تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جفاف الدموع



محمد عبد القادر
31-03-2010, 04:19 AM
جفاف الدموع
.

دارٌ متسعة نسبياً من الطين اللبن ، أسـرةٌ تتكون من أب و أم و ولد و فتاة ،حقلٌ يحصد منه رزقه ، و القليل من المواشى التى تساعده على عمله و يحصل منها على بعض الخيرات و بعض الكسب من بيع منتجاتها .. هكذا كانت أحـلام ( شحاتة ) ؛ الشاب الريفى البسيط .. ها هو قد تجاوز الثلاثين عاماً بشهورٍ قليلة ، و مازالت تلك الأحـلام تراوده ما بين الحين و الآخر لتترك إحساسـاً بالحزن فى أعماق قلبه ، كوحشٍ ضـارٍ لا يترك فريسته حتى تأخذ أنيابه طريقهـا نحو عنقه لتذيب أى أثر من أثـار الأمل . وكيف له أن يحققها و هو يحمل مسؤلية أمه و إخوته فوق عاتقه . لم يعرفْ ( شحاتة ) طعماً للراحة قَطْ ؛ فهو من أسرةٍ أقرب للفقر منه إلى الغنى . منذ نعومة أظافره ؛ كان يذهب إلى العمل فى إحدى مخابز القرية ، يرى الأطفال فى عمره يلعبون و يضحكون فى الطرقـات ، يظل ينظر إليهم و هو يتجه إلى العمل فى بطىء كأنَّ قدميه يريدان العبث قليلاً بين هؤلاء الأطفال ، و لكنَّ نفسه تحدثه عن بعض الجنيهات التى سيأخذها اليوم من صاحب المخبز ليذهب بهنَّ إلى أمه و يبذر فى قلبها الفرحة . تدور عجلة الأيام ، و يودِّع ( شحاتة ) أيام طفولته - التى لم يقضِ فيها يوماً كبقية الأطفال - و يصبح شاباً فى ريعان شبابه و قد ضحَّى بحقه فى التعليم من أجل توفير متطلبات أمه و إخوته بعد أن رحل عنهم رب الأسرة ليتزوج بامرأةٍ أخرى تاركاً خلفه – دون مبالاة - أربعة أفواه و زوجة يعتصرها الحزن على ما آلت إليها حياتها و حياة أبناءها . تمر السنون تِباعاً و تزداد الحياة صعوبةً بتضاعف متطلبات الأسرة و تزداد بدورها أعباء ( شحاتة ) مما اضطره إلى أن يقتسم جزءاً من وقت راحته ليبدأ فى عملٍ آخر يساعده على مقاومة أمواج الحياة العاتية .. يعود من عمله الثانى متأخراً فى الليل ليجد أمه و قد ملأ الحزن كل ثنايا وجهها شفقةً على ابنها و ما يعانيه ، يبتسم ( شحاتة ) ليزيح بعضاً من الأحزان المتراكمة على قلب أمه و يطبع قبلة حنانٍ على جبينها ، و لا يكاد أن يختلى بنفسه فى غرفته حتى يُلقى بنفسه على سريره المتهالك كجسده ، يحترق بداخله و يتألم .. لا من الإجهاد .. بل من وجع نظرات أمه الحزينة و نظرات إخوته عندما يطلبون شيئاً و يكون جوابه " ليس الآن " ، فهو لا يجنى من عمله ما يكفى متطلبات أسرته .. يُخرِج زفرةً محترقةً من بركان صدره لا يستطيع معها منع قطـرات الدمع من التساقط ، كطفلٍ أحس بضعفه و قلة حيلته ، يفتقد أبويه فينزوى وحيداً و يجهش بالبكاء .

لم يكن لـ ( شحاتة ) صديقاً مقرَّباً يبثُّ إليه همه و نجواه غير وسادته التى تبتلع كـل يـومٍ قطرات الأسى التى تفرُّ من قبضـات جفونه الملتهبة لتتخذ من الوسادة مَجْرًا لها .. يستيقظ فى صباح كل يومٍ و يزيل أثار البكاء حتى لا تراها أمه فيزداد عناؤها .

كثيراً ما كان يتمسك ( شحاتة ) بأحلامه البسيطة برغم علمه أنه لا سبيل أمامه لتحقيقها ، و لا يعلم ما الذى يدفعه للحُلم ؛ ربما رغبته فى ترك الواقع و الخروج من دائرة الهموم ، أو ربما أراد أن يحتفظ بحقه فى أن يحلم .. لكنْ سريعاً كانت تنقضى لحظات الخيال و يعود ( شحاتة ) إلى أرض الواقع الجـرداء و قد ملأ الحزن و الأسى جميع أركانه. فى صباح أحد الأيام ، و بعد أن قام ( شحاتة ) بإزالة أحزانه من فوق وسادة الأحلام ، ألقى التحية على أمه فردت عليه بابتسامة هادئة أثارت بداخله شعوراً بالحيرة أكثر منه بالطمأنينة و لكن ما كان منه إلا أن قابلها بابتسامة تعبر عن حيرته .. جلسا لتناول الإفطار ، لم يستطع كتم فضوله فبادر أمه بالسؤال فى لطف ، و لم تستطع هى الأخرى كتم فرحتها و أجابته بأن جارتهم أخبرتها اليوم أن ولدها سيذهب للعمل بأحدى المصانع الكبرى بالقاهرة و أن المصنع يحتاج إلى الكثير من الأيدى العاملة بمرتبات كبيرة و طلب إليها أن تذهب إلى ( شحاتة ) لتخبره بأن يتقدم للعمل هناك .. و كأنما أشرقت الشمس - و لأول مرة - فى سمـاء حياته المظلمة ، لمع بريق الأمل فى عينيه و اتسعت ابتسامته ، احتضن أمه و قبَّل يديها و جبينها و ترقرقت عيناه بالدموع و أخذت الفرحة تنساب بين عروقه . و فجأة .. جفت إبتسامته و انطفأ الأمل فى عينيه ؛ كيف يغادر قريته و يترك أسرته ؟؟ من سيراعى أسرته فى غيابه ؟؟ .. و قبل أن يذهب بعقله إلى العديد من التساؤلات لاحظت أمه نظرة القلق فى عينيه و قد قرأت ما يدور بذهنه ، فأخذت تطمئنه و تُذْهِب عنه ما يجول بخـاطره من قلق .. اطمئن ( شحاتة ) لحديث أمه و علت إبتسامة الأمل وجهه.ذهب ( شحاتة ) إلى عمله و قدماه تحملهما الرياح لا الأرض .. يعود من عمله مبكراً و مازالت تلك الابتسامة تعلو ملامح وجهه ، يعد نفسه للسفر فى الصباح ، يدخل غرفته لينام و قد أصبح لليل مذاقٌ آخر ، يفكر فى الحياة الجديدة ، يتذكر أحلامه و قد حان الوقت لتحقيقها .. ينقضى الليل شيئاً فشيئاً و مازال (شحاتة ) غارقاً فى أفكاره و أحلامه إلى أن غلبه النعاس ، يستقيظ فى الصباح ليجد أن دموعه قد جفت .

.



******

ريمة الخاني
31-03-2010, 03:08 PM
لاادري ان كنت اقرا لك لاول مرة
سلم البنان

آمال المصري
05-05-2010, 12:35 PM
سرد جميل لتبدل حال بوصف دقيق .. وبأسلوب رائع جعلنا نتعايش مع الأحداث ,
ونتفاعل مع البطل الذي قام بدوره ليمثل كل منا في ظروف شتى .. وجميعها في أمور متناقضة مابين اليأس والأمل وتغلب الإنسان على همومه
جميل ماقرأت لك اليوم
وإلى مزيد من الألق
تقديري

محمد ذيب سليمان
05-05-2010, 08:23 PM
الأخ محمد عبد القادر
سردية موفقة لحياة تمثل العدد الأكبر من الناس
ولمنك كنت جميلا ومبدعا في وصف الحالة النفسية السريعة التقلب
فيلحظات نتيجة الحال المنواضع لكثير من الناس
قفلتها كانت موفقة لحد كبير
وأظنها كانت مغايرة لما قد يخطر بالبال
شكرا لك

ربيحة الرفاعي
05-05-2010, 08:38 PM
قصة جميلة أجاد كاتبها التحكم بأوتار انفعالات القاريء ...
حملنا في البدايات على تصور خاطيء لافتتاحية قصصية ضعيفة، تفتحت عن إبداع في رسم البداية، وغوص في أحلام البطل، في سردية مشوقة تأرجح فيها إيقاع الحدث بين تسارع وخفوت، فيما يماهي تأرجح البطل بين الحلم الحي النشط والواقع الراكد ...
وصف موفق لملامح العلاقة بين الشاب وأفراد أسرته وما يحكمها من أحاسيس ويؤثر فيها من انفعالات، وقفلة حذقة تركت الباب مفتوحا على امتدادات الحلم وخنقه ...
ما لست أفهمه هنا ميل الكاتب ومثله كثر لتكرار اسم البطل بما يشق على القاريء ...

بإيجاز
قصة بديعة فكرة وبناء ومعالجة
دمت متالقا

محمد عبد القادر
06-05-2010, 05:26 AM
لاادري ان كنت اقرا لك لاول مرة
سلم البنان

الشاعرة و الأدبية الفاضلة ريم الخانى
بداية أعتذرُ عن التأخير فى الرد
و أقول
لا حرمنى الله من بهاء مروركم فى كل مرة
تحياتى

محمد عبد القادر
06-05-2010, 05:29 AM
سرد جميل لتبدل حال بوصف دقيق .. وبأسلوب رائع جعلنا نتعايش مع الأحداث ,
ونتفاعل مع البطل الذي قام بدوره ليمثل كل منا في ظروف شتى .. وجميعها في أمور متناقضة مابين اليأس والأمل وتغلب الإنسان على همومه
جميل ماقرأت لك اليوم
وإلى مزيد من الألق
تقديري

الأديبة الرائعة رنيم
يحق لى أن أتشرف بإعجابكِ بأول تجربة لى فى عالم القصة القصيرة
و أشكركِ من القلب على تشجيعكِ
خالص الود و الامتنان

محمد عبد القادر
06-05-2010, 05:33 AM
الأخ محمد عبد القادر
سردية موفقة لحياة تمثل العدد الأكبر من الناس
ولمنك كنت جميلا ومبدعا في وصف الحالة النفسية السريعة التقلب
فيلحظات نتيجة الحال المنواضع لكثير من الناس
قفلتها كانت موفقة لحد كبير
وأظنها كانت مغايرة لما قد يخطر بالبال
شكرا لك

أستاذى الحبيب
و الله أسعد فى كل مرة أرى فيها اسمك على صفحتى المتواضعة
و سعدتُ بتعليقك الذى يدفعنى لمزيد من المحاولة
هى بدايتى فى القصة القصيرة و الحمد لله إنها نالت استحسانك
شكرًا لكَ من القلب

محمد عبد القادر
06-05-2010, 05:36 AM
قصة جميلة أجاد كاتبها التحكم بأوتار انفعالات القاريء ...
حملنا في البدايات على تصور خاطيء لافتتاحية قصصية ضعيفة، تفتحت عن إبداع في رسم البداية، وغوص في أحلام البطل، في سردية مشوقة تأرجح فيها إيقاع الحدث بين تسارع وخفوت، فيما يماهي تأرجح البطل بين الحلم الحي النشط والواقع الراكد ...
وصف موفق لملامح العلاقة بين الشاب وأفراد أسرته وما يحكمها من أحاسيس ويؤثر فيها من انفعالات، وقفلة حذقة تركت الباب مفتوحا على امتدادات الحلم وخنقه ...
ما لست أفهمه هنا ميل الكاتب ومثله كثر لتكرار اسم البطل بما يشق على القاريء ...

بإيجاز
قصة بديعة فكرة وبناء ومعالجة
دمت متالقا

مروركِ يا سيدتى يضيف جمالاً على القصة
و يرفع من قيمة ما كتبتَ فى أول محاولة لى
بالطبع ينقصنى الكثير من فنيات القصة القصيرة
و بتشجيعكم يكتمل النقص بإذن الله
كل التحية لكِ أيتها الأديبة

حسام محمد حسين
06-05-2010, 08:32 PM
عندما فكر شحاته جيداً بعيداً عن العواطف عرف أنه لابد أن يتخذ ما فيه مصلحته ومصلحة أسرته من القرارات

لذلك جفت دموعه لأنه أبعد العواطف قليلاً في القرار المهم

دمتَ كاتباً

كريمة سعيد
08-05-2010, 12:18 AM
الأستاذ محمد عبد القادر

ابتدأت قراءتها وكانت مشوقة ولكن لم أستطع إنهاءها بسبب حجم الخط الصغير

لذلك يؤسفني ألا أتمكن من إتمامها وأتمنى لو يقوم أحد من المشرفين فتعديل حجم خطها

تقديري ومودتي

د. سمير العمري
03-08-2014, 06:07 PM
هكذا أرادوا الجيل لا يحلم إلا بلقمة وشراب ولا يفكر إلا في كسب العيش ويجعله غاية حلمه وطموحه فخرج جيل تافه إمعة لا يفكر بشيء ولا يهمه شيء.

هي قصة اجتماعية مطروقة وجاءت الخاتمة فاترة بلا عنصر تشويق أو مفاجأة ولكنها كانت جميلة الطرح عموما وتلمس جانبا إنسانيا مهما.

اقديري

خلود محمد جمعة
03-06-2015, 08:21 AM
التأرجح ما بين الحلم والواقع، والمستحيل والممكن، واليأس والأمل، حالة مؤلمة
العمل الجديد والسفر وما سيجنيه من مال حسب تفكيره كان الشمس التي أنارت أحلامه وجففت دموعه
قصة اجتماعية جميلة
بوركت وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
18-11-2015, 05:28 PM
قصة مكتوبة بلغة راقية تجمع بين التعبير والتصوير والسرد الجميل
الفكرة حانية بغائيتها ، دافئة بأسلوبها والأداء طيب
والخاتمة نأمل أن تكون حقا فيها جفاف للدموع
وفتح صفحة جديدة مشرقة بالأمل والخير.:001:
دمت مبدعا.