المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قِرشٌ بِقِرْشٍ



د. سمير العمري
12-05-2010, 01:33 PM
شَاخَ الليلُ حتَّى أَطلَقَتْ إِرْهَاصَاتُ فَجْرِهِ بَلابِلَ صَمتِهِ طُيَورًا تَسْعَى لأَرْزَاقِهَا مُسَبِّحَةً رَبَّهَا العَظِيمَ. وَكَانَ عَصْفُ رِيحٍ مُثقَلةٍ بِبَردٍ قَارِسٍ فِي مُنتَصَفِ كَانُون يُشِيبُ مَا تَبَقَّى مِن خصُلاتِهِ المُظْلمَةِ قَبلَ أَنْ يَرتَفِعَ صَوتُ أَذَانِ الفَجْرِ نَدِيًّا يُنَادِي إِلى خَيرِ العَمَلِ. كَانَ مُخْتَارٌ قَد سَبَقَ عَصَافِيرَ الفَجْرِ يَحُثُّ الخُطَى خَلفَ وَالدِهِ فِي الطَّريقِ المُحَاذي للسَّاحِلِ وَالذِي يَمُرُّ عَبرَ أَجَمٍ مِن نَخِيلٍ شَاهِقٍ. رَهْبَةُ الصَّمْتِ وَعَويلُ الرِّيحِ وَشِدَّةُ الظُّلْمَةِ تَرْسُمُ فِي خَيَالهِ بَعضَ خَوفٍ طُفُولِيٍّ أَذْكَتْهُ حِكَايَاتُ جَدَّتِهِ إِذْ يَغْفُو في حضْنِهَا كُلَّ لَيلَةٍ ، وَتُحْجِمُ يَدُهُ مُجَدَّدًا أَنْ تَطْلُبَ يَدَ وَالِدِهِ الصَّارِمِ بَحْثًا عَن أَمانٍ.

كاَن َالبَحْرُ يَزْبدُ غَاضِبًا مِنْ لَطْمِ الرِّيحِ يَتَطَاوَلُ مَوجُهُ لِيَصفَعَ مَا يَخَالهُ خَصْمًا. وَكانَ بَعْضُ صَقِيعٍ يُدَثِّرُ الأَرضَ بِثَوبٍ قُطْنِيٍّ لامِعٍ امْتَدَّ حَتَّى غَطَى قَارِبَهُم الصَّغِيرَ.
لَقَدْ بَدَأَ نَهَارٌ جَدِيدٌ فِي حَيَاةِ هَذَا الطِّفْلِ ذِي السَّنَوَاتِ العَشْرِ فَأَسْرَعَ إِلى تَطْبيقِ مَا تَعَلَّمَ بِخِفَّةٍ وَحِرْفَةٍ ، ثُمَّ جَلَسَ قبَالَةَ وَالِدِهِ يُزِيحُ مِثْلَهُ بِيَدَيهِ العَارِيَتَينِ أَكْوَامَ الثَّلْجِ لِيَصلَ لِلأسْمَاكِ المُجَمَّدَةِ يُلْقِمُهَا الشُّصُوصَ طُعْمًا لِصَيدٍ يُوَفِرُّ القُوتَ لِعَائِلَتهِ الكَبيرَةِ ، وَكُلَّما تَجَمدَتْ أَطْرَافُهُ حَدَّ الشَّللِ أَسْرَعَ يَغْمِسُهَا فِي مِيَاهِ البَحْرِ الباردة لِتَدْفَأَ فَتَسْتَعِيدَ حَرَكَتَهَا مِنْ جَدِيدٍ.

البَحرُ يَعْلُو وَيَهْبِطُ ، وَالرِّيحُ تَعْوِي وَتَصْفرُ ، وَالقَارِبُ الصَّغِيرُ يَكَادُ يَدْفَعُ ثَمنَ صِرَاعِهمَا يَصْطَفقُ بِقُوَّةٍ تَكادُ تَخلعُ قَلبَ الصَبيِّ وهُوَ يَنظُرُ فِي الأُفُقِ مُبتَهِلا للهِ أَنْ يَكُونَ حَظُّهُمْ هَذَا اليَومَ مِن الرِّزْقِ مُعِيلا. أَغْمَضَ عَينَيهِ يَستَعيدُ شَريطَ ذِكرَياتٍ مُتَبَاينةٍ ثُمَّ انْشَغَلَ يَدعُو اللهَ بِرِزْقِ العِيالِ حتَّى إِذَا صَفَا ذِهْنُهُ فِي تَأَمُّلٍ بَدَا كَحُلُمٍ لَمْ يَخْتَرْهُ رَأَى سَمَكةً تَعُومُ عَلَى السَّطْحِ تَتَّجِهُ إِلَيهِ فَيَمُدُّ يَدَهُ فَيَلْتَقِطُهَا. هَزَّ رَأْسَهُ يَضحَكُ مِنْ نَفسِهِ ؛ لا بُدَّ أَنَّ الحَاجَةَ الشَّدِيدَةَ لِلمَالِ وَنُدْرَةَ الصَّيدِ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرةِ هُمَا مَا رَسَمَا هَذَا فِي مُخَيِّلَتِهِ.

سَيطَرَ عَلَيهِ هَذَا الحِسُّ وَطَارَدَ خَاطِرَه صَيدُ خَيَالِهِ حتَّى فَتَحَ عَينَيهِ يَطْردُ بِنُورٍ بَعِيدٍ هَوَاجِسَهُ هَذِهِ فَلَمْ يُفلِحْ. اتَّخَذَ وَضْعًا يُمَكِّنُهُ مِن مُرَاقَبَةِ مَا تَسْمَحُ بِهِ الظُّلْمَةُ مِنْ سَطْحِ البَحْرِ دُونَ أَنْ يُفَرِّطَ في اسْتِرخَائهِ ثُمَّ انتَفَضَ فَجْأَةً صَائِحًا:
ـ تَوَقَّفْ يَا أَبِي ، هَذِهِ سَمَكَةٌ تَعُومُ إِلَينَا.
دُهِشَ أَبُوهُ حَتَّى لَقَدْ خَشِيَ عَلَيهِ منْ هَذَيَانِ رَهَقٍ ، فَابْتَسَمَ بِرِفْقٍ وَقَالَ:
ـ لَعَلنَا نَصْطَادُ اليومَ سَمَكًا كَثِيرًا بِإذْنِ اللهِ. السَّمَكُ لا يَأتِي النَّاسَ يا بُنَيَّ ، وَالعَتْمَةُ هَذِهِ لا تَسْمَحُ بِرُؤيَةِ أَي شَيءٍ الآنَ. استَرِحْ رَيثَمَا نَصِلُ إِلى حَيث نَبْدَأُ الصَّيدَ.
ـ وَلَكِنْ يَا أَبِي أَرَاهَا ، هَا هِي تٌقْبِلُ ، وَاللهِ أَرَاهَا هُنَاكَ.
هَالَ الأبَ نَبرُةُ ابْنِهِ الوَاثِقَةُ وَذهلَ حِينَ رَأَى إِذْ دَنَا تِلْك السَّمَكةِ تَتَّجِهُ نَحْوَ القَارِبِ فِي استِسْلامٍ. لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً وَلَكِنَّهَا كَانَتْ ثَقِيلةَ الوَقْعِ لِتبعَثَ الفَرْحَةَ وَالرَّهْبَةَ فِي آنٍ مَعًا وَهُوَ يُمْسِكُ بِهَا حَيَّةً طَازَجَةً مُردِّدًا:
ـ سُبْحَانَ اللهِ!

وَصَلا إِلى حَيْث بَدَأَ الصَّيدُ مَرَاسِمَهُ المَعهُودَةَ ، وَطَالَ انْتِظَارٌ دُونَ جَدْوَى. وفَجْاَة إِذْ قَارَبَتِ النِّهَايةُ عَلَى غَرْزِ طَعْنَةِ إِحبَاطٍ تَزيدُ النَّصَبَ شُدَّ الخَيطُ بِقُوَّةٍ جَبَّارةٍ وَبَدَأَتْ الشُّصُوصُ تَنْطَلقُ مِن مَكَامِنِهَا كَرَصَاصَاتٍ سَرِيعَةِ الطَّلَقَاتِ.

صَرَخَ الأَبُ مُستَنْفِرًا:
ـ ارْتَدِدْ إِلى الخَلْفِ بِلا جَلَبَةٍ يَا مُختَارُ وَخُذْ حِذْرَكَ!

كَانَ مُخْتاَرٌ يَعْلَمُ مَا يَجِبُ عَلَيهِ فِعْلُهُ وَإِنْ أَرْبَكَهُ اخْتلافُ قُوَّةِ الشَّدِّ هَذِهِ المَرَّةِ فَكَانَ أَكْثَرَ حَذَرًا. سَاعَتَانِ مَرَّتَا كَدَهْرٍ وَالقَارِبُ يُجَرُّ إِلى حَيث شَاءَ ذَلكَ القِرْشُ الضَّخْمُ وَقَدْ فَاقَ حَجْمُهُ حَجْمَ قَارِبِهِمَا قَبْلَ أنْ تَخُورَ قِوَاهُ حَدًّا مَكَّنَهُمَا مِنْ شَدِّهِ لِلقَارِبِ. مَا إِنِ اقْتَرَبَ حَتَّى عَقَدَ الذُّهُولُ العَينَ وَاللِسَانَ حتَّى لَقَدْ عَجِزَا عَنْ رَفْعِهِ لِلقَارِبِ فَمَدَّدَاهُ إِلى جَانِبِهِ يَكَادُ أَنْ يَمِيدَ بِهِ.
وَقَفَ جَمعٌ كَبيرٌ يَنْظُرُ بَعْضٌ بِفُضُولٍ وَبَعْضٌ بِحَسَدٍ وَهُمْ يَرَونَ القَارِبَ يَكَادُ يَغُوصُ يَحْسَبُونَهُ امْتَلأَ سَمَكًا. حتَّى إِذَا وَصَلا الشَّاطِئَ أَسْرَعَ بَعضُ الوَاقِفِينَ لِلمُسَاعَدَةِ إِذِ احْتَاجَ إِخْرَاجُ القِرْشِ لِلبَرِّ عَشْرَةَ رِجَالٍ. كَانَ المَشْهَدُ مَهُولا جَمَعَ القَومَ عَلَيهِ حَتَّى فَرَّقَهُمْ تَاجِرُ السَّمَكِ الكَبِيرُ فَنَظَرَ فِي الصَّيدِ ثُمَّ قَالَ بِلَهْجَةٍ حَاسِمَةٍ:
ـ عَشْرُ لِيرَاتٍ فِي هَذِهِ السَّمَكَةِ ، وَلا أُرِيدُ هَذَا القِرْشَ فَلا طَلَبٌ عَلَيهِ.

تَجَرَّأَ أَحْدُ التُّجَارِ الصِّغَارِ بَعْدَ أَنْ مَضَى ذَاكَ فَقَالَ:
ـ أَشْتَرِيهِ بِقِرْشِ.

دَارَتْ الدُّنْيَا بِالصَّبِيِّ. أَبَعْدَ كُلِّ هَذَا العَنَاءَ وَالخَطَرَ؟؟ رَحْمَتَكَ رَبِّي!
نَظَرَ فِي عَيْنَيِّ أَبِيهِ وَقَدْ تَعَلَّقَتَا بِالقِرْشِ وَتَعَلَّقَ فِيهمَا حُزْنٌ وَحَسْرَةٌ وَقَالَ بِسُخْرِيَةٍ مَرِيرَةٍ:
ـ حَسَنًا ، خُذْهُ بِقِرْشٍ!
ـ يَا أَبِي ....
ـ أُصْمُتْ يَا مُخْتَارُ!
ـ يَا أَبِي ... هَذَا لَيسَ بِعَدْلٍ. دَعْنِي أَبِعْهُ فِي السُّوقِ قِطَعًا.
ـ لَنْ تُفْلِحَ يا بُنَيَّ فَلَحْمُهُ مِمَّا يُزهَدُ بِهِ ، وَهُمْ لَنْ يَسْمَحُوا لَكَ.

صَمَتَ لِسَانُ الصَبِيِّ وَتَحَدَّثَتْ عَينَاهُ بِكُلِّ مَا أَصَابَ القَلْبَ مِنْ قَهْرٍ وَأَسَى ، يَنْظُرُ إِلى التَّاجِرِ كَأَنَّهُ يُقَطِّعُ مِنْهُ لَحْمَهُ قَبلَ أَنْ يُقَطِّعَ لَحْمَ القِرشِ ذَاكَ. وَمَا إِنْ فَتَحَ التَّاجِرُ بَطْنَهُ حَتَّى جُنَّ جُنُونُ الصَبِيِّ يَصْرخُ بِأَبيهِ يَنظُرُ كِلاهُمَا بَينَ الذُّهُولِ وَالأُفُولِ لَكِنَّ أَبَاهُ نَهَرَهُ بِرِفْقٍ قَائِلا:
ـ لا يَا وَلَدِي ، لا يَتَرَاجَعُ الحُرُّ عَنْ البَيْعٍ حَتَّى لَوْ وَجَدُوا فِي بَطْنِهِ كُلَّ هَذَا الخَيرِ ، هِيَ أَرْزَاقٌ يَا بُنَيِّ وَأَقْدَارٌ لا يَجِبُ فِيهَا أَنْ يَدْفَعَنَا السُّخْطُ إِلى أَنْ نَزِلَّ أَوْ أَنْ نَضِلَّ أَو أَنْ نَنْكثَ عَهْدًا أَو أَنْ نَخُونَ أَمَانَةً.

أحمد عيسى
12-05-2010, 02:44 PM
الأستاذ الأديب الكبير : د.سمير العمري

تلك من قصص الحكمة اذن ، وكأن الحكمة لا تقتصر على أبيات سمير العمري لتتجاوز الى أدب سمير العمري بصفة عامة .
انتهت القصة بحكمة جميلة ، وبدأت بأسلوب جميل ، وأحداث محكمة ، وربط تام بينها ، ثم أن هذا الصبي كان حراً يعرف قيمة بضاعته ، ولكن طمع التجار وتبخيسهم في بضاعته كان السبب حتماً فيما حدث .
تذكرت وأنا أقرؤها رائعة الأمريكي المبدع جون شتاينبك " اللؤلؤة " حين وجد الصياد الفقير "كينو" جوهرة ثمينة وضخمة ، فكان أن اتفق التجار على أن يبخسوه قدرها ، وأن يقللوا من قيمتها ، حتى يبيعها بأبخس الأثمان ، لكن كينو كان مقاوماً حين رفض ذلك ، وقرر السفر الى مدينة أخرى لتقابله رحلة مليئة بالصعاب .
نعم كان الوالد محقاً هنا أن الحر لا يرجع عن بيعه .. لكن أخي ابا حسام فان الحر أيضاً يعرف قيمة ما لديه ، ويقدره ، ويحارب من أجله ما استطاع ..

أشكرك على هذه المتعة التي تعطيها لنا ، ملتقى القصة كله يسعد بتواجد نصوصك القوية المحكمة
دمت أستاذاً معلماً

ربيحة الرفاعي
12-05-2010, 07:18 PM
"نكهة" .. "فروسية" .. " حرص" ثم ها هي "قرش بقرش" جاءت جميعا بذلك الأفق الواسع من سردية تعتمد التألق البلاغي في لغتها...
لكأني هنا أمام مدرسة قصصية جديدة، تحمل أدوات البناء القصصي مجتمعة وتضيف إليها جديدا بديعا، فقد درجت لغة القص على اعتماد الحكي السهل في سردية القصة عموما، ولم نعتد على هذه اللغة العريقة، المحلقة في سماء البلاغة والتصوير اللفظي وموسيقى الكلمة والعبارة، بسحر يستحوذ على القاريء حتى ليكاد يخرج به عن متابعة الحبكة القصصية لولا براعة القاص وتمكنه من لغته وقدرته على تطويع المفردة وتوظيفها.
ولعلها هذه نقطة جديرة بإطالة الوقوف عندها، لما تحمل من دلالات صعوبة خوض غمار هذا الخضم، فما اسهل أن يفقد الكاتب خيوط الحبكة أو أن تتراجع وتخفت ملامحها، ما لم يمتلك ما تقدم من أدوات لغوية فائقة التميز.
وعن موضوعة القصة، استوقفتني ملاحظة الرائع احمد عيسى ...

الأستاذ الأديب الكبير : د.سمير العمري
نعم كان الوالد محقاً هنا أن الحر لا يرجع عن بيعه .. لكن أخي ابا حسام فان الحر أيضاً يعرف قيمة ما لديه ، ويقدره ، ويحارب من أجله ما استطاع ..
نعم ..
فلا بد لحكمة الوالد من تتمة تقول أن الحر يقدر ما لدية ويحارب في سبيله

احمدالحكيم
12-05-2010, 07:29 PM
فقط استاذى استمتع بالقراءه واصمت
فكلامى ضوضاء امام كلماتك
دمت كما انت ودام قلمك الراقى
تقبل مرورى وتقديرى واحترامى

محمد ذيب سليمان
14-05-2010, 02:21 PM
لا تعليق
سوى اننا تربينا على هكذا تربية من آباء
لايعرفون القراءة والكتابة
أليس هذا فخرا لآبائنا ودرسا لنا ننقله لأبنائنا ؟
عسانا نستطيع ونكون مثلهم
دمت مشرقا

د. سمير العمري
17-05-2010, 01:42 AM
الأستاذ الأديب الكبير : د.سمير العمري

تلك من قصص الحكمة اذن ، وكأن الحكمة لا تقتصر على أبيات سمير العمري لتتجاوز الى أدب سمير العمري بصفة عامة .
انتهت القصة بحكمة جميلة ، وبدأت بأسلوب جميل ، وأحداث محكمة ، وربط تام بينها ، ثم أن هذا الصبي كان حراً يعرف قيمة بضاعته ، ولكن طمع التجار وتبخيسهم في بضاعته كان السبب حتماً فيما حدث .
تذكرت وأنا أقرؤها رائعة الأمريكي المبدع جون شتاينبك " اللؤلؤة " حين وجد الصياد الفقير "كينو" جوهرة ثمينة وضخمة ، فكان أن اتفق التجار على أن يبخسوه قدرها ، وأن يقللوا من قيمتها ، حتى يبيعها بأبخس الأثمان ، لكن كينو كان مقاوماً حين رفض ذلك ، وقرر السفر الى مدينة أخرى لتقابله رحلة مليئة بالصعاب .
نعم كان الوالد محقاً هنا أن الحر لا يرجع عن بيعه .. لكن أخي ابا حسام فان الحر أيضاً يعرف قيمة ما لديه ، ويقدره ، ويحارب من أجله ما استطاع ..

أشكرك على هذه المتعة التي تعطيها لنا ، ملتقى القصة كله يسعد بتواجد نصوصك القوية المحكمة
دمت أستاذاً معلماً

رد كريم ورأي أعتز به أخي أحمد ، ولك أن تقرأ القصة بما بالشكل الذي يوجهه إليك الراي أو الرؤية ، ولا ريب أنك رصدت أمرا دقيقا وحقيقيا لا أخالفك فيه ، ولكن هنا في النص كنت حرصت أن أشير في بعض كلمات وجمل لحقيقة أن القرش بالفعل لا يساوي أكثر من القرش ، ولعلك لو كنت تنبهت لهذا الأمر لكان بدا لك من النص معان أعمق وأوقع ولكان رأيك في الصبي اختلف قليلا لا تهوينا لأمره بل إإدراكا لمعان يجسدها في سياق آخر.

أشكرك جدا في هذا الرد الكريم ، وسأظل كما وعدتك عضدا وسندا في حراك هذا القسم وتوجيه المستويات فيه لما نرجو من شكل ومن مضمون.


تحياتي

وفاء شوكت خضر
17-05-2010, 09:45 AM
أخي الكريم وأديبنا وشاعرنا السامق د. سمير العمري ..

ربما أكون أول من قرأ هذا النص ، وكلما دخلت للرد وجدتني لا أستطيع إمساك الخيط الذي يوصلني إلى ما يهدف له
د. سمير العمري بقصة اعتمدت السرد المباشر ، ولغة أدبية بمفردات منتقاة ، وأنا التي تعلمت على مدى السنوات الماضية أن لا نص يكتبه إلا وله هدف وغاية ورسالة موجهة ..
إلى أن أتت لحظة امسكت فيها الخيط ، وكم كانت لحظة التنوير التي التمعت بذهني مفاجئة لي ..

لن أدعي الذكاء والتميز ، ولكني كما تعلم ، تعلمت أن وجه أنظاري دوما إلى نفس اتجاه نظرك ، ولعلها خصلة سيئة بي ولكن سيصعب علي الفهم إن لم أفعل ..

لا أدري كم مرة قرأت النص والذي يحمل رسالة تأديبية علاوة على تألقه كنص تميز بلغته واسلوبه الأدبي شكلا ومضمونا ، بدأً باختيار المفردة وانتهاء بالتشكيل الدقيق ..

شهادتي ربما تكون مجروحة ..
أكتفي إلى هنا واصمت ..

د. سمير العمري
13-06-2010, 10:56 PM
"نكهة" .. "فروسية" .. " حرص" ثم ها هي "قرش بقرش" جاءت جميعا بذلك الأفق الواسع من سردية تعتمد التألق البلاغي في لغتها...
لكأني هنا أمام مدرسة قصصية جديدة، تحمل أدوات البناء القصصي مجتمعة وتضيف إليها جديدا بديعا، فقد درجت لغة القص على اعتماد الحكي السهل في سردية القصة عموما، ولم نعتد على هذه اللغة العريقة، المحلقة في سماء البلاغة والتصوير اللفظي وموسيقى الكلمة والعبارة، بسحر يستحوذ على القاريء حتى ليكاد يخرج به عن متابعة الحبكة القصصية لولا براعة القاص وتمكنه من لغته وقدرته على تطويع المفردة وتوظيفها.
ولعلها هذه نقطة جديرة بإطالة الوقوف عندها، لما تحمل من دلالات صعوبة خوض غمار هذا الخضم، فما اسهل أن يفقد الكاتب خيوط الحبكة أو أن تتراجع وتخفت ملامحها، ما لم يمتلك ما تقدم من أدوات لغوية فائقة التميز.
وعن موضوعة القصة، استوقفتني ملاحظة الرائع احمد عيسى ...

نعم ..
فلا بد لحكمة الوالد من تتمة تقول أن الحر يقدر ما لدية ويحارب في سبيله



أشكر لك ما تفضلت به أيتها ألأديبة الكريمة من قراءة نقدية أجلها وأقدرها ، وأقدر فيك هذا التوجه في الردود التي تزيد النصوص عادة وتثري الحوار وصولا لحالة إبداعية أعلى.

أما رأيك الكريم بشأن ما كتبت من قصص هي لا تزيد في مجملها عن عدد اصابع اليد الواحدة هو رأي كريم ويظهر ذائقة عالية عندك ، ولعلني هنا أوضح بأن القص ليس من ضمن توجهاتي عموما وإنما أحاول أن أمد يدا للحراك والنشاط في هذا القسم المهم والذي يعاني من فتور ومن هبوط عام في المستوى للأسف ، ولا أزعم أنني ممن ينتسبون لعالم القصة حتى اللحظة ، ولكني بحق أحاول أن أطرح منهجا جديدا يرتكز على اللغة العالية وعلى المزج المتوازن بين القص والنص بما يخدم الأدب ولا يفقد عنصر الحكاية وتشويقها. كما أزعم أنني أحاول أن أتناول أساليب ومناهج مختلفة بإضافات أتعمدها في كل مرة بما لا يخرج عن الإطار العام للمنهج الذي أتبعه والذي رصدته بحرفة حاذق.

أتمنى بالفعل أن يكون ما أكتب أمرا يهم القراء ويسهم في الرقي بأدب القصة القصيرة وأن يكون في حرصي على اللغة ما يزيد الإقبال لا العزوف والاستسهال.

أما بخصوص النص فهو أبعد برمزيته عن المعنى الذي بدا مطروحا ، ولقد كنت رددت على الأديب أحمد عيسى بشأن رأيه موضحا أن تلك الإضافة المقترحة ستحول النص من دلالاته الرمزية التي أردتها إلى المعنى الظاهر بما يخالف منهحجي في القص الذي يعتمد اساسا على رمزية المعنى لا ظاهر اللفظة.

مهما يكن من أمر فإني أميل للتوقف كليا عن الكتابة القصصية لأسباب كثيرة وسأحسم أمري قريبا.

أكرر شكري وتقديري


تحياتي

د. سمير العمري
09-12-2010, 08:48 PM
فقط استاذى استمتع بالقراءه واصمت
فكلامى ضوضاء امام كلماتك
دمت كما انت ودام قلمك الراقى
تقبل مرورى وتقديرى واحترامى


بارك الله بك يا أحمد وحفظك كريما وكلماتك لم ولن تكون ضوضاء يوما!

دام دفعك ودمت بخير!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير


تحياتي

خالد الجريوي
09-12-2010, 09:01 PM
لن أستطيع أن أضيف
حرفا .. فوق ما قاله الأساتذة قبلي

ولكنني .. فقط

استمتعت بنص أعادني لعظماء الستينات

سيدي الدكتور العمري

تحياتي وتقديري

سامي عبد الكريم
09-12-2010, 09:10 PM
ما أكثر القروش التي تباع على ضخامتها بقروش قليلة
وما أكثر العروش التي يعتليها من لا يساون قروشا

ما أروعك قاصا أيها الشاعرالكبير

جزاك الله خيرا

الطنطاوي الحسيني
14-12-2010, 06:52 PM
نعم اخي د سمير العمري بارك الله بك
نصوصك تنسج لنا عالما من واقع الخيال وخيال الواقع
روائعك تلك تعيدنا للأدب الأصيل برمته نصا وابداعا وسبكا وامساك الخيط و لغة
تحياتي وحبي وتقديري ايه الحر الآبي
نتعلم منكم الحكمة يا حبيب

د. سمير العمري
10-09-2011, 04:41 PM
لا تعليق
سوى اننا تربينا على هكذا تربية من آباء
لايعرفون القراءة والكتابة
أليس هذا فخرا لآبائنا ودرسا لنا ننقله لأبنائنا ؟
عسانا نستطيع ونكون مثلهم
دمت مشرقا

بارك الله بك وحفظك أيها الحبيب ، وأشكر لك تفاعلك الكريم.

دام دفعك!

ودمت بكل الخير والرضا!


تحياتي

كاملة بدارنه
14-09-2011, 06:03 PM
مع أنّ الليل شاخ، والشّيخوخة ضعف، إلّا أنّ هذا الضّعف وُلِدت منه القوّة والحياة... صوت الطّيور وسعيها وراء أرزاقها، وأذان الفجر الذي يعلن ميلاد يوم جديد. فالبداية حركة ونشاط وتجديد، بعد كسر السّكون والسّبات.
هذا النّشاط كان لمختار نصيب فيه، حيث " قَد سَبَقَ عَصَافِيرَ الفَجْرِ يَحُثُّ الخُطَى خَلفَ وَالدِهِ .."
الحركة ذات قطبين: روحانيّ وماديّ، التّسبيح، وصوت الأذان، وذهاب مختار للعمل... وتقوى الحركة، ويقوى النّشاط مع ازدياد حركة الموج... فالصّوت يتدرّج من الأضعف إلى الأقوى، كمّا وكيفًا... تغريد العصافير، صوت المؤذّن، الرّيح، تلاطم الأمواج الغاضبة...
" بدأ نهار جديد في حياة هذا الطّفل.." النّهار هو النّور الذي بدّد ظلام الليل، وهو بداية يوم جديد. وهنا إشارة مسبقة أنّ أمرا جديدا سيحصل في حياة مختار.
بدأ نهاره بإزاحة الثّلج. والثّلج هو الماء في حالة تجمّد- عكس الحركة- أزال هذا التّجمّد عن الأسماك كي تكون طعما، يجني منه حياة( يصيد أسماكا حيّة).
البحر يعلو ويهبط( توتّر)... البحر هو الحياة الرّحيبة ... " هو رمز لديناميّة الحياة، أو فعالياتها، هو مكمَن، وموضع وِلادات وتحوّلات ونهضات. هو الماء المتحرّك، ويرمز إلى حالة داخليّة انتقاليّة بين الممكن اللامتشكّل، والحقائق الممكنة المتشكّلة... ويدلّ على وضع ثنائيّ .. واقع الارتياب والشّك والحيرة الذي يمكن أن يؤدّي إلى خير أو شرّ، لذا فهو صورة الحياة والموت"
القارب هو السّبيل الذي نسلكه في حياتنا ومعركتها في البحر الكونيّ الواسع الغامض أحيانا والمجهول.
" أغمض عينيه انشغل يدعو الله... حتّى إذا صفا ذهنه في تامّل.. رأى سمكة تعوم..."
السّمكة هي الرّزق المقدّر من عند الله" وفي السّماء رزقكم وما توعدون"، وربّما يكون رزقا غير متوقّع؛ ممّا جعل الأب لم يصدّق ابنه في البداية، ويذهل عند دنوّ السّمكة من القارب.
عمليّة الصّيد الصّعبة هي الصّعوبة والجهد الذي يبذل لتحقيق المبتغى، وتحصيل الأرزاق المقدّرة. وفي النّهاية اصطيدت السّمكة، وإذ بها قرش. والقرش سمكة ضخمة مفترسة، وصنّفت من قبل الأب أنّها دون قيمة. وهنا إشارة لعدم إعطائنا القيمة لما يستحقّ ذلك؛ لأنّنا نجهل الماهيّة، ولا نرى الأمور بوضوح، ولا ندرك كنهها... لذلك عرض القرش للبيع بأبخس الأثمان: عشر ليرات! ولكن، الاستهزاء بقيمة ما أتى، جعل الآخرين أكثر استهزاء بالمعروض، فجاء من يبخس الثمّن إلى قرش واحد!
قرش بقرش... وهو العنوان الذي اختير بدقّة. القرش السّمكة العملاقة، تباع بقرش!( سخرية)
وتأتي النّهاية تفيض حكمة عندما وجد في بطنه ما يغني ويسعد... وكان من نصيب من اشترى القرش بقرش " لا تدري نفس ماذا تكسب غدا..." إشارة واضحة إلى جهل الإنسان للجوهر، وتقييم ما يستحقّ التّقييم، وأنّه أضعف من أن يفهم سرّ ما يأتي به الله من أرزاق وأقدار.
وجاءت الحكمة في النّهاية على لسان الوالد،وتعكس استسلاما للقدر الذي لم يفهمه. وربّما أجد هنا تلميحا لرفضنا وتذمّرنا من أقدارنا التي لا نفهم الحكمة منها!
وتعود الحركة النّصيّة في النّهاية إلى الهدوء الذي بسطه الليل، ولفّه تغريد العصافير، وأذان الفجر ... النّهاية سكنت بعد عصف كلّ الأحداث في النّصّ، وكانت قمّتها أثناء اصطياد القرش.( سكون... حركة بدرجات متفاوتة... سكون ).
عمليّة السّرد كانت بحبكة قويّة، أمسكت القارئ بحبالها جيّدا حتّى النّهاية التي جاءت مفاجئة، لكنّها زادت من قوّة الحبكة!
الاسم مختار ... اختياره موفّق ... فهو مختار ليصبح غنيّا، بعد صيد القرش. لكنّه لم يفلح في المحافظة عليه؛ لأنّ سلطة والده أقوى من سلطته. فبيع القرش وظلّ مختار محتارا!
شكرا لك أخي الدكتور سمير على هذه القصّة، وما تضمّنته وهدفت إليه!
تقديري وتحيّتي

ماهر يونس
19-09-2011, 03:09 PM
أمير الواحة د. سمير
تسقط من شفتيك درر الحكمة من خلال نص يسرق اللب والإحساس.
مهما تمسك هذا الصبي بالسمكة سيفشل لأنها رزق غيره. الوالد كان حكيما ولم يتحسر على ما كان في بطن السمكة ومقسوما بحكمة ربانية لغيره. سخط الصبي قابله رضا الحكيم..
جميل أنت
محبتي ومحبتي

نداء غريب صبري
21-09-2011, 01:24 AM
قصة جميلة الفكرة ولغة قص رائعة محكمة البناء جميلة السرد

شاعر مدهش وقاص متألق
وأديب شامل تسحرنا حروفك أينما انهمرت بروعتها

شكرا لك امير الواحة لهذا الابداع

بوركت

د. سمير العمري
08-02-2012, 04:58 PM
أخي الكريم وأديبنا وشاعرنا السامق د. سمير العمري ..

ربما أكون أول من قرأ هذا النص ، وكلما دخلت للرد وجدتني لا أستطيع إمساك الخيط الذي يوصلني إلى ما يهدف له
د. سمير العمري بقصة اعتمدت السرد المباشر ، ولغة أدبية بمفردات منتقاة ، وأنا التي تعلمت على مدى السنوات الماضية أن لا نص يكتبه إلا وله هدف وغاية ورسالة موجهة ..
إلى أن أتت لحظة امسكت فيها الخيط ، وكم كانت لحظة التنوير التي التمعت بذهني مفاجئة لي ..

لن أدعي الذكاء والتميز ، ولكني كما تعلم ، تعلمت أن وجه أنظاري دوما إلى نفس اتجاه نظرك ، ولعلها خصلة سيئة بي ولكن سيصعب علي الفهم إن لم أفعل ..

لا أدري كم مرة قرأت النص والذي يحمل رسالة تأديبية علاوة على تألقه كنص تميز بلغته واسلوبه الأدبي شكلا ومضمونا ، بدأً باختيار المفردة وانتهاء بالتشكيل الدقيق ..

شهادتي ربما تكون مجروحة ..
أكتفي إلى هنا واصمت ..

بارك الله بك وحفظك أيتها الأديبة الكريمة والأخت الغالية ، ولك الحق في قراءة النص بأية وجهة تروق لك وأنت عندي صاحبة رأي ورؤية متى تجردت من أية معان تخرج عن سياق النص أو تتبع أفكارا مسبقة.

ونعم أختي الغالية ، ليس للأدب معنى إن لم يحمل فكرا أو حكمة أو شيئا مهما يقال.

دام دفعك!

ودمت بكل الخير والرضا!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.

همسة خاصة:
اشتقت إليك كثيرا ، وقلق عليك أكثر.


تحياتي

د. سمير العمري
29-09-2012, 08:27 PM
لن أستطيع أن أضيف
حرفا .. فوق ما قاله الأساتذة قبلي

ولكنني .. فقط

استمتعت بنص أعادني لعظماء الستينات

سيدي الدكتور العمري

تحياتي وتقديري

بارك الله بك يا خالد وأرجو أن يكون غيابك عنا في خير!

دام دفعك!

ودمت بخير وبركة!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

براءة الجودي
30-09-2012, 12:35 AM
دكتورنا الفاضل ..
هلاَّ طلبت منك أن لاتتوقف عن كتابة القصص بشكل نهائي
لتكتب من فترة إلى أخرى لنستفيد فأنا شخصيا اتابعك لأن اللغة بمستوى رفيع وراقي والتشبيهات تثري خيالي وتجعله اكثر خصوبة واستفيد من قلمك دون مجاملة والله

هذه القصة إضافة إلى لغتها التي لاتحتاج إلى شهادة من مبتدأة مثلي حوت فائدة عظيمة لو حققها كل مسلم ومسلمة لسلم القلب من الجشع والحسد
ألا وهي القناعة والرضا بما كتب الله فكل منا قد كتب رزقه وهو في بطن امه وكل منا يجتهد ويفعل السبب ويرضى بنصيبه الذي كتبه الله له فهذا خير نعيم وراحة للقلب والجسد والفكر
جزاك الله خيرا يادكتور واثابك على ماتقدم وماتعلمنا اياه بحروفك الذهبية

[ براءة الجودي ]

عبد المجيد برزاني
30-09-2012, 02:24 AM
ذكرني هذا النص بأحد أجزاء رواية إرنست هيمنجواي "الشيخ والبحر".
للبحر وأرزاق البشر حكايات متح الأدب منها منذ عصور وكانت مصدرا للحكمة ورجاحة العقل.
شكرا لك شاعرنا الكبير.
تحيتي.

محمد مشعل الكَريشي
30-09-2012, 05:30 AM
يسعدني ان اقرا لك دكتور سمير وهذه هي المرة الاولى طبعا منذ التحاقي بالواحة ...
شعرت بالساعدة عند القراءة فالملامح واضحة والسرد وصفا ماتع رائع
كامرتك ثلاثية الابعاد وحرفك جميل جميل
تحية وود لك اديبا الرائع ...

وليد عارف الرشيد
30-09-2012, 06:51 AM
لن أضيف شيئًا إن تحدثت عن جمال اللغة الساحر أو سطوة التصوير التي جعلتني أعيش أجواء القصة ولا متعة السرد وتسلسله المنطقي دون نشوزٍ أو إسهابٍ في غير موضعه ولا توظيف الكلمات البارع ..
فقط يطيب لي أن أقتنص من القصة بعض العبر :
- ليس الرزق بكبر حجمه بل بما بارك الله لنا به وقسمه وما هو مخبأ ملك لمن قسمه الله له
- من قال أن وقفة الرجل في النهاية ضعف أو تفريط بالحق؟ .. فمنذ أن باع فقد حقه ولو كان السعر جزءًا من القرش وهنا أراه حرًّا وشهمًا قنوعا( وقد صرح شاعرنا الأديب الكبير بلسان بطله إلى أن القرش بحد ذاته لا سعرله ولا رغبة كبيرة لأحد به)
- يقودنا هذا لتفسير حقيقي لمعنى الرضا والتسليم وإن كبرت الحاجة وتنوعت المغريات
- طموحٌ فتي تقوده حكمةٌ بالغة راشدة فتضع الأمور في نصابها وتعطينا درسًا آخر
- سمكة ليست بالكبيرة جاءت راضيةً بيعت بعشر وقرشٌ ضخمٌ استلزم الكثير من العناء بيع بقرش ( العمل والسعي ليس معيار الرزق ومسببه فمقسم الأرزاق موجود بعمل أو بدونه وإنما السعي واجب وسبب)
هي قطوف من رياض حرفك مبدعنا الكبير أرجو أن أكون قد وفقت بها والنص يحتمل الكثير من الإسقاطات
أشكرك أخي الحبيب على بديع قصك ونبيل مقاصدك ودمت أستاذًا متألقًا في سماء الحرف
محبتي وكثير تقديري كما يليق

د. سمير العمري
24-01-2013, 01:33 AM
ما أكثر القروش التي تباع على ضخامتها بقروش قليلة
وما أكثر العروش التي يعتليها من لا يساون قروشا

ما أروعك قاصا أيها الشاعرالكبير

جزاك الله خيرا

تعليق من ذهب الحكمة فلا فض فوك!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

لانا عبد الستار
21-02-2013, 08:22 PM
لم تكن القراءة الأولى كافية للإحاطة بكل ما حمل النص وقدم من لغة وأسلوب ومهارة وحكمة عميقة وكبيرة
هذا هو الأدب في أحلى أشكاله
تمكن لغوي وتمكن من الفكرة وتمكن من مقصود القص
أنت أمير الأدب حقا وأستاذ الأدباء
أشكرك

آمال المصري
24-04-2013, 03:44 AM
لا يَتَرَاجَعُ الحُرُّ عَنْ البَيْعٍ حَتَّى لَوْ وَجَدُوا فِي بَطْنِهِ كُلَّ هَذَا الخَيرِ ، هِيَ أَرْزَاقٌ يَا بُنَيِّ وَأَقْدَارٌ لا يَجِبُ فِيهَا أَنْ يَدْفَعَنَا السُّخْطُ إِلى أَنْ نَزِلَّ أَوْ أَنْ نَضِلَّ أَو أَنْ نَنْكثَ عَهْدًا أَو أَنْ نَخُونَ أَمَانَةً.

هو درس يُلقن لجيل بعد جيل ليتعلموا أدب الكلمة والوفاء بالعهد .. وليوقنوا أن الأرزاق بيد الرزاق يقسمها كيف يشاء
حكمة جليلة غلفها نص مائز لغة وسردا وتشويقا وتهذيبا عهدناه دائما من أمير الأدب
بوركت واليراع الفريدة
ولك ينحني الحرف والقلم
تحاياي

د. سمير العمري
24-05-2013, 01:55 AM
نعم اخي د سمير العمري بارك الله بك
نصوصك تنسج لنا عالما من واقع الخيال وخيال الواقع
روائعك تلك تعيدنا للأدب الأصيل برمته نصا وابداعا وسبكا وامساك الخيط و لغة
تحياتي وحبي وتقديري ايه الحر الآبي
نتعلم منكم الحكمة يا حبيب

بارك الله بك أيها الطنطاوي الحبيب ، وأشكر لك رأيك الوامق وحسك السامق!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
11-09-2013, 02:43 AM
مع أنّ الليل شاخ، والشّيخوخة ضعف، إلّا أنّ هذا الضّعف وُلِدت منه القوّة والحياة... صوت الطّيور وسعيها وراء أرزاقها، وأذان الفجر الذي يعلن ميلاد يوم جديد. فالبداية حركة ونشاط وتجديد، بعد كسر السّكون والسّبات.
هذا النّشاط كان لمختار نصيب فيه، حيث " قَد سَبَقَ عَصَافِيرَ الفَجْرِ يَحُثُّ الخُطَى خَلفَ وَالدِهِ .."
الحركة ذات قطبين: روحانيّ وماديّ، التّسبيح، وصوت الأذان، وذهاب مختار للعمل... وتقوى الحركة، ويقوى النّشاط مع ازدياد حركة الموج... فالصّوت يتدرّج من الأضعف إلى الأقوى، كمّا وكيفًا... تغريد العصافير، صوت المؤذّن، الرّيح، تلاطم الأمواج الغاضبة...
" بدأ نهار جديد في حياة هذا الطّفل.." النّهار هو النّور الذي بدّد ظلام الليل، وهو بداية يوم جديد. وهنا إشارة مسبقة أنّ أمرا جديدا سيحصل في حياة مختار.
بدأ نهاره بإزاحة الثّلج. والثّلج هو الماء في حالة تجمّد- عكس الحركة- أزال هذا التّجمّد عن الأسماك كي تكون طعما، يجني منه حياة( يصيد أسماكا حيّة).
البحر يعلو ويهبط( توتّر)... البحر هو الحياة الرّحيبة ... " هو رمز لديناميّة الحياة، أو فعالياتها، هو مكمَن، وموضع وِلادات وتحوّلات ونهضات. هو الماء المتحرّك، ويرمز إلى حالة داخليّة انتقاليّة بين الممكن اللامتشكّل، والحقائق الممكنة المتشكّلة... ويدلّ على وضع ثنائيّ .. واقع الارتياب والشّك والحيرة الذي يمكن أن يؤدّي إلى خير أو شرّ، لذا فهو صورة الحياة والموت"
القارب هو السّبيل الذي نسلكه في حياتنا ومعركتها في البحر الكونيّ الواسع الغامض أحيانا والمجهول.
" أغمض عينيه انشغل يدعو الله... حتّى إذا صفا ذهنه في تامّل.. رأى سمكة تعوم..."
السّمكة هي الرّزق المقدّر من عند الله" وفي السّماء رزقكم وما توعدون"، وربّما يكون رزقا غير متوقّع؛ ممّا جعل الأب لم يصدّق ابنه في البداية، ويذهل عند دنوّ السّمكة من القارب.
عمليّة الصّيد الصّعبة هي الصّعوبة والجهد الذي يبذل لتحقيق المبتغى، وتحصيل الأرزاق المقدّرة. وفي النّهاية اصطيدت السّمكة، وإذ بها قرش. والقرش سمكة ضخمة مفترسة، وصنّفت من قبل الأب أنّها دون قيمة. وهنا إشارة لعدم إعطائنا القيمة لما يستحقّ ذلك؛ لأنّنا نجهل الماهيّة، ولا نرى الأمور بوضوح، ولا ندرك كنهها... لذلك عرض القرش للبيع بأبخس الأثمان: عشر ليرات! ولكن، الاستهزاء بقيمة ما أتى، جعل الآخرين أكثر استهزاء بالمعروض، فجاء من يبخس الثمّن إلى قرش واحد!
قرش بقرش... وهو العنوان الذي اختير بدقّة. القرش السّمكة العملاقة، تباع بقرش!( سخرية)
وتأتي النّهاية تفيض حكمة عندما وجد في بطنه ما يغني ويسعد... وكان من نصيب من اشترى القرش بقرش " لا تدري نفس ماذا تكسب غدا..." إشارة واضحة إلى جهل الإنسان للجوهر، وتقييم ما يستحقّ التّقييم، وأنّه أضعف من أن يفهم سرّ ما يأتي به الله من أرزاق وأقدار.
وجاءت الحكمة في النّهاية على لسان الوالد،وتعكس استسلاما للقدر الذي لم يفهمه. وربّما أجد هنا تلميحا لرفضنا وتذمّرنا من أقدارنا التي لا نفهم الحكمة منها!
وتعود الحركة النّصيّة في النّهاية إلى الهدوء الذي بسطه الليل، ولفّه تغريد العصافير، وأذان الفجر ... النّهاية سكنت بعد عصف كلّ الأحداث في النّصّ، وكانت قمّتها أثناء اصطياد القرش.( سكون... حركة بدرجات متفاوتة... سكون ).
عمليّة السّرد كانت بحبكة قويّة، أمسكت القارئ بحبالها جيّدا حتّى النّهاية التي جاءت مفاجئة، لكنّها زادت من قوّة الحبكة!
الاسم مختار ... اختياره موفّق ... فهو مختار ليصبح غنيّا، بعد صيد القرش. لكنّه لم يفلح في المحافظة عليه؛ لأنّ سلطة والده أقوى من سلطته. فبيع القرش وظلّ مختار محتارا!
شكرا لك أخي الدكتور سمير على هذه القصّة، وما تضمّنته وهدفت إليه!
تقديري وتحيّتي

قراءة نقدية أخرى تمتاز بالدقة والحكمة وبراعة الصيد الأدبي العميق فلله درك!
قراءة راقت لي كثيرا وزادت النص وزانته فلك الشكر أزجي إن كان للشكر ظهر يحمل وكتف ترفع.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
06-02-2014, 02:06 AM
أمير الواحة د. سمير
تسقط من شفتيك درر الحكمة من خلال نص يسرق اللب والإحساس.
مهما تمسك هذا الصبي بالسمكة سيفشل لأنها رزق غيره. الوالد كان حكيما ولم يتحسر على ما كان في بطن السمكة ومقسوما بحكمة ربانية لغيره. سخط الصبي قابله رضا الحكيم..
جميل أنت
محبتي ومحبتي

بارك الله بك أيها المكرم وسرني رأيك الراقي ووعيك الكبير.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

خلود محمد جمعة
15-02-2014, 02:14 AM
لا يَا وَلَدِي ، لا يَتَرَاجَعُ الحُرُّ عَنْ البَيْعٍ حَتَّى لَوْ وَجَدُوا فِي بَطْنِهِ كُلَّ هَذَا الخَيرِ ، هِيَ أَرْزَاقٌ يَا بُنَيِّ وَأَقْدَارٌ لا يَجِبُ فِيهَا أَنْ يَدْفَعَنَا السُّخْطُ إِلى أَنْ نَزِلَّ أَوْ أَنْ نَضِلَّ أَو أَنْ نَنْكثَ عَهْدًا أَو أَنْ نَخُونَ أَمَانَةً.
باع بقرش واهدى ولده كنز لا يقدر بمال
هنيئا للأبن بهذا الوالد العظيم
رسالة الوالد وصلت لنا ايضا
قصة مغلفة بالحكمة بسرد ولا أروع
دمت حكيماً
مودتي وتقديري

د. سمير العمري
22-04-2014, 12:53 AM
قصة جميلة الفكرة ولغة قص رائعة محكمة البناء جميلة السرد

شاعر مدهش وقاص متألق
وأديب شامل تسحرنا حروفك أينما انهمرت بروعتها

شكرا لك امير الواحة لهذا الابداع

بوركت

حفظك ربي وأشكر لك رأيك المغدق ومرورك المورق أيتها الأديبة الكريمة المحلقة!

دام دفعك!

ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
24-06-2014, 02:27 AM
دكتورنا الفاضل ..
هلاَّ طلبت منك أن لاتتوقف عن كتابة القصص بشكل نهائي
لتكتب من فترة إلى أخرى لنستفيد فأنا شخصيا اتابعك لأن اللغة بمستوى رفيع وراقي والتشبيهات تثري خيالي وتجعله اكثر خصوبة واستفيد من قلمك دون مجاملة والله

هذه القصة إضافة إلى لغتها التي لاتحتاج إلى شهادة من مبتدأة مثلي حوت فائدة عظيمة لو حققها كل مسلم ومسلمة لسلم القلب من الجشع والحسد
ألا وهي القناعة والرضا بما كتب الله فكل منا قد كتب رزقه وهو في بطن امه وكل منا يجتهد ويفعل السبب ويرضى بنصيبه الذي كتبه الله له فهذا خير نعيم وراحة للقلب والجسد والفكر
جزاك الله خيرا يادكتور واثابك على ماتقدم وماتعلمنا اياه بحروفك الذهبية

[ براءة الجودي ]

بارك الله بك يا ابنتي الراقية ولا حرمني الله من تفاعلك الراقي وحسك الواعي وأدبك الجم.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري

د. سمير العمري
04-08-2014, 02:32 AM
ذكرني هذا النص بأحد أجزاء رواية إرنست هيمنجواي "الشيخ والبحر".
للبحر وأرزاق البشر حكايات متح الأدب منها منذ عصور وكانت مصدرا للحكمة ورجاحة العقل.
شكرا لك شاعرنا الكبير.
تحيتي.

بارك الله بك أيها الأخ الفاضل والأديب الكريم وشكر الله لك هذا الرد الكريم!

دام دفعك!

ودمت بخير ورضا!

تقديري

رويدة القحطاني
07-10-2014, 12:50 AM
اللغة التي قرأتها في هذه القصة لا تشبه لغة القص البسيطة ولا أسلوبه التي يميل للسهولة
هذا قلم عائد من زمن علماء اللغة وأساطين الأدب ولا أملك أمام هيبته أكثر من الصمت

د. سمير العمري
09-06-2015, 02:16 AM
يسعدني ان اقرا لك دكتور سمير وهذه هي المرة الاولى طبعا منذ التحاقي بالواحة ...
شعرت بالساعدة عند القراءة فالملامح واضحة والسرد وصفا ماتع رائع
كامرتك ثلاثية الابعاد وحرفك جميل جميل
تحية وود لك اديبا الرائع ...

بارك الله بك أيها الفاضل الكريم وشكر الله لك هذا الرد الكريم!

دام دفعك!
ودمت بخير ورضا!

تقديري

د. سمير العمري
04-11-2015, 02:17 AM
لن أضيف شيئًا إن تحدثت عن جمال اللغة الساحر أو سطوة التصوير التي جعلتني أعيش أجواء القصة ولا متعة السرد وتسلسله المنطقي دون نشوزٍ أو إسهابٍ في غير موضعه ولا توظيف الكلمات البارع ..
فقط يطيب لي أن أقتنص من القصة بعض العبر :
- ليس الرزق بكبر حجمه بل بما بارك الله لنا به وقسمه وما هو مخبأ ملك لمن قسمه الله له
- من قال أن وقفة الرجل في النهاية ضعف أو تفريط بالحق؟ .. فمنذ أن باع فقد حقه ولو كان السعر جزءًا من القرش وهنا أراه حرًّا وشهمًا قنوعا( وقد صرح شاعرنا الأديب الكبير بلسان بطله إلى أن القرش بحد ذاته لا سعرله ولا رغبة كبيرة لأحد به)
- يقودنا هذا لتفسير حقيقي لمعنى الرضا والتسليم وإن كبرت الحاجة وتنوعت المغريات
- طموحٌ فتي تقوده حكمةٌ بالغة راشدة فتضع الأمور في نصابها وتعطينا درسًا آخر
- سمكة ليست بالكبيرة جاءت راضيةً بيعت بعشر وقرشٌ ضخمٌ استلزم الكثير من العناء بيع بقرش ( العمل والسعي ليس معيار الرزق ومسببه فمقسم الأرزاق موجود بعمل أو بدونه وإنما السعي واجب وسبب)
هي قطوف من رياض حرفك مبدعنا الكبير أرجو أن أكون قد وفقت بها والنص يحتمل الكثير من الإسقاطات
أشكرك أخي الحبيب على بديع قصك ونبيل مقاصدك ودمت أستاذًا متألقًا في سماء الحرف
محبتي وكثير تقديري كما يليق

بارك الله بك أيها الحبيب الفاضل وإني لأشكر لك تفاعلك الراقي وردك الكريم.

دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!

تقديري