مشاهدة النسخة كاملة : وَغشينِي النُعَاس.
د. نجلاء طمان
02-06-2010, 11:26 PM
وَغشينِي النُعَاس
كلماتٌ مهتزة؛ تتراصُ على زجاجٍ يفصلُ بيننا, تُفرقها مسافاتٍ من صمتٍ يطولُ بلا سببٍ واضح..
أعقدُ مساحاتِ التعجب بين حاجبيَّ, أسأله:
- ما بالكَ الليلة على غيرِ عادتكَ؟
صمتٌ يطول.. يُوترنِي, تَختمُه كلماتٌ تظهرُ فجأة كأنما أنبتَها العدمُ..
- ....
تُسكتني الدهشةُ قليلًا.. أحارُ.., غريبةٌ الحروف, وبعيدةٌ المترادفات, متخاصمةٌ في عقلي, يندلقُ الذهولُ.
جزيئاتُ الزجاجِ تتراقصُ .. عجبًا.. لم أعرف أبدًا أن الزجاج َيُمكن أنْ يسيل.. يتقاطر, تحاورنِي الفأرةُ.. بعد صراعٍ مضني أمسكُ بها, أخُطُ بأناملٍ مخدرة كلماتٍ مذبوحة.. تُزهَقُ روحُها قبلَ أن تصل...
يُجاوبُه الصمت, يطول.. يطول.. يطول
- اسمعي ..
تضيعُ كلماتُه , وتضيعُ الحجرة , لا شئ مألوف الليلة, بقايا من ضوءٍ أحمر ترقصُ بالقربِ من زرِّ الإغلاق, تَضحكُ, تُغريني بِصفعِها, أمدُ يدًا مشلولة .. أُخرسُها.. أُغلقُ الجهازَ بالخطأ, وأُغلقُ أذنيَّ بالخطأ, وأغلق عينيَّ بالخطأ, أعصرُهما.. و.. تنفتحُ أبوابُ الجحيم.. أحاولُ الهروب, يُجهضني المقعدُ. أتشبثُ برفوفِ مكتبةٍ تتصدعُ تحتَ وطأةِ أصابعي الواهنة, يُعانقني الانهيارُ.. أنهارُ وتنفرطُ فوقي حباتٌ من كتبِ العمر, تعدو خلفَ بعضها, "البدايةُ والنهاية".. " الفاروقُ عمر".. "فقهُ السنة ".... "عُطيل" .. "زادُ الميعاد".. " صحيحُ مسلم.. "الرحيق المختوم".. و.. و ..
أضحكُ, أقهقهُ, أنتحبُ.. أحادثُ العدم... كنتَ مني!.. كنتَ دمي! كيف يذبحني دمي ؟؟؟ كيف؟ كيف؟
يتشبثُ بي الانكسارُ, أحشرجُ: يَارب..
أحاولُ الوقوفُ.. مُحال.. تتلقاني الأرضُ ثانيةً, أضربُ فوقَ عنقِ الصدمة وتضربُ مني الرعشةُ كلَّ بَنَان, أنظرُ بابَ غرفةِ النوم...
مَا أقصاه!
تحشرُني الحسرةُ في زُمرتها الخائبة, أُساقُ إلى الموتِ ناظرةً بعيني َّ نهايةَ المصير... نهاية غباءِ الثقة. تخذلُني رُكبتاي, تئنُّ.. أزحفُ بِحملي, مردفةٌ فوق ظهري أمواجٌ من ظلمي لنفسي, من فتنةٍ من خيباتِ الثقة بخائنٍ يتقولُ بِفُتاتِ صدقٍ لمْ يَكن يومًا سوى مكاءً وتصديةً لشديدِ كذِبه.. لِمَ .. لِمَ؟؟ لِمَ؟؟ أتأوهُ...
أنظرُ بابَ الغرفة, أزحفُ, قطراتٌ من مِلح الخديعة يُريكَها الذهولُ لعينيَّ قوافلَ من سنابكٍ تكتسحنِي. تُذهب رِّيحِي, وتنْكُصُ بقايا احتمالاتِي على أعقابِها, وتُشرِّد الخيانةُ بعقيمِ زحفِي. يركُمنِي الغدرُ بعضِي فوق بعضِي, يُبعثرني. أتشتتُ؛ بعضٌ فوق عُدوةٍ دُنيا من اليأس, وآخرٌ فوق عُدوةٍ قصوى من النِّزف, يتجرجرُ الجَمعان, يلتقيانِ على فِراش الهزيمة. أرتمِي في حُضن وِسادة مأهولة بالانتظار, أتقوقعُ.. أبكي.. أبكي..أبكي....................
أستجدِي من الله بصيصَ نجاة.. وبعدَ دهورٍ من العذاب أتتْني أَمنةٌ مِنه ورحمة....
وغَشينِي النُعاس.
وفاء شوكت خضر
03-06-2010, 12:15 AM
بعض حروف تكتبنا ..
وبعضها يشير بإصبع ملتو إلينا ..
فكل ما نكتب لا بد يشير إلينا حتى لو كان ما نخطه تأثر بما نراه ونسمعه لكننا أبدا لم نعشه سوى لحظة تقمص ..
لكن هنا السرد مختلف أيتها النجلاء ..
هنا بوح قاتم اللون متخثر ، يندفع متعثرا من صمام مسدود ، ليصعد لرأس أثقلها الزمن بخيبات كسرتنا على أعتاب
الخذلان والخيانة ..
الخداع تلون يجيده من يحسن التخفي خلف أقنعة الزيف التي تتبدل حسب المواقف والمصالح ..
ولا يقع في مكائدها إلا من يحسن الظن بالناس لأنه يراهم بعين ذاته ..
نصك فتح جراحات عميقة ظننتها التأمت إلا أنك حككت قشرة واهنة حبست نزفها ..
أترك صفحتك بذهول الملدوغ ..
ربما اعود هنا كي أحصد مزيدا من العبرة والعبرات ..
كنت هنا غارقة في حزنك ..
أحمد عيسى
03-06-2010, 06:21 AM
ما أروعك أخت : نجلاء !
نص راق بامتياز ، مشاعر الدهشة ، والذهول ، والصدمة الأولى ، لخيانة جاءت هذه المرة عبر فضاء السايبر ، عبر العنكبوتية ، حين تتحول المشاعر الى حروف ، فتتماهى معها ، ويصبح لكل حرف معنى ، ولكل رمز تعبيري علاقة بالحدث ، وتفسيراً لكل ما ينطق به من يحادثك ..
تلك المشاعر التي لا تختلف باختلاف التقنية ، أو المكان ، أو وسيلة البث ، مشاعر أنثى مصدومة ، تجرعت الخيانة ، فلم تقو على الكلام / النهوض / تتسبث مرتين بشيئين مختلفين ..
الأول : رفوف المكتبة - البدايات التي سبقت معرفتها بالشابكة- البدايات التي شكلت وجدانها ومعرفتها وشكلت شخصيتها .. هذه اللقطة كانت مقصودة بكل تأكيد :
"وتنفرطُ فوقي حباتٌ من كتبِ العمر, تعدو خلفَ بعضها, "البدايةُ والنهاية".. " الفاروقُ عمر".. "فقهُ السنة ".... "عُطيل" .. "زادُ الميعاد".. " صحيحُ مسلم.. "الرحيق المختوم و ...و ..."
ثم التشبث الثاني ، اللجوء الأخير ، يكون في استجداء بالواحد الأحد ، الحي الذي لا يموت ، الله
وما بين الدموع ، والذهول ، يمن الله عليها بنعمة لا يوجد أعظم منها في مثل هذا الموقف : " النوم "
"أستجدِي من الله بصيصَ نجاة.. وبعدَ دهورٍ من العذاب أتتْني أَمنةٌ مِنه ورحمة....
وغَشينِي النُعاس"
نص راق من كاتبة راقية
أحييك أختي : د.نجلاء طمان
أرشحها لقصة الشهر
على فكرة لي قصة تدور في نفس العالم العنكبوتي ، بعنوان " تماهي "
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=30240
ربيحة الرفاعي
03-06-2010, 08:48 AM
نص باذخ لعله من أجمل ما قرأت لك
اقتناص بديع للحظة وسردية رائعة
نجحت برسم دخيلة شخصية البطلة وطبيعة تفاعلها مع الحدث ببراعة جعلت مفاصل القاريء تتفاعل مع انفعالاتها
وتناص أحببته مع الآية الكريمة (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ (154) آل عمران) أضفى بعبرة مستفيضة اسقاطا منطقيا لشكل الرحمة الإلهية في لحظة الألم
كريمة سعيد
04-06-2010, 12:05 PM
أسلوب راق وتصوير بديع
د. نجلاء الطمان دمت بهذا الألق والإبداع وشكرا على هذه اللغة الراقية الرائعة
تقديري ومودتي
هشام أبو شمالة
17-06-2010, 12:10 AM
عمل راق يستحق الأشادة ..
ما أجمل الارتماء بين يدي الخالق حين تشتد قتامة الحياة ..
تحية براقة لأدبك الجميل
آمال المصري
17-06-2010, 01:27 AM
رائعة بكل ماأنتِ سيدتي
بل يعجز القلم عن الرد ويتوارى خجلا
كنت هنا لأتعلم من سموكم ورحلت غارقة في الدهشة
وسأعود حتماً مرات أخر
أرشحها لقصة الشهر
باقات الياسمين لروحك النقية .... ومحبتي
د. نجلاء طمان
25-06-2010, 01:48 AM
ما أروعك أخت : نجلاء !
نص راق بامتياز ، مشاعر الدهشة ، والذهول ، والصدمة الأولى ، لخيانة جاءت هذه المرة عبر فضاء السايبر ، عبر العنكبوتية ، حين تتحول المشاعر الى حروف ، فتتماهى معها ، ويصبح لكل حرف معنى ، ولكل رمز تعبيري علاقة بالحدث ، وتفسيراً لكل ما ينطق به من يحادثك ..
تلك المشاعر التي لا تختلف باختلاف التقنية ، أو المكان ، أو وسيلة البث ، مشاعر أنثى مصدومة ، تجرعت الخيانة ، فلم تقو على الكلام / النهوض / تتسبث مرتين بشيئين مختلفين ..
الأول : رفوف المكتبة - البدايات التي سبقت معرفتها بالشابكة- البدايات التي شكلت وجدانها ومعرفتها وشكلت شخصيتها .. هذه اللقطة كانت مقصودة بكل تأكيد :
"وتنفرطُ فوقي حباتٌ من كتبِ العمر, تعدو خلفَ بعضها, "البدايةُ والنهاية".. " الفاروقُ عمر".. "فقهُ السنة ".... "عُطيل" .. "زادُ الميعاد".. " صحيحُ مسلم.. "الرحيق المختوم و ...و ..."
ثم التشبث الثاني ، اللجوء الأخير ، يكون في استجداء بالواحد الأحد ، الحي الذي لا يموت ، الله
وما بين الدموع ، والذهول ، يمن الله عليها بنعمة لا يوجد أعظم منها في مثل هذا الموقف : " النوم "
"أستجدِي من الله بصيصَ نجاة.. وبعدَ دهورٍ من العذاب أتتْني أَمنةٌ مِنه ورحمة....
وغَشينِي النُعاس"
نص راق من كاتبة راقية
أحييك أختي : د.نجلاء طمان
أرشحها لقصة الشهر
على فكرة لي قصة تدور في نفس العالم العنكبوتي ، بعنوان " تماهي "
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=30240
أيها الأديب الكبير المتحسس طريقه عبر شعاب النقد بثقة !
قد أكرمت صاحبة العمل بكل هذا الزخم
فلكَ منها ومن عملها الفقير ما يغطي عين الشمس بغيمات الشكر
غاية ودي تقديري
آمال المصري
26-06-2010, 08:14 PM
مبارك لك سيدتي الفوز
وفي انتظار المزيد من إبداعاتك
ودي وأجمل زهوري :0014:
ابراهيم السكوري
27-06-2010, 01:52 PM
حياك الله يا د. نجلاء
فعلا نص بادخ ، جميل الأسلوب ، رائع اللغة .. فيه حزن لذيذ لا ينسجه إلا كاتب مبدع .. فهنيئا لك ..
العنوان جاء مناسبا كما رسمته نهاية النص .. و كم من هموم نعجز عن حلها فيأتي النعاس ليكفنا شرها ..
دام إبداعك متالقا
د. نجلاء طمان
02-07-2010, 06:30 PM
نص باذخ لعله من أجمل ما قرأت لك
اقتناص بديع للحظة وسردية رائعة
نجحت برسم دخيلة شخصية البطلة وطبيعة تفاعلها مع الحدث ببراعة جعلت مفاصل القاريء تتفاعل مع انفعالاتها
وتناص أحببته مع الآية الكريمة (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ (154) آل عمران) أضفى بعبرة مستفيضة اسقاطا منطقيا لشكل الرحمة الإلهية في لحظة الألم
شكرًا لكِ مروركِ الهاطل بروعتكِ!
وتظل انفعالاتنا هي المحك الرئيسي للشرر التعبيري, وهي في ذات الوقت متنفسنا !
تقديري بحجم نداكِ
شيماء عبد الله
04-07-2010, 02:09 PM
أراني في مدرسة نموذجية أنتهل منها العلم
سأكون هنا دائما بين هكذا سمّو للحرف الباذخ الجمال والعطاء
أستاذتي الرائعة
تقبلي مروري
دمت معطاء
محمد ذيب سليمان
20-07-2010, 01:19 PM
ربما تكون هذه هي المرة العاشرة التي أدخل بها الى النص
وفي كل مرة تنتابني حيرة بالغة لعجزي عن الرد بطريقة ترقى الى سمو حرفك
وانثيال عباراتك
شلال من الألق كأن نهر ينساب احيانا ويتدفق أخرى فيغمرني
أحس جمال الحرف يحاصرني , أتوقف أبتلع ريقي
من أين لي كهذه المقدرة الفذة ..
وأخيرا أحسست بأنني تأخرت كثيرا
لا مناص من الكتابة بالطريقة التي أستطيعها
أما أنت سيدتي .. فلديك من سعة الصدر ما يحتمل تقزم حرفي
شكرا لهذا الألق
د. نجلاء طمان
24-12-2011, 08:04 AM
أسلوب راق وتصوير بديع
د. نجلاء الطمان دمت بهذا الألق والإبداع وشكرا على هذه اللغة الراقية الرائعة
تقديري ومودتي
أيتها الغالية!
سعادتي لإطلالتكِ غير عادية !
تقديري وشكري
كاملة بدارنه
24-12-2011, 08:53 AM
أستجدِي من الله بصيصَ نجاة.. وبعدَ دهورٍ من العذاب أتتْني أَمنةٌ مِنه ورحمة....
وغَشينِي النُعاس.
نهاية رائعة ... وضعت حدّا لكلّ الصّراعات التي لا يريح النّفس منها سوى رحمة، وأمن ربّ العالمين، وإن جاءت بعد دهور!
تجعلني التّراكيب اللغويّة بحسن سبكها وصورها البيانيّة الجميلة أغوص بين ثنايا حروفها...
شكرا لك على هذا القصّ الجميل
وأرحّب بعودتك البهيّة بعد طول غياب لربوع الواحة التي يعزّ عليها غياب محبّيها ومبدعيها
فأهلا بك الأخت الأديبة الدّكتورة نجلاء وبإطلالتك المشرقة ...
تقديري وتحيّتي
الطنطاوي الحسيني
28-12-2011, 11:07 AM
نص يصف الآلم واليأس
و خيبة الأمل والثقة المفرطة
دنجلاء تخيلنا عناءاللحظة
دمت مبدعة
وحمدا لله على سلامتك استاذتنا
د. مختار محرم
29-12-2011, 07:18 PM
ياه يا دكتورة ..
الحمد لله أن النعاس غشيك أخيرا
فقد عشنا معك كل ما كتبته حروفك
قلقك الناتج عن الصمت
صدمتك
هروبك
خواطرك وأفكارك .. دعاءك .. وأخيرا سكينتك وغشينا النعاس
هذا هو الأدب الذي يسرق كل حواس المتلقي
دمت بهذا الألق أختي الفاضلة
أحمد عيسى
29-12-2011, 08:40 PM
كم سعدت برؤية هذا النص الراقي وأسعدني أكثر وجود أختنا الأديبة المبدعة : د. نجلاء طمان من جديد
فأهلاً بك مع تمنياتي أن تبقي بالجوار وأن تتحفينا بنصوصك الجديدة فانا لها منتظرون
كل الود وباقات الورد
كاملة بدارنه
12-09-2012, 02:56 PM
أسجّل إعجابي ثانية بقصّ راق ولغة جميلة
بوركت
تقديري وتحيّتي
ناديه محمد الجابي
14-03-2016, 08:47 PM
ممتعة كانت رحلتي هنا بين عبير حرفك وجميل حسك
لوحة إنسانية بديعة رسمت معالمها لقصة تناولتها العديد من الأقلام
ولكنك قدمتيها هنا بمقدرة عالية وحبكة درامية متقنة وقلم ماهر..
جميل حرفك بألق صوره وعمق المضمون
أسجل إعجابي العميق. :0014:
خلود محمد جمعة
16-03-2016, 10:09 AM
غشيك النعاس وسرقت من عيون قلبنا النوم
بمهارة وأتقان رصدت لحظة مواجهة مع الروح بتفاصيل عميقة سقطنا بها بجمال وألم
من أجمل ما قرأت
أسجل اعجابي
كل التقدير
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir