بالكامل بما تحوي من انزياحات وتشبيهات، فضلا عن الموضوع الشعري ذاته المتمثل في تشخيص موجة، ومثل هذا النوع من القصص تأخذ فيه الانزياحات الأهمية الأولى قبل الأفعال، فهذه القصة – مثلا- قائمة على اسناد الفعل إلى موجة وسط البحر(بمعنى انزياحي)، وهناك (وشاح الريح) و(شعر الموجة) و(قوافل لأشرعة) و(موجة مغرورة)......
يرى بعض الدارسين أن ((معظم الفاشلين في ميداني القصة والشعر قد وجدوا في الـ (ق. ق. جداً) ملاذاً آمناً لأن هناك كتاباً يمارسونها هرباً من كتابة القصة العادية متوهمين فيها السهولة ما أدى إلى طوفان من القصص القصيرة جداً-انظر الرابط هنا))، وفي هذا الرأي وهم كبير، فهو يشبه الرأي القائل أن قصيدة النثر أدت إلى تسهيل ركوب مركب الشعر مما جعل عدد من يدعون أنهم شعراء لا يعد ولا يحصى، فمثل هذه الآراء تغفل العامل الجمالي الذي يستشعره من يتلقون النص الأدب وتكون لهم الكلمة الفصل في الجودة والرداءة.
إننا نرى – بالضد مما تقدم- أن كاتب القصة القصيرة جدا شاعر بالضرورة لأن اللغة الشعرية واحدة من أهم مستلزمات هذا الفن
---------------------------------------
المصادر :
القصة القصيرة جدا.. قراءة في التشكيل والرؤية (1/2)
د.حسين محمد
القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد
د. جميل حمداوي
شعرية القصة القصيرة جدا
ثائر العذاري
أحمد عيسى
15-03-2010, 04:44 PM
رؤيا ...
قصة قصيرة جداً .. سعيد الجندوبي (عضو الواحة)
رأت في ما يرى النائم جنازتها..
استفاقت مذعورة من هول الكابوس، فارتطم رأسها بالسّقف..
فتحت عينيها، فلم تر شيئا..
تململت يمينا فردّها جدار..
تململت شمالا..
جدار أيضا..
انحبست أنفاسها..
وارتدّت إليها صرختها.
محمد ذيب سليمان
18-03-2010, 11:11 PM
الأخت رنيم
أقول شكرا من كل قلبي
أفادك الله
آمال المصري
21-04-2010, 07:11 PM
الأخت رنيم
أقول شكرا من كل قلبي
أفادك الله
أكرمك ربي سيدي الفاضل ونفعنا جميعا بما نتعلمه
تقديري
ابن الدين علي
01-05-2010, 11:45 PM
الموضوع مفيد جدا خاصة بالنسبة لي أنا الذي ما زال يتعثر في الكتابة .بارك الله فيك على هذ الجميل الذي اسديتيه الينا .تحياتي اليك
آمال المصري
04-05-2010, 11:44 PM
الموضوع مفيد جدا خاصة بالنسبة لي أنا الذي ما زال يتعثر في الكتابة .بارك الله فيك على هذ الجميل الذي اسديتيه الينا .تحياتي اليك
وماقمت بنقل هذا الموضوع إلا لنستفيد منه جميعا
فبارك الله فيمن كتبه وجمعه وأفادنا جميعا به
تقديري سيدي الفاضل
آمال المصري
03-05-2011, 10:24 PM
أرفعه للافادة
تحيتي للجميع
نافع مرعي بوظو
04-04-2012, 08:54 PM
شكراً للأديبة رنيم مصطفى على هذا العمل الهام و المفيد لكتاب القصة
مع فائق أحترامي
آمال المصري
30-03-2013, 05:54 AM
شكراً للأديبة على هذا العمل الهام و المفيد لكتاب القصة
مع فائق أحترامي
شكرا لك أديبنا الفاضل على الحضور
بوركت ولك التحايا
ربيحة الرفاعي
24-04-2013, 11:47 PM
موضوع يثري ما لدى بعضنا
ويحتمل إثراءه بما لدى بعضنا الآخر
أرفعه للإفادة
دمتم بالق
تحاياي
آمال المصري
02-05-2013, 10:33 PM
موضوع يثري ما لدى بعضنا
ويحتمل إثراءه بما لدى بعضنا الآخر
أرفعه للإفادة
دمتم بالق
تحاياي
معك أستاذة ربيحة أدعو من لديه المزيد لإثرائه
وشكرا لرفعك النافذة لتعم الفائدة
تحاياي
فاطمه عبد القادر
03-05-2013, 11:14 PM
السلام عليكم
مجهود مشكور يا آمال العزيزة
الفائدة عمّت وألف شكر
ماسة
فوزي الشلبي
08-05-2013, 06:59 AM
شكرا لك أيتها الأديبة الفاضلة آمال على ما بذلت وأزلفت من صالح العمل...أرجو أن يجعله الله في ميزان حسناتك!
تقديري ودعائي!
أخوكم:
فوزي
فوزي الشلبي
08-05-2013, 07:00 AM
شكرا لك أيتها الأديبة الفاضلة آمال على ما بذلت وأزلفت من صالح العمل...أرجو أن يجعله الله في ميزان حسناتك!
تقديري ودعائي!
أخوكم:
فوزي
آمال المصري
15-05-2013, 01:13 PM
السلام عليكم
مجهود مشكور يا آمال العزيزة
الفائدة عمّت وألف شكر
ماسة
شكرا لك ماسة الغالية
وأتمنى المزيد من الفائدة للجميع
ومازلت أدعو من لديه المزيد لنستزيد
والآن أقرأ بحثا ماتعا للدكتور جميل حمداوي يتضمن أركان القصة القصيرة جدا ومكوناتها الداخلية وسألحقه بالموضوع هنا بعد إتمام قراءته لتعم الفائدة
تحاياي
آمال المصري
20-05-2013, 12:21 PM
شكرا لك أيتها الأديبة الفاضلة آمال على ما بذلت وأزلفت من صالح العمل...أرجو أن يجعله الله في ميزان حسناتك!
تقديري ودعائي!
أخوكم:
فوزي
شكرا لك التواجد الطيب شاعرنا الفاضل وأتمنى للجميع الاستفادة مما جمعت هنا
وليزيد من لديه المزيد لتعم الفائدة المرجوة من المتصفح
تحاياي
آمال المصري
25-05-2013, 08:03 PM
كنت قد وعدت بإدراج بحث أركان القصة القصيرة جدا ومكوناتها الداخلية وأرجو أن تعم الفائدة
د.جميل حمداوي
توطئــــة:
تستند المقاربة النقدية لفن القصة القصيرة جدا إلى عدة معايير ومقاييس نقدية، تنصب على الجوانب الدلالية والشكلية والبصرية. ومن هنا، تميز هذه المقاربة بين الأركان والشروط، أو بين المكونات الداخلية والتقنيات الخارجية، أو بين العناصر البنيوية التي تميز فن القصة القصيرة جدا، وتفرده عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى ، وبين المقاييس المشتركة التي تجمع هذا الفن الجديد والمستحدث مع باقي الفنون والآداب والمعارف العلمية.
وبناء على ماسبق، فقد حدد الدكتور أحمد جاسم الحسين مقومات القصة القصيرة جدا في كتابه: ” القصة القصيرة جدا”، وذلك في أربعة أركان أساسية، وهي:القصصية، والجرأة، والوحدة، والتكثيف .
أما الباحث السوري الأستاذ نبيل المجلي، فقد جمع خصائص القصة القصيرة جدا في أرجوزة على غرار منظومات النحو والفقه والحديث ، فحصر أهم مميزاتها في خمسة عناصر أساسية ألا وهي: الحكائية، والتكثيف، والوحدة، والمفارقة، وفعلية الجملة، فقال:
ســـرد قصير متناه في القصر
كالسهم، بل كالشهب تطلق الشرر
كتبـــــها الأوائل الكبـــــــــــار
وليس يدرى من هو المغــــــــوار
قد ميزتـــها خمسة الأركــــان
حكاية غنيــة المعــــــــــــــــــــا ني
وبعدهــــا يلزمها التكثــــــيف
ووحـــــدة يحفظــــــــــــها حصيف
واشترط النـــاس لها المفارقه
وأن تكـــون للحدود فارقـــــــــــــه
وجملة فعليـــــــة بها كمـــــــل
بنـــــاؤها وحقه أن يكتمـــــــــــــــل
وإذا انتقلنا إلى المبدع السوري سليم عباسي، فقد حصر ملامح القصة القصيرة جدا في الحكائية، والمفارقة ، والسخرية، والتكثيف، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها ، وقد ذكر هذه الملامح في الغلاف الخارجي الخلفي من مجموعته القصصية :” البيت بيتك”.
ويتبين لنا من كل هذا أن سليم عباسي يخلط بين الأركان والشروط، أو بين الثوابت الجوهرية والتقنيات الخارجية التي تشترك فيها القصة القصيرة جدا مع القصة القصيرة والرواية والفنون السردية الأخرى.
أما الناقدة الدكتورة لبانة الموشح ، فتحصر عناصر القصة القصيرة جدا في: الحكاية، والتكثيف، والإدهاش.
ويرى لويس بريرا ليناريس أن للقصة القصيرة جدا مجموعة من المؤشرات، وهي:
• حضور عنصر الدهشة.
• العلاقة بين العنوان والحبكة والنهاية.
• تركيب الجمل داخل النص.
• اجتناب الشرح أو التوسع.
• تنوع النهاية.
• القاعدة السردية.
• النص القصير جدا ليس نكتة.
أما الناقد الأرجنتيني راوول براسكا، فيحصر مميزات القصة القصيرة جدا في ثلاثة أركان جوهرية ، وهي:
• الثنائية: وتتمثل في وجود عالمين أو حالتين متقابلتين في النص القصصي(حلم/يقظة، صورة حقيقية/ صورة معكوسة،…الخ). قد تحدث الثنائية بتحول مفاجئ في وجهة نظر الراوي، أو بتقديم روايتين مختلفتين لنفس الحدث.
• المرجعية التناصية؛
• انزياح المعنى.
وترى الناقدة الفنزويلية بيوليطا روخو أن للقصة القصيرة جدا مجموعة من المكونات الرئيسية، وهي:
• المساحة النصية.
• الحبكة.
• البنية.
• الأسلوب.
• التناص.
أضف إلى ذلك، فقد ذهب الناقد المكسيكي لاوروز زافالا إلى أن خصائص القصة القصيرة جدا هي:
• الإيجاز.
• الإيحاء.
• التناص.
• الطابع التقطيعي.
• الطابع الديداكتيكي.
يتبع....
آمال المصري
25-05-2013, 08:04 PM
ومن هنا، نفهم أن للقصة القصيرة جدا أركانها الأساسية وشروطها التكميلية. ويمكن استجماع تلك الأركان والشروط في المباحث التالية:
المبحث الأول: المعيار الطبوغرافي:
نعني بالمعيار الطبوغرافي كل ما يتعلق بتنظيم الصفحة تبييضا وتسويدا، وكل ماتحويه من مؤشرات أيقونية وبصرية وعلامات سيميائية تشكيلية.وفي هذا السياق بالذات، يمكن الحديث عن بعض الأركان الطبوغرافية التي يمكن حصرها في المقاييس النقدية التالية:
1- مقياس القصر:
ينبغي أن تتخذ القصة القصيرة جدا حجما محدودا من الكلمات والجمل ، وألا تتعدى مائة كلمة في غالب الأحوال. أي : خمسة أسطر على الأقل، وصفحة واحدة على الأكثر، لكي لاتتحول إلى أقصوصة أو قصة قصيرة أو رواية بنفسها السردي المسهب والموسع. ويعني هذا أن يحترم الكاتب حجم هذا الفن المستحدث، وألا يتعدى نصف صفحة، ويختار الجمل ذات الفواصل القصيرة، والجمل البسيطة من حيث البنية التركيبية ذات المحمول الواحد.
وهذا الحجم القصير جدا هو الميسم الحقيقي لهذا الجنس الأدبي الجديد، الذي ظهر ليواكب التطورات السريعة التي عرفها العالم بصفة عامة، والمجتمع المغربي والعربي بصفة خاصة. كما يستجيب هذا الحجم المحدود ، من حيث الأسطر والكلمات، مع سرعة الإيقاع الواقعي، وكثرة مشاغل الإنسان، وتخبطه في أزمات يومية ومشاكل كثيرة، يستوجبها الظرف الزمني المعاصر؛ مما يجعل المتلقي أو القارئ لا يستطيع أن يقرأ الأعمال الأدبية الإبداعية الطويلة والمسترسلة. لذلك، يلتجئ إلى القصة القصيرة والقصيرة جدا.
ولقد صدق القاص الفنزويلي لويس بريتو غارسيا حينما قال:” نمر بسرعة من دراما الكتاكالي التي يدوم عرضها ثلاثة أيام، إلى التراجيديا الإغريقية التي تستمر ليلة كاملة، إلى الأوبرا التي تستغرق خمس ساعات، إلى الفيلم الذي يدوم ساعة ونصف، إلى حلقة المسلسل من عشرين دقيقة، إلى الفيديو كليب من خمس دقائق، إلى الوصلة الإشهارية من عشرين ثانية، ثم القصة القصيرة جدا من ثانية واحدة”
ونلاحظ أن كثيرا من الكتاب لا يعرفون كيف يتحكمون في خاصية التكثيف والاقتضاب، فيطولون من قصصهم توسيعا وتمطيطا، حتى تصبح نصوصهم المتخمة بالاستطرادات والحشو الزائد أقرب من القصة القصيرة أو الرواية القصيرة جدا. وبهذا، التطويل يعكر الكاتب صفو هذا الفن الجديد، ويميعه فنيا وجماليا. لذا، يستسهل كثير من الكتاب هذا الفن، ويعتبرونه مطية سهلة، يمكن تطويعها في أية لحظة، استعد لها الكاتب أو لم يستعد. والآتي، يركبها الجميع، حتى الفاشلون من المبتدئين والمجربين والمستسهلين في مجال الكتابة الشعرية والسردية والدرامية.
ويعتبر القاص المغربي حسن برطال في مجموعته: ” أبراج” من أكثر كتاب القصة القصيرة احتراما للحجم القصير جدا ، ومن أمثلة ذلك هذه القصة التي لاتتعدى سطرا واحدا:” شرب من الماء… ولما علق العود بحلقه أدرك أنه في عين الحسود…”
أما قصص مصطفى لغتيري في :” مظلة في قبر”، فتتسم بحجمها المتوسط الذي لا يتجاوز نصف صفحة، ماعدا نصين يستغرقان تقريبا الصفحة الكاملة، وهما: “الأسير”، و”كابوس”.
أما نصوص الزهرة رميج في مجموعتها القصصية القصيرة جدا:”عندما يومض البرق” ، فتتميز في معظمها بالطول المسهب، والانسياب المسترسل، وتستغرق صفحة كاملة، كما يتضح ذلك جليا في قصتها: “واجهة”:
” كل الطلبة منهمكون في الإجابة عن أسئلة الامتحان ماعداها.آخرون يحاولون… لكنها أكثرهم إصرارا.
تحرك رأسها في كل اتجاه…تهمس إلى مجاوريها، فينهرها الأستاذ:
- إذا كان غطاء رأسك يحول دون سماعك لصوتك، فإن أذني تسمعان دبيب النمل!
الوقت يمر وهي على حالها ، تتربص بإجابات الآخرين تربص الوحش بفريسته.
لم يبق الآن، سوى بعض الطلبة المتناثرين في القاعة. دائرة فارغة تحيط بها…لا أمل في تلك اللحظة الأخيرة التي يختلط فيها الحابل بالنابل!…
أخيرا، سلمت الأستاذ ورقة تحريرها.ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة وهو يقرأ ما كتبته أعلى الصفحة بخط عريض أحمر:” بسم الله الرحمن الرحيم.عليه توكلت وهو المعين”.”
وعليه، فهناك ثلاثة أنواع من الكتابة في مجال القصة القصيرة جدا على مستوى الحجم: كتابة قصيرة جدا، وكتابة متوسطة، وكتابة طويلة ومسترسلة.
يتبع.....
آمال المصري
25-05-2013, 08:05 PM
2 - مقياس الترقيم:
من أهم مكونات القصة القصيرة جدا الاهتمام بعلامة الترقيم، وتطويعها سيميائيا لخدمة أغراض الكاتب، ونواياه الإبداعية والتصورية . ونلاحظ في الكثير من المجموعات القصصية القصيرة جدا ثلاث ظواهر بارزة:
أولا: هناك من يتحرر من علامات الترقيم ، ويرفض الوقفات المفرملة، والفواصل المسيجة التي تحد من التدفقات الشعورية والتعبيرية، ويتمرد عن ضوابطها ثورة وانزياحا وجرأة، كما في قصة:” بدون” لعز الدين الماعزي:” دخل الحمام بقفته الفوطة الملابس الداخلية صابونة مشطا محكا وشامبوان…
نزع ملابسه ثوبا ثوبا ودخل للاستحمام.
جاء الكسال دعك أطرافه جره جذبه ثناه طواه حمله وضعه أسنده كتم أنفاسه أفرغ عليه الماء وخرج التفت وجد نفسه بدون….”
ثانيا: هناك من يحترم علامات الترقيم أيما احترام، ويستخدم وقفاتها الإملائية ، وذلك في سياقاتها الملائمة، ويضعها في أماكنها المناسبة، كما في قصص : ” الخيل والليل” للحسين زروق:
” الابن: أماه أين أبي؟
الأم: مسافر ياولدي.
الابن: ومتى سيعود أماه؟
الأم: لاأدري ياولدي.
وبعد شهور…ومع استمرار الحرب.
الابن: أماه لماذا لم يعد أبي؟
الأم: لاأدري ياولدي.
بعد سنة…والحرب تزداد شراستها…
الابن: لماذا لانسافر أيضا يا أماه؟
الأم: ربما نفعل يا ولدي.
الابن: ومتى يا أماه؟
الأم: لا أدري يا ولدي.
وفي أول غارة كان القصد منها شل الحركة الطبيعية للأحياء سافر الابن ولم تضع الأم مزيدا من الوقت… بل سارعت لشراء تذكرة سفر… صارت تملك بندقية”
ثالثا:هناك من يوفق بين الاتجاهين احتراما وتحررا. أي : يتصرف في هذه العلامات الترقيمية، ويطوعها لأغراض فنية وجمالية ومقصدية، ويكتفي ببعض العلامات تركيزا وتبئيرا، مثل: علامات الحذف والفاصلة ، كما هو حال فاطمة بوزيان في مجموعتها القصصية:” ميريندا”:
” كان يوسف يحب الطائرات…
سمع الكبار يتحدثون عن طائرات دمرت أبراجا عالية فمزقها
وأحب يوسف صناعة الزوارق…
سمعهم يتحدثون عن زوارق الموت فأغرقها في الماء
راح يلعب في سيارات صغيرة…رأى في التلفزة سيارات تنفجر ودماء ودموعا فهجر اللعب، وقال إخوته:
- كبر يوسف!”
ويلاحظ كذلك أن كثيرا من كتاب القصة القصيرة جدا يكثرون من علامات الحذف الثلاث والفاصلة، وذلك من أجل تحقيق التكثيف والإيجاز والاقتضاب ، وخلق الجمل القصيرة المتراكبة والمتتابعة سرعة وإيقاعا.
فالكاتب عزالدين الماعزي في مجموعته:” حب على طريقة الكبار” يميل كثيرا إلى الإضمار والحذف ، وذلك عن طريق تغييب علامات الترقيم التي لا تظهر إلا في حالات قليلة. أما أهم علامة تحضر لديه بشكل لافت للانتباه هي علامة الحذف بنقطها الثلاث. وهذه الخاصية الترقيمية إن دلت على شيء، فإنما تدل على الإيحاء والتلميح والإخفاء ، وإسكات لغة البوح والاعتراف والامتناع ، وذلك عن توضيح الواضح وفضح الفاضح. والآتي، أن هذه العلامة الترقيمية تحرك مخيلة القارئ، وتحفزه على التفكير والتخييل، والإجابة عن الألغاز المطروحة، وذلك في سياقاتها المرجعية وأبعادها الانتقادية.
هذا، ويشغل عبد الله المتقي في مجموعته:” الكرسي الأزرق” علامات الحذف الثلاث ، مع توظيف علامة الاستفهام قصد دفع القارئ إلى التخييل ، وتدبر الجواب، وملء الفراغات بأجوبته الافتراضية والممكنة، كما في قصته التي تدور حول السينما التي يهرب إليها الشباب والكبار على حد سواء ، للتنفيس عن مكبوتاتهم، والالتحام مع الخطاب الجسدي الذي يجسده الفيلم السينمائي. وهنا ، تتحول قاعة السينما إلى فضاء الاستهتار والاستمناء:” أطفئت مصابيح القاعة….خيم الصمت….وبدأت أحداث الشريط الفاحشة….الأجساد العارية….القبل….مايشبه اللهاث….و…. سقطت نقطة ساخنة على حافة صلعته…تحسسها بأصابعه…كانت لزجة ودافئة…
- تفو!
- وانسحب من القاعة….
- فقط، كان يشعر بتفاهته”.
و نجد حسن برطال أيضا في مجموعته ” أبراج” يكثر من علامات الحذف، والنقط المتتالية الدالة على حذف المنطوق، واختيار لغة الصمت والتلميح، بدلا من التوضيح وتفصيح ماهو واضح؛ لأن الواضحات كما يقال من الفاضحات. وتعمل نقط الحذف على إثارة المتلقي، ودفعه إلى التخييل ، وتصور المحتمل، والبحث عن الجواب الصحيح ، وإيجاد الحلول الممكنة للأسئلة المطروحة؛ لأن الأسئلة كما يقول الفيلسوف كارل ياسبرز أهم من الأجوبة.
ويكثر الكاتب المغربي حسن برطال من نقط الحذف لخلق بلاغة الإضمار والصمت، بدلا من بلاغة الاعتراف والبوح التي نجدها كثيرا في الكتابات الكلاسيكية شعرا ونثرا. يقول الكاتب متوكئا على بلاغة الحذف ، ملمّحا إلى الموت المحتوم، وبشاعة القتل البشري:” قابيل دفن أخاه…الغراب دفن أخاه….والذي قتل بغداد دفن نفسه”.
هذا، ويستلزم الفراغ النقطي قارئا ذكيا لما يكتبه حسن برطال؛ لأن قصصه قنابل موقوتة، يمكن أن تنفجر في أية لحظة، يحتك فيها المتلقي بأسلاك قصصه القصيرة جدا، والتي على الرغم من حجمها الكبسولي، تحمل في طياتها أسئلة كثيرة ، وقضايا إنسانية شائكة.
ويلاحظ في مجموعة” ميريندا” لفاطمة بوزيان ظاهرة الانسياب السردي، والتحرر من علامات الترقيم التي تتحول إلى علامات معطلة وسالبة في كثير من الأحيان ، أو تتحول إلى علامات الحذف والإضمار كما في قصة:” ماسنجر” مثلا.
