مشاهدة النسخة كاملة : قاص تحت الضوء (الحلقة الأولى ) .. مع أ. حسام القاضي
أحمد عيسى
31-05-2010, 10:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ موضوعنا الأول ، والحلقة الأولى لتناول أديب وقاص من الواحة ، ممن تأثروا بها وأثروا فيها ، وممن تعلمنا منهم فكانوا نجوماً في سماء الواحة .
الحلقة الأولى مميزة ، مع أديب مميز ، وأستاذ كبير ، وقاص مبدع .
كيف لا ، ونحن هنا ، سنقضي شهراً كاملاً في ضيافة ابن مصر الأنيق ، صاحب أجمل " ربطة عنق " (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14004)
الرقيق الذي عشنا مع "حقيبته المتربة والجورب الأبيض" (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25241) أجمل اللحظات ، فأحببناه ، وأحببنا القصة القصيرة معه .
فهل جربت تناول ال " بيتزا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14718)" وأنت تقرأ " مرايا " (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13635) لأديبنا الكبير
هذا " نفس ما أردوا " (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13123) وأردنا اذن ..
صاحب هذا التساؤل الرقيق : "سؤال" (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14943):
ليه كل م امشي فـ طريق
ألقى فـ طريقي ســـد
ليه نص عمري حريق
ونص عمري هــــــد
مع إن قلبي بريء
ما كرهشي أبدا حــــد
ولا خانشي عمره صديق
ولا باع ضميره لحـــد
هو الزمان اللي قاسي
ولا احنا موش ع القــد
سؤال سألته لناسي
ما سمعت أبدا رد
مع الأديب الكبير : حسام القاضي
https://www.rabitat-alwaha.net/customavatars/avatar1712_3.gif
من درر أعماله :
1. ولكنه حي (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=15610)
2. نفس ما أرادوا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13123)
3. بيتزا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14718)
4. حقيبة متربة وجورب أبيض (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25241)
5. ربطة عنق (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14004)
6. الحطام (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13300)
7. عملية جراحية (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13391)
8. 41 بدون لون (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13767)
9. مرايا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13635)
10- الحصار (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13826)
صدرت له مجموعة قصصية " الرجل الذي فقد أنفه " نوفمبر 1990
نشرت قصصه في صحف : عُمان - القبس - الأسرة - الثقافة الجديدة - الرأي العام
وغيرها ..
أستاذ حسام القاضي :
يسعدنا ويشرفنا أن نكون في ضيافتك ، وفي رحاب أعمالك وفكرك . مع خالص الحب منا جميعاً .
وأذكر الأخوة بأن المحاور المطروحة هنا :
1. تناول أسلوب الكاتب -فكره - طرحه - أهم أعماله - مواطن الضعف والقوة .
2. الحوار مع الكاتب حول أعماله - قراءاته - خبراته .
مرحباً بكم وعلى بركة الله
هشام عزاس
31-05-2010, 11:00 PM
نرحب معك أخي أحمد بقامة أدبية كبيرة و قاص فنان و بارع اسمه حسام القاضي
يشرفنا أن نتعرف عليه أكثر و أن نتفاعل مع قصصه الرائعة طوال شهر كامل .
تحيتي لكما ...
نادية بوغرارة
31-05-2010, 11:11 PM
إنها لفرصة ذهبية أن نحظى بالتعرف العميق على أديب كالأستاذ حسام القاضي ،
تعرفنا عليه من خلال كتاباته بالواحة ،و من خلال آرائه النقدية لبعض الأعمال القصصية ،
و قد استفدت شخصيا من ملاحظاته حول بعض كتاباتي .
الاسئلة كثيرة ، لكنني سأبدأ بما يلي :
1- نود أن نعرف متى و كيف كانت بداياتك مع الكتابة القصصية ؟
2- نرجو أن تميز لنا بين أنواع و أشكال القصة ، و أن تحدثنا بالأخص
عن مقومات نجاح القصة القصيرة جدا ،و التي ضاع مفهومها عند المتعلمين ،مع الكم الهائل للقصص القصيرة الموجودة على الشبكة .
نشكر الأخ أحمد عيسى على هذا المجهود ، و نحن في انتظار إطلالة ضيفنا الكريم .
ربيحة الرفاعي
01-06-2010, 12:05 AM
ما دامت وقفتنا الأولى جاءت أمام قاص كبير بحجم الاستاذ حسام القاضي، فلعلنا نحظى منه بتوضيح موجز لمقومات القصة القصيرة، وأدوات القص السليم، نستعين بها على استعياب القالب الفعلي للقصة القصيرة وتعرف الفارق بين القصة القصيرة جدا والومضة ...
ولعلي أتشرف بالعودة لطرح المزيد من الاستفسارات
بدر عرفج التميمي
01-06-2010, 03:00 AM
بداية موفقة جداً
كيف لا وهي مع أروع القاصين في واحة الإبداع ؟!
أرجو أن تقول لنا كيف كانت بدايتك مع عالم القصة القصيرة
وما هي نصيحتك للذين طرقوا أبواب دور القصة القصيرة ؟!
شكراً لك عزيزي على هذه الاستضافة
ودي واحترامي
بدر ..
د. نجلاء طمان
01-06-2010, 04:42 AM
هو رائد القصة القصيرة ومؤسسها -هنا - على الإطلاق .
هو أستاذ فيها وكفى .
لي عودة إن شاء رب الأكوان
هي فكرة رائعة منكَ أخي أحمد باركك ربي
تقديري لكما
مروة عبدالله
01-06-2010, 04:52 AM
جميل أن يكون أول قاص لنا هنا هو صاحب القلب الأبيض, والأستاذ الخلوق ذو الروح المحبة للأدب والرقي, هو تواجد أولى للترحيب بأستاذى القدير الأستاذ حسام القاضي, ولى عودة ثانية إن شاء الرحمن لى بذلكَ, أبارك اختياركَ أخي أحمد.
تقديري
مازن لبابيدي
01-06-2010, 07:09 AM
أرحب معكم بأديبنا الكبير الأستاذ حسام القاضي ، أحد أقطاب الواحة الكبار ، ليمتعنا بحضوره وأدبه ويفيدنا من علمه وخبرته في مجال القصة ، خاصة القصيرة منها ، وليعرفنا أكثر على مسيرته الأدبية .
نعم الاختيار أخي أحمد ، وأعود معكم إن شاء الله لهذا اللقاء الشيق .
أحمد عيسى
01-06-2010, 07:41 AM
للتذكير فقط أخوتي - أن محاور اللقاء تختلف عن أي لقاء معروف ..
فلن نكتفي هنا بطرح الأسئلة على الأستاذ : حسام القاضي فقط
انما تمتد محاور اللقاء الى تسليط الضوء على ابداعات الكاتب ، وتناول أعماله وأسلوبه ومواطن القوة والضعف فيه ، وتقديم رؤية فنية ما أمكن للكاتب وفكره وقصصه .
محمد ذيب سليمان
01-06-2010, 08:34 AM
شكرا على هذه الإستضافة ولعلني أكون من أكثر المستفيدين من الأطلاع عليها خصوصا وقد بدأت الكتابت في مجال القصة القصيرة وال ق .ق . ج بدون تأهيل علمي أو معرفي اللهم ما أجده في نفسي من قدرة على السرد الذي أجدني غير راض عنه ولعلني هنا أجد ما ينعني ويدفع قدرتي على انتهاج السبيل الأفضل للوصول الى الطرية الفضلى
دمت مبدعين وشكرا للقائمين
مرحة عبد الوهاب
01-06-2010, 09:32 AM
نرحب بأستاذنا الفاضل والأديب الكبير حسام القاضى
فأهلا وسهلا دائما
أ. حسام ، سأبدأ معك من البداية
على يد مَن تتلمذت حتى صَرت من كبار الأدباء فى مجال القصة ؟
مَن كان قدوتك فى أدب القصة القصيرة ؟
ولمن قرأت من كبار أدباء العالم العربى فى هذا المجال ؟
وإن شاء الله لىّ عودة مع هذه الصفحة الثرية .
ولا يفوتنى أن أشكر أخى الأستاذ أحمد عيسى على أفكاره وأختياراته الصائبة
تحياتى
حسام القاضي
01-06-2010, 06:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ موضوعنا الأول ، والحلقة الأولى لتناول أديب وقاص من الواحة ، ممن تأثروا بها وأثروا فيها ، وممن تعلمنا منهم فكانوا نجوماً في سماء الواحة .
الحلقة الأولى مميزة ، مع أديب مميز ، وأستاذ كبير ، وقاص مبدع .
كيف لا ، ونحن هنا ، سنقضي شهراً كاملاً في ضيافة ابن مصر الأنيق ، صاحب أجمل " ربطة عنق " (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14004)
الرقيق الذي عشنا مع "حقيبته المتربة والجورب الأبيض" (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25241) أجمل اللحظات ، فأحببناه ، وأحببنا القصة القصيرة معه .
فهل جربت تناول ال " بيتزا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14718)" وأنت تقرأ " مرايا " (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13635) لأديبنا الكبير
هذا " نفس ما أردوا " (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13123) وأردنا اذن ..
صاحب هذا التساؤل الرقيق : "سؤال" (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14943):
ليه كل م امشي فـ طريق
ألقى فـ طريقي ســـد
ليه نص عمري حريق
ونص عمري هــــــد
مع إن قلبي بريء
ما كرهشي أبدا حــــد
ولا خانشي عمره صديق
ولا باع ضميره لحـــد
هو الزمان اللي قاسي
ولا احنا موش ع القــد
سؤال سألته لناسي
ما سمعت أبدا رد
مع الأديب الكبير : حسام القاضي
https://www.rabitat-alwaha.net/customavatars/avatar1712_3.gif
من درر أعماله :
1. ولكنه حي (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=15610)
2. نفس ما أرادوا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13123)
3. بيتزا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14718)
4. حقيبة متربة وجورب أبيض (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=25241)
5. ربطة عنق (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=14004)
6. الحطام (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13300)
7. عملية جراحية (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13391)
8. 41 بدون لون (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13767)
9. مرايا (https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13635)
صدرت له مجموعة قصصية " الرجل الذي فقد أنفه " نوفمبر 1990
نشرت قصصه في صحف : عُمان - القبس - الأسرة - الثقافة الجديدة - الرأي العام
وغيرها ..
أستاذ حسام القاضي :
يسعدنا ويشرفنا أن نكون في ضيافتك ، وفي رحاب أعمالك وفكرك . مع خالص الحب منا جميعاً .
وأذكر الأخوة بأن المحاور المطروحة هنا :
1. تناول أسلوب الكاتب -فكره - طرحه - أهم أعماله - مواطن الضعف والقوة .
2. الحوار مع الكاتب حول أعماله - قراءاته - خبراته .
مرحباً بكم وعلى بركة الله
أخي الفاضل الأديب / أحمد عيسى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أورعه من تقديم أخي الكريم صغته بشكل فني راق
وأسبغت فيه على شخصي المتواضع أكثر مما أستحق
وبالتأكيد هو شرف كبير لي أن أكون وأعمالي المتواضعة محور اهتمامكم، وأنا مجرد هاو شديد الحب للقصة القصيرة.
أتعشم أن أكون على مستوى تلك المقدمة الرائعة وعلى قدر المسؤولية التي أراها ضخمة للغاية،ولنتعاون جميعاً لتقديم ما فيه الخير لنا ولواحتنا .
مع خالص شكري وتقديري واحترامي
حسام القاضي
01-06-2010, 07:11 PM
الاخوة الأدباء والأخوات الأديبات
كنت أتوقع موضوعاً محدود الإقبال
ففاجأتني حفاوتكم الغالية وهزت أعماقي بشدة
فهلا سمحتم لي بشكركم مؤقتاً
على أعود للحواربعد التقاط أنفاسي
الأديب / هشام عزاس
الأديبة / نادية بو غرارة
الأديبة / ربيحة الرفاعي
الأديب / بدر عرفج التميمي
الأديبة / د نجلاء طمان
الأديبة/ مروة عبدالله
الأديب / د مازن لبابيدي
الأديب / محمد ذيب سليمان
الأديبة / مرحة عبد الوهاب
أرجو أن تتقبلوا مني أسمى آيات الشكر والتقدير والاحترام
لحفاوتكم الغالية بي
ابن الدين علي
01-06-2010, 10:18 PM
الأستاذ حسام القاضي طالما جلنا في عالمه عبر قصصه المتميزة و الهادفة و لطالما أنا شخصيا سعدت بقراءته لقصصي و إسداء النصح لي بملاجظاته الثاقبة المتبصرة ...احييه على تواضعه معنا...أضم صوتي للإخوة و أرحب بالفكرة و سيكون لي فيها حضورا إن شاء الله.
ربيحة الرفاعي
01-06-2010, 11:08 PM
لست بناقدة ولا أظنني أستطيع ان أكون وأنا لا املك من أدوات النقد ما يؤهلني لذلك، غير أني ونزولا عند رغبة مشرف القسم ومدير اللقاء الكاتب احمد عيسى، أورد ما منحتني قدرتي المتواضعة في هذا المجال فقد كان لي في ما سعدت بقراءته من نصوص المبدع حسام القاضي رأي أدرجه تاليا...
تمتاز كتابات القاص حسام القاضي بتقنية فنية عالية قائمة على مونتاج القطع والمزج تتبدى ببراعة وجمالية في تداخل الأزمنة عبر لقطات استراجعة تشكل ملمحا رئيسا في قصصه، وتتجلى جمالية الاسترجاع عنده بمشاهد نصية تحمل واحدتها فكرة قصة متكاملة يتم إدراجها خلل النص بمهارة الفصل المتصل كما في نفس ما ارادو، أو التداخل التام كما في بيتزا، لتشرح سوابق الحدث وما أدى إليه...
كما ويميزها إلتقاط ماهر لزوايا نفسية حادة وخوض في عمق النفس البشرية في ما يشكل استثمارا لمخزون معلوماتي يوحي بتمكن في هذا المجال
ولا شك انه يمتلك بتمكن أدوات القص ، فيقولب نصوصة في إطار من سردية عالية الفنية وقدرة على خلق الإدهاش ورسم استثنائي ومتمكن للحظة التنوير
من جهة أخرى فلعل الجملة القصصية عنده تحتمل بعض زيادة في تركيزها، لربط الحدث بموضوعة القصة/قضيتها.
ولقد أحببت أن أشير هنا الى استخدامه اللهجة المحكية أحيانا، وهو ما أجد سردية القصة أحلى بدونه وأظنني قد ذكرت له ذلك ذات مرة...
كاتبنا الكبير حسام القاضي، أسم مميز وطاقة إبداعية جديرة بالوقوف أمام مقوماتها تعلما وانتفاعا
حسام القاضي
01-06-2010, 11:19 PM
إنها لفرصة ذهبية أن نحظى بالتعرف العميق على أديب كالأستاذ حسام القاضي ،
تعرفنا عليه من خلال كتاباته بالواحة ،و من خلال آرائه النقدية لبعض الأعمال القصصية ،
و قد استفدت شخصيا من ملاحظاته حول بعض كتاباتي .
الاسئلة كثيرة ، لكنني سأبدأ بما يلي :
1- نود أن نعرف متى و كيف كانت بداياتك مع الكتابة القصصية ؟
2- نرجو أن تميز لنا بين أنواع و أشكال القصة ، و أن تحدثنا بالأخص
عن مقومات نجاح القصة القصيرة جدا ،و التي ضاع مفهومها عند المتعلمين ،مع الكم الهائل للقصص القصيرة الموجودة على الشبكة .
نشكر الأخ أحمد عيسى على هذا المجهود ، و نحن في انتظار إطلالة
ضيفنا الكريم .
بل الفرصة لي أنا أن أوجد بينكم وأتمنى أن يحظي وجودي بالقبول وألا أكون ضيفاً ثقيلاً
نود أن نعرف متى و كيف كانت بداياتك مع الكتابة القصصية ؟
ستستغربين ردي ولكن
ولتسمحي لي أولاً أن أشير إلى بداياتي مع القراءة فهي التي نمت بداخلي عشقي للقصص ومن ثم التفكير في كتابتها فيما بعد، وقد بدأت القراءة في السابعة من عمري مع ما عرف وقتها بمجلات الأطفال، ولم تكن وقتها تقتصر على نشر قصص الأطفال فقط بل كانت تعرض قصصاً لكبار الكتاب أمثال "يوسف السباعي"،"طه حسين" ، "إحسان عبد القدوس"،"توفيق الحكيم" وغيرهم، وتزامنت قراءتي للمجلات مع قراءة قصص بوليسية للأولاد "الألغاز" وكانت لكاتب قدير متمكن للغاية منها وهو "محمود سالم"
ومن تأثري بها جاءت البداية مبكرة نوعاً ما فقد كتبت أولى قصصي في العاشرة من عمري تقريباً وكانت على غرار هذه القصص ،وبالطبع لم تكن قصصاً قصيرة ولكنها كانت تحمل مقومات القصة المعروفة (بداية ـ وسط ـ نهاية) دون ان أدرك هذا وقتها بالطبع،ومازلت أحتفظ بقصتين من نتاج هذه المرحلة.
وجاء انفتاحي على قراءة كل ما تصل اليه يداي من قصص لكتاب مصريين أو قصص مترجمة لكتاب عالميين منذ بلوغي الثانية عشرة تقريباً ، وهكذا ثم كانت أول قصة قصيرة لي في الثامنة عشرة من عمري،ثم محاولة لكتابة قصة طويلة جاءت أحداثها في فترة زمنية تصلح لرواية ولكن الحجم كان للقصة القصيرة ، وكانت النتيجة طبعاً عمل مضطرب الجنس لا هو رواية ولا هو قصة قصيرة ، وقد نبهني إلى هذا أحد أساتذتي ولكن كان اسلوبه معي غاية في القسوة والسخرية مما جعلني أتوقف عن شيئين معاً هما الكتابة واستشارة أحد فيما أكتب ، وتوقفت عن الكتابة حوالي عشر سنوات امضيتها في قراءة الكثير من الكتب النقدية في القصة ، مع المزيد من القصص أيضاً ، ولم أكن أظن أن لي عودة للكتابة على الاطلاق إلى فاجأتني قصة "ربطة عنق" وكانت البداية الجديدة لي وبأسلوبي الذي أكتب به للآن ثم توالت بعدها قصصي القليلة المنشورة هنا في الواحة.
أعرف أني قد أطلت و ذكرت الكثير من تفاصيل ربما لاتهم الكثيرين ، ولكنها رحلة بسلبياتها وبايجابياتها ، وقد يستفيد بها أحد العابرين ..من يدري؟
نادية بوغرارة
01-06-2010, 11:49 PM
بل الفرصة لي أنا أن أوجد بينكم وأتمنى أن يحظي وجودي بالقبول وألا أكون ضيفاً ثقيلاً
أعرف أني قد أطلت و ذكرت الكثير من تفاصيل ربما لاتهم الكثيرين ، ولكنها رحلة بسلبياتها وبايجابياتها ، وقد يستفيد بها أحد العابرين ..من يدري؟
=======
بل ضيف عزيز و كريم ،
أما الإطالة فلا شك أنها محببة إلى قلوبنا ، فلا تبخل علينا بكل ما يجود به يراعك ،
و ما يشفي غليل انبهارنا بقلمك ، و توقنا للنهل من مدرستك .
نحجز هنا مقعدا في انتظار عودتك .
مازن لبابيدي
02-06-2010, 05:46 AM
أتابع بشوق حديثك أخي حسام وحبذا لو استفضت أكثر وأمتعتنا بالتفاصيل .
لن أحرجك بطلب نشر قصتك الأولى ... ولكن القصة التي كانت تصلح رواية ، ألم تفكر في إعادة صياغتها ثانية ؟
ربما كانت قسوة الأستاذ سلبية من ناحية توقفك عن الكتابة لفترة طويلة ، ولكنك كما قلت قرأت الكثير من الكتب النقدية في القصة ، فهل تعتبر أن ذلك الموقف كان حافزا غير مباشر لك ، وما هي نصيحتك للمبتدئين بالقصة في مثل هذه المواقف ؟
عبدالغني خلف الله
02-06-2010, 08:09 AM
أستاذنا الغالي حسام ..أما فسأعرج علي البيئة التي أنتجت لنا هذا القلب الكبير ..من أنت يا رجل وأين نشأت وترعرعت وليتك تحدثنا عن محيطك العائلي قليلاً وشكراً .
كريمة سعيد
02-06-2010, 01:16 PM
القاص حسام القاضي بداية أجدد الترحيب بك وأكرر الشكر للأستاذ احمد عيسى على هذه المساحة الثرية التي ستفيدنا بلا شك في إثراء تجربتنا في ميدان الكتابة السردية ...
وإليك أيها الفاضل بعض الأسئلة التي أرجو أن لا أكون قد أثقلت بها عليك (أعرف الانشغالات اليومية والالتزامات التي تحول غالبا دون التمكن من الرد مرة واحدة على كل الأسئلة ):
- الكاتب يبدع عالما خياليا ويخلق شخصيات خيالية مرتبطة بالواقع المعيش و لكن الناس يخلطون بين الشخصية وذات الكاتب بالرغم من الوعي بأن أن الكاتب يمسك بخيوط الشخصيات كلها فكيف يحقق القاص حسام القاضي حياد الراوي ؟ وهل يستطيع التعبير عن علاقة شخوصه بمحيطها دون تأثير من الأنا الساردة ؟ أي هل يستنطق شخوصه بتقمص أدوارهم أو بجعلها تتقمصه هو ؟
- تعميد نص إبداعي مهمة صعبة للغاية، هناك من يختار عنوانا من التراث وهناك من يلجأ إلى عنوان له وقع خاص في الذاكرة الشعبية .... فكيف يستطيع الأستاذ حسام القاضي اختيار عناوين قصصه ؟؟ وهل يواجه صعوبة في ذلك أم لا؟
- آخر ما توصلت إليه تقنيات الكتابة القصصية هو تجزيء القصة وتقطيعها إلى أقسام وجعلها عبارة عن مجموعة من اللوحات بعناوين مختلفة أو تذييلها بالهوامش والتعليقات بدعوى أن الحياة أصبحت معقدة وغير منسجمة، بمعنى آخر يسود الاعتقاد بأنه لا يمكن إنتاج قصة منسجمة و مترابطة في ظل التحولات الطارئة لأن ذلك لا يتلاءم مع الوتيرة السريعة لإيقاع الحياة. فهل يتفق الأستاذ حسام القاضي مع هذا الطرح؟ ولماذا؟
-ما رأيك في مواكبة النقد للإبداع وهل استطاع أن يبدد حيرة المتلقي ويساير التجديد ويضبط المصطلحات؟
- كيف تتولد فكرة قصة جديدة في ذهن القاص حسام القاضي؟ هل يفرضها حدث معين ؟ وهل يوجد بين قصصه قصص واقعية ؟
- إذا أراد القارئ حسام القاضي قراءة نص إبداعي فما هي معايير اختياراته: هل يعتمد اختيار شخصية المبدع أم العنوان؟ وهل يقرأ النص بغض النظر عن مبدعه؟
- الكتابة عملية معقدة تخضع لشروط وضوابط، وهي إما ترفع وإما تُرْكِع ... وغالبا ما نلجأ إليها لإعلان الغضب ورفض الواقع ... فهل يتفق معي الكاتب حسام القاضي ؟ وكيف يراها هو؟
أكتفي بهذا القدر من الأسئلة بالرغم من رغبتي في طرح المزيد منها ...وسأظل متابعة بشغف
تقديري
حسام القاضي
02-06-2010, 11:21 PM
[QUOTE=
2- نرجو أن تميز لنا بين أنواع و أشكال القصة ، و أن تحدثنا بالأخص
عن مقومات نجاح القصة القصيرة جدا ،و التي ضاع مفهومها عند المتعلمين ،مع الكم الهائل للقصص القصيرة الموجودة على الشبكة [/color].[/color][/b]
[[/QUOTE
لعلك تعلمين كم المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن هذا الموضوع لو كتبنا كلمة قصة في أي محرك بحث على الشابكة والتي تتكلم عن انواع القصة وكيف أن نوعاً ما يجب ألا يقل عن عدد معين من الكلمات و...و... و....... الخ
أعرف انك لا تريدين مثل هذه الردود المتكررة الجامدة، وأنا مثلك أيضاً فلم لا نتحاور عن القصة في أبسط تعريف لها بعيداً عن المصطلحات الكثيرة الشائعة .
أما عن أنواع وأشكال القصة ،فالكل يعرف "الرواية" والقصة (البعض يطلق عليها رواية قصيرة) والقصة القصيرة ظهرت بعدها القصيرة جدا ثم القصيرة جداً جداً أو الومضة ، وعن نفسي فقد وقفت عند القصة القصيرة ولا أستطيع تخطيها لما بعدها .
سأورد هنا تعريفا مبسطاً للفرق بين القصة القصيرة والرواية:
يشير "محمد يوسف نجم " في كتابه "القصة" إلى أن الرواية تصور فترة كاملة من حياة خاصة او مجموعة من الحيوات بينما القصة القصيرة تتناول قطاعاً أو شريحة أو موقفاً من الحياة ، ولذا فإن كاتبها يتجنب الخوض في تفاصيل الأحداث التي تكون في الرواية لأنه يعتمد على الإيحاء في المقام الأول ، وإذا كانت الرواية تعرض لسلسلة من الأحداث الهامة وفقاً للتدرج التاريخي المنطقي؛ فإن القصة القصيرة تبرز صورة واضحة المعالم لقطاع من الحياة من أجل إبراز فكرة معينة ، والقصة القصيرة تركز على حدث واحد ورؤية مكثفة ، في حين أن الرواية تقوم على سلسلة من الأحداث المتتابعة وبالتالي يمتد الزمن إلى وقت طويل في الرواية في حين تكون القصة القصيرة محدودة الزمن جداً"
أرى في الفقرة السابقة أهم ما يميز القصة القصيرة عن الرواية ، وبعد الكثير مما قرأت من آراء لنقاد ومبدعين متخصصين في القصة وجدت أن هذه الآارء جميعاً تصنع طيفاً كالطيف اللوني ،مساحة عريضة غير محددة الحواف يستشعرها المبدع الحقيقي فقط ويدرك أبعادها دون تحديد ما.
لذا فأنا أتفق مع بعض الآراء التي وجدت أن تعريف القصة القصيرة لن يتأتى إلا بمعرفة نقيضها:
ناقدة تقول "من الممكن إعطاءوصف للقصة القصيرة من خلال الإشارةإلى ما لا يمكن ان يكون قصة قصيرة وبهذه الطريقة ستكون هناك مرونة في تحديدها"
ناقد آخر " لماذا نبذل مجهوداً لتعريف القصة؟ علينا ان نقول ان المقال ليس قصة قصيرة، ووصف إحدى الشخصيات ليس قصة قصيرة كما ان الحوار ليس بالضرورة أن يكون قصة قصيرة ، وتسجيل أحداث كالمذكرات اليومية أو وصف تفصيلي لسفيتة غارقة لا يكون قصة قصيرة "
وكذلك يقول عباس العقاد ".. من الأسهل تقديم تعريفات سلبية، بمعنى معرفة ما لا يشترط للقصة القصيرة للوصول إلى شروطها"
وقد انتقيت هذه الآاراء التي راقتني ووجدتها تتوافق مع وجهة نظري من مقالة أكثر من رائعة قام بعرضها أستاذنا الكبير د. مصطفى عراقي
هنا:
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=21639
وللقصة القصيرة جداً عودة اخرى بإذن الله
وفاء شوكت خضر
03-06-2010, 12:39 AM
شكرا لمن بادر في هذا اللقاء مع قاص متميز ..
لأن شهادتي بأستاذي وأخي الكريم الأديب القاص حسام القاضي ستكون مجروحة وهو معلمي الذي بفضله استطعت أن أخط محاولاتي المتواضعة في القصة القصيرة ، وبفضل تشجيعه وإرشادته وصدقه في النقد والنصح ..
لعل أكثر ما يلفت نظري في اسلوب الأديب القاص حسام القاضي هو الرمز واستخدامه بشكل يخدم النص من الناحية الفنية في تركيب القصة ومن ناحية التشويق فيها ..
كثير منا لا يعرف كيف يستخدم الرمز في القص ليكون محورا تدور حوله الأحداث بفنية تخدم النص دون مبالغة في غموضه .
قد قمت بكتابة قراءة متواضعة عن الرمزية في كتابات أديبنا ضيف صفحة قاص تحت الضوء وأتمنى أن أجد منه بعض شرح عن كيفية استخدام الرمز ببراعة تمكن القاص من كتابة نص يحمل عدة تأويلات بنجاح ..
تحية لك أخي القدير حسام القاضي وكل الشكر على كل ما ستقدمه لنا من فائدة بإجاباتك على تساؤلاتنا ..
والشكر موصول للأخ أحمد عيسى القائم على هذه الصفحات ..
ربيحة الرفاعي
03-06-2010, 09:33 AM
قد قمت بكتابة قراءة متواضعة عن الرمزية في كتابات أديبنا ضيف صفحة قاص تحت الضوء وأتمنى أن أجد منه بعض شرح عن كيفية استخدام الرمز ببراعة تمكن القاص من كتابة نص يحمل عدة تأويلات بنجاح ..
..
إذا كانت القراءة المذكورة منشورة في الواحة فليتك تزودينا بالرابط، وإن لم تكن فسننتظر منك إدراجها هنا ضمن تعليقات هذه الصفحة أو في موضوع مستقل تتفضلين سيدتي بتزويدنا برابطه.
دمت متالقة سيدة الحرف
وفاء شوكت خضر
03-06-2010, 10:23 PM
إذا كانت القراءة المذكورة منشورة في الواحة فليتك تزودينا بالرابط، وإن لم تكن فسننتظر منك إدراجها هنا ضمن تعليقات هذه الصفحة أو في موضوع مستقل تتفضلين سيدتي بتزويدنا برابطه.
دمت متالقة سيدة الحرف
الأديبة الشاعرة الرائعة حسا وحرفا ربيحة الرفاعي ..
لقد كانت قراءة بسيطة متواضعة وكان نص الحطام هو النموذج الذي قمت بعمل القراءة عليه ..
هو عمل بسيط قمت به لأديب استحقت نصوصه الاهتمام لقيمتها الأدبية واستحق صاحبها التكريم بأقل ما يمكن تقديمه له ..
رابط الموضوع ..
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=22111
شكرا لك اهتماك ..
تحيتي وتقديري لجهودكم الرائعة في إدارة واحة الخير .
د. نجلاء طمان
03-06-2010, 10:30 PM
وأنا أيضًا أقدم هنا دراسة لأحد أعماله أرجو أن تحوز على إعجابكم المكرم
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=524608#post524608
غاية تقديري
ربيحة الرفاعي
03-06-2010, 11:22 PM
نسخة من دراسة الأديبة الكبيرة وفاء شوكت خضر في قصة الحطام للأديب حسام القاضي
الحطــام
تهدجت أنفاسه , وخارت قواه فألقى معوله وجلس يستريح وسط ما حوله من حطام .. لا يذكر منذ متى يقوم بهذه المهمة, وكم تمنى أن تكون الأخيرة .. ولكن لا مفر فعليه أن ينجز مهمته متى وجدت , وأينما وجدت .. دائما لا يتقاضى أتعابا على مهمته .. فلا أحد يستأجره .. فهي ليست مهنة بقدر ما هي رسالة وليس له الخيار في أن يرفض , فهي قدر مقدور عليه .
نظر إلى يمينه فراعه الحطام .. هز رأسه بأسى ( كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائه ببرود واحتقار .. لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماء بدعاء حار له .. ويصبر .. ويصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريب فيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل)
خطف معوله وهب واقفا وشرع في العمل مرة أخرى .. رفعه عاليا وهوى به عليه فطاشت ضربته في الهواء.. رفعه مرة أخرى وهوى .. تكرر الأمر مرة ثالثة .. ورابعة .. لا يعرف ماذا دهاه .. يشعر بحائل بينهما .. حائل غير مرئي ـ لا يعرف كنهه ـ يجعل ضرباته تطيش في الهواء .
كم من تماثيل صنعها بهواه وكم من أخرى فرضت عليه فرضا , ولم يفرق فيما بينها في المعاملة ..الصبر نفسه..الدعاء نفسه.. وكذلك المصير ، فعندما حان أوانها ما كان ليعيقه عائق .. دائما يحطمها .. ولو بعد حين .. لقد حطم من قبل ذا القبعة .. وذا الطربوش .. وحطم الكثيرين غيرهما .. دائما كانوا غرباء عنه باستثنائه هو وحده .. لم يكن غريبا عليه .. نفس سمرته ، وربما نفس ملامحه .. ما زال يذكر بدايته ..
كم كان صادقا .. وكم كان خفيض الصوت .. وكم كان مستمعا جيدا قبل أن يصيبه ما أصاب سابقيه .. لم يعد يسمع صوتا إلا صوته.. بل ويستطربه .. عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
إلى عينيه نظر في تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية ، لكنها طاشت .. سمع قهقهة عالية .. نظر إليه وجده يرمقه بسخرية واستهزاء .. كرر المحاولة مرة أخرى .. فشل .. سمع قهقهاته تدوي في الأرجاء .. زادته الضحكات عزما وتصميما ، وانهال بضرباته الطائشة يمينا ويسارا ، أعلى وأسفل .. ما زال ينظر إليه من عليائه بسخرية وتحد .. مازالت ضحكاته تدوي في أذنيه .. وهو على حاله في ضرباته الطائشة .. يتصبب منه العرق بغزارة .. يتعب فيستريح ليهب واقفا من جديد .. مكررا محاولاته وسط نظرات السخرية والضحكات المدوية .. لاشيء يثنيه عن عزمه .. فإنه محطمه محطمه .
https://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...ad.php?t=13300
الأديب حسام القاضي ، يعتمد على الرمزية المكثفة في قصصة بشكل لا يجعل القارئ يفقد التركيز أثناء عملية البحث الفكري ، وهو يتابع قراءة أحد نصوصه .
دوما يتحكم بالخيوط التي يستخدمها لنسيجه القصصي ، دون أن يفقد أحدها ، فنجد أن النسج القصصي عنده ، مشوق ، ذا هدف سامٍ ، وفي الوقت نفسه يمنحنا متعة القراءة .
لا أدري كيف طرق هذا النص تحديدا أبواب الذاكرة ، في لحظة كانت الصورة تتطابق مع الرمز فيه، لأعود إليه بعد زمن طال منذ أن قرأته ، مما يثبت أن نصوص الأديب حسام القاضي ، ترسخ صورها في الذاكرة ، لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياتنا الفعلية ، بخاصة إذا كان الرمز هو إسقاطات سياسية ، تعبر عن هم المواطن العربي أينما وجد .
حطام ..
أي حطام قصده أديبنا هنا ؟؟ ومن هو بطل القصة هنا ؟؟
تهدجت أنفاسه , وخارت قواه فألقى معوله وجلس يستريح وسط ما حوله من حطام .. لا يذكر منذ متى يقوم بهذه المهمة, وكم تمنى أن تكون الأخيرة .. ولكن لا مفر فعليه أن ينجز مهمته متى وجدت , وأينما وجدت .. دائما لا يتقاضى أتعابا على مهمته .. فلا أحد يستأجره .. فهي ليست مهنة بقدر ما هي رسالة وليس له الخيار في أن يرفض , فهي قدر مقدور عليه .مدخل القصة ، يصف لنا حال البطل الذي استنفدت قواه وسط حطام صنعه بنفسه .
لا يذكر منذ متى يقوم بهذه المهمة ، مما يدل على فترة زمنية طويلة ، فقد خلالها بعض التفاصيل والتواريخ ، والالتزام بهذه المهمة التي لا أجر عليها ولا هي مهنة ، بل هي رسالة عليه أن يؤديها لأنها قدر مكتوب عليه ..
نظر إلى يمينه فراعه الحطام ..
نظر إلي يمينه ، اليمين دون الشمال ، لأن اليد اليمنى أقوى ، وهي رمز للخير ، و رمز للنجاة ، واليمين .. أيضا قسم ..
هز رأسه بأسى ( كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائه ببرود واحتقارثم تأتينا هنا نقطة التنوير ، كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه ....
هذا الذي صنعه ليرفعه إلى مصاف الآلهة ، تحول بعد ذلك إلى نقمة عليه ، متكبرا متعجرفا ينظر إليه ببرود واحتقار . وهو يصبر ، ويدعو له ،، !!
يكمل أديبنا ..
لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماء بدعاء حار له .. ويصبر .. ويصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريب فيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل )تراه أي تمثال هذا ؟؟ لا زال الرمز مختفيا ، إلا أن بعض خيوط في النسيج أمسك بها القارئ .
خطف معوله وهب واقفا وشرع في العمل مرة أخرى .. رفعه عاليا وهوى به عليه فطاشت ضربته في الهواء.. رفعه مرة أخرى وهوى .. تكرر الأمر مرة أخرى .. وثالثة .. ورابعة .. لا يعرف ماذا دهاه .. يشعر بحائل بينهما .. حائل غير مرئي ـ لا يعرف كنهه ـ يجعل ضرباته تطيش في الهواء .
تشويق زائد في نسيج القصة ، تصوير آخر لحامل المعول ، الذي رغم كل ما أصابه من تعب ووصب ، لا زال مستمرا ..
إلا أن الأمر اختلف الآن فهنا محاولات تتكرر ، تبوء بالفشل ، وكأنه في قتال مع الريح ، لا تصيب ضربات معوله هذا التمثال .. ويستمر السرد ولا زال الرمز لم تكتمل حلقاته لنكتشفها ..
والآن نمسك بخيط آخر .. كم من تماثيل صنعها بهواه وكم من أخرى فرضت عليه فرضا , ولم يفرق يما بينها في المعاملة .. نفس الصبر .. نفس الدعاء .. ونفس المصير ، فعندما حان أوانها ما كان ليعيقه عائق .. دائما يحطمها .. ولو بعد حين .. لقد حطم من قبل ذا القبعة .. وذا الطربوش .. وحطم الكثيرين غيرهما .. دائما كانوا غرباء عنه باستثنائه هو وحده .. لم يكن غريبا عليه .. نفس سمرته ، وربما نفس ملامحه .. ما زال يذكر بدايته ..التشابه في الملامح بين حامل المعول ، وبين التمثال ، الذي لم يكن غريبا .. هنا بدأ الرمز يتضح أكثر .. ما زال يذكر بدايته .. مما يوضح أن عهده ليس بعيدا ، وأنه يعرفه ، فقد ميزه عن ذي القبعة وذي الطربوش ، اللذين قام بتحطيمهما ، وتحطيم غيرهما .. ويميز هذا الأخير بقربه منه ، ومعرفته به ، حتى التشابه بينهما باللون والملامح ..
كم كان صادقا .. وكم كان خفيض الصوت .. وكم كان مستمعا جيدا قبل أن يصيبه ما أصاب سابقيه .. لم يعد يسمع صوتا إلا صوته.. بل ويستطربه .. عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
مقارنة بين ما كان عليه ، وما صار إليه من تغير ، باستهجان لهذا التغير ، الصوت والنظرة ،
إلى عينيه نظر في تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية ، لكنها طاشت .. سمع قهقهة عالية .. نظر إليه وجده يرمقه بسخرية واستهزاء .. كرر المحاولة مرة أخرى .. فشل .. سمع قهقهاته تدوي في الأرجاء .. زادته الضحكات عزما وتصميما ، وانهال بضرباته الطائشة يمينا ويسارا ، أعلى وأسفل .. ما زال ينظر إليه من عليائه بسخرية وتحد .. مازالت ضحكاته تدوي في أذنيه .. وهو على حاله في ضرباته الطائشة .. يتصبب منه العرق بغزارة .. يتعب فيستريح ليهب واقفا من جديد .. مكررا محاولاته وسط نظرات السخرية والضحكات المدوية .. لاشيء يثنيه عن عزمه .. فإنه محطمه محطمه .أتت نقطة التنوير قوية لكنها ليست صريحة ، ليبقى الخيط الأخير بيد الكاتب لا القارئ ، مما يجعل للقصة تأثيرا خاصا على نفس القارئ .
إسقاط سياسي بحت ، صور لنا من خلال الرمز الحاكم الذي بات لا يستطيع أحد أن ينزعه عن العرش ، بعد أن كان هو ذاته يوما يحمل المعول ليصنع الحطام .
أساتذتي الأفاضل ..
هذه قراءة متواضعة لنص له قيمته الأدبية ، ولأديب قاص له أسلوبه القصصي المميز .
أتمنى أن أجد لديكم التوجيه إذا ما كنت أخطأت أو قصرت في قراءتي هذه ، فما أنا إلا تلميذة تتلقى العلم على أيديكم .
وفاء شوكت خضر
نادية بوغرارة
03-06-2010, 11:26 PM
المحك النفسي وعلاقته بالدائرة الزمنية في " نفس ما أرادوا"... للمبدع حسام القاضي_ رؤية تحليلية خاصة
بقلم : الأديبة الدكتورة نجلاء طمان
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=524608#post524608
.
المحك النفسي وعلاقته بالدائرة الزمنية في " نفس ما أرادوا"... للمبدع حسام القاضي_ رؤية تحليلية خاصة.
قد استفزتني هذه القصة منذ وقت طويل, وتأرجحتْ على الوتر الإنساني عندي بشكل كاد أن يقطعه, لدرجة لا أبالغ معها أنني كثيرًا ما حاولت تجنبها لشدة ما تثيره داخلي من غضب وألم, حتى غلبتُ انفعالي بعد حين وتناولتها بالتحليل.
القصة هنا
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13123
العمل كالدائرة له عدد لا محدود من النقاط التي يمكن أن يدخل منها الناقد إليه ليبحث عن نقطة التنوير فيه, وهنا كانت الاختلاجات النفسية لبطلة القص هي النقطة التي أصابتني بشرارة أدخلتني إلى قلب التنوير في العمل.
نفس ما أرادوا
العنوان جاء بأسلوب خبري لكنه مبهم استفز المتلقي وخلق عنده حالة تساؤلية, أخذت بتلابيبه إلى داخل العمل.
أحيانًا تكون المباشرة قاتلة وأحيانًا تكون كوة النور التي تضيء للمتلقي كهف العمل فيبدأ بالنظر. توجت المباشرة مدخل العمل والفاتحة التمهيدية له فجملته, وجاءت التضادية في الصفات وردود الأفعال لكلٍ من بطلي القص.. موضحة أو بالأحرى فاضحة لعالمين داخليين وآخرين خارجيين لكلٍ منهما, لتتنازع العوالم الأربعة مع الحدود الزمنية الفائتة والحالية للقص.
انصرف الجميع ولم يبق إلا هما وحدهما.. بكامل ملابسهما جلسا لتناول العشاء .. هو بنهم وسرعة ..هي ببطء وحياء .. كان ينظر إليها بين الحين والآخر نظرات تزيدها حياء وتزيده شراهة في التهام الطعام .. بحركة مباغتة أمسك بالدجاجة من فخذيها بكلتي يديه وجذبهما للخارج فانفصلا , وبدا في التهامها .. نظرت إليه مذعورة .. وضعت يدها على فيها .. وأسرعت إلى الحمام لتفرغ ما في جوفها ..
هنا المكان واحد والزمان واحد وهو الحاضر لكلٍ من بطلي القص. الفقرة تلقي بالضوء على عالم خارجي للزوج ممثلًا في الجانب الشره المنعكس من النظرات المعوجة والتهام الطعام بطريقة غير سوية, وأيضًا تنير شمعة في عالم داخلي مرتكز على شهوانية حيوانية انعكست على السرعة الزمنية التي تناول بها الزوج طعامه, وارتدت بأشعة قاتلة على عالم البطلة الداخلي عندما مزق فخذي الدجاجة بوحشية وبدأ في الالتهام. كان هذا الفعل الحيواني بمثابة الضربة التي كسرت قيد وحش حبيس داخل البطلة فبدأ أول تحرره لخارج البطلة والتي استجابت لذلك بالهروب والغثيان.
كانت هذه اللقطة -التي أبدع فيها القاص حد منتهى الذكاء- بحيث لا أبالغ عندما أقول أنها كانت عقدة الحبك وفنيته الأساسية والصارخة على الإطلاق. اللقطة جاءت ثلاثية الأبعاد من الحرفنة؛ أول بعد يتمثل في أن مرأى دجاجة تمزق – بغض الطرفِ عن طريقة تمزيقها- قد لا يعكس رد فعل البطلة الملفت بنفسه ولا بعينه عند غيرها, مما يعطي للقارئ ملمحًا بأن هذا السلوك قد ألقى داخل عالم البطلة المظلم ما وتر سطح اللاشعور عندها بعنف. ثاني بعد يتمثل في طريقة الوصف لأسلوب القاص والتي وضعتنا أمام شاشة مرئية للمشهد. ثالث بعد وهو الأروع على الإطلاق وهو تحديد مكان التمزيق في الدجاجة والفصل باليد لفخذيها من ثم الالتهام, في إشارة رائعة... رائعة لمسقط جسدي يحدد مكان الاغتصاب الحقيقي لدى البطلة.
عندما تأخرت أتاها صوته من الردهة ساخرا : ألن تأتي ؟ أم تمضين الليلة في الحمام .. لعلك لا تحتاجين طبيبا ..
رددت بشرود : طبيب .. طبيب
( نظر الطبيب إلى أمها قائلا
ــ لقد تحسنت كثيرا .
ــ الحمد لله أن جعل الشفاء على يديك يا دكتور .
ــ لم أقل أنها شُفيت . فقط قلت أنها تحسنت وحاذري أن تعرضيها إلى أحزان أو صدمات .
ــ لا أحزان بعد اليوم ،لم يعد هناك إلا الأفراح .
ــ أية أفراح ؟
ــ زفافها الذي تأجل من قبل بسبب ما حدث وكاد أن يلغى لولا أنه رجل بمعنى الكلمة.
ــ إياكِ أن تجازفي بهذا الآن .
ــ ليس الآن يا دكتور . بعد أسبوعين إن شاء الله .
ــ أسبوعان ؟! ليس قبل عام ، فهي غير متوازنة نفسيا، ولن يضمن
لك أحد ردود أفعالها في مثل هذه المواقف .
ــ الزواج أفضل حل لها . خاصة أنها شُفيت .
ــ قلت لك من قبل أنها لم تٌشف بعد، وأنا أدرى بحالتها .
ــ وأنا أمها وأنا أدرى بحالتها .
ــ لقد حذرتك وأرضيت ضميري . )
حصاة أخرى يلقيها الزوج بيدِ سخريته وبلادته في هذا اليوم الحساس للغاية والذي يستدعي من الزوج غاية الإكرام والعطف والحنو والاحتواء بالمرأة. هذه الحصاة أصابت بعنف حائط زمني قديم كان من الضعف- وهو ما نوه عنه طبيبها وحذر منه- بحيث بدأ في التشقق فورا مستدعيًا حوارات نفسية قديمة بين الأم والطبيب, وهذه الحوارات طالت وكان يمكن اختزالها بصورة أكبر , ومع ذلك فقلب الحبك لم يتأثر كثيرًا بتلك الإطالة!
وسط نحيبها ودموعها المنسابة سمعت صوته يتعجلها :
ــ ألم يحن الوقت بعد ؟ أم تريدين أن آتي أنا ؟
ــ لا أرجوك لا تأتي ، إني آتية لرفع المائدة.
ــ وهل هذا وقته ؟ دعيها فيما بعد .
ــ أحب أن يكون بيتي نظيفا ومرتبا ، ومنذ الليلة الأولى .
ــ إذن أسرعي .
دائمًا وخلال الخيط الحبكي في هذا العمل المؤثرات الصوتية والسلوكية للبطل هي لسعة السوط التي تحرك مشاعر البطلة بين الماضي والحاضر وهي في ذات الحين الوهم الذي يُمنطق الحالة اللاشعورية لديها ويعيد تشكيلها بردود فعل شعورية انتكاسية عنيفة. فصوته المتعجل الفج المأهول بعدم الحنان و المنسكب في لهجة ساخرة هو ما غمس مشاعر البطلة في وحل الماضي وهو نفسه ما أعادها إلى حالة في الحاضر أشد وحلًا.
بدأت برفع أطباقه ..لم تجد من دجاجته إلا أشلاء .. مادت بها الأرض .. كادت أن تسقط .. تمالكت نفسها وأسرعت بأطباقه إلى المطبخ .. عادت لرفع أطباقها .. في طبق الحساء كانت هناك ذبابة تقاوم الغرق .. ضاق صدرها وانساب رغما عنها على وجنتيها خيطان من الدموع .. أسرعت إلى المطبخ وهي تتأمل الذبابة الغارقة بأسى ..
النقطة الحبكية الثانية البديعة والتي أفرزها الكاتب ببراعة ممثلًا إياها في بقايا الدجاجة التي أضاف إليها لفظية وصفية للبدن وهي " أشلاء" كدلالة ومغزى, ثم في الذبابة التي تقاوم الغرق. أما عن الأولى فهي توليفة دلالية وانعكاس عن حالة زمنية فائتة أُفرزت داخل الحالة اللاشعورية للبطلة وزجت بها في بعد زمني مسبق وحالة واقعية مأساوية تعرضت لها قبلًا. وأما عن الثانية فهي رؤية تأويلية وتخيلية لحالة زمنية مستقبلية ؛ استجلبها خيال حاضر البطلة المُستفز بقسوة من ماهية الزوج الحيوانية , ومعبرًا عن نهاية مستقبلية رسمها نفس الخيال لصاحبته نفسها في تكميلية لذاك التخيل. فما تبقى من أشلاء الدجاجة هو في الحقيقة إسقاط في خيالها لما تبقى من أشلاءها قديمًا, ومصير الذبابة الغارقة هو في ذات الحين ذات المصير القادم في تكملة لحال غرق البطلة الحتمي في لاوعيها.
( لم يقل لها يوما كلمة حب واحدة ، كان ينظر إليها نظرات ملؤها الاشتهاء .. كانت بالنسبة له شيئا جميلا لا روح له ولا عقل ولا منطق .. ضاعت فترة الخطوبة بينهما في شد وجذب على شيء واحد يريده منها .. وتأباه هي .. والشرع .. والتقاليد ..
سألته ذات يوم ماذا أكون بالنسبة لك ؟ أجابها شيء شهي .. دجاجة مشوية .. سمكة مقلية .. عندما أخبرت أمها ضحكت قائلة : هكذا هم الرجال يا ابنتي . )
ما زال القاص يمارس لعبته المتقنة في الدوران في دائرة الزمن بين الماضي والحاضر, لا بقصد المباغتة ولكن بقصد التنوير, كي يلعب هذه المرة على الوتر التخيلي والتعاطفي للمتلقي.
كانت دجاجتها ترقد في الطبق كما هي لم تمس .. حملتها وربتت عليها بحنان ..
في هذا السطر الحنون طرفٌ ثالث خفي غاب عن ذهن المتلقي في خوض إبحاره في بحر القص النفسي المتواتر فتناسى دجاجتها هي التي لم تمس.. وهنا إخراج آخر مبدع للقاص وهو يفرغ ما في نفسية البطلة في لحظة قصيرة خاطفة لكنها حبلى بالحنان لتلك الدجاجة وهي تربت عليها بحنو, وهو إسقاط آخر لخيال البطلة المجني عليه عن حالتها هي. هي في خيالها تربت على نفسها الجديدة المتولدة في حالة غير طبيعية من التناقضات المتولدة والمخزونة في اللاوعي عندها, فتعدها- بل تعد نفسها– بأنها الآن.. والآن فقط في مأمن.
أتاها صوته هذه المرة مناديا نافد الصبر وهي ترفع الأدوات .. ارتبكت .. فاصطدمت يدها بسكين .. جحظت عيناها .. ارتدت للخلف .. وجلست ..
( وضعوها على رقبتها .. كانت حادة لامعة .. شل لسانها .. بعد جهد يسير اقتادوها )
وضع يديه على كتفيها .. هبت مفزوعة .. تعالت ضحكاته وهو يدفعها دفعا للحجرة .. بعد مقاومة يائسة منها دخلت .. ويدها خلف ظهرها .
( لم تعرف عددهم على وجه التحديد حينما تكالبوا عليها وكبلوها .. كان في نظراتهم بريق غريب مخيف .. انقسموا إلى فريقين .. واحد للنصف الأيمن والآخر للأيسر .. وجذبوا .. تأوهت وصرخت .. تبادلوا أماكنهم واحدا بعد الآخر .. تعالى صراخها وسط ضحكاتهم الماجنة .. تركوها ممزقة ….. والنفس و…. )
اقترب منها فارتدت للخلف .. ضحك وتقدم مرة أخرى وهو ينظر إليها .. نظرت في عينيه .. صرخت .. في عينيه نفس النظرة .. إنه يريد نفس ما أرادوا .. نفس ما أرادوا ..
رجعت للخلف .. اصطدمت بالجدار .. جحظت عيناها وهي تصرخ :
ــ ابتعدوا عني .
ــ ماذا ؟ ابتعدوا ؟ إني زوجك .
ــ قلت ابتعدوا لن تفعلوها مرتين يا أوغاد .
ــ أوغاد ؟ تعالي يا مجنونة .
هم باحتضانها عنوة .. دفعته بيسراها بينما ظهرت يمناها من
وراء ظهرها ممسكة بسكين ..ألجمت المفاجأة لسانه لحظات ثم انفجر ضاحكا :
ــ لن تستطيعين إخافتي فالليلة ليلتي . أعطني السكين .
هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة .
مرة أخرى يأتي المؤثر الصوتي للزوج- وهو باعث الإفاقة-النفسي للبطلة ومؤرجحها على حبل عوالمها الزمنية الثلاثة ؛ الحاضر والماضي والمستقبل, ليخرجها من حالة مستقبلية ويقذف بها في حالة حاضر من ثم فورًا في حالة ماضي وفي سردية تامة لكنها وحشية الوقع لما أوضحت من وحشية سلوكية- تعجبتُ لها لما نوه عنه كلام الأم مع الطبيب عن معرفة الزوج بحالة الاغتصاب السابقة. إذن الكاتب يسير بنا عبر الزمن في حالة من الالتحام بين الماضي والحاضر انعكس في التشابهية والتماثلية السلوكية لكلٍ من حاملي خنجر الاغتصاب في الماضي – المغتصبون, وحامله في الحاضر – الزوج, فينفجر بذلكَ بركان ثورة كبتها في عنف مكتسحًا الماضي بالحاضر , فتختلط الرؤيا لدى البطلة تحت خضم هذا التواتر الرهيب فتقوم برد فعل طبيعي موازيًا وهو الدفاع عن نفسها ممن اغتصبوها في الماضي مسقطة دفاعها واقعيًا في شخص من يحاول اغتصابها في الحاضر- باسم الزواج- بطعناتٍ لها عدد ليس صدفة وإنما محسوب في عقلها بعدد مَن اغتصبوها, كل طعنة تمثل مغتصبًا, ولا تتوقف الطعنات إلا بانتهاء العدد.
لا يمكن أن ندعي أن القاص باغتنا بالنهاية فقد كانت متوقعة في خضم معاناة البطلة ومنوه عنها من القاص في تعبيراته الوصفية السردية والخبرية والتي عرت في عنف ماهية وكينونة الحالات النفسية وتقاطعها مع الأبعاد الزمنية لدى البطلة, ووصفت في ذات الوقت وفي تقريرية مؤثرة وحشية شريعة الغاب التي اتخذها أشباه البشر في تعاملاتهم وسلوكياتهم مع تلك المرأة؛ سواءً في الماضي بمخالب ذئاب البشر, أو في الحاضر بمخالب بهائم البشر.
في النهاية الكاتب يعبر عن حالة إنسانية بمكونات خارجية ظاهرية وداخلية خفية مستخدما براعة تنقلية عبر مستويات الزمن الثلاثة بالتقاطع مع محور هام من المكانية الواقعية ليدخلنا في دوامة دائرة قطرها ملمح ذاتي إنساني يبثه الكاتب في شكل نصح وتحذير, ونصف قطرها ملمح إنساني للحالة الرقيقة الهشة المتمثلة في المرأة والتي تعرضت للتهشيم الظالم, ليعطينا في النهاية مساحة للدائرة هي الإبداع, ومحيطًا لها هو غاية تعاطف المتلقي مع القضية.
.....
أنا- مع غضبي الشديد- لا يمكنني بحال أن أسقط نفسي في بركة التعميم فأسقط تلك الحالة البهائمية على كل الرجال فمنهم الكثير ممن يحملون الرحمة والخوف من الله نبراسين في قلوبهم, لكنني أخص بالتحقير الشديد هؤلاء الذين باعوا إنسانيتهم لشيطان شهواتهم وأهواءهم, وأقول لهم اعلموا أن الله أعطاك ثقة وأمانة القوامة, أي الحماية والحراسة لهذا المخلوق الحساس, فلا تظن – يا من أنت منهم- أن القوامة أفضلية تميزك عنها فتشطط, لتضعها بيد شططكَ في درجة دنيا, لكن افهم – هداك الله- أن الكنز الثمين فقط هو من يُحرس ويُحمى.
وفي السياق أسوق لكَ حديثين فقط من أحاديثٍ كثر عن معلم البشرية الأحمد صلوات ربي عليه وتسليماته :
الأول عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في"1.
الثاني: عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو [لغو] وسهو ولعب إلا أربع [خصال]: ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشيه بين الغرضين2 وتعليم الرجل السباحة"3.
*الجامع الميسر لمؤلفات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
ـــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ ـ
1 -أخرجه مسلم 1/168 – 169 وأحمد 6/62 وغيرهما.
2 -تثنية "غرض" وهو الهدف.
3 -أخرجه النسائي في عشرة النساء ق 74/2,
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
الشكر لا يفيكَ حق لفت الأنظار إلى هذه القضية – أخي الأستاذ حسام القاضي- بهذا التعاطف الإنساني النبيل, والعذر أسوقه في أنني أحببت – لكن يقيدني انشغالي الشديد- لو أخرجت آلاف الصفحات في تحليلي لهذه الحالة الهشة هشاشية أوراق الخريف والرقيقة رقة النسيم,حسبها وحسبنا الله. وأعقب أخيرًا لكَ- يا من أنت على شطط- أو لغيرك, وأرضي ضميري, وأشهد الله أنني نصحتكَ يومًا:
اعلم يرحمكَ الله- أنكَ على شفا حفرةٍ من النار, وإنه آتٍ يومٌ لا قبل لأحد بوصفه؛ يوم الفزع الأكبر الذي فيه يدعو حتى الرسل والأنبياء أنفسهم : يارب سلم.. سلم ..!
فسَّلم بناتِ خلق الله... يُسلمكَ الله !!!
د. نجلاء طمان
نادية بوغرارة
03-06-2010, 11:29 PM
وأنا أيضًا أقدم هنا دراسة لأحد أعماله أرجو أن تحوز على إعجابكم المكرم
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=524608#post524608
غاية تقديري
========
سعداء برؤية توقيعك أختنا نجلاء .
شوقنا لحرفك كبيرٌ كبير .
د. مصطفى عراقي
04-06-2010, 05:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ موضوعنا الأول ، والحلقة الأولى لتناول أديب وقاص من الواحة ، ممن تأثروا بها وأثروا فيها ، وممن تعلمنا منهم فكانوا نجوماً في سماء الواحة .
الحلقة الأولى مميزة ، مع أديب مميز ، وأستاذ كبير ، وقاص مبدع .
كيف لا ، ونحن هنا ، سنقضي شهراً كاملاً في ضيافة ابن مصر الأنيق ،
[font=traditional arabic]مرحباً بكم وعلى بركة الله
أخي الفاضل الأديب المبدع الأستاذ :أحمد عيسى
أحييك يا أخي على براعة الاستهلال باختيار أخينا الحبيب أديبنا القدير : الأستاذ حسام القاضي الذي لم أر مثله حبا وإخلاصا ووفاء لأدبه ، وعمله ، وإخوانه ، وأصدقائه
وما أجمل ما عبر عنه أديبنا الراقي الأستاذ سلطان الحريري حين كتب بمداد الصدق:
رسالة إخوانية[size="5"]إليك أنت وحدك أيها النقي
أطلق خطاي هذه المرة، فربما أجمّع حلما في كياني قد تكسّر على أعتاب انتظار نقاء كنقائك...ربما نرحل معا عبر الأماني القادمات، وصوت أمواج الخليج تفتش عنّا ، وعن دليل يحفر في جدران الذاكرة قصة رجل كبير بخلقه وأدبه ونقائه ،تذوب حروفه خلف قصص يرسمها بريشة فنان... عشت معها حين يدعوني داعي التذوق والسمو (بدون لون، و الحصار،و الحطام ، و لكنه حي ، وعملية جراحية ،و مرايا ،و نفس ما أرادوا ...)..
نعم إنه هو الذي يهز كياني بلباقته، وحنوّه، وسمو مشاعره، ويبقى شهيق البحر في رئتي، وأرتدي الواقع الجميل، بعد أن حالت بيني وبينه صرخات عالم مبحوح ومسترخ ومتثائب...
كنت أخيط حبي له من وراء صمته الطويل ، فهو صامت معظم الوقت ، وبعد أن كنت أحترق في لظى انتظار القادم، أيقنت أن الصمت ربما يكون بردا وسلاما إذا ألقينا أعباءنا في أتونه، فقد اختنقت المسامع بزفير عالم مأفون ...
هو رجل يدمن النزف كتابة، وتحط على عتبات عينيه أطياف من عالم لا يحد... إذا أمعنت النظر في ملامحه تقرأ سورة الإخلاص، وإذا ما حدقت في صمته تراه يغتال النجوم، وتتسلق روحُه إلى مزارات تهزّ عرش الشفافية..
يبدو لي أننا نتقاسم الحرف، ونسافر في فضاءات عالم واحد ؛ لننهي أسطورة الاغتراب، ولتبدأ بيننا قيامات هطول الجمال، فهو مبلل بالأحلام ، ومعطر برائحة زمن جميل تكتشفه في ملامحه...
كنت أشعر معه أننا نضيع في تضاريس الأسئلة المستحيلة؛ بحثا عن عالم يجمعنا ، وأراه مثلي يحاصره حياء الرجال ... نعم لا تستغربوا فالحياء ميعاد القلوب الطاهرة حين تتقاسم مواسم ربيع قادم...
يبدو لي – يا صاحبي – أننا من مواليد لقاء... نعم من مواليد لقاء جمعنا، حين سال الكلام من أضلعنا... من عيون حالمة بعالم آخر يحاول إتلاف ذاكرة الزمن الحزين...
كنت لا أومن بالمقولة التي تتداولها الألسنة ( لكل امرئ من اسمه نصيب ) ؛ لأنها لا تنطبق علي ّ، ولكنني وجدت في اسمك ما يعيدني إلى جادة الصواب ، فأنت (السيف) الذي يرعى ( العدالة ) .. و الأجمل أن يجتمع السيف مع العدالة بصمت المخلصين !!!
حين تلفظنا المسارب – يا صاحبي- يسطو المساء على مدننا ، وتدق نواقيس الغربة في عالمنا، وحين نشعر بأن أقلامنا صديقة أحلامنا بجانبنا يعود الدفء ليستقر في صفحاتنا البيضاء، ونتوغل في مرافئ الجمال، لنتجاوز الطقوس السقيمة، وينسلخ الربيع عن قشرة الحزن، ونرشف الأمل من كأس القلوب الطاهرة...
أما لقاءاتنا على شاطئ الخليج فإننا نخلو بها إلى أنفسنا ، ونحلم أن نصطاد فيها فرحة قادمة من عالم البحار، ويمر بنا شريط دافئ الألوان، ونغرق في لحظات تغادر فيها نفوسنا مرافئ الأحزان شوقا إلى كلمة نطوق بها أعناق نصوصنا، فربما يقرأ نصوصنا ذات يوم طفل يحفر بيديه الناعمتين طريقه نحو عالم بريء لا تحكمه قوانين عالمنا هذا !!!
عندها نشعر أننا قدمنا شيئا يستحق المحاولة...
يبدو لي – يا صاحبي – أنني لا أريد التوقف، ولكن لابد أن أنهي هذه الكليمات فقد دقت ساعة الرحيل، وجمع النادل فناجين قهوتنا، وصوت قادم من بعيد يستدعيني !!!
إليك وحدك أيها النقي أتوجه بالتحية ..
لأنك تستحق
فهل أكون قد وفيت؟؟
كن بخير أيها النقي
يا حسام القاضي
أخوك الذي يحبك ويقدرك
سلطان الحريري
فجزاك الله يا أخي الفاضل عنا وعن الأدب خير الجزاء بهذا الاختيار الراقي مساحة خضراء ظليلة في قلب أديبنا الحبيب الأستاذ : حسام القاضي
ودمت بكل الخير والسعادة والودّ
أحمد عيسى
04-06-2010, 10:29 AM
الشكر لكل من مروا هنا ، وبادروا بالترحاب بأديبنا الكبير : حسام
الشكر للأخت د. نجلاء طمان ، و الأخ الأستاذ : د. مصطفى عراقي والأخت : وفاء شوكت خضر
ولكل الأخوة الذين مروا وتركوا بصمتهم .
نتابع معكم اجابات الأستاذ : حسام القاضي ، وتحليلاتكم النقدية الرائعة لقصصه وأسلوبه ..
جهزت أنا أيضاً دراسة سأضعها لكم قريباً عن أسلوب القاضي ..
ودي لكم
كريمة سعيد
04-06-2010, 03:04 PM
شكرا لكل من مر من هنا وترك بصمته وأفادنا وأخص بالذكر الأديبات الراقيات وفاء شوكت وربيحة الرفاعي نادية بوغرارة د نجلاء الطمان والأديب الكبير د مصطفى عراقي ....
بعد التجول بين ردودكم الثرية هنا رسمت لي عناوين القاص حسام القاضي التي نثرتموها هنا شخصيته الأدبية المنخرطة في قضايا محيطه واهتماماته بطريقة تفرض التقدير والاحترام....
لقد وجدته يختار عناوين قصصه بذكاء وهو يرصد دينامية الحياة العامة و يتعامل معها مثل طبيب ماهر..لذلك تعلق صورته بالذاكرة وهو يرخي "ربطة عنق " ذلك " الرجل الذي فقد أنفه" عندما كان يتطلع إلى فسحة أمل لمقاومة " الحصار" في وضع مزر " بدون لون" يحاول إنعاشه ومده بالأوكسيجين بشتى الوسائل حتى لو استدعى الأمر أن يجري له "عملية جراحية" بمبضع قلمه الجميل ويرتب الفوائد والعيوب ويفرقها على "حقيبة متربة وجورب أبيض" ويقيس ضغطها وضغط الشارع العربي الذي تعكسه " مرايا" عقله الواعي في صورة " الحطام" الذي يسعى إلى إعادة بنائه فيجد نبضه ضعيفا جدا وخافتا "ولكنه حي" فيحاول إنعاش ذاكرته بـ"ـبيتزا" ساخنة ليستطيع محاكاة الواقع وليبدع له صورا إيجابية تقود خطواته الممكنة نحو الخلاص وبذلك يصل إلى قلوب قارئيه بـ"ــنفس ما أرادوا" وأراد ...
وفاء شوكت خضر
04-06-2010, 08:39 PM
شكرا لكل من مر من هنا وترك بصمته وأفادنا وأخص بالذكر الأديبات الراقيات وفاء شوكت وربيحة الرفاعي نادية بوغرارة د نجلاء الطمان والأديب الكبير د مصطفى عراقي ....
بعد التجول بين ردودكم الثرية هنا رسمت لي عناوين القاص حسام القاضي التي نثرتموها هنا شخصيته الأدبية المنخرطة في قضايا محيطه واهتماماته بطريقة تفرض التقدير والاحترام....
لقد وجدته يختار عناوين قصصه بذكاء وهو يرصد دينامية الحياة العامة و يتعامل معها مثل طبيب ماهر..لذلك تعلق صورته بالذاكرة وهو يرخي "ربطة عنق " ذلك " الرجل الذي فقد أنفه" عندما كان يتطلع إلى فسحة أمل لمقاومة " الحصار" في وضع مزر " بدون لون" يحاول إنعاشه ومده بالأوكسيجين بشتى الوسائل حتى لو استدعى الأمر أن يجري له "عملية جراحية" بمبضع قلمه الجميل ويرتب الفوائد والعيوب ويفرقها على "حقيبة متربة وجورب أبيض" ويقيس ضغطها وضغط الشارع العربي الذي تعكسه " مرايا" عقله الواعي في صورة " الحطام" الذي يسعى إلى إعادة بنائه فيجد نبضه ضعيفا جدا وخافتا "ولكنه حي" فيحاول إنعاش ذاكرته بـ"ـبيتزا" ساخنة ليستطيع محاكاة الواقع وليبدع له صورا إيجابية تقود خطواته الممكنة نحو الخلاص وبذلك يصل إلى قلوب قارئيه بـ"ــنفس ما أرادوا" وأراد ...
والله قد أبدعت واختصرت كل ما قيل ..
حسام القاضي
04-06-2010, 09:44 PM
اتوجه بشكري العميق لكل من اهتم بالموضوع هنا
أختي الأديبة الكبيرة / وفاء خضر لإشارتها الكريمة لدراستها القيمة عن عملي المتواضع
أختي الأديبة والناقدة الرائعة / د. نجلاء طمان التي فاجأتني بدراسة أكثر من رائعة
أخي وأستاذي / د. مصطفى عراقي الذي أدين له بالكثير
الأديبة الراقية / كريمة سعيد للفتتها الجميلة المكثفة
شكر خاص لأختين كريمتين توليان الموضوع فائق اهتمامها
الأديبة الكبيرة / نادية بو غرارة
الأديبة والناقدة القديرة / ربيحة الرفاعي
تحية خاصة للجميل الأديب / أحمدعيسى
ممتن لكم جميعاً
وقدرني الله على رد جميلكم
ممدوح سالم
04-06-2010, 10:30 PM
ما أجملها فكرة!
يمكن أن تكون محاور النقاش كالآتي:
*بدء الإبداع :الخطوات الأولى عند الكاتب
*منهجه القصصي:الرؤية والمعالجة للحدث
*أدوات القاص(الكاتب نموذجا)
*تناول أهم الأعمال :تحليلا نقديا
دام إبداعكم متألقا
ممدوح
أحمد عيسى
04-06-2010, 11:29 PM
شكرا أخي ممدوح سالم على اقتراحك الجميل
وبالفعل بدأ الأستاذ : حسام بالتحدث عن البدايات ، واجابة الأسئلة
وكذا أغلب المحاور التي ذكرتها وردت في ردود الأخوة ودراساتهم التي نشرت والتي لم ينشر بعضها بعد .
تحية خاصة للأديب الأستاذ : حسام
وكان الله في عونه في كميات الأسئلة التي طرحت عليه ..
ربيحة الرفاعي
05-06-2010, 12:06 AM
نسخة من دراسة للدكتور مصطفى عراقي في أدب القاص القاضي عبر قصة عملية جراحية
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=20143
تأملات نقدية
في قصة عملية جراحية
للقاص القدير حسام القاضي
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13391
أولا: القصة:
عملية جراحية
عقم يديه وارتدى القفاز واستعد لجراحة لا بد أن يجريها هو .. لا أحد غيره .تناول المبضع ونظر إلى الوجه الذي أمامه .. عليه أن يبدأ من أعلى الجبهة .. عند منبت الشعر .. جرى بالمبضع في حركة سريعة .. أحدث شقا في الجلد .. تململ الرأس الذي أمامه.. رأى آهة .. اندفع الدم بغزارة فأسرع يعالج اندفاعه ( عجبا كيف تململ الرأس على الرغم من كمية المخدر الموضعي التي رشها كما حددها الطب ) ..
عندا زار الطبيب وجلس في غرفة الكشف , لم يكن الطبيب موجودا .. أدهشه خلو المكان من سرير الكشف .. أوغل في دهشته عندما رأى كم اللوحات المعلقة على الجدار هنا وهناك .. فيها ما فاق الحد من الحكم والمواعظ ..عندما أتى الطبيب حياه وجلس إلى مكتبه .. و ..
وتوقف تدفق الدم .. قام برش كمية جديدة من المخدر وأكمل شق الجلد بعرض الجبهة .. لم يبال هذه المرة بالدم المتدفق .. انحرف بالمبضع نحو الأذن اليسرى .. تململ الرأس ثانية وانطلقت آهة .. توقف ونظر رغما عنه للوجه المتألم أمامه ..
ظهرت علامات الألم على وجهه على الرغم من هدوئه عندما سمع قصته ثم تشاغل عنه قليلا بالعبث في أحد مجلداته .. كان ضخما ذا غلاف سميك كالح لونه .. كان كتابا لأفلاطون ! .. ترك الكتاب واتجه إليه بصره وبادره قائلا :
ــ قليل من يحبك .
ــ وهل الذنب ذنبي ؟
ــ الذنب ليس ذنبك ولكنه ..
ــ ذنب من إذن ؟ إذا كانت المصائب تنهال على رأسي بسبب وبلا سبب و..
ــ هدئ من روعك .. ما أردت قوله .. أن حالتك نادرة لم تعد تحد ث من آلاف السنين .
ــ إذن ما يقوله الناس صحيح .
ــ وماذا يقولون ؟
ــ يقولون أن جلدي لا يخفي شيئا تحته .
ــ هذا ما أراه ولعلك تراه أيضا , ولكن منذ متى وهذه الحالة عندك ؟
ــ عندما كنت طفلا كان البعض صفني بأني ناصع البياض .. حتى أن عروقي كانت تكاد تظهر من تحت جلدي وكنت أسر بلا شك لنصاعة بياضي .. ولكن معظم الأطفال كانوا كذلك, لذا لم يكن ذلك يقلقني .. ولكن ..
ــ ولكن عندما كبرت تغيرت الأمور أليس كذلك ؟
ــ بلى كنت كلما تقدمت في السن تزداد شفافية جلدي . أقصد جلد وجهي , وتزداد معها مشاكلي وكُره الناس لي .. حتى أنني لم يعد لدى أصدقاء .
ــ وهل هذا يحزنك ؟
ــ بالطبع يحزنني .. ولكن هذا ليس كل شئ فقد تأقلمت على أن أعيش وحيدا منذ زمن .
ــ ما المشكلة إذن ؟
ــ المشكلة أنني أصبحت مهددا في مصدر رزقي .. فما من مكان عملت به إلا وحدثت لي مشاكل زملائي ومديري .. وخصوصا المدير .. فهو أيا كان ما أن ينظر في وجهي مرة وأخرى حتى يصر على نقلي إلى مكان آخر .
ــ إلى هذا الحد ؟
ــ لا .. بل حاول البعض فصلي نهائيا لولا لطف الله .
ــ …………..
ــ عفوا دكتور .. أراك تتصفح كتابا لأرسطو .. وآخر لسارتر .. هذا بدلا من حل مشكلتي .
ــ لا تتعجل يا بنى سأوقع الكشف عليك فورا .. ارجع برأسك للخلف ..
شعر بألم رهيب عندما ضغط الطبيب بإبهاميه على جانبي جبهته .. و.. انفجرت آهة..
سقط المبضع منه ..تركه وأسرع يعالج الدم المندفع عند شحمة الأذن , وما زال الألم مسيطرا على الوجه أمامه .. تجاهله هذه المرة وأسرع بالمبضع إلى أسفل نحو العنق .. ( المبضع يتحرك هنا بصعوبة فالجلد سميك ) ..
ــ وهكذا .. بمرور الوقت أصبح الجلد الرقيق سميكا .
ــ لا أفهم .
ــ اسمع يا بنى .. سأشرح لك حالتك بالتفصيل , كما قلت لك من قبل إنها حالة نادرة جدا لم تعد تحدث منذ سنوات بعيدة .. الإنسان يولد وبجلده خلايا ملونة تستر ما تحته .. أما أنت فقد ولدت بدون هذه الخلايا .. هذا الأمر كان علاجه بسيطا قبل مرحلة المراهقة .. أما الآن فالأمر يستدعي جراحة .
ــ جراحة ؟
ــ نعم جراحة يستأصل فيها الجزء الشفاف من الجلد فتبقى تحته طبقة قابلة لأن تكون معتمة تستر ما تحتها بمجرد تعرضها للهواء .. ولكن ..
ــ لكن ؟
ــ لكنها غير مأمونة العواقب .
ــ كيف ؟
ــ نسبة النجاح فيها نادرة .. قليلون من عاشوا بعدها .
ــ فلماذا إجراؤها إذن ؟
ــ لأنها الحل الوحيد لك .. إن كنت تريد حلا .
ــ ليكن .. فلنجرها .. فلم يعد لدى فارق بين الحياة والموت .. لكن كم تكلفني هذه الجراحة ؟ ومتى ستجريها لي ؟
ــ لن يجريها أحد لك .. لا أحد يستطيع تحمل العاقبة .
ــ ولكني سأوقع التعهد المعروف .
ــ عاقبتها أكبر من أي تعهد . .
استبدل المبضع بآخر أكثر طولا وشرع يخلص الجلد عند الوجنتين .. ازداد الألم .. طفرت من العين دمعات .. زاد جرعة المخدر .. أصبح لا يرى بشكل واضح .. منطقة الأنف صعبة للغاية .. الدماء تغطي الوجه بالكامل ( جراحة لا يجريها إلا خبير بالنفس ) .. قاتل الله الفلسفة .
ــ ليست فلسفة .. هذه الجراحة مختلفة بالفعل عن أي جراحة .
ــ هذا هو الجنون بعينه .
ــ أحيانا يكون الجنون هو عين العقل .
لم يبق إلا منطقة العينين .. تحرك من بعيد حولها .. ( إنها مستحيلة ) رش جرعة جديدة من المخدر .. واستخلص الجزء الباقي وانتزعه .. نظر إليه بأسى لحظات ثم ألقاه في السلة و.. وابتسم فلم يستطع الابتسام .. نظر إلى المرآة .. لم يجد شفتيه .. ولا وجنتيه .. لم يلق بالا .. انطلق خارجا ويداه بجيبي سرواله .. وصفير يتردد داخله .. للحن مفقود .
[b]
=======================
[color="navy"]
ثانيا: التأملات:
تدور قصة "عملية جراحية" كما يصرح العنوان حول عملية جراحية
ومن هنا حرص القاصّ ببراعة على أن نعيش معه هذه العملية بكل تفاصيلها ومراحلها، بدأ من مرحلة الاستعداد ، التي عبر عنها في افتتاح القصة:
"عقم يديه وارتدى القفاز واستعد لجراحة لا بد أن يجريها هو .. لا أحد غيره ".
ولكننا نكتشف من هذا المفتتح القصصي أن الطبيب ليس مجرد طبيب عادي ، بل لا بد أن ثمة صلة ما بينه وبين الطرف الآخر(المريض) تجعله مترددا مرتبكا ، كما أوحى قوله: "لا بد أن يجريها هو .. لا أحد غيره". وكأنه (الطبيب) سوف يقوم بهذه العملية مضطرا.
وتأمل معي كيف أن القاص هنا لم يلجأ إلى تهويل العملية عبر جمل انفعالية صارخة ، من قبيل:
يا لها من عملية خطيرة تلك العملية التي سيجريها!
لقد أدرك قاصُّنا المبدع أنه في غنى عن هذه الأساليب المباشرة فلجأ إلى تلميحٍ فني ذكي من خلال هذه الجملة الهادئة التي هيأتنا إلى استقبال هذه العملية الخاصة،
".تناول المبضع ونظر إلى الوجه الذي أمامه .. عليه أن يبدأ من أعلى الجبهة .."
وهكذا تأتي الإشارة إلى المريض الذي لم يعد بالنسبة إلى الطبيب سوى مجرد وجه أمامه.
ولكن أي طبيبٍ هذا الذي ما يزال يستذكر ما يجب عليه وكأنه طالب يستعد لامتحان؟!
إن هذه الجملة تمدنا باحتمالين:
الأول : أن يكون هذا الطبيب مبتدئا غير محترف، أو يكون في العملية أو الوجه الذي أمامه ما يسبب الارتباك وغياب البديهيات حتى صار كتلميذ غير واثقٍ يردد على نفسه الخطوات الأولية.
عند منبت الشعر .. جرى بالمبضع في حركة سريعة .. أحدث شقا في الجلد .. تململ الرأس الذي أمامه.. رأى آهة .. اندفع الدم بغزارة فأسرع يعالج اندفاعه ( عجبا كيف تململ الرأس على الرغم من كمية المخدر الموضعي التي رشها كما حددها الطب)
هكذا (كما حددها الطب) بما يوحي بانفصال بين الطبيب ومهنته بين المعلومات النظرية والممارسة العملية. أو لعله الفارق بين المفروض والواقع أو ربما أنه لا يعرف من الطب سوى القشور!
وتامل معي أيضا أنه في هذه اللحظة يصرح على لسان الطبيب بالتعجب . ثم في هذه اللحظة بعد أن اطمأن أننا صرنا مشدودين إلى متابعة هذه العملية الخاصة من جهة، والعجيبة من جهة أخرى يتركنا على سبيل الارتداد(الفلاش باك) إلى زمنِ ما قبل العملية:
"عندما زار الطبيب وجلس في غرفة الكشف , لم يكن الطبيب موجودا .. أدهشه خلو المكان من سرير الكشف .. أوغل في دهشته عندما رأى كم اللوحات المعلقة على الجدار هنا وهناك .. فيها ما فاق الحد من الحكم والمواعظ .. عندما أتى الطبيب حياه وجلس إلى مكتبه .. و ..".
إنه ليس طبيبا عاديا إذن كما توقعنا منذ البداية عبر بعض الإشارات ،
وها هو الطرف الثاني(المريض) غير العادي أيضا يكتشف ذلك من خلال الدهشة ، وكأنه يتساءل معنا :
أطبيب هذا أم حكيم؟
ولعل في هذا اتصالا وثيقا بالتراث العربي حيث كان الطبيب يسمى حكيما والطب يسمى بالحكمة، ومع ذلك شعر المريض بالدهشة لأن هذه الصلة لم تعد حاضرةً كما في السابق.
وبعد ذكر تفاصيل استقبال الطبيب للمريض يتم قطعها للانتقال مرة أخرى إلى العملية:
وتوقف تدفق الدم .. قام برش كمية جديدة من المخدر وأكمل شقَّ الجلد بعرض الجبهة .. لم يبال هذه المرة بالدم المتدفق .. انحرف بالمبضع نحو الأذن اليسرى .. تململ الرأس ثانية وانطلقت آهة .. توقف ونظر رغما عنه للوجه المتألم أمامه". ..
عند هذه اللحظة التي يتألم فيها وجه المريض أثناء العملية يتم الانتقال إلى ألم آخر إنه ألم الطبيب أثناء الاستقبال:
"ظهرت علامات الألم على وجهه على الرغم من هدوئه عندما سمع قصته".
بما يدل على تمكن القاص في تقنية القطع والربط في الوقت ذاته، القطع بين المشاهد مع العناية بالربط الشعوري بينها.
ثم تنتقل القصة من مستوى السرد بعد أن أدى دوره في التمهيد للأحداث ووصف العملية إلى مستوى الحوار اللقصصي الدرامي المكثف الذي يلجأ إليه قاصنا المبدع حسام بصفته أداةً قصصية بارعة ينجح من خلالها في الكشف والغوص في أعماق بطليِ القصة كليهما :
- قليل من يحبك .
- وهل الذنب ذنبي ؟
- الذنب ليس ذنبك ولكنه ..
- ذنب من إذن ؟ إذا كانت المصائب تنهال على رأسي بسبب وبلا سبب و..
- هدئ من روعك .. ما أردت قوله .. أن حالتك نادرة لم تعد تحد ث من آلاف السنين .
- إذن ما يقوله الناس صحيح .
- وماذا يقولون ؟
- يقولون أن جلدي لا يخفي شيئا تحت.
نكتشف أن الكشف أيضا غير عادي حيث يبدأ الطبيب بالسؤال عما يتعلق بالحب وقلته والسبب وراءه، ثم نكتشف أن وراء العملية الجراحية حالة نادرة تكمن في شفافية الجلد الذي لا يخفي شيئا.
ولكنها ليست حالة نادرة لجميع المراحل وإنما بعد سن البلوغ وإلا "" فمعظم الأطفال كانوا كذلك"
ولذلك لم تحدث المعاناة من المحافظة على شفافية الطفولة إلا :
" كلما تقدم في السن فتتزداد معها مشاكله وكُره الناس لي وما يسبب هذا من حزن وأسى، بل وتهديد في العمل
. كما يؤكد الحوار غرابة الطبيب من جهة أخرى كما عبر المريض قائلا:
- عفوا دكتور .. أراك تتصفح كتابا لأرسطو .. وآخر لسارتر .. هذا بدلا من حل مشكلتي .
(لاحظ هنا التدرج بين أرسطو الذي يشير إلى قضية النفس وهو صاحب المقولة الشهيرة(اعرف نفسك) من جهة وسارتر صاحب الفلسفة الوجودية من جهة اخرى وكأنه يريد أن يقول إن المشكلة هنا ليست طبية جراحية كما تبدو ، بل هي نفسية وجودية!
ونتابع الحوار أثناء الكشف فنسمع الطبيب يقول:
ــ لا تتعجل يا بنى سأوقع الكشف عليك فورا .. ارجع برأسك للخلف"
وبينما يرجع المريض رأسه للخلف في أثناء الكشف نراه نحن (بفضل براعة القطع والمزج) يرجعها أثناء العملية:
..
"شعر بألم رهيب عندما ضغط الطبيب بإبهاميه على جانبي جبهته .. و.. انفجرت آهة..
سقط المبضع منه ..تركه وأسرع يعالج الدم المندفع عند شحمة الأذن , وما زال الألم مسيطرا على الوجه أمامه .. تجاهله هذه المرة وأسرع بالمبضع إلى أسفل نحو العنق .. ( المبضع يتحرك هنا بصعوبة فالجلد سميك "
وفي الحوار نقف أمام قول الطبيب للمريض عن العملية:
- لن يجريها أحد لك .
فمن الذي يجري العملية إذن في المشاهد المعروضة أمامنا ؟!
الآن ندرك لماذا كان القائم بالعملية غير محترف ؟
فهل هو المريض نفسه قام بدور الطبيب حين أحجم الطبيب؟
ثم لنا كذلك أن نكتشف أن الطبيب هنا ليس سوى طبيب نفسي وليس جراحا . بل إن العملية كلها رغم ظاهرها المادي من مخدر ومبضع وتفق للدم وألم ، لم تكن سوى جراحة نفسية ، كما نلمح في قوله:
:" جراحة لا يجريها إلا خبير بالنفس"
وقد أجراها المريض لنفسه أمام مرآة!
ومن ذكاء سرد التفاصيل هنا لإحداث التأثير بمعايشة العملية (رغم رمزيتها) وكأنها عملية حقيقية أن تجيء منطقة العين في النهاية لمدى حساسيتها على المستوى الواقعي، ولكونها أكثر أعضاء الإنسان بوحا وكشفا على المستوى الرمزي.
وفي هذا توازن بديع في التعبير عن المستووين.
"لم يبق إلا منطقة العينين .. تحرك من بعيد حولها .. ( إنها مستحيلة ) رش جرعة جديدة من المخدر .. واستخلص الجزء الباقي وانتزعه .. نظر إليه بأسى لحظات ثم ألقاه في السلة و.. وابتسم فلم يستطع الابتسام .. نظر إلى المرآة .. لم يجد شفتيه .. ولا وجنتيه .. لم يلق بالا .. انطلق خارجا ويداه بجيبي سرواله .. وصفير يتردد داخله .. للحن مفقود ."
وفي النهاية نفهم أن العملية قد نجحت، ولكننا نفاجأ بأن الطبيب والمريض كليهما وجهان لشخص واحد أحد هذين الوجهين يبدو في المرآة والآخر شاخصٌ أمامها
وأنه لم يشعر بفرحة النجاح أو الشفاء من المرض النادر، ولا حتى بالابتسام؛ لأن العملية لم تكن للفرحة ولا الابتسام بل لمجرد أن يكون مثل الجميع ، فهل الجميع لدى كاتبنا بلا وجوه، وهل جميعهم يغطون وجوههم بأقنعة ويبدلون جلودهم بحسب تبدل المواقف ؟
مهما يكن من نجاح للعملية الجراحية فقد كانت الخسارة لبطلنا أفدح ؛ لأنه وإن كان قد كسب جلدا خارجيا سميكا يخفي ما بداخله ، خسرَ في المقابل لحنه الداخلي الخاصّ .
ويا لها من خسارة!
أديبنا المبدع:
أرجو أن تتقبل أسمى التحية لهذه القصة البارعة التي جسدت قضية معاناة شعور الإنسان الصادق بغربته في مجتمع استمرأ الزيف، ولم يكتف بذلك بل يحاول فرضه على الجميع.
ولكنك عبرت عن هذه المعاني من خلال قصة رمزية وواقعية في آن.
وقد بلغت حدا قصيًّا من الإتقان والجودة بفضل موهبة قصصية فائقة ، ثم سيطرة على الأدوات الفنية باقتدارٍ وسلاسة ، فجاءت القصة حيّةً تلمسُ قلب القارئ بصدق الشعور ، وتدعوه إلى مزيدٍ من التأمل بجمال التعبير، وروعة التصوير.ودمت وأسرة الواحة بكل الخير والسعادة والإبداع
أخوك: مصطفى
أظننا بدراسة كهذه نتعلم كيفية قراءة القصة على يد علم كبير بحجم الدكتور مصطفى عراقي
ربيحة الرفاعي
05-06-2010, 12:14 AM
وهذه قراءة أخرى للدكتور عراقي من نفس الرابط
أخي الحبيب وقاصنا المبدع الأستاذ حسام
اسمح لي أن أضم إلى هذه القراءة قراءة أخرى في مراياك الصادقة:
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي
مــرايــا
تسلل الشيب إلى فوديه وهو على حاله يبحث وسط الحطام .. تقلب يداه بين الأنقاض تـفـتش عن شئ ما.. الدماء تغطيهما ولكن لا ألم .. لم يعد للألم وجود عنده منذ زمن.. مستمر هو في بحثه اللانهائي كلما استخرج قطعة رفعها وتأملها ثم سرعان ما يلقيها ليبحث عن أخرى 0
لم تكن تلك بدايته حين أدرك الأمر لأول مرة وإن كان لا يعرف متى كانت المرة الأولى على وجه التحديد .. كل ما يذكره أنه فجأة لم يعد يرى نفسه رغم أن الكل يراه .. كان يهم بحلاقة لحيته عندما شعر بضبابية المرآة .. لم يبال أرجع الأمر إلى ندى البكور وزفير التنفس .. أتم حلاقته معتمدا على حفظه لتضاريس وجهه ونسى الأمر . بعدها و في حانوت الحلاق كانت صدمته .. لم يشأ أن يلحظ ذهوله فأومأ برأسه موافقا على جودة الحلاقة وأسرع بالخروج .. أراد أن يتيقن من الأمر فتمهل أمام واجهات المحلات الزجاجية ينظر ويدقق حتى تأكد من حقيقة الأمر .. هل وهن بصره إلى هذا الحد ؟ ولكن إذا كان كذلك فكيف يرى أشياء كثيرة وبوضوح .. شئ واحد لا يراه لكنه أهم من أي شئ سواه .. و
اصطدمت يداه بشيء أملس فرفعه .. كان كرة من البللور .. ابتسم رغما عنه ونظر فيها فرأى خيالات كثيرة غير واضحة .. سمع صيحة فرح فالتفت خلفه .. عجبا لم يكن وحده كان حوله الكثيرون ممن كتب عليهم نفس المصير .. رأى أحدهم ممسكا بقطعة صغيرة ينظر فيها سعيدا وعلى الرغم من صغرها إلا أنه احتضنها باقتناع ومضى .. واصل ومن معه البحث وكل منهم في واد .. لا شئ مشترك بينهم إلا ومضات العيون ..
عند طبيب العيون كانت المفاجأة .. عيناه في خير حال .. زادت حيرته .. طفق يدور في كل الاتجاهات .. نصحه البعض بأن يجرب الأماكن الفخمة وما كانت تلك المشورة تعوزه فقد كان حلمه دائما أن يرى نفسه في تلك المكانة .. لم يترك مكانا إلا وارتاده .. طاف بكل ما هو ممكن بل وبغير الممكن .. كلت قدماه بحثا وراء أي مكان يمكن أن يرى به نفسه .. جرب كل المرايا الفخمة بلا جدوى .. قرر أن يجرب أي مرآة .. لم تفلح كل مرايا المدن الكبرى .. اتجه للضواحي ثم للقرى .. وأخيرا للخلاء .. سعى خلف الأنقاض والحطام لم يكن أمامه بديل .. المهم أن يرى نفسه . . ولو لمرة واحدة 0
=======
هكذا يا قاصنا المبدع حسام القاضي تنجح في اكتشاف لحظة الأزمة تعتري بطلك (ونحن معه) ، وهي غالبا ما تكون أزمة عميقة ذات أبعادٍ نفسية ورمزية ووجودية تقتنصها اقتناصا ثم تكسوها بعباراتٍ تنبض بالحياة فتبدو لنا في صورة واقعية .
فتتجلى الفكرة الخيالية المغرقة في الخيال في أسلوبٍ درامي شديد الواقعية .عبر أحداث يومية حقيقية فتكون أوقع أثرا، أشد تأثيرا .
على أن القصة لا تسير في بنائها الدرامي وفق تسلسل الأحداث في الزمن الحقيقي فالقصة تبدأ بمشهد البحث عن الحل ، بل هي تبدأ قبل ذلك قبل أن يتسلل الشيب إلى رأس صاحبنا ، وذلك بعرض المشهد لنطالع البطل في مرحلة أخيرة من مراحل سابقة ، بأسلوب هادئ متدرج كما يستوحى من الاستهلال الفعل "تسلل" الذي صبغ القصة كلها بظلاله الموحية ،.
ثم تنتقل القصة ببراعة إلى عرض مشاهد الأزمة حتى نصطدم بالمأساة حين:"اصطدمت يداه بشيء أملس فرفعه ".
حين يكتشف ضبابية الرؤية بضبابية المرآة، بما يذكرنا بمقولة سارتر الشهيرة:"الجحيم ليس به مرآة".
ولكن في سياقٍ درامي خاص بكاتبنا المبدع تنسجم مع رؤيته في قصة"عملية جراحية". التي تتعلق بالوجه أيضا ولكنها هنا هذا المرة ليس في تغيير الوجه ليصير مثل الآخرين ، ولكن فيما يتصل بمستوى الرؤية : رؤية الذات التي تغيب في الزحام ، وتغيم في الظلام
ولهذا كانت المشكلة هذه المرة أشد تعقيدا فلم يجد العلاج عند الطبيب الذي لجأ إليه "طبيب العيون" إشارة إن المشكلة لا تقف عند حدود الرؤية البصرية ، بل تتعداها إلى مستوياتٍ أخر أعلى وأبعد.
ورغم مشاركة الآخرين له في الأزمة وفي ومضات العيون ، نرى أنهم لا يشتركون في البحث عن الحل بل كلٌّ راح يبحث عن حل فردي
" رأى أحدهم ممسكا بقطعة صغيرة ينظر فيها سعيدا وعلى الرغم من صغرها إلا أنه احتضنها باقتناع ومضى .. واصل ومن معه البحث وكل منهم في واد ".
وهكذا تتشتت جهودهم الصغيرة (رغم قناعة بعضهم) وتضيع سدى بلا جدوى
وكذلك صاحبنا نراه يجتهد في رحلة البحث عن الحل في الواجهات والأماكن الفخمة فلما لم تُجد لجأ إلى رحلة أخرى بدءا من المدن إلى ضواحيها ثم إلى القرى وصولا إلى الخلاء بما يمثل من نهاية على مستوى الحقيقة ، اما على مستوى المجاز فلجأ إلى المكانة على مستوى ، والممكن الواقع ، وغير الممكن ، في تلاعبٍ موفق من الكاتب المتمكن بين هذه الكلمات ، لإحداث مفارقة لغوية ودرامية معا، ولكن صاحبنا يتوه في هذه المستويات المعنوية والمادية والاجتماعية المختلفة . فلا يبقى أمامه إلا السعي في سبيل البحث عن الأمل:"سعى خلف الأنقاض والحطام لم يكن أمامه بديل .. المهم أن يرى نفسه . . ولو لمرة واحدة "0
وتأمل معي ما في الفعل سعى من رغبة صادقة وإيجابية ، إنه ليس هروبا ساذجا إلى الركون إلى أمل لا يجيء بل إن الأسلوب هنا يشعرنا بوجود الأمل حتى وإن كان هذا الأمل مخبوءا خلف الأنقاض والحطام !
فتنتهي القصة بمثل ما ابتدأت به في دورةٍ محكمة بدأت بالشعور بالألم وانتهت بدنو الأمل .
كاتبنا القدير:
تقبل أسمى آيات الشكر لهذه المساحة الأدبية الإنسانية لنتأمل فيها معك وجوهنا وذواتنا ، قبل أن تغيم الرؤية ويهجم علينا الضباب.
ودمت بكل الخير والسعادة والألق
حسام القاضي
05-06-2010, 01:03 AM
=======
بل ضيف عزيز و كريم ،
أما الإطالة فلا شك أنها محببة إلى قلوبنا ، فلا تبخل علينا بكل ما يجود به يراعك ،
و ما يشفي غليل انبهارنا بقلمك ، و توقنا للنهل من مدرستك .
نحجز هنا مقعدا في انتظار عودتك .
لك جزيل الشكر أختي الكريمة
ردك المشجع هذا ازال ترددي وخوفي من المضي قدماً في هذا الاتجاه
كرم كبير منك ما قلت في حقي
أتابع بشوق حديثك أخي حسام وحبذا لو استفضت أكثر وأمتعتنا بالتفاصيل .
لن أحرجك بطلب نشر قصتك الأولى ... ولكن القصة التي كانت تصلح رواية ، ألم تفكر في إعادة صياغتها ثانية ؟
ربما كانت قسوة الأستاذ سلبية من ناحية توقفك عن الكتابة لفترة طويلة ، ولكنك كما قلت قرأت الكثير من الكتب النقدية في القصة ، فهل تعتبر أن ذلك الموقف كان حافزا غير مباشر لك ، وما هي نصيحتك للمبتدئين بالقصة في مثل هذه المواقف ؟
سعادة كبيرة متابعتك لي أخي وأستاذي د. مازن
أما عن القصة الأولى فللأسف ليست معي الآن بل هي في مصر وانا الآن في الكويت ، و لو انها معي الآن لوضعتها فوراً في مدرسة الواحة لنناقشها معاً فأستفيد مما بها من سلبيات ولعل غيري يستفيد كذلك ، وانا لا اخجل من بداياتي طالما أضعها في مكانها الصحيح.
أما عن القصة الطويلة فلم أفكر في اعادة صياغتها كرواية وذلك لسببين أولهما أن طريقة تفكيري في بعض الأمور قد تغيرت وبالتالي لم يعد المضمون يتفق مع أولوياتي ،وثانيهما أنني أحب الاختصار والاختزال ، وكلما حاولت كتابة رواية أجد نفسي احاول فيها ولكن بروح القصة القصيرة ، والرواية تحتاج إلى نفس طويل .. نفس روائي ، وهذا ما لم اجده لدى حتى الآن.
نعم كانت قسوة الأستاذ سلبية في أول الأمر وربما كان توقفي بعض الوقت بسبب ذلك ، ولكني راجعت نفسي فيما بعد ووجدت انه على حق في رأيه وإن اختلفت معه حول أسلوبه ؛فقد أيقنت بصحة رأيه بعد ما قرات من مؤلفات حول القصة وابداعها ونقدها ،ولكن يبقى النص دائماً هو المعلم الأول.
ولعله كان حافزاً غير مباشر ولكن بعد رحلة تيه وجدتني خلالها في دروب الشعر أقرأ وأتمعن وأحاول حتى أصبح لي محاولات أطلقت عليها قصائد بها سمات شعرية ولكنها يالتأكيد مضطربة الوزن فقد كنت أعتمد على أذني فقط ، والعجيب أن الطابع القصصي كان غالباً عليها ؛فكل قصيدة (مجازاً) تحمل في طياتها قصة ؛ وقتها عرفت ألا مفر لي من القصة.
الان أقول أنني مدين لهذا الأستاذ بالكثير فقد تعلمت أن على المبدع أن يحترم إبداعه فلا يعرضه للأخرين إلا بعد مراجعات عديدة ، وان الموهبة وحدها لا تكفي ؛إذ يجب أن تصقل بالكثير من القراءات كي يستكمل المبدع أدواته.
أما عن نصيحتي للمبتدئين (إن جاز لمثلي أن ينصح) وانا معهم فهي
لن أقول القراءة فالمفروض انها المحرض الأول على الكتابة
أكتب كما تشاء ولكن لا تتعجل النشر (سواء في النت او المطبوعات) فقط اترك عملك حتى تذهب عنك الشحنة الانفعالية التي تكتب تحت تأثيرها ، وبعدها اقرأ عملك بعين أخرى لن أقول محايدة بل معادية حاول أن تجد لكل كلمة ـ وضعتها في نصك ـ وظيفة فإن لم تجد لها وظيفة فلا جدوى من وجودها، واطرح على نفسك الكثير من الأسئلة حول جدوى ومنطقية ما كتبت ..هل البداية جيدة هل الفكرة مقبولة هل وهل..
قد نقرأ مؤلفات تخصصية في فن ما ولكن تذكر دائماً ان النص الجيد هو المعلم الأول ؛فعن طريقه يمكن ان نتشرب الفن الحقيقي .
ولكن هناك نصيحة أهم للنقاد او القائمين على النصح
وهي
أن ننظر أولاً ودائماً للنصف المملوء من الكوب .
الطنطاوي الحسيني
05-06-2010, 06:07 PM
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
اخي احمد عيسى الفاضل نشكرك لهذا البدء الرائع الجميل
و نشكر كل من مر هنا جميعا ومتابعون
وهل وقت الآسئلة مازال مفتوح
تقديري لكم ايها الآحبة الآفاضل
أحمد عيسى
05-06-2010, 08:37 PM
نعم أخي الطنطاوي :
سنكون في ضيافة أستاذنا : حسام القاضي مدة شهر كامل
والمجال مفتوح لطرح الأسئلة طالما لم يكتف هو ويعلمنا بذلك وأنا أثق بسعة صدره وصبره .
والمجال أيضاً مفتوح لتناول أعمال الكاتب بالطريقة النقدية التي تراها .
نتابع مع أستاذ حسام ردوده المشوقة .
مازن لبابيدي
06-06-2010, 02:50 PM
أجدد ترحيبي بأديبنا المتميز القاص المبدع حسام القاضي وأستأذنكم جميعا في طرح مقاربة متواضعة تعبر عن رؤيتي الخاصة – وغير المتخصصة - في أعمال أديبنا الكبير وأسلوبه وفكره .
وكتوطئة لذلك فأعترف أن جميع قراءاتي لأدب الأستاذ حسام القاضي هي فقط من خلال إعماله المنشورة في رابطة الواحة الثقافية ، وتحديدا في قسم القصة والأقصوصة ، إضافة لمشاركاته العديدة التي أتابعها وأبحث عنها في المواضيع الآخرى والتي تشكل الجانب النقدي من أدب كاتبنا القدير وضرورتها واضحة في استكمال الصورة العامة حول غزارة علمه ووضوح النهج الفكري ورؤيته في الأسلوب القصصي .
هذا المدخل لكتابات الأستاذ حسام القاضي ومشاركاته يفتح كذلك أمام المتأمل نافذة لشخصيته وأدبه في الحوار وتواضعه في التعليم والتوجيه ، ما يفسر انتشار القبول والمحبة له بين الأعضاء جميعا ، فتجده يخالف بأدب ويوجه ويعلم بأسلوب أخوي لطيف محبب ، ويشير أو يلمح لما يراه بذكاء واحترام دون أن يجهل أو يرفض الآخر ناهيك عن أن يقدح فيه أو يعيبه ، كل ذلك مضافا إلى المنهجية والحرفية يجعله ناقدا يقترب من المثالية ، وإن كان مقلا في ذلك ولعل هذا يرجع لانشغاله وضيق وقته ولرغبتنا في الاستزادة من آرائه وتحليلاته .
بعد ذلك أنتقل إلى الحديث والمقاربة بتلقائية غير مرتبة – ولا أسميها نقدا – لكوني لست ناقدا بل أنا تلميذ هاو يتحدث عن انطباعته في أدب أستاذه وفكره وأسلوبه ، وهذه حقيقة وليست مجاملة ، فالأستاذ حسام القاضي أحد الذين استقيت منهم وتأثرت بهم في أدب القصة خاصة القصيرة ، واستفدت من كتاباته ومشاركاته في عناصر القصة ومصطلحاتها ومصطلحات النقد والتحليل والمدخل إليه .
أسلوب الكتابة عند حسام القاضي يتميز بعدة صفات تتضافر فيما بينها ، فهو أسلوب بسيط المفردات مع كونها منتقاة ببراعة وجيدة التوظيف في السياق ويبتعد عن االتعقيد في التراكيب اللغوية وهذا يساعد القارئ على الانغماس بالقصة والاستمتاع بها دون الإخلال باللغة . كما يتصف أسلوبه بالتشويق والتصعيد الهادئ للأحداث ما يشد القارئ للقصة دون أن يشعر بالقلق أو الإثارة المبالغة التي لا تتناسب مع الحدث ، ووصولاً إلى الخاتمة .
ولعل مما أستدرك على كاتبنا في أسلوبه استخدامه للألفاظ العامية في بعض المواضع ، وهي وإن كانت تتماشى مع النص والموقف إلا أنها تعتبر نقطة سلبية بالنسبة للقارئ غير المصري .
كذلك أتمنى على أديبنا الكبير مزيدا من الاعتناء بالتشكيل ، ليسهل خاصة على المبتدئين قراءة النصوص بسلاسة أكبر .
مع أنه يتقن بحرفية كبيرة كل عناصر القصة القصيرة فلو أردت أن أختار أكثر ما يميزها عند حسام القاضي لقلت : الرمزية .
في كل قصصه التي قرأتها تقريبا كان الرمز بارزا بقوة وغالبا ما يكون محور القصة ،وأنظر كمثال على قوة الرمز قصة "عملية جراحية" والتي رافقها كذلك غموض في التفاصيل نسجت كلها بحبكة ممتازة ، وكذلك في "الحصار" الذي يأخذك في عالم أقرب إلى الأحلام وتتبدى فيه براعته في الحبكة مع قمة الإمتاع .
عندما أصف فكر حسام القاضي وأغراض الكتابة عنده ربما من المناسب أن أختصرها في ثلاثة عناوين كبيرة :
المبدئية ... والثبات ..... و((التصميم)) .
البطل عنده صاحب مبدأ وموقف في أغلب الأحيان ، وهو ثابت عليه لا يتزعزع ، ومصمم على بلوغ غايته غير عابئ بالضغوط الممارسة عليه أو الجذب المتعرض له . وأرى من وجهة نظري الخاصة أن هذه هي الرسالة التي يريد حسام القاضي أن يوصلها للقارئ أو يوصل القارئ إليها في أعماله ، بصورها المتنوعة ومواقفها المتباينة .
أعود ثانية لأسلوب القصة عند حسام القاضي بشيء من التفصيل في بنية القصة كما أراها :
العنوان ، مشوق بشدة وهو بداية الإبداع عنده ، ويصعب أن تقاوم قراءة قصة له عندما تقرأ عنوانها ... "41 بدون لون " .... " لكنه حي " .... " الحصار " ، فهو عنوان مرتبط بقوة بالقصة ، لا يكشف لحظة التنوير فيها ، ومشوق بنفس الوقت .
أما المدخل ، فسرعان ما يزج بك في أحداث القصة وحبتكتها دون أن تملك أي مقاومة له ولا تكاد تميزه عن وسط القصة وحدثها الأساس ليقودك إلى حبكة بارعة غير معقدة في معظم الأحوال ، وقد تجد فيها شيئا من الغموض المقصود .
في الحوار تتجلى مهارة الأستاذ حسام القاضي بشكل كبير كذلك .. "41 بدون لون" ... "ربطة عنق" ... ، وهو حوار ممتع يتفاوت في أسلوبه بين قصة وأخرى .
أما الخاتمة عند كاتبنا الفذ فتتميز بتركيزها على العبرة والمعنى والفكرة مع المحافظة على عنصري المفاجئة والإدهاش دون أن يكونا الهدف الأساسي لها .
كشف الغموض جاء مبكرا أحيانا في قصة حسام القاضي قبل لحظة التنوير لكنه كان ضروريا لتفاعل الحدث وتطوره " 41 بدون لون "
أخيرا في قراءتي المتواضعة لأدب الأستاذ حسام القاضي فإني أجد في قصته الرائعة " لكنه حي " خير مثال يظهر بوضوح مقدرته في الكتابة وفكره الجلي وتتضح فيها جميع عناصر القصة القصيرة عنده متناغمة بشكل رائع .
د. سمير العمري
07-06-2010, 01:52 AM
يسرني أن أرحب بالأخ الأديب الكبير حسام القاضي في بيته وعرينه وأتمنى له التوفيق في هذا الكم الكبير وهذا التوافد المغدق الذي يعبر عن مدى تقدير الجميع له ولخلقه وأدبه الكريم.
ولكي يكون حضوري ذا قيمة تفيد الجميع خصوصا أدباء القص أوجه هذه الأسئلة للأديب الكبير واثقا بأنه سيجيب بما يثري ويفيد من خلال تجربته الإبداعية الواسعة.
ما هي مستويات الحالة الإبداعية في مجال الفن القصصي؟؟ وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟
كيف يرى القاص حسام القاضي العلاقة الناشئة بين القص والنص؟؟ وكيف يمكن تأصيل هذه العلاقة لتشكيل الحالة الإبداعية؟؟
أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟
أكرر ترحيبي ودعواتي بالتوفيق.
تحياتي
أحمد عيسى
07-06-2010, 03:24 PM
جماليات الماضي في أسلوب القاضي
إذا أردنا الحديث عن القصة القصيرة ، كفن فرض نفسه بقوة ، وأصبح له مئات بل آلاف الكتاب في كل مكان ، بين هاوٍ أو مستسهل بظنه للنثر بعيداً عن ميزان الشعر وقافيته ، أو مبدع حقيقي يعرف كيف يكتب القصة فان الحديث يدفعنا إلى تقنيات الكتابة ، والتميز في الطرح ، والجودة في الأداء ، والإصابة في المضمون .
وإذا أردنا أن نتحدث عن الأديب المصري الكبير : حسام القاضي ، ككاتب للقصة القصيرة ، وأنموذج لكتاب القصة الواعين المخلصين لأمانة الكلمة ، فإننا نقف أمام جملة من أعماله مبهورين لجودة الأسلوب وروعة الطرح عبر خصائص اختص بها وميزت ما يكتب بأدوات أجاد وأحسن في استخدامها :
1- العنوان :
" من عناصر القصة القصيرة، العنوان. ويمثل العنوان عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الدلالة في القصة، وجزءاً من أجزاء إستراتيجية أي نص أدبي. وتتنوع العناوين، من حيث وظيفتها في القصة، فثمة عناوين تحيل إلى مضمون القصة، أو تُسْتَمَدّ من مغزاها، وعناوين لها طبيعة إيحائية، وعناوين لها وظيفة تناصية، وعناوين لها طبيعة استعارية، وعناوين يؤتى بها لتشوش الأفكار. وهذه الوظيفة الأخيرة للعنوان هي التي أرادها (امبرتو ايكو). ومن أمثلة هذا العنوان مثلاً عنوان قصة قصيرة جداً لعدنان كنفاني نصه: (مصير العظماء)، ورد في مجموعة "بروق" (1)
"ومهما يكن الشأن، فإن القصة القصيرة العادية يحسن بها أن تجمع حسن العرض إلى نمو الحدث إلى المشهدية المسرحية، كما يتوخى من كاتبها أن يحكم بنائه ويحذق حبكته، ويختار مفرداته دونما ترخص في الفصحى ودونما إغراق في التقعر، مراعياً اللغة الوسطى، وذلك لأن تضحيته بما سبق، أو انحرافه إلى لغة شاعرية مفعمة بالتأنق والزخرف والصنعة، يجعله بعيداً عن السمت المقصود، وقريباً من فنون أخرى، قد لا تحتمل القصة أعباءها. ولا بد أخيراً من التكثيف والتركيز اللذين يجعلان من القصة القصيرة لقطة سينمائية أو قطعة من نسيج أو ومضة من ضوء، تكتنز المعنى والمتعة معاً." (2)
أهم ما يميز القص في أسلوب القاضي بدايةً العنوان ، الذي يأتي ملفتاً يعبر عن القصة لكنه لا يفضحها ، يجذب الأنظار مثيراً يختصر القصة كلها دون أن يشي بما فيها .
" ولكنه حي " جاء العنوان هنا بنفس الجملة القصيرة التي انتهى بها ذات النص " ولكنه حي "
اختصر جواب تساؤلات هذه الأم التي تموت وهي تلد طفلها الذي جاء نتيجة اغتصاب قاس وتعذيب مضنٍ من سجاني الحرية ومغتصبي حقوق الإنسان ، جاء الطفل نازفاً متوجعاً كحال أمه ، يبحث له عن أب لا يعرفه ، وهوية ربما لم يدركها ، بينما ينشغل الشيوخ بكل شيء إلا هو ، إلا هم الأمة النازف ، الذي اغتصب واستبيحت محارمه ، ولم يكن هناك معتصم ، ولم تصل الصيحة إلى أحد ، لأن آذانهم مغلقة ، وان سمعوا ، فإنهم لن يحركوا ساكناً ..
لكنه حي .. سيأتي للدنيا رغم كل شيء ، مشوهاً أو مريضاً ، لكنه سيكبر ، وربما يتعلم كل شيء ، ويعرف أن الفضيلة أمه ، وأن مغتصبي أمه فعلوا كل شيء فما انتصروا ، لأنه رغم كل شيء .. بقي حياً ..
وهكذا ، نجد العنوان ملفتاً أكثر في " نفس ما أرادوا "
حين يبرز القاص التشابه بين اغتصاب بالإكراه يحدث لبطلته ، يستنكره المجتمع والناس ويمنعه القانون والدين ، وبين اغتصاب بإرادة الأهل والمجتمع وتأييد القانون ، حين تتزوج الفتاة من رجل قاس لا تحبه ، يريد الحصول على كل شيء بنفس العنف الذي واجهته سابقاً ، بنفس الوسيلة ولنفس الغاية .. الحصول على جسدها دون أي اعتبار لمشاعرها .
ثم يتكرر ذات الإبداع في العنوان في " حقيبة متربة وجورب أبيض " و " بيتزا " و " ربطة عنق "
2 - البداية :
"من عناصر القصة القصيرة البداية والنهاية. ومن زمن بعيد رأى (ادغار آلان بو) الذي وصف بأنه أبو القصة القصيرة، أن البداية الناجحة هي التي تحدد نجاح القصة أو إخفاقها. وكذلك كان (يحيى حقي)، وهو من هو في فن القص، يرى أن القصة الجيدة هي ذات مقدمة جيدة محذوفة، لأن هذا الحذف يدفع بالقارئ إلى الإحساس بأنه إزاء عمل حي وجو فني متكامل (انظر مقدمة عنتر وجولييت، لحقي ص 4). بيد أن هذا الحكم إنْ صحَّ على بعض القصص، فقد لا يصح على قصص أخرى، ذلك لأن للقصة مستلزمات أخرى لا بد من توافرها لتنجح وتمتع وتعني." (3)
ومن خلال قراءتنا لأعمال القاضي نجد أنه تميز بالبداية القوية المدهشة في نصوصه ،
أنظر البداية في بيتزا :" تمنعه الحمى من القفز من فراشه لدى سماعه النبأ ، حاول الوقوف على قدميه سقط محدثا دويا "(4)
فمن هذا الرجل ، وأي أمر ذاك الذي يجعله يحاول القفز حين يسمعه .. ؟
تلك أسئلة تبدأ بها القصة بما يميز الأسلوب الذي يشد القارئ منذ أول وهلة .
وهكذا نجد البداية المدهشة ذاتها ، في " ربطة عنق :
"آسف جدا لن تستطيع الدخول .
لم ؟ معي تذكرتي و …." (5)
ثم البداية المدهشة في " مرايا "
"تسلل الشيب إلى فوديه وهو على حاله يبحث وسط الحطام"(6)
وهذه وحدها استوقفتني وشدتني منذ الجملة الأولى ، التساؤلات التي تجعل القصة القصيرة مدهشة إلى أبعد مدى .. أي حطام ذاك الذي يبحث فيه حتى يتسلل الشيب إلى فوديه ..كم بقي هناك ؟ عشر سنين ، أكثر ... ربما
3. القفلة / المفارقة:
من أساسيات ما تعلمناه في فن القصة القصيرة أن تكون القفلة مدهشة ، أن تحمل المفارقة ، أن تكون صادمة لكي تكون مبدعة ويبقى لها الأثر الطويل .
لكن المفارقة تبدو من خلال ملامح النص ، وليس شرطاً أن نعتمد الأسلوب الذي يجعل القصة تسير كلها في اتجاه ما ليختلف الأمر كله في آخر جملة ، ربما مثل أسلوب جريفث للإنقاذ في آخر لحظة .. آخر ثانية .
" أما النهاية، ففيها يكمن التنوير النهائي للقصة، وهي اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، أو السلوك، أو المعنى. وفيها المفاجأة التي قد تثير السخرية أو الابتسام أو الارتياح أو حتى القلق والتساؤل ... "
" وتعددت أشكال النهايات في القصة القصيرة، وأمكن للنقاد أن يروا فيها ستة أنواع من النهايات، هي: النهاية الواضحة، وفيها تحل المشكلة دون تعقيدات تذكر. والنهاية الإشكالية، وفيها تبقى المشكلة دون حل. والنهاية المعضلة، وفيها يمكن أن يكون الحل من خلال مشاركة القارئ في التوقع، دون أن يكون هذا الحل هو الحل المثالي الوحيد. والنهاية الواعدة، وفيها يتم التنويه بمخارج كثيرة دون ذكرها صراحة. والنهاية المقلوبة، وفيها يتخذ البطل موقفاً مناقضاً لما كان عليه في البداية، فإذا كان يكره شخصاً في البداية، ينتهي به الأمر إلى أن يحبه في النهاية. والنهاية المفاجئة، وفيها يفاجئ السارد القارئ بحل غير متوقع-(أنظر القصة القصيرة- النظرية والتقنية ، لامبرت ترجمة علي منوفي ص 135)... " (7)
التزم القاضي بأن تظهر ملامح المفارقة من خلال النص ، لتتكشف أخيراً في نهايته ، من خلال قصة " 41 بدون لون " مثلاً
يقودنا الحوار تدريجياً للتساؤل دون أن نكشف الحقيقة كاملة ، عن هذا الجريء الذي يواجه البطل ، يتمرد عليه ، بل ويقرر الانفصال عنه ، لنكتشف عبر ملامح النص أن هذا المتمرد ما هو إلا حذاء مقاس 41
ولا يحاول الكاتب أن يحتفظ بالأمر كمفاجأة تبدو فقط من خلال الجملة الأخيرة ، إنما تتكشف الأمور تلقائياً من خلال تطور الحوار ذاته :
يبدأ التلميح بهذه العبارة :
" لا تغالط نفسك حاول أن تتخيل نفسك سائرا في الطريق مكتمل الأناقة حافي القدمين"(8)
ثم يصبح الأمر واضحاً جداً ، حين يقول :
" أي كثير هذا ؟! أتسمي هذه الأشياء الخفيفة المهترئة أحذية .. مرة حذاء كاوتشوك من باتا ومرة أخرى ولا داعي لأن أقول فأنت تعلم جيدا وأخيرا هذا الحذاء الخفيف من تلك الماركة المسماة ْ{ كوتشي } " (9)
ثم تظهر المفارقة الساخرة المؤلمة هنا :
" لماذا !! أنسيت أنك مقاس 41 بينما مقاسي الفعلي 43 .. ألا تعلم أنك بصغر مقاسك هذا تضطرني للسير في الطريق التي تحددها أنت لا أنا .. من في الدنيا يتصور أن يسيَر الحذاء مرتديه . "(10)
أي حذاء يسير مرتديه ..هو الحذاء الذي يملي شروطه إذن ، هو الحذاء الذي يستحق أن تكون قفلة قصته السمع والطاعة له ، حين يخالف مرتديه ، فقط لكي يخالفه :
"والآن إلى أين تذهب ؟
ـــ كنت ذاهبا جهة اليسار لأمر ما .
ـــ إذن لليمين سر .
ــ سمعا وطاعة" (11)
المفارقة تظهر في بداية النص هذه المرة في : حقيبة متربة وجورب أبيض "
"بخطوات حذرة اتجه صوبها، تبدت أمامه كاملة، ثنت ساقها اليمنى فانزاح الغطاء أكثر، أمسك طرف الغطاء وهم بـ.... ولكنه خشي أن... تركه وتراجع ، جثا على ركبتيه يتأملها"( 12)
فتوحي لكل من يقرأها بعكس الواقع الذي يتجلى بعد لحظات ، حين نكتشف أن هذه الفتاة ابنته .
4- الفلاش باك :
استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع اللحظي للأحداث أو الفلاش باك ، بطريقة سلسة دون أن يكسر السرد المنطقي للأحداث أو يضر بتسلسلها ، كان هذا واضحاً جداً في " ربطة عنق " فالرجل/البطل يقف أمام الموظف في المطار ، ثم يبدأ تداعي الأحداث :
"أزيز الطائرات فوق رأسه .. قنابل متساقطة .. شظايا متطايرة في كل اتجاه .. رائحة اللحم البشري المحترق تزكم الأنوف . دُمرت كتيبته بالكامل . مات كل شيء إلا هو وجهاز اللاسلكي"(13)
ثم يستفيق البطل من ذكرياته أمام الحدث الذي يشكل الصدمة للبطل/والقارئ معاً :
"وأمام المرآة كانت هناك حقيبة وجواز سفر ملقيين في إهمال واضح "(14)
وبنفس الطريقة ، وعندما كان البطل أمام ابنته النائمة في " حقيبة متربة وجورب أبيض " يبدأ الاسترجاع اللحظي لحدث قريب ، قبل عودته إلى المنزل :
"لاتنس أني رئيسك في العمل.ـ لا أحني رأسي إلا لله .ـ رأسك الحجري هذا هو ما أطاح بك.ـ لا يصح إلا الصحيح .ـ إذاً ارحل..ولا تنس الحقيبة "(15)
الأجمل –في ظني – كان الدمج بين الزمنين ، والحدثين ، والذاكرتين ، القريبة والبعيدة في قصة مبدعنا " نفس ما أرادوا "
انظر معي هذا الإبداع :
" هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة "(16)
فالبطلة هنا كانت تراهم فيه وتطعنه وكأنها تطعنهم ، رأت الزمنين أمامها ، والحدثين ، وذات الشخوص ، من حاولوا اغتصابها أول مرة ، ومن يحاول اغتصابها الآن ، فكان الدمج بطريقة مذهلة ، جعلت من القفلة إبداع لا حدود له .
5- أسلوب السرد :
"هو الكيفية التي تروى بها القصة، عن طريق القناة نفسها، أو ما تخضع له من مؤثرات، بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الأخر متعلق بالقصة ذاتها. ويمكن النظر إلى الأسلوب من ثلاث زوايا مختلفة، انطلاقا مما أورده الناقد عدنان بن زريل؛ في كتابه النص والأسلوبية:
1- (من زاوية المتكلم)؛ أي الباث للخطاب اللغوي؛ "الأسلوب هو الكاشف عن فكر صاحبه، ونفسيته. يقول (أفلاطون): كما تكون طبائع الشخص يكون أسلوبه. ويقول (بوفون): الأسلوب هو الإنسان نفسه. ويقول (جوته): الأسلوب هو مبدأ التركيب النشط، والرفيع، الذي يتكمن به الكاتبُ النفاد إلى الشكل الداخلي للغته، والكشف عنه".
2- (من زاوية المخاطب)؛ أي المتلقي للخطاب اللغوي؛ "الأسلوب ضغط مسلّط على المتخاطبين، وأن التأثير الناجم عنه يعبر إلى الإقناع، أو الإمتاع. يقول (ستاندال): الأسلوب هو أن تضيف إلى فكر معين جميع الملابسات الكفيلة بإحداث التأثير الذي ينبغي لهذا الفكر أن يحدثه. ويقول (ريفاتير): الأسلوب هو البروز؛ الذي تفرضه بعض لحظات تعاقب الجمل، على انتباه القارئ، فاللغة تعبر، والأسلوب يبرز".
3- و(من زاوية الخطاب)؛ "الأسلوب هو الطاقة التعبيرية، الناجمة عن الاختيارات اللغوية. وقد حصر (شارل بالي)، مدلول الأسلوب، في تفجرّ طاقات التعبير الكامنة في اللغة. ويعرّف (ماروزو) الأسلوب بأنه: اختيار الكاتب، ما من شأنه أن يخرج بالعبارة، من حالة الحياد اللغوي، إلى خطاب متميز بنفسه. ويعرفه (بييرغيرو): بأنه مظهر القول، الناجم عن اختيار وسائل التعبير، التي تحددها طبيعة الشخص المتكلم، أو الكاتب، ومقاصده". (17)
كان الأسلوب في قصص القاضي حوارياً بالكامل في قصة واحدة للكاتب هي " 41 بدون لون "
بينما لم أجد أي قصة للكاتب بأسلوب الراوي الداخلي أو المخاطب ، كذلك لم أجد الكثير من المونولوج الداخلي .
بينما اعتمد الكاتب في جميع قصصه الأخرى على أسلوب السرد الموضوعي أو كما يسمى " الراوي الخارجي " أو " الراوي العليم " أو " المشاهد الثالث "
فالراوي هنا ، وفي جميع قصص الكاتب محل الدراسة باستثناء "41 بدون لون " كان طرف خارجي ، محايد ، لا يتدخل برأيه ، والكاتب هنا كمحرك العرائس ، لا يظهر إطلاقا أمامنا ، بينما بصماته في كل مكان .
واستخدام الأفعال المضارعة ، دليل دائماً على استخدام الأسلوب الموضوعي :
"تسلل الشيب إلى فوديه" مرايا
"تهدجت أنفاسه" الحطام
"تقبض عليه بشدة" ولكنه حي
6. التحليل النفسي :
" لعلَّ أبرز مراحل التطور الروائي في العصر الحديث يبدو في تلك النوعية التي اتجهتْ إلى تحليل النفس البشرية، والغوص إلى أعمق أعماق الإنسان، بحثا عن الأدواء والعِلل الخبِيئة الكامنة في النفس البشرية، بُغْية إصلاحها، وسعْيًا وراء إنقاذها.. هذا ما نجِده لَدَى ( دستوفسكي ) في رائعته " الإخوة كارامازوف " وتَبْدُو وَحْدَةُ القصة فيها ـ كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال ـ في ظاهرة " القلق " الذي يحاصر قُلُوبَ جميع أفراد الأسرة ( أسرة كارامازوف ) وهو : قلقٌ فكريّ… ومن ثَمَّ فالقصة تحليلٌ دقيقٌ للنَّفْسِ الإنسانية، في نوازعها الخفية، وفيها يشْرَحُ المؤلفُ الأفكارَ التي تُسَاوِر كُلَّ قلب، دُونَ أن يستطيع، صراحة مواجهتها، على حين هي تصطرع دائما في كل نفْس، وفي هذا الصراع يتجلَّى بؤسُ الإنسان الذي يَدْفَعُهُ إلى الهاوية، ولكنّ الإنسان ـ مهما بَدَا خبيثًا شرِّيرًا ـ له مع ذلك باطِنُه الطيّب الذي يتراءى في أشدّ المواقف يأسًا (18) ".
كما يمكن أن نَجِد نموذجًا آخر للتحليل النفسي الرائع، في تلك الرواية الملحمية " يوليسيس " ـ لجيمس جويس ـ حيث نجِدُ فيها خلاصةً وافيةً قويَّةً لكُلِّ ما عاناه الفكرُ الإنسانيُّ بين الحربين العالميتين، وموجز ما انتهى إليه التحليل لِطَوِيَّةِ النفس الإنسانية، والحديث النفسيّ فيها يكشِفُ عن صَدَى التجارب الإنسانية المضطربة في الفكر المكبوت، ويُنَاظِرُ المؤلفُ بين حوادث قصته التي تدُور في (إيرلاندا ) وبين حوادث ( الأوديسا ).. (19)..
ولعل من أبرز القصص للكاتب حسام القاضي والتي يبرز فيها الجانب نفسي ويطغى حتى على الحدث ، هي قصة " عملية جراحية " فهذا الرجل / الغارق في الصراع مع نفسه حتى الثمالة / على وشك إجراء جراحة هامة ، تبدو معالمها الغريبة في الاتضاح منذ اللحظة الأولى :
(عجبا كيف تململ الرأس على الرغم من كمية المخدر الموضعي التي رشها كما حددها الطب ) (20)
ثم الجو الذي أحاط زيارته للطبيب ، كان الكاتب يعني كل كلمة ، حين رأى كتاب أفلاطون ، بغلافه السميك يتلاعب به الطبيب/ كما يتلاعب بأعصاب مرضاه .
ثم تبدأ ملامح المشكلة تتضح ، لهذا المريض الغريب ، الذي يشكو من جلد شفاف لا يخفي خلفه انفعالاته ، رغباته ، وآراءه حول الناس ..
باختصار ، كانت مشكلة هذا الرجل هي : الصدق .
يدور بنا الكاتب ، في رحلة حام حولها شبح أرسطو وسارتر ، بحثاً عن ذات مفقودة ، ورغبة في الحصول على إنسان بدون إنسانية ، وجه بدون ملامح ، قناع يستر الوجه فيصبح كما كل شيء في الحياة ، ماسخاً ، مقنَّعاً ، منافقاً .
هذه الشخصية الحائرة ، المتقلبة المزاج ، الباحثة عن هويتها ، نجدها أيضاً في قصة الكاتب " مرايا "
"كان يهم بحلاقة لحيته عندما شعر بضبابية المرآة .. لم يبال أرجع الأمر إلى ندى البكور وزفير التنفس .. أتم حلاقته معتمدا على حفظه لتضاريس وجهه ونسى الأمر . بعدها و في حانوت الحلاق كانت صدمته .. لم يشأ أن يلحظ ذهوله فأومأ برأسه موافقا على جودة الحلاقة وأسرع بالخروج .. أراد أن يتيقن من الأمر فتمهل أمام واجهات المحلات الزجاجية ينظر ويدقق حتى تأكد من حقيقة الأمر .. هل وهن بصره إلى هذا الحد ؟ ولكن إذا كان كذلك فكيف يرى أشياء كثيرة وبوضوح .. شئ واحد لا يراه لكنه أهم من أي شئ سواه" (21)
هنا يقودنا الكاتب عبر رحلة الشك والحيرة ، وانعدام الهوية ، بحثاً عن الذات ، ورغبة في كسر حالة الجمود / الضياع ، التي يعيشها البطل ، رمزية تشير إلى واقع معاصر نحياه ونشعر به كل يوم .
فمهمة هذا الحائر كانت البحث عن صورته في المرآة ، محاولة إيجاد أي شيء ، أي قطعة زجاج ، أو مرآة هنا أو هناك ، يستطيع أن يرى فيها نفسه .
كادت القصة أن تنتهي دون بارقة أمل ، في أن يجد هذا الشخص هويته ، لولا أن الكاتب فضل أخيراً أن يتركها مفتوحة على كل احتمال ، حين انتهت كما بدأت ، ببحثه داخل الركام ، لا يمل ، بحثاً عن شيء يصلح لهذه المهمة المستحيلة .
ثم أن ذات النظرة المتوغلة في باطن النفس الإنسانية ، والعلاقات التي تحكم الناس ، وتناقضاتها ، نجدها في قصة الكاتب : الحطام
"كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائه ببرود واحتقار .. لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماء بدعاء حار له .. ويصبر .. وصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريب فيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل " (22)
هنا البطل ، يمر بحالة مزاجية مشابهة لبطلي القصتين السابقتين ، في صراع داخلي محموم ، ولكن لهدف يختلف هذه المرة ، فكم من أناس نحترمهم ، ونعاملهم كما يجب ، يقابلونا بالازدراء والتحقير ، ويكون جزاء الإحسان نكران الجميل ..
شبه الكاتب هؤلاء الناس بتماثيل صنعها ، ثم أنه بدأ يحطمها بنفسه ، متلذذاً بتكسيرها بمعوله ، بالتخلص من كل شيء يقربه منها ، رغم أنه وجد نفسه يتحول إلى واحداً منها ، بعينين من حجارة ، ونظرة جامدة ، فكان لزاماً عليه أن يحطم نفسه ، وأن يخرج من داخله منتصراً ..
" عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
إلى عينيه نظر في تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية "(23)
وهكذا ، عشنا في رحلة ممتعة مع الكاتب المبدع : حسام القاضي ، عبر أسلوب جميل أدرك جماليات القص فغاص فيها حتى الثمالة ، ميزه دائماً متابعته لقضايا الأمة ، وحرصه عليها .
شكراً للأستاذ حسام وأرجو أن أكون قد وفقت في نقل رؤية صغيرة لإبداعات كاتبنا الكبير .
كل الود والحب
أحمد عيسى
غزة
1) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 16)
2) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 17)
3) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 15)
4) نفس ما أرادوا -للكاتب
5) ربطة عنق -للكاتب
6) مرايا -للكاتب
7) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 16)
8) 41 بدون لون - للكاتب
9) السابق
10) نفسه
11) نفسه
12) حقيبة متربة وجورب أبيض - للكاتب
13) ربطة عنق-للكاتب
14) السابق
15) حقيبة متربة وجورب أبيض -للكاتب
16) نفس ما أرادوا- للكاتب
17) محمد بلوافي : السرد والأسلوب ، ديوان العرب
18) محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث، ص622
19) المرجع السابق، ص593
20) عملية جراحية -للكاتب
21) مرايا - للكاتب
22) الحطام –للكاتب
23) السابق
كريمة سعيد
07-06-2010, 04:05 PM
الأخوين مازن واحمد عيسى شكرا على قراءتيكما المفيدتين في فكر القاص حسام القاضي وأدبه
الأخ احمد : في انتظار بقية المقال :"استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع اللحظي للأحداث أو الفلاش باك ، بطريقة سلسة دون أن يكسر السرد ال......" وكذلك الهوامش
وفي انتظار أديبنا وباقي الإخوة والأخوات رغبة في الاستفادة تقبل تقديري ومودتي
تحيتي للجميع
أحمد عيسى
07-06-2010, 09:49 PM
حياك الله أخت كريمة سعيد
قمت بتعديل الجزء الناقص حيث اختفى بعد تنسيقي للنص لمشكلة تقنية على ما يبدو ..
شكراً لمتابعتك وشكراً للأخ مازن وللدكتور سمير العمري الأول على تناوله لأسلوب الأستاذ حسام والثاني لأسئلته الدقيقة الرائعة .
الأستاذ حسام يعتذر لكم لأنه يتأخر قليلاً في الرد بسبب انشغالات شديدة بالعمل ، لكنه سيتابع الموضوع بكل اهتمام بقدر ما يسمح به وقته .
نسأل الله له العافية ، وننتظر ونتابع .
حسام القاضي
08-06-2010, 09:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله
أولاً اعتذر للجميع لانشغال طاريء بالعمل (كما تفضل بالتنويه أخي الكريم أحمد عيسى)
وأرحب بكل من يتابع هنا
أخي الأديب / اين الدين علي
أخي الأديب / عبد الغني خلف الله
اخي الأديب / ممدوح سالم
وكل من مر هنا
تقديري واحترامي
حسام القاضي
08-06-2010, 09:18 PM
شكر خاص
لأخي الفاضل الأديب / د . مازن لبابيدي
لدراسته الأكاديمية القيمة والمفصلة
والتي أراها أنموذجاً للسهل الممتنع
من أستاذ كبير لي.
أما أخي الأديب الجميل / أحمد عيسى
فقد فاجأني بدراسته الأكاديمية الرائعة
والتي سلطت الضوء وبشكل مفصل
على أعمالي المتواضعة.
حقاً لا اجد ما أقول إزاء اهتمامه بالموضوع
ثم بإضافته الجميلة هذه؛فهل يكفي الشكر!!
الأخوين الكريمين / د. مازن ، الأستاذ / أحمد
والله لا أجد ما يعبر عن مشاعري حقاً
لكما خالص الشكر والتقدير والاحترام
الطنطاوي الحسيني
08-06-2010, 10:00 PM
مستمتعون ومتعلمون ومتابعون
حياك الله اخي احمد عيسى واخينا د مازن لهذا التحليل الرائع الثري الغني
ونحيي استاذنا القاضي ومربينا
ونسأله سؤالا صغيرا في رأيه في الآقصوصة او الومضة او من يسميها ق ق ج
ارجو ألا يكون زمن الآسئلة انتهى
تحياتي وامتناني لهذا الآلق والجمال الذي أعاد لنا أخينا القاضي في أحلى حلة وذكرنا بإبداعاته المتدفقة الرائعة
حسام القاضي
08-06-2010, 10:09 PM
يسرني أن أرحب بالأخ الأديب الكبير حسام القاضي في بيته وعرينه وأتمنى له التوفيق في هذا الكم الكبير وهذا التوافد المغدق الذي يعبر عن مدى تقدير الجميع له ولخلقه وأدبه الكريم.
ولكي يكون حضوري ذا قيمة تفيد الجميع خصوصا أدباء القص أوجه هذه الأسئلة للأديب الكبير واثقا بأنه سيجيب بما يثري ويفيد من خلال تجربته الإبداعية الواسعة.
ما هي مستويات الحالة الإبداعية في مجال الفن القصصي؟؟ وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟
كيف يرى القاص حسام القاضي العلاقة الناشئة بين القص والنص؟؟ وكيف يمكن تأصيل هذه العلاقة لتشكيل الحالة الإبداعية؟؟
أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟
أكرر ترحيبي ودعواتي بالتوفيق.
تحياتي
بكل بالتقدير والاحترام
أرحب واتشرف بوجود اخي الأديب والشاعر القدير
عميد الواحة / د. سمير العمري
شرفتني أخي الكريم بهذا الوجود الثري وأشكرك بدوري
لترحيبك الجميل بي في الموضوع وفي الواحة التي أراها منعطفاً هاماً للغاية
لي ولأعمالي المتواضعة حيث رقي الاستقبال ثم الردود الجادة والمختلفة عن أي موقع آخر،
ومازلت أذكر أول تعقيبين لأخي / د. سمير على قصتي "نفس ما أرادوا" و " الحصار" بما فيهما من عمق ورقي مما كان له أعظم الأثر في نفسي ؛لذا كان استمراري بل واستقراري في الواحة نتيجة طبيعية لما وجدت من حفاوة واهتمام حقيقي ولا يمكن أن أنسى أيضاً فضل اول من استقبل اعمالي هنا وأولاها اهتمامه وعنايته وهو أخي وأستاذي د/ محمد السمان ، ومن بعده أخي وأستاذي أيضاً د/ سلطان الحريري..
هي الواحة دائماً وأبداً
فلها امتناني العميق
ولعميدها فائق الشكر والاحترام والتقدير
حسام القاضي
09-06-2010, 11:11 PM
، و أن تحدثنا بالأخص
عن مقومات نجاح القصة القصيرة جدا ،و التي ضاع مفهومها عند المتعلمين ،مع الكم الهائل للقصص القصيرة الموجودة على الشبكة .
عودة مرة اخرى للحديث عن القصة القصيرة جداً
ولتسمحي لي اختي الفاضلة أن انوه أنني أعبر من خلال وجهة نظري كمتذوق فلست أكاديمياً
أذا كانت القصة القصيرة هي فن الاختزال فهل تكون القصيرة جداً هي اختزال الاختزال؟؟
وعليه تكون القصة القصيرة جداً أشد تكثيفاً وإيحاءاً وتضميناً عن القصة القصيرة
فما الذي يحدث إذاً؟؟
ما يحدث يذكرنا (مع الفارق طبعاً ) بالشعر الحديث أو قصيدة النثر ، وهناك نوعان من مبدعيها
الأول شعراء اجادوا بل وامتازوا في الشعر الموزون بكل سماته ، ولكنهم آثروا الاتجاه لهذا النوع ربما ليجدوا رحابة أكثر لابداعهم ( من وجهة نظرهم ) وابداع هؤلاء ابداع رائع تستشعر فيه سمات الشعر الحقيقي لانه نتاج موهبة حقيقية وعلم وخبرة ، والنوع الآخر من لم يمتلك أدوات الشعر الموزون المقفى ولم يحاول استكمالها فقام بتقليد النوع الاول مستسهلاً الأمر ظاناً أن قصيدة النثر مجرد كلمات منثورة والسلام ، وبالتاكيد الفارق شاسع للغاية ، والشعراء أقدر على ذلك مني.
وهذا ما يحدث مع القصة القصيرة جداً المستسهلون الذين لم يروا في القصيرة جداً إلا حجمها فقط ، كيف يمكن لكاتب مبتديء لم يتقن أصول القصة القصيرة (والمعتمدة على الاختزال والتكثيف) ان يكتب الأشد منها اختزالاً وتكثيفاً؟؟!!
البعض يظن أن القصيرة جداً ملخص لقصة أخرى أطول منها
والبعض الاخر يقدم خبراً يصلح لصحيفة على انه قصيرة جداً (القصة الخبرية)
وثالث ينسج حواراً مباشراً بين شخصتين أو أكثر قد ينتهي بمفارقة أو طرفة
لا أرى فيما سبق قصة قصيرة جداًمن وجهة نظري المتواضعة
كل قصة حكاية ولكن ليست كل حكاية قصة؛فكل قصة يجب أن تحوي في ثناياها حكاية ، ولكن ليست أي حكاية تصلح للقصة فالقاص ليس كاميرا تسجل كل ما تراه بل هو عين خبيرة تنتقي ما يصلح فقط ، وما يجعل الحكاية قصة هو صياغتها في الشكل الأدبي الملائم ؛فالمضمون وحده لا يصنع القصة بل تقنية الكتابة.
الحوار يجب ان يوظف جيداً ولا يكون مجرد كلام متبادل بين طرفين بل يكون كاشفاً لدواخل ونفسية الشخصيات أو ملقياً الضوء على الماضي (فلاش باك) لذا يجب ان يكون موجزاً ومحملاً (الإيحاء والتضمين) اما الحوار المباشر فلا أراه يناسب القصيرة جداً .
نجاح القصة القصيرة جداً يعتمد على توافر عناصرها الخاصة من إيحاء وتكثيف بالإضافة إلى الصراع
وبدونه لن تكون هناك قصة ، وطبعاً النهاية القوية والتي غالباً ما تكون هي لحظة التنوير في نفس الوقت.
ولتسمحي لي باستخدام قصة قرأتها و ظلت عالقة بذاكرتي لجودتها وتوفر عناصر النجاح بها.
"حاولت بشتى الطرق جعله يتوقف عن ذلك البكاء البغيض ، لا فائدة ،إحتضنته و جلست تقاسمه معاناته .
سمعهما وهو يقترب من الباب ، فتحه ، نظر إليهما نظرة إشفاق ثم قال :
:لقد تم قبوله في معهد خاص ، لكن، بالعاصمة .
كانا منهمكين في تفحص محتوى رسالة المعهد ، عندما رتب الصغير أجزاء لعبته المفضلة ،و شكل منها حائطا بطول قامته ، و دخل من بابه الضيق إلى رحب عوالمه " (*)
من يقرأ هذه القصة لاول وهلة قد ينخدع ويظنها مباشرة ومكشوفة ولكن بالتدقيق يجدها تعطي معلومات تدريجية ومع ذلك غير حاسمة فلم نعرف سبب بكاء الطفل ، ثم مشهد لرجل يطل برأسه من الباب ،ثم جملة حوارموجزة مبهمة ولم ندرك من خلالها ماهية المعهد الخاص فمن الممكن ان يكون أي معهد تعليم خاص أي نقيض معاهد التعليم العام فلا معلومة مؤكدة حتى الآن وتستمر اللعبة إلى ان نصل إلى النهاية البارعة وهي نفسها لحظة التنوير:
"و دخل من بابه الضيق إلى رحب عوالمه "
وهنا وهنا فقط نعرف ان القصة عن طفل يعاني من مرض " التوحد"
مع ان هذه الكلمة تحديداً لم ترد في القصة على الاطلاق بل دارت القصة حولها بشكل غير مباشر بل بتلميحات ذكية حتى نصل إلى لحظة التنوير والتي لا تعطي المعلومة بسهولة بل بشيء من الجهد وهذه سمة هامة من سمات القصيرة جداً الناجحة فما يتلقاه القاريءبسهولة و على طبق من ذهب يمضي سريعاً ولكن ما يلقى منه بعض الجهد يلبث في ذاكرته طويلاً.
قصة قصيرة جداً اشتملت على كل عناصر النجاح مضمون رائع ..طرح غير مباشر اعتمد التلميح..تكثيف ..صراع ..نهاية قوية كاشفة.
أعلم ان طرحي هذا ربما لا يروق للكثيرين ولكنها رؤيتي الخاصة ولكل أن يدلو بدلوه.
في انتظار تعقيباتكم الثرية
مع خالص تقديري واحترامي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
* الأبواب المغلقة / الاديبة نادية بوغرارة
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=41095
نادية بوغرارة
10-06-2010, 11:23 AM
عودة نجاح القصة القصيرة جداً يعتمد على توافر عناصرها الخاصة من إيحاء وتكثيف بالإضافة إلى الصراع
وبدونه لن تكون هناك قصة ، وطبعاً النهاية القوية والتي غالباً ما تكون هي لحظة التنوير في نفس الوقت.
ولتسمحي لي باستخدام قصة قرأتها و ظلت عالقة بذاكرتي لجودتها وتوفر عناصر النجاح بها.
]
"حاولت بشتى الطرق جعله يتوقف عن ذلك البكاء البغيض ، لا فائدة ،إحتضنته و جلست تقاسمه معاناته .
سمعهما وهو يقترب من الباب ، فتحه ، نظر إليهما نظرة إشفاق ثم قال :
:لقد تم قبوله في معهد خاص ، لكن، بالعاصمة .
كانا منهمكين في تفحص محتوى رسالة المعهد ، عندما رتب الصغير أجزاء لعبته المفضلة ،و شكل منها حائطا بطول قامته ، و دخل من بابه الضيق إلى رحب عوالمه " (*)
[/b]
من يقرأ هذه القصة لاول وهلة قد ينخدع ويظنها مباشرة ومكشوفة ولكن بالتدقيق يجدها تعطي معلومات تدريجية ومع ذلك غير حاسمة فلم نعرف سبب بكاء الطفل ، ثم مشهد لرجل يطل برأسه من الباب ،ثم جملة حوارموجزة مبهمة ولم ندرك من خلالها ماهية المعهد الخاص فمن الممكن ان يكون أي معهد تعليم خاص أي نقيض معاهد التعليم العام فلا معلومة مؤكدة حتى الآن وتستمر اللعبة إلى ان نصل إلى النهاية البارعة وهي نفسها لحظة التنوير:
"و دخل من بابه الضيق إلى رحب عوالمه "
وهنا وهنا فقط نعرف ان القصة عن طفل يعاني من مرض " التوحد"
مع ان هذه الكلمة تحديداً لم ترد في القصة على الاطلاق بل دارت القصة حولها بشكل غير مباشر بل بتلميحات ذكية حتى نصل إلى لحظة التنوير والتي لا تعطي المعلومة بسهولة بل بشيء من الجهد وهذه سمة هامة من سمات القصيرة جداً الناجحة فما يتلقاه القاريءبسهولة و على طبق من ذهب يمضي سريعاً ولكن ما يلقى منه بعض الجهد يلبث في ذاكرته طويلاً.
قصة قصيرة جداً اشتملت على كل عناصر النجاح مضمون رائع ..طرح غير مباشر اعتمد التلميح..تكثيف ..صراع ..نهاية قوية كاشفة.
أعلم ان طرحي هذا ربما لا يروق للكثيرين ولكنها رؤيتي الخاصة ولكل أن يدلو بدلوه.
في انتظار تعقيباتكم الثرية
مع خالص تقديري واحترامي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
* الأبواب المغلقة / الاديبة نادية بوغرارة
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=41095
===============
هل كانت هذه قصتي التي نالت شرف نظرك إليها ، ووقرت في ذاكرتك ، و تناولت عناصرها أدبيا ؟
كرم منك أخي حسام القاضي ما بعده كرم ، و دفع منك لقلم يتعثر الخطو ليلحق بركب الأدباء ،
و يتلمّس الطريق بهداهم .
رأيك وسام أعتز به ، و يكفيني لأتزود منه لما هو آت .
دمت بِرُقي .
حسام القاضي
12-06-2010, 10:57 PM
ما دامت وقفتنا الأولى جاءت أمام قاص كبير بحجم الاستاذ حسام القاضي، فلعلنا نحظى منه بتوضيح موجز لمقومات القصة القصيرة، وأدوات القص السليم، نستعين بها على استعياب القالب الفعلي للقصة القصيرة وتعرف الفارق بين القصة القصيرة جدا والومضة ...
ولعلي أتشرف بالعودة لطرح المزيد من الاستفسارات
الأديبة القديرة والناقدة المبدعة / ربيحة الرفاعي
السلام عليكم
أشكرك لاهتمامك ولرأيك الجميل
ولعلي أشرت إلى بعض النقاط من قبل ، وأود ان أتكلم من خلال تجربتي المتواضعة عن عنصر مهم من عناصر نجاح القصة..
من المتعارف عليه ان الصراع عنصر أساسي من عناصر القصة ،وقد يكون بالقصة اكثر من صراع ،كل هذا داخل القصة، وأحب ان أشير إلى صراع آخر وأراه مهماً للغاية وهو الصراع الدائر خارج أحداث القصة ،واعني به الصراع الدائر بين الكاتب والقاريء ؛فالكاتب يريد القاريء مشدوداً لقصته من البداية للنهاية بينما القاريء يريد ان يستنتج القصة بسرعة ليتركها ويفلت إلى حيث يشاء، لذا يجب على الكاتب أن يختار عناصر قصته بعناية شديدة من اختيار لموضوع القصة ، البداية ، الحبكة ، الصراع ، النهاية .
وقد يختار الكاتب موضوعاً تقليدياً ومع ذلك يحقق نجاحاً باهراً، والعكس بالعكس فقد يختار فكرة باهرة ولكنه يخفق في تنفيذها ،والسبب في الحالتين هو المعالجة او أسلوب التناول ، ولنبدأ ببداية العمل ،كيف نبدأ؟
أعتقد ان البداية الناجحة هي التي تلقي بالقاريء في خضم الأحداث بلا مقدمات فتجعله متابعاً بانتباه من اول لحظة ،ولك بعد ان تضمن بقاء القاريء معك ان تعود لما كنت تريده مقدمة من خلال العودة للماضي "فلاش باك" ثم الارتداد للحاضر ،وهكذا
البعض يعتقد ان اللجوء إلى المفردات المعجمية غير المتداولة يحقق لهم مراده ، والحقيقة عكس ذلك تماماً ؛فقاريء القصة يبحث عن الحدث لا اللفظ المعجمي وسوف ينصرف مع أول قائمة معجمية يتلقاها من كاتبه.
وقد استفدت من كتاب قيم في هذا وهو "نظرات في القصة القصيرة "للأديب الكبير الراحل "حسين القباني"
وعن البداية يقول:
والبداية كما كررنا القول هي التي ستشد القاريء إلى القصة كلها أو تجعله يلوي
شفتيه ويتوقف عن القراءة ، وربما يرفض بعد ذلك أن يقرأ أية قصة أخرى للكاتب
نفسه حتى لو درس فيما بعد فن الكتابة .
والواقع أن كل كاتب قصصي في هذا العصر يعرف الآن كيف يبدأ القصة بعنصر
التشويق ؟
ولكن أكثر من ثلاثة أرباع المبتدئين " الذين تقدم إليهم هذه الدراسة " هم الذين
يتخبطون في البداية ثم يملئون الدنيا صراخاً لأن رؤساء التحرير يرفضون نشر
إنتاجهم .أتريدون الدليل على هذا ؟.
أين ئيس التحرير الذي ينشر قصة تكون بدايتا على هذا النحو ؟
" ذر قرن الغزالة " يقصد شروق الشمس " وأطلت ذكاء من خدرها " المعنى نفسه
وتثاءبت الحياة وهي تستيقظ بعد نوم الليل الطويل ، ورفرفت الطيور ساعية إلى
رزقها ، ونفضت الأشجار عن أوراقها حبات الطل لتستقبل أشعة ذكاء ، ....إلخ "
أؤكد لكم أن هناك كثيرين جداً من الكتاب المبتدئين لا يزالون يبدءون قصصهم على
هذا النحو المضحك . وهناك كتاب يبتدئون قصتهم هكذا :
"مصيف بلطيم ..هناك في أقصى الشمال بمديرية كفر الشيخ كان فيما مضى قطعة
رملية جرداء تطل على المياه الزرقاء ، فأصبحت الآن جنة وارفة الظلال هادئة الحال
، تتناثر فيها مساكن المصيفين ويلعب على شاطئها الأطفال ، ويطوف بها بين الحين
والآخر الباعة الجائلون بألوان وأشكال من ....إلخ..".
وهناك كتاب مبتدئون يبدءون قصصهم هكذا:
" تبدأ قصتي هذه الواقعية في يوم من أيام الربيع الذي تتفتح فيه الأزهار وتغرد
الأطيار وتتمايل الأشجار ، وتمتليء القلوب بالحب والحياة ، ..إلخ."
هذه كلها أمثلة على البدايات السيئة التي تنفر القاريء من القصة وتمنعه من
متابعتها إلى النهاية .
إذن .. كيف ينبغي أن تكون البداية ؟
يتبع
حسام القاضي
12-06-2010, 11:39 PM
نماذج رائعة للقصة القصيرة جداً
حلم الصبا ..
نظرت إلى الصورة التي باتت جزء من الجدار ..
أدارت ظهرها للماضي ترسم في الأفق حلم الصبا من جديد .
نظرات الاستهجان جلدت ظهرها .
لملمت أطراف شال تقطعت خيوط نسيجه تتدثر بأمل طرق بابها بعد سنوات ترمل .
رماد
اتكأت إلى النافذة والحزن الداكن يمطر في عينيها ، كانت قطرات المطر تشاركها الحزن في الجهةالأخرى من النافذة ، ألقت ما بداخلها بزفرة طويلة من الحسرة ، تردد صداها بين جدر البيت الخالي إلا من ألمها ..
لملمت أشياءه المبعثرة ، و ما تبقى من الذكريات ، نظرت في الورقة التي ملَّكَته بها نفسها ،" تحسست البطن المنتفخة "، القت بالكل في موقد الحطب علَّها تدفئ صقيع الوحدة بعد أن رحل .
بزغ الفجر على بيت تحول إلى رماد .
طيف
لمح طيفها في النافذة المقابلة .. وقف يتابع حركاتها وهي تتمايل برقص بوهيمي ، مرت ساعات الليل يتابعها بنشوة عارمة ، يداعب خياله بصور تجمعه بها ، توقفت لتتكئ النافذة ، لوح لها .. تحرك الجسد المتوكئ أضلع النافذة ، بزغ نور الصباح ..
كانت الستارة العالقة تتخذ من الهواء وسيلة نجاة من مسمار أمسك بتلابيبها .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
الأديبة / وفاء شوكت خضر
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=20243
حسام القاضي
13-06-2010, 09:49 PM
الأديبة القديرة والناقدة المبدعة / ربيحة الرفاعي
السلام عليكم
أشكرك لاهتمامك ولرأيك الجميل
ولعلي أشرت إلى بعض النقاط من قبل ، وأود ان أتكلم من خلال تجربتي المتواضعة عن عنصر مهم من عناصر نجاح القصة..
من المتعارف عليه ان الصراع عنصر أساسي من عناصر القصة ،وقد يكون بالقصة اكثر من صراع ،كل هذا داخل القصة، وأحب ان أشير إلى صراع آخر وأراه مهماً للغاية وهو الصراع الدائر خارج أحداث القصة ،واعني به الصراع الدائر بين الكاتب والقاريء ؛فالكاتب يريد القاريء مشدوداً لقصته من البداية للنهاية بينما القاريء يريد ان يستنتج القصة بسرعة ليتركها ويفلت إلى حيث يشاء، لذا يجب على الكاتب أن يختار عناصر قصته بعناية شديدة من اختيار لموضوع القصة ، البداية ، الحبكة ، الصراع ، النهاية .
وقد يختار الكاتب موضوعاً تقليدياً ومع ذلك يحقق نجاحاً باهراً، والعكس بالعكس فقد يختار فكرة باهرة ولكنه يخفق في تنفيذها ،والسبب في الحالتين هو المعالجة او أسلوب التناول ، ولنبدأ ببداية العمل ،كيف نبدأ؟
أعتقد ان البداية الناجحة هي التي تلقي بالقاريء في خضم الأحداث بلا مقدمات فتجعله متابعاً بانتباه من اول لحظة ،ولك بعد ان تضمن بقاء القاريء معك ان تعود لما كنت تريده مقدمة من خلال العودة للماضي "فلاش باك" ثم الارتداد للحاضر ،وهكذا
البعض يعتقد ان اللجوء إلى المفردات المعجمية غير المتداولة يحقق لهم مراده ، والحقيقة عكس ذلك تماماً ؛فقاريء القصة يبحث عن الحدث لا اللفظ المعجمي وسوف ينصرف مع أول قائمة معجمية يتلقاها من كاتبه.
وقد استفدت من كتاب قيم في هذا وهو "نظرات في القصة القصيرة "للأديب الكبير الراحل "حسين القباني"
وعن البداية يقول:
والبداية كما كررنا القول هي التي ستشد القاريء إلى القصة كلها أو تجعله يلوي
شفتيه ويتوقف عن القراءة ، وربما يرفض بعد ذلك أن يقرأ أية قصة أخرى للكاتب
نفسه حتى لو درس فيما بعد فن الكتابة .
والواقع أن كل كاتب قصصي في هذا العصر يعرف الآن كيف يبدأ القصة بعنصر
التشويق ؟
ولكن أكثر من ثلاثة أرباع المبتدئين " الذين تقدم إليهم هذه الدراسة " هم الذين
يتخبطون في البداية ثم يملئون الدنيا صراخاً لأن رؤساء التحرير يرفضون نشر
إنتاجهم .أتريدون الدليل على هذا ؟.
أين ئيس التحرير الذي ينشر قصة تكون بدايتا على هذا النحو ؟
" ذر قرن الغزالة " يقصد شروق الشمس " وأطلت ذكاء من خدرها " المعنى نفسه
وتثاءبت الحياة وهي تستيقظ بعد نوم الليل الطويل ، ورفرفت الطيور ساعية إلى
رزقها ، ونفضت الأشجار عن أوراقها حبات الطل لتستقبل أشعة ذكاء ، ....إلخ "
أؤكد لكم أن هناك كثيرين جداً من الكتاب المبتدئين لا يزالون يبدءون قصصهم على
هذا النحو المضحك . وهناك كتاب يبتدئون قصتهم هكذا :
"مصيف بلطيم ..هناك في أقصى الشمال بمديرية كفر الشيخ كان فيما مضى قطعة
رملية جرداء تطل على المياه الزرقاء ، فأصبحت الآن جنة وارفة الظلال هادئة الحال
، تتناثر فيها مساكن المصيفين ويلعب على شاطئها الأطفال ، ويطوف بها بين الحين
والآخر الباعة الجائلون بألوان وأشكال من ....إلخ..".
وهناك كتاب مبتدئون يبدءون قصصهم هكذا:
" تبدأ قصتي هذه الواقعية في يوم من أيام الربيع الذي تتفتح فيه الأزهار وتغرد
الأطيار وتتمايل الأشجار ، وتمتليء القلوب بالحب والحياة ، ..إلخ."
هذه كلها أمثلة على البدايات السيئة التي تنفر القاريء من القصة وتمنعه من
متابعتها إلى النهاية .
إذن .. كيف ينبغي أن تكون البداية ؟
بعد أن استعرضنا البدايات السيئة او غير الموفقة كما أشار إليها الأديب الراحل / حسين القباني فيما سبق من كتابه "نظرات في القصة القصيرة" نحاول الاجابة على سؤاله الأخير :
كيف ينبغي أن تكون البداية ؟
واسترشاداً بما قرأته في الكتاب نفسه سأقوم بعرض 3 بدايات مختلفة لموضوع واحد ، وهي محاولات من اقتراحي
البداية الأولى :
كانت العيادة مزدحمة تغص بالمرضى الذين يجلسون في كل مكان، حتى في الممرات،بل وقد وقف عدد غير قليل أيضاً؛فهذا الطبيب حاذق في مهنته ، وفي الوقت نفسه لا يغالي في أتعابه مما جعل هذا الازدحام سمة أساسية من سمات عيادته ، بالاضافة إلى اهتمام مفقود ببعض الأشياء التي تجذب الزبائن إلى العيادات الأخرى الحديثة حيث الديكورات المميزة وما يصاحبها من أشياء ، وكان "أحمد"محظوظاً للغاية في هذا اليوم ، ولم لا وقد استطاع أخيراً حجز موعد لملاقاة الطبيب عله يخفف من آلام معدته التي أفسدت عليه كل شيء في حياته ...
ــــــ
البداية الثانية :
عندما استدعاه الممرض سار خلفه في ممر طويل على جانبيه لوحات معلقة بها بعض الارشادات الصحية ، وفي النهاية كانت غرفة الفحص ،دخلها ليجد الطبيب جالساً خلف مكتبه ينظر في كتاب ما ،عندام شعر به ترك الكتاب وأشار له بالجلوس أمامه مبتسماً:
ــ مما تشكو؟
ــ من آلام ببطني
ــ تمدد على السرير
ــ حاضر
ــ هل تشعر بألم هنا؟
ــ آه نعم
ــ لديك متاعب في معدتك
ــــــــــ
البداية الثالثة :
ــ لا بد لك من جراحة عاجلة.
ــ هل الأمر خطير إلى هذا الحد؟؟
ــ اخطر مما تتصور.
ــ
ــ
ــــــــــــــــــــــــ
كانت هذه بدايات مختلفة لقصة واحدة
فما هي الأفضل ؟ ولم؟
انتظر تفاعلكم البناء
خالص تقديري واحترامي
أحمد عيسى
13-06-2010, 10:45 PM
الأخيرة بكل تأكيد..
فيها المباغتة ، والاثارة من اللحظة الأولى ، يجب في رأيي أن تكون البداية كالخاتمة تماماً تحمل المفاجأة والدهشة والاثارة ..
نتابع بكل تأكيد
نادية بوغرارة
14-06-2010, 01:31 AM
لو خُيرت بيت الثلاثة لاخترت المقدمة الثالثة ، ليس لأنها مبهرة ، و لكن لأنها الأفضل ،
فالأولى تستغرق القارئ في مقدمة ووصف لا يضيفان إليه شيئا ، الأمرالذي لا يحفّزه على متابعة القراءة .
و الثانية جرت على منوال الأولى ، بل زادت طريقة الحوار و مضمونه من نفور القارئ منها .
أما الثالثة ، فأعتقد أنها البداية الأفضل لأنها تُدخل القارئ مباشرة في انفعالات
مع الحدث ، ليتخيل و يفكر و يسأل و ينتظر الإجابة.
أسجل إعجابي بطرحكم المشوق و المفيد .
محمد الشحات محمد
14-06-2010, 04:04 AM
أتفق مع أخي أحمد عيسى ، و الفاضلة نادية بو غرارة
فالمدخل الثالث لم يستغرق و قتاً في الوصف ، إنما جذب المتلقي في قلب الحدث ، فصار منفعلاً و فاعلاً/مشاركاً
شكراً لك أ. حسام القاضي ،
نتابعك بشغف
د. مصطفى عراقي
14-06-2010, 01:35 PM
ما شاء الله
ما أجملها ساحة شذية بعمق التجربة ، وجمال الطرح ، وحيوية التفاعل
فجزاك الله خير الجزاء يا أديبنا القدير لهذه الشهادة الصادقة النابعة من قلب عامر بالإخلاص لفن القصة والدراية بتقنياتها وأساليبها ،واحترام القراء، والوعي بقضايا الأمة والغوص في النفس البشرية ، كل ذلك مع الحفاظ على طبيعة القصة القصيرة وإدراك طبيعتها الخاصة.
بوركت يا أخي الغالي
ودمت لنا نبع إبداع
ونبراس خير
حسام القاضي
14-06-2010, 09:51 PM
الأخيرة بكل تأكيد..
فيها المباغتة ، والاثارة من اللحظة الأولى ، يجب في رأيي أن تكون البداية كالخاتمة تماماً تحمل المفاجأة والدهشة والاثارة ..
نتابع بكل تأكيد
أخي الأديب الرائع / أحمد عيسى
نعم أخي هي كما ذكرت بما فيها من مباغتة وإثارة
وأتفق معك تماماً بخصوص ما قلت عن الخاتمة؛ فالخاتمة هي المذاق الأخير للقصة الذي يبقى على لسان / ذاكرة القاريء.
أشكرك لتفاعلك الجميل والداعم.
تقديري واحترامي
حسام القاضي
14-06-2010, 10:16 PM
لو خُيرت بيت الثلاثة لاخترت المقدمة الثالثة ، ليس لأنها مبهرة ، و لكن لأنها الأفضل ،
فالأولى تستغرق القارئ في مقدمة ووصف لا يضيفان إليه شيئا ، الأمرالذي لا يحفّزه على متابعة القراءة .
و الثانية جرت على منوال الأولى ، بل زادت طريقة الحوار و مضمونه من نفور القارئ منها .
أما الثالثة ، فأعتقد أنها البداية الأفضل لأنها تُدخل القارئ مباشرة في انفعالات
مع الحدث ، ليتخيل و يفكر و يسأل و ينتظر الإجابة.
أسجل إعجابي بطرحكم المشوق و المفيد .
أديبتنا المتمكنة / نادية بو غرارة
أشكرك لاهتمامك
تحليلك في محله تماماً
فالوصف في الأولى يصيب القاريء بالملل ولا يحفزه على الاستمرار
أما الثانية فبرغم اختصارها بعض الشيء إلا ان الحوار بها كان فاتراً وروتينياً ويؤدي لنفس النتيجة السابقة.
والأخيرةهي فعلا كما تفضلت وأشرت تدخل القاريء مباشرة في انفعالات مع الحدث.
لك خالص الشكر لمتابعتك الثرية
تقديري واحترمي
حسام القاضي
14-06-2010, 10:29 PM
أتفق مع أخي أحمد عيسى ، و الفاضلة نادية بو غرارة
فالمدخل الثالث لم يستغرق و قتاً في الوصف ، إنما جذب المتلقي في قلب الحدث ، فصار منفعلاً و فاعلاً/مشاركاً
شكراً لك أ. حسام القاضي ،
نتابعك بشغف
أخي الفاضل الأديب الكبير / محمد الشحات محمد
أرحب بك أولاً في الموضوع
وأشكرك لتفاعلك الجميل
وتواضعك الكبير
وهو طبعاً كما تفضلت وقلت"فالمدخل الثالث لم يستغرق و قتاً في الوصف ، إنما جذب المتلقي في قلب الحدث ، فصار منفعلاً و فاعلاً/مشاركاً"
مع فائق تقديري احترامي
ريمة الخاني
15-06-2010, 06:14 PM
السلام عليكم
تشرفت بالمرور واسمح لي بنقل سيرتك العطرة لفرسان الثقافة
كل التوفيق ارجوه لك
ربيحة الرفاعي
15-06-2010, 10:30 PM
وهذا ما يحدث مع القصة القصيرة جداً المستسهلون الذين لم يروا في القصيرة جداً إلا حجمها فقط ، كيف يمكن لكاتب مبتديء لم يتقن أصول القصة القصيرة (والمعتمدة على الاختزال والتكثيف) ان يكتب الأشد منها اختزالاً وتكثيفاً؟؟!!
البعض يظن أن القصيرة جداً ملخص لقصة أخرى أطول منها
والبعض الاخر يقدم خبراً يصلح لصحيفة على انه قصيرة جداً (القصة الخبرية)
وثالث ينسج حواراً مباشراً بين شخصتين أو أكثر قد ينتهي بمفارقة أو طرفة
لا أرى فيما سبق قصة قصيرة جداًمن وجهة نظري المتواضعة
كل قصة حكاية ولكن ليست كل حكاية . . . فالقاص ليس كاميرا تسجل كل ما تراه بل هو عين خبيرة تنتقي ما يصلح فقط ، وما يجعل الحكاية قصة هو صياغتها في الشكل الأدبي الملائم ؛فالمضمون وحده لا يصنع القصة بل تقنية الكتابة.
الحوار يجب ان يوظف جيداً ولا يكون مجرد كلام متبادل بين طرفين بل يكون كاشفاً لدواخل ونفسية الشخصيات أو ملقياً الضوء على الماضي (فلاش باك) لذا يجب ان يكون موجزاً ومحملاً (الإيحاء والتضمين) اما الحوار المباشر فلا أراه يناسب القصيرة جداً .
نجاح القصة القصيرة جداً يعتمد على توافر عناصرها الخاصة من إيحاء وتكثيف بالإضافة إلى الصراع
وبدونه لن تكون هناك قصة ، وطبعاً النهاية القوية والتي غالباً ما تكون هي لحظة التنوير في نفس الوقت.
ولتسمحي لي باستخدام قصة قرأتها و ظلت عالقة بذاكرتي لجودتها وتوفر عناصر النجاح بها.
أستأذنك أستاذي الكريم باقتطاف هذه الباقة من معلومات أجد في الكثير مما ينشر على انه قصة قصيرة جدا إشارات لحاجة الكتّاب لمعرفتها
نتابعك باعجاب واهتمام
دمت بألق
هشام أبو شمالة
17-06-2010, 12:12 AM
تحية ندية لهذا الأديب الكبير
نقرأ ونتابع ونستمتع ونتعلم
وفاء شوكت خضر
17-06-2010, 06:11 PM
نماذج رائعة للقصة القصيرة جداً
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
الأديبة / وفاء شوكت خضر
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=20243
أراني أعجز هنا عن شكر أستاذ له الفضل في تعليمي كتابة القصة القصيرة ، ورغم بعده عن القصة القصيرة جدا إلا أني أراه يولي هذا الفرع من القص اهتمامه بالنقد والمتابعة ..
أخي ومعلمي الأديب القاص الأستاذ حسام القاضي ..
لن أنكر فضلك علي في كتابة القصة القصيرة ما حييت وقد كنت نعم المعلم والناقد الصادق ..
لك التحية وكل التقدير .
حسام القاضي
18-06-2010, 08:47 AM
ما شاء الله
ما أجملها ساحة شذية بعمق التجربة ، وجمال الطرح ، وحيوية التفاعل
فجزاك الله خير الجزاء يا أديبنا القدير لهذه الشهادة الصادقة النابعة من قلب عامر بالإخلاص لفن القصة والدراية بتقنياتها وأساليبها ،واحترام القراء، والوعي بقضايا الأمة والغوص في النفس البشرية ، كل ذلك مع الحفاظ على طبيعة القصة القصيرة وإدراك طبيعتها الخاصة.
بوركت يا أخي الغالي
ودمت لنا نبع إبداع
ونبراس خير
أخي المبدع الكبير والناقد القدير / د. مصفى عراقي
السلام عليكم
شهادة كبيرة وعزيزة من أستاذ أكاديمي خبير
ومبدع قدير يعرف قدر ما يقول
شهادتك وسام على صدري أعتز به دوماً
خالص تقديري واحترامي
حسام القاضي
18-06-2010, 08:50 AM
السلام عليكم
تشرفت بالمرور واسمح لي بنقل سيرتك العطرة لفرسان الثقافة
كل التوفيق ارجوه لك
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اختي الفاضلة الأديبة / ريمة الخاني
بل الشرف لي أنا بالتأكيد
وتشرف سيرتي المتواضعة بوجودها لديكم
تقديري واحترامي
حسام القاضي
18-06-2010, 10:17 AM
البداية الثالثة :
ــ لا بد لك من جراحة عاجلة.
ــ هل الأمر خطير إلى هذا الحد؟؟
ــ اخطر مما تتصور.
ــ
ــ
ــــــــــــــــــــــــ
كنا قد وقفنا عن تلك البداية وتفضلتم بالاتفاق على انها الأفضل
ومن هنا نرى كيف تكون البداية القوية عنصراً هاماً من عناصر نجاح القصة
والبداية هنا لم تعطنا بداية فقط بل اعطتنا موضوع القصة في نفس الوقت ( حول عملية جراحية)
وقبل ان نسترسل في الموضوع اسمحوا لي بالعودة مرة أخرى للقدير / حسين القباني
حيث يقول عن الموضوع:
"موضوع القصة
قبل أن نتحدث عن " الموضوع " في القصة .. عن أهميته .. وطرائق الوصول إليه ووسائل تطويره ، ووجوب أو عدم وجوب تعقيده وأساليب كتابته وصياغته قبل هذا كله – أحب أن أتحدث قليلاً عن النوعين المعروفين في عالم القصة القصيرة وهما : القصة الأدبية التحليلية، والقصة العادية .
إن القصة الأدبية التحليلية تحتاج إلى مواهب خاصة متميزة ، وإن المبتديء في الكتابة لا يستطيع أن يبدأ بها حياته كأديب وقاص ، ولكن هذا لا يعني أن القصة الأخرى العادية أقل شأناً وأسهل مأخذاً وأيسر كتابة ، لأنها في الواقع تحتاج إلى نوع معين من الخبرة والمقدرة على إرضاء أكبر عدد من القراء.
والقراء هم الطرف الآخر في الموضوع كله : فالكاتب – كما نعرف جميعاً – لا يكون كاتباً أديباً إلا بقرائه ، ونجاح الكاتب يتوقف على عدد القراء الذين يحبون أن قرءوا له أولاً ، ثم على طبقة هؤلاء القراء ونوعيتهم !
والكاتب الجديد أحوج ما يكون في أول مرة على أن يكتب لأكبر عدد ممكن من القراء ، ثم يحاول بعد ذلك أن يرتفع بمستوى قرائه إلى الكتابة الأدبية التحليلية التي تخرج عن نطاق السطحية إلى مزيد من العمق والأصالة .
ونعود إلى القصة الأدبية التحليلية فنقول : إنها لون من القصة يحتاج إلى مقدرة خاصة وموهبة فريدة تبلغ حد النبوغ والعبقرية ، وهي من ثم تستهوي طبقة معينة من القراء المتعمقين في فهم القصة ، الدارسين لعلم النفس ، القادرين على الغموض مع الكاتب إلى العمق الذي يريد أن يصل إليه .
ومثل هذه القصة لا تستهوي جمهور القراء ذوي الثقافات المتباينة ، والأذواق المختلفة ،والنظرات المتناقضة إلى الشيء الواحد.. إنها لا تستهوي جمهور القراء إلا في حالة واحدة :
أي إذا كتبت بطريقة تبلغ الذروة في فن الصياغة والتشويق وحسن الأداء وبساطة الأسلوب.
والمعروف بوجه عام أن القصة - ولا سيما القصيرة - أصعب أنواع الأدب ،ويضاعف من صعوبتها أن أحداً لا يستطيع أن يحدد بطريقة جامعة مانعة ماهية هذه القصة ؛ ولكنك تستطيع أن تحدد متى تكون القصة قصيرة أو نصف رواية ؟ أو متى ينطبق عليها اسم القصة أو الصورة الوصفية أو" الحدوتة " أو الخبر الطويل ؟
وهذا وكثير غيره – ما نريد أن نقوم به في هذه الدراسة : ولنبدأ بموضوع القصة .
أيهما أفضل في رأي رئيس التحرير الذي يعرف أكثر من غيره أذواق القراء : الموضوع الجيد الأصيل المبتكر المكتوب بطريقة ينقصها شيء من البراعة والخبرة والفن ، أم الموضوع التافه المكرر المكتوب بكل ما ينطوي عليه فن القصة من براعة وخبرة ومقدرة ..
أو بتعبير نقاد اليوم .. المضمون أم الشكل ؟
إنني حين أعني المضمون لا أنفي وجود الشكل إطلاقاً : أي أن أروع الموضوعات أصالة وابتكارا إذا كتبت بقلم إنسان لا يعرف قليلاً أو كثيراً عن فن الكتابة القصصية ؛ فإنها لن تصلح للنشر ولا للقراءة.. تماماً كما تضع السمن والسكر والدقيق وما إلى ذلك في يد طفل ، وتطلب منه أن يصنع لك كعكة شهية ! وإنما أعني المضمون الذي يكتبه أديب أقل من غيره خبره ومقدرة وبراعة فنية .
هل مثل هذا المضمون يكون أفضل في رأي رئيس التحرير من مضمون آخر تافه مكرر ولكنه مكتوب ببراعة ومقدرة وموهبة فنية واضحة ؟
أؤكد لك أن رؤساء التحرير ، يفضلون الموضوع الأصيل ؛ الجيد. وإن كانوا يتمنون في قرارة أنفسهم لو أنه بلغ من ناحية الأداء والصياغة الدرجة نفسها من الصالة والجودة..
أما " بهلوانية " الأداء مع تفاهة الموضوع ؛ فهي كالمرأة الجميلة الفارغة التي لا تقيم وزناً للقيم والمبادئ.
أنه كمية من غزل البنات كبيرة وفارغة يسيل لها لعاب الأطفال !
إن قصة من هذا النوع قد تنشر ، ولكنها لن تثير من اهتمام القارئ وإعجابه أكثر من أي شيء من آلاف الأشياء التي تمر بحياة الإنسان دون أن تترك وراءها أثراً !
إن الموضوع الجيد للقصة هو الموضوع الذي يثير انفعالاته القارئ ، ويمتعه ، ويشد انتباهه حتى يفرغ من القراءة ، ثم يترسب بعد ذلك في أعماقه ، ليثير تفكيره ويحرك مشاعره بين الحين والآخر.
عليك أن تقدم للقارئ موضوعاً يجعله يتساءل : كيف سينتهي الأمر مع البطل ؟ كيف سيخرج من هذه المشكلة بعد أن تعقدت الأمور ؟ هل سيكون لهذه العقدة حل معقول ؟
وهذا يعني أن عليك أن تخلق للقارئ موضوعاً وتطوره وتعقده وتملأه بعناصر التشويق التي تجعل القارئ يستمر في القراءة حتى الكلمة الأخيرة ."
"..خلاصة الكلام عن ماهية العقدة انها ورطة او مأزق يتطلب حلاً ما، وهذه الورطة ناشئة عن وجود هدفا ما ينغي تحقيقه"
وبالتطبيق على ما بين أيدينا
نجد أننا اما طريقين إما أن تسير القصة في الاتجاه العادي (المألوف ) حيث موضوع القصة جراحة عاجلة مطلوب إجراؤها وهنا تكون العقدة أو المازق مثلاً في كيفية توفير الأتعاب ويكون الصراع حول هذا،أو ان المريض يرد أن يجريها سراً بعيداً عن إزعاج أهله ويدور الصراع حول هذا ،أو قد تكمن عقدة القصة في العملية ذاتها كان تكون خطرة للغاية يقد يموت المريض أثناء اجرائها ، وهكذايمكن ان تدور القصة لتذليل صعوبات إجراء الجراحة ويكون الصراع في هذا الاتجاه.
أما الاتجاه الآخر الذي يمكن أن تسير فيه القصة ولنفترض ان الحوار الدائر استمرعلى النحو التالي:
ــ لديك ورم يجب استئصاله.
ــ هل هو خبيث؟؟
ــ هذا الأمر يختلف من شخص لآخر.
ــــــ
إجابة الطبيب هنا غير منطقية وتقود القصة في اتجاه آخر ؛فما هو الورم الذي قد يكون خبيثاً او غير خبيث طبقاً للشخص المصاب لا للتحاليل الطبية وهنا قد تتجه القصة نحو الرمز وتدور احداثها لمعرفة ماهية هذا الورم، وكيف يعاني هذا الشخص منه، ثم كيفية استئصاله ، وتمضي القصة هكذا لنتكتشف في نهايتها مثلاً أن هذا الورم ما هو إلا ضمير الشخص نفسه والذي جعل حياته مستحيلة وسط عالم بلا ضمير.
مهما يكن فيجب علينا بعد ان أسرنا القارئ بالبداية القوية يجب ألا نفلته بل نبقيه مشدوداً متابعاً للنهاية ،والبعض قد يسرد الموضوع مكتملاً بعد المقدمة الشيقة ، وهنا قد يبقى القارئ للنهاية وقد لا يبقى ، وقد يكمل ولكنه أيضاً قد ينسى ما قرأ بمجرد فروغه منه.
ورأيي المتواضع في هذه النقطة أن القصة يجب أن تظل مشوقة للنهاية وهذا لن يتاتى إلا بعدم منح القارئ المعلومة بسهولة وعلى طبق من ذهب ،فالمعلومة التي يكتسبها سريعاً ودون مجهود منه تنسى سريعاً ،بينما التي يعمل على اكتشافها تبقى طويلاً في ذهنه وتجعله يحن لمعاودة قراءة القصة مرة اخرى، ولذا أرى أن يسرد الكاتب قصته على مراحل لا مرحلة واحدة فهو يعيش الحاضر ثم يرتد بذاكرته للماضي ليكشف للقارئ بعض ما خفى عنه ثم يرده فعل ما او كلمة ما للحاضر فيعيشه ثانية إلى أن يتسبب شيء ما للعودة للماضي مرة اخرى ليكشف للقارئ جزء آخر ، وهكذا يستمر التراوح بين الماضي والحاضرفيما يعرف بالتقطيع ليكتشف القارئ الأحداث تدريجياً حتى يصل للنهاية والتي غالباً ما تكون هي نفسها لحظة التنوير (الكشف)
في القصة ، وهنا يجب على الكاتب انتقاء النهاية بكل عناية وتركيز فيه كما قلت من قبل "المذاق الأخير للقصة والذي يبقى على لسان / ذاكرة القارئ.
انتظر تفاعلكم مرحباً بالرأي والرأي الآخر.
نادية بوغرارة
18-06-2010, 11:19 AM
ورأيي المتواضع في هذه النقطة أن القصة يجب أن تظل مشوقة للنهاية وهذا لن يتاتى إلا بعدم منح القارئ المعلومة بسهولة وعلى طبق من ذهب ،فالمعلومة التي يكتسبها سريعاً ودون مجهود منه تنسى سريعاً ،بينما التي يعمل على اكتشافها تبقى طويلاً في ذهنه وتجعله يحن لمعاودة قراءة القصة مرة اخرى، ولذا أرى أن يسرد الكاتب قصته على مراحل لا مرحلة واحدة فهو يعيش الحاضر ثم يرتد بذاكرته للماضي ليكشف للقارئ بعض ما خفى عنه ثم يرده فعل ما او كلمة ما للحاضر فيعيشه ثانية إلى أن يتسبب شيء ما للعودة للماضي مرة اخرى ليكشف للقارئ جزء آخر ، وهكذا يستمر التراوح بين الماضي والحاضرفيما يعرف بالتقطيع ليكتشف القارئ الأحداث تدريجياً حتى يصل للنهاية والتي غالباً ما تكون هي نفسها لحظة التنوير (الكشف)
في القصة ، وهنا يجب على الكاتب انتقاء النهاية بكل عناية وتركيز فيه كما قلت من قبل "المذاق الأخير للقصة والذي يبقى على لسان / ذاكرة القارئ.
انتظر تفاعلكم مرحباً بالرأي والرأي الآخر.
========
[color="darkred"]من المؤكد أنها ليست مهمة سهلة ، أن نبقي القارئ بين سطور القصة إلى النهاية ،
و العبرة ليست بحجم القصة /طالت أو قصرت / فهناك قصص طويلة تشدنا متابعتها إلى النهاية ،
و هناك قصص رغم قصرها و اقتضابها إلا أنها مملة و لا تشجع بدايتها و موضوعها على متابعة القراءة.
إن التمييز بين القصة التحليلية و القصة العادية ، يوقعني في بعض اللبس في الفهم ،
فكثيرا ما أقرأ قصصا لا أستطيع استخلاص الفكرة منها لكثرة الرموز التي تحتمل تأويلات كثيرة ،
حيث ينتقل بي الأمر من المتعة إلى بذل الجهد في التخمين دون التأكد من مدى صحته .
أليس الهدف من القص هو إيصال فكرة ما ، رسالة ما ، صورة ما ، للقارئ؟
فكيف يمكن للقاص أن يأتي بحكي يصل للمتلقي دون إغراقه في الشك و الحيرة حول موضوع القصة ،
و أيضا دون أن يخل باحترام ثقافته و عقله التواق للأدب الجيد الذي يجنّب ذائقته سفاسف
الحكي و بلادة السرد و الفذلكة اللغوية ؟
شكرا لك أستاذنا على هذه الفسحة المعرفية الممتعة .
حسام القاضي
18-06-2010, 09:16 PM
========
من المؤكد أنها ليست مهمة سهلة ، أن نبقي القارئ بين سطور القصة إلى النهاية ،
و العبرة ليست بحجم القصة /طالت أو قصرت / فهناك قصص طويلة تشدنا متابعتها إلى النهاية ،
و هناك قصص رغم قصرها و اقتضابها إلا أنها مملة و لا تشجع بدايتها و موضوعها على متابعة القراءة.
إن التمييز بين القصة التحليلية و القصة العادية ، يوقعني في بعض اللبس في الفهم ،
فكثيرا ما أقرأ قصصا لا أستطيع استخلاص الفكرة منها لكثرة الرموز التي تحتمل تأويلات كثيرة ،
حيث ينتقل بي الأمر من المتعة إلى بذل الجهد في التخمين دون التأكد من مدى صحته .
أليس الهدف من القص هو إيصال فكرة ما ، رسالة ما ، صورة ما ، للقارئ؟
فكيف يمكن للقاص أن يأتي بحكي يصل للمتلقي دون إغراقه في الشك و الحيرة حول موضوع القصة ،
و أيضا دون أن يخل باحترام ثقافته و عقله التواق للأدب الجيد الذي يجنّب ذائقته سفاسف
الحكي و بلادة السرد و الفذلكة اللغوية ؟
شكرا لك أستاذنا على هذه الفسحة المعرفية الممتعة .
نعم هي مهمة ليست سهلة أتفق معك ، ولكنها أيضاً ليست صعبة للغاية هي تحتاج فقط شيء من المران والتجريب .
والقصة ككل يجب أن تكتب طبقاً لخطة موضوعة في ذهن الكاتب ،إذ يجب على القاص عندما تواتيه فكرة ما ان يتركها بعض الوقت حتى تنضج وتختمر في ذهنه وقتها يرى الكيفية التي يمكن بواسطتها اخراجها للنور بالشكل الذي يرضيه هو أولاً ثم الآخرين فيفكر في البداية والنهاية وخط سير أحداث العمل وهكذا وعندما تواتيه لحظة الكتابة نفسها يخرج ما لديه على الورقة ، ولكن يجب عليه بعد ذلك ان يراجع ما كتب ويرى ما قد ينقص في موضع ما أو يزيد في موضع آخر وهكذا حتى يخرج العمل في الشكل الملائم ، وفي القصة العادية قد يلجأ الكاتب إلى استخدام أكثر من تقنية في الكتابة فقد يلجأ إلى تقديم جزء معين عن تسلسله المنطقي لجذب انتباه القارئ في البداية ثم يبدأ في العودة تدريجياً للتسلسل المنطقي للأحداث ، ولكن هذا يتم دون وجود رمز ما ،اما في القصة التحليلية فقد يستخدم نفس التقنيات بالاضافة إلى الرمز.
ويجب ان تكون الرموز في القصة التحليلية محسوبة بدقة فكثرتها تضر وبالعمل ولا تفيده ،بعض الغموض مطلوب ،ولكن الغموض الكامل في رأيي المتواضع فشل للكاتب أولاً واخيراً؛فلو انه التزم بالخطة المفروضة لما خرج الأمر من يديه هكذا ،إذ يجب عليه ان ينثر إضاءات متتالية في مناطق معينة من القصة وبشكل تدريجي حتى يصل القارئ إلى مقصده امأ ان يقول "انا أكتب في طيف غير محدد وعلى كل قارئ أن يرى الأمر من وجهة نظره هو "فهذا ما أراه نوعاً من الهروب، يجب أن يكون الخط الرئيسي للعمل واضحاً للكثرين وبعدها قد يتشعب عنه تشعبات جانبية كل يراها حسب رؤيته الخاصة وهذا مقبول بل وجيد ان نرى في العمل رؤى خاصة ولكن بالاضافة إلى الأساس الذي لا يختلف عليه أحد، والعمل الجيد هو الذي يثير تساؤلات القارئ ويمتعه في آن لا أن يجهده ويشتته .
أليس الهدف من القص هو إيصال فكرة ما ، رسالة ما ، صورة ما ، للقارئ؟
بلى هو كل ذلك،و لو لم يكن لكان نوعاً من العبث.
فكيف يمكن للقاص أن يأتي بحكي يصل للمتلقي دون إغراقه في الشك و الحيرة حول موضوع القصة ،
و أيضا دون أن يخل باحترام ثقافته و عقله التواق للأدب الجيد الذي يجنّب ذائقته سفاسف
الحكي و بلادة السرد و الفذلكة اللغوية ؟
تلك هي المعادلة الصعبة والتي تحتاج إلى عناصر متضافرة كثيرة أهما ـ بالإضافة إلى الموهبة والرؤية الثاقبة ـ التخطيط الجيد للعمل.
اعتذر للإطالة.
تقبلي خالص شكري وتقديري واحترامي
لمتابعتك الراقية
حسام القاضي
19-06-2010, 09:26 PM
اختم اليوم الحديث عن عناصر القصة القصيرة
نهاية القصة أو الخاتمة ،متى يتوقف الكاتب ويلقي القلم
وإذا كانت البداية قوية فيجب ان تكون النهاية قوية وتحمل عنصر المفاجاة ، وبحيث لا يكون هناك ما بقال بعدها.
ولنفترض مثلاً قصة تدور حول رجل عُين حديثاً في إحدى الشركات في وظيفة بسية لا تناسب امكانياته ، ومن خلال ممارسته للعمل لاحظ الكثير من السلبيات التي تعرقل سير العمل، ووجد انه ببعض التعديلات المعقولة وغير المكلفة يمكن أن يتم دفع عجلة العمل للأمام بصورة ممتازة؛فقام بتسجيل ملاحظاته مع مقترحاته لتلافيها في تفيري وقدمه مباشرة إلى مكتب المدير مباشرة بدلاً من عرضه على رئيسه المباشر وهو يتولى رفعه إلى العلى منه وهكذا حسب الروتين المعتاد ، ومضت مدة نسيى فيها الموظف الأمر إلى أن دخل عليه رئيسه المباشر غاضباً آمره بالذهاب معه مقابلة المدير الغاضب للغاية ، وطوال الطريق كان مرتجفاً وجلاً يضرب أخماساً في أسداس "..مالي أنا ومال الاقتراحات ..أما كان من الأفضل ان ألتزم الصمت ..هل وجود وظيفة اليوم من السهولة بحيث اجازف هكذا ..ألا يكفين ما جرته على اقتراحاتي في وظائفي السابقة ؟! وماذا أفعل للأفواه التي تنتظر أوبتي.؟..و..و وهكذا كانت حاله مع نظرات رئيسه الغاضبة والشامتة إلى أن دخلا مكتب المدير الذي بادره متجهماً:
النهاية الأولى:
ــ أأنت من كتب هذا التقرير؟ أجب.
ــ نـ.. نعم يا سيدي ولكن..
ــ أوتعترف بهذه البساطة ؟
ــ والله يا سيدي لم أقصد سوى..
ــ إنه تقرير ممتاز.مبروك عليك الترقية.
ــــــ
النهاية الثانية:
ــ أأنت من كتب هذا التقرير؟ أجب.
ــ نـ.. نعم يا سيدي ولكن..
ــ أوتعترف بهذه البساطة ؟
ــ والله يا سيدي لم أقصد سوى..
ــ إنه تقرير ممتاز.مبروك عليك الترقية.
وهكذا هي الحياة تعطي من يعطيها ويصارع مشاقها ؛فمن جد وجد ومن زرع حصد.
ـــــــــــــــــ
النهاية الثالثة:
ــ أأنت من كتب هذا التقرير؟ أجب.
ــ نـ.. نعم يا سيدي ولكن..
ــ أوتعترف بهذه البساطة ؟
ــ والله يا سيدي لم أقصد سوى..
ــ إنه تقرير ممتاز.مبروك عليك الترقية.
وهكذا أصبح رئيساً للقسم برغم انه كان أحدث موظفيه،واستمر على هذا الموال يدقق ويلاحظ ثم يرفع تقاريره المفيدة فصار ينال ترقية إثر ترقية ومنصباً بعد منصب حتى أصبح ذات يوم مدير عام الشركة.
هي مقترحات وليدة اللحظة لنهايات بها اختلافات يسيرة ولكن الفارق بينهم كبير .
تُرى أيهم الأفضل ؟ولم؟
تقديري واحترامي
حسام القاضي
19-06-2010, 10:12 PM
وتعرف الفارق بين القصة القصيرة جدا والومضة ...
ولعلي أتشرف بالعودة لطرح المزيد من الاستفسارات
نعود اديبتنا القديرة إلى سؤلك المهم، وأن هنا أعبر عن وجهة نظري كمتذوق أولاً وأخيراً ..
وأعتقد أننا قد ذكرنا فيما سبق أن القصة القصيرة جداً لها نفس عناصر القصة القصيرة المعتادة
من حدث وصراع و ..بالاضافة إلى المزيد من التكثيف والايحاء ، وأعتقد أن الومضة وهي كما يطلق عليها البعض "قصة قصيرة جداً جداً" تمضي نحومزيد من التكثيف والاختزال حتى انها قد تستغنى عن الصراع وتكاد تقترب من الشكل الخبري في بعض الأحيان ، والبعض يسميها "كبسولة"حيث تكون مركزة شديدة الايحاء ، وقد يقتنص الكاتب فيها لقطة موجزة قد تعبر عن الكثير ،وقد يلعب الرمز فيها دور البطولة.
هذه كما قلت وجهة نظري كمتذوق وعلى المتخصصين ذوي الخبرة أن يدلوا بآرائهم هنا لنستفيد جميعاً.
وقد كانت لي محاولة وحيدة في ما يعرف بالومضة أو القصة القصيرة جداً جداً
وما جرؤت على نشرها من قبل إلا كرد في موضوع لشخص عزيز على.
جعل المكعب خلفه ويمم وجهه شطر النجوم
في الصباح وجدوه منكفئاً على وجهه
وعلى غطاء رأسه آثار أقدام..
النجوم!!
هي مجرد محاولة مني للسير في كهف مظلم أجهله.
تقديري واحترامي.
حسام القاضي
19-06-2010, 10:34 PM
بداية موفقة جداً
كيف لا وهي مع أروع القاصين في واحة الإبداع ؟!
أرجو أن تقول لنا كيف كانت بدايتك مع عالم القصة القصيرة
وما هي نصيحتك للذين طرقوا أبواب دور القصة القصيرة ؟!
شكراً لك عزيزي على هذه الاستضافة
ودي واحترامي
بدر ..
أخي الفاضل/ بدر عرفج التميمي
السلام عليكم
شرفت وسعدت بوجودك هنا
أعتقد اني قد اجبت على أسئلتك العزيزة
في الصفحات السابقة
تقبل تقديري واحترامي
حسام القاضي
19-06-2010, 10:39 PM
شكرا على هذه الإستضافة ولعلني أكون من أكثر المستفيدين من الأطلاع عليها خصوصا وقد بدأت الكتابت في مجال القصة القصيرة وال ق .ق . ج بدون تأهيل علمي أو معرفي اللهم ما أجده في نفسي من قدرة على السرد الذي أجدني غير راض عنه ولعلني هنا أجد ما ينعني ويدفع قدرتي على انتهاج السبيل الأفضل للوصول الى الطرية الفضلى
دمت مبدعين وشكرا للقائمين
أخي الشاعر الكبير والأديب/ محمد ذيب سليمان
السلام عليكم
بل أنا من يشكرك لتشريفك متصفحي المتواضع
كل الكتاب كتبوا أولاً ثم اتجهوا للمزيد من المعرفة عما يكتبون
أشكر لك هذا التواضع الجميل
تقبل تقديري واحترامي.
حسام القاضي
19-06-2010, 11:35 PM
نرحب بأستاذنا الفاضل والأديب الكبير حسام القاضى
فأهلا وسهلا دائما
أ. حسام ، سأبدأ معك من البداية
على يد مَن تتلمذت حتى صَرت من كبار الأدباء فى مجال القصة ؟
مَن كان قدوتك فى أدب القصة القصيرة ؟
ولمن قرأت من كبار أدباء العالم العربى فى هذا المجال ؟
وإن شاء الله لىّ عودة مع هذه الصفحة الثرية .
ولا يفوتنى أن أشكر أخى الأستاذ أحمد عيسى على أفكاره وأختياراته الصائبة
تحياتى
اختي الفاضلة الأديبة / مرحة عبد الوهاب
السلام عليكم
أولاً أعتذر لتأخري في الرد
على يد مَن تتلمذت حتى صَرت من كبار الأدباء فى مجال القصة ؟
أشكرك ولتسمحي لي بتوضيح صغير فلست من كبار الأدباء بل أنا مجرد كاتب محب لفن القصة القصيرة
وإما عن السؤال فلا أدري أكان من سوء حظي أم حسنه أنني لم أتتلمذ على يد أحد بشكل مباشر؛فقد كنت في شبه عزلة أقرأ كثيراً وأحاول الكتابة من خلال ما أدركته معتمداً على ذائقتي ،ثم فيما بعد بدأت في القراءة عن أصول ما احاول كتابته من خلال نقاد متخصصين بالاضافة طبعاً إلى الكثير من الأعمال الرائعة لمبدعين متنوعين سواء كانوا من مصرأومن خارجها (أعني بهم الكتاب العالميين) ويمكن القول هنا أنني تتلمذت على يد كل من قرات لهم بل وأدين لهم بالفضل.
مَن كان قدوتك فى أدب القصة القصيرة ؟
ربما كل من قرأت لهم(في القصة بشكل عام) ففي كل مرحلة سنية كان احدهم قدوتي ففي البداية أعجبت بشكل خاص بأدب يوسف السباعي ،وعبد الحميد جودة السحار ، ونجيب محفوظ ،ويحيى حقي، ومحمود البدوي وحسين القباني ثم اعجبت جداً بأعمال تشيكوف ، وموباسان ، وألفونس دوديه ، وبلزاك ،وفيكتور هوجو ،سومرست موم، وتوماس هاردي وغيرهم(المترجمة طبعاً) ربما لاأذكر من أعمالهم الكثير الآن وبعد مضي زمن ولكن اكاد أجزم أنني قد تشربت خلاصة ما قرأت وأستفدت منه ومازلت ، وبالتأكيد كان للعملاق يوسف ادريس دور خاص هام جداً فمن منا لم يتأثر به؟!وكان لأسلوب جبران خليل جبران المتميز دوراً هاماً لا ينكر.
هي مجرد أمثلة فقط فللذاكرة حدود.
تقبلي تقديري واحترامي.
نادية بوغرارة
20-06-2010, 12:12 AM
ولنفترض مثلاً قصة تدور حول رجل عُين حديثاً في إحدى الشركات في وظيفة بسية لا تناسب امكانياته ، ومن خلال ممارسته للعمل لاحظ الكثير من السلبيات التي تعرقل سير العمل، ووجد انه ببعض التعديلات المعقولة وغير المكلفة يمكن أن يتم دفع عجلة العمل للأمام بصورة ممتازة؛فقام بتسجيل ملاحظاته مع مقترحاته لتلافيها في تفيري وقدمه مباشرة إلى مكتب المدير مباشرة بدلاً من عرضه على رئيسه المباشر وهو يتولى رفعه إلى العلى منه وهكذا حسب الروتين المعتاد ، ومضت مدة نسيى فيها الموظف الأمر إلى أن دخل عليه رئيسه المباشر غاضباً آمره بالذهاب معه مقابلة المدير الغاضب للغاية ، وطوال الطريق كان مرتجفاً وجلاً يضرب أخماساً في أسداس "..مالي أنا ومال الاقتراحات ..أما كان من الأفضل ان ألتزم الصمت ..هل وجود وظيفة اليوم من السهولة بحيث اجازف هكذا ..ألا يكفين ما جرته على اقتراحاتي في وظائفي السابقة ؟! وماذا أفعل للأفواه التي تنتظر أوبتي.؟..و..و وهكذا كانت حاله مع نظرات رئيسه الغاضبة والشامتة إلى أن دخلا مكتب المدير الذي بادره متجهماً:
النهاية الأولى:
ــ أأنت من كتب هذا التقرير؟ أجب.
ــ نـ.. نعم يا سيدي ولكن..
ــ أوتعترف بهذه البساطة ؟
ــ والله يا سيدي لم أقصد سوى..
ــ إنه تقرير ممتاز.مبروك عليك الترقية.
ــــــ
النهاية الثانية:
ــ أأنت من كتب هذا التقرير؟ أجب.
ــ نـ.. نعم يا سيدي ولكن..
ــ أوتعترف بهذه البساطة ؟
ــ والله يا سيدي لم أقصد سوى..
ــ إنه تقرير ممتاز.مبروك عليك الترقية.
وهكذا هي الحياة تعطي من يعطيها ويصارع مشاقها ؛فمن جد وجد ومن زرع حصد.
ـــــــــــــــــ
النهاية الثالثة:
ــ أأنت من كتب هذا التقرير؟ أجب.
ــ نـ.. نعم يا سيدي ولكن..
ــ أوتعترف بهذه البساطة ؟
ــ والله يا سيدي لم أقصد سوى..
ــ إنه تقرير ممتاز.مبروك عليك الترقية.
وهكذا أصبح رئيساً للقسم برغم انه كان أحدث موظفيه،واستمر على هذا الموال يدقق ويلاحظ ثم يرفع تقاريره المفيدة فصار ينال ترقية إثر ترقية ومنصباً بعد منصب حتى أصبح ذات يوم مدير عام الشركة.
هي مقترحات وليدة اللحظة لنهايات بها اختلافات يسيرة ولكن الفارق بينهم كبير .
تُرى أيهم الأفضل ؟ولم؟
تقديري واحترامي
===========
لو لم يذكر الكاتب أن كلا من المدير المباشر و المدير هما في حالة غضب ، لكانت الترقية مقبولة ،
إلا ان يكونا يمثلان عليه الغضب لغاية في نفسهما ، و هي خلق المفاجئة .
====
من بين النهايات الثلاث أختار الأولى :
لقد كانت مباشرة و وواضحة و مقتضبة ، و تترك القارئ يتخيل الباقي .
مع اعتراضي على جملة :أوتعترف بهذه البساطة ؟
اما الثانية فلم أستسغ تلك الخاتمة :
وهكذا هي الحياة تعطي من يعطيها ويصارع مشاقها ؛فمن جد وجد ومن زرع حصد.
إذ وجدتها موغلة في الوعظ ، و تلقن القارئ ما يجب أن يصل إلى فهمه دون أن تترك له فرصة التخيل .
والثالثة أخت الثانية و تبدو مبالغة و خيالية نوعا ما ، و غير منطقية في التركيز على التقارير كسبب لكل ذلك التطور في المنصب .
مجرد رأي .
شكرا لك أستاذنا .
حسام القاضي
20-06-2010, 08:51 PM
===========
لو لم يذكر الكاتب أن كلا من المدير المباشر و المدير هما في حالة غضب ، لكانت الترقية مقبولة ،
إلا ان يكونا يمثلان عليه الغضب لغاية في نفسهما ، و هي خلق المفاجئة .
====
من بين النهايات الثلاث أختار الأولى :
لقد كانت مباشرة و وواضحة و مقتضبة ، و تترك القارئ يتخيل الباقي .
مع اعتراضي على جملة :أوتعترف بهذه البساطة ؟
اما الثانية فلم أستسغ تلك الخاتمة :
وهكذا هي الحياة تعطي من يعطيها ويصارع مشاقها ؛فمن جد وجد ومن زرع حصد.
إذ وجدتها موغلة في الوعظ ، و تلقن القارئ ما يجب أن يصل إلى فهمه دون أن تترك له فرصة التخيل .
والثالثة أخت الثانية و تبدو مبالغة و خيالية نوعا ما ، و غير منطقية في التركيز على التقارير كسبب لكل ذلك التطور في المنصب .
مجرد رأي .
شكرا لك أستاذنا .
أولاً أشكرك لمتابعتك الراقية وتواضعك الجميل والذي يساعدني جداً في طرحي
فتجاوبك معي هنا قد يفيد بعض المبتدئين الذين يمرون من هنا ويتابعون في صمت ..
إلا ان يكونا يمثلان عليه الغضب لغاية في نفسهما ، و هي خلق المفاجئة .
في الحقيقة ان رئيسه المباشر كان غاضباً بالفعل (لتخطيه أولاً وثانياً لتوقعه أنه اخطأ خطأ جسيماً) وهذا يبدو في نظراته الغاضبة "والشامتة".
أما غضب المدير فكان تمثيلاً على الإثنين ،على رئيسه المباشرليرى ردة فعله، وعليه ليتأكد انه صاحب التقرير بالفعل ، ولهذا جاءت الجملة :
أوتعترف بهذه البساطة ؟
وكأنها استنكار منه لاعترافه وكأنه ارتكب جرماً ؛فهو هنا يختبره إما أن يتنصل من عمله ويذكر فاعله الأصلي أو يتمسك به ، وهكذا يتأكد بشكل تام.
وطرح النهايات هنا هو كما تفضلت للكشف عن سلبيات بعض النهايات ، وأوافقك على ما اخترت برغم انها ليست نهاية مبهرة ولكن كان الهدف منها الاشارة إلى نقيضيها لمعرفة عيوبهما.
لقد كانت مباشرة و وواضحة و مقتضبة ، و تترك القارئ يتخيل الباقي .
بخبرتك وذائقتك أشرت إلى أهم ما فيها بالفعل.
وهكذا هي الحياة تعطي من يعطيها ويصارع مشاقها ؛فمن جد وجد ومن زرع حصد.[/u][/color]
إذ وجدتها موغلة في الوعظ ، و تلقن القارئ ما يجب أن يصل إلى فهمه دون أن تترك له فرصة التخيل .
هي كذلك بالفعل ويلجأ البعض إليها ظناً انها تؤكد المعنى الذي أراده ، وهي بمثابة تعقيب على العمل من الخارج وتجعل نهاية العمل تقريرية .
اما عن الثالثة فاوافقك على عدم استساغتها وهي تشبه نهايات بعض الأفلام السيئة التي تجعل الحبيبين يتزوجان بعد عناء ولا تكتفي بذلك بل تصف حالهم بعد عام ومعهم طفل،وربما تصورهم شيوخاً أيضاً ، وهي مثال لما يطلق عليه بعض النقاد "النهاية ذات الذيل"فيقولون انه جعل لنهايته ذيلاً "،وهي من أسوأ النهايات والتي تدل على أن كاتبها لا يعرف أبداً متى يتوقف .
سعدت جداً يتجاوبك الذي حقق للموضوع الحراك المطلوب .
مع خالص شكري وتقديري واحترامي.
الطنطاوي الحسيني
20-06-2010, 10:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بكل الحب والتقدير استشرفنا ابعاد استاذيتك اخي الاستاذ حسام القاضي
و رجاء لا تحرمنا من ابداعاتك وتوجيهاتك
دمت مبدعا رائدا رائعا
وشكرا لأخينا الكريم الفاضل احمد عيسى على الفكرة الرائعة المتميزة
نادية بوغرارة
20-06-2010, 10:30 PM
في الحقيقة ان رئيسه المباشر كان غاضباً بالفعل (لتخطيه أولاً وثانياً لتوقعه أنه اخطأ خطأ جسيماً) وهذا يبدو في نظراته الغاضبة "والشامتة".
أما غضب المدير فكان تمثيلاً على الإثنين ،على رئيسه المباشرليرى ردة فعله، وعليه ليتأكد انه صاحب التقرير بالفعل ، ولهذا جاءت الجملة :
أوتعترف بهذه البساطة ؟
وكأنها استنكار منه لاعترافه وكأنه ارتكب جرماً ؛فهو هنا يختبره إما أن يتنصل من عمله ويذكر فاعله الأصلي أو يتمسك به ، وهكذا يتأكد بشكل تام.
.
=========
لا شك أن هناك من يستفيدون في صمت من هذه الصفحات الرائعة ، و اسمح لي أن أكون واحدة
من المستفيدين ، لكن ليس بصمت ، بل بمشاركة و مشاكسة ،و بشغب التلميذ الذي أحييك
على سعة صدرك و حلمك و صبرك عليه .
بعد التفسير الذي أشرتَ إليه بخصوص القصة ، أجد ما لم أستسغه في السابق مقبولا و منطقيا الآن ،
لكن هذا بالطبع غير متوفر دائما ، فلا يمكن للقاص أن يشرح الأحداث و يفسرها للقارئ ، إلا عن طريق القصة نفسها ، حيث يترك له إشارات موحية و جمل دالّة .
و هذا يجعلني أطرح عليكم نقطة جديدة تتعلق بالوسائل و الأدوات التي يَحسُن بالقاص استخدامها
ليقرب الفكرة ، فلا ينعرج فهم القارئ في اتجاه ينقص من قيمة النص ، او يحدث ثغرات في الحكي .
أرجو أن يكون في ما يأتي من ردودك إحابة وافية على هذه النقطة .
نحمد الله على هذا الموضوع الذي جاء ليلقى الضوء على القاص ،
فنتج عنه إلقاء الضوء على القصة أيضا ، و لا يخفى ما لهذا من فوائد ..
بارك الله فيكم .
حسام القاضي
21-06-2010, 08:29 PM
القاص حسام القاضي بداية أجدد الترحيب بك وأكرر الشكر للأستاذ احمد عيسى على هذه المساحة الثرية التي ستفيدنا بلا شك في إثراء تجربتنا في ميدان الكتابة السردية ...
وإليك أيها الفاضل بعض الأسئلة التي أرجو أن لا أكون قد أثقلت بها عليك (أعرف الانشغالات اليومية والالتزامات التي تحول غالبا دون التمكن من الرد مرة واحدة على كل الأسئلة ):
- الكاتب يبدع عالما خياليا ويخلق شخصيات خيالية مرتبطة بالواقع المعيش و لكن الناس يخلطون بين الشخصية وذات الكاتب بالرغم من الوعي بأن أن الكاتب يمسك بخيوط الشخصيات كلها فكيف يحقق القاص حسام القاضي حياد الراوي ؟ وهل يستطيع التعبير عن علاقة شخوصه بمحيطها دون تأثير من الأنا الساردة ؟ أي هل يستنطق شخوصه بتقمص أدوارهم أو بجعلها تتقمصه هو ؟
- تعميد نص إبداعي مهمة صعبة للغاية، هناك من يختار عنوانا من التراث وهناك من يلجأ إلى عنوان له وقع خاص في الذاكرة الشعبية .... فكيف يستطيع الأستاذ حسام القاضي اختيار عناوين قصصه ؟؟ وهل يواجه صعوبة في ذلك أم لا؟
- آخر ما توصلت إليه تقنيات الكتابة القصصية هو تجزيء القصة وتقطيعها إلى أقسام وجعلها عبارة عن مجموعة من اللوحات بعناوين مختلفة أو تذييلها بالهوامش والتعليقات بدعوى أن الحياة أصبحت معقدة وغير منسجمة، بمعنى آخر يسود الاعتقاد بأنه لا يمكن إنتاج قصة منسجمة و مترابطة في ظل التحولات الطارئة لأن ذلك لا يتلاءم مع الوتيرة السريعة لإيقاع الحياة. فهل يتفق الأستاذ حسام القاضي مع هذا الطرح؟ ولماذا؟
-ما رأيك في مواكبة النقد للإبداع وهل استطاع أن يبدد حيرة المتلقي ويساير التجديد ويضبط المصطلحات؟
- كيف تتولد فكرة قصة جديدة في ذهن القاص حسام القاضي؟ هل يفرضها حدث معين ؟ وهل يوجد بين قصصه قصص واقعية ؟
- إذا أراد القارئ حسام القاضي قراءة نص إبداعي فما هي معايير اختياراته: هل يعتمد اختيار شخصية المبدع أم العنوان؟ وهل يقرأ النص بغض النظر عن مبدعه؟
- الكتابة عملية معقدة تخضع لشروط وضوابط، وهي إما ترفع وإما تُرْكِع ... وغالبا ما نلجأ إليها لإعلان الغضب ورفض الواقع ... فهل يتفق معي الكاتب حسام القاضي ؟ وكيف يراها هو؟
أكتفي بهذا القدر من الأسئلة بالرغم من رغبتي في طرح المزيد منها ...وسأظل متابعة بشغف
تقديري
الأديبة والناقدة الأستاذة / كريمة سعيد
السلام عليكم
أولاً أشكرك لترحيبك و أتعشم أن يكون في إجاباتي ما يفيد ، وخاصة بعد تأخري في الرد هذا الوقت
- الكاتب يبدع عالما خياليا ويخلق شخصيات خيالية مرتبطة بالواقع المعيش و لكن الناس يخلطون بين الشخصية وذات الكاتب بالرغم من الوعي بأن أن الكاتب يمسك بخيوط الشخصيات كلها فكيف يحقق القاص حسام القاضي حياد الراوي ؟ وهل يستطيع التعبير عن علاقة شخوصه بمحيطها دون تأثير من الأنا الساردة ؟ أي هل يستنطق شخوصه بتقمص أدوارهم أو بجعلها تتقمصه هو ؟
نعم يخلط الكثيرون بين الشخصية وذات الكاتب ،ويرجع هذا في رأيي المتواضع إلى شيئين أولهما أن يكون السرد بضمير المتكلم ( أنا ) مع عدم توفر الخبرة اللازمة للفصل بين الكاتب والراوي ، والثاني أن يلجا الكاتب للتعبير عما يريد إلى عبارات وجمل تقريرية يقحمها إقحاما في عمله ، وهنا نرى الكاتب يطل برأسه داخل العمل ويعلن عن وجوده ، ومن خلال تجربتي المتواضعة أفضل السرد بضمير الغائب (هو / هي)
مع تقمص أدوار الشخوص لذا أرى أن الحوار الجيد المدروس من أفضل الأدوات لتحقيق هذا، ولي قصة لم يكن للراوي فيها من وجود على الإطلاق فقد جرت في شكل حواري خالص بين شخصين عبر كل منهما عن نفسه بشكل مباشر( 41 بدون لون) وأخرى كان دور الراوي فيها محدوداً للغاية ( ربطة عنق).
-تعميد نص إبداعي مهمة صعبة للغاية، هناك من يختار عنوانا من التراث وهناك من يلجأ إلى عنوان له وقع خاص في الذاكرة الشعبية .... فكيف يستطيع الأستاذ حسام القاضي اختيار عناوين قصصه ؟؟ وهل يواجه صعوبة في ذلك أم لا؟
هي بالفعل مهمة صعبة إذ يجب على الكاتب أن يختار عنواناً ملائماً للنص
شريطة ألا يجعل النص مكشوفاً للقارئ ، وأنا عادة أؤجل اختيار العنوان لحين الانتهاء من النص فأحياناًُ يأتي العنوان من النهاية ذاتها ـ والتي أعمل على جعلها مدببة لتبقى في ذاكرة القارئ طويلاً ـ وقد حدث هذا في "...ولكنه حي" وإلى حد ما في "حقيبة متربة وجورب أبيض" أو أن يكون هو جوهر العمل مثل "ربطة عنق" و "نفس ما أرادوا" و"41 بدون لون" وهكذا فأنا أفضل اختيار العنوان من خلال النص لا من خارجه.
-آخر ما توصلت إليه تقنيات الكتابة القصصية هو تجزيء القصة وتقطيعها إلى أقسام وجعلها عبارة عن مجموعة من اللوحات بعناوين مختلفة أو تذييلها بالهوامش والتعليقات بدعوى أن الحياة أصبحت معقدة وغير منسجمة، بمعنى آخر يسود الاعتقاد بأنه لا يمكن إنتاج قصة منسجمة و مترابطة في ظل التحولات الطارئة لأن ذلك لا يتلاءم مع الوتيرة السريعة لإيقاع الحياة. فهل يتفق الأستاذ حسام القاضي مع هذا الطرح؟ ولماذا؟
مع كامل احترامي لهذه التقنية ومن يستخدمها إلا أنني لا أتفق معها؛ فأنا كقارئ أولاً وأخيرا أقرأ لأستمتع فما المتعة التي يحققها لي هذا الصنف؟
وما هي الرسالة التي قد تصلني من طرح كهذا؟! قد أقرأ نصاً يحقق لي نوعاً من المتعة الوقتية ولو كان خالياً من هدف أو رسالة أم خلوه من الاثنين معاً فلا أراه مشجعاً، وإذا كانت الحياة قد أصبحت معقدة وغير منسجمة أنحاول التخفيف من وطأتها ؟أم نزيد من تعقيدها وشقائنا فيها؟!!
أرجو أن أكون قد وفقت أولاً في فهم مقصدك ثم في الرد .
وسوف أكمل بإذن الله .
تقديري واحترامي
بهجت عبدالغني
22-06-2010, 10:49 AM
الأستاذ الكريم حسام القاضي
شكراً لتواجدك معنا
ولا شك بأننا هنا جميعاً نستفيد من تجربتك الثرية المبدعة
ونستلهم من قلمك الجميل ما يضيء أفقنا الأدبي
أستاذي
ما هو رأيك في استخدام الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية في الأعمال الأدبية مثل ( القصة القصيرة والمسرحية .. الخ ) ؟
لأن البعض يقول : إن الذي يكتب في الأدب هو أديب وليس واعظاً دينياً .
لك خالص تحياتي
حسام القاضي
23-06-2010, 08:48 AM
السلام عليكم
أرحب بأخي الأديب / هشام أبو شمالة
واخي الاديب / الطنطاوي الحسيني
واخي الأديب والمفكر / بهجت الرشيد
سعدت بحضوركم الجميل
تقديري واحترامي
حسام القاضي
23-06-2010, 09:44 AM
=========
لا شك أن هناك من يستفيدون في صمت من هذه الصفحات الرائعة ، و اسمح لي أن أكون واحدة
من المستفيدين ، لكن ليس بصمت ، بل بمشاركة و مشاكسة ،و بشغب التلميذ الذي أحييك
على سعة صدرك و حلمك و صبرك عليه .
بعد التفسير الذي أشرتَ إليه بخصوص القصة ، أجد ما لم أستسغه في السابق مقبولا و منطقيا الآن ،
لكن هذا بالطبع غير متوفر دائما ، فلا يمكن للقاص أن يشرح الأحداث و يفسرها للقارئ ، إلا عن طريق القصة نفسها ، حيث يترك له إشارات موحية و جمل دالّة .
و هذا يجعلني أطرح عليكم نقطة جديدة تتعلق بالوسائل و الأدوات التي يَحسُن بالقاص استخدامها
ليقرب الفكرة ، فلا ينعرج فهم القارئ في اتجاه ينقص من قيمة النص ، او يحدث ثغرات في الحكي .
أرجو أن يكون في ما يأتي من ردودك إحابة وافية على هذه النقطة .
نحمد الله على هذا الموضوع الذي جاء ليلقى الضوء على القاص ،
فنتج عنه إلقاء الضوء على القصة أيضا ، و لا يخفى ما لهذا من فوائد ..
بارك الله فيكم .
بل انا من يشكرك ولااجد الشكر يفيك حقك
اتفق معك فليس المطلوب من القاص ان يشرح عمله بل وليس ذلك مسموحاً به،وإذا يصل المغزى للقارئ حسب ما اراده الكاتب في هذه الحالة يعد ذلك قصوراً من الكاتب نفسه، وقد قمت بشرح مقصدي هنا للإشارة لكلمة " الشامتة"والتي تؤدي غرضها في سياق ما اردت فقط، وقد لا اكون على صواب،
وعلى الكاتب ان يراجع ما كتب ويرى مدى منطقيته (طبقاً للأحداث)فلو وجد منطقة ما تحتاج إلى دعم (أي بها ثغرة) فعليه العودة إلى ما يمكنه من تلافي ذلك (أي أن يراجع ما سبق ليدعم به ما يأتي).ولهذا فإن لكل كلمة في القصة القصيرة دورها وما لا دور له فيعد زائداً ويجب التخلص منه وهذا بالفعل يتطلب كلمات دالة وموحية ، وهي مهمة ليست بالسهلة وتتطلب التاني من الكاتب مع دراسة الشخصيات وتقمص ادوارها عند الكتابة حتى يأتي فعلها مناسباً لما هي عليه فمثلاً لا يكون رد فعل المدير هو نفس رد فعل الساعي ولا الحديث الدائر على لسان كل منهم فلكل منطقه وعالمه الذي ينتمي إليه ويحكم تصرفاته.
الخلاصة هنا أننا اذا رأينا تصرفاً غير مبرر او مقنع يجب علينا العدوودة للماضي لاصلاح تلك الثغرة ولا يكون هذا بأسلوب مباشر مكشوف فالتلميح هنا يؤدي الغرض او إشارة ما إلى شيء ما يأتي دوره فيما بعد ويؤدي لمنطقية الفعل.
هذا رد أولي ويمكننا المتابعة .
تقبلي تقديري واحتارمي
حسام القاضي
23-06-2010, 01:14 PM
ا
-ما رأيك في مواكبة النقد للإبداع وهل استطاع أن يبدد حيرة المتلقي ويساير التجديد ويضبط المصطلحات؟
رغم عدم متابعتي للنقد بشكل مكثف في الآونة الخيرة إلا أنني لا اعتقد أن النقد يواكب الإبداع كما ينبغي، فما زلنا في حيرة مما يطفو على السطح بين حين وآخر من أنماط جديدة ولم ندرك بعد أبعادها ولا ضوابط إبداعها.
- كيف تتولد فكرة قصة جديدة في ذهن القاص حسام القاضي؟ هل يفرضها حدث معين ؟ وهل يوجد بين قصصه قصص واقعية ؟
حياتنا مليئة بالأفكار التي تصلح قصصاً ولكن الأهم هي اختيار الزاوية التي تصلح لطرح مميز وهذا ما يفرق بين قاص وآخر، والأحداث الجارية كثيراً ما تفرض نفسها بالإضافة طبعاً إلى ما يلاقيه الكاتب في حياته هو ، وقد تأثرت بأحداث البوسنة فكتبت قصة "ولكنه حي" وكذلك حادثة اغتصاب نشرت في الجرائد فعبرت عنها بقصتي "نفس ما أرادوا" كان انفعالي بالحدث هو ما أدى إلى العملين ولكن بتصرف مني فلم يكن ما كتبت نقلاً عن الواقع على الإطلاق بل كان استغلال له للتعبير عنه حسب رؤيتي الخاصة وفقاً لما أريد إيصاله إلى القارئ، ولي أكثر من قصة واقعية من بينهم "حقيبة متربة وجورب أبيض" ولكن المعالجة تتطلب أحيانا بعض المبالغة في موضع ما لتكون الحبكة أكثر إقناعا.
- إذا أراد القارئ حسام القاضي قراءة نص إبداعي فما هي معايير اختياراته: هل يعتمد اختيار شخصية المبدع أم العنوان؟ وهل يقرأ النص بغض النظر عن مبدعه؟
- أول ما يلفت انتباهي لأي نص هو العنوان فهو في معظم الأحيان يعبر عن مدى قوة الكاتب وتمكنه وبالتالي عن النص نفسه، ولكن كثيراُ ما يكون العنوان مجرد مصادفة لم يحسن الكتب استغلالها فجاء ما بعدها ضعيفاً فاتراً ، فلو لم يبدع بداية جاذبة فقد أصاب وقتها بخيبة أمل وقد لا أكمل القراءة ، وعادة أقرأ النص بصرف النظر عن مبدعه ، ولكن هذا لا يمنع طبعاً من القراءة لأسماء معينة أنتظر منها إبداعاً ما له ما يميزه.
- الكتابة عملية معقدة تخضع لشروط وضوابط، وهي إما ترفع وإما تُرْكِع ... وغالبا ما نلجأ إليها لإعلان الغضب ورفض الواقع ... فهل يتفق معي الكاتب حسام القاضي ؟ وكيف يراها هو؟
نعم اتفق معك فالكتابة عملية معقدة لا يدرك مدى تعقيدها إلا من يريد إبداعا مميزاً أي من يبحث عن الكيف لا الكم فهي كما قلت تماماً"إما ترفع وإما تُرْكِع" وكثيرا ما نلجأ إليها بالفعل لإعلان الغضب ورفض الواقع بشكل عام ، وهي أولا وقبل أي شيء سبيلنا للتعبير عن أنفسنا ( آلامنا وآمالنا) ولكنها في الأعم رسالة علينا أن نبلغها.
أكتفي بهذا القدر من الأسئلة بالرغم من رغبتي في طرح المزيد منها ...وسأظل متابعة بشغف
تقديري
أرجو أن أكون قد وفقت في طرح وجهة نظري المتواضعة.
مع فائق تقديري واحترامي
حسام القاضي
23-06-2010, 06:39 PM
لست بناقدة ولا أظنني أستطيع ان أكون وأنا لا املك من أدوات النقد ما يؤهلني لذلك، غير أني ونزولا عند رغبة مشرف القسم ومدير اللقاء الكاتب احمد عيسى، أورد ما منحتني قدرتي المتواضعة في هذا المجال فقد كان لي في ما سعدت بقراءته من نصوص المبدع حسام القاضي رأي أدرجه تاليا...
تمتاز كتابات القاص حسام القاضي بتقنية فنية عالية قائمة على مونتاج القطع والمزج تتبدى ببراعة وجمالية في تداخل الأزمنة عبر لقطات استراجعة تشكل ملمحا رئيسا في قصصه، وتتجلى جمالية الاسترجاع عنده بمشاهد نصية تحمل واحدتها فكرة قصة متكاملة يتم إدراجها خلل النص بمهارة الفصل المتصل كما في نفس ما ارادو، أو التداخل التام كما في بيتزا، لتشرح سوابق الحدث وما أدى إليه...
كما ويميزها إلتقاط ماهر لزوايا نفسية حادة وخوض في عمق النفس البشرية في ما يشكل استثمارا لمخزون معلوماتي يوحي بتمكن في هذا المجال
ولا شك انه يمتلك بتمكن أدوات القص ، فيقولب نصوصة في إطار من سردية عالية الفنية وقدرة على خلق الإدهاش ورسم استثنائي ومتمكن للحظة التنوير
من جهة أخرى فلعل الجملة القصصية عنده تحتمل بعض زيادة في تركيزها، لربط الحدث بموضوعة القصة/قضيتها.
ولقد أحببت أن أشير هنا الى استخدامه اللهجة المحكية أحيانا، وهو ما أجد سردية القصة أحلى بدونه وأظنني قد ذكرت له ذلك ذات مرة...
كاتبنا الكبير حسام القاضي، أسم مميز وطاقة إبداعية جديرة بالوقوف أمام مقوماتها تعلما وانتفاعا
أديبتنا الكبيرة وناقدتنا القديرة الأستاذة / ربيحة الرفاعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دراسة دقيقة للغاية ركزت فيها على الجانب التقني في قصصي بتمكن كبير
أراها عملاً مكثفاً تناول أعمالي المتواضعة (والمحظوظة) ليبرز ملامحها
بهذا الوضوح والرقي ..
وكما أشرت إلى الايجابيات فقد تكرمت أيضاً بشرح السلبيات والتي أجدني أتفق معك
عليها علني انجح يوماً ما في تلافيها.
سعدت جدأ بدراستك القيمة بل شهادتك الغالية و لا أجد حقاً ما يعبر بدقة عن امتناني العميق لك
نقد راق من ناقدة قديرة أعتز جداً برأيها
أرجو ان تتقبلي مني أسمى آيات الشكر والتقدير والاحترام
نادية بوغرارة
23-06-2010, 06:56 PM
هل تمر أيام هذا الشهر بسرعة ؟
هل نوشك أن تغلق هذه الصفحة المنيرة و المتخمة دروسا و فوائدا ؟
ربما أخذنا تعطشنا للدرس الأكاديمي ، فأفنينا جل مداخلاتنا في استغلال خبرة هذا العلَم المتميز ،
و لم نترك له فرصة يأخذ فيها أنفاسه .:hat:
و لعل الأستاذ حسام يسمح لنا بالغوص في مشاعره و في بنات أفكاره ، و يجيبنا عن الأسئلة الآتية:
- من بين إنتاجك القصصي ، ما هو العمل الأقرب إلى نفسك ، و الأحب إلى قلبك ؟
و لماذا ؟
- ما هي القصة التي لم يكتبها بعد و يحلم بها الأديب حسام القاضي ؟
- ما حكاية توقيعك / أديب ...أحيانا ؟:002:
كل التقدير لك .
حسام القاضي
23-06-2010, 08:54 PM
شكرا لمن بادر في هذا اللقاء مع قاص متميز ..
لأن شهادتي بأستاذي وأخي الكريم الأديب القاص حسام القاضي ستكون مجروحة وهو معلمي الذي بفضله استطعت أن أخط محاولاتي المتواضعة في القصة القصيرة ، وبفضل تشجيعه وإرشادته وصدقه في النقد والنصح ..
لعل أكثر ما يلفت نظري في اسلوب الأديب القاص حسام القاضي هو الرمز واستخدامه بشكل يخدم النص من الناحية الفنية في تركيب القصة ومن ناحية التشويق فيها ..
كثير منا لا يعرف كيف يستخدم الرمز في القص ليكون محورا تدور حوله الأحداث بفنية تخدم النص دون مبالغة في غموضه .
قد قمت بكتابة قراءة متواضعة عن الرمزية في كتابات أديبنا ضيف صفحة قاص تحت الضوء وأتمنى أن أجد منه بعض شرح عن كيفية استخدام الرمز ببراعة تمكن القاص من كتابة نص يحمل عدة تأويلات بنجاح ..
تحية لك أخي القدير حسام القاضي وكل الشكر على كل ما ستقدمه لنا من فائدة بإجاباتك على تساؤلاتنا ..
والشكر موصول للأخ أحمد عيسى القائم على هذه الصفحات ..
أختي الأديبة الكبيرة / وفاء خضر
كرم كبير منك أن تعتبريني أستاذاً لك
وقد كانت قراءتك القيمة درساً جميلا لشرح الرمز في بعض أعمالي القليلة
فلك جزيل الشكر
أم عن استخدام الرمز فياتي عندما تلح فكرة ما على عقلي
وسوف اتكلم عن قصتي "الحصار" كمثال لهذا
أنا ممن يحنون للماضي ولعل بيننا الكثير مثلي ، فالحصار المكاني والزماني مضروب حولنا ،قد نستطيع الافلات من حصار المكان ، ولكن كيف يمكن الافلات من حصار الزمان؟ وودت بالفعل لو كنت أستطع العيش في الماضي بإيقاعاته الهادئة ومثالياته و..و... فهل يمكن لأحد ان يعود للماضي؟من هنا جاءت الفكرة ،إذا أردت العودة للماضي فهذأ يعني الخروج من زمن والدخول إلى زمن آخر وهذا يعني نوعاً من الصراع معه ؛فما هو أفضل ما يعبر عن الزمن ؟ أعتقد الساعة وقد اخترت الساعة التقليدية ذات العقارب وقد يختار غيري الساعة الرملية (وهو اختيار جميل خطر ببالي للتو) والساعة عبارة عن أطار غالباً في شكل دائرة في متصفها عقربان وعلى المحيط أرقام الساعة ،هذا هو الرمز ولكن لايجب الافصاح عنه هكذا مرة واحدة وإلا أصبح مكشوفاً لذا نبدأ بجزء وليكن المحيط وكي لا يكون اكتشافه سهلاً أيضاً فلنجعله "شبه دائرة" في جزء تالي من القصة نستكمل جزءً آخراً فنتكلم عن الحصار باعداد كثيرة ولكن ما في المنتصف أكبر(وهنا تم استبدال الأرقام المحيطة بعقارب لمزيد من التمويه)، وهكذا إلى أن نعرفهما بأنهما عقارب ويظن القارئ أنها عقارب حقيقية،وهكذا حتى نفصح قبيل النهاية بأنها عقارب معدنية وبذا تكون الساعة وهي رمز الزمن قد تحققت أبعادها تماماً، ويجب أن يكون الأسلوب ملائماً فلا يصح بعدالعمل على الرمز هكذا ان تبدأالقصة بداية غير مقبولة "كان محاصراً بزمان يتمنى ان يتركه ويرحل إلى زمان آخر" بداية كهذه كفيلة بهدم الرمز من الأساس.
أرجو ان أكون قد وفقت في التعبير .
مع خالص تقديري واحترامي
حسام القاضي
23-06-2010, 09:15 PM
المحك النفسي وعلاقته بالدائرة الزمنية في " نفس ما أرادوا"... للمبدع حسام القاضي_ رؤية تحليلية خاصة.
قد استفزتني هذه القصة منذ وقت طويل, وتأرجحتْ على الوتر الإنساني عندي بشكل كاد أن يقطعه, لدرجة لا أبالغ معها أنني كثيرًا ما حاولت تجنبها لشدة ما تثيره داخلي من غضب وألم, حتى غلبتُ انفعالي بعد حين وتناولتها بالتحليل.
القصة هنا
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=13123
العمل كالدائرة له عدد لا محدود من النقاط التي يمكن أن يدخل منها الناقد إليه ليبحث عن نقطة التنوير فيه, وهنا كانت الاختلاجات النفسية لبطلة القص هي النقطة التي أصابتني بشرارة أدخلتني إلى قلب التنوير في العمل.
نفس ما أرادوا
العنوان جاء بأسلوب خبري لكنه مبهم استفز المتلقي وخلق عنده حالة تساؤلية, أخذت بتلابيبه إلى داخل العمل.
أحيانًا تكون المباشرة قاتلة وأحيانًا تكون كوة النور التي تضيء للمتلقي كهف العمل فيبدأ بالنظر. توجت المباشرة مدخل العمل والفاتحة التمهيدية له فجملته, وجاءت التضادية في الصفات وردود الأفعال لكلٍ من بطلي القص.. موضحة أو بالأحرى فاضحة لعالمين داخليين وآخرين خارجيين لكلٍ منهما, لتتنازع العوالم الأربعة مع الحدود الزمنية الفائتة والحالية للقص.
انصرف الجميع ولم يبق إلا هما وحدهما.. بكامل ملابسهما جلسا لتناول العشاء .. هو بنهم وسرعة ..هي ببطء وحياء .. كان ينظر إليها بين الحين والآخر نظرات تزيدها حياء وتزيده شراهة في التهام الطعام .. بحركة مباغتة أمسك بالدجاجة من فخذيها بكلتي يديه وجذبهما للخارج فانفصلا , وبدا في التهامها .. نظرت إليه مذعورة .. وضعت يدها على فيها .. وأسرعت إلى الحمام لتفرغ ما في جوفها ..
هنا المكان واحد والزمان واحد وهو الحاضر لكلٍ من بطلي القص. الفقرة تلقي بالضوء على عالم خارجي للزوج ممثلًا في الجانب الشره المنعكس من النظرات المعوجة والتهام الطعام بطريقة غير سوية, وأيضًا تنير شمعة في عالم داخلي مرتكز على شهوانية حيوانية انعكست على السرعة الزمنية التي تناول بها الزوج طعامه, وارتدت بأشعة قاتلة على عالم البطلة الداخلي عندما مزق فخذي الدجاجة بوحشية وبدأ في الالتهام. كان هذا الفعل الحيواني بمثابة الضربة التي كسرت قيد وحش حبيس داخل البطلة فبدأ أول تحرره لخارج البطلة والتي استجابت لذلك بالهروب والغثيان.
كانت هذه اللقطة -التي أبدع فيها القاص حد منتهى الذكاء- بحيث لا أبالغ عندما أقول أنها كانت عقدة الحبك وفنيته الأساسية والصارخة على الإطلاق. اللقطة جاءت ثلاثية الأبعاد من الحرفنة؛ أول بعد يتمثل في أن مرأى دجاجة تمزق – بغض الطرفِ عن طريقة تمزيقها- قد لا يعكس رد فعل البطلة الملفت بنفسه ولا بعينه عند غيرها, مما يعطي للقارئ ملمحًا بأن هذا السلوك قد ألقى داخل عالم البطلة المظلم ما وتر سطح اللاشعور عندها بعنف. ثاني بعد يتمثل في طريقة الوصف لأسلوب القاص والتي وضعتنا أمام شاشة مرئية للمشهد. ثالث بعد وهو الأروع على الإطلاق وهو تحديد مكان التمزيق في الدجاجة والفصل باليد لفخذيها من ثم الالتهام, في إشارة رائعة... رائعة لمسقط جسدي يحدد مكان الاغتصاب الحقيقي لدى البطلة.
عندما تأخرت أتاها صوته من الردهة ساخرا : ألن تأتي ؟ أم تمضين الليلة في الحمام .. لعلك لا تحتاجين طبيبا ..
رددت بشرود : طبيب .. طبيب
( نظر الطبيب إلى أمها قائلا
ــ لقد تحسنت كثيرا .
ــ الحمد لله أن جعل الشفاء على يديك يا دكتور .
ــ لم أقل أنها شُفيت . فقط قلت أنها تحسنت وحاذري أن تعرضيها إلى أحزان أو صدمات .
ــ لا أحزان بعد اليوم ،لم يعد هناك إلا الأفراح .
ــ أية أفراح ؟
ــ زفافها الذي تأجل من قبل بسبب ما حدث وكاد أن يلغى لولا أنه رجل بمعنى الكلمة.
ــ إياكِ أن تجازفي بهذا الآن .
ــ ليس الآن يا دكتور . بعد أسبوعين إن شاء الله .
ــ أسبوعان ؟! ليس قبل عام ، فهي غير متوازنة نفسيا، ولن يضمن
لك أحد ردود أفعالها في مثل هذه المواقف .
ــ الزواج أفضل حل لها . خاصة أنها شُفيت .
ــ قلت لك من قبل أنها لم تٌشف بعد، وأنا أدرى بحالتها .
ــ وأنا أمها وأنا أدرى بحالتها .
ــ لقد حذرتك وأرضيت ضميري . )
حصاة أخرى يلقيها الزوج بيدِ سخريته وبلادته في هذا اليوم الحساس للغاية والذي يستدعي من الزوج غاية الإكرام والعطف والحنو والاحتواء بالمرأة. هذه الحصاة أصابت بعنف حائط زمني قديم كان من الضعف- وهو ما نوه عنه طبيبها وحذر منه- بحيث بدأ في التشقق فورا مستدعيًا حوارات نفسية قديمة بين الأم والطبيب, وهذه الحوارات طالت وكان يمكن اختزالها بصورة أكبر , ومع ذلك فقلب الحبك لم يتأثر كثيرًا بتلك الإطالة!
وسط نحيبها ودموعها المنسابة سمعت صوته يتعجلها :
ــ ألم يحن الوقت بعد ؟ أم تريدين أن آتي أنا ؟
ــ لا أرجوك لا تأتي ، إني آتية لرفع المائدة.
ــ وهل هذا وقته ؟ دعيها فيما بعد .
ــ أحب أن يكون بيتي نظيفا ومرتبا ، ومنذ الليلة الأولى .
ــ إذن أسرعي .
دائمًا وخلال الخيط الحبكي في هذا العمل المؤثرات الصوتية والسلوكية للبطل هي لسعة السوط التي تحرك مشاعر البطلة بين الماضي والحاضر وهي في ذات الحين الوهم الذي يُمنطق الحالة اللاشعورية لديها ويعيد تشكيلها بردود فعل شعورية انتكاسية عنيفة. فصوته المتعجل الفج المأهول بعدم الحنان و المنسكب في لهجة ساخرة هو ما غمس مشاعر البطلة في وحل الماضي وهو نفسه ما أعادها إلى حالة في الحاضر أشد وحلًا.
بدأت برفع أطباقه ..لم تجد من دجاجته إلا أشلاء .. مادت بها الأرض .. كادت أن تسقط .. تمالكت نفسها وأسرعت بأطباقه إلى المطبخ .. عادت لرفع أطباقها .. في طبق الحساء كانت هناك ذبابة تقاوم الغرق .. ضاق صدرها وانساب رغما عنها على وجنتيها خيطان من الدموع .. أسرعت إلى المطبخ وهي تتأمل الذبابة الغارقة بأسى ..
النقطة الحبكية الثانية البديعة والتي أفرزها الكاتب ببراعة ممثلًا إياها في بقايا الدجاجة التي أضاف إليها لفظية وصفية للبدن وهي " أشلاء" كدلالة ومغزى, ثم في الذبابة التي تقاوم الغرق. أما عن الأولى فهي توليفة دلالية وانعكاس عن حالة زمنية فائتة أُفرزت داخل الحالة اللاشعورية للبطلة وزجت بها في بعد زمني مسبق وحالة واقعية مأساوية تعرضت لها قبلًا. وأما عن الثانية فهي رؤية تأويلية وتخيلية لحالة زمنية مستقبلية ؛ استجلبها خيال حاضر البطلة المُستفز بقسوة من ماهية الزوج الحيوانية , ومعبرًا عن نهاية مستقبلية رسمها نفس الخيال لصاحبته نفسها في تكميلية لذاك التخيل. فما تبقى من أشلاء الدجاجة هو في الحقيقة إسقاط في خيالها لما تبقى من أشلاءها قديمًا, ومصير الذبابة الغارقة هو في ذات الحين ذات المصير القادم في تكملة لحال غرق البطلة الحتمي في لاوعيها.
( لم يقل لها يوما كلمة حب واحدة ، كان ينظر إليها نظرات ملؤها الاشتهاء .. كانت بالنسبة له شيئا جميلا لا روح له ولا عقل ولا منطق .. ضاعت فترة الخطوبة بينهما في شد وجذب على شيء واحد يريده منها .. وتأباه هي .. والشرع .. والتقاليد ..
سألته ذات يوم ماذا أكون بالنسبة لك ؟ أجابها شيء شهي .. دجاجة مشوية .. سمكة مقلية .. عندما أخبرت أمها ضحكت قائلة : هكذا هم الرجال يا ابنتي . )
ما زال القاص يمارس لعبته المتقنة في الدوران في دائرة الزمن بين الماضي والحاضر, لا بقصد المباغتة ولكن بقصد التنوير, كي يلعب هذه المرة على الوتر التخيلي والتعاطفي للمتلقي.
كانت دجاجتها ترقد في الطبق كما هي لم تمس .. حملتها وربتت عليها بحنان ..
في هذا السطر الحنون طرفٌ ثالث خفي غاب عن ذهن المتلقي في خوض إبحاره في بحر القص النفسي المتواتر فتناسى دجاجتها هي التي لم تمس.. وهنا إخراج آخر مبدع للقاص وهو يفرغ ما في نفسية البطلة في لحظة قصيرة خاطفة لكنها حبلى بالحنان لتلك الدجاجة وهي تربت عليها بحنو, وهو إسقاط آخر لخيال البطلة المجني عليه عن حالتها هي. هي في خيالها تربت على نفسها الجديدة المتولدة في حالة غير طبيعية من التناقضات المتولدة والمخزونة في اللاوعي عندها, فتعدها- بل تعد نفسها– بأنها الآن.. والآن فقط في مأمن.
أتاها صوته هذه المرة مناديا نافد الصبر وهي ترفع الأدوات .. ارتبكت .. فاصطدمت يدها بسكين .. جحظت عيناها .. ارتدت للخلف .. وجلست ..
( وضعوها على رقبتها .. كانت حادة لامعة .. شل لسانها .. بعد جهد يسير اقتادوها )
وضع يديه على كتفيها .. هبت مفزوعة .. تعالت ضحكاته وهو يدفعها دفعا للحجرة .. بعد مقاومة يائسة منها دخلت .. ويدها خلف ظهرها .
( لم تعرف عددهم على وجه التحديد حينما تكالبوا عليها وكبلوها .. كان في نظراتهم بريق غريب مخيف .. انقسموا إلى فريقين .. واحد للنصف الأيمن والآخر للأيسر .. وجذبوا .. تأوهت وصرخت .. تبادلوا أماكنهم واحدا بعد الآخر .. تعالى صراخها وسط ضحكاتهم الماجنة .. تركوها ممزقة ….. والنفس و…. )
اقترب منها فارتدت للخلف .. ضحك وتقدم مرة أخرى وهو ينظر إليها .. نظرت في عينيه .. صرخت .. في عينيه نفس النظرة .. إنه يريد نفس ما أرادوا .. نفس ما أرادوا ..
رجعت للخلف .. اصطدمت بالجدار .. جحظت عيناها وهي تصرخ :
ــ ابتعدوا عني .
ــ ماذا ؟ ابتعدوا ؟ إني زوجك .
ــ قلت ابتعدوا لن تفعلوها مرتين يا أوغاد .
ــ أوغاد ؟ تعالي يا مجنونة .
هم باحتضانها عنوة .. دفعته بيسراها بينما ظهرت يمناها من
وراء ظهرها ممسكة بسكين ..ألجمت المفاجأة لسانه لحظات ثم انفجر ضاحكا :
ــ لن تستطيعين إخافتي فالليلة ليلتي . أعطني السكين .
هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة .
مرة أخرى يأتي المؤثر الصوتي للزوج- وهو باعث الإفاقة-النفسي للبطلة ومؤرجحها على حبل عوالمها الزمنية الثلاثة ؛ الحاضر والماضي والمستقبل, ليخرجها من حالة مستقبلية ويقذف بها في حالة حاضر من ثم فورًا في حالة ماضي وفي سردية تامة لكنها وحشية الوقع لما أوضحت من وحشية سلوكية- تعجبتُ لها لما نوه عنه كلام الأم مع الطبيب عن معرفة الزوج بحالة الاغتصاب السابقة. إذن الكاتب يسير بنا عبر الزمن في حالة من الالتحام بين الماضي والحاضر انعكس في التشابهية والتماثلية السلوكية لكلٍ من حاملي خنجر الاغتصاب في الماضي – المغتصبون, وحامله في الحاضر – الزوج, فينفجر بذلكَ بركان ثورة كبتها في عنف مكتسحًا الماضي بالحاضر , فتختلط الرؤيا لدى البطلة تحت خضم هذا التواتر الرهيب فتقوم برد فعل طبيعي موازيًا وهو الدفاع عن نفسها ممن اغتصبوها في الماضي مسقطة دفاعها واقعيًا في شخص من يحاول اغتصابها في الحاضر- باسم الزواج- بطعناتٍ لها عدد ليس صدفة وإنما محسوب في عقلها بعدد مَن اغتصبوها, كل طعنة تمثل مغتصبًا, ولا تتوقف الطعنات إلا بانتهاء العدد.
لا يمكن أن ندعي أن القاص باغتنا بالنهاية فقد كانت متوقعة في خضم معاناة البطلة ومنوه عنها من القاص في تعبيراته الوصفية السردية والخبرية والتي عرت في عنف ماهية وكينونة الحالات النفسية وتقاطعها مع الأبعاد الزمنية لدى البطلة, ووصفت في ذات الوقت وفي تقريرية مؤثرة وحشية شريعة الغاب التي اتخذها أشباه البشر في تعاملاتهم وسلوكياتهم مع تلك المرأة؛ سواءً في الماضي بمخالب ذئاب البشر, أو في الحاضر بمخالب بهائم البشر.
في النهاية الكاتب يعبر عن حالة إنسانية بمكونات خارجية ظاهرية وداخلية خفية مستخدما براعة تنقلية عبر مستويات الزمن الثلاثة بالتقاطع مع محور هام من المكانية الواقعية ليدخلنا في دوامة دائرة قطرها ملمح ذاتي إنساني يبثه الكاتب في شكل نصح وتحذير, ونصف قطرها ملمح إنساني للحالة الرقيقة الهشة المتمثلة في المرأة والتي تعرضت للتهشيم الظالم, ليعطينا في النهاية مساحة للدائرة هي الإبداع, ومحيطًا لها هو غاية تعاطف المتلقي مع القضية.
.....
أنا- مع غضبي الشديد- لا يمكنني بحال أن أسقط نفسي في بركة التعميم فأسقط تلك الحالة البهائمية على كل الرجال فمنهم الكثير ممن يحملون الرحمة والخوف من الله نبراسين في قلوبهم, لكنني أخص بالتحقير الشديد هؤلاء الذين باعوا إنسانيتهم لشيطان شهواتهم وأهواءهم, وأقول لهم اعلموا أن الله أعطاك ثقة وأمانة القوامة, أي الحماية والحراسة لهذا المخلوق الحساس, فلا تظن – يا من أنت منهم- أن القوامة أفضلية تميزك عنها فتشطط, لتضعها بيد شططكَ في درجة دنيا, لكن افهم – هداك الله- أن الكنز الثمين فقط هو من يُحرس ويُحمى.
وفي السياق أسوق لكَ حديثين فقط من أحاديثٍ كثر عن معلم البشرية الأحمد صلوات ربي عليه وتسليماته :
الأول عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في"1.
الثاني: عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو [لغو] وسهو ولعب إلا أربع [خصال]: ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشيه بين الغرضين2 وتعليم الرجل السباحة"3.
*الجامع الميسر لمؤلفات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
ـــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ ـ
1 -أخرجه مسلم 1/168 – 169 وأحمد 6/62 وغيرهما.
2 -تثنية "غرض" وهو الهدف.
3 -أخرجه النسائي في عشرة النساء ق 74/2,
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
الشكر لا يفيكَ حق لفت الأنظار إلى هذه القضية – أخي الأستاذ حسام القاضي- بهذا التعاطف الإنساني النبيل, والعذر أسوقه في أنني أحببت – لكن يقيدني انشغالي الشديد- لو أخرجت آلاف الصفحات في تحليلي لهذه الحالة الهشة هشاشية أوراق الخريف والرقيقة رقة النسيم,حسبها وحسبنا الله. وأعقب أخيرًا لكَ- يا من أنت على شطط- أو لغيرك, وأرضي ضميري, وأشهد الله أنني نصحتكَ يومًا:
اعلم يرحمكَ الله- أنكَ على شفا حفرةٍ من النار, وإنه آتٍ يومٌ لا قبل لأحد بوصفه؛ يوم الفزع الأكبر الذي فيه يدعو حتى الرسل والأنبياء أنفسهم : يارب سلم.. سلم ..!
فسَّلم بناتِ خلق الله... يُسلمكَ الله !!!
د. نجلاء طمان
لا أدري كم مرة قرأت هذا الابداع الراقي
وكم من مرة حاولت الرد فلم يطاوعني قلمي
أختي الأديبة الراقية والناقدة المبدعة / د. نجلاء طمان
ردتني دراستك الأدبية البديعة إلى سنوات خلت ..إلى ندوة قرأت فيها
هذه القصة لأول مرة وقد نالت استحسان الكثيرين وخاصة النساء لدرجة
ان قالت لي إحداهن :لقد كنت خير سفير لنا ولقضايانا هنا في قصتك..
والآن فقط يبدو لي أنني قد وعيت ما قصدن وقتها ؛فقد صغت بإحساسك الأنثوي
دراسة تحليلة عميقة للغاية لدرجة شعرت معها وكأنها قضيتك الشخصية .. قضية كل إمرأة
وهذا تحديداً ما ذكرني بالماضي.
وكناقدة حساسة لا يشق لها غمار طفت بتفاصيل التفاصيل في العمل فقمت بتشريحه
وتفتيته إلى جزيئات صغيرة ومع تحليل نفسي لكل منها وربطها بمجمل العمل لتنسجي لنا في النهاية هذاالعمل الحريري ..
جاء ربطك للقصة بديننا الحنيف في موضعه تماماً ؛فلو كان هناك التزام بدينا،وبتعايلمه لما وصلت بنا الحال إلى هذا..
لا اجد ما اقول حقاً ،ولكن تغلغلك في دواخل النفس البشرية بهذه الصورة في تحليلك المستفيض يصبح خير سفير لعملي المتواضع إلى عقول بل وقلوب من سيقرأ.
بالتأكيد يحب كل مبدع أعماله ولكن بدرجات متفاوتة
فهل تعرفين كم زاد حبي لقصتي هذه بعد دراستك العميقة الحساسة تلك؟؟
لاأعتقد ..
لا أملك سوى الشكر ، وما أعجزه !!
مع خالص تقديري واحترامي
حسام القاضي
23-06-2010, 09:23 PM
شكرا لكل من مر من هنا وترك بصمته وأفادنا وأخص بالذكر الأديبات الراقيات وفاء شوكت وربيحة الرفاعي نادية بوغرارة د نجلاء الطمان والأديب الكبير د مصطفى عراقي ....
بعد التجول بين ردودكم الثرية هنا رسمت لي عناوين القاص حسام القاضي التي نثرتموها هنا شخصيته الأدبية المنخرطة في قضايا محيطه واهتماماته بطريقة تفرض التقدير والاحترام....
لقد وجدته يختار عناوين قصصه بذكاء وهو يرصد دينامية الحياة العامة و يتعامل معها مثل طبيب ماهر..لذلك تعلق صورته بالذاكرة وهو يرخي "ربطة عنق " ذلك " الرجل الذي فقد أنفه" عندما كان يتطلع إلى فسحة أمل لمقاومة " الحصار" في وضع مزر " بدون لون" يحاول إنعاشه ومده بالأوكسيجين بشتى الوسائل حتى لو استدعى الأمر أن يجري له "عملية جراحية" بمبضع قلمه الجميل ويرتب الفوائد والعيوب ويفرقها على "حقيبة متربة وجورب أبيض" ويقيس ضغطها وضغط الشارع العربي الذي تعكسه " مرايا" عقله الواعي في صورة " الحطام" الذي يسعى إلى إعادة بنائه فيجد نبضه ضعيفا جدا وخافتا "ولكنه حي" فيحاول إنعاش ذاكرته بـ"ـبيتزا" ساخنة ليستطيع محاكاة الواقع وليبدع له صورا إيجابية تقود خطواته الممكنة نحو الخلاص وبذلك يصل إلى قلوب قارئيه بـ"ــنفس ما أرادوا" وأراد ...
الأديبة / كريمة سعيد
جميلة منك بل رائعة هذه اللوحة الفنية
والتي صغتيها ببراعة ..
ذكرتني بما يعرف بـ الفسيفساء وهي لوحات تصاغ بتجميع أجزاء بالغة الدقة
بمهارة فنان واع ماهر.
لك جزيل الشكر ووافر الاحترام.
مازن لبابيدي
24-06-2010, 05:55 AM
أعود أيها الإخوة والأخوات بينكم لمتابعة هذا اللقاء المثمر الذي تحول إلى مدرسة لفن القصة القصيرة ، محققا بذلك الفائدة المرجوة منه وزيادة ، فشكرا لضيفنا وأديبنا الأستاذ حسام القاضي وشكرا لأخي أحمد عيسى وشكرا لكم جميعا لتفاعلكم ومشاركاتكم .
أستاذ حسام القاضي ، أحب أن أسمع منك بعض التفصيل فيما يتعلق بالرمز في كتاباتك ، اختياره وتوظيفه وأهميته . ولك الشكر الجزيل
حسام القاضي
25-06-2010, 11:59 AM
أجدد ترحيبي بأديبنا المتميز القاص المبدع حسام القاضي وأستأذنكم جميعا في طرح مقاربة متواضعة تعبر عن رؤيتي الخاصة – وغير المتخصصة - في أعمال أديبنا الكبير وأسلوبه وفكره .
وكتوطئة لذلك فأعترف أن جميع قراءاتي لأدب الأستاذ حسام القاضي هي فقط من خلال إعماله المنشورة في رابطة الواحة الثقافية ، وتحديدا في قسم القصة والأقصوصة ، إضافة لمشاركاته العديدة التي أتابعها وأبحث عنها في المواضيع الآخرى والتي تشكل الجانب النقدي من أدب كاتبنا القدير وضرورتها واضحة في استكمال الصورة العامة حول غزارة علمه ووضوح النهج الفكري ورؤيته في الأسلوب القصصي .
هذا المدخل لكتابات الأستاذ حسام القاضي ومشاركاته يفتح كذلك أمام المتأمل نافذة لشخصيته وأدبه في الحوار وتواضعه في التعليم والتوجيه ، ما يفسر انتشار القبول والمحبة له بين الأعضاء جميعا ، فتجده يخالف بأدب ويوجه ويعلم بأسلوب أخوي لطيف محبب ، ويشير أو يلمح لما يراه بذكاء واحترام دون أن يجهل أو يرفض الآخر ناهيك عن أن يقدح فيه أو يعيبه ، كل ذلك مضافا إلى المنهجية والحرفية يجعله ناقدا يقترب من المثالية ، وإن كان مقلا في ذلك ولعل هذا يرجع لانشغاله وضيق وقته ولرغبتنا في الاستزادة من آرائه وتحليلاته .
بعد ذلك أنتقل إلى الحديث والمقاربة بتلقائية غير مرتبة – ولا أسميها نقدا – لكوني لست ناقدا بل أنا تلميذ هاو يتحدث عن انطباعته في أدب أستاذه وفكره وأسلوبه ، وهذه حقيقة وليست مجاملة ، فالأستاذ حسام القاضي أحد الذين استقيت منهم وتأثرت بهم في أدب القصة خاصة القصيرة ، واستفدت من كتاباته ومشاركاته في عناصر القصة ومصطلحاتها ومصطلحات النقد والتحليل والمدخل إليه .
أسلوب الكتابة عند حسام القاضي يتميز بعدة صفات تتضافر فيما بينها ، فهو أسلوب بسيط المفردات مع كونها منتقاة ببراعة وجيدة التوظيف في السياق ويبتعد عن االتعقيد في التراكيب اللغوية وهذا يساعد القارئ على الانغماس بالقصة والاستمتاع بها دون الإخلال باللغة . كما يتصف أسلوبه بالتشويق والتصعيد الهادئ للأحداث ما يشد القارئ للقصة دون أن يشعر بالقلق أو الإثارة المبالغة التي لا تتناسب مع الحدث ، ووصولاً إلى الخاتمة .
ولعل مما أستدرك على كاتبنا في أسلوبه استخدامه للألفاظ العامية في بعض المواضع ، وهي وإن كانت تتماشى مع النص والموقف إلا أنها تعتبر نقطة سلبية بالنسبة للقارئ غير المصري .
كذلك أتمنى على أديبنا الكبير مزيدا من الاعتناء بالتشكيل ، ليسهل خاصة على المبتدئين قراءة النصوص بسلاسة أكبر .
مع أنه يتقن بحرفية كبيرة كل عناصر القصة القصيرة فلو أردت أن أختار أكثر ما يميزها عند حسام القاضي لقلت : الرمزية .
في كل قصصه التي قرأتها تقريبا كان الرمز بارزا بقوة وغالبا ما يكون محور القصة ،وأنظر كمثال على قوة الرمز قصة "عملية جراحية" والتي رافقها كذلك غموض في التفاصيل نسجت كلها بحبكة ممتازة ، وكذلك في "الحصار" الذي يأخذك في عالم أقرب إلى الأحلام وتتبدى فيه براعته في الحبكة مع قمة الإمتاع .
عندما أصف فكر حسام القاضي وأغراض الكتابة عنده ربما من المناسب أن أختصرها في ثلاثة عناوين كبيرة :
المبدئية ... والثبات ..... و((التصميم)) .
البطل عنده صاحب مبدأ وموقف في أغلب الأحيان ، وهو ثابت عليه لا يتزعزع ، ومصمم على بلوغ غايته غير عابئ بالضغوط الممارسة عليه أو الجذب المتعرض له . وأرى من وجهة نظري الخاصة أن هذه هي الرسالة التي يريد حسام القاضي أن يوصلها للقارئ أو يوصل القارئ إليها في أعماله ، بصورها المتنوعة ومواقفها المتباينة .
أعود ثانية لأسلوب القصة عند حسام القاضي بشيء من التفصيل في بنية القصة كما أراها :
العنوان ، مشوق بشدة وهو بداية الإبداع عنده ، ويصعب أن تقاوم قراءة قصة له عندما تقرأ عنوانها ... "41 بدون لون " .... " لكنه حي " .... " الحصار " ، فهو عنوان مرتبط بقوة بالقصة ، لا يكشف لحظة التنوير فيها ، ومشوق بنفس الوقت .
أما المدخل ، فسرعان ما يزج بك في أحداث القصة وحبتكتها دون أن تملك أي مقاومة له ولا تكاد تميزه عن وسط القصة وحدثها الأساس ليقودك إلى حبكة بارعة غير معقدة في معظم الأحوال ، وقد تجد فيها شيئا من الغموض المقصود .
في الحوار تتجلى مهارة الأستاذ حسام القاضي بشكل كبير كذلك .. "41 بدون لون" ... "ربطة عنق" ... ، وهو حوار ممتع يتفاوت في أسلوبه بين قصة وأخرى .
أما الخاتمة عند كاتبنا الفذ فتتميز بتركيزها على العبرة والمعنى والفكرة مع المحافظة على عنصري المفاجئة والإدهاش دون أن يكونا الهدف الأساسي لها .
كشف الغموض جاء مبكرا أحيانا في قصة حسام القاضي قبل لحظة التنوير لكنه كان ضروريا لتفاعل الحدث وتطوره " 41 بدون لون "
أخيرا في قراءتي المتواضعة لأدب الأستاذ حسام القاضي فإني أجد في قصته الرائعة " لكنه حي " خير مثال يظهر بوضوح مقدرته في الكتابة وفكره الجلي وتتضح فيها جميع عناصر القصة القصيرة عنده متناغمة بشكل رائع .
أخي الأديب الكبير والناقد الراقي / د. مازن لبابيدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجب أن اعترف أولا أنني أواجه مأزقاً كبيرا، فقد مضت ساعات طوال أقرأ وأحاول أن أجد تعقيباً يناسب هذا العمل الرائع النبيل ، ومع ذلك لم أصل إلى شيء ..
وأتساءل إن لم تكن هذه دراسة نقدية نموذجية فكيف تكون إذاً؟؟!!!
ماذا أقول؟
هي ليست مجرد دراسة تفصيلية عن أعمالي المتواضعة بما لها وما عليها بل قد تعدت ذلك كثيرا،فهي قبل أن تشير إليها أشارت إلى نفسك الشفيفية النبيلة وإلى تواضعك الجم الذي كللني تاجاً أفخر به وأراه أكبر مني .
أخي الأديب الطبيب يبدو انك استخدمت ببراعة أدواتك الطبية لتشخيص حالتي الإبداعية ، و استخدمت مبضع الجراح لتشريحها والنفاذ إلى أعماقها .
عمل أكثر من رائع أفاد قصصي أيما إفادة وأسعدني والله برقيه ودفئه وسلاسته والتي هي مثال للسهل الممتنع .
اعذر حروفي العاجزة أخي الكريم.
وأرجو ان تتقبل مني أسمى آيات التقدير والشكر والعرفان.
كريمة سعيد
25-06-2010, 12:42 PM
أرجو أن أكون قد وفقت في طرح وجهة نظري المتواضعة.
مع فائق تقديري واحترامي
الأستاذ القدير حسام القاضي
تواضعك يميزك لأنه من سمات المبدعين الحقيقين الواثقين ....
ووجهة نظرك أستاذي الكريم تنمّ عن فكر راق يتميز بالروية والتأمل والقراءة المتمعنة ....
فشكرا على إضاءاتك المفيدة التي لم يخل منها أي رد من ردودك التي تابعتها بشغف واستفدت منها كثيرا...
شخصيا أعتبر هذا اللقاء وثيقة مهمة تتضمن أجوبة شافية عن الكثير من الأسئلة التي تراود محبي كتابة القصة ...
جزيل شكري وعظيم تقديري واحترامي
حسام القاضي
28-06-2010, 03:39 PM
يسرني أن أرحب بالأخ الأديب الكبير حسام القاضي في بيته وعرينه وأتمنى له التوفيق في هذا الكم الكبير وهذا التوافد المغدق الذي يعبر عن مدى تقدير الجميع له ولخلقه وأدبه الكريم.
ولكي يكون حضوري ذا قيمة تفيد الجميع خصوصا أدباء القص أوجه هذه الأسئلة للأديب الكبير واثقا بأنه سيجيب بما يثري ويفيد من خلال تجربته الإبداعية الواسعة.
ما هي مستويات الحالة الإبداعية في مجال الفن القصصي؟؟ وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟
كيف يرى القاص حسام القاضي العلاقة الناشئة بين القص والنص؟؟ وكيف يمكن تأصيل هذه العلاقة لتشكيل الحالة الإبداعية؟؟
أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟
أكرر ترحيبي ودعواتي بالتوفيق.
تحياتي
أخي الأديب والشاعر الكبير / د. سمير العمري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مستويات الحالة الابداعية هي المراحل المتدرجة التي تدور في العقل الباطن منذ لحظة وجود الفكرة حتى لحظة الكتابة ، وهي بالطبع تختلف من مبدع لآخر حسب اولوياته فهناك من يهتم في البداية بجمالية العبارة وهناك من يهتم بالموضوع أو الشخصية (وأنا أميل لهذا)، وكل ذلك من أجل تجسيد الفكرة النظرية في قالب النص القصصي مثلاً ، ويمكن تحديد هذه المراحل فيما يأتي :
مرحلة الاحساس بالرغبة في الكتابة (وجود مثير ما).
مرحلة تحديد الشكل الأدبي رواية أو قصة .
مرحلة الاختيار بين البدائل (الطرح).
مرحلة الولادة للإنتاج الأصيل.
مرحلة التهذيب والتنقيح والحذف والإضافة في النتاج الإبداعي.
اما عن النص والقص
النص هو الصورة الأخيرة المستقلة المعبرة عن كل ما أراده المؤلف من خلال جمل مترابطة،أما القص فهو الأسلوب الخاص الذي جاء عليه تأليف القصة، ولهذا هناك فرق بين القص والقصة؛ فالقصة ممكن ان تكون واحدة ، ولكن يختلف القص من مبدع لآخر بحسب الصياغة والمبالغة ؛فالعلاقة بين النص والقص علاقة عموم وخصوص ،فكل قص نص أدبي ، أما النص فيمكن ان يكون نثرياُ أو شعرياً.
خالص تقديري واحترامي.
حسام القاضي
28-06-2010, 03:41 PM
جماليات الماضي في أسلوب القاضي
إذا أردنا الحديث عن القصة القصيرة ، كفن فرض نفسه بقوة ، وأصبح له مئات بل آلاف الكتاب في كل مكان ، بين هاوٍ أو مستسهل بظنه للنثر بعيداً عن ميزان الشعر وقافيته ، أو مبدع حقيقي يعرف كيف يكتب القصة فان الحديث يدفعنا إلى تقنيات الكتابة ، والتميز في الطرح ، والجودة في الأداء ، والإصابة في المضمون .
وإذا أردنا أن نتحدث عن الأديب المصري الكبير : حسام القاضي ، ككاتب للقصة القصيرة ، وأنموذج لكتاب القصة الواعين المخلصين لأمانة الكلمة ، فإننا نقف أمام جملة من أعماله مبهورين لجودة الأسلوب وروعة الطرح عبر خصائص اختص بها وميزت ما يكتب بأدوات أجاد وأحسن في استخدامها :
1- العنوان :
" من عناصر القصة القصيرة، العنوان. ويمثل العنوان عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الدلالة في القصة، وجزءاً من أجزاء إستراتيجية أي نص أدبي. وتتنوع العناوين، من حيث وظيفتها في القصة، فثمة عناوين تحيل إلى مضمون القصة، أو تُسْتَمَدّ من مغزاها، وعناوين لها طبيعة إيحائية، وعناوين لها وظيفة تناصية، وعناوين لها طبيعة استعارية، وعناوين يؤتى بها لتشوش الأفكار. وهذه الوظيفة الأخيرة للعنوان هي التي أرادها (امبرتو ايكو). ومن أمثلة هذا العنوان مثلاً عنوان قصة قصيرة جداً لعدنان كنفاني نصه: (مصير العظماء)، ورد في مجموعة "بروق" (1)
"ومهما يكن الشأن، فإن القصة القصيرة العادية يحسن بها أن تجمع حسن العرض إلى نمو الحدث إلى المشهدية المسرحية، كما يتوخى من كاتبها أن يحكم بنائه ويحذق حبكته، ويختار مفرداته دونما ترخص في الفصحى ودونما إغراق في التقعر، مراعياً اللغة الوسطى، وذلك لأن تضحيته بما سبق، أو انحرافه إلى لغة شاعرية مفعمة بالتأنق والزخرف والصنعة، يجعله بعيداً عن السمت المقصود، وقريباً من فنون أخرى، قد لا تحتمل القصة أعباءها. ولا بد أخيراً من التكثيف والتركيز اللذين يجعلان من القصة القصيرة لقطة سينمائية أو قطعة من نسيج أو ومضة من ضوء، تكتنز المعنى والمتعة معاً." (2)
أهم ما يميز القص في أسلوب القاضي بدايةً العنوان ، الذي يأتي ملفتاً يعبر عن القصة لكنه لا يفضحها ، يجذب الأنظار مثيراً يختصر القصة كلها دون أن يشي بما فيها .
" ولكنه حي " جاء العنوان هنا بنفس الجملة القصيرة التي انتهى بها ذات النص " ولكنه حي "
اختصر جواب تساؤلات هذه الأم التي تموت وهي تلد طفلها الذي جاء نتيجة اغتصاب قاس وتعذيب مضنٍ من سجاني الحرية ومغتصبي حقوق الإنسان ، جاء الطفل نازفاً متوجعاً كحال أمه ، يبحث له عن أب لا يعرفه ، وهوية ربما لم يدركها ، بينما ينشغل الشيوخ بكل شيء إلا هو ، إلا هم الأمة النازف ، الذي اغتصب واستبيحت محارمه ، ولم يكن هناك معتصم ، ولم تصل الصيحة إلى أحد ، لأن آذانهم مغلقة ، وان سمعوا ، فإنهم لن يحركوا ساكناً ..
لكنه حي .. سيأتي للدنيا رغم كل شيء ، مشوهاً أو مريضاً ، لكنه سيكبر ، وربما يتعلم كل شيء ، ويعرف أن الفضيلة أمه ، وأن مغتصبي أمه فعلوا كل شيء فما انتصروا ، لأنه رغم كل شيء .. بقي حياً ..
وهكذا ، نجد العنوان ملفتاً أكثر في " نفس ما أرادوا "
حين يبرز القاص التشابه بين اغتصاب بالإكراه يحدث لبطلته ، يستنكره المجتمع والناس ويمنعه القانون والدين ، وبين اغتصاب بإرادة الأهل والمجتمع وتأييد القانون ، حين تتزوج الفتاة من رجل قاس لا تحبه ، يريد الحصول على كل شيء بنفس العنف الذي واجهته سابقاً ، بنفس الوسيلة ولنفس الغاية .. الحصول على جسدها دون أي اعتبار لمشاعرها .
ثم يتكرر ذات الإبداع في العنوان في " حقيبة متربة وجورب أبيض " و " بيتزا " و " ربطة عنق "
2 - البداية :
"من عناصر القصة القصيرة البداية والنهاية. ومن زمن بعيد رأى (ادغار آلان بو) الذي وصف بأنه أبو القصة القصيرة، أن البداية الناجحة هي التي تحدد نجاح القصة أو إخفاقها. وكذلك كان (يحيى حقي)، وهو من هو في فن القص، يرى أن القصة الجيدة هي ذات مقدمة جيدة محذوفة، لأن هذا الحذف يدفع بالقارئ إلى الإحساس بأنه إزاء عمل حي وجو فني متكامل (انظر مقدمة عنتر وجولييت، لحقي ص 4). بيد أن هذا الحكم إنْ صحَّ على بعض القصص، فقد لا يصح على قصص أخرى، ذلك لأن للقصة مستلزمات أخرى لا بد من توافرها لتنجح وتمتع وتعني." (3)
ومن خلال قراءتنا لأعمال القاضي نجد أنه تميز بالبداية القوية المدهشة في نصوصه ،
أنظر البداية في بيتزا :" تمنعه الحمى من القفز من فراشه لدى سماعه النبأ ، حاول الوقوف على قدميه سقط محدثا دويا "(4)
فمن هذا الرجل ، وأي أمر ذاك الذي يجعله يحاول القفز حين يسمعه .. ؟
تلك أسئلة تبدأ بها القصة بما يميز الأسلوب الذي يشد القارئ منذ أول وهلة .
وهكذا نجد البداية المدهشة ذاتها ، في " ربطة عنق :
"آسف جدا لن تستطيع الدخول .
لم ؟ معي تذكرتي و …." (5)
ثم البداية المدهشة في " مرايا "
"تسلل الشيب إلى فوديه وهو على حاله يبحث وسط الحطام"(6)
وهذه وحدها استوقفتني وشدتني منذ الجملة الأولى ، التساؤلات التي تجعل القصة القصيرة مدهشة إلى أبعد مدى .. أي حطام ذاك الذي يبحث فيه حتى يتسلل الشيب إلى فوديه ..كم بقي هناك ؟ عشر سنين ، أكثر ... ربما
3. القفلة / المفارقة:
من أساسيات ما تعلمناه في فن القصة القصيرة أن تكون القفلة مدهشة ، أن تحمل المفارقة ، أن تكون صادمة لكي تكون مبدعة ويبقى لها الأثر الطويل .
لكن المفارقة تبدو من خلال ملامح النص ، وليس شرطاً أن نعتمد الأسلوب الذي يجعل القصة تسير كلها في اتجاه ما ليختلف الأمر كله في آخر جملة ، ربما مثل أسلوب جريفث للإنقاذ في آخر لحظة .. آخر ثانية .
" أما النهاية، ففيها يكمن التنوير النهائي للقصة، وهي اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، أو السلوك، أو المعنى. وفيها المفاجأة التي قد تثير السخرية أو الابتسام أو الارتياح أو حتى القلق والتساؤل ... "
" وتعددت أشكال النهايات في القصة القصيرة، وأمكن للنقاد أن يروا فيها ستة أنواع من النهايات، هي: النهاية الواضحة، وفيها تحل المشكلة دون تعقيدات تذكر. والنهاية الإشكالية، وفيها تبقى المشكلة دون حل. والنهاية المعضلة، وفيها يمكن أن يكون الحل من خلال مشاركة القارئ في التوقع، دون أن يكون هذا الحل هو الحل المثالي الوحيد. والنهاية الواعدة، وفيها يتم التنويه بمخارج كثيرة دون ذكرها صراحة. والنهاية المقلوبة، وفيها يتخذ البطل موقفاً مناقضاً لما كان عليه في البداية، فإذا كان يكره شخصاً في البداية، ينتهي به الأمر إلى أن يحبه في النهاية. والنهاية المفاجئة، وفيها يفاجئ السارد القارئ بحل غير متوقع-(أنظر القصة القصيرة- النظرية والتقنية ، لامبرت ترجمة علي منوفي ص 135)... " (7)
التزم القاضي بأن تظهر ملامح المفارقة من خلال النص ، لتتكشف أخيراً في نهايته ، من خلال قصة " 41 بدون لون " مثلاً
يقودنا الحوار تدريجياً للتساؤل دون أن نكشف الحقيقة كاملة ، عن هذا الجريء الذي يواجه البطل ، يتمرد عليه ، بل ويقرر الانفصال عنه ، لنكتشف عبر ملامح النص أن هذا المتمرد ما هو إلا حذاء مقاس 41
ولا يحاول الكاتب أن يحتفظ بالأمر كمفاجأة تبدو فقط من خلال الجملة الأخيرة ، إنما تتكشف الأمور تلقائياً من خلال تطور الحوار ذاته :
يبدأ التلميح بهذه العبارة :
" لا تغالط نفسك حاول أن تتخيل نفسك سائرا في الطريق مكتمل الأناقة حافي القدمين"(8)
ثم يصبح الأمر واضحاً جداً ، حين يقول :
" أي كثير هذا ؟! أتسمي هذه الأشياء الخفيفة المهترئة أحذية .. مرة حذاء كاوتشوك من باتا ومرة أخرى ولا داعي لأن أقول فأنت تعلم جيدا وأخيرا هذا الحذاء الخفيف من تلك الماركة المسماة ْ{ كوتشي } " (9)
ثم تظهر المفارقة الساخرة المؤلمة هنا :
" لماذا !! أنسيت أنك مقاس 41 بينما مقاسي الفعلي 43 .. ألا تعلم أنك بصغر مقاسك هذا تضطرني للسير في الطريق التي تحددها أنت لا أنا .. من في الدنيا يتصور أن يسيَر الحذاء مرتديه . "(10)
أي حذاء يسير مرتديه ..هو الحذاء الذي يملي شروطه إذن ، هو الحذاء الذي يستحق أن تكون قفلة قصته السمع والطاعة له ، حين يخالف مرتديه ، فقط لكي يخالفه :
"والآن إلى أين تذهب ؟
ـــ كنت ذاهبا جهة اليسار لأمر ما .
ـــ إذن لليمين سر .
ــ سمعا وطاعة" (11)
المفارقة تظهر في بداية النص هذه المرة في : حقيبة متربة وجورب أبيض "
"بخطوات حذرة اتجه صوبها، تبدت أمامه كاملة، ثنت ساقها اليمنى فانزاح الغطاء أكثر، أمسك طرف الغطاء وهم بـ.... ولكنه خشي أن... تركه وتراجع ، جثا على ركبتيه يتأملها"( 12)
فتوحي لكل من يقرأها بعكس الواقع الذي يتجلى بعد لحظات ، حين نكتشف أن هذه الفتاة ابنته .
4- الفلاش باك :
استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع اللحظي للأحداث أو الفلاش باك ، بطريقة سلسة دون أن يكسر السرد المنطقي للأحداث أو يضر بتسلسلها ، كان هذا واضحاً جداً في " ربطة عنق " فالرجل/البطل يقف أمام الموظف في المطار ، ثم يبدأ تداعي الأحداث :
"أزيز الطائرات فوق رأسه .. قنابل متساقطة .. شظايا متطايرة في كل اتجاه .. رائحة اللحم البشري المحترق تزكم الأنوف . دُمرت كتيبته بالكامل . مات كل شيء إلا هو وجهاز اللاسلكي"(13)
ثم يستفيق البطل من ذكرياته أمام الحدث الذي يشكل الصدمة للبطل/والقارئ معاً :
"وأمام المرآة كانت هناك حقيبة وجواز سفر ملقيين في إهمال واضح "(14)
وبنفس الطريقة ، وعندما كان البطل أمام ابنته النائمة في " حقيبة متربة وجورب أبيض " يبدأ الاسترجاع اللحظي لحدث قريب ، قبل عودته إلى المنزل :
"لاتنس أني رئيسك في العمل.ـ لا أحني رأسي إلا لله .ـ رأسك الحجري هذا هو ما أطاح بك.ـ لا يصح إلا الصحيح .ـ إذاً ارحل..ولا تنس الحقيبة "(15)
الأجمل –في ظني – كان الدمج بين الزمنين ، والحدثين ، والذاكرتين ، القريبة والبعيدة في قصة مبدعنا " نفس ما أرادوا "
انظر معي هذا الإبداع :
" هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة "(16)
فالبطلة هنا كانت تراهم فيه وتطعنه وكأنها تطعنهم ، رأت الزمنين أمامها ، والحدثين ، وذات الشخوص ، من حاولوا اغتصابها أول مرة ، ومن يحاول اغتصابها الآن ، فكان الدمج بطريقة مذهلة ، جعلت من القفلة إبداع لا حدود له .
5- أسلوب السرد :
"هو الكيفية التي تروى بها القصة، عن طريق القناة نفسها، أو ما تخضع له من مؤثرات، بعضها متعلق بالراوي والمروي له، والبعض الأخر متعلق بالقصة ذاتها. ويمكن النظر إلى الأسلوب من ثلاث زوايا مختلفة، انطلاقا مما أورده الناقد عدنان بن زريل؛ في كتابه النص والأسلوبية:
1- (من زاوية المتكلم)؛ أي الباث للخطاب اللغوي؛ "الأسلوب هو الكاشف عن فكر صاحبه، ونفسيته. يقول (أفلاطون): كما تكون طبائع الشخص يكون أسلوبه. ويقول (بوفون): الأسلوب هو الإنسان نفسه. ويقول (جوته): الأسلوب هو مبدأ التركيب النشط، والرفيع، الذي يتكمن به الكاتبُ النفاد إلى الشكل الداخلي للغته، والكشف عنه".
2- (من زاوية المخاطب)؛ أي المتلقي للخطاب اللغوي؛ "الأسلوب ضغط مسلّط على المتخاطبين، وأن التأثير الناجم عنه يعبر إلى الإقناع، أو الإمتاع. يقول (ستاندال): الأسلوب هو أن تضيف إلى فكر معين جميع الملابسات الكفيلة بإحداث التأثير الذي ينبغي لهذا الفكر أن يحدثه. ويقول (ريفاتير): الأسلوب هو البروز؛ الذي تفرضه بعض لحظات تعاقب الجمل، على انتباه القارئ، فاللغة تعبر، والأسلوب يبرز".
3- و(من زاوية الخطاب)؛ "الأسلوب هو الطاقة التعبيرية، الناجمة عن الاختيارات اللغوية. وقد حصر (شارل بالي)، مدلول الأسلوب، في تفجرّ طاقات التعبير الكامنة في اللغة. ويعرّف (ماروزو) الأسلوب بأنه: اختيار الكاتب، ما من شأنه أن يخرج بالعبارة، من حالة الحياد اللغوي، إلى خطاب متميز بنفسه. ويعرفه (بييرغيرو): بأنه مظهر القول، الناجم عن اختيار وسائل التعبير، التي تحددها طبيعة الشخص المتكلم، أو الكاتب، ومقاصده". (17)
كان الأسلوب في قصص القاضي حوارياً بالكامل في قصة واحدة للكاتب هي " 41 بدون لون "
بينما لم أجد أي قصة للكاتب بأسلوب الراوي الداخلي أو المخاطب ، كذلك لم أجد الكثير من المونولوج الداخلي .
بينما اعتمد الكاتب في جميع قصصه الأخرى على أسلوب السرد الموضوعي أو كما يسمى " الراوي الخارجي " أو " الراوي العليم " أو " المشاهد الثالث "
فالراوي هنا ، وفي جميع قصص الكاتب محل الدراسة باستثناء "41 بدون لون " كان طرف خارجي ، محايد ، لا يتدخل برأيه ، والكاتب هنا كمحرك العرائس ، لا يظهر إطلاقا أمامنا ، بينما بصماته في كل مكان .
واستخدام الأفعال المضارعة ، دليل دائماً على استخدام الأسلوب الموضوعي :
"تسلل الشيب إلى فوديه" مرايا
"تهدجت أنفاسه" الحطام
"تقبض عليه بشدة" ولكنه حي
6. التحليل النفسي :
" لعلَّ أبرز مراحل التطور الروائي في العصر الحديث يبدو في تلك النوعية التي اتجهتْ إلى تحليل النفس البشرية، والغوص إلى أعمق أعماق الإنسان، بحثا عن الأدواء والعِلل الخبِيئة الكامنة في النفس البشرية، بُغْية إصلاحها، وسعْيًا وراء إنقاذها.. هذا ما نجِده لَدَى ( دستوفسكي ) في رائعته " الإخوة كارامازوف " وتَبْدُو وَحْدَةُ القصة فيها ـ كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال ـ في ظاهرة " القلق " الذي يحاصر قُلُوبَ جميع أفراد الأسرة ( أسرة كارامازوف ) وهو : قلقٌ فكريّ… ومن ثَمَّ فالقصة تحليلٌ دقيقٌ للنَّفْسِ الإنسانية، في نوازعها الخفية، وفيها يشْرَحُ المؤلفُ الأفكارَ التي تُسَاوِر كُلَّ قلب، دُونَ أن يستطيع، صراحة مواجهتها، على حين هي تصطرع دائما في كل نفْس، وفي هذا الصراع يتجلَّى بؤسُ الإنسان الذي يَدْفَعُهُ إلى الهاوية، ولكنّ الإنسان ـ مهما بَدَا خبيثًا شرِّيرًا ـ له مع ذلك باطِنُه الطيّب الذي يتراءى في أشدّ المواقف يأسًا (18) ".
كما يمكن أن نَجِد نموذجًا آخر للتحليل النفسي الرائع، في تلك الرواية الملحمية " يوليسيس " ـ لجيمس جويس ـ حيث نجِدُ فيها خلاصةً وافيةً قويَّةً لكُلِّ ما عاناه الفكرُ الإنسانيُّ بين الحربين العالميتين، وموجز ما انتهى إليه التحليل لِطَوِيَّةِ النفس الإنسانية، والحديث النفسيّ فيها يكشِفُ عن صَدَى التجارب الإنسانية المضطربة في الفكر المكبوت، ويُنَاظِرُ المؤلفُ بين حوادث قصته التي تدُور في (إيرلاندا ) وبين حوادث ( الأوديسا ).. (19)..
ولعل من أبرز القصص للكاتب حسام القاضي والتي يبرز فيها الجانب نفسي ويطغى حتى على الحدث ، هي قصة " عملية جراحية " فهذا الرجل / الغارق في الصراع مع نفسه حتى الثمالة / على وشك إجراء جراحة هامة ، تبدو معالمها الغريبة في الاتضاح منذ اللحظة الأولى :
(عجبا كيف تململ الرأس على الرغم من كمية المخدر الموضعي التي رشها كما حددها الطب ) (20)
ثم الجو الذي أحاط زيارته للطبيب ، كان الكاتب يعني كل كلمة ، حين رأى كتاب أفلاطون ، بغلافه السميك يتلاعب به الطبيب/ كما يتلاعب بأعصاب مرضاه .
ثم تبدأ ملامح المشكلة تتضح ، لهذا المريض الغريب ، الذي يشكو من جلد شفاف لا يخفي خلفه انفعالاته ، رغباته ، وآراءه حول الناس ..
باختصار ، كانت مشكلة هذا الرجل هي : الصدق .
يدور بنا الكاتب ، في رحلة حام حولها شبح أرسطو وسارتر ، بحثاً عن ذات مفقودة ، ورغبة في الحصول على إنسان بدون إنسانية ، وجه بدون ملامح ، قناع يستر الوجه فيصبح كما كل شيء في الحياة ، ماسخاً ، مقنَّعاً ، منافقاً .
هذه الشخصية الحائرة ، المتقلبة المزاج ، الباحثة عن هويتها ، نجدها أيضاً في قصة الكاتب " مرايا "
"كان يهم بحلاقة لحيته عندما شعر بضبابية المرآة .. لم يبال أرجع الأمر إلى ندى البكور وزفير التنفس .. أتم حلاقته معتمدا على حفظه لتضاريس وجهه ونسى الأمر . بعدها و في حانوت الحلاق كانت صدمته .. لم يشأ أن يلحظ ذهوله فأومأ برأسه موافقا على جودة الحلاقة وأسرع بالخروج .. أراد أن يتيقن من الأمر فتمهل أمام واجهات المحلات الزجاجية ينظر ويدقق حتى تأكد من حقيقة الأمر .. هل وهن بصره إلى هذا الحد ؟ ولكن إذا كان كذلك فكيف يرى أشياء كثيرة وبوضوح .. شئ واحد لا يراه لكنه أهم من أي شئ سواه" (21)
هنا يقودنا الكاتب عبر رحلة الشك والحيرة ، وانعدام الهوية ، بحثاً عن الذات ، ورغبة في كسر حالة الجمود / الضياع ، التي يعيشها البطل ، رمزية تشير إلى واقع معاصر نحياه ونشعر به كل يوم .
فمهمة هذا الحائر كانت البحث عن صورته في المرآة ، محاولة إيجاد أي شيء ، أي قطعة زجاج ، أو مرآة هنا أو هناك ، يستطيع أن يرى فيها نفسه .
كادت القصة أن تنتهي دون بارقة أمل ، في أن يجد هذا الشخص هويته ، لولا أن الكاتب فضل أخيراً أن يتركها مفتوحة على كل احتمال ، حين انتهت كما بدأت ، ببحثه داخل الركام ، لا يمل ، بحثاً عن شيء يصلح لهذه المهمة المستحيلة .
ثم أن ذات النظرة المتوغلة في باطن النفس الإنسانية ، والعلاقات التي تحكم الناس ، وتناقضاتها ، نجدها في قصة الكاتب : الحطام
"كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائه ببرود واحتقار .. لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماء بدعاء حار له .. ويصبر .. وصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريب فيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل " (22)
هنا البطل ، يمر بحالة مزاجية مشابهة لبطلي القصتين السابقتين ، في صراع داخلي محموم ، ولكن لهدف يختلف هذه المرة ، فكم من أناس نحترمهم ، ونعاملهم كما يجب ، يقابلونا بالازدراء والتحقير ، ويكون جزاء الإحسان نكران الجميل ..
شبه الكاتب هؤلاء الناس بتماثيل صنعها ، ثم أنه بدأ يحطمها بنفسه ، متلذذاً بتكسيرها بمعوله ، بالتخلص من كل شيء يقربه منها ، رغم أنه وجد نفسه يتحول إلى واحداً منها ، بعينين من حجارة ، ونظرة جامدة ، فكان لزاماً عليه أن يحطم نفسه ، وأن يخرج من داخله منتصراً ..
" عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
إلى عينيه نظر في تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية "(23)
وهكذا ، عشنا في رحلة ممتعة مع الكاتب المبدع : حسام القاضي ، عبر أسلوب جميل أدرك جماليات القص فغاص فيها حتى الثمالة ، ميزه دائماً متابعته لقضايا الأمة ، وحرصه عليها .
شكراً للأستاذ حسام وأرجو أن أكون قد وفقت في نقل رؤية صغيرة لإبداعات كاتبنا الكبير .
كل الود والحب
أحمد عيسى
غزة
1) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 16)
2) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 17)
3) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 15)
4) نفس ما أرادوا -للكاتب
5) ربطة عنق -للكاتب
6) مرايا -للكاتب
7) د.عادل فريحات : النقد التطبيقي للقصة القصيرة في سوريا (ص 16)
8) 41 بدون لون - للكاتب
9) السابق
10) نفسه
11) نفسه
12) حقيبة متربة وجورب أبيض - للكاتب
13) ربطة عنق-للكاتب
14) السابق
15) حقيبة متربة وجورب أبيض -للكاتب
16) نفس ما أرادوا- للكاتب
17) محمد بلوافي : السرد والأسلوب ، ديوان العرب
18) محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث، ص622
19) المرجع السابق، ص593
20) عملية جراحية -للكاتب
21) مرايا - للكاتب
22) الحطام –للكاتب
23) السابق
أخي الكريم الأديب والناقد / أحمد عيسى
السلام عليكم ورحمة الله
"جماليات الماضي في أسلوب القاضي"
عنوان مميز ذكرني على الفور بـعنوان "تخليص الابريز في تلخيص باريز"
للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ، وعودة للماضي الجميل
في اختيرا العناوين اللافتة..
فاجأتني أخي بدراسة نقدية أكاديمية جميلة ومفصلة جلت خلالها
في معظم أعمالي المتواضعة بدءً من العنوان ثم البداية ثم عرجت على الأسلوب
بالتفصيل ثم دور التحليل النفسي ، كذلك النهاية
عمل نقدي كبير ومؤثر تناول قصصي بالشرح والتحليل ملقياً الضوء
على السمات المميزة لها.
أرجو ان تتقبل مني أسمى آيات الشكر والتقدير والاحترام
حسام القاضي
28-06-2010, 03:59 PM
مستمتعون ومتعلمون ومتابعون
حياك الله اخي احمد عيسى واخينا د مازن لهذا التحليل الرائع الثري الغني
ونحيي استاذنا القاضي ومربينا
ونسأله سؤالا صغيرا في رأيه في الآقصوصة او الومضة او من يسميها ق ق ج
ارجو ألا يكون زمن الآسئلة انتهى
تحياتي وامتناني لهذا الآلق والجمال الذي أعاد لنا أخينا القاضي في أحلى حلة وذكرنا بإبداعاته المتدفقة الرائعة
أخي الأديب / الطنطاوي الحسيني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً أشكرك لاهتمامك
والحقيقة يا اخي وكما أتذكر ان مسمى الأقصوصة أقدم كثيراً من الومضة بل ومن القصيرة جداً أيضاً
وكان يقصد به نوع من القصة يقع ما بين الرواية والقصة القصيرة من ناحية الحجم ،وعلى هذا لاتكون الومضة هي الأقصوصة ، وأعتقدني قد تكلمت عن الومضة من وجهة نظري طبعا في رد سابق ، وهو بالتأكيد جاء بعد سؤالك ،
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=42155&page=8
هي مجرد وجهة نظر متواضعة ولأهل الخبرة فيها االحكم والفصل.
أشكرك مرة أخرى
مع تقديري واحترامي
حسام القاضي
28-06-2010, 04:04 PM
أراني أعجز هنا عن شكر أستاذ له الفضل في تعليمي كتابة القصة القصيرة ، ورغم بعده عن القصة القصيرة جدا إلا أني أراه يولي هذا الفرع من القص اهتمامه بالنقد والمتابعة ..
أخي ومعلمي الأديب القاص الأستاذ حسام القاضي ..
لن أنكر فضلك علي في كتابة القصة القصيرة ما حييت وقد كنت نعم المعلم والناقد الصادق ..
لك التحية وكل التقدير .
أختي الأديبة الكبيرة / وفاء خضر
السلام عليكم
أشكرك
كرم منك وتواضع كبير قولك الجميل هذا
وهو شرف لي إن كان.
تقديري واحترامي
حسام القاضي
28-06-2010, 04:28 PM
الأستاذ الكريم حسام القاضي
شكراً لتواجدك معنا
ولا شك بأننا هنا جميعاً نستفيد من تجربتك الثرية المبدعة
ونستلهم من قلمك الجميل ما يضيء أفقنا الأدبي
أستاذي
ما هو رأيك في استخدام الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية في الأعمال الأدبية مثل ( القصة القصيرة والمسرحية .. الخ ) ؟
لأن البعض يقول : إن الذي يكتب في الأدب هو أديب وليس واعظاً دينياً .
لك خالص تحياتي
أخي الفاضل الأديب والمفكر / بهجت الرشيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك لاهتمامك وتواضعك الجم
عن نفسي أرحب طبعاً باستخدام الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في الأعمال الأدبية ، ولكن يجب ان يكون ذلك بشكل مدروس بحيث توضع في مكانها المناسب حسب السياق العام دون اقحام او افتعال ، وهذا يتطلب أديباً واعياً يخطط لمثل هذا ،أماان توضع والسلام أي حسبما أتفق فهذا ما ينتج عنه الشكل الوعظي والمرفوض أدبياً ، والبعض يعتقد انه هكذا أبدع أدباً إسلامياً ـ ونحن نحتاجه بدون شك ـ والحقيقة انه يجب ان يكون أدباً أولاً متوفراً فيه سمات الأدب الحقيقي ثم يكون اسلامياً ثانياً ، وإلا سيكون الناتج وعظاً مباشراً لاعلاقة له بالأدب ؛لذا يجب على من يتصدى لهذا أن يعمل على تضفير الحديث الشريف أو الآية الكريم في نسيج العمل لينتج عملاً ابداعياً حقيقياً.
ولي تجربة متواضعة في قصتي "..ولكنه حي" حيث ادرجت حديثاَ شريفاً ضمن السياق العام للقصة.
تقديري واحترامي
حسام القاضي
28-06-2010, 08:07 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلتسمحوا لي بإدراج قراءة في قصتي "ربطة عنق"
قامت بها مجموعة أدباء الواحة في الكويت ذات يوم
فلأصحاب الفضل منهم خالص الشكر والتقدير
سلام الـلـه عليكم
في اجتماع أدباء الواحة الاسبوعي في دولة الكويت , المنعقد يوم الجمعة الموافق 12/01/2007 , قام الأخوة الأدباء :
د. مصطفى عراقي
د. مصطفى عطية
أ. مأمون المغازي
أ. محمد سامي البوهي
د. محمد حسن السمان
وبوجود الأديب القاص حسام القاضي
بتقديم قراءات مختلفة , لقصة " ربطة عنق " للأديب القاص حسام القاضي , بدأها الدكتور مصطفى عراقي , ثم انتهت بالأديب القاص محمد سامي البوهي , وقد جرت مناقشات مستفيضة في القصة , على اختلاف مناحيها ومدلولاتها والفنيات المعتمدة في كتابتها , وقد اعتمدت القراءات المختلفة , ضمن قراءة واحدة , جرى التوافق عليها , وتتلخص هذه القراءات المشتركة , فيما يلي :
جاء عنوان القصة لافتا جدا , وموظفا توظيفا بارعا , في صياغة النص , فقد أوغل العنوان ابتداء من رأس النص الى عمقه , معطيا دلالات ومؤشرات , ذات أهمية ايجابية , في تقديم الرسالة الهادفة , التي استلهمت النص , ففي كل جزئية من جزئيات القصة , كنا نرى ربطة العنق , التي شكلت مفتاحا رئيسيا , من مفاتيح القصة , بمدلولاتها الشكلية , التي توحي بقسرية التقيد , ثم نرى في ربطة العنق , معنى الربط المحيط بالعنق , وفي هذا مدلول قوي , على الامساك بالرقبة , وتطويع الفرد ليستجيب لما يفرضه , من يمسك بالرقبة , لئن كان فردا آخر , أو مجموعة , او نظاما سياسيا , أو حتى لو كان التزاما أدبيا أو وطنيا أو فكريا أو دينيا .
ثم نشاهد الكاتب قد ولج مباشرة الى قلب الحدث , دون مقدمات , ليرسم لنا في اللوحة الأولى , مشهدا لبطل القصة " البطل " في مرأى حواري , وهو يحاول الدخول الى ... , والموظف المسؤول عن تنظيم الدخول يمنعه من الدخول , والبطل يشير بسهولة ويسر , أنه يملك تذكرة , كناية عن أنه يحمل صفة المواطنية لهذا التكوين المجتمعي :
" -آسف جدا لن تستطيع الدخول .
- لمَ ؟ معي تذكرتي و ...
- الأمر لاعلاقة له بالتذكرة إنه ...
- كيف ؟ أليست التذكرة هي شرط الدخول الأساسي ؟
- لا هناك شروط أخرى أهم.
- مثل ماذا ؟
- لاداعي للسخرية . إقرأ إعلاننا الموجود بالمدخل هناك .
وتبرز المشكلة , عندما يشير الموظف الى أن الدخول مشروط بوضع ربطة العنق :
" - الأمر لله , ممنوع الدخول ياسيد بدون ربطة عنق ."
ويعود البطل ليستغرب ما يجري , قائلا : ربطة عنق ! ثم ليستغرب دخول أناس ليس لديهم ربطة عنق , بل وبدون حلّة , بمعنى أنه هناك استثناءات بل وتجاوزات شديدة , ويعود الموظف ليجيب : هؤلاء أجانب ولانستطيع أن نملي عليهم شروطنا , كما لو أن الكاتب اراد بذلك أن يوحي بأن هذا المجتمع مخترق , أو أن هذا المجتمع أو من يتحكم به , يستطيع التحكم بالقريب , ولكنه لايستطيع أن يقول لا للأجانب :
" - هؤلاء اجانب ولانستطيع أن نملي عليهم شروطنا .
- منطق غريب , هناك يجبرون الغريب قبل القريب على احترام شروطهم بينما نحن ..."
ثم يبرز الكاتب حقيقة أن الذي يقوم بعملية منع البطل من الدخول في المجتمع , هو موظف يقوم بأداء واجب وظيفي , لايملك القرار :
" - ألا ترى أنك تعطّلني عن أداء وظيفتي ؟ أفسح الطريق لمن خلفك ليستطيع الدخول . "
ثم يعيد الكاتب بايجاز وتكثيف لقطة حوارية , يؤكد فيها الموظف على ضرورة شرط " ربطة العنق " , في حين أن البطل يريد أن يعرّفه بشخصيته , فيقول له : ألا ترى عنقي , ألا ترى هذا التضخم كيف أحيطه بربطة عنق , بل كيف أحيطه بياقة قميص , في دلالة واضحة على أنه البطل صاحب الرقبة الضخمة التي لايمكن أن تلوى اوتربط , ثم يصرّح البطل , بعد أن يقول الموظف , أن لادخل له بعنق البطل :
" - كيف ؟ لقد اصبحت هكذا من أجلكم , ومن أجل ابنائكم وأحفادكم و..."
ثم يتجلى الاهمال للبطل هنا , أو لمن يقدمون أعمالا جليلة للوطن , وعدم تقدير وظنيتهم وتضحياتهم , من خلال قول الموظف , ردا على قول البطل , وهو يشير الى تضحياته من اجل الوطن والشعب والأمة بشكل غير مباشر:
" - ماهذا الهراء ؟ من اجل من؟ أنا لم أرك من قبل , ولاأعرفك, كفاك هذيانا وابتعد قبل أن اطلب رجال الأمن . "
ثم يرتفع مستوى الحوار , ليظهر أن الأمر ليس مجرد موقف عارض , وإنما هو فلسفة مبرمجة , بين وجهتي نظر , حيث يقول البطل :
" - أنا لاأهذي إنها الحقيقة , وقد كنت على استعداد لما هو أكثر من هذا , ومازلت وعن طيب خاطر ."
وبالمقابل يزداد وضوح فكرة الاهمال والتغييب , في ظل مجتمع لايقدّر العاملين الأسوياء , لايقدّر الذين يضحون في سبيل الوطن , عندما يتوجّه الموظف الى البطل , ليقول له :
"- وهل طلبنا منك ذلك؟ هل رجوناك ؟ أم قبّلنا يدك ؟ "
وفي عبارة أخرى , يقول :
" - أنا شخصيا لم اطلب منك أن تذهب , وعليه فأنا لست مسؤولا عما حدث لك , والآن انصرف وإلا ... "
وأخيرا , نجد تحقيق علمية التهميش , عندما نجد أن الموظف يأمر قوى الأمن :
" - ألقوا بهذا الرجل خارجا ."
ومع الانتقال الى اللوحة الثانية من القصة , نلاحظ وكأن الكاتب , أراد أن يستخدم الحواس كلها مجتمعة في رسم المشهد , فصوت أزيز الطائرات , وأصوات القنابل المتساقطة , ثم رؤية الشظايا المتطايرة في كل اتجاه , ورائحة اللحم البشري المحترق , دمرّت الكتيبة بالكامل , مات كل شيء إلا البطل , وجهاز اللاسلكي , وفجأة صوت صفير ضعيف ينبعث من الجهاز , وكأن الكاتب يصوّر لنا ساحة المشهد , يوضبها باتقان , لينقلنا الى اللمحات البطولية , في استحضار موفق , نرى أن الكاتب اختصر التفصيلات ,ليسمعنا النداء :
" فهد ينادي نمر . فهد ينادي نمر . حوّل . "
ويعود الكاتب لاكمال صورة المشهد , عندما يرينا كيف ينتشل البطل ساقه الجريحة المغروسة في الرمال , بصعوبة بالغة , ليبدأ الكاتب بحزمة حوارية , من نوع مختلف , حيث نفهم من خلالها , أن البطل هو الوحيد الباقي على قيد الحياة , بعد تدمير كتيبته بالكامل :
" - نمر معكم . حوّل .
- كم عددكم ؟
- واحد .
- ماذا ؟
- دمرت الكتيبة بالكامل .
ويعطينا الكاتب صورة مكثّفة , للتركيز على البطل , عند الحاجة , وهو الأهم , عندما يسال القائد العسكري , البطل نمر , هل يمكنني الاعتماد عليك ؟ وليرقى الكاتب بصورة البطل , عندما يجيب : بإذن الـلـه , ونرى أن القائد وقد عرف مسبقا , نوعية البطل الذي يتعامل معه , او مع أمثاله من الأبطال , فيطلب منه , طلبا قريبا من المهمة المستحيلة , بحالة من الحميمية الخالصة بين الابطال , فهو يريد تعطيل قوات العدو المتجهة شرقا لبعض الوقت :
- من أنت ؟
- رقيب مجند ( ......)
- هل يمكنني الاعتماد عليك ؟
- بإذن الـلـه .
- أريد تعطيل قوات العدو المتجهة للشرق بعض الوقت .
- عُلم .
- وفقك الـلـه . "
ويتحرك المشهد , بشكل درامي , فنرى أن الكاتب ببراعة , يصوّر لنا البطل وكأنه مارد جريح , هبّ متنقلا من مدفع إلى مدفع , متوليا دور الناقل والمعمّر والرامي .
" كمارد جريح هبّ متنقلا من مدفع إلى مدفع , متوليا دور الناقل والمعمّر والرامي . "
ثم يفاجئنا الكاتب باستحضار مشهد درامي آخر , حيث يصوّر لنا كتلا بيضاء تحيط بالبطل , وينبعث صوت الممرضة , لتقول للبطل : حمدا لله على سلامتك يابطل .
" من بين الكتل البيضاء المحيطة به جاء صوتها :
- حمدا لله على سلامتك يابطل .
- أين أنا ؟
- في أمان . لاتحاول تحريك عنقك .
- أشعر بآلام شديدة .
ثم وكأن الكاتب راح يحضّر القارئ للمشهد اللاحق , عندما تقرر الممرضة ضرورة , أخذ البطل لحقنة مهدئة :
" - سترتاح بعد هذه الحقنة "
وعندما يسأل البطل عمّا حدث , نجد أن الكاتب , أتحفنا بصورة ملحمية , عالية التأثير , حيث تظهر أن البطل عند تفانيه في أداء واجبه في تعطيل قوات العدو , التحم مع ماسورة المدفع المنصهرة , من شدة الضرب :
" لقد وجدوك معلقا لماسورة المدفع المنصهرة من شدة الضرب . "
وأخيرا يضعنا الكاتب , في حالة فلسفية , خلال حزمة من الافكار المتتالية , تمثّل جملة هواجس , ومرتسمات للمعاناة :
" - لاحل لي سوى الهجرة .
- ................
- جحود في كل مكان .
- ................
- لا أمل في تحسن الأحوال .
- ................
- الحياة هنا أصبحت لاتطاق .
- ................
- لامعنى لكلمة وطن , إنه لفظ أجوف ."
ثم يظهر الكاتب حالة حدية من القهر والألم , عندما يذكر البطل , خلال هواجسه , أن لاأهل له , وقد توفيت زوجته وابنته , ويظهر حالة معاناته , عندما كان يحاول أن يعثر على نقطة دم واحدة لانقاذهما , ولكن دون جدوى .
" - من ؟ لاأهل لي . لقد توفيت زوجتي وابنتي , لم أجد نقطة دم واحدة لإنقاذ حياتهما "
ثم يظهر الكاتب تصميم البطل على الهجرة والرحيل , ضمن حالة من فقدان الوزن , رسمت بذكاء , عندما يذكر البطل , أن ساعته معطّلة , وأنه بات يعرف الوقت من المذياع :
"- سوف ارحل وليذهب الجميع الى الجحيم .
- ..............
- أحاول معرفة الوقت من المذياع , ساعتي معطّلة ."
ثم يعيدنا الكاتب الى صوت المارشات العسكرية المنبعثة من المذياع , ثم يبين معاودة حاجة الوطن للأبطال , عندما يسمعنا بيانا من القيادة العامة للقوات المسلحة :
"- هنا القاهرة , صدر البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة , قامت مجموعة من قوات العدو بمهاجمة منطقة ( ......) في الشرق , ولقد تصدى رجالنا ومازال القتال مستمرا حتى لحظة صدور هذا البيان و ... "
ويقرع الكاتب الجرس ثانية وثالثة , بصوت المذياع , هنا القاهرة , ليركّز على رمز الخاجة للابطال واستصراخا للوطنيين :
" -هنا القاهرة .
- ............
- ............
- هنا القاهرة ."
ثم تاتي القفلة الصارخة بقوتها , وكأنها تذكرنا بالعنوان " ربطة عنق " , التي ربما هنا عنت الامانة في العنق , لنجد أن الكاتب أرانا البطل وقد نفر من هواجسه , ليلبي نداء الواجب , تاركا الحقيبة التي اعدها للسفر وجواز سفره مهملين أمام المرآة التي ربما اراد الكاتب توظيفها , لكأن البطل كان ينظر من خلالها لشخصيته الحقيقية .
" وأمام المرآة كانت هناك حقيبة وجواز سفر ملقيين في إهمال واضح . "
وأخيرا نقول إن قصة " ربطة عنق " عمل أدبي متميّز , حوى أبعادا كثيرة مختلفة , كثّفت خلال نص كياني , متعدد الجوانب , أبدع الكاتب بتصميمه وفق خارطة هندسية , جعل فيها اربعة مرتسمات , تتطرق الى كيان الأمة , وحوى كل مرتسم جيوبا داخلية , تخدم الغرض بشكل مدهش , وقد استخدم الكاتب ببراعة الحزم الحوارية الموفقة , فعندما ينتهي كادر ما , يبدأ كادر جديد , اعتمدت جرعات الشحن المتتابع , لايصال القارئ الى الولوج في الحالة , دون حاجة للتخيل والتوقف للتفكير, لاتيعاب الفكرة , ولئن أبدع الكاتب في استخدام العنوان , فهو قد أبدع في قفلة النهاية , التي تضمنت مفتاحا لفهم مداخل ومرتسمات الخريطة الهندسية للنص , وقد قدمت القصة رسالة هادفة رفيعة المستوى .
الأديب د. مصطفى عراقي
الأديب د. مصطفى عطية جمعة
الأديب ا. مأمون المغازي
الأديب ا. محمد سامي البوهي
الأديب د. محمد حسن السمان
حسام القاضي
28-06-2010, 08:29 PM
هل تمر أيام هذا الشهر بسرعة ؟
هل نوشك أن تغلق هذه الصفحة المنيرة و المتخمة دروسا و فوائدا ؟
ربما أخذنا تعطشنا للدرس الأكاديمي ، فأفنينا جل مداخلاتنا في استغلال خبرة هذا العلَم المتميز ،
و لم نترك له فرصة يأخذ فيها أنفاسه .:hat:
و لعل الأستاذ حسام يسمح لنا بالغوص في مشاعره و في بنات أفكاره ، و يجيبنا عن الأسئلة الآتية:
- من بين إنتاجك القصصي ، ما هو العمل الأقرب إلى نفسك ، و الأحب إلى قلبك ؟
و لماذا ؟
- ما هي القصة التي لم يكتبها بعد و يحلم بها الأديب حسام القاضي ؟
- ما حكاية توقيعك / أديب ...أحيانا ؟:002:
كل التقدير لك .
أولاً أشكرك فقد كنت خير معين لي على طرح أفكاري المتواضعة هنا
أما عن أقرب قصصي وأحبها لنفسي فهي "عملية جراحية" فبرغم اعتقادي بصعوبة وجود عمل مكتمل إلا أنني كثيراً ما يخامرني شعور ما بأنها ربما تحمل عناصر النجاح المطلوب.
- ما هي القصة التي لم يكتبها بعد و يحلم بها الأديب حسام القاضي ؟
أظن من الأسهل أن تقولي ماذا كتبت ؟ فالحقيقة أنني ما كتبت شيء بعد.
اما عن توقعي فقد كنت في مكان ما وكان لابد من توقيع وكان الشعراء يكتبون جزء من قصائدهم والناثرون كذلك ، واما من كانوا مثلي فرأيت بعضهم يكتب" قاص وروائي وناقد" ، ولا أعتقد أنه من الصواب ان يطلق أحد ما على نفسه لقباً بعينه ، ومن هنا جاءت "أديب..أحياناً" للتخفيف من وقع هذه الصفة ، وأيضاً لعدم التفرغ فلي مهنتي التي تشغل معظم وقتي ، وأظن الأفضل الآن أن تكون " نادراً لا أحياناً".
لك دائماً الاحترام والتقدير.
حسام القاضي
29-06-2010, 09:58 PM
ما هي مستويات الحالة الإبداعية في مجال الفن القصصي؟؟ وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟
أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟
إكتشفت الان فقط أنني لم أرد على الأسئلة كاملة كما ينبغي
فأرجو المعذرة
كنت قد تكلمت عن الشطر الأول من السؤال الأول بذكر مستويات الحالة الابداعية بشكل عام دون التعرض لتجربتي الشخصية كما هو مطلوب وربما جاء هذا السهو لأنني تكلمت عنها في معرض ردودي السابقة ،وبالطبع لم يكن هذا كافياً، ولذا فلتسمح لي أخي الكريم باستكمال ما أسلفت :
مستويات الحالة الابداعية هي المراحل المتدرجة التي تدور في العقل الباطن منذ لحظة وجود الفكرة حتى لحظة الكتابة ، وهي بالطبع تختلف من مبدع لآخر حسب اولوياته فهناك من يهتم في البداية بجمالية العبارة وهناك من يهتم بالموضوع أو الشخصية (وأنا أميل لهذا)، وكل ذلك من أجل تجسيد الفكرة النظرية في قالب النص القصصي مثلاً ، ويمكن تحديد هذه المراحل فيما يأتي :
مرحلة الاحساس بالرغبة في الكتابة (وجود مثير ما).
مرحلة تحديد الشكل الأدبي رواية أو قصة .
مرحلة الاختيار بين البدائل (الطرح).
مرحلة الولادة للإنتاج الأصيل.
مرحلة التهذيب والتنقيح والحذف والإضافة في النتاج الإبداعي.
.
في المرحلة الأولى وعندما يؤثر في شيء ما ،حدث عام أو خاص ..إلخ قد أجد له صدى على شكل فكرة ما تصلح لعمل أدبي،وهنا تأتي المرحلة الثانية وفيها يكون جنس العمل بالنسبة لي هو القصة القصيرة (أحياناً نادرة الشعر العامي)، وأنا عادة لا أتعجل الكتابة إذ يجب ان أترك الفكرة تختمر في ذهني وهي المرحلة الثالثة وفيها تتبلور الفكرة وتتضح معالمها كيفية الطرح (مباشر ..رمز..) وكذلك الزاوية التي انتقيها للتعبير عن الفكرة ،وكذلك تحديد نقطة البداية وهي من العناصر التي أوليها عناية خاصة ، وهكذا كيفية تطور الحدث ، وأكثر ما يهمني إيجاد النهاية وتحديداً أي العبارات أصلح لها ؛فانا لاأستطيع ان أبدأ في الكتابة إلا إذا كانت هذه العنصر متوفرة لدى وخاصة النهاية،ثم تأتي المرحلة الأصعب عندي وهي مرحلة الانتاج أو ولادة العمل وهي الترجمة الفعلية لكل ما سبق على الورق وبالتأكيد هي تختلف من مبدع لآخر وبالنسبة لي لا أستطيع الكتابة إلا وانا في حالة معايشة تامة لما أكتب حيث تكون الفكرة مسيطرة تماما على كل حواسي ، وهكذا يولد العمل من رحم هذه المعاناة ،ثم تاتي المرحلة الأخيرة وتكون بعدأ أن تهدأ انفعالاتي والتخلص من الشحنة الشعورية التي اكتب تحت تأثيرها ، وهذه المرحلة لها مدارس مختلفة وعن نفسي اميل إلى أن تكون هذه المرحلة مجرد رتوش بسيطة وحذرة ، فهذه المرحلة من اخطر المراحل فهي اما ترفع العمل وتجعله عملاً فنياً راقياً وإما تهبط به وتجعله مجرد صنعة محكمة فقط بعيداً عن أي ابداع.
وما هي الرؤية/الرؤى النقدية التي يعتمدها القاص حسام القاضي في تشكيل الوعي الإبداعي بهذا الفن؟؟
والحقيقة أني لا ألزم نفسي برؤية نقدية عند الكتابة فأنا أكتب أولاً ثم ياتي دور النقد؛ فالإبداع يأتي أولاً ثم يليه النقد وليس العكس.
أين جديد الأديب ولم نقرأ له منذ حين؟؟
آخر ما كتبت منذ ثلاث سنوات وكان " حقيبة متربة وجورب أبيض"
وقد بدأت أكثر من قصة بعدها ولكن لم اجد ما يقنعني ويرضيني انا أولاً حتى أنشره
وأرجو ان يوفقني الله فأكتب من جديد.
أرجو أن أكون قد وفقت هذه المرة في الرد على أسئلتكم العميقة.
مع خالص تقديري واحترامي لشخصكم الكريم.
حسام القاضي
29-06-2010, 10:08 PM
أخي الأديب / الطنطاوي الحسيني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً أشكرك لاهتمامك
والحقيقة يا اخي وكما أتذكر ان مسمى الأقصوصة أقدم كثيراً من الومضة بل ومن القصيرة جداً أيضاً
وكان يقصد به نوع من القصة يقع ما بين الرواية والقصة القصيرة من ناحية الحجم ،وعلى هذا لاتكون الومضة هي الأقصوصة ، وأعتقدني قد تكلمت عن الومضة من وجهة نظري طبعا في رد سابق ، وهو بالتأكيد جاء بعد سؤالك ،
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=42155&page=8
هي مجرد وجهة نظر متواضعة ولأهل الخبرة فيها االحكم والفصل.
أشكرك مرة أخرى
مع تقديري واحترامي
معذرة أخي الكريم
كان يجب أن أضع الرد هنا لا الرابط
وها هو
وأنا هنا أعبر عن وجهة نظري كمتذوق أولاً وأخيراً ..
وأعتقد أننا قد ذكرنا فيما سبق أن القصة القصيرة جداً لها نفس عناصر القصة القصيرة المعتادة
من حدث وصراع و ..بالاضافة إلى المزيد من التكثيف والايحاء ، وأعتقد أن الومضة وهي كما يطلق عليها البعض "قصة قصيرة جداً جداً" تمضي نحومزيد من التكثيف والاختزال حتى انها قد تستغنى عن الصراع وتكاد تقترب من الشكل الخبري في بعض الأحيان ، والبعض يسميها "كبسولة"حيث تكون مركزة شديدة الايحاء ، وقد يقتنص الكاتب فيها لقطة موجزة قد تعبر عن الكثير ،وقد يلعب الرمز فيها دور البطولة.
هذه كما قلت وجهة نظري كمتذوق وعلى المتخصصين ذوي الخبرة أن يدلوا بآرائهم هنا لنستفيد جميعاً
تقديري واحترامي
حسام القاضي
29-06-2010, 10:14 PM
الأستاذ القدير حسام القاضي
تواضعك يميزك لأنه من سمات المبدعين الحقيقين الواثقين ....
ووجهة نظرك أستاذي الكريم تنمّ عن فكر راق يتميز بالروية والتأمل والقراءة المتمعنة ....
فشكرا على إضاءاتك المفيدة التي لم يخل منها أي رد من ردودك التي تابعتها بشغف واستفدت منها كثيرا...
شخصيا أعتبر هذا اللقاء وثيقة مهمة تتضمن أجوبة شافية عن الكثير من الأسئلة التي تراود محبي كتابة القصة ...
جزيل شكري وعظيم تقديري واحترامي
الأديبة و الناقدة الكبيرة / كريمة سعيد
شهادتك الغالية هذه أعتز بها
وأعدها وساماً على صدري
كل الشكر لك
مع خالص التقدير والاحترام
نادية بوغرارة
29-06-2010, 10:19 PM
متابعة بشغف .
صفحات متميزة بحق .
حسام القاضي
29-06-2010, 11:00 PM
أعود أيها الإخوة والأخوات بينكم لمتابعة هذا اللقاء المثمر الذي تحول إلى مدرسة لفن القصة القصيرة ، محققا بذلك الفائدة المرجوة منه وزيادة ، فشكرا لضيفنا وأديبنا الأستاذ حسام القاضي وشكرا لأخي أحمد عيسى وشكرا لكم جميعا لتفاعلكم ومشاركاتكم .
أستاذ حسام القاضي ، أحب أن أسمع منك بعض التفصيل فيما يتعلق بالرمز في كتاباتك ، اختياره وتوظيفه وأهميته . ولك الشكر الجزيل
أخي وأستاذي الأديب الكبير / د . مازن لبابيدي
السلام عليكم
أولاً أشكرك لتفاعلك الدائم وشهادتك الكبيرة التي تعني لي الكثير
تواضعك أخي الكريم درس بليغ ، وهذا لا يكون إلا من أديب كبير بحجمك
أما عن الرمز فانا ألجأ له لأكثر من سبب طبعاً قد تكون المحظورات السياسية أحدها ، وقد حدث هذا في قصتي "الحطام"وكانت بعد صدور قانون يجرم المقالات السياسية المعارضة للحاكم ، ولهذا جاءت قصتي ، ولكن السبب الأهم بالنسبة لي هو أن الأجيال العظيمة السابقة من الكتاب ربما قد قالوا في اعمالهم كل ما كنا نود قوله ولهذ لم يبق لنا إلا أن نعبر بطريقة تناول مختلفة ومن هنا جاء اختياري للرمز ؛فقد كان وسيلتي للتعبير عن قضايا قديمة / جديدة .
في قصتي "عملية جراحية" كانت فكرتي عن شخص صادق بريء يعيش في عالم من الخداع ولا يستيطع التكيف معه ، وبالطبع فخسارته فادحة على جميع الأصعدة ، ولما كان الانسان البريء لايستطيع اخفاء انفعالاته فقد جعلت هذه مشكلته الرئيسة ، وبما ان انفعالات الانسان تبدو على وجهه وهو طبعا لا يستطيع اخفاءها لذا كانت الفكرة في ان يرتدي قناعاً ، ولكن جاءت المعالجة عكسية فقد جعلت نزع جلد الوجه = ارتداء قناع ، وهكذا كان لابد من جراحة ، وكانت جراحة نفسية فلسفية فمن أقنعه باجراء الجراحة لم يكن طبيباً بل كان حكيماً (وقمت باستغلال هذا اللقب القديم عندنا حكيم=طبيب) لديه الحكمة والفلسفة لعلاج مشكلات الانسان ، وهكذا جرت أحداث القصة، ولأن طباع الانسان لا احد يقدر على تغيرها سواه لذا كان عليه هو اجراء الجراحة لنفسه ، وكان الصعب في الأمر هو تحويل تلك الجراحة التخيلية إلى جراحة حقيقية يعيشها القارئ بمراحلها وبتدرج حتى يصل إلى النهاية التي يكتشف فيها الحقيقة والتي يصدم فيها بنجاح العملية لكن مع ضياع تام يواجه بطلها بعد أن فقد وجهه البريء ولم يكتسب آخرأ جديداً بل صار مسخا مشوهاًً بلا ملامح.
مضمون القصة ليس جديداً بالطبع ولكن أعتقد أن التعبير عنه باستخدام الرمز هو ما يجعل القصة جديدة وغير مستهلكة.
أرجو أن اكون قد وفقت في طرحي المتواضع هذا
لك دائماً جزيل الشكر
مع فائق التقدير والاحترام
حسام القاضي
30-06-2010, 09:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتوجه بالشكر لكل من مر هنا وشارك
في هذا اللقاء الجميل الذي لا أعتقدني أنساه أبداً
وأعترف أنه كان امتحاناً عصيباً للغاية ،واتمنى أن أكون قد تخطيته بنجاح
وأعتذر عن أي تقصير يكون قد بدر مني أو سوء .
شكراً لواحتنا الجميلة
ولعميدها الشاعر الكبير / د. سمير العمري
شكر خاص لصاحب الاقتراح ومدير اللقاء أخي الأديب / أحمد عيسى
امتناني العميق لمن تابعوا بصدق وقاموا بدعمي هنا وكانوا خير معين لي بحق
الأديبة / نادية بو غرارة
الأديب والناقد / د. مازن لبابيدي
الأديبة والناقدة / د. نجلاء طمان
الأديبة والناقدة / ربيحة الرفاعي
لكم مني جميعاً جزيل الشكر مع فائق الاحترام والتقدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نادية بوغرارة
02-07-2010, 02:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتوجه بالشكر لكل من مر هنا وشارك
في هذا اللقاء الجميل الذي لا أعتقدني أنساه أبداً
وأعترف أنه كان امتحاناً عصيباً للغاية ،واتمنى أن أكون قد تخطيته بنجاح
وأعتذر عن أي تقصير يكون قد بدر مني أو سوء .
شكراً لواحتنا الجميلة
ولعميدها الشاعر الكبير / د. سمير العمري
=========
بل نحن من سعدنا و استمتعنا و استفدنا من هذه الفوائد المنثورة على هذه الصفحات الخالدة ،
نرجو أننا لم نكن ضيوفا مزعجين على مائدتك القصصية ، و أننا لم نثقل عليك بأسئلتنا الكثيرة
التي كنا نسعى بها إلى استغلال حضورك الأستاذ ما أمكن .
و لازلنا بحاجة إلى المزيد ، الذي نترقبه من خلال مداخلاتك بالواحة عموما و بهذا القسم بشكل خاص ،
طبعا بعد أن تأخذ قسطا من الراحة و تعود إلينا بنفس جديد كله نشاط و همة .:sb:
لا حرمنا الله إطلالاتك المعلّمة .
د. نجلاء طمان
02-07-2010, 06:26 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتوجه بالشكر لكل من مر هنا وشارك
في هذا اللقاء الجميل الذي لا أعتقدني أنساه أبداً
وأعترف أنه كان امتحاناً عصيباً للغاية ،واتمنى أن أكون قد تخطيته بنجاح
وأعتذر عن أي تقصير يكون قد بدر مني أو سوء .
شكراً لواحتنا الجميلة
ولعميدها الشاعر الكبير / د. سمير العمري
شكر خاص لصاحب الاقتراح ومدير اللقاء أخي الأديب / أحمد عيسى
امتناني العميق لمن تابعوا بصدق وقاموا بدعمي هنا وكانوا خير معين لي بحق
الأديبة / نادية بو غرارة
الأديب والناقد / د. مازن لبابيدي
الأديبة والناقدة / د. نجلاء طمان
الأديبة والناقدة / ربيحة الرفاعي
لكم مني جميعاً جزيل الشكر مع فائق الاحترام والتقدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لكَ التحية والاحترام أخي الكبير بحجم فكركَ وأدبكَ المميز
شكري وتقديري
مازن لبابيدي
04-07-2010, 06:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتوجه بالشكر لكل من مر هنا وشارك
في هذا اللقاء الجميل الذي لا أعتقدني أنساه أبداً
وأعترف أنه كان امتحاناً عصيباً للغاية ،واتمنى أن أكون قد تخطيته بنجاح
وأعتذر عن أي تقصير يكون قد بدر مني أو سوء .
شكراً لواحتنا الجميلة
ولعميدها الشاعر الكبير / د. سمير العمري
شكر خاص لصاحب الاقتراح ومدير اللقاء أخي الأديب / أحمد عيسى
امتناني العميق لمن تابعوا بصدق وقاموا بدعمي هنا وكانوا خير معين لي بحق
الأديبة / نادية بو غرارة
الأديب والناقد / د. مازن لبابيدي
الأديبة والناقدة / د. نجلاء طمان
الأديبة والناقدة / ربيحة الرفاعي
لكم مني جميعاً جزيل الشكر مع فائق الاحترام والتقدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أديبنا الحبيب الأستاذ حسام القاضي
نشكر لك ما أمتعتنا وأفدتنا في هذا اللقاء الذي سيبقى في ذاكرة الواحة وأهلها كنموذج راق للحوارات المثمرة في عالم الأدب يتجاوز حدود الإمتاع والتسلية والمجاملة إلى فضاءات الفكر والثقافة والإبداع خاصة ما يتعلق منها بفن القصة القصيرة وإن كان يصلح كذلك نموذجا يحتذى في غيرها .
كنت كريما معطاءا في إجاباتك وردودك كما أنت في كتاباتك وفنك .
أنا على يقين أن كل من اطلع وتابع اللقاء سيقرأ لك ولغيرك بمنظار جديد وخبرة أكبر .
بالأصالة عني وبالنيابة عن كل أعضاء الواحة سواء منهم من شارك فاعلا أو متفاعلا أو من تابع اللقاء مستفيدا ومطلعا ، أتقدم إليك بالشكر الجزيل سائلا المولى جل وعلا أن يوفقك ويزيدك من فضله ويرفعك إلى أعلى المراتب .
ربيحة الرفاعي
05-07-2010, 12:27 AM
أديبنا الحبيب الأستاذ حسام القاضي
نشكر لك ما أمتعتنا وأفدتنا في هذا اللقاء الذي سيبقى في ذاكرة الواحة وأهلها كنموذج راق للحوارات المثمرة في عالم الأدب يتجاوز حدود الإمتاع والتسلية والمجاملة إلى فضاءات الفكر والثقافة والإبداع خاصة ما يتعلق منها بفن القصة القصيرة وإن كان يصلح كذلك نموذجا يحتذى في غيرها .
كنت كريما معطاءا في إجاباتك وردودك كما أنت في كتاباتك وفنك .
أنا على يقين أن كل من اطلع وتابع اللقاء سيقرأ لك ولغيرك بمنظار جديد وخبرة أكبر .
بالأصالة عني وبالنيابة عن كل أعضاء الواحة سواء منهم من شارك فاعلا أو متفاعلا أو من تابع اللقاء مستفيدا ومطلعا ، أتقدم إليك بالشكر الجزيل سائلا المولى جل وعلا أن يوفقك ويزيدك من فضله ويرفعك إلى أعلى المراتب .
ليس من إضافة بعد هذه الخاتمة الرائعة من أستاذنا الكبير د. مازن لبابيدي لحوار قيم ومثمر أمتد شهرا كاملا مع قاص كبير وقلم سامق في عالم القصة
أستاذي الكريم حسام القاضي
كنت ضيفا لطيف الحضور
كريم العطاء
دمت متألقا
يغلق الموضوع
حسام القاضي
08-06-2015, 07:06 PM
هل حقا مضت تلك السنوات ؟؟!!
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir