د.جمال مرسي
15-03-2004, 08:02 AM
أحبائي الكرام ..
بينما كنت أفتش في أوراقي القديمة وقعت عيني على رائعة الشاعر العراقي الجميل يحيى السماوى
و المقيم حاليا في استراليا . فأعدت قراءتها من جديد و لما رأيت أنها من الأنانية أن أحجب عن أحبائي في الواحة هذه الرائعة هرعت إلى جهازي لأدون هذه القصيدة ليقرأها الجميع
و أتمنى أن تعجبكم و أن يكون اختياري لها اختياراً موفقاً
و أرجو أن تضموا أصواتكم لصوتي من منبر الواحة نوجه دعوتنا لهذا المبدع الرائع لعله يشرفنا يوما
فيكون بين أبنائه و إخوانه من مبدعي الواحة .
و الآن دعونا نسبح في فضاء يحيى السماوي و قصيدته التي نشرتها له المجلة العربية في ذي القعدة 1419هـ
رحلة بين فضاءين
شعر : يحيى السماوي
وقفت و حيّت بالسلام الأمثلِ=وأنا شريدٌ في دروب تأملي
أعدو وراء الذكريات ، يقودني=طيفٌ له أرخيتُ حبلَ توسّلي
قالت : أتسمح لي ؟ فقلت مُرحِّباً :=يا جارتي عبر الفضاء تفضّلي
جلست بجانب شاعرٍ متشردٍ=هوَ عن مطارحة الحديث بمعزلِ
جلست و ألف سحابةٍ من حولها=تندى باشذاءٍ و عطر سفرجلِ
نفضت عليَّ الطيبَ حين تحدَّثَت=فأفقت مفتوناً بلثغةِ بلبلِ
قالت : رجاء لو ربطت لمقعدي= هذا الحزامَ فإنهُ لم يُقفلِ
فأجبتها :ما غيّرت أقدارنا=أقفالَ أحزمةٍ ، فلا تتوجّلي
***
من أين أنت ؟ أنا ابن ألف مدينةٍ=رضعت بنيها من مضاغ الحنظلِ
و أنا الغد المجهول ، قافلتي على=نارٍ تسير و ليس لي من منهلِ
و أنا مزاج الأمس خالط يومهُ=في كأس مائدة الغد المتبدِّلِ
عبثت بهِ الأيامُ فهْو حثالةٌ=في قاعها ، لكنه لم يثملِ
أنا من سكبت على الدروبِ طفولتي=و أتيتُ أجمعها زمان تكهُّلي
ماذا سأجمع و البقية لم تعدْ=تُغري و لا يُغري المليحةَ محملي
أفِلَتْ شموسُ الأربعينَ و لم يزل=نجم التشرد ساطعاً لم يأفلِ
أمضيتُ نصف العمرِ مغتربَ الخُطى=فالسهد حقلي و الصبابة جدولي
الشوق أدماني ، أذلَّ رجولتي=و أنا عن الوطنِ الحبيب كيذبلِ
لا .. لستُ بالضيف الغريب ، فأهلكم=أهلي ، و لكنَّ المُنى لم تعدلِ
قد كان لي فيما مضى وطنٌ ، و لي=حقلي ، وكنت ظننت لي مستقبلي
و ظننتُ أن غدي بلون قصائدي = و بدفء أحلامي و حجم تخيّلي
***
لا تسأليني عن مسار سفينتي=فالحزن لي أهلٌ ، و جرحي منزلي
فدعي السؤالَ عن الهوى و شجونِهِ=و عن اغترابي و احتراقي فاسألي
و عن القناديل التي فُقِئت ، و عن=خبزٍ يُداف بأدمعٍ و تذلّلِ
و عن اغتيال الفجر ، عن سقط الورى=طافوا على أعناقنا بالفيصلِ
و عن البطولات الرخيصة أنجَبَتْ=عاراً و نصرَ أُرينبٍ مُستفحلِ
***
حصد الزمان الغرس قبل أوانِهِ=من قال أن الدهرَ ليس كمنجلِ
ناديتُ أحبابي ، فلمّا لم يُجِبْ=غير الصدى ، ناديتُ يا موت اقبلِ
لا بارك اللهُ الفؤاد إذا سلا=شعباً على نار الفجيعة يصطلي
قايضتُ فقراً بالنعيم ترفُّعاً=فالخيش أـثوابي و زندي مغزلي
و سموت في بئري زمان تساقطت=زمرُ الضلال على الموائد من علِ
***
لا يا رعاكِ الله ما ذبل الفتى=لو كان بين ضلوعه قلبٌ خلي
قاضيتُ دهري ، فارتأيت لحكمةٍ=شدَّ الرحالِ ، و أن أفارق موئلي
أختاه ما يبكيكِ ، كان كزهرةٍ=منديلكِ الورديِّ غير مُبلَّلِ
زَفَرَتْ .. و أحسبني رحقتُ زفيرها=فتنفست روحي عبير قرنفلِ
أختاه قد كشف الصباحُ ، لتكشفي=عن صبح وجهكِ للشريد المثكلِ
***
كشفت لترشفَ قهوةً ، فإذا الدُّجى=صبحٌ طريُّ الضوء غضّ المنهلِ
وجهٌ يفيض عليه نهر أنوثةٍ=و نسيم غاباتٍ و شقرة سنبلِ
صافٍ كمرآة الصباحِ نعومةً=فيكاد يجرحه الوشاح المخملي
ضجّ العبير به فحطّم دورقاً=للطيب من تحت الحجاب المسدلِ
و تراقص الفنجان بين أصابعٍ=شمعية الأطرافِ لا كالأنملِ
باللهِ يا هذا المضيّف لحظةً=زدني و لا تبخلْ عليَّ ، فأجملِ
أنا لن أخضَّ يدي ، سأشرب دلّةً=إن كنت في فنجانها ستصب لي
***
حسناء يا عرساً تناسل في دمي=أعوامها العشرون لمّا تكملِ
لا تُطفئي قنديل وجهكِ ، إنني=عفُّ الرؤى ، و القلب عفُّ المقولِ
كيف اقتحمتِ رُبايَ و هْي منيعةٌ =فدخلتِ أحداقي و كهف تأمّلي
بالأمس حصّنتُ الفؤادَ من الهوى=و من الجمال ، فكيف لم يتحمّلِ
ختم الأسى قلبي و شرفة مقلتي=و طويت من دهري لسان تغزّلي
حسناء:أشرعتي حبيسة بحرها=فخذي بها نحو الأمان و أوصلي
شدّي حديثكِ بالحديث و واصلي=عزف اللحون بلثغةٍ ، لا تبخلي
***
هتف المضيِّفُ :حان وقت هبوطنا=فكأنهُ أعطى إشارة مقتلي
قالت : أراكَ غفوتَ ؟ قلتُ بحسرةٍ :=كيف المنام ، و أنت ما أبقيتِ لي ؟!
أطبقتُ أجفاني عليكِ لأنني=أخشى وداعكِ يا جميلة فانزلي
حَزَمَتْ حقائبها ، و لم أحزم سوى=أوراق عمري في كتاب ترحّلي
مضتِ الجميلة تزدهي بعبيرها=و أنا ؟ رجعتُ إلى رماد تأملي
مع أطيب أمنياتي
بينما كنت أفتش في أوراقي القديمة وقعت عيني على رائعة الشاعر العراقي الجميل يحيى السماوى
و المقيم حاليا في استراليا . فأعدت قراءتها من جديد و لما رأيت أنها من الأنانية أن أحجب عن أحبائي في الواحة هذه الرائعة هرعت إلى جهازي لأدون هذه القصيدة ليقرأها الجميع
و أتمنى أن تعجبكم و أن يكون اختياري لها اختياراً موفقاً
و أرجو أن تضموا أصواتكم لصوتي من منبر الواحة نوجه دعوتنا لهذا المبدع الرائع لعله يشرفنا يوما
فيكون بين أبنائه و إخوانه من مبدعي الواحة .
و الآن دعونا نسبح في فضاء يحيى السماوي و قصيدته التي نشرتها له المجلة العربية في ذي القعدة 1419هـ
رحلة بين فضاءين
شعر : يحيى السماوي
وقفت و حيّت بالسلام الأمثلِ=وأنا شريدٌ في دروب تأملي
أعدو وراء الذكريات ، يقودني=طيفٌ له أرخيتُ حبلَ توسّلي
قالت : أتسمح لي ؟ فقلت مُرحِّباً :=يا جارتي عبر الفضاء تفضّلي
جلست بجانب شاعرٍ متشردٍ=هوَ عن مطارحة الحديث بمعزلِ
جلست و ألف سحابةٍ من حولها=تندى باشذاءٍ و عطر سفرجلِ
نفضت عليَّ الطيبَ حين تحدَّثَت=فأفقت مفتوناً بلثغةِ بلبلِ
قالت : رجاء لو ربطت لمقعدي= هذا الحزامَ فإنهُ لم يُقفلِ
فأجبتها :ما غيّرت أقدارنا=أقفالَ أحزمةٍ ، فلا تتوجّلي
***
من أين أنت ؟ أنا ابن ألف مدينةٍ=رضعت بنيها من مضاغ الحنظلِ
و أنا الغد المجهول ، قافلتي على=نارٍ تسير و ليس لي من منهلِ
و أنا مزاج الأمس خالط يومهُ=في كأس مائدة الغد المتبدِّلِ
عبثت بهِ الأيامُ فهْو حثالةٌ=في قاعها ، لكنه لم يثملِ
أنا من سكبت على الدروبِ طفولتي=و أتيتُ أجمعها زمان تكهُّلي
ماذا سأجمع و البقية لم تعدْ=تُغري و لا يُغري المليحةَ محملي
أفِلَتْ شموسُ الأربعينَ و لم يزل=نجم التشرد ساطعاً لم يأفلِ
أمضيتُ نصف العمرِ مغتربَ الخُطى=فالسهد حقلي و الصبابة جدولي
الشوق أدماني ، أذلَّ رجولتي=و أنا عن الوطنِ الحبيب كيذبلِ
لا .. لستُ بالضيف الغريب ، فأهلكم=أهلي ، و لكنَّ المُنى لم تعدلِ
قد كان لي فيما مضى وطنٌ ، و لي=حقلي ، وكنت ظننت لي مستقبلي
و ظننتُ أن غدي بلون قصائدي = و بدفء أحلامي و حجم تخيّلي
***
لا تسأليني عن مسار سفينتي=فالحزن لي أهلٌ ، و جرحي منزلي
فدعي السؤالَ عن الهوى و شجونِهِ=و عن اغترابي و احتراقي فاسألي
و عن القناديل التي فُقِئت ، و عن=خبزٍ يُداف بأدمعٍ و تذلّلِ
و عن اغتيال الفجر ، عن سقط الورى=طافوا على أعناقنا بالفيصلِ
و عن البطولات الرخيصة أنجَبَتْ=عاراً و نصرَ أُرينبٍ مُستفحلِ
***
حصد الزمان الغرس قبل أوانِهِ=من قال أن الدهرَ ليس كمنجلِ
ناديتُ أحبابي ، فلمّا لم يُجِبْ=غير الصدى ، ناديتُ يا موت اقبلِ
لا بارك اللهُ الفؤاد إذا سلا=شعباً على نار الفجيعة يصطلي
قايضتُ فقراً بالنعيم ترفُّعاً=فالخيش أـثوابي و زندي مغزلي
و سموت في بئري زمان تساقطت=زمرُ الضلال على الموائد من علِ
***
لا يا رعاكِ الله ما ذبل الفتى=لو كان بين ضلوعه قلبٌ خلي
قاضيتُ دهري ، فارتأيت لحكمةٍ=شدَّ الرحالِ ، و أن أفارق موئلي
أختاه ما يبكيكِ ، كان كزهرةٍ=منديلكِ الورديِّ غير مُبلَّلِ
زَفَرَتْ .. و أحسبني رحقتُ زفيرها=فتنفست روحي عبير قرنفلِ
أختاه قد كشف الصباحُ ، لتكشفي=عن صبح وجهكِ للشريد المثكلِ
***
كشفت لترشفَ قهوةً ، فإذا الدُّجى=صبحٌ طريُّ الضوء غضّ المنهلِ
وجهٌ يفيض عليه نهر أنوثةٍ=و نسيم غاباتٍ و شقرة سنبلِ
صافٍ كمرآة الصباحِ نعومةً=فيكاد يجرحه الوشاح المخملي
ضجّ العبير به فحطّم دورقاً=للطيب من تحت الحجاب المسدلِ
و تراقص الفنجان بين أصابعٍ=شمعية الأطرافِ لا كالأنملِ
باللهِ يا هذا المضيّف لحظةً=زدني و لا تبخلْ عليَّ ، فأجملِ
أنا لن أخضَّ يدي ، سأشرب دلّةً=إن كنت في فنجانها ستصب لي
***
حسناء يا عرساً تناسل في دمي=أعوامها العشرون لمّا تكملِ
لا تُطفئي قنديل وجهكِ ، إنني=عفُّ الرؤى ، و القلب عفُّ المقولِ
كيف اقتحمتِ رُبايَ و هْي منيعةٌ =فدخلتِ أحداقي و كهف تأمّلي
بالأمس حصّنتُ الفؤادَ من الهوى=و من الجمال ، فكيف لم يتحمّلِ
ختم الأسى قلبي و شرفة مقلتي=و طويت من دهري لسان تغزّلي
حسناء:أشرعتي حبيسة بحرها=فخذي بها نحو الأمان و أوصلي
شدّي حديثكِ بالحديث و واصلي=عزف اللحون بلثغةٍ ، لا تبخلي
***
هتف المضيِّفُ :حان وقت هبوطنا=فكأنهُ أعطى إشارة مقتلي
قالت : أراكَ غفوتَ ؟ قلتُ بحسرةٍ :=كيف المنام ، و أنت ما أبقيتِ لي ؟!
أطبقتُ أجفاني عليكِ لأنني=أخشى وداعكِ يا جميلة فانزلي
حَزَمَتْ حقائبها ، و لم أحزم سوى=أوراق عمري في كتاب ترحّلي
مضتِ الجميلة تزدهي بعبيرها=و أنا ؟ رجعتُ إلى رماد تأملي
مع أطيب أمنياتي