بهجت عبدالغني
18-05-2010, 11:57 AM
كلمة في التاريخ
" نحو المستقبل "
بهجت عبدالغني الرشيد
إذا أخذنا بتفسير آرنولد توينبي لنشوء الحضارات وفق آلية " التحدي والاستجابة " والذي مفاده أن التعرض لصدمة تعرض الفرد لفقدان التوازن لفترة ما ، ولكنه يستجيب بعد ذلك لهذه الصدمة بنوعين من الاستجابة ، الأولى النكوص إلى الماضي ( الانطوائية ) ، والثانية الايجابية .
إذا أخذنا بهذا التفسير ، فإننا نجد أنفسنا نحن العرب المسلمون ، نندرج تحت النوع الأول ، لأننا دائماً نميل إلى الماضي دون الاستفادة منه في شيء لبناء المستقبل .
فمثلاً نذكر هارون الرشيد وهديته العجيبة لشارمان ملك الروم ، بينما نعيش اليوم على فتات الروم ، نذكر الأبطال ، ونصنع البطالة ، ونعيش عالة على الآخرين ..
إننا نعيش في أعماق الماضي ولا ندري أن العالم قد تغير منذ أن لاحظ نيوتن تفاحته الذهبية فاكتشف قانون الجاذبية ، ثم فجر بعده أنشتاين الفيزياء الكلاسيكية بنظريته النسبية التي قلبت الموازين بإدخاله الزمن كبعد رابع ، واليوم هناك دراسات تغزو الفضاء الخارجي لآلاف السنين الضوئية لمحاولة فهم هذا الكون ، وما نظرية " الانفجار العظيم " ( Big Bang ) إلا واحدة من هذه المحاولات نحو الطريق .. بينما تتوغل الهندسة الوراثية في أعماق الجينات ( DNA ) محاولاً فك السر العجيب الذي يقبع داخل الخلية منذ ملايين السنين .
إن الآفاق تتفتح للإنسان الدؤوب هنا في الأرض وهناك في السماء .. بينما نحن لا نجيد إلا البكاء على الأطلال ، وإثارة الخلافات التاريخية التي عفى عليها الزمن وأصبح في خبر " كان يا ما كان " ، والحقيقة أننا لا نعيش عصرنا ، ولا ننتمي إلى عالمنا ، إننا جسداً في هذا القرن ، بينما العقول تسيح هناك بعيداً تضرب في أعماق المجهول ..
ورغم أن العقيدة الإسلامية عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها ، ومستعدة لِتلقِي كل جديد في عجائب الخلق والعلم والحياة ، إلا أننا نرى المسلمين يعيشون في أشد لحظات انغلاقهم وكسلهم ، وكأن هناك حاجزاً فولاذياً يفصل بينهم وبين قرآنهم .. القرآن الذي يفتح العقول لتستشرف المستقبل { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .
ولقد آن الأوان .. لا لنسيان الماضي .. بل لدراسته دراسة موضوعية علمية ، بعيدة عن الأهواء والتشنجات والعصبية ، لنستلهم منه دروساً وعبر تفيدنا في بناء مستقبلنا ، ولنخرج من هذه العزلة التي نعيشها والانطوائية التي تطبق علينا ، ونستعيد موقعنا الصحيح والمتميز في التاريخ البشري ، حيث جعلنا الله تعالى خير أمة أخرجت للناس ، أمة تبني حضارة وتضيف إلى رصيد البشرية شيئاً جديداً ، وتطبق قول ربها تعالى { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ، فيبني ويعمر ، ولا يهدم ويدمّر ..
والمسلمون اليوم ـ على علاّتهم ـ موئل الإنسانية وأمة المستقبل ، ولكن يتحتم عليهم أن يفهموا المعادلة أولاً ، والتي تشير إلى أن إجترار الماضي وتخزينه في النفوس لتكون قدحة لفتنة تتلوها فتنة ، مدمّر مهلك ، وما على المسلمين اليوم إلا أن يفتحوا صفحة جديدة ليضعوا تواقيعهم وبصماتهم عليها .. بالإيمان والعمل معاً .. لأن تاريخ المستقبل لا يكتب إلا بهما ، وعلينا أن نعي أن التاريخ لا يعطي فرصته مرتين ، فمن فاتته الفرصة ، عليه أن ينتظر أخرى ..
لكنه سينتظر طويلاً ..
" نحو المستقبل "
بهجت عبدالغني الرشيد
إذا أخذنا بتفسير آرنولد توينبي لنشوء الحضارات وفق آلية " التحدي والاستجابة " والذي مفاده أن التعرض لصدمة تعرض الفرد لفقدان التوازن لفترة ما ، ولكنه يستجيب بعد ذلك لهذه الصدمة بنوعين من الاستجابة ، الأولى النكوص إلى الماضي ( الانطوائية ) ، والثانية الايجابية .
إذا أخذنا بهذا التفسير ، فإننا نجد أنفسنا نحن العرب المسلمون ، نندرج تحت النوع الأول ، لأننا دائماً نميل إلى الماضي دون الاستفادة منه في شيء لبناء المستقبل .
فمثلاً نذكر هارون الرشيد وهديته العجيبة لشارمان ملك الروم ، بينما نعيش اليوم على فتات الروم ، نذكر الأبطال ، ونصنع البطالة ، ونعيش عالة على الآخرين ..
إننا نعيش في أعماق الماضي ولا ندري أن العالم قد تغير منذ أن لاحظ نيوتن تفاحته الذهبية فاكتشف قانون الجاذبية ، ثم فجر بعده أنشتاين الفيزياء الكلاسيكية بنظريته النسبية التي قلبت الموازين بإدخاله الزمن كبعد رابع ، واليوم هناك دراسات تغزو الفضاء الخارجي لآلاف السنين الضوئية لمحاولة فهم هذا الكون ، وما نظرية " الانفجار العظيم " ( Big Bang ) إلا واحدة من هذه المحاولات نحو الطريق .. بينما تتوغل الهندسة الوراثية في أعماق الجينات ( DNA ) محاولاً فك السر العجيب الذي يقبع داخل الخلية منذ ملايين السنين .
إن الآفاق تتفتح للإنسان الدؤوب هنا في الأرض وهناك في السماء .. بينما نحن لا نجيد إلا البكاء على الأطلال ، وإثارة الخلافات التاريخية التي عفى عليها الزمن وأصبح في خبر " كان يا ما كان " ، والحقيقة أننا لا نعيش عصرنا ، ولا ننتمي إلى عالمنا ، إننا جسداً في هذا القرن ، بينما العقول تسيح هناك بعيداً تضرب في أعماق المجهول ..
ورغم أن العقيدة الإسلامية عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها ، ومستعدة لِتلقِي كل جديد في عجائب الخلق والعلم والحياة ، إلا أننا نرى المسلمين يعيشون في أشد لحظات انغلاقهم وكسلهم ، وكأن هناك حاجزاً فولاذياً يفصل بينهم وبين قرآنهم .. القرآن الذي يفتح العقول لتستشرف المستقبل { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .
ولقد آن الأوان .. لا لنسيان الماضي .. بل لدراسته دراسة موضوعية علمية ، بعيدة عن الأهواء والتشنجات والعصبية ، لنستلهم منه دروساً وعبر تفيدنا في بناء مستقبلنا ، ولنخرج من هذه العزلة التي نعيشها والانطوائية التي تطبق علينا ، ونستعيد موقعنا الصحيح والمتميز في التاريخ البشري ، حيث جعلنا الله تعالى خير أمة أخرجت للناس ، أمة تبني حضارة وتضيف إلى رصيد البشرية شيئاً جديداً ، وتطبق قول ربها تعالى { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ، فيبني ويعمر ، ولا يهدم ويدمّر ..
والمسلمون اليوم ـ على علاّتهم ـ موئل الإنسانية وأمة المستقبل ، ولكن يتحتم عليهم أن يفهموا المعادلة أولاً ، والتي تشير إلى أن إجترار الماضي وتخزينه في النفوس لتكون قدحة لفتنة تتلوها فتنة ، مدمّر مهلك ، وما على المسلمين اليوم إلا أن يفتحوا صفحة جديدة ليضعوا تواقيعهم وبصماتهم عليها .. بالإيمان والعمل معاً .. لأن تاريخ المستقبل لا يكتب إلا بهما ، وعلينا أن نعي أن التاريخ لا يعطي فرصته مرتين ، فمن فاتته الفرصة ، عليه أن ينتظر أخرى ..
لكنه سينتظر طويلاً ..