والسبب في تعطيل علامات الترقيم في كثير من قصص المجموعة، ربما يعود إلى رغبة الكاتبة في التحرر من شرنقة الإملاء، والتخلص من الفواصل المفرملة للأفكار والعواطف، والانسياق أيضا وراء اللاشعور الوجداني الذاتي، مع ترك التخيلات السردية تنساب بدون تقييد، أو وضع للحواجز التي تكبح اللغة، وتحد من تسلسل المعاني.
يتبع....
آمال المصري
25-05-2013, 08:06 PM
- مقياس التنوع الفضائي:
تتنوع الفضاءات البصرية للقصة القصيرة جدا إلى فضاءات متنوعة، حيث يمكن تصنيفها حسب الشكل التالي:
- فضاء الجملة الواحدة: كما في قصة :” المستبد” لجميل حمداوي:” استيقظ الحاكم المستبد،يوما، فلم يجد شعبه…” ؛
- الفضاء المسردن: وهو الغالب على القصة القصيرة جدا، كما في هذه القصة السردية التي يطغى فيها السواد على البياض:
” ينظر مليا إلى رسم كاريكاتوري على جريدة ويبتسم
” حذاء الوزارة على رأس النيابة، حذاء النيابة على رأس المدرسة،
حذاء المدرسة على رأس الأب…” فإذا بحذاء الأب يكاد يقتلع رأسه:
- ” نوض تحفظ المسخوط”
– فضاء القصيدة الشعرية: مثل ما نجد عند سعيد بوكرامي، الذي كتب قصة قصيرة جدا تشبه الشعر المنثور:
” عاد بلحية خفيفة كغيفارا
أحب أن يعود طبيبا
لكن موسكو تريده أن يعود
في نعش.
صامت يبتسم وحين يتعب
يتشرد في الذكريات
لماذا تحول إلى نحورنا؟”
- فضاء الكتابة الدرامية: كما في هذه القصة للحسين زروق، وهي من مجموعته : ” الخيل والليل”:
” الابن: أماه أين أبي؟
الأم: مسافر ياولدي.
الابن: ومتى سيعود أماه؟
الأم: لاأدري ياولدي.
وبعد شهور…ومع استمرار الحرب.
الابن: أماه لماذا لم يعد أبي؟
الأم: لاأدري ياولدي.
بعد سنة…والحرب تزداد شراستها…
الابن: لماذا لانسافر أيضا يا أماه؟
الأم: ربما نفعل يا ولدي.
الابن: ومتى يا أماه؟
الأم: لا أدري يا ولدي.
وفي أول غارة كان القصد منها شل الحركة الطبيعية للأحياء سافر الابن ولم تضع الأم مزيدا من الوقت… بل سارعت لشراء تذكرة سفر… صارت تملك بندقية” .
- الفضاء الشذري أو المتقطع: يتراوح الفضاء في القصة القصيرة جدا بين فضاء كبسولي متجمع في وحدة منسجمة ومتسقة، و فضاء متقطع ومتشذر في مقطوعات ومتواليات سردية متجزئة، كما في مجموعة الحسين زروق:” الخيل والليل”.
ونعني بالتقطيع البصري عملية التجزيء والتشذير والتقسيم . أي: تقطيع القصة القصيرة جدا، إما بتقسيمـها إلى مقاطع نووية متكاملة فيما بينها دلالة ومقصدية، وإما تقطيع الكلمات إلى حروف وأصوات ومورفيمات لسانية.
فهذه الكاتبة المغربية وفاء الحمري تستعين بالتشكيل الحروفي المتقطع، كما في قصة :” كتاب”:
” قرأ الكتاب العالمي (كيف تصبح مليونيرا) إلى نهايته…
وضعه برفق تحت الحصير…
بحث على ضوء شمعة عن كتاب الواقع
قرأ ماتيسر منه
و
ن
ا
م”
ويقع التقطيع عن طريق تمديد الكلمات، وتوسيعها تشكيلا ودلالة، كما فعلت الكاتبة المغربية سعدية باحدة ، حينما مددت من الكلمات والحروف بصريا وأيقونيا ، للتعبير عن سخريتها وانفعالاتها وموقفها من الأحداث المروية، كما يظهر ذلك جليا في قصة:”جرد”، وقصة” انتكاس”:
” هنااااااااااااااااااااااا اااااك
مازالت بينيلوب مشتعلة/منشغلة
…
وتلمبع طيور أل فرح الصدئة…
منخووووووووووووووووورة
مت ———————-عبة
…”
إذا، ثمة فضاءان أساسيان: فضاء كبسولي متسق ومنسجم عضويا وموضوعيا، وفضاء متشذر ومتقطع كتابة ومتوالية.
يتبع...
آمال المصري
25-05-2013, 08:07 PM
المبحث الثاني: المعيار السردي:
يرتكز المعيار الشكلي أو الفني أو الجمالي لفن القصة القصيرة جدا على مجموعة من المقاييس، التي يخضع لها هذا الفن المستحدث في أدبنا العربي الحديث والمعاصر. ومن أهم المقاييس التي ينبني عليها المعيار الشكلي، نستحضر المقاييس الفنية التالية:
1- مقياس القصصية:
تشترك القصة القصيرة مع باقي الفنون السردية، كالأقصوصة والقصة القصيرة والرواية والرواية القصيرة، في الانطلاق من الفكرة، ومعالجتها من خلال أحداث مركزة، تؤديها عوامل وشخوص معينة وغير معينة ، وذلك في أفضية محددة أو مطلقة ، مع الاستعانة بالأوصاف المكثفة أو المسهبة ، وذلك عبر منظور سردي معين ، ضمن قالب زمني متسلسل أو متقاطع أو هابط سرعة وبطءا ، مع انتقاء سجلات لغوية وأسلوبية معينة، للتعبير عن رؤية فلسفية ومرجعية معينة.
وإذا افتقدت القصة القصيرة جدا مقوماتها الحكائية، فإنها تتحول إلى خاطرة أو مذكرة انطباعية أو نثيرة شعرية…
ومن شروط هذه القصة أن تخضع لفاعلية القراءة، ومستلزمات الاتساق والانسجام والبناء الحجاجي مراعاة أو انتهاكا.
وهكذا، تكتمل – مثلا – في مجموعة عزالدين الماعزي النزعة القصصية، والتخطيب السردي الحكائي. ونعني بهذا أن قصصه الرمزية والتقريرية معا تتوفر فيهما الحبكة السردية والنزعة القصصية، وذلك بمكوناتها الخمس: الاستهلال السردي، والعقدة الدرامية، والصراع، والحل ، والنهاية . وقد تكون هذه النهاية مغلقة معطاة، أو مفتوحة يرجى من القارئ أن يملأ فراغ البياض ونقط الحذف ، وذلك عن طريق التخييل والتصوير، واقتراح الحلول الممكنة. ويا للعجب العجاب! فما تقوله قصة من قصص الماعزي الموجزة في أربعة أسطر أو صفحة واحدة من الحجم المتوسط،تعجز كثير من الروايات الكلاسيكية والحداثية بصفحاتها الطويلة، ومجلداتها المتسلسلة، أن تقوله بوضوح و جلاء وروح شاعرية فكاهية مقنعة. ومن هنا، نرى أن القصة القصيرة جدا ستكون جنس المستقبل بلا منازع، مع التطور السريع للحياة البشرية، والاختراعات الرقمية الهائلة، وسرعة الإيقاع في التعامل مع الأشياء، وكل المعنويات الذهنية والروحية.
ومن أمثلة النزعة القصصية المحبكة بشكل متكامل ، وذلك في صياغة الأحداث، والشخصيات، والفضاء، والوصف، والمنظور، والزمن، والسجلات اللغوية، نذكر قصة: (حذاء شطايبه):” يضع شطايبه قبعته نظارته السوداء يهيم في الشارع يخيط بعينيه أرداف الفتيات ويمسح غبار الأزقة وكراسي المقاهي.
لا يدري شطايبه الذي أصابه إنه قلق منقبض كتوم…
شطايبه يضع صندوقه في يده يتابع سيره بين المقاهي يتطلع إلى الأحذية التي تود المسح… وهو في طريقه يصطدم مع كلب هو الآخر يبحث عن عظمة أو فتات أمام باب مقهى يلتفت إليه ينهره يرفع رجله ليضربه يرفع الكلب أذنه تظهر أنيابه يفتح فاه يزمجر الطفل يغضب الكلب يرفع رجله يتلقاه الكلب فيلقم حذاءه يهرب الكلب بالحذاء يرمي شطايبه الصندوق يجري ويجري يضيع الصندوق والحذاء…”
ويبدو لنا أن هذه القصة تتوفر على مقومات الحبكة القصصية من أحداث، وفواعل، وفضاء سردي، ومنظور، ووصف، وأسلبة، وتزمين.
آمال المصري
25-05-2013, 08:08 PM
2- مقياس التركيز:
نعني بخاصية التركيز أن تنبني القصة القصيرة جدا على الوظائف الأساسية والأفعال النووية، مع الاستغناء عن الوظائف الثانوية والأفعال التكميلية الزائدة والأجواء المؤشرة الملحقة والقرائن الظرفية المسهبة. أي: ينبغي على المبدع أن يشذب الزوائد المعيقة، ويبعد عن نصه كل الفضلات والملحقات التي لاتخدم الحبكة القصصية بأي حال من الأحوال. ويعني هذا أنه من الأفضل للمبدع أن يركز على الأفعال الإسنادية التي تكون بمثابة العمدة، ويجتنب قدر الإمكان الفضلات القائمة على التوسيع والإسهاب والتمطيط. كما ينبغي عليه أن يبتعد قدر الإمكان عن التفصيلات المتشعبة، ويكتفي إن اقتضى الأمر بالتفصيلات الجزئية المختزلة التي تخدم النص.
وإذا تأملنا قصة ” فرح” لمصطفى لغتيري المأخوذة من مجموعته القصصية القصيرة جدا:” تسونامي” ، فإننا نجد أنفسنا أمام وظائف أساسية، وأفعال إسنادية عمدة، تتشكل في أغلبها من أفعال ماضية تامة أو ناقصة: أعد- انتظر- تأجل- حل- كان- تعفن…بدون استزادة إسهابية أو استطرادية في التفصيل أو الحشد اللغوي.
وقصة:” فرح ” هي على الشكل التالي: ” قبيل حلول العيد، أعد نفسه للفرح…مساء انتظر كباقي الناس ظهور الهلال، لكنه لم يظهر، فتأجل العيد يوما واحدا…
حين حل العيد كان الفرح قد تعفن.”
ونجد هذا التركيز جليا في أقصر قصة قصيرة كتبت في التاريخ، وهي للكاتب الغواتيمالي أوغسطو مونتيروسو:” عندما استيقظ ، كان الديناصور لايزال هناك” .
لم يستعمل الكاتب في هذه القصة إلا فعلين أساسين في تشكيل قصته وتحبيكها، مع العلم أن الفعل ” كان” مجرد رابطة مساعدة دالة على زمنية الفعل الماضي. وهذه القصة في الحقيقة تمثل قمة التركيز، كما تحمل في طياتها دلالات عدة منفتحة وموحية.
3- مقياس التنكير:
إذا كان الكثير من الروايات والقصص القصيرة الواقعية والرومانسية تحمل أسماء علمية محددة بدقة، تعبر عن كينونات وذوات إنسانية مرصودة ، وذلك من خلال رؤى فزيولوجية ونفسية واجتماعية وأخلاقية، فإن القصة القصيرة جدا تتخلص من هذه الأسماء الشخوصية العلمية المعرفة ؛ فتصبح ذواتا مجهولة نكرة. وبالتالي، تتحول في عصر العولمة إلى كائنات معلبة ومستلبة ومشيأة ومرقمة بدون هوية ولا كينونة وجودية ، وتبقى أيضا بدون حمولات إنسانية. أضف إلى ذلك، فالإنسان في زماننا هذا قد امتسخ وتحجر، وصار كائنا كروتيسكيا متوحشا يخيف الآخرين ، وصار ذئبا لأخيه الإنسان، كما قال الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز.
وربما يكون هذا التنكير الشخوصي راجعا إلى تطابق الذات القصصية مع ذات المبدع، التي أصبحت بدورها ذاتا مهمشة وممزقة وضائعة بين سراديب هذا الكون الشاسع، الذي تقزمت فيه كثير من الذوات، وتضآلت قيميا وحضاريا وماديا ووجوديا وثقافيا.
وفي هذا النطاق، يقول رشيد البوشاري في قصة:” ملل”، مستعملا مقياس التنكير، وتغييب الشخصيات، مختفيا وراء ضمير الغائب، والتواري وراء الرؤية من الخلف المحايدة:” انتهى منه العمل بعد الستين…فامتطى صهوة زمنه المتبقي، يسافر بعيدا عن فكرة الفراغ.
على أريكته المهترئة، جلس يراقب مركبه الرابض قرب الصخور والأمواج تتقاذفه…أحس بالحنين لأيام العمل، لكن عجزه وقوة الحياة جعلاه يكتفي بمشاهدة مركبه وهو يتمسك بحبل النجاة.
استسلم العجوز لرتابة الزمن، وقرر الموت في حضن الفراغ وعلى أريكة الملل”.
ويقول عبد الدائم السلامي في حديثه عن الشخصيات، وتركيزه على مقياس التنكير في مجموعتي مصطفى لغتيري وعبد الله المتقي:”إن قراءة متأنية لقصص الكتابين تظهر لنا أن شخصياتها تتنوع كثرة وأفعالا ومآلا، فقصص :” الكرسي الأزرق” تتوفر على مائة وتسع عشرة شخصية، منها مائة وتسع شخصيات لاتحمل اسما علما، وأغلبها معرف بالإضافة أو بالألف واللام ، ولكنها فاعلة في المغامرة مشاركة فيها، ونسبتها 91.6% ، وعشر شخصيات عينها الكاتب بأسماء معلومة، غير أنها في الغالب الأعم جاءت باهتة عرضا في المغامرة، قليلة الفعل فيها، ونسبتها 8.4%.
وتتضمن قصص:”مظلة في قبر” مائة وإحدى عشرة شخصية، منها اثنتان وتسعون شخصية غير معرفة، ولها فعلها في المغامرة، ونسبتها 82.9% ، وتسع عشرة شخصية تحمل اسما علما، وهي على غرار شخصيات قصص:”الكرسي الأزرق”، يوردها الراوي دون أن سيند إليها أفعالا في الحكاية إلا نادرا ، بما يسمها بميسم المساعدة في سيرورة الحكاية لاغير، نسبتها 17.1%.”
وحينما ترد هذه الشخصيات المغيبة النكرة، فإنها ترد كضمائر إحالة مثل: خرج- عاد- فترجل، إنه….
أو ترد بأدوارها الاجتماعية، مثل: الشرطي- المدرس- الأب- الجد- مدير البنك- الأستاذ- الطبيب- السائق…
آمال المصري
25-05-2013, 08:08 PM
4- مقياس التنكيت والتلغيز:
تتحول مجموعة من القصص القصيرة جدا إلى أحداث ملغزة أو من باب التنكيت والترفيه، ليترك المبدع القارئ دائما يتسلح بالبياض لملء الفراغ. ويعني هذا أن قصص حسن برطال – مثلا- عبارة عن ألغاز معقدة، تثير إشكاليات مفتوحة ، من الصعب بمكان أن نجد لها حلا بسهولة، أو نبحث لها عن إجابات نهائية محددة شافية:” هاجر الابن…ثم هاجرت الأم…وتبعهما الأب…
ولما عادت الأسرة من المهجر وجدت البيت قد هاجر” .
وفي سياق آخر، يقول معتمدا على التلغيز:” بفضل المظلات والواقيات الشمسية….لم تعد
هناك رواية” رجال الشمس”
بل كل الرجال يعيشون في
الظل روايات…”
ونلاحظ في هذه القصص الملغزة الموجزة أن النص غير مكتمل، يحتاج إلى توضيح وتفسير، لابد أن يملأ المتقبل فراغه بالجواب والتأويل ، وذلك حسب السياق المرجعي الذي يعيشه ذلك المتلقي الضمني.
ومن النكت المثيرة ماكتبه حسن برطال في مجموعته:” أبراج” :” تحول ” مسمار جحا” من فكرة في رأسه
إلى ” مسمار الكيف” في قدمه…
ليعرقل مسيرته الشيطانية”
ونستنتج من كل هذا أن التلغيز والتنكيت من المكونات الضرورية لانبناء القصة القصيرة جدا، وانكتابها فنيا وجماليا ووظيفيا.
5- مقياس الاقتضاب:
إذا كانت الرواية الواقعية تسهب في الوصف تطويلا واستطرادا وحشوا ، كما عند بلزاك ، و فلوبير، و ستاندال، و موباسان، ونجيب محفوظ، وعبد الكريم غلاب، ومبارك ربيع،… فإن من أهم المكونات الأساسية للقصة القصيرة جدا الاقتضاب في الوصف ، وذلك عن طريق الابتعاد عن الحشو الزائد، وتجنب الاستطرادات الوصفية والتأملات الشاعرية، وتفادي التكرار اللفظي والمعنوي، والتقليل من النعوت والصفات ، والابتعاد عن التمطيط في التصوير الوصفي صفحات وصفحات. ومن هنا، فلابد من عملية الاقتضاب في الوصف تشذيبا وانتقاء ، ولابد من الاقتصاد فيه إيجازا واختزالا وتدقيقا.
وفي هذه الحالة، لاينبغي للمبدع أن يستخدم في قصصه القصيرة جدا الأوصاف، إلا إذا كانت معبرة تخدم السياق القصصي خدمة دلالية وفنية ومقصدية ، وألا يتحول الوصف إلى حشو زائد، كما نجد ذلك في الكثير من القصص القريبة إلى نفس الرواية والقصة القصيرة.
فإذا أخذنا هذا النموذج القصصي الذي يحسب على القصة القصيرة جدا ، فقد نجده أقرب إلى القصة القصيرة والرواية منه إلى نفس القصة القصيرة جدا ؛ وذلك بسبب كثرة الأوصاف والنعوت والأحوال وأسماء التفضيل. في حين ، يشترط في القصة القصيرة جدا التركيز على الوصف المقتضب والموجز ، مع إلغاء الزوائد اللغوية المعيقة، وتشذيب الأوصاف المسترسلة المسهبة. وفي هذا السياق، تقول الزهرة رميج في قصة:” النادل”:
” تحول فضاء الفيلا الفخمة إلى حديقة تفوح منها روائح أغلى العطور وتينع فيها أجساد أجمل النساء.
كان الحفل في أوجه. إيقاع الموسيقى يزداد ارتفاعا والأجساد حرارة وعريا.عندما توقف النادل الشاب ذو البدلة الرسمية الأنيقة عند إحدى الموائد ، كانت صاحبة الجسد الممتلئ والصدر شبه العاري تحكي نكتة ماجنة. استمرت في الحكي بعدما سحبت نفسا عميقا من سيجارتها الفخمة ونفخت الدخان الذي ارتطم بوجهه وهو ينحني ليقدم لها الشاي…
تابع النادل طريقه على المائدة المجاورة.قالت إحدى الحاضرات وهي تكاد تنفجر من الضحك:
- ألم تخجلي وأنت تحكين النكتة أمام الرجل؟
أجابت وهي تنظر حولها في استغراب:
- أي رجل؟!”
ولا يعني هذا ألا يستخدم الكاتب النعوت والأوصاف ، بل عليه أن ينتقي الصفات الملائمة والمناسبة ، ويحتكم إلى مقياس التركيز والتدقيق، فيختار ما يخدم السياق النصي ، وينفع عقدة القصة ، ويوتر أزمتها ، ويثير القارئ، ويصدمه بشكل مربك ومدهش، ويفاجئه بوقع القصة، فتتحول النعوت والصفات المنتقاة إلى مؤشرات فاعلة وصادمة وواخزة ، كأننا أمام لقطة سينمائية مرعبة ومثيرة ومدهشة ، كما في قصة:”الخطيئة” لمصطفى لغتيري:
” بخطى واثقة، توجه ” نيوتن” نحو شجرة…
توقف تحتها، وطفق يتأمل ثمارها…
أحست تفاحة بوجوده فارتعبت…
ألقى في روعها أنه آدم يوشك، ثانية، أن يرتكب فعل الخطيئة…
حين طال مكوثه، انتفضت التفاحة فزعة، فانكسر سويقها…
هوت على الأرض، واستقرت هامدة بالقرب من قدميه.”
يلاحظ على هذه القصة القصيرة جدا أنها كبسولة مقتضبة، وذلك من حيث الوصف والتصوير ، إذ ترد نعوتها القليلة لتشخص لنا حدثا دراميا متوترا. لذا، يحسن الكاتب تشغيل منظومته الوصفية، وذلك على الرغم من اقتضابها وإيجازها.
آمال المصري
25-05-2013, 08:09 PM
6- مقياس التكثيف:
نعني بتكثيف القصة اختزال الأحداث، وتلخيصها، وتجميعها في أفعال رئيسية، وأحداث نووية مركزة بسيطة، والتخلي عن الوظائف الثانوية التكميلية، والابتعاد عن الأوصاف المسهبة، أو التمطيط في وصف الأجواء.
ونفهم من هنا، أن القصة لابد أن تخضع لخاصية الاختزال والتركيز ، وتجميع أكبر عدد ممكن من الأحداث والجمل ، وذلك في رقعة طبوغرافية محددة، ومساحة فضائية قصيرة جدا. ولا يكون التكثيف – هنا- فقط على مستوى تجميع الجمل والكلمات، بل يكون أيضا على المستوى الدلالي، فتحمل القصة تأويلات عدة، وقراءات ممكنة ومفتوحة.
ويعد التكثيف أيضا من أهم عناصر القصة القصيرة جدا، ويشترط فيه الدكتور يوسف حطيني: ” ألا يكون مخلا بالرؤى أو الشخصيات، وهو الذي يحدد مهارة القاص، وقد يخفق كثير من القاصين أو الروائيين في كتابة هذا النوع الأدبي، بسبب قدرتهم على التركيز أو عدم ميلهم إليه.”
هذا، وتستند معظم قصص مصطفى لغتيري إلى التكثيف القصصي، والإيجاز في تفصيل الحبكة السردية ، وذلك عن طريق التركيز على استهلال وجيز، وطرح للعقدة بشكل مركز، وتبئير لنهاية قد تكون مغلقة أو مفتوحة، تحتاج إلى التخييل القرائي، والتأويل الاستنتاجي، والتفاعل الضمني بين النص والمتلقي، كما في قصة: ” بلقيس”، التي يصور فيها الكاتب العطش الإنساني إلى الارتواء الشبقي والإيروسي؛ بسبب الافتتان بغواية المرأة، والإعجاب بجمالها الفينوسي الجذاب اشتهاء وحرقة:” في قصر سليمان، حينما كشفت بلقيس عن ساقيها المرمريتين، كان هناك في مكان ما، عين تختلس النظر، وترتشف بالتذاذ تفاصيل القوام البهي.
من مكانه، في إحدى شرفات القصر، رأى الهدهد ما حدث، فاعتصر قلبه الندم.
منذ ذلك الحين، أقسم الهدهد بأن لا ينقل مطلقا الأخبار بين البشر، وأن يلزم الصمت إلى أبد الآبدين” .
وتعتبر مجموعة” أبراج” لحسن برطال نموذجا بارزا لخاصية التكثيف والاختزال السردي؛ وذلك بسبب قصر الجمل، وكثرة الفواصل المفرملة.
7- مقياس الإضمار والحذف:
تستند القصة القصيرة جدا إلى مكون الإضمار والحذف، باعتبارهما من أهم الأركان الجوهرية للقصة القصيرة جدا، وينتجان كما هو معلوم عن طريق وجود نقط الحذف، والفراغ الصامت، وظاهرة التلغيز.
وهكذا، يستعمل كاتب القصة القصيرة جدا تقنية الحذف والإضمار ، من أجل التواصل مع المتلقي، قصد دفعه إلى تشغيل مخيلته وعقله، لملء الفراغات البيضاء، وتأويل ما يمكن تأويله؛ لأن توضيح دلالات المضامين ومقصدياتها ، لايمكن توضيحها أكثر من اللازم. ويستعين الكاتب غالبا بالإيجاز والحذف ، وذلك لدواع سياسية، واجتماعية، وأخلاقية، ولعبية، وفنية، وأخلاقية. كما أن ذكر بعض التفاصيل الزائدة التي يعرفها القارئ، تجعل من العمل الأدبي حشوا وإطنابا. لذلك، يبتعد الكاتب عن الوصف، ويستغني في الكثير من النصوص عن الوقفات الوصفية، واللوحات المشهدية، التي قد نجدها حاضرة في القصة القصيرة العادية أو النصوص الروائية.
هذا، وتتحقق ظاهرة الإضمار فنيا في المجموعة القصصية القصيرة جدا ، وذلك عن طريق الحذف الدلالي، وتشغيل علامات الترقيم الدالة على غياب المنطوق اللغوي، وحضور الإبهام البصري، وهيمنة الفراغ اللغوي، ويظهر ذلك بوضوح في توظيف النقط الثلاث، كما في قصة: ” برتقالة ” لمصطفى لغتيري التي يحاور فيها تناصيا قصة أحمد بوزفور ،حيث تتحول سيارة أجرة إلى برتقالة ، عندما تعاين شرطي الطريق، فيقع هذا التحول خوفا من بطش السلطة، وهربا من مضايقاتها غير المشروعة:” صباحا فتحت باب الثلاجة…مددت يدي داخلها…تناولت برتقالة….متلذذا شرعت أقشرها…فجأة أمام ذهولي، تحولت البرتقالة إلى سيارة أجرة صغيرة حمراء…شيئا فشيئا استحالت دهشتي إعجابا بالسيارة…بتؤدة فتحت بابها الخلفي…انبثق منها الكاتب متأبطا أوراقه… مددت يدي نحوه…دون تردد سلمني إحداها…متلهفا قرأتها…إنها قصة سيارة أجرة، تحولت إلى برتقالة” .
ويبين لنا هذا مدى غلبة الطابع الذهني على قصص الكاتب؛ مما يجعل قصصه الرائعة تجمع بين المتعة والفائدة. أي: إن الكاتب يصدر في قصصه عن معرفة خلفية، وزاد ثقافي رمزي، وهذا ما يميز هذه المجموعة عن باقي المجموعات القصصية القصيرة الأخرى.
ومن أهم سمات القصة القصيرة جدا عند حسن برطال وجود ظاهرة الحذف والإضمار، وذلك من خلال الإكثار من علامات الحذف، والنقط المتتالية الدالة على حذف المنطوق، واختيار لغة الصمت والتلميح ، بدلا من التوضيح والإفصاح .
هذا، ويكثر الكاتب من نقط الحذف لخلق بلاغة الإضمار والصمت، بدلا من بلاغة الاعتراف والبوح، التي نجدها كثيرا في الكتابات الكلاسيكية شعرا ونثرا. وفي هذا الصدد، يقول الكاتب متوكئا على بلاغة الحذف، ملمّحا إلى الموت، ومستنكرا بشاعة القتل البشري:” قابيل دفن أخاه…الغراب دفن أخاه….والذي قتل بغداد دفن نفسه…” .
وعليه، يستلزم الفراغ النقطي قارئا ذكيا، لما يكتبه حسن برطال؛ لأن قصصه قنابل موقوتة، يمكن أن تنفجر في أية لحظة، يحتك فيها المتلقي بأسلاك قصصه القصيرة جدا، والتي على الرغم من حجمها الكبسولي تحمل في طياتها أسئلة كثيرة، وقضايا إنسانية شائكة- كما قلنا سابقا-.
آمال المصري
25-05-2013, 08:10 PM
المبحث الثالث: معيار القراءة والتقبل:
1- مقياس الاشتباك:
من أفضل القصص القصيرة جدا تلك القصص التي تشتبك مع قارئها ذهنيا ووجدانيا وحركيا، وذلك عبر مجموعة من العمليات التفاعلية ، كالإدهاش، والإبهار ، والإرباك، والمفاجأة، والحيرة الدلالية، والتركيز على الوقع الجمالي، والتحكم في المسافة الجمالية، ومراعاة أفق التلقي ، وتخييبه ، وتأسيسه من جديد.
وتسهم قصص التلغيز – مثلا – في إثارة مخيلة القارئ. بينما تثير قصص التنكيت في إثارة وجدان القارئ، وتحريكه سيكولوجيا. أما قصص السخرية والمفارقة، فهي تساهم في دغدغة المتلقي، واستفزازه ذهنيا وروحيا ، وذلك عبر الفكاهة والباروديا والتهجين الأسلوبي. بينما القصص المباشرة التقريرية، فهي قصص تبلد عقل القارئ، وتخلق معه علاقة تفاعلية سلبية، تتسم بالرتابة، وتقديم كل شيء جاهز على طبق من ذهب.
2- مقياس المفاجأة:
تعمل كثير من القصص القصيرة جدا على مفاجأة المتلقي، وإثارته فنيا وجماليا ودلاليا ، واستفزازه عن طريق الانزياح والصورة الومضة، وإيقاعه في شرك الحيرة والتعجب اندهاشا وإرباكا وسحرا. وتكون هذه المفاجأة عند حدوث الوقع الجمالي، وانتهاك المسافة الجمالية، وتخييب أفق انتظار القارئ، وخلخلة مفاهيمه وتصوراته المسبقة عن العمل.
كما تعمل بدايات هذه القصص ونهاياتها على مفاجأة المتقبل بعوالم إبداعية جديدة، لم تكن في حسبانه، إذ تنماز عوالم القصة الواقعية والحلمية والافتراضية بخاصية التوهج، والتنوير التشخيصي، والتدفق المجازي.
وتمتاز قصص مصطفى لغتيري وغيره من مبدعي القصة القصيرة جدا باستعمال مكون المفاجأة ، لإدهاش المتلقي ، وإرباكه ذهنيا ووجدانيا وحركيا، وخلق لغة الغموض والتخييل ، وتخييب أفق انتظار المتلقي، مع دفعه اضطرارا وقسرا نحو التخييل ، وافتراض الأجوبة الممكنة، وتشويق القارئ لملء فراغ النص ، وإشباع بياضاته المسكوتة . وفي هذا الاتجاه، يقول عزالدين الماعزي في قصته الملغزة ” شكون”:
” خرج من بيته على دقات الساعة العاشرة صباحا، طلبت منه الزوجة أن يوصل الخبز إلى الفران، رفع كتفه، فتل شاربه ومضى…
التصقت بساقه الصغرى دفعها خلفه وصفق الباب بعنف…
في العاشرة ليلا عاد ثملا، فتش في سترته، أدخل يده في جيب سرواله، عن حزمة المفاتيح التي…بدل عاود دون جدوى.
طويلا بحث…على إيقاع الضجيج الذي أحدثه أطلت الزوجة من كوة النافذة…قالت…”
فهذه القصة مفاجئة للمتقبل الذي تعود على النهاية الكلاسيكية المعطاة؛ لأن نهاية هذه القصة بقيت غير مكتملة، تنتظر القارئ أن يملأ بياضها، و يتخيل كل الإجابات الممكنة والمفترضة.
3- مقياس الإدهاش:
تعد خاصية الإدهاش من أهم خاصيات القصة القصيرة جدا الناتجة عن الإضمار والغموض والحذف والتخييل، والمترتبة كذلك عن ترك البياضات الفارغة، واصطناع لغة المفارقة ، وتشغيل العلامات الملتبسة المحيرة، التي تساهم في خلخلة ميثاق التلقي، وإرباك القارئ على مستوى التلقي، وتقبل النص ، كما يتضح ذلك في قصة: ” السكوت من ذهب” ، التي التجأت إلى الإيجاز المقتضب ، واستعمال الحكمة الساخرة، والفكاهة الواعية، والنادرة الذهنية التي تستوجب من المتلقي استعمال الخيال والعقل ، وتشغيلهما من أجل تفكيك دوال المنطوق لبناء المفهوم:
” لكي يصبح الرجل ثريا،
قرر أن يصمت إلى الأبد” .
ومن ثم، تهدف القصة القصيرة جدا إلى دغدغة المتقبل ، وجذبه لمشاركة الكاتب في انبناء نصه. لذا، يدهشه المؤلف بالبياضات الكثيرة، والفراغ الصامت ، والتلغيز المحير، والتنكيت الساخر، وقلب المواضعات المألوفة رأسا على عقب.
آمال المصري
25-05-2013, 08:10 PM
المبحث الرابع: المعيار التركيبي:
1- مقياس الجمل البسيطة:
كلما كانت القصة القصيرة جدا مبنية على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، وابتعدت عن الجمل الطويلة والمركبة ذات المحمولات المتعددة، كانت القصة أكثر تركيزا واقتضابا واختزالا، وانبهارا للقارئ، وإدهاشا له.
لو تأملنا قصص مصطفى لغتيري وحسن برطال ، فنلفيها قد بنيت تركيبيا على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، سواء أكان محمولا فعليا أم اسميا أم ظرفيا أم حاليا… وتقوم الفواصل وعلامات الترقيم الأخرى، كالاستفهام ، ونقط الحذف ، والنقطة، وعلامة التعجب أو التأثر، بدور هام في تقطيع الجمل، وتكثيفها ، واختزالها إلى نوى محمولية. وتهيمن في هذه القصص القصيرة جدا محمولات الجمل الفعلية، للتدليل على الحركية، والتوتر الدرامي، وإثراء الإيقاع السردي ، وخلق لغة الحذف والإضمار.
أما المحمولات الاسمية، فتأتي للتأكيد والتقرير والوصف، وتبيان الحالة. ومن هنا، فالغرض من توظيف الجمل البسيطة، وذلك بكثرة في القصة القصيرة جدا، هو البحث عن إيقاعية متناغمة لجنس القصة القصيرة جدا ، وتسريع الأحداث بشكل ديناميكي حيوي، والميل إلى الاختزال والحذف والاختصار، وتشويق القارئ، والابتعاد عن التطويل والإطناب والإسهاب.
2- مقياس الفعلية:
يلاحظ نقديا أن كثيرا من كتاب القصة القصيرة جدا يكثرون من الجمل الفعلية، أو الجمل الاسمية التي خبرها جملة فعلية، أو يكثرون من الجمل الرابطية ذات الطاقة الفعلية. ويعني هذا أن الجمل الفعلية تسهم في تفعيل الحبكة، وتأزيمها توترا وتعقيدا ودرامية، كما أن الجمل الفعلية دالة على الحركة والحيوية والفعلية الحدثية ، وذلك من خلال تتابع الأفعال، وتراكبها استرسالا أو تضمينا.
3- مقياس التراكب:
من أهم الظواهر البارزة التي تلفت الانتباه في القصة القصيرة جدا، نجد ظاهرة تراكب الجمل، وتتابعها في سياق النص، من أجل تأزيم العقدة ، وخلق التوتر الدرامي، وذلك عبر تسريع وتيرة الجمل ، وركوب بعضها البعض، ولاسيما في القصص التي تسرد بواسطة الجمل الفعلية المسردة ، كما في قصة :” شهد الملكة”:” من بعيد تراءت له الملكة تتقاطر عسلا، وتجللها- ببهاء- هالة من نور بخطوات حالمة دلف نحوها…دنا منها… مرتبكا مد سبابته…أغمض عينيه وغمس الأصبع في العسل… تذوق قطرة واحدة، فغدا العالم من حوله بطعم، أبدا لم يعد قادرا على تحمله”.
نلاحظ في هذه القصة مجموعة من الجمل الإسنادية التي تخضع للتتابع والتراكب السريع، وذلك بشكل يؤدي حتما إلى تسريع النسق القصصي ، وإسقاطه في شرنقة التأزم والتوتر الدرامي الحركي، كما يدل على ذلك النسق الفعلي التالي:تراءت، تجللها،دلف، دنا، مد،أغمض، غمس،تذوق، غدا، يعد… فمسافة هذه الأفعال المتراكبة قريبة ومتجاورة ؛ مما يساعدها على خلق لوحة مشهدية درامية، أو لقطة فيلمية نابضة بالحركة والسرعة الإيقاعية.
ومن أهم الملاحظات التي نستخلصها ، وذلك من خلال تتبعنا لقصص عز الدين الماعزي في مجموعته :” حب على طريقة الكبار”، تراكب الجمل ، وتداخلها فنيا وجماليا، وتعاقبها استرسالا وانسيابا، دون حدود وفواصل تركيبية ونظمية. وهذا الترادف والتراكب الجملي، والمزاوجة بين الجمل البسيطة والجمل المركبة، هو الذي يعطي لقصصه رونقها الإبداعي الشاعري، ومتعتها الجمالية الفنية، وفائدتها الرمزية، كما في هذه القصة التي تصور زلزال الحسيمة، وانبطاح ليلى، و ضياع أحلامها الوردية بوفاة كل أفراد أسرتها:” بعد ثوان من زلزال الثلاثاء الأسود بالحسيمة، توفي كل أفراد أسرة ليلى، وحيدة ليلى تذرف دموع الفراق لا تعرف ليلى كيف حصل ذلك هي التي كانت تحلم بيوم سعيد وبعالم بدون حواجز…هي الآن وحيدة وحيدة، ترى الحزن بعين واحدة يطل من كل العيون تكتفي بالنظر إلى هذه الثواني التي مرت وراء زجاج نافذة المستشفى. هي التي كانت ترسم بالألوان ما خطته بقلم الرصاص مثل فراشة وتتلعثم بأحرف الهجاء وأناشيد الطفولة كلما خلت إلى نفسها تغني وهي تقفز على الحبل” .
وعلى أي حال، يعد مقياس التراكب من أهم أركان القصة القصيرة جدا، ومن أهم مكوناتها المعيارية الأساسية.
آمال المصري
25-05-2013, 08:11 PM
4- مقياس التتابع:
يستند الكاتب في تحبيك قصصه القصيرة جدا إلى توظيف إيقاع سردي، يتميز بالسرعة والإيجاز ، وكثرة التعاقب في تسلسل الأحداث ، وتتابع الأحوال والحالات. ومن الأدلة على ذلك الإتباع الفعلي، وكثرة الاسترسال في الجمل والأفعال التي تصور حركية الأحداث، وسرعتها الانسيابية، مثل: اللقطات السينمائية السريعة والوجيزة. ومن ثم، يمكن إدراج قصص عز الدين الماعزي ضمن القصص اللقطات، أو القصص الألغاز والتنكيت ، وذلك على غرار نوادر جحا ، وأخبار الحمقى والمغفلين الموجودة في سردنا العربي القديم. ومن الأمثلة القصصية المعبرة عن خاصية تسريع الإيقاع السردي، نذكر: قصة ( بدون) :” دخل الحمام بقفته الفوطة الملابس الداخلية صابونة مشطا محكا وشامبوان…
نزع كلابسه ثوبا ثوبا ودخل للاستحمام.
جاء الكسال دعك أطرافه جره جذبه ثناه طواه حمله وضعه أسنده كتم أنفاسه أفرغ عليه الماء وخرج التفت وجد نفسه بدون…” . ويظهر هذا أيضا واضحا في آخر قصة (بالثلثين): ” أغمض هدم ناقش راسل دوزن حول وظف حاصر جادل فوت.” .
ومن أهم القصص التي انساقت وراء الإتباع الفعلي قصة إبراهيم الحجري:” حياة”:
” ولد. صرخ. حبا. مشى. ضحك.
بكى.تعلم.شب.أجيز.تعطل.ناضل.س جن.ترشح.فاز.اغتنى.افتق ر.صلى
.حج.ضعف.مرض.مات.دخل جهنم.”
فهذه القصة نموذج رائع لتتابع الأفعال والجمل، وتحمل في طياتها روح السخرية والطابع الكاريكاتوري ، بغية انتقاد الإنسان الجشع والطامع.
5- مقياس التسريع:
يوظف الكاتب في تحبيك قصصه القصيرة جدا إيقاعا سرديا يتميز بالسرعة Tempo. وينتج هذا الإيقاع عن تراكب الجمل، وتتابع الأفعال منطقيا وكرونولوجيا، والميل إلى الإيجاز، وكثرة التعاقب في تسلسل الأحداث ، وتتابع الأحوال والحالات. ومن تجليات الإيقاع السريع في القصة القصيرة جدا الإتباع الفعلي، وكثرة الاسترسال في الجمل والأفعال، التي تصور حركية الأحداث وسرعتها الانسيابية، مثل: اللقطات السينمائية السريعة والوجيزة.
هذا، ويقول خوصي خيمينيث لوتانو:” أن لكل نوع من السرد درجة عالية داخلية خاصة به أو ما يسمى Tempo .أي :درجة سرعة في غناء مقطع موسيقي، والقصة القصيرة جدا لها سرعة خاصة بها، ولها توتر آخر. وهي تعتمد على المحذوف ، والتشذيب، والتركيب، والمقتصد، والبنية الموجزة الدقيقة، والمعمقة.”
وتستغرق القصة القصيرة جدا مدة ثانية من القراءة والتقبل. لذا، فهذه القصة المستحدثة معدة:” للقراءة الملائمة للقطارات، والطائرات، وقاعات الانتظار، وأماكن الحياة اليومية حيث يصبح الانتظار والقلق ملازمين لنا. وبالنسبة للكتاب القلقين والصعاليك، جاءت القصة القصيرة جدا لتصير مشروع المحتمل. ”
هذا، وتنبني قصص حسن برطال في مجموعته :” أبراج” على السرعة في تشغيل الإيقاع السردي ، وتوظيف الأحداث الأساسية بحركية مكثفة ، وذلك في تعاقبها أو تسلسلها ، مع استعمال تقنية الحذف والإيجاز ، و الاستغناء عن الوصف والإسهاب التصويري. لذلك، تتراكب الجمل والأفعال والأسماء والأحداث، وذلك في تتابع مستمر قائم على القفز ، والإضمار،والثغرات المحذوفة.
آمال المصري
25-05-2013, 08:12 PM
6- مقياس التناغم الداخلي:
تنبني القصة القصيرة جدا على البناء المحكم والوحدة الموضوعية والعضوية والاتساق والانسجام، وارتباط العنوان بالنص، أو ارتباط البداية بالنهاية. ويتم اتساق القصة بمجموعة من الروابط اللغوية الشكلية، كأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وضمائر الإحالة، والاستبدال، والحذف ، والتكرار اللفظي، والدوران حول لفظ واحد. كما ينبني الانسجام على مجموعة من العمليات الذهنية، كالمعرفة الخلفية، والتشابه، والسياق العام والخاص، والتغريض الموضوعاتي ، والعنونة، والخطاطات، والمدونات، والسيناريوهات.
وتستند مجموعتا مصطفى لغتيري:” مظلة في مقبرة” و”تسونامي” إلى صور قصصية متناغمة داخليا، وملغمة بإيقاع متموج بالأزمات، ومتوهج بالعقد المتنافرة التي تنتظر الانفراج والانبثاق النهائي. كما تطفح هذه الصور بالإضمار، والحذف، وكثرة الألغاز السردية المحبكة بإتقان شديد، وكل هذا من أجل خلق شعرية متوترة، ومتشققة بشظايا التلميح والتعريض والنقد، لتعرية الذات والمجتمع والعالم الإنساني، كما في قصته:” الغريب”:
” في بلادنا شجرة وارفة الظلال..
جاء الغريب اشتراها، وطردنا بعيدا،
لنصطلي تحت نيران الشمس الحارقة..
بعد زمن، رحل الغريب..
مبتهجين عدنا إلى الشجرة، فلفحتنا ظلالها الحارقة”
كما يستعين التناغم الداخلي للقصة القصيرة جدا بمجموعة من الروابط المنطقية والحجاجية ، حيث يستعمل الكاتب التركيب الحجاجي، والاستدلال المنطقي، وذلك في بناء المقدمات والحجج والبراهين الافتراضية ، بغية الوصول إلى النتائج. وهذا التركيب الحجاجي هو الذي يحقق للنص تماسكه واتساقه وانسجامه التركيبي والدلالي، وذلك من خلال تشغيل الكاتب للمنطق الأرسطي الصوري، والاستغراق الاستدلالي الجملي ، عبر التدرج من الجزء والخاص إلى الكل والعام، والعكس صحيح أيضا.
ومن الكتاب الذين استعانوا بالتركيب الحجاجي من أجل تحقيق التناغم الداخلي، نذكر: مصطفى لغتيري في مجموعته:” تسونامي”،التي توصل إلى استنتاج عام :” حتما، يجب أن أكون سعيدا لأن كل من حولي سعداء” ، بناء على مجموعة من المعطيات الاستقرائية السابقة:
” قال الابن:
- أنا سعيد، لأن أبي يشتري لي كل ما أحتاجه.
- قالت البنت:
- أنا سعيدة لأن أبي يسمح لي بالذهاب أينما شئت. قالت الزوجة:
- أنا سعيدة لأن زوجي أبدا لا يرفض لي طلبا.
- قال الزوج، وقد ظفرت من عينيه دمعة:
- حتما، يجب أن أكون سعيدا لأن كل من حولي سعداء”.
هذا، وتوظف الكاتبة الزهرة رميج جملا فعلية قصيرة قائمة على التراكب، والتتابع السردي والزمني والحجاجي، وذلك من خلال توظيف مجموعة من الروابط اللغوية الحجاجية ، التي تساهم في خلق الاتساق المنطقي والانسجام المقروئي، مثل : حتى، إذا، لم، ثم، إذ، لكن- ما إن…
وتنماز القصة القصيرة جدا بالتناغم الداخلي عن طريق استخدام التجانس الصوتي والتنغيمي والإيقاعي، وذلك على غرار الشعر محاكاة ومحاذاة ، من أجل خلق إيقاعية جمالية خاصة بها، بواسطة التلاعب بالألفاظ تنغيما وتبئيرا وتجنيسا وتوازنا وتشاكلا ، وذلك على مستويين، ألا وهما: مستوى التآلف ومستوى الاختلاف.
ومن ثم، تتقطر الحروف والأصوات والتراكيب والعبارات بالموسيقى والنغمات المترنمة، بفضل تشابه الفونيمات والمورفيمات والمونيمات والجمل صياغة ووزنا .
وتسهم الأصوات المهموسة والمجهورة والشديدة والرخوة والمتوسطة والمائعة والأنفية في تنغيم القصة، وتبئيرها إيقاعيا ، كأنها قصيدة شعرية . لذا، سمى البعض القصة القصيرة جدا أقصودة أو نثيرة أو قصة شاعرية.
ولا ننسى أهمية التكرار لوظائفه الحجاجية والدلالية والإيقاعية، فهو يحقق للقصة بعدها الموسيقي، وإيقاعها الداخلي والخارجي:
يقول عبد الله المتقي في قصة:” كرز”:
” أنا أحب الكرز…أنا أتلمظ الكرز…
وكانت طومي تحكي لي كثيرا عن الكرز…
حتى صرت أراها كرزا…
لذيذة وطرية…
في عينيها كرز..
في فمها كرز..
فوق نهديها كرز..
وأحيانا كنت أتذوق الكرز…”
تشبه هذه القصة المركزة القصيدة الشعرية في بناها الإيقاعية والتنغيمية ؛ بسبب التكرار المشع المتوهج، وبفضل تشابه الحروف، كالكاف والراء والزاي والهاء واللام والميم….
وتستند الكاتبة فاطمة بوزيان في ترصيفها اللغوي إلى التجنيس اللفظي والصوتي ، من أجل خلق لغة إيقاعية انزياحية، وتوفير عبارات موحية، كما في قصة:”تواطؤ”، التي تتداخل فيها الكلمات المتوازية، والعبارات المتماثلة، والصيغ الصرفية المتجانسة، والتلاعب بالأصوات المتشاكلة ، والألفاظ المموسقة:
” قالت له:
- وردة المحب، قلبه!
استأذنته أن تسألها….بتلك اللعبة الصبيانية راحت تقشرها
- يحبني لا يحبني، يحبني لا يحبني، يحبني!
تأمل الساق العاري فكر في ساقيها، وشكر في سره الوردة الشهيدة على التواطؤ.”
كما يستند مصطفى لغتيري إلى كتابة قصص قائمة على التماثل الصوتي ،والتوازي الإيقاعي، الناتجين عن تكرار الوحدات الصوتية، وتجانس الفونيمات المتقاربة، من حيث الصفات والمخارج، وتماثل المورفيمات الصرفية، والمونيمات المعجمية، والتراكيب النحوية والبلاغية. ففي قصة ” أسرة”، تتكرر الكلمات المشتقة من السعادة كسعيدة وسعيد وسعداء، وتتواتر الكلمات المشتقة من الزواج كزوج وزوجة ، وتتكاثر كلمات البنوة كالابن والبنت، كما تتكرر مجموعة من الأصوات المهموسة، كالسين ، والتاء، والأصوات الأنفية المجهورة كاللام ، والميم ، والنون. كما يتعدى التماثل الإيقاعي ماهو صوتي ومعجمي إلى ماهو تركيبي، حيث تعاد جمل بنفس الصيغة التركيبية، كجملة : أنا سعيد أو أنا سعيدة، وجملة: قال: الابن، وقالت: البنت.
وعلى العموم، يتسم جنس القصة القصيرة جدا بالإيقاع السريع الثري، الذي يترتب عن تراكب الجمل وتتابعها، وبساطة التراكيب، وكثرة الحذف والإضمار، وشدة التكثيف والاقتضاب.
هذا، ويلتجئ عبد الله المتقي في مجموعته ” الكرسي الأزرق” إلى خاصية التكرار، قصد خلق شاعرية إيقاعية داخل النص السردي:” في الصباح، سمع الشيخ عبد الباقي طرقا على الباب( الباب قفله صدئ، وكثيرا ما يتعطل المفتاح)، مشى يلهث بطيئا، ثم فتح الباب، كان ساعي البريد( ساعي البريد بدوره يحمل وراء ظهره ستة عقود من الرسائل وحقيبة قديمة)، يسلمه رسالة مضمونة ويمحي وئيدا.
انتظر الشيخ عبد الباقي كثيرا من الاستنشاق والاستنثار،ثم فتح الرسالة وقرأ لنفسه في نفسه:” السيد عبد الباقي، احزم حقائبك هذا المساء، فلم يبق من الحلم إلا ساعات”.
في صباح اليوم الثاني، لم يسمع الشيخ عبد الباقي طرقا على الباب، لم يعد قادرا على الحياة، تعطلت كل الحواس( الحواس جثة جافة).
هذا، وقد يحول التكرار الصوتي واللفظي والتركيبي القصة إلى قصيدة شعرية ذات إيقاع داخلي وخارجي، يقوم بترديد نفس الأصوات المتوازية ، والكلمات المتماثلة، والجمل المتوازنة، كما في قصة: (كرز) لعبد الله المتقي:” أنا أحب الكرز…أنا أتلمظ الكرز
وكانت طامو تحكي لي كثيرا عن الكرز…
حتى صرت أراها كرزا…
لذيذة وطرية
في عينيها كرز..
في فمها كرز..
وأحيانا كنت أتذوق الكرز”
ومن هنا، فالتناغم الداخلي المترتب عن الوحدتين : الموضوعاتية والعضوية، والاتساق والانسجام،والتركيب الحجاجي ، والتوازي الإيقاعي والصوتي، هو أهم مكون جوهري مخصص للقصة القصيرة جدا.
آمال المصري
25-05-2013, 08:13 PM
المبحث الخامس: المعيار المعماري:
1- مقياس البداية والجسد والقفلة:
تتركب القصة القصيرة جدا من حيث البناء المعماري، كما هو معروف ، من أجزاء ثلاثة أساسية، وهي: البداية والجسد والنهاية. ويلاحظ أن بين هذه الأجزاء علاقات ترابط واتساق وانسجام، فأي إخلال بجزء أو عضو ما، فإنه بلا محالة، سيؤثر بالسلب على باقي الأعضاء الأخرى .
أ- البداية القصصية:
ينبغي على المبدع أن يجود استهلال قصته القصيرة جدا، و يختار البداية الموفقة، فينتقي لها الأدوات المناسبة للاستهلال، أو يدخل مباشرة إلى الأحداث اقتضابا واختصارا وتكثيفا وتركيزا. وعلي المبدع أيضا أن يبتعد قدر الإمكان عن المقدمات الإنشائية المستهلكة أو المجترة ، مثل: ذات يوم، وفي يوم من الأيام، وفي الصباح الباكر…
وترد مجموعة من البدايات في القصة القصيرة جدا، ويمكن تصنيفها بالشكل التالي:
- البداية التأملية: مثل: جلست تتأمل قطعة الحجارة الملساء.
- البداية الشاعرية: يومض البرق، فيشق نوره جليد السواد…
- البداية الحلمية: حليم طفل ككل الأطفال ، يحلم بسيارة وطائرة وسروال دجين وكاميو، مثل: كاميو عمه…
- البداية السببية: لأنه جائع… رسم الطفل على الورقة تفاحة…
- البداية الزمانية: عاشرتها سنوات طويلة.
– البداية المكانية: في قمة الجبل، كان جالسا جلسة الحكماء.
- البداية الحدثية: خرج عازما على اقتناص حمامة، يتلذذ بها حساء.
- البداية الوصفية: الجو هذه الأيام ، شديد التقلب.
- البداية الشخوصية: ما إن ألقى المدير نظرة على الورقة حتى صاح فيه..
- البداية الحوارية: قالت الطفلة الصغيرة وهي تقهقه وتضغط بقوة على يد أمها……….
- البداية الحكائية: يحكى في جديد الزمان وآني العصر والأوان.
ب- الجسد القصصي:
يمكن القول: إن ثمة ثلاثة أنواع من أجساد القصة القصيرة جدا: أولا: الجسد القصصي القصير، وينبغي ألا يتعدى بعض الجمل القليلة جدا.
ثانيا: الجسد القصصي المتوسط، قد يتخذ خمسة أسطر أو نصف الصفحة على أكبر تقدير.
ثالثا: الجسد القصصي الطويل الذي يتعدى الصفحة، أو يقترب في صياغته الحكائية من نفس القصة القصيرة، أو من نفس الرواية، أو نفس المسرحية، أو يقترب من إيقاع الشعر .
ويمكن القول أيضا: إن هناك جسدا قصصيا مقتضبا ومختزلا، وجسدا قصصيا متناميا ومتصاعدا.
ج- القفلة القصصية:
تسمى الخاتمة بالنهاية أو القفلة أو الخرجة، وهي مهمة في تركيب القصة القصيرة جدا، فكثيرا ما نسمع نصوصا في هذا الجنس الأدبي المستحدث، ولا نحس بتاتا بالخاتمة إلى أن يتوقف الكاتب عن قراءة القصة، فنصفق له إما تملقا وإما تشجيعا وإما إشادة.
لذا، لابد أن يجود الكاتب خاتمته، ويستحسن أن تكون مفاجئة وصادمة ومخيبة لأفق انتظار القارئ، وأن تكون واخزة ومحيرة ومدهشة ومربكة. ويستحسن أن يتجنب الكاتب النهايات المستهلكة مثل: وأخيرا، وفي النهاية…
آمال المصري
25-05-2013, 08:13 PM
وللقفلة أنماط تركيبية عدة، يمكن حصرها في هذه الأنواع التالية:
- الخاتمة الكلاسيكية: أخيرا… كتبت قصة قصيرة جدا.
- الخاتمة الشاعرية: فتتجمع جحافل الأمطار.
- الخاتمة التراجيدية: بحثت عنها في كل مكان، فلم تجدها.
- الخاتمة السعيدة: كانت السعادة تغمرها وهي تنتظر بشوق…
- الخاتمة المفتوحة: أيهما تصدق؟ وحي الليل الجميل أم محو النهار الجارح؟
- الخاتمة المغلقة: يفتح الطفل عينيه خائفا.
- الخاتمة الحوارية: قالت: ما أحببتك إلا لأن في شيئا منك…
- الخاتمة الحدثية: وصفر القطار معلنا وقت الرحيل.
- خاتمة التلقي: هل أغرتك هذه اللعبة؟ مارسها عزيزي القارئ وسترى!
- الخاتمة الزمانية: منذ ذلك اليوم، تعاهدت يده وعقله على أن لا يخضعا أبدا لإرادته.
- الخاتمة المكانية: وبقي وحيدا في تلك الجزيرة الطافحة…
- الخاتمة الوصفية: جندي شاب مفتول العضلات ، حاد النظرات، بجانبه طفلة جميلة تنظر إلى الأرض، وهي تمسك بذيل فستانها الأبيض الطويل.
- الخاتمة المضمنة:” أخيرا، سلمت الأستاذ ورقة تحريرها.ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة وهو يقرأ ماكتبته في أعلى الصفحة بخط عريض أحمر:” باسم الله الرحمن الرحيم، عليه توكلت وهو المعين”.
- الخاتمة الصامتة: على إيقاع الضجيج الذي أحدثه أطلت الزوجة من كوة النافذة…قالت…
- الخاتمة الصادمة: يرفض الأكل…يقف.. .برفض الذهاب إلى المدرسة يخرج إلى الشارع يجمع الحجر ويستعد…
- الخاتمة الساخرة: كل هذه الأيام وأنت تقرأ القصص القصيرة جدا…؟؟
- الخاتمة الخرجة: آش باغي… باغي قنبولة…بحال اللي كاتبان ف التليفزيون
- الخاتمة الملغزة: جاء الكسال دعك أطرافه جره جذبه ثناه طواه حمله وضعه أسنده كتم أنفاسه أفرغ عليه الماء وخرج التفت وجد نفسه بدون….
- الخاتمة المفارقة: مرة أوقفه أبوه، ضربه (الطفل الصغير) على قفاه، طلب منه النزول…مع تسليمه سوارت كاميو.
آمال المصري
25-05-2013, 08:13 PM
2- مقياس التركيب الحدثي:
يمكن الحديث عن أنواع من التركيب الحدثي ، وذلك على مستوى التنامي والتصاعد ، وتعاقب الأفعال والأحداث سببيا وكرونولوجيا، ومن أنواع هذه التراكيب الحدثية، نذكر:
أ – التركيب الدائري:
تتوفر بعض القصص القصيرة جدا على بنية تركيبية دائرية، مثل: قصة: ” تجربة”:” فتح باب القفص، فارتعش العصفور، وخرج للتحري، بعد بضع جولات جاع، فبحث عن قفصه”
ب- التركيب السهمي الصاعد:
نجد في كثير من القصص القصيرة جدا البنية السهمية التي تنطلق من نقطة بدائية في الحاضر، لتتجه نحو المستقبل ، وذلك عبر مجموعة من الأفعال والأحداث المتعاقبة والمتسلسلة تسلسلا منطقيا وزمنيا، مثل: قصة :” تحرر” للكاتبة السورية ابتسام شاكوش:
” وقفت تخطب على المنابر، حضرت اجتماعات، سارت في مظاهرات تحدت، ناقشت، أثارت قضايا، طرحت حلولا… وفي أول سانحة دخلت منزل الزوجية الدافئ، وألقت عبء تحرر المرأة على الأجيال القادمة”
ج- التركيب السهمي الهابط:
لانلاحظ في هذه الحالة تتابع الأفعال، بل نلاحظ تراجعا من الحاضر نحو الماضي هبوطا ونزولا، كما في قصة: “فيزا”:
” سمع ابنه يقرأ رحلات ابن بطوطة
تذكر وقوفه الطويل أمام تلك الإدارات
وكل تلك الأوراق..
وكل تلك الضمانات…
تنهد بعمق وقال:
- كم كانت الفيزا سهلة!”
وعليه، فهناك أنواع عدة من التركيب الحدثي، تستنبط عبر القراءة الواعية للنصوص القصصية القصيرة جدا ، وذلك عن عمق ووعي جديين.
آمال المصري
25-05-2013, 08:15 PM
المبحث السادس: المعيار البلاغي:
1- مقياس الصورة الومضة:
تستند الصورة الومضة إلى التوهج والإبهار والإدهاش واللحظات اللامعة المشرقة ، وذلك عن طريق التأرجح بين صور المشابهة وصور المجاورة والصورة الرؤيا. أي : إن الصورة الومضة هي صورة مركبة ومركزة ومختزلة، تنبض بالإشراق الروحاني، واللمعان الوجداني، والتفاعل الحركي.
وتستخدم الصورة الومضة جميع الآليات التصويرية والتشخيصية، كصور الانزياح، وصور التنكيت والتلغيز، مع استثمار الاستعارة والمجاز و صور التشخيص والأنسنة والترميز والإيحاء والتضمين، لخلق عوالم تخييلية فانطاستيكية وأسطورية وأجواء كاريكاتورية، قوامها: السخرية والاستهزاء بما هو كائن ، والتنديد بالواقع السائد، مع استشراف ماهو ممكن ومحال.
ومن نماذج هذه الصورة الومضة قصة: “حريق” لمصطفى لغتيري:” على ورقتها رسمت ضحى نجمة…فجأة اشتعلت النجمة، فاحترقت الورقة… شبت النار في قاعة الدرس…هرب التلاميذ…أخبروا المدير، فنادى رجال الإطفاء.
على عجل أطفئت النار…وجد المعلم يحتضن النجمة، لكنه لم يحترق”
وتمتاز هذه الصورة الومضة ، التي وظفها مصطفى لغتيري، بالتشخيص المجازي ، والمفارقة، والانزياح الدلالي والمنطقي.
وهناك قصة أخرى بعنوان:” قوس قزح”:
” ارتدت الصبية فستانا أصفر فاقع لونه، يتخلله أحمر زاه…رنت بعينيها النجلاوين نحو المدى البعيد… ارتعش الكون…. خفق قلبه فرحا، ثم مالبث أن ارتسم في الأفق قوس قزح بألوانه الزاهية.”
وهذه الصورة نموذج للصورة الومضة المختصرة، التي تربك القارئ بدلالاتها الانزياحية، وتعابيرها المجازية الخارقة استعارة وأنسنة وإيحاء.
2- مقياس المفارقة:
ترتكز المفارقة على الجمع بين المتناقضات والمتضادات تآلفا واختلافا، كما تنبني على التناقض وتنافر الظواهر والأشياء، وذلك في ثنائيات متعاكسة ومفارقة في جدليتها الكينونية والواقعية والتخييلية.
وتعتمد كثير من نصوص القصة القصيرة جدا على عنصر المفارقة القائم على التضاد، والتقابل، والتناقض بين المواقف، أو بين ثنائية القولي والفعلي، والاعتماد على التعرية الكاريكاتورية، والكروتيسك، وتشويه الشخصيات والعوالم الموصوفة والأفضية المرصودة، وذلك بريشة كوميدية، قوامها: التهكم ، والباروديا، والتهجين، والأسلبة ، والانتقاد، والهجاء.
والمفارقة في الحقيقة هي:” عنصر من العناصر التي لاغنى عنها أبدا، وتعتمد على مبدإ تفريغ الذروة، وخرق المتوقع، ولكنها في الوقت ذاته ليست طرفة، وإذا كانت هذه القصة تضحك المتلقي، في بعض الأحيان، فإنها تسعى إلى تعميق إحساسه بالناس والأشياء، ولعل إيجاد المفارقة أن يكون أكثر جدوى في التعبير عن الموضوعات الكبيرة، كالعولمة والانتماء ومواجهة الذات.”
هذا، وتوظف الكاتبة المغربية السعدية باحدة المفارقة التاريخية، وذلك بطريقة ذكية ، تحير القارئ برموزها البعيدة والعميقة، كما في قصتها:” تهمة”:
” تصاعد الدخان من روما…اتهموا نيرون
ماكان نيرون بالكمان مفتونا…
ماكان عاقلا وماكان مجنونا…
اسألوا تاسيتوس فعنده الخبر اليقين:
إن روما هي التي أحرقت نيرون”
ونجد هذه المفارقة في قصص عزالدين الماعزي، كما في قصته الساخرة المفارقة” قصص طويلة جدا”:
“كلمته ابنته عبر الهاتف عن سر غيابه الطويل عن البيت…قال..
إنه في ندوة ثقافية يشارك بقراءات قصصية قصيرة سيعود بعد ثلاثة أيام…
قالت…
كل هذه الأيام وأنت تقرأ القصص القصيرة جدا…؟؟”
يلاحظ أن الكاتب قد وظف في قصته المفارقة القصصية الإبداعية، وذلك عن طريق تشغيل الأضداد: طويلة جدا# قصيرة جدا، غيابه الطويل# قراءات قصصية قصيرة. وتوقع هذه المفارقة دلالات القصة ومضامينها الإبداعية في منطق الاستحالة، والتناقض غير المقبول عقليا.
3- مقياس السخرية:
تعد السخرية من أهم المكونات الجوهرية للقصة القصيرة جدا ، وذلك من خلال عمليات الإضحاك، والكروتيسك، والتشويه الامتساخي، والتعرية الكاريكاتورية ، والنقد الفكاهي، والهجاء اللاذع.
ومن يتأمل قصص مصطفى لغتيري وقصص غيره من كتاب القصة الكبسولة، كعبد الله المتقي، وفاطمة بوزيان، وجمال بوطيب، وعز الدين الماعزي ،وسعيد بوكرامي،ومحمد العتروس،وسعيد منتسب،ومحمد تنفو، وحسن برطال، ورشيد البوشاري، وأنيس الرافعي، وهشام بن شاوي، وأحمد الويزي، ومصطفى الكلتي، ومحمد عز الدين التازي، وكريم راضي، ومحمد زيتون، ومحمد الكلاف، وميلود بنباقي، ومحمد مفتوح؛ ومصطفى بندحمان…، فإنه سيصادف ظاهرة السخرية الناتجة عن المفارقة الصارخة، والانزياح المنطقي، وكثرة الباروديا ، وهيمنة الخلل العقلي، وتكسير المواضعات السائدة ، وتخييب أفق انتظار القارئ، وانقلاب موازين القيم ، وانكسار القواعد السائدة المقبولة ذهنيا وواقعيا أمام اللاعقلانية الضاحكة وحقيقة الجنون.
يقول مصطفى لغتيري في قصته :” وثيقة” :” لأنه يحب الوطن حبا جنونيا، اعتقلته السلطات، واحتفظت به في زنزانة منفردة، خوفا عليه من الضياع.
إنها – اللحظة- تفكر جديا في عرضه في المتحف الوطني”.
يعتمد الكاتب في هذه القصة الساخرة على تعيير الواقع المتناقض، والثورة على الوعي الزائف، وإدانة سياسة الاستلاب وتزييف القيم الإنسانية. كما تقوم هذه السخرية على الفكاهة، والتنكيت، والتهكم، والتعريض، والتلميح، والإيحاء ، والضحك كالبكاء.
وتتميز قصص حسن برطال بسمة السخرية من الواقع الإنساني، الذي انبطح إلى أسفل سافلين، وتقزم فيه البشر، وصاروا كائنات ممسوخة بالشر وزيف القيم . ومن هنا، تطفح قصص الكاتب بروح السخرية، والانتقاد البشع للواقع المغربي بصفة خاصة والواقع العربي بصفة عامة ، كما في هذا المقطع القصصي الذي يوحي بالعبثية الساخرة، والسياسة الماكرة:” تصدع الجدار ثم انهار…وللوقوف على سبب الحادث حمل الخبراء”حجيرة” وبعض العينات من الركام إلى المختبر لدراسة هذه المواد المستعملة في البناء…” .
وتبلغ السخرية وقعها المأساوي في هذه القصة الموحية:” دعته الوكالة البنكية لتصفية حسابها معه….حمل ساطورا وصفى حسابه مع المدير…”
هذا، وتلتجئ الكاتبة الزهرة رميج كذلك إلى أسلوب المفارقة والسخرية الكاريكاتورية، لتعرية الواقع الكائن تشخيصا وتصويرا ورصدا، وانتقاده تعييرا وتحقيرا، وذلك لبشاعته، وحقارته، وفظاظته القيمية، وانحطاطه أخلاقيا واجتماعيا وإنسانيا، كما في قصة: ذوق”:
” مل عالم المومسات الذي أدمنه زمنا طويلا.
أراد أن يتزوج امرأة صالحة.أصبح يواظب على مراقبة الفتيات المارات أمام المقهى.
أخيرا، عثر على ضالته. تبعها في تهيب، وقد قرر الكشف عن نيته.ما إن أصبح محاذيا لها، حتى بادرته هامسة:
لا أتجاوز ربع ساعة . والدفع مسبقا.هات المبلغ بسرعة، واتبعني عن بعد”.
وهكذا، تعتبر السخرية من أهم المكونات البلاغية للصورة القصصية القصيرة جدا؛ وذلك بسبب طاقتها التعبيرية والإيحائية والرمزية.
تركيب واستنتاج:
وتأسيسا على ماسبق، ثمة اختلافات متفاوتة بين الباحثين والدارسين حول الأركان الضرورية التي تتحكم في بناء القصة القصيرة جدا بنية ودلالة ومقصدية، وتشكيلها فنيا وجماليا. ومن الذين اهتموا بدراسة أركان القصة القصرة جدا في الحقل الثقافي العربي، نذكر: أحمد جاسم الحسين، ويوسف حطيني، وسليم عباسي، ولبانة الموشح، وإلياس جاسم خلف ، وهيثم بهنام بردى، وجميل حمداوي…
أما عن أهم الأركان الضرورية التي تنبني عليها القصة القصيرة جدا – حسب رأيي-، فهي متنوعة ومتعددة ، وذلك حسب المعايير اللسانية المعهودة، فهناك أركان تتعلق بالجانب البصري أوالطيبوغرافي، أو بالجانب التركيبي، أو بالجانب البلاغي ، أو بجانب القراءة والتقبل، أو بالجانب السردي، أو بالجانب المعماري.
أنتهى..
منقول
آمال المصري
06-09-2013, 12:09 AM
أرفعه للاستفادة
تحاياي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir