المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محرقـــة السنيـــن



لمى ناصر
19-05-2010, 12:22 PM
أناخت نهارها , ليسقط في وعيها بحدة أرعبها ماض ليس ببعيد . لوهلة داهمتها فكرة : لو أنه ينفصل عن كينونتها , يحمل أيامه بكل ما احتوت ويمعن سفرا في اللاشيء
وحين أفاقت تحسسته يمتد في عروق حاضرها , ويبني عرائش لغدها.
حاولت أن تكون هادئة , جلست باسترخاء على مقعد طويل , وكما لو أنها حاولت أن تبعد عن نفسها تهمة , حدَّثت ذاتها : إن أي حوار صامتٍ داخلها , أو مسموع , تسمعه هي وتعيه الجدران والمقاعد أكثر مما سيعيه هو , وعلى كلٍ ؛ فما هي فيه ليس محاكمة أو تراكمات من لحظات ندم تتكوم إلى أن صارت جدارا يهددها بالسقوط.
ضمت يديها إلى صدرها , وأراحت هامتها عليهما , واعترفت - بصدق مرير - بأن شيئا ما , ربما كان في جحيم الكآبة قد شق كينونتها إلى شقين ,
ابتسمت بذهول للغة التي تحدث بها نفسها , وبدت لها كل حياتها كابتسامتها , بلا معنى.

تفاجئها الصغيرة وهي تشد طرف ثوبها , تصلب إحساسها بالعبث . هي الآن مع صغيرتها تبتسم بحلاوة لها , ترفعها عن الأرض .. تحملها عاليا...عاليا...تضحك , تقول لها :

ليذهب العالم إلى الجحيم أنا وأنت سنصنع محرقة عظيمة , ومن خلال الدخان الكثيف وألسنة النار , طفح وجهه , بدا طيبا حنونا, أجفلت للصورة المعلقة بين أهدابها همست لروحها , أجل طيب ، ولكنه غبي ! , ما أصعب أن تعاشر رجلا غبيا !! .

أنزلت الصغيرة , وضعتها على الأرض , دموعها تنساب كما لو أنها انتظرت هذه اللحظة منذ أمد بعيد , لكن المحرقة بين أهدابها ما تزال تنفث دخانها , ووجهه امتلأ بسواد الدخان , حتى غامت ملامح الطيبة فيه.

جرس الهاتف أراحها لحظة , أحست بها تحمل من الهوج ما يكفي لحسم الأمر دون أن يكون بمقدورها أن تتاكد أنها ستتحمل النتائج, ودت لو تكون أفكارها مجرد زوبعة مهما امتدت ؛ فهي بلا شك راحلة , لكنها في قرارة نفسها كانت تعي تماما أنها ليست كذلك.

أغمضت عينيها ، وجاء ذلك الوجه من المحرقة , كانا معا , يستمتعان بمشاهدة التلفاز , بينما أنامله راحت تعبث بشعرها, أريد كوب ماء.

لم تفهم أو بالأصح أرادت أن لا تفهم ! , قالت مازحة :
وأنا كذلك أريد , أحضر كوبين بدلا من واحد , لم ترق له الممازحة, بدا متجهما , قامت...أحضرت الماء, جلست في ركن بعيد,كان من السخف أن تدع أنامله تداعب شعرها ثانية.

....يغيب الوجه,بصعوبة ترغمه على الغياب, لا تريد أن تستحضر مهاترات كثيرة كهذه . هي فقط تريد أن تؤكد لذاتها وللمرة الألف أنها ليست زوبعة وتذهب رغم وعيها
ذلك ؛ بل واقع يتحدى كينونتها , والتي تصر أن تبقي أناها في نظر نفسها امرأة لها من الكبرياء ما للرجال من صلف في إصدار الأوامر .
وبلغة المثقفة علق في رأسها سؤال : لماذا عليَّ ان أغيب إذا أراد هو أن يكون حاضرا ؟ , وبدت لها سلسة تنازلاتها حبلا خشنا منتنا يلتف حول عنقها ! .

صور تتدافع في مخيلتها , صور مكللة بالغيم والضباب والدخان , ولكن لها حضورها القاسي .. بوضوحه يوم زفافها , يوم تحديها لكل العيون الغبية المستطلعة , تلك العيون
التي لم تفهم أن الحب يخرج من حساب السنين , كان يكبرها بنحو عشرين سنة , وله من زوجته المتوفاة اربعة أولاد وتدافعوا كلهم إلى مخيلتها , وأحست بفيض من إحساس غامض بوهن حين أطل وجه الصغيرة معفرا بالشقاوة.

أراحت بصرها على لوحة تحتل مساحة واسعة من الجدار , أمعنت النظر فيها دون ان تميز بين الخطوط والألوان , مضت ساعة والألوان ما زالت مختلطة ببعضها .

احتوتها المدرسة في صباح اليوم التالي , ارتدت ثيابها بعناية , هواجس الأمس اختفت تحت وطاة الشرح المتواصل وتصحيح الأوراق ، وحكايا المعلمات التي لا تنتهي , لكنها في لحظة لم يخطفها الشرح أو الحكايا عادت إلى نفسها أحست - أو لعلها أرادت ذلك - بأن المدرسة عبء على حياتها , وأن لها ضلعا فيما يحدث من خلاف بينهما , تهيأ لها لو أنها كرست كل حياتها لبيتها ؛ لكان ذلك مدعاة لأن تنال مزيدا من الاهتمام ,كانت الفكرة مباغتة , وأدركت بعد لحظات أنها فكرة غبية .
العمل جزء من أناها , وأيقنت يائسة أن المشكلة ليست هنا
أحست بالاضطراب , خربشت بالقلم على أوراق الطالبات..ابتسمت بوجوههن , كيف يمكنني أن أقنعه
بالكف عن مناداتي لتنظيف حذائه...!

أغمضت عينيها , المحرقة بدخانها الكثيف ابتلعت الصورة , صوت الصغيرة يندس بين الدخان , يملأ روحها..آه ما أجمل أن نكون معا أنا وأنت فقط .

أفاقت على صوت الجرس يعلن بدء الاستراحة اجتمعت مع زميلاتها على المائدة .. أكلت بشراهة ، وضحكت كثيرا لكل تعليق أو نكتة قالتها إحداهن , وكانت تسعل إذ تضحك
فدخان المحرقة كان يملأ الأجواء من حولها !

عبدالله المحمدي
19-05-2010, 01:24 PM
هكذا كانت طفولتها تتوارى أمام
وهج حروفك .. هكذا كانت تتيمم
بقائها وتبحث عن نقائها ولكنها
لم تجد مايمكن أن تسميها طفولة
فتركت بعض حروفها هنا علها
تدلها يوما عن مكانها ..
لمى ...
شكرا لقلم هذا بوحه ولفكر هذا
أفقه ... شكرا لتلك الملاءات
الزهرية التي تغطي السواد
بدواخلنا المتقطنة ..
هكذا أعتقد ..

لمى ناصر
20-05-2010, 12:09 PM
هكذا كانت طفولتها تتوارى أمام

وهج حروفك .. هكذا كانت تتيمم
بقائها وتبحث عن نقائها ولكنها
لم تجد مايمكن أن تسميها طفولة
فتركت بعض حروفها هنا علها
تدلها يوما عن مكانها ..
لمى ...
شكرا لقلم هذا بوحه ولفكر هذا
أفقه ... شكرا لتلك الملاءات
الزهرية التي تغطي السواد
بدواخلنا المتقطنة ..

هكذا أعتقد ..

سعدت بمرورك أيها الكريم

على تعب السنين ... كن بخير أيها الندي.

ثائر الحيالي
21-05-2010, 10:14 PM
الأستاذة لمى ناصر

تتبعت الخيط القصصي ..في هذا النص فوجدت ان الحبكة قد أطرت مضمونه ..

سلمت ِ..وسلم مدادك ِ

محبتي

لمى ناصر
22-05-2010, 11:31 AM
الأستاذة لمى ناصر

تتبعت الخيط القصصي ..في هذا النص فوجدت ان الحبكة قد أطرت مضمونه ..

سلمت ِ..وسلم مدادك ِ

محبتي
شكرا لك أستاذي

على هذا التتبع...أرجو ان يكون ماتعا في عالم القص والسرد

شكرا لك...تحياتي.

عبدالغني خلف الله
23-05-2010, 02:21 PM
الإبنة العزيزة لمي ..فاتنة هي حروفك وهذا النص الذي يتدفق واقعية مفرحة ويغادر دواته ليعانق الناس والأشياء وحتي واجهات البيوت .. سلمت لنا .

كريمة سعيد
24-05-2010, 01:01 PM
الرائعة لمى ناصر

قصة شيقة ومثيرة شدتني وأمتعتني

تقديري

جهاد إبراهيم درويش
24-05-2010, 01:26 PM
الأخت الكرلايمة
بورك القلم والمداد
جميل ما قرأت هنا

دمت بود
مودتي

وفاء شوكت خضر
24-05-2010, 06:33 PM
قصة متداولة ، تكررت بأساليب عدة ، لكنك باسلوبك جعلتها مختلفة تماما ..
طريقة الإلتفافية في السرد والارتداد إلى الماضي في لحظة الحاضر لإلقاء المزيد من الحطب في تلك المحرقة ، والتي
لا تحرق إلا هي ولا يختنق بها إلا هي ، ولا تحاصر إلا هي في لحظات اليأس والاكتئاب ، ولكن أبدا لا تستطيع التخلص منها ..
مشكلة نفسية اجتماعية تخبطت فيها البطلة ما بين التوق للحرية ومابين القيد الذي لا تستطيع كسره لأسباب اجتماعية
لها قوانينها ولها ثوابتها وموروثاتها في حالة من التردد والقهر والضعف ..

أسلوب أقرب للنثر في سرديته لكنه جميل ، أرجحنا بين سحب الدخان ودموع البطلة ، وبين صراعاتها النفسية ..

الأديبة لمى ناصر ..
لا شك ستكون لك مكانتك كأديبة هنا كما في أماكن أخرى ..

لك باقة تحايا وطاقة ورد .
ودي .

لمى ناصر
24-05-2010, 07:50 PM
الإبنة العزيزة لمى ..فاتنة هي حروفك وهذا النص الذي يتدفق واقعية مفرحة ويغادر دواته ليعانق الناس والأشياء وحتى واجهات البيوت .. سلمت لنا .
وسلم لي طيب مرورك والدي الفاضل

سعدت بــ دخولك عالم الحيرة والحرية.

شكرا لك.

لمى ناصر
25-05-2010, 03:49 PM
الرائعة لمى ناصر

قصة شيقة ومثيرة شدتني وأمتعتني

تقديري
وأسعدني ندي المرور أيتها الكريمة

سلمت لنا ولنبع العطاء.

شيماء عبد الله
26-05-2010, 07:34 PM
استاذتي العزيزة /لمى ناصر

نصك ابكاني قد توغلت به بل انغمست باعماقه
قصة منسابة بغاية الجمال
بورك القلم النابض

تقبلي مروري

دمت بخير

لمى ناصر
26-05-2010, 11:12 PM
الأخت الكريمة
بورك القلم والمداد
جميل ما قرأت هنا

دمت بود
مودتي
والأجمل هو مرورك أيها الفاضل

تحياتي لك.

لمى ناصر
31-05-2010, 02:14 PM
قصة متداولة ، تكررت بأساليب عدة ، لكنك باسلوبك جعلتها مختلفة تماما ..
طريقة الإلتفافية في السرد والارتداد إلى الماضي في لحظة الحاضر لإلقاء المزيد من الحطب في تلك المحرقة ، والتي
لا تحرق إلا هي ولا يختنق بها إلا هي ، ولا تحاصر إلا هي في لحظات اليأس والاكتئاب ، ولكن أبدا لا تستطيع التخلص منها ..
مشكلة نفسية اجتماعية تخبطت فيها البطلة ما بين التوق للحرية ومابين القيد الذي لا تستطيع كسره لأسباب اجتماعية
لها قوانينها ولها ثوابتها وموروثاتها في حالة من التردد والقهر والضعف ..

أسلوب أقرب للنثر في سرديته لكنه جميل ، أرجحنا بين سحب الدخان ودموع البطلة ، وبين صراعاتها النفسية ..



..
لا شك ستكون لك مكانتك كأديبة هنا كما في أماكن أخرى ..

لك باقة تحايا وطاقة ورد .
ودي .

الأديبة لمى الناصر

أين أنا من هذا كله يا سيدتي

ما زلت أرتشف الحرف ارتشافا

وما زلت أحبو فالمشوار أمامي طويلااااااااا

لكن بعيدا عن كل هذا تزهرين بمرورك هنا فأسعد بك.

د. سمير العمري
03-06-2013, 06:38 PM
نص مميز وأسلوب جميل ومفردة طيعة ومعبرة!

والفكرة في النص هنا معضلة حقيقية ودائمة لا يمكن لوم طرف فيها دون آخر ولكن على المرء أن يقدر للأمر قدره وأن يكون البناء الحقيقي قائم على احترام القيمة وتفهم الدور وعدم التنافس حيث لا يكون للتنافس معنى أو وجاهة.

دمت متألقة بحرف جميل!

تقديري

ربيحة الرفاعي
10-09-2013, 05:32 PM
أغمضت عينيها ، وجاء ذلك الوجه من المحرقة , كانا معا , يستمتعان بمشاهدة التلفاز , بينما أنامله راحت تعبث بشعرها, أريد كوب ماء.

لم تفهم أو بالأصح أرادت أن لا تفهم ! , قالت مازحة :
وأنا كذلك أريد , أحضر كوبين بدلا من واحد , لم ترق له الممازحة, بدا متجهما , قامت...أحضرت الماء, جلست في ركن بعيد,كان من السخف أن تدع أنامله تداعب شعرها ثانية.

لماذا يكون من السخف أن تدع أنامله تداعب شعرها ثانية ؟!
ألأنه قال بذوق ولطف أريد كوب ماء؟
ألم تفكر يوم قبضت من يده صداقها ان الشئ يقود للشئ احتكاما لمنطق المعقول؟
أليست تدرك وهو يتحمل العبء الاقتصادي للأسرة -حتى عندما تكون هي عاملة- أن لهذا معانيه وآثاره؟
أيرضيها أن يأتيها بأخرى تأتيه بكوب الماء فخورة بأنها من اختارها لتأتيه به؟

أعادتني هذه الفقرة من القصة لأيام كنت أكوّر قبضتي غضبا للمرأة في موقف كهذا مؤمنة بما شربت من خزعبلات هدى الشعراوى ونوال السعداوي ومجانين تضييع الأمة بتمييع فواصل الأدوار بين المرأة والرجل


وبلغة المثقفة علق في رأسها سؤال : لماذا عليَّ ان أغيب إذا أراد هو أن يكون حاضرا ؟ , وبدت لها سلسة تنازلاتها حبلا خشنا منتنا يلتف حول عنقها ! .
ماذا لو كان حاضرا وكانت ، يصنعان معا صورة للاحتواء والمحبة والحرص المتبادل!
لماذا نصر على أن ثمة معركة بينهما وثمة منتصر ومهزوم؟
ولماذا يرتبطان اصلا إن كان هذا هو الشكل المنتظر للعلاقة؟

بالحب تتعلم كيف تفرح بحضوره وتزداد به حضورا، وبالحب تعلّمه كيف يغلّف حضورها بنوره لتشرق


احتوتها المدرسة في صباح اليوم التالي , ارتدت ثيابها بعناية , هواجس الأمس اختفت تحت وطاة الشرح المتواصل وتصحيح الأوراق ، وحكايا المعلمات التي لا تنتهي , لكنها في لحظة لم يخطفها الشرح أو الحكايا عادت إلى نفسها أحست - أو لعلها أرادت ذلك - بأن المدرسة عبء على حياتها , وأن لها ضلعا فيما يحدث من خلاف بينهما , تهيأ لها لو أنها كرست كل حياتها لبيتها ؛ لكان ذلك مدعاة لأن تنال مزيدا من الاهتمام ,كانت الفكرة مباغتة , وأدركت بعد لحظات أنها فكرة غبية .
العمل جزء من أناها
في اختيار الكاتبة عبارة " العمل جزء من أناها" تشير بمهارة لمكمن القضية الحقيقية، والتي منها ينطلق أصرار البطلة على تضخيم المشهد والمبالغة في وصف العلاقة وتصور الامتهان لشخصها وأناها
وفي الطرح الذي سبقها توجه إتهاما حييا للبطلة بتقصير غير معلن لانحياز النص لقضية نسويّة تندرج تحت عنوان المساواة بين الجنسين وأهمية التحرر الاقتصادي للمرأة في تحقيقها .

نص قصّي جميل السرد شائقه عرض لموضوع متداول بكثافة في الأدب

دمت بخير مبدعتنا

تحاياي

كاملة بدارنه
13-09-2013, 05:38 PM
سرد شائق وجاذب... واختيار رائع للعنوان
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
15-01-2014, 12:15 AM
قصة مشوقة وأسلوب جميل شدني حتى النهاية

شكرا لك اخي

بوركت

خلود محمد جمعة
17-01-2014, 11:56 PM
القصة رائعة ، بسردها وتعبيراتها ولغتها وصورها
قصة تتكلم بلسان الكثيرات ، بعد ان قررن ابتلاع افكارهن والجلوس على حافة الانهيار بانتظار السقوط
وان كن بنظري سقطن في دائرة الضياع والأنكسار
تتمنى ان تجد طريقة لتخبره بها بعدم تنظيف حذائه! أي سقوط هذا !؟
ستختنق يوما بالدخان
دمت بخير
مودتي وتقديري

ناديه محمد الجابي
29-07-2020, 09:46 PM
إن كانت القصة قد اعجبتني .. لأن السرد كان رائعا ـ لغة قوية وتعابير ملفتة تركيبا وصورا
إلا إني لا أخفي عليك إن إعجابي برد القديرة / ربيحة كان أكبر
لأنها عبرت ببساطة ووضوح عما شعرت به وأنا اقرأ قصتك
فشكرا لك ولها ـ ودمتما بكل خير.
:v1::nj::0014: