تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ثقب في الذاكرة..!



مها عبد العزيز
07-05-2010, 03:33 PM
ثقب في الذاكرة !



حين رأيتها في المصعد صباح هذا اليوم تشككت من معرفتي بها ، كدت أسألها : هل أنت زميلة جديدة في العمل ..؟
ستضحك وستقول بدلال : ما أثقل مزاحك ، وستتغير نبرة صوتها :ألم تعرفيني منذ إسبوع فقط كنا نفطر سوياً في الكافتيريا ؟
سأعتذر و أبدي أسفي لعدم إنتباهي وأن السبب قد يكون في نظارتي الشمسية السميكة التي لازلت أرتديها أو لخصلات شعري الساقطة على عيني .. سأخرج مسرعة حتى لا تشعر بارتباكي و إرتعاش يدي ..


هكذا رسمت السيناريو مع زميلتي التي كدت أجهل معرفتي بها .لولا أني قمت بجهد عميق لتنشيط ذاكرتي حتى أتعرف عليها ، ساعدني الكتمان الذي أجيده بأنها لم تتعرف على جهلي . لكن بعدما تجاوزت الموقف . هزني هذا السؤال القادم من خوفي وهلعي : هل أصابني الزهايمر و أنا لم أصل الثلاثين من عمري..؟ ..



أحياناً كثيرة تختلط على أسماء الزميلات في العمل والصديقات .. لا أستطيع تذكر الإسم ؟ .. بل والاكثر من ذلك أنسى ملامحهن وأشكالهن كما أعجز عن حفظ العناوين و أرقام الهواتف وحين أهم بالحديث أنسى ما سأقوله .. !!


جفاني النوم قيلولة هذا اليوم حين عزمت الذهاب للطبيب مساء , وجف حلقي قليلا وجمدت أطرافي وأنا في غرفة الإنتظار . وترددت فيما سأحكي له .. . . وهل أنا مصابة بمرض عضال ..؟ الدقائق غدت طويلة ..! شعرت بنبضات قلبي تفر من أذنيّ حين نادتني الممرضة , دخلت بخطوات متباعدة وحين جلست صافحتني رائحة القهوة الثقيلة من كوب على المنضدة وأعقاب سجائر متناثرة بجواره وتمنيت أن أرشف قليلاً منه حتى ألملم أفكاري المشتتة ..
حين بدأ الطبيب يدون شكواي أخذت أصابعي تنقر بمهل على طرف المنضدة ..
- لدي ثقوب في الذاكرة أخذت تتسع شيئاً فشيئاً حتى أصبح من الصعب رتقها ...ذاكرتي مهترئة يادكتور..!
أتسعت عينيه الضيقتين من خلف نظارته السميكة وتوقف عن الكتابة ونظر محدقاً فيّ
- لا أعلم لماذا أنسى الأشخاص والأسماء والأ ماكن ولكن ذاكرة الأحداث باقية في ذهني .. بل وأحياناً حين يحصل لي موقف لأول مرة أشعر بأني قد عشت هذا الحدث من قبل بكامل تفاصيله..! أني أشعر بغطاء أو غشاء كثيف يدثر عقلي هكذا .. هكذا ..وأخذت أحرك يدي وقد وقفت أمامه ولم أشعر بخماري الذي سقط على كتفي.. هل تفهمني يادكتور .. ؟
انفرجت إبتسامة من بين شفتيه الممزوتين وهز رأسه بنعم ..
سألني إذا كنت قد أصبت بحادث من قبل .؟. أو مرض ؟ أو صدمة إنفعالية عنيفة ؟ أوعاقرت مسكراً ..؟
جف حلقي أكثر ..وبعد صمت قصير وتردد .. أجبت بصوت منخفض : لا


كما كنت أتابع بذعر وقلة وعي مؤشر الموجات وهي ترتفع وتنخفض وأنا مستقلية على كرسي لتخطيط الدماغ .. وبعد عمل الأشعة أخبرني الطبيب بأني مصابة بتدهور بسيط في الذاكرة العاملة وأن العلاج بسيط !!
وكتب لي وصفة عبارة عن منشط للذاكرة وفيتامينات مقوية .. . قد نسيتها على مكتبه عند المغادرة !


في الطريق توقفت عند جهاز الصرف الآلي وحين وهممت بإ دخال البطاقة لم أستطع تذكر رقمي السري ,, ! ولم تفلح الأدعية التي حفظتها عن أمي لعلاج داء النسيان في فك رموز الرقم .. حينها صعبت علىّ نفسي وفرت مني دمعة وأنا أقف كالبلهاء أمام الجهاز العنيد ..!!


وحين مررت في طريقي بالمدينة القديمة حيث رائحة موطن الطفولة ,مر حينها شريط الذكريات مفصلاً ونقياً .. قلت متباهية : الحنين دواء . لكن ذلك الشريط المفصل والنقي عاد للتشويش بعد مغادرتها .
صعبت علي نفسي مرة أخرى وفرت مني دمعة ، تمثلت حالتي البلهاء أنها ستعرف من الآخرين . سيدركون أنني أنسى . أنني لا أتذكر ما يحدث . وتوجعت بسؤال إضافي أطل من حالتي الصامتة – سؤال له ضجيج وزلزلة : هل سيكون سعيداً بأنني إمرأة تنسى ؟


ضحكت – وصعبت علي نفسي للمرة الثالثة .. وفرت من عيني دموع وليست دمعة واحدة . تركت نفسي للبكاء حتى انتهيت . حينها انتبهت إلى ساعتي في معصمي اليمين وكنت أنقلها إليه حتى أتذكر الأمور الهامة .. ولكن لايهمني الآن ما سأتذكره..!




.

حسام القاضي
07-05-2010, 05:01 PM
قصة رائعة تشير إلى
قاصة متمكنة من أدواتها
استمتعت هنا جداً

تقديري واحترامي

مازن لبابيدي
07-05-2010, 05:33 PM
الأخت الكريمة مها عبد العزيز
اسمحي لي أن أحييك وأبدي إعجابي بأسلوبك الممتع في القص والذي فعلاً يشد القارئ خلال أسطر القصة إلى نهايتها . وبشكل عام فالقصة جيدة وتستحق التقدير .
أختي مها لندخل قليلاً في بعض الملاحظات اللغوية وليتسع صدرك الكبير لما سأقول :
- أولاً أختي أهملت التشكيل في النص بشكل كامل تقريباً اللهم إلا من بعض التنوينات بالفتح من آن لآخر !
- المقدمة كانت مربكة بعض الشيء في تسلسل الحدث .
- ملاحظ أختي مها أن بعض الجمل منقولة عن أسلوب عامي ، وأكاد أجزم أنك من مصر الحبيبة ، وهذا لا يضير ما لم يضعف التركيب اللغوي الفصيح ، فمثلاً قولك : صعبت علي نفسي ، هو استعمال غير مناسب للمعنى الذي أردته من الرقة والحزن ، والأصح أن تقولي مثلاً أشفقت على نفسي ، أو حزنت ، أو ما شابه ... فهنا غلبتك اللغة العامية وإن استعملت ألفاظاً فصيحة .

شكراً أختي مها لتحملك لي وشكراً لقصتك الجميلة وتقبلي التحية .

نادية بوغرارة
11-05-2010, 12:39 PM
قصة جميلة ، مؤثرة ، ورغم أن الحدث هنا لم يكن بالحدة المقلقة ،
لكنه أحالني لحالات مرضية ، إستولى عليها النسيان حتى أصبحت حياتهم ،
لا تستغني عن المنبهات و المذكرات و العلامات .

موضوع مهم و حكي موفق ، خاصة تلك النهاية الموحية بأشياء كثيرة .

آمال المصري
12-05-2010, 02:00 AM
أحياناً يكون النسيان جميلا إذا كان لدينا مانود نسيانه
وأحياناً أخرى نتمنى أن نطرد كل مافي الذاكرة وجعلها خاوية فارغة ولكلٍ سبب .!
مبدعة أنتِ يامها فقد طوعتِ أدوات القاص الماهر لسرد ماتع
حبذا المراجعة قبيل النشر لتتجنبي مايعكر صفاء النص من هنات
تقديري

مها عبد العزيز
14-05-2010, 08:37 PM
.

أستاذي القدير حسام القاضي .. سعدت بحضورك هنا , وبنيل حروفي المتواضعة رضى ذائقتكم الرفيعة .

ممتنة لهذا المرور ولك خالص شكري وتحياتي .

مها عبد العزيز
14-05-2010, 08:53 PM
.
الأخ القدير مازن لبابيدي . .شكراً لملاحظاتك الجميلة ..ويشرفني أستاذي أن أكون مواطنة مصرية
ولكني لست كذلك - فأنا من بلاد الحرمين الشريفين -.. وبالنسبة لكلمة "صعبت على نفسي "
كنت كتبتها سابقاً في المسودة بكلمة "أشفقت " ولكني عدلتها " لـ صعبت " لأني شعرت حينها بأن هذه الكلمة أكثر تعبيراً عن الموقف ..

تحياتي وامتناني .

مها عبد العزيز
14-05-2010, 09:03 PM
.

الأخت العزيزة نادية أبو غرارة ..

ممتنة لهذا التواجد الجميل وأسعدني حضورك المبهج .

ودي ووردي .

مها عبد العزيز
14-05-2010, 09:09 PM
.

القديرة رنيم مصطفي .. أسعدني تواجدك , وشكراً على الملاحظة .

ودي ووردي .

ابن الدين علي
14-05-2010, 09:12 PM
ألأخت مها قصة جميلة و استمتعت بقراءتها حتى النهاية، لولا بعض الهنات التي يمكن تجاوزها في موضوع شيق كهذا
دمت مبدعة...تحياتي اليك

ربيحة الرفاعي
16-08-2014, 12:26 AM
المبدعة مها عبد العزيز
اسمحي لي ابتداء أن أرحب بقاصة متمكنة من أدواتها في مساحة القصة بواحتنا الحبييبة...
قصتك كانت بديعة المحتوى وذكية المعالجة، وخلقت بدخولك الرشيق في الحبكة أثرا رائعا في شد القاريء لمتابعة تصاعد الحدث خطوة خطوة بمهارة لا تكون إلا لقاص متمكن.
أما الحوار الداخلي فجاء رائع البناء مثيرا لدرجة عالية من التفاعل مع النص والبطلة، تماما كما جاء رسم الحدث في عيادة الطبيب


كما كنت أتابع بذعر وقلة وعي مؤشر الموجات وهي ترتفع وتنخفض وأنا مستقلية على كرسي لتخطيط الدماغ .. وبعد عمل الأشعة أخبرني الطبيب بأني مصابة بتدهور بسيط في الذاكرة العاملة وأن العلاج بسيط !!
وكتب لي وصفة عبارة عن منشط للذاكرة وفيتامينات مقوية .. . قد نسيتها على مكتبه عند المغادرة !
أرى هنا أن "كما" جاءت حشوا لا تستدعيه ضرورة لغوية ولا قصصية، ولكانت بداية الفقرة اصح لو بدأت بـ"كنت اتابع".
و " قد" ايضا غير مبررة الوجود في الجملة ولا تخدم المعنى ، ولعل الصوب أن نبدأ بنسيتها مباشرة
ثم .. وكأني بالفقرة بكليتها وضعت على عجل فلم تاخذ حقها في البناء لغويا ولا من حيث مضمونها وأهميتها في النص ...
وينطبق هذا أيضا على الفقرة التالية ...

أما الخاتمة فجاءت برشاقة الدخول سلسة وحذقة

أهلا بك نخلة باسقة في واحتنا
ودمت بألق

نداء غريب صبري
31-08-2014, 01:40 AM
نحتاج للنسيان أحيانا لنكمل الحياة

قصة جميلة ومؤثرة

شكرا لك أختي

بوركت

ناديه محمد الجابي
04-03-2018, 05:11 PM
قصة على قدر كبير من النضج والاكتمال الفني
سلاسة في السرد بأسلوب شائق وحبكة برعت في نسجها
تصوير محترف لحالة إنسانية لا يمكن أن يحسها أو ينجح في التعبير عنها
إلا من عاش نفس تجربة النسيان.
ولبصماتك على الورق سحر لا يقاوم.
دمت بكل خير.
:002::005::002: