تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اضطرار



أحمد عيسى
12-04-2010, 08:35 PM
ليس جميلاً أن تستلقي على ظهرك ، تحت أشعة الشمس الحارقة ، وسط الصحراء ..
الجوع يمزق معدتك ، والعطش يجمد عروقك ، والحر يقضي على ما تبقى من مقاومة فيك..
تتعامد الشمس فوقه ، تسلط أشعتها على رأسه المتعب ..
صحراء في كل مكان .. لم يعد يدري بالاتجاهات .. الحياة كلها مدى أمامه ..
الكون قالب زبدة كبير ، وهو اتحدت جزيئاته معه ، ذاب فيه ، تداخلت ذراته حتى نسي اسمه ، كينونته ، لم يعد يدري شيئاً ..

نعم يا مريم .. سأكون هناك .. في ذات الموعد ..
أمام بئر مياه جاف ، جلست ، بثوبها المرمري الفضفاض ، وطرحتها التي تزين رأسها ..
حدثته بانفعال ، عن شوقها إليه ، وعن أحلامها ، ومستقبل داكن لا يبدو مشرقاً إلا من خلال مرآتها هي ..
سنشتري الأرض حول البئر ، دونمين كاملين ، نزرعهما فولاً وعدساً وبازلاء ..
لا مانع أيضاً من بعض أشجار الفواكه .. التفاح عشقي الأول والأخير ..
سنبيع ونشتري ، نبني بيتنا الصغير هنا .. لا بأس أن يكون متواضعاً .. لا بأس أن يكون من القش ، أو الزينكو أو الاسبست .. فيما بعد .. عندما نبيع المحصول ، سيصبح هذا الكوخ بيتاً كبيراً ، نزينه بأبهى فراش وأجمل حلة ..
والبئر هذا سنعيد حفره .. سيكون خيراً لنا ولأهل المنطقة كلها ..
ينظر إلى وجهها المشرق ، ابتسامتها البريئة ..
الأحلام ترتسم جميلة فوق عينيها .. أحلام بلون الحياة ، وطعم الفرح ، ورونق الوجود ..
هذه العيون لا تعرف الغش ، لا تعرف الكذب ، ولم تجرب الخداع ..
هذه عيون خلقت لتحب ، لتعشق ، لتعطي كل شيء دون مقابل ..
لم يشأ أن يكسر كل شيء أمامها دفعة واحدة .. أن يهدم الأحلام التي بنتها قصوراً في لحظة ..
من أين ..؟ من أين ما مريم ؟
لم يقلها .. ولم يبتسم أيضاً ..
تركها تتحرك كالفراشة ، ترسم حدود مملكة لا يمكنه أن يبنيها ، تحدد أسماء وأماكن كل شيء وأي شيء ..
هذا بيتنا الصغير ، وتلك حديقته ، وتلك المزرعة ، وهنا أرجوحة طفلنا الأول : ماجد
نعم يا أبا ماجد .. ستكون هنا صحوتنا .. ستشهد الأيام مملكة نغزوها معاً .. ونبزغ فيها سويا ..
تركها تمضي ، تنساب كنسمة وعباراتها لا تزال تدوي في سمائه ..
من بعيد ، شاهد ملثمين يتسللون تحت أشجار الزيتون ، والبرتقال ، إلى أقصى حدود كان يتصور أن يصلها أحد ..
بمقص كبير قطعوا السلك الشائك والأسوار ، وراحوا يتسللون وأسلحتهم مشهرة نحو المجهول ..
هو الحلم ، يداعب خياله إذن ..
تلك فرصة لا تتكرر أكثر من مرة ..تلك فرصة لا يجب أن تضيع ..
فكر كثيراً ، وسبقته قدماه إلى تلك الثغرة ، والحلم لا زال يداعبه ..
سيعمل إذن ، وبأجر يساوي عشرة أضعاف ما يمكن أن أحصل عليه هنا ..
يلقي نظرة أخيرة على بيت مريم الذي يظهر من بعيد ، صغيراً كأنه يودعه ، يلوح له بيديه ..
يمضي .. إلى حدود الحلم ..
الصحراء أمامه في كل مكان ، وآثار خطى المقاومين أمامه ، تبدأ لمسافة ما ثم تنتهي ..
يهرول أكثر ، يصارع خوفه الذي لم يعد له مبرر ، فحياته مفتوحة على كل الاحتمالات ..
لم يعد ما أخشاه .. كذا فكر .. كذا قرر ..
قبل أيام سقط صاروخ أمام منزلي ، وأنا نائم ، وعشرات الصغار يفترشون الأرض الباردة ..
الموت سيأتيك فجأة ..
يسرع أكثر ، لم يعد يدري بالاتجاهات ، تاهت البوصلة ..
مضت ساعات ..
الجوع .. العطش ..
الخوف الذي صار فجأة حقيقة ملموسة ..
أن أموت وحدي عطشاً في صحراء النقب ..
يستلقي على ظهره تعباً ..
الشمس تتعامد عليه .. والرؤية صارت مشوشة ..
من بعيد شاهد الملثمين .. يشتبكون بالسلاح مع أعدائهم ..
سقط أحدهم .. وصرخ آخر ..
تحامل على نفسه ، نفض الخوف ، نظر إلى المعركة نظرة ذات معنى ..
والى ميدانها انطلق كنسرٍ جريح ْ.

*****

مازن لبابيدي
13-04-2010, 06:28 AM
أخي القاص المبدع أحمد عيسى
قصة احتاجت لأكثر من وقفة وتأمل في المساحات التي جالت بالقارئ فيها سواء منها الواقعي والحلمي .
المقدمة تركت بعض الحيرة من جهة ارتباطها بالحدث التالي لكن تصاعد الحدث إلى الخاتمة أعاد الربط بصورة مؤثرة ليشكل إطاراً فنياً واقعياً يغلف حالة الحلم الضائع .
أخي أحمد رغم أن الخاتمة اتضح شيء من ملامحها قبل حينه إلا أنها كانت موفقة إلى حد بعيد وخاصة النقلة النفسية الوجدانية والصحوة الجسدية والوطنية التي انتابت البطل .
أخيراً أيها الحبيب أجدني مضطراً أن أنصحك وأنت المشرف هنا بما تنصح به غيرك من المراجعة والتنقيح والتشكيل والتروي قبل النشر .
بكل الود والتقدير أخي أحمد .

آمال المصري
14-04-2010, 10:36 AM
تسلل لذيذ ناعم خلال حلم جميل مفعم بالأمل عشنا مع أحداثه لنرتطم في النهاية باستفاقة البطل على صوت المعركة
نص شيق اختلط فيه الحلم بقسوة الواقع
فأنتج لنا خاتمة مدهشة
أستاذ / أحمد
كنت هنا رائعا بقوة
تقدير يليق

محمد ذيب سليمان
14-04-2010, 11:17 PM
تنقلنا بيت الحلم والحقيقة ومرارة الواقع
وألم المعاناة
أفردت لنا مساحة جيدة لمراجعة النفس
شكرا لك

مصلح أبو حسنين
15-04-2010, 04:59 PM
لله درك يا أحمد

نسجت خيوط الحلم والواقع وحبكت النهاية بذكء

حلم ضائع

وأسد جائع

حياك الله يا أخي وأدام ألقك

تقديري ومودتي

نادية بوغرارة
15-04-2010, 10:59 PM
أخي أحمد ،

لنصوصك بصمة بدأنا نعرفها ، و توقيع يميّزك عن غيرك .

قرأت هنا وطنا بأكمله .

حسام القاضي
16-04-2010, 12:30 PM
أخي الأديب / احمد عيسى
السلام عليكم

تمدنا دوماً بما يخص قضيتنا الفلسطينية
امس واليوم وغداً..
بين الحلم والواقع أخذتنا في رحلات متتالية
رجوعاً إلى الماضي وعودة إلى الحاضر مع بعض
لمحات تخص المستقبل المرام
قرات العمل من زاوية ربما تختلف قليلاً
أراه كان يهم بالعمل لدى الأعداء ليحقق حلمهما:
وربما يكون الاضطرار المشاراليه في العنوان هنا

وسبقته قدماه إلى تلك الثغرة ، والحلم لا زال يداعبه ..
سيعمل إذن ، وبأجر يساوي عشرة أضعاف ما يمكن أن أحصل عليه هنا

ولكنه يفيق في لحظة ما ليتنازل عن حلمه الصغير ( والذي قد يبنى على أنقاض وطنه) ليبادر
إلى الحلم الأكبر .. حلم التحرير...
كانت موفقة رحلة التوهان في الصحراء فقد حملت معنيين للتوهان
المعنوي والمادي
أجدت في تنقلاتك بين الحاضر والماضي
عمل مميز اخي الفاضل / أحمد
تقبل تقديري واحترامي

أحمد عيسى
16-04-2010, 10:35 PM
أخي القاص المبدع أحمد عيسى
قصة احتاجت لأكثر من وقفة وتأمل في المساحات التي جالت بالقارئ فيها سواء منها الواقعي والحلمي .
المقدمة تركت بعض الحيرة من جهة ارتباطها بالحدث التالي لكن تصاعد الحدث إلى الخاتمة أعاد الربط بصورة مؤثرة ليشكل إطاراً فنياً واقعياً يغلف حالة الحلم الضائع .
أخي أحمد رغم أن الخاتمة اتضح شيء من ملامحها قبل حينه إلا أنها كانت موفقة إلى حد بعيد وخاصة النقلة النفسية الوجدانية والصحوة الجسدية والوطنية التي انتابت البطل .
أخيراً أيها الحبيب أجدني مضطراً أن أنصحك وأنت المشرف هنا بما تنصح به غيرك من المراجعة والتنقيح والتشكيل والتروي قبل النشر .
بكل الود والتقدير أخي أحمد .
الأستاذ المبدع والزميل الرائع : مازن

هو وطن الأحلام المؤجلة .. لا حلم ممكن ولا شيء مستحيل ، نموت ولا نعيش ..
يبقى الأمل دائماً ، بنصر آت ، يراود المقاوم الذي يخوض المعركة ..
شكري لك دائماً أستاذي

د. سمير العمري
19-04-2010, 01:48 AM
نص قصصي جميل أخي أحمد يرسم معالم قضية ويوثق ملامح شخصية وجدت أن الظرف اضطرها أن تخوض معركة الموت من أجل الحياة لا الحياة من أجل الموت.

أحسنت جدا في توظيف الحالة النفسية للبطلين وارتباط ذلك كله بمحور القضية في النص وأجدني أهنئك على هذا العمل.



تحياتي

مرحة عبد الوهاب
20-04-2010, 09:14 PM
الأخ الفاضل أحمد عيسى

بقدر ما أحزننى حال البطل والبطلة وعدم إستطاعتهما لتحقيق حلمهما الوردى وكسب معركة الحياه

بقدر ما أسعدنى تفضيل البطل للوطن

إضطرار
أجدها حكاية عُمر ، وحكاية أرض ووطن

ولا يوحد أسمى وأقدس من الأرض والوطن ، ولهذا السبب رشحتها للماسية عن شهر ابريل

ودعنى أقول لك شئ فى نفسى أخى ، كنت أفضل أن يكون عنوانها إختيار أو أى كلمة من هذا القبيل بدلا من إضطرار

حيث أن نداء الوطن ملبى عن طيب خاطر

تحياتى وتقديرى

حسام محمد حسين
23-04-2010, 09:28 AM
لم يشأ أن يصدم مريم بكلامٍ قاس

لكنه حين فكر بعقله عرف جيداً ما يجب ان يفعله

دمت رائعاً

ربيحة الرفاعي
14-08-2014, 08:35 PM
جميلة بكل ما فيها، حتى ما بدى لي في القراءة الأولى تعثرا...
كان الاسترجاع لمريم وأحلامها شيقا وموجعا، وحمل بمهارة صراعات البطل الى أعماق القاريء ليجعله شريكا في المتاهة التي دخلها طائرا نحو حلم ساذج ليتحول في لحظة صحوة نحو حلم عظيم ...
جاء تسارع الحدث محملا بلهاث البطل في عدوه، وتلهف القاريء لمتابعة طيف مر سريعا كما لو لم يكن له من دور سوى تمزيق الأسلاك الشائكة، فإذا به يفتح باب القفلة الأجمل ، القفلة التي ارتقت بالقصة بأسرها الى مصاف أعلى معنى ورسالة.
وجدت متعة في قراءتها والتنقل فيها بين لحظة حاضرة واسترجاع للحظة زاخرة بالحركة، وانتشيت بالخاتمة ....

دمت متألقا

تحاياي

د.حسين جاسم
18-08-2014, 03:20 AM
قصة شعب مضطر لأن يخوض الموت كي يحظى بفرصة الحياة
فكرة القصة قادمة من قلب المأساة
الأسلوب السردي جميل، وأسلوب العرض يحتاج عناية بالغة والتنسيق

ناديه محمد الجابي
02-09-2014, 08:20 PM
بلغة راقية تجمع بين الحلم والحقيقة ومرارة الواقع وألم المعاناة
عشنا قصتك الشيقة لأخرج منها منتشية بسردك الشائق
والمضمون الهادف وجمال الفكرة والأسلوب وروعة الأداء
دمت مبدعا متميزا.

خلود محمد جمعة
05-09-2014, 05:07 PM
ما بين البداية والنهاية حلم تاه في صحراء الواقع
قصة حملت الكثير من الوجع واضطرارنا لمصادرة احلامنا الصغيرة مقابل تحقيق الحلم الأعظم ؛ حلم تحرير الوطن
فكر عميق بحرف جميل وطرح طيب
تقديري

نداء غريب صبري
16-06-2015, 01:13 AM
بين الحقيقة والحلم عشنا في هذه القصة قضية الأمة وجرحها
بأسلوب جميل وتصاعد شدنا للنص بقوة
أنت قاص رائع أخي

بوركت