تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إعراب المنقوص من صيغ منتهى الجموع



سعيد بنعياد
27-05-2010, 11:42 AM
إعْرابُ المَنْقُوصِ مِنْ صِيَغٍ مُنْتَهَى الجُمُوعِ


بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .

يقول أفقر العبيد إلى مولاه ، سعيد بنعياد ، لطف الله به :


-1-


هذا سؤال نَحويٌّ يُحيّر كثيرا من معاصرينا :


اكتب ما بين الهلالين كتابة صحيحة مع الشكل :


* هذه (قوافي) جميلةٌ .


* قرأتُ (قوافي) جميلةً .


* يا لها مِنْ (قوافي) جميلةٍ !

ولقد اطّلعتُ على نقاش حادّ في الموضوع ، جرى منذ ثلاث سنوات في بعض المنتديات ، أبى فيه بعض المتناقشين الاقتناع بما ساقته الدكتورة الفاضلة هند باخشوين من نصوص صريحة لعلمائنا القدامى في هذا الشأن ، مدّعين أنها مبنيّة على أقوال لا يقبلها المنطق ولا تؤيدها الشواهد .

وقد راعني هذا الأمر ، فقمتُ – على قلّة بضاعتي – بالرد هناك على عجل ، ثم أحببتُ نقل خُلاصة للموضوع هنا مع شيء من التنقيح .


-2-
الأصل في الأسماء : أن تُرفع بضمة ظاهرة ، وتُنصبَ بفتحة ظاهرة ، وتُجَرَّ بكسرة ظاهرة ، ويلحقَها في الحالات الثلاث تنوينُ الصَّرْفِ إذا جُرِّدت مِن (أل) ومن الإضافة .

لنأخذ كلمة (الكِتاب) على سبيل المثال :
* يُقال عند اقترانها بـ (أل) : (هذا الكِتابُ مُفيدٌ) (قرأتُ الكِتابَ المُفيدَ) (اطّلعتُ على الكِتابِ المُفيدِ) .
* وعند إضافتها : (هذا كِتابُ النحو) (قرأتُ كِتابَ النحو) (اطّلعتُ على كِتابِ النحو) .
* وعند تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة : (هذا كِتابٌ مُفيدٌ) (قرأتُ كِتابًا مُفيدًا) (اطّلعتُ على كتابٍ مُفيدٍ) .

ولكن ثمة حالات خاصة معروفة ، نكتفي منها هنا باثنتين : الأسماء المنقوصة ، والأسماء الممنوعة من الصرف .


-3-

أما الأسماءالمنقوصة ، فهي المختومة بياءٍ مكسورٍ ما قبْلَها ، غيْرِ مُشدّدة .

ومن أمثلتها : (القاضي) و(الداعي) و(المُنادي) و(المهتدي) و(المُوصِي) و(التَّلاقِي) و(التَّنادي) ونحو ذلك .

وحكمها : استثقال ظهور الضمة والكسرة على آخرها (أي : على الياء) ، وإمكانية ظهور الفتحة وحدها :

لنأخذ كلمة (القاضي) على سبيل المثال :

* يقال عند اقترانها بـ (أل) :
- (جاء القاضي العادلُ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
- (رأيتُ القاضيَ العادلَ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
- (سلّمتُ على القاضي العادلِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .
* وعند إضافتها :
- (جاء قاضي المحكمةِ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
- (رأيتُ قاضيَ المحكمةِ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
- (سلّمتُ على قاضي المحكمةِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .
* وعند تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة :
- (جاء قاضٍ عادلٌ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة .
- (رأيتُ قاضيًا عادلاً) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
- (سلّمتُ على قاضٍ عادلٍ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة .

وبَيانُ حذف الياء في الرفع والجرّ هنا : أن الكلمة كان ينبغي أن تُلفظ هكذا [قَاضٍينْ] ، بإسكان الياء لاستثقال ظهور الضمة والكسرة عليها ؛ فالتقى ساكنان (الياء والتنوين) ، فحُذف أوّلُهما (الياء) ، فصارت تُلفظ [قَاضِنْ] ، وتُكتب (قاضٍ) .


-4-

وأما الأسماء الممنوعة من الصرف ، فهي أسماء لا تقبل التنوين ولا الكسر ، في حالة تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة ، وتُجَرُّ بالفتحة نيابة عن الكسرة .

وأنواع الأسماء الممنوعة من الصرف مذكورة بتفصيل في كتب النحو المختصة .

ومن الأسماء الممنوعة من الصرف : صِيَغُ منتهى الجموع ، وهي كل صيغة جمع على وزن (مَفاعِل) أو (مَفاعيل) أو ما شابههما ، كـ(أَفاعِل) و(أَفاعيل) و(تَفاعِل) و(تَفاعِيل) و(فَعائِل) ونحو ذلك .

ومن أمثلة ذلك : (مَساجِد) و(صَوامِع) و(شعائر) و(مَحاريب) و(عَصافير) و(أساطير) ونحو ذلك .

لنأخذ كلمة (المساجد) على سبيل المثال :
* يقال عند اقترانها بـ (أل) : (هذه المَساجِدُ عتيقةٌ) (رأيتُ المَساجِدَ العتيقةَ) (مررتُ بالمَساجِدِ العتيقةِ) .
* وعند إضافتها : (هذه مَساجِدُ المدينةِ) (رأيتُ مَساجِدَ المدينةِ) (مررتُ بـمَساجِدِ المدينةِ) .
* وعند تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة :
- (هذه مَساجِدُ عتيقةٌ) : مرفوعة بالضمة الظاهرة ، ولا يُنوّن .
- (رأيتُ مَساجِدَ عتيقةً) : منصوبة بالفتحة الظاهرة ، ولا يُنوّن .
- (مررتُ بـمَساجِدَ عتيقةٍ) : مجرورة بالفتحة النائبة عن الكسرة ، ولا يُنوَّن .

ونكرّر القول هنا : إن نيابة الفتحة عن الكسرة إنما يكون في حالة تجرُّد الاسم من (أل) ومن الإضافة ، كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ) [المؤمنون : 17] . أما في حالة اقترانه بـ(أل) أو إضافته ، فيكُون الجرُّ بكسرة ظاهرة ، كما في قوله تعالى : (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عََاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة : 187] ، وقوله : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ) [البقرة : 185] .


-5-

والمشكلة المطروحة الآن : ماذا لو اجتمع الأمْران معا ؟ أي : ماذا لو كانت الكلمة منقوصةً ، وكانت في الوقت نفسه من صِيَغ منتهى الجموع ؟

من أمثلة ذلك : (القَوَافي) (والمَراعِي) و(الجَواري) و(الأماني [إذا لم تُشدد ياؤها]) و(الليالي) ونحو ذلك .

لنأخذ كلمة (القوافي) على سبيل المثال :

*لا إشكال في حال اقترانها بـ (أل) :
- (هذه القوافي جميلةٌ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
- (أحببتُ القوافيَ الجميلةَ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
- (أُعجِبْتُ بالقوافي الجميلةِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .

* ولا إشكال في حال إضافتها :
- (قوافي القصيدةِ جميلةٌ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
- (أحببتُ قوافيَ القصيدةِ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
- (أُعجِبْتُ بقوافي القصيدةِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .

* وإنما الإشكال في حال تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة ، كما في السؤال المطروح في بداية الموضوع .


-6-

فما حُكم صِيَغ منتهى الجموع المنقوصة ، في حال تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة ؟

نواصل تمثيلنا بكلمة (القوافي) :

* أما عند النصب ، فلا مشكلة في ظهور الفتحة على الياء من غير تنوين ، لا بالنظر إلى كون الاسم منقوصا ، ولا بالنظر إلى منعه من الصرف .

نقول : (قرأتُ قَوَافِيَ جميلةً) ؛ منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .

ومن الشواهد القرآنية على ذلك :
- قولُه تعالى : (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) [سبأ : 18] .
- وقولُه : (كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الزُّمَر : 23] .
- وقولُه : (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ) [المرسلات : 27] .

* وأما عند الرفع ، فكونُ الاسم منقوصا يقتضي عدم ظهور الضمة على يائه ، وكونُه ممنوعا من الصرف يقتضي عدم تنوينِه تنوينَ صَرْفٍ .

وهذا يعني أن الأصل يقتضي القول : (هذه قَوَافِي جميلةٌ) . غيْرَ أن العرب استثقلوا بقاء الياء ساكنة هكذا ، فأبدلوها تنوينا ، هُوَ في الحقيقةِ تنوينُ عِوَضٍ ، لا تَنوينُ صَرْفٍ ، فصارت : (قَوَافٍ) .

نقول : (هذه قَوَافٍ جميلةٌ) ؛ مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة المعوّض عنها بالتنوين .

ومن ذلك قولُه تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ . وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف : 41] .

* وأما عند الجرّ ، فهُنا المشكلة الكبرى ؛ فكونُ الاسم منقوصا يقتضي عدم ظهور الكسرة على يائه ، وكونُه ممنوعا من الصرف يقتضي جَرَّهُ بالفتحة نِيابةً عن الكسرةِ وعدمَ تنوينِه تنوينَ صَرْفٍ .

ولكن الفتحة هنا مجرّد نائبة عن الكسرة . ومن المقرر في العُرف والمنطق أن سُلطة النائب لا تفوق سُلطة المَنُوب عنه . والكسرةُ في حالتنا لا سُلطة لها على الياء ، فكذلك نائبتُها الفتحة .

ولهذا كان العرب يقدّرون هذه الفتحة على الياء ، ثم يستثقلون بقاء الياء ساكنة ، فيُبدلونها تنوينا ، هُوَ في الحقيقةِ تنوينُ عِوَضٍ ، لا تَنوينُ صَرْفٍ ، فتصير (قَوَافٍ) . وقيل : إن التنوين هنا عِوَضٌ عن الفتحة .

نقول : (يا لها مِنْ قَوَافٍ جميلةٍ) ؛ مجرورة بفتحةٍ نائبةٍ عن الكسرة ، مُقدَّرةٍ على الياء المحذوفة المعوّضِ عنها بالتنوين .



(يُتبع)

سعيد بنعياد
27-05-2010, 12:05 PM
(تتمّة)



-7-


فإن قيل : كيف تُنوَّن الكلمةُ في حالة الجرّ ، وهي غيرُ مُنصرِفةٍ ؟


قلنا : هو تنوينُ عِوَضٍ ، لا تنوينُ صَرْفٍ . ثم إن الكلمة تُنوَّنُ في حالة الرفع أيضا ؛ فمَن أنكر تنوينَها في الجرّ ، بحُجة الاستناد إلى ما يحسبه (منطقا نحويا !) ، لَزِمَهُ إنكارُ تنوينِها في الرفع أيضا .


-8-


فإن قيل : هل من نصوص للعلماء في ذلك ؟


قلنا : يكفينا قولُ ابن مالك في ألفيّته :


وكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ (مَفاعِلا) *** أوِ (المَفاعِيلَ) بِمَنْعٍ كافِلا
وذا اعْتِلالٍ مِنهُ كـ(الجَوَاري) *** رَفْعًا وجَرًّا أَجْرِهِ كـ(سَارِ)


-9-


فإن قيل : هذا قولٌ لا شواهد تُؤيّده .


قلنا : هذا تسرُّعٌ في الحُكم ، وقول بلا علم .


* فمن شواهد القرآن الكريم :
- قوله تعالى : (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا] (مريم : 10] .
- وقوله تعالى : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا] (الحاقة : 7] .
- وقولُه تعالى : (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ] (الفجر : 1-2] .


* ومن شواهد حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) : (لَيْسَ فيما دُونَ خمسةِ أَوْسُقٍ من التَّمْرِ صدقةٌ ، وليْسَ فيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ من الإبل صدقةٌ ، وليس فيما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ من الوَرِقِ صدقةٌ) [متفق عليه] .


* ومن شواهد أشعار العرب :


- قولُ لُمَيْس بن سعد البارقي (صاحب حلف الفضول) :



وناديتُ قومي بارِقًا لتُجِيبَني *** وكمْ دُون قوْمي مِنْ فَيَافٍ ومِن سُهْبِِ


-وقولُ أبي حيّة :



وأيْدي المَهاري في فَيَافٍ عريضةٍ *** هوابِطَ من أخرى تغلَّى وترتمي


- وقولُ امرئ القيس :



لَيَالٍ بذاتِ الطَّلْحِ عند مُحَجَّرٍ *** أحَبُّ إلينا مِنْ لَيَالٍ على أُقُرْ


- وقولُ الفرزدق :



وأقرَبُ الرّيفِ منهمْ سَيرُ مُنجَذِبٍ *** بالقَوْمِ سَبْعَ لَيَالٍ رِيفُهُمْ هَجَرُ


- وقول كعب بن زهير :



وبعْدَ لَيَالٍ قد خَلَوْنَ وأشهُرٍ *** على إثْرِ حَوْلٍ قد تجرَّمَ كاملِ


-وقول نَهْشَل بن حَرِّيّ :



بِرَجْمِ قَوَافٍ تُخرِجُ الخبْءَ في الصفا *** وتُنْزِلُ بَيْضاتِ الأَنُوقِ من الوَكْرِ


-وقول عنترة :



فدَعُوني مِن شُرْبِ كأسِ مُدامٍ *** مِن جَوَارٍ لهُنّ ظَرْفٌ وطِيبُ


-وقول النابغة الذبياني :



عهدْتُ بها سُعْدى ، وسُعْدى غريرةٌ *** عَرُوبٌ تَهادَى في جَوَارٍ خَرَائِدِ


-وقول بشّار بن بُرْد :



ومَلْعَبٍ لِجَوَارٍ ينتقدْن به *** وكُلُّ مُنتزَهٍ لِلَّهْوِ مُنتقَدُ


-وقول أوس بن حَجَر :



ومُعصَّبين على نَوَاجٍ سُدْتَهُم *** مثل القِسِِيِّ ضَوامرٍ بِرِحالِ


- وقول الأعشى (يذكُر ناقته) :


تَقْطَعُ الأمْعَزَ المُكوْكِبَ وَخْدًا *** بنَوَاجٍ سريعةِ الإيغالِ


-10-


فإن قيل : قد وقعت الياء مفتوحة في بيت الهُذَلي :



أبِيتُ على مَعارِيَ واضحاتٍ *** بهنّ مُلَوَّبٌ كدَمِ العِباطِ


وفي بيت الفرزدق :



فلو كان عبدُ اللهِ مَوْلًى هَجوْتُهُ *** ولكنّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوالِيَا


وفي بيت الكُمَيْت :


خَرِيعُ دَوَادِيَ في مَلْعَبٍ *** تَأزَّرُ طَوْرًا وتُلقي الإزارا


قلنا : هذه أبياتٌ أتى بها الخليل بن أحمد ، فيما نقله عنه سيبويه في الكتاب [3/313-316] ، في معرض حديثه عن جواز تحريك الياء للضرورة الشعرية .


وبالطبع ، يستثنى بيتُ الهذلي . فقد كان بإمكانه القول : (مَعارٍ) ، دُون أن ينكسر الوزن ؛ ولكنه آثر إتمام الوزن ، وتجنُّب الزحاف .


ويُحتمل أن يكون فتحُ الياء لغة لبعض العرب .


ولكن اللغة الفصيحة التي جاء بها القرآن الكريم هي المذكورة آنفا .


وقد أورد الخليل بيتين آخرين ، حُرِّكت فيها الياء بالكسر ؛ وهذه ضرورة واضحة جليّة .



ويتعلق الأمر بقول ابن قيس الرُّقَيّات :



لا بارَكَ اللهُ في الغوانِيِ هَلْ *** يُصْبِحْنَ إلاّ لهُنَّ مُطَّلَبُ


وقول جرير :


فيَوْمًا يُوافِيني الهوَى غيْرَ ماضِيٍ ***ويومًا تَرى منهنَّ غُولاً تَغَوّّلُ


-11-


وبقي الحديث عما ذكره بعض المشاركين في النقاش المشار إليه في بداية الموضوع ، من أن يونس خالف الخليل في المسألة ، ورأى جرّ الأسماء المذكورة بالفتحة الظاهرة على الياء .


فأقول : هذا مجرد وهم ، سرعان ما يتبيّن أمرُه عند تأمُّل كلام سيبويه من أوله إلى آخره .


لنتأمل هذه المقتطفات من كلامه : (وسألتُ الخليل عن رجل يسمى بـ (قاض) ...) ، (وسألتُ الخليل عن رجل يسمى بِـ(جَوَارٍ) ...) ، (وسألته عن (قاضٍ) اسم امرأة) (وسألته عن رجل يسمَّى (أعْمَى) ، فقلت : كيف تصنع به إذا حقّرته ؟ فقال : أقول : (أُعَيْمٍ) ...) ، (وسألته عن رجل يسمَّى (يَرْمِي) أو (أرمي) ...) .


ثم بعد هذا كله يقول : (وأمّا يونس ، فكان ينظر إلى كلّ شيء من هذا – إذا كان معرفة– كيف حالُ نظيره من غير المعتلّ معرفةً . فإذا كان لا ينصرف [يقصد : لا يُنَوَّن] ، لم ينصرف . يقول : (هذا جَوَارِي قد جاء) و(مررتُ بِجَوِارِيَ قبْلُ ...) .


فالكلام هنا كله – كما يبدو لكل ذي بصيرة – عن الأسماء المنقوصة بصفة عامّة ، إذا سُمِّيَ بها ؛ أي : عن أسماء العَلَم . وكلمة (مَعْرِفة) في كلام سيبويه هنا تعني اسم عَلَم .


كيف ؟


قد يكون استعمال أعلام منقوصة كهذه محدود الانتشار في عصر يونس والخليل ؛ ولكنه في عصرنا الحاضر واسع الانتشار . فنحن نسمي (شادي) و(فادي) و(رامي) و(مَغازي) و(أماني) و(معالي) ونحو ذلك . فكيف نُعامل هذه الأسماء ؟


لو كان (شادي)اسما غير علَم ، لوجب القول : (جاءَ شادٍ جميلُ الصوتِ) (سمعتُ شادِيًا جميلَ الصوتِ (مررتُ بِشادٍ جميلِ الصوتِ) .


لكن ، ماذا لو كان (شادي) وما شابهه علَما ؟


أما في حالة النصب ، فنقول : (رأيتُ شادِيًا) إذا كان مذكرا ، و(رأيتُ شادِيَ) إذا افترضنا أنه مؤنث ، و(رأيتُ أمَانِيَ) مذكّرا كان أم مؤنثا .


وأما في حالتي الرفع والجر ، فهنا موضع الخلاف بين الخليل ويونس :
* فالخليل يرى بقاء الاسم على ما كان عليه قبل العلميّة : (شادٍ وأَمانٍ مِنْ أكثر التلاميذ اجتهادا) (مررتُ بِشادٍوأَمانٍ) ، مذكرين كانا أم مؤنثين .
* ويونس يرى الإتيان بالياء ساكنة في الرفع ، وساكنة أو مفتوحة في الجرّ (بحسب انصراف الاسم وعدمه) : (شادي وأَماني مِنْ أكثر التلاميذ اجتهادا) للمذكّر والمؤنث ، (مررتُ بِشادي) للمذكّر ، (مررتُ بِشادِيَ) للمؤنث ، (مررتُ بأَمانِيَ) ، للمذكّر والمؤنث .


فالخلاف بين الخليل ويونس منحصر في أسماء العَلَم ، وبالتحديد : في حالة رفعها أو جرّها .


فقول يونس : (هذا جَوَارِي قد جاء) و(مررتُ بِجَوِارِيَ قبْلُ) لا يقصد به جمع (جارية) ، وإنما يقصد به رجُلا اسمه (جَوَارِي) ، بدليل (هذا) و(جاء) .


وقد صرّح علماء النحو بما ذكرتُه ، من أن الخلاف بين الخليل ويونس منحصر في الأعلام المرفوعة والمجرورة .


يقول السيوطي في (هَمْع الهوامع) [1/117-118] :


(ولا يجوز في هذا النوع ظهور الفتحة على الياء في حالة الجر ، كما لا يجوز إظهار الكسرة التي الفتحةُ نائبةٌ عنها .


وقيل : يجوز كما يجوز إظهارها حالة النصب ، لخفتها . وعليه قول الشاعر :



ولكنّ عبْدَ اللَّهِ مَولْى مَوَاليا


وقيل : يجوز في العَلَمِ دُونَ غيْرِه . وعليه يونس . واستدلّ بقوله :



قد عَجبتْ مِنّي ومن يُعَيْلِيَا


وأُجيبَ بأنه وما قبله ضرورةٌ ) .


ويقول ابن جني في خصائصه (باب تركيب المذاهب) :


(وكان أبو عثمان أيضا يرى رأي سيبويه ، في صرف نحو (جَوَارٍٍ) عَلَمًا وإجرائه بعد العلميّة على ما كان عليه قبلها ، فيقول في رجل أو امرأة اسمها (جَوَارٍ) أو (غَوَاشٍ) بالصرف في الرفع والجر على حاله قبل نقله ، ويونس لا يَصْرِفُ ذلك ونَحْوَهُ عَلَمًا ، ويُجْريه مجرى الصحيح في ترك الصرف) ‏.


ثم إن الخليل يقول ، في مناقشته لرأي يونس : ( ... ولكانوا خُلَقاءَ أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجرّ ، فيقولوا : (مررتُبِجَوَارِيَ قبلُ) ...) .


فالخليل يقول : لو صحّ كلام يونس ، لكان أحرى بالعرب أن يفتحوا الياء في (بِجَوارِيَ) في حالة كونها نكرة [يقصد : غير علم] ، أي : في حالة دلالتها على جمع (جارية) .


وهذا يعني أن يونس نفسه يقول : (مررتُ بِجَوَارٍ قبلُ) ، في حالة دلالتها على جمع (جارية) ؛ إذ لا يُعقل أن يحتجَّ الخليلُ عليه بشيءٍ ، وهو يعلم أنه غيرُ مقتنع به أصلاً !


-12-


وعليه ، يكون جواب السؤال المطروح في أول الموضوع – على الأفصح - كالآتي :



* هذه قَوَافٍ جميلةٌ .


* قرأتُ قَوَافِيَ جميلةً .


* يا لها مِنْ قَوَافٍ جميلةٍ !


***


وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه .

حنان المغربية
27-05-2010, 12:14 PM
بارك الله فيك اخي على الموضوع المهم

بالتوفيق ان شاء الله

ساستمر بمتابعة درسك الهادف

سعيد بنعياد
28-05-2010, 09:23 PM
بارك الله فيك اخي على الموضوع المهم

بالتوفيق ان شاء الله

ساستمر بمتابعة درسك الهادف


لك خالص شكري وتقديري ،
يا أستاذة حنان ،
على كلماتك الطيبة .

بارك الله فيك ،
ووفقك إلى كل خير .

تحياتي وتقديري .

فريد البيدق
02-06-2010, 07:44 PM
تميز وعمق أخي الحبيب سعيد!
إلى التثبيت دفعا وتقديرا!

سعيد بنعياد
10-06-2010, 11:42 PM
تميز وعمق أخي الحبيب سعيد!
إلى التثبيت دفعا وتقديرا!



لك خالص شكري ،
أخي العزيز فريدًا ،
على مرورك الجميل ،
وتعليقك النبيل .

بارك الله فيك ،
ووفقك إلى كل خير .

تحيتي وتقديري .

عبد الله راتب نفاخ
15-06-2010, 05:25 AM
كلام على غاية من العلمية ..... تؤيده الشواهد و المنطق كذلك .... وهذا ما جعلني أتساءل لم لم يقبل هؤلاء بدعوى تلك الدكتورة في المنتدى الذي ذكرته !!!!!!

عبد الله راتب نفاخ
15-06-2010, 05:33 AM
أرى من المناسب في أيامنا هذه الأخذ برأي يونس في أسماء العلم تمييزاً لها من النكرات ، فيكون للمسمى باسم منقوص غير ما يكون للموصوف به .

و حياك الله و سلمك أستاذي

سعيد بنعياد
15-06-2010, 04:48 PM
كلام على غاية من العلمية ..... تؤيده الشواهد و المنطق كذلك .... وهذا ما جعلني أتساءل لم لم يقبل هؤلاء بدعوى تلك الدكتورة في المنتدى الذي ذكرته !!!!!!


لك خالص شكري ،
أخي الأستاذ عبد الله راتب نفاخ ،
على مرورك الجميل .

بارك الله فيك ،
وأظلك بظله يوم لا ظل إلا ظله .

تحيتي وتقديري .

سعيد بنعياد
15-06-2010, 04:53 PM
أرى من المناسب في أيامنا هذه الأخذ برأي يونس في أسماء العلم تمييزاً لها من النكرات ، فيكون للمسمى باسم منقوص غير ما يكون للموصوف به .

و حياك الله و سلمك أستاذي


وأنا أجنح إلى مثل رأيك ،
أخي الكريم .

فرأي يونس في عصرنا
أنسَبُ وأيسَرُ .

بارك الله فيك .

آمال المصري
15-06-2010, 05:15 PM
درس قيم جدا ويستحق التثبيت للانتفاع به
وسأكون تلميذة متابعة لكل عطاءك الثر
جوزيت الخير سيدي الفاضل
احتراماتي

سعيد بنعياد
25-06-2010, 05:48 PM
درس قيم جدا ويستحق التثبيت للانتفاع به
وسأكون تلميذة متابعة لكل عطاءك الثر
جوزيت الخير سيدي الفاضل
احتراماتي


مرورك شرف لي ،
أختي الفاضلة رنيم مصطفى .

بارك الله فيك ،
ووفقك إلى صالح الأعمال .

تحيتي وشكري وتقديري .