د.جمال مرسي
28-03-2004, 07:16 PM
ملحمة الحزن
( دمعة ملتهبة في رثاء الشهيد الشيخ أحمد ياسين )
شعر د. جمال مرسي
لو أستطيعُ صَمَتُّ يا إخواني=و كتمتُ في جوفي لظى أحزاني
و حبستُ دمعي في العيونِ مُكبَّلاً=كيَدِيَّ في قيدٍ من النيرانِ
لكنَّه قد ثار حين حبستُهُ=بين الجفونِ كثورةِ البركانِ
ما كنتُ صخريَّ المشاعرِ حينما=هجم الأسى بجيوشهِ فغزاني
و كأنَّهُ يدري بأنِّي مُوهنٌ=مِمّا دها كلَّ الورى ، و دهاني
خطبٌ ألمَّ بأُمَّتي ، فتزلزلتْ=من هولِهِ منظومةُ الأكوانِ
خطبٌ ، و كم أعيت خطوبٌ قبلهُ=هجر الكرى جرَّاءها أجفاني
خطبٌ ، و هل بعد ارتحالك شيخنا=و إمامنا (ياسينُ) خطبٌ ثانِ
***
إني نظرتُ إلى الصباحِ رأيتُهُ=مُتوشِّحاً ثوبَ الظلام الجاني
و نظرتُ مُرتقِباً إلى شمس الضُّحى=غابت ، و حلَّ مكانها ليلانِ
و إذا النجومُ بكلِّ ليلٍ صخرةٌ=شُدَّتْ إلى الأوتادِ بالأرسانِ
و رأيتُ عينَ البدرِ تذرفُ دمعها=و الغيمُ جاد بمائهِ الهتَّانِ
و الطير تأبى أن تبُثَّ غناءها=أو أنْ تجودَ بأعذبِ الألحانِ
فسألتُ:ماذا ؟ هل أنا ذات الأنا=و هل الزمان أيا رفاقُ زماني
و هل البسيطةُ لم تزل بمدارها=أم أنها كفَّتْ عن الدورانِ
و سألتُ مَنْ حولي : إصدقٌ ما نما=لمسامعي ، فأصمَّ لي آذاني ؟
باللهِ قولوا أنَّ ما أبصرتُهُ=ضربٌ من التزييفِ و البُهتانِ
بالله قولوا أن أخباراً أتتْ=عبر الأثيرِ تموجُ بالهذيانِ
باللهِ قولوا أنَّ سمعي خانني=ومن الأسى لم تُبصرِ العينانِ
أَوَ ذاكَ ( ياسينُ ) الذي أشلاؤُهُ=كشذورِ دُرٍّ بُعثِرَتْ و جُمانِ
هذي الدماءُ الطاهراتُ عرفتها=أزكى من النسرينِ و الريْحانِ
و الرأسُ مُنتصبٌ كبندٍ شامخٍ=رَكَزَتْهُ فوق الشامخاتِ يدانِ
و العينُ تنظرُ للسماءِ ، كأنّها=ترنو لمقعدها لدى الرحمنِ
و جبينُهُ الوضّاءُ نهرٌ سائبٌ=تجري بِهِ سُفُنُ الرُّؤى بأمانِ
و اللحيةُ البيضاءُ صبحٌ مُسفِرٌ=بثَّ الضيا بضّاً بكلِّ مكانِ
و القلبُ يحتضنُ (السليبَ) ، و نبضُهُ=سمِعتْهُ حين ترنَّمَ الثقلانِ
أرأيتَ غُثرَتَهُ هناك تحرَّقَتْ=شوقاً ، و قد تركتهُ منذ ثوانِ
أرأيتَ مقعدهُ الأبيَّ كمثلِهِ=ليس الأذلَّ كمقعد السلطانِ
يا كم تلازمَ و الشهيدَ أحبّةً=و اليومَ أعجبُ كيف يفترقانِ
كيف استطاع الخِلُّ تركَ خليلهِ=فرداً ، و كان المخلص المتفاني
قولوا بأنِّي واهمٌ و مضلّّلٌ=فيهِ العمى و الجهلُ يصطرعانِ
قولوا بأني مثل سائرِ أمتي= أعمى يسيرُ بموكبِ العميانِ
ما عاد يشغلنا سوى أقواتِنا=و الرقصِ عند معازفٍ و قيانِ
آمنتُ باللهِ العظيمِ حسيبِنا=ما خاب مُلتجِئٌ إلى الديّانِ
هولُ المفاجأةِ العظيمةِ راعني=و صدى الفجيعةِ داخلي أنساني
(ياسينُ) لم يكُ خالداً و مُخلَّداً=إلا بدارِ كرامةٍ و جِنانِ
ملكَ القلوبَ بعطفِهِ فثوى بها=متأنِّقاً كالزهر في البستانِ
***
يا (أحمدُ الياسين) لستَ بميِّتٍ=بل نحنُ ، لكنْ دونما أكفانِ
أنت الشهيدُ ، و إننا يا للأسى=غرقى ببحرِ مذلّةٍ و هوانِ
ما عاد فينا غيرُ صوتِ حناجرٍ=واهٍ برغمِ ضخامةِ الأبدانِ
سقط القناعُ عن الوجوهِ ، فكلُّنا=يا شيخُ نحملُ سحنةَ الإنسانِ
لكنْ إذا حدَّقتَ في قسماتِنا=عربيَّةً في ثوبِ أمريكاني
إنّا غدوْنا كالنعامةِ ، رأسُها=في الطينِ من خزيٍ و من خذلانِ
نجري وراء الغربِ نبغي منهجاً=و أمامنا المنهاجُ في القرآنِ
أخذوا الحضارةَ من معينِ كتابنا=و نروم مجداً في حِمى الرومانِ
السُنَّةُ الغرّاءُ غصنٌ وارِفٌ=و نريدُ ظِلَّ المنهجِ العَلْماني
يا للأسى يا شيخُ من ساساتنا=لاذوا بصمتِ الخانِعِ المتواني
في حِضنِ أمريكا أراهم هُجَّعاً=مستمتعين بلذةِ الأحضانِ
أسيافُهُمْ أضحت دُمَىً أثريّةً=نُقِشَتْ بإتقانٍ علىالجدرانِ
ظَمِئَتْ فما شرِبَتْ دماء عدوها=جاعت فما مُدَّتْ يدٌ بحنانِ
من ليْ بسيفِ اْبنِ الوليدِ أضُمُّهُ=و أجذُّ رأس مُخادعٍ شيطانِ
من لي بجيشِكَ يا (رشيدُ) أقودُهُ=لأَدكَّ حِصنَ مُخنَّثٍ و جبانِ
مَنْ لي برمحٍ سمهريٍّ شامخٍ =من لي بسيفٍ مُصلَتٍ و حِصانِ
سأُعلّم اْبني ، رُبَّما من صُلبِهِ =يأتي (صلاحُ) محطِّم الصُّلبانِ
سأعلمُ ابني أنْ يكونَ مُجاهِداً=بالنفسِ ، لا بمشاعرِ و لسانِ
و أقولُ يا ولدي أبوكَ و جيلُهُ=عجزوا ، فخُذْ ثاراتِ جيلٍ فانِ
***
قتلتك إسرائيلُ ، لا بل ضعفُنا=و كلاهما يا شيخنا سيّانِ
النار تحرقُ و السكوتُ كذالكم=فاعجبْ لصمتٍ حارقٍ أعياني
و اعجب لصاروخٍ يواجهُ مقعداً=يا لاختلال العدلِ و الميزانِ
شارونُ يبني جيشَهُ و عتادَهُ=و نغطُّ في نومٍ لذيذٍ هاني
هم من دمانا أبرياءُ ، و إننا=صُنّاعُ إرهابٍ بكلِّ مكانِ !
إن دُكَّ بُرجٌ، دُمِّرَتْ بغدادُنا=أو مات هِرُّ جِيئَ بالأفغاني
و إذا تعثَّرَ كلبُهُمْ في خطوِهِ=فالعُربُ و الإسلامُ مُتَّهَمانِ
لهم السلاحُ قديمُهُ و حديثُهُ=و لنا الردى أو قبضةُ السجّانِ
خسِئوا ، فإنَّ دماءنا موتٌ لهم=سيروْنَهُ يا شيخُ كلَّ أوانِ
أجسادنا متفجراتٌ أُقِّتَتْ=لتدكَّ حِصن البغي و الطغيانِ
و لسوف نأخذُ ثأرَ كلِّ مجاهِدٍ=بذلَ الدماءَ لنُصرةِ الأوطانِ
***
يا من عبرت بنا حدود خنوعنا=و أضأْتَ قِنديلاً بكلِّ جَنانِ
و زرعتَ في كلِّ القلوبِ محبَّةً=و غرستَ فيها من عظيمِ معانِ
علّمتنا أن الشهادةَ مطلبٌ=ليست تُنالُ براحةٍ و أماني
و بأنّ من رام الخلودَ مضى لهُ=مُتوثِّباً بعزيمةِ الشجعانِ
صليتَ فجركَ ثُمَّ جاوزت المدى=نحو الخلودِ و جنة الرضوانِ
فانعم بصحبةِ أحمدٍ خيرِ الورى=واحصد جزاء البرِّ و الإحسانِ
إن كنت قد فارقتنا في لحظةٍ = فلعلَّ فيها نقطة الغليانِ
و دمتم
( دمعة ملتهبة في رثاء الشهيد الشيخ أحمد ياسين )
شعر د. جمال مرسي
لو أستطيعُ صَمَتُّ يا إخواني=و كتمتُ في جوفي لظى أحزاني
و حبستُ دمعي في العيونِ مُكبَّلاً=كيَدِيَّ في قيدٍ من النيرانِ
لكنَّه قد ثار حين حبستُهُ=بين الجفونِ كثورةِ البركانِ
ما كنتُ صخريَّ المشاعرِ حينما=هجم الأسى بجيوشهِ فغزاني
و كأنَّهُ يدري بأنِّي مُوهنٌ=مِمّا دها كلَّ الورى ، و دهاني
خطبٌ ألمَّ بأُمَّتي ، فتزلزلتْ=من هولِهِ منظومةُ الأكوانِ
خطبٌ ، و كم أعيت خطوبٌ قبلهُ=هجر الكرى جرَّاءها أجفاني
خطبٌ ، و هل بعد ارتحالك شيخنا=و إمامنا (ياسينُ) خطبٌ ثانِ
***
إني نظرتُ إلى الصباحِ رأيتُهُ=مُتوشِّحاً ثوبَ الظلام الجاني
و نظرتُ مُرتقِباً إلى شمس الضُّحى=غابت ، و حلَّ مكانها ليلانِ
و إذا النجومُ بكلِّ ليلٍ صخرةٌ=شُدَّتْ إلى الأوتادِ بالأرسانِ
و رأيتُ عينَ البدرِ تذرفُ دمعها=و الغيمُ جاد بمائهِ الهتَّانِ
و الطير تأبى أن تبُثَّ غناءها=أو أنْ تجودَ بأعذبِ الألحانِ
فسألتُ:ماذا ؟ هل أنا ذات الأنا=و هل الزمان أيا رفاقُ زماني
و هل البسيطةُ لم تزل بمدارها=أم أنها كفَّتْ عن الدورانِ
و سألتُ مَنْ حولي : إصدقٌ ما نما=لمسامعي ، فأصمَّ لي آذاني ؟
باللهِ قولوا أنَّ ما أبصرتُهُ=ضربٌ من التزييفِ و البُهتانِ
بالله قولوا أن أخباراً أتتْ=عبر الأثيرِ تموجُ بالهذيانِ
باللهِ قولوا أنَّ سمعي خانني=ومن الأسى لم تُبصرِ العينانