المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعث...!!



ابراهيم عبد المعطى
07-05-2010, 03:03 PM
:007:


انتفضت من جلستى مذهولاً .. حملقت فى وجه الجالس الغير بعيد عنى .. إنه هو .. بوجهه الأبيض المكوّر وخصلة الشعر البيضاء المتدلية فوق جبينه وشاربه
الكث القصير .. دق قلبى بعنف .. إنه هو ..أبى .. بجلسته المتربعة الهادئة ..ونظراته العميقة الفاحصة ..التفت حولى .. شاطىء الاسكندرية ..أمواج البحر تضرب
الشاطىء فى صخب والشمس تسقط فى استسلام خلف الامواج البعيدة .. المارة رائحون وغادون فى مرح وحبور ..حملقت فيه ثانية ..إنه أبى فعلا .. ورب الكعبة
هو هو .. لم يتغير مذ أن شاهدته آخر مرة من عشرين عاماً .. كان ممدداً على فراشه وأمى تحوطه بدموعها ولسانها يتمتم بالقرآن بينما أختى الكبيرة قابعة فى
ركن الحجرة تشهق فى نحيب مكتوم .. كانت تحُفه سكينة عجيبة ..ومقلتاه تنظران فى استسلام عبر زجاج النافذة إلى السماء الرمادية ..لازلت أذكر كيف هوى الكوب
الزجاجي من يد أختى وصراخها يصم الآذان ..وأمى منكفئة على جسده السابح فى السكون تبكى وتنتحب ..كان يوماً مروعاً حقًا ..
عدت ابحلق نحوه ..كان يتابع المارة فى فضول .. راقب فتاة وهى تتكلم فى هاتفها حتى ابتلعها الزحام .. ثم عاد يتابع صبياً يسير فى تكاسل ..لمحته يبتسم ..! ربما
تذكرني عندما كان يراقبنى أثناء عودتى من المدرسة ... ولكن أليس قد مات ..؟! هل يعود الميت إلى الحياة من جديد ..؟ هل يُبعث من قبره ..؟ يعتقد النصارى
أن السيد المسيح قام من موته .. وأُؤمن أنا كمسلم بأن الجسد يُبلى فى القبر والروح تسكن البرزخ حتى يُنفخ فى الصور فأخرج من جدثي .. إذن كيف عاد أبى ..؟
ولماذا ..؟! أراك ياأبى تلتفت حولك فى تعجب ..تغيًرت الدنيا كثيراً وبدت أكثر كآبة ..لا يغُرنًك تلك المناظر المبهجة التى تراها .. إنه خواء ياأبى .. خواء فى خواء ..
لاهدف ..لاخُلق .. لا نُبل .. لاشهامة .. إفتقدنا تلك القيم ياأبى كما افتقدك .. ألمح نظرة إزدراء على وجهك وأنت تتابع شاباً يكاد بنطلونه يسقط من خاصره ..لا تغضب
أيها الحبيب انها الموضة والتقليد الأعمى .. نظرت إلى الساعة فى معصمى ..الوقت يمر .. إلى متى سأظل جالساً أرقبه من بعيد وهو لايرانى وأظن لن يعرفنى ..؟
إذن سأتقدم نحوه وأرتمى فى حضنه ألثم جسده بدموعى ثم أصحبه إلى المنزل .. سيعرفه أولادى ..أليست صورته فى إطارها الذهبي تزيًن جدار الصالون .. ! ترى
هل ستتقبًله زوجتى ..؟ اللعنة .. ستجدها فرصة لإثارة المتاعب كعادتها ..لا يهم .. فلتبرح المنزل إلى غير رجعة ..
نهضت من مكاني متجهاً صوبه ..اختلطت المشاهد أمامي بينما ومضات مصابيح الشارع تنعكس في لُجّة الأمواج الهادرة .

آمال المصري
07-05-2010, 11:36 PM
هو الهروب من الواقع المرير بالبحث عن ماكنا نتمسك به في الماضي من قيم ومبادئ وحنين نفتقده حتى وإن رحل عنا
المشهد يتكرر كثيرا عندما نفتقد عزيزا علينا وإن مر بنا الزمن فكثيرا نشعر أنه مازال موجودا نراه في وجوه البعض .. نستنكر فقده .. وقد تذكرت عندما قرأت القصة جدي رحمه الله الذي مازلت ألمحه أحيانا بين الوجوه رغم مرور عدة سنوات على رحيله
" البعث " عنوان موفق يتناسب والهدف من وراء النص ولغة راقية .. حكبة جيدة .. خاتمة جميلة
أستاذي الفاضل ...
نص شيق صيغ بأسلوب أكرمه
حيث لايمل أحدنا من قراءته مرات
أسجل إعجابي بقدر ذلك الجمال
تقديري

ابن الدين علي
08-05-2010, 12:02 AM
أخي إبراهيم : انه الحنين إلى الماضي الزاهي الجميل عدت بنا إليه و جعلتنا ننظر بمرارة إلى حاضرنا .. كنت موفق في هذه القصة ذات اللغة الجميلة المعبرة و السلسة..
تحياتي اليك ايها المبدع..

كريمة سعيد
08-05-2010, 12:13 AM
الغير بعيد ربما تقصد غير البعيد ؟؟

المبدع ابراهيم عبد المعطي

تداع جميل وهروب إلى الماضي لإدانة الحاضر

نص جميل صيغ بلغة سلسة ومعبرة وهادفة

مودتي وتقديري

عبد السلام دغمش
23-02-2014, 04:42 PM
كثيراً ما تسترجع الرموز المؤثرة في حياتنا والتي تركت اثراً ..نسترجعها لتكون ترساً نواجه به ما يؤلمنا في حياتنا المستجدة.
قصة جميلة و معبرة.
تحياتي.

ناديه محمد الجابي
23-02-2014, 05:15 PM
يحدث معي هذا الموقف كثيراً فألبس ملامح من أحب على الوجوه
التي أراها لترد عني الشوق الجارف لمن رحلوا ووراهم التراب
هي لحظات من أحلام اليقظة نهرب فيها من واقع مؤلم إلى الماضي الجميل.
قصة بديعة فنيا وإنسانيا عبر أسلوب راق في السرد
أحييك مبدعاً راقياً.

خلود محمد جمعة
26-02-2014, 07:09 AM
إنما هي الذكريات تتراقص على انغام الاشتياق والفقد
يرحلون وتبقى ذكراهم متقدة في عقولنا
هم احياء في قلوبنا
راقني ما قرأت بوجع
دمت بخير مودتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
13-03-2014, 12:16 AM
بدفقات الحنين نهرب للذكرى بحثا عن شئ من الطمأنينة
قص طيب اللغة هادف المحمول موفق

دمت بخير

تحاياي

كاملة بدارنه
14-03-2014, 04:57 PM
عدم الرّضا من الحاضر يدعونا لاستحضار الماضي علّنا نحظى ببعض الرّاحة، لكن الزّمن يمشي بنا ولا يعود إلى الوراء!
قصّ ممتع
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
26-05-2014, 02:42 AM
استعادة الماضي ولو عبر الذاكرة هو نوع من الهروب من الحاضر
قصة جميلة بأسلوب مشوق
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت