المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَشوَشة في العشّ



كاملة بدارنه
23-03-2010, 12:52 PM
وشوشة في العشّ

تسربلت الأغصان العارية بخضرة أوراق الّربيع، التي أورقت أيّما إيراق، فأغرت اليمامتين اللّتين طال انتظارهما، بوضع أسس بيتهما الجديد، فاختارتا أكثر الأمكنة ثباتًا وأمنًا ، وأرستا القواعد. وما هي إلّا أيام قليلة حتّى أًنجز العمل بإتقان ودقّّة، لتتربّع أنثاهما على عرشه وتضع بيضتين، احتضنتهما ورقدت عليهما طيلة الوقت؛ خوفا وحرصا عليهما من نسمات الرّبيع الباردة.
انتهت أسابيع الاحتضان فاستقبلت مملكة الطّيور أميرين جديدين!
مرّت ريح بالقرب من عشّ الفرخين، فاهتزّ العشّ، واعتقد أحد الفرخين أنّ دعائم بيتهما ستتقوض – لم يدرك أنّ والديه اللّذين راحا يحضران لهما الطّعام قد أحكما البناء – فالتصق بأخيه وسمّر الاثنان أرجلهما أسفل بطانة العشّ.
توقف اهتزاز الغصن بُِعَيد دقائق، فسادَ المكانَ هدوء حذر، كسر حاجزه الفرخ المنزعج من الرّيح موشوشا أخاه:
متّى سيكبر جناحانا لنستطيع التّحليق عاليا مرتاحين من هوج الرّيح التي تغافلنا بإزعاجها وتعرضنا وبيتنا للخطر؟!
تمهّل الفرخ في الإجابة ليشعر أخاه أنّهما في مأمن، وأن لا داعي للخوف.
أنا لا تزعجني نوبات صرع الرّيح، فهي لا تقصد إيذاءنا. تغدو وتروح معولة؛ لأنّ هذا هو نمط حياتها. فما الذي يضايقك في الأمر؟
بدت أمارات الدّهشة على الفرخ ممّا سمع وأجاب:
ألا تتضايق عندما تشتدّ الرّيح وتعرّض بيتك للهدم؟ ألا تخاف على مشاعر أمّنا وقلقها حيالنا، وهي تجوب الآفاق، وتنبش الثّّرى، بحثا لنا عن طعام يقوّي عظامنا ويكسوها لحما وريشا؟
تمهّل الفرخ الذي أنصت لكلام أخيه وردّ:
لا أتضايق كثيرا ممّا ذكرت، لأنني أدرك أنّ عشّنا آمن ويصمد في وجه الرّيح، وطعامنا آت، لأن والدينا يعرفان أنّ فرخيهما لا يزالان غير قادرين على كسب قوتهما. ولكن، ما يضايقني هو ما يدور بفكري عمّا سيحدث بعد تحقيق أمنيّتك بمغادرة عشّنا!
استغرب الفرخ إجابة أخيه وسأله:
كيف لك أن تخاف من حرّيتك ومن مقدرتك على العيش كما يحلو لك؟... أوَ لا تثق بنفسك لتحقّق ما تريد؟...
ابتسم الفرخ ابتسامة ساخرة لسذاجة فهم أخيه للأمور وقال له:
سأحدثك بالتفصيل ممّا أخشى.
عندما سنطير – بعد أن نتعلّم ذلك – أخشى عليك وعلى نفسي من بندقية الصّياد الذي يمرّ كلّ يوم محملقا إلى الأعالي، منتظرا تحرّكنا من أماكنا.
أخشى أكل الحبوب التي سنلتقطها من الحقول المرويّة بسموم ونفايات المختبرات المتطّورة، والتي بدأتُ منذ الآن لا أستسيغ طعمها، حتّى وأن بلّلها والدانا برحيق الأمن والسلامة، قبل اطعامنا إيّاها.
أخشى ارتشاف المياه التي لوّثتها وخامة القاذورات، وباتت رائحتها تفوح وتبسط أجنحتها على هواء الأعالي الذي تحسدنا المخلوقات الأرضيّة عليه، كوننا نمكث محلقين في الأعالي فترات ليست بقليلة، ولا تدري هذه المخلوقات أن نفثات وزفرات الأطماع البشريّة قد وشّحت جدار مستعمرتنا العلويّة هذه، ولم نعد نستمتع بأفضليتها.
أخشى ألّا نجد لأعشاشنا قواعد، لأنّ منشار الجشع يجتثّ كلّ يوم الكثير من جذوع الشّجر، ولأنّ نار الحقد التي تؤجّجها مدافع الشرّ يتطاير شررها ليحرق كلّ شيء!
أخشى ألّا أجد سربا نشاركه خوض غمار الحياة الجماعيّة المساندة، لأن الأسراب بدأ أفرادها يؤزّرون فرديّتهم، وينأون عن التّبعيّة الجماعيّة التعزيزيّة!
أخشى دثار الاستبعاد وزنّار التحكّم الذي يفرضه القويّ على الضعيف!
أخشى أن...
كفى... لقد زرعت في داخلي بذور الخوف والتشاؤم – قاطعه أخوه صارخا. فمن أين لك بهذه الأوهام والخيالات؟...
لا زلنا حديثي العهد بالدنيا وأمورها، وها أنت تتحدث هامسا خائفا وكأنّك في معركة حياتيّة، لا مكان للرّاحة فيها، ولا حتّى للتحدّث بصوت عال ! لمَ كلّ هذه التخوّفات وكيف ترضى بذلك؟
خفّف الفرخ من حدّة توتّره وعقّب:
أنا أرقب منذ أيّام قليلة ما يدور حولي، وتصل إلى مسامعي أحاديث كبار الطّير، جيراننا، وقلقهم على أفراخهم، وكذلك قلق والدينا اللّذين يشاركان في هذه السّجالات . ولكن، حرصا علينا، وخوفا من إيذاء مشاعرنا، فإنهما يعتصران في حلقينا سائغ الطعام مبهّرا بأريج السعادة والأمل.
إذا، لمَ لا تجبل أفكارك بالمحبة والتفاؤل؟ قاطعه أخوه زاعقا: لمَ... لمَ... لمَ...

علي عطية
23-03-2010, 01:09 PM
وشوشة رائعة آسرة
أخذت بلجام الحين صوب نهاية الحرف


لكم جذبتني حتى لم اقاوم خوض الحروف إلى محطة الوصول

فكرة تنبي عن فكر نير ووشوشة تشي بجميل شعور حي بهموم أثقلته

وحوارية تدوم طوال الحروف . وسردية تأخذ بالخوف طي الأمل وتحمل الأمل على جناح الخوف


رأيت هنا ألق وتمكن وحضور قوي



دانت لكم الحكمة البالغة

آمال المصري
23-03-2010, 02:33 PM
جميل سردك يحمل رسالة ليتها تصل لكل والي , ولكل مسؤول
راقت لي الحوارية بين الفرخين وتابعت حتى أمسكت بزمام الفكرة
وتتبعت معهما رحلة الخوف من .... ومن .... و ... حتى وجدتني أقول كفى .
كفى مانحن فيه من سموم وتلوث وجشع وفساد
ولكن قد أسمعت لو ناديت حيـا
سيدتي ....
أبدعت في إيصال الفكرة بجدارة
تقبلي تحيتي ووردي

كاملة بدارنه
24-03-2010, 01:56 PM
" وسردية تأخذ بالخوف طي الأمل وتحمل الأمل على جناح الخوف"
جملة معبرة جدا ومؤثرة . أشكرك اخ علي جزيل الشكر على كلمتك، التي تعكس فكرا نيّرا وتطويعا للغة .
دمت بخير لتخطّ كل ما هو خير .

كاملة بدارنه
24-03-2010, 02:07 PM
يشرفني ويسعدني أن أقرا ما جدت به. فكلماتك تعكس ذوقا ادبيا واحاسيس مشتركة . نحن نعيش واقعا يثير فينا تخوفات كثيرة وهواجس رهيبة ، حتى بتنا نخشى المستقبل ونورث خوفنا !
باعد الله بينك وبين القلق ودامت حياتك في سعادة وأمل .

حسام محمد حسين
24-03-2010, 02:17 PM
يخطئ الإنسان ..
وباقي المخلوقات تتحمل نتيجة أفعالة الغير مسئولة

حتي هؤلاء الصغار لم يسلموا من عبث الإنسان.

دمتِ مبدعة

ربيع بن المدني السملالي
25-07-2012, 02:53 AM
بارك الله في سعيك أستاذة كاملة ، والله ما علمتك إلا صاحبة قلم هادف وناضج ، زادك الله من فضله

قصّة رائعة تستحق الوقوف عندها طويلاً

دمت موفقة كما عهدتك

تحيتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
26-07-2012, 12:33 AM
نص هادف رسالته أوسع من حرفه وغايته بمساحة الأحياء والحياة
وطرح اختار زاوية الطير الندية الرقيقة فأثر بعمق

شكرا لجدية والتزام قلمك أديبتنا الراقية
واهلا بك في واحتك

تحاياي

أماني عواد
26-07-2012, 02:15 AM
الاستاذة الكبيرة كاملة بدارنة

ما بين الماضي والحاضر بعض مفارقات مدهشة تجعلنا نرقب بمنتهى الشوق مستقبل اجمل وبعض مفارقات مرعبة تخلق فينا الخوف وتخنق الامل وتجعلنا ننتظر بخوف مستقبلا خطيرا
وفي الحالتين قد نملك غير الانتظار


استوقفتني بعض المعاني الرائعة في القصة

لأنني أدرك أنّ عشّنا آمن ويصمد في وجه الرّيح، وطعامنا آت، لآن والدينا يعرفان أنّ فرخيهما لا يزالان غير قادرين على كسب قوتهما.


الثقة بالمسؤلين تشعرنا دائما بالامان



وخوفا من إيذاء مشاعرنا، فإنهما يعتصران في حلقينا سائغ الطعام مبهّرا بأريج السعادة والأمل.
ومن غير القلوب يحيي القلوب؟


إذا، لمَ لا تجبل أفكارك بالمحبة والتفاؤل؟ قاطعه أخوه زاعقا: لمَ... لمَ... لمَ...



قفلة رائعة وتمرد جميل على الخوف الطاغي الذي يبتلع لحظاتنا الجميلة بفك مفترس


قصة هادفة ووقفة تأملية رمزية رائعة سلمت يداك

بابيه أمال
26-07-2012, 03:04 AM
ما أتعسنا نحن بني الإنسان..
جعلت لنا الأرض فراشا والسماء غطاء.. وما بينهما مسخرا لكل غرض، وأبينا إلا أن ننغص العيش على بعضنا البعض، فاقدين الأمن والأمان بأفعال وصل جرمها الجماد والنبات والحيوان..

كاملة..
لا أقول غير كملك الله بعقلك أخية..
شكرا للمعاني المعبرة ببلاغة..
قصة جسدت الخوف في أضعف خلق الله وأرقها.. وما أضعفنا حين كنا مخلوقات صغيرة، لا ننظر إلى الدنيا إلا من نافذة الخوف..

نداء غريب صبري
07-04-2013, 01:00 AM
أحب لغتك أستاذتي وأحب سردك الجميل وقصصك المفيدة
هذه قصة تصلح للكبار لأن لغتها راقية وتصلح للأطفال أيضا لأن رسالتها تربوية للجميع

شكرا لك استاذتي

بوركت

كريمة سعيد
07-04-2013, 01:28 AM
نص جميل يحمل رسالة إنسانية تبحث عمّن يفقهها
الراقية كاملة بدرانه
شكرا على بهاء الحرف وجمال السرد الذي عهدتهما في نصوصك
محبتي وتقديري

عبدالإله الزّاكي
07-04-2013, 10:49 AM
وشوشة في العشّ

سأحدثك بالتفصيل ممّا أخشى.
عندما سنطير – بعد أن نتعلّم ذلك – أخشى عليك وعلى نفسي من بندقية الصّياد الذي يمرّ كلّ يوم محملقا إلى الأعالي، منتظرا تحرّكنا من أماكنا.
أخشى أكل الحبوب التي سنلتقطها من الحقول المرويّة بسموم ونفايات المختبرات المتطّورة، والتي بدأتُ منذ الآن لا أستسيغ طعمها، حتّى وأن بلّلها والدانا برحيق الأمن والسلامة، قبل اطعامنا إيّاها.
أخشى ارتشاف المياه التي لوّثتها وخامة القاذورات، وباتت رائحتها تفوح وتبسط أجنحتها على هواء الأعالي الذي تحسدنا المخلوقات الأرضيّة عليه، كوننا نمكث محلقين في الأعالي فترات ليست بقليلة، ولا تدري هذه المخلوقات أن نفثات وزفرات الأطماع البشريّة قد وشّحت جدار مستعمرتنا العلويّة هذه، ولم نعد نستمتع بأفضليتها.
أخشى ألّا نجد لأعشاشنا قواعد، لأنّ منشار الجشع يجتثّ كلّ يوم الكثير من جذوع الشّجر، ولأنّ نار الحقد التي تؤجّجها مدافع الشرّ يتطاير شررها ليحرق كلّ شيء!
أخشى ألّا أجد سربا نشاركه خوض غمار الحياة الجماعيّة المساندة، لأن الأسراب بدأ أفرادها يؤزّرون فرديّتهم، وينأون عن التّبعيّة الجماعيّة التعزيزيّة!
أخشى دثار الاستبعاد وزنّار التحكّم الذي يفرضه القويّ على الضعيف!
أخشى أن...


قصّة تضمنت مجموعة من الوصايا الخلقية والاجتماعية التي ترشد الناس إلى صلاح حياتهم و معاشهم و علاقاتهم ببعض . كما تطرح تساؤلات حول المستقبل الغامض و الذي لا يبعث للتفاؤل بالنسبة للصغار !!
أبدعتِ أختي الكريمة و أستاذتي الفاضلة في إخراج الصورة في أبهى حُللها و بسرد ماتع.

تحاياي و بالغ تقديري.

ناديه محمد الجابي
07-04-2013, 09:31 PM
إن فساد الناس في الأرض إمتد إلي كل الأحياء بالإيذاء
وقد صدق الملائكة حينما سألوا ربهم في سورة البقرة في
قوله تعالى( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) .
حوارية جميلة مشوقة, وفكرة قوية هادفة, ومعاني راقية جميلة
سلمت وسلم قلمك الهادف.

لانا عبد الستار
20-04-2013, 09:24 PM
الكاملة
دروس تربوية للمرحلة المتقدمة نصوصك
وكلنا نستفيد بقراءتها
أشكرك

الفرحان بوعزة
20-04-2013, 10:31 PM
وشوشة قد تبدو عادية ومألوفة ، لكنها تحولت إلى أفكار تستند على وقائع ملموسة ، أفضت إلى تحميل الإنسان المسؤولية في هدم وتدمير الطبيعة ،والإجهاز على مكوناتها الحيوية ..
وشوشة مغلفة بشكوى صامتة بين فرخين ،لكن الساردة أخرجتها بفنية أدبية متميزة إلى شكوى صريحة ضد الإنسان الذي خلق لنفسه وسائل يعتقد أنه يطوع الطبيعة ويسخرها لنفسه ومصلحته .. لكنه يتغافل عن خلخلة توازنها الطبيعي ..
نص جميل يتميز بدقة الوصف ،ورشاقة السرد الشيق ، نص يحمل رسالة إنسانية إلى الجميع ، رغم انها مشبعة بالخوف والقلق وإن كان هناك أمل يبرز في الأفق البعيد ..
نص يجمع بين المتعة الأدبية والإفادة الجادة والهادفة ..
جميل ما كتبت وأبدعت أختي الأديبة كاملة بدارنة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

براءة الجودي
20-04-2013, 11:03 PM
الأستاذة كاملة حرفك مميز وقصتك راقية المعنى رقيقة الشعور حازمة الوعظ قوية المبنى
الناس هم من أفسدوا حالهم وبيدهم إصلاح أنفسهم وتغيير الوضع إلى افضل وصد الشيطان ووساوسه الذي ينزغ بينهم
رائعة بروعة فكرك وقلبك
تقديري

خلود محمد جمعة
14-09-2014, 08:27 AM
الصيد الجائر و تصحير الغابات و تلوث الأرض والسماء والماء قضايا هامة بحاجة لحلول جذرية طرحتها الكتابة بسرد مائز وحوار عميق بوشوشة صارخة ينادي بها الجيل الجديد خوفا على ميراثه ومستقبلة في الأرض لتعود وتختم قصتها بحكمتها المعهودة بالدعوة الى إقتحام الخوف لكسره داخلنا وطرح تساؤلات مفتوحة للعقل البشري ليتوقف ويتأمل ويفكر
دمت سيدة الحرف الذهبي
تقديري وكل المودة:014::014::014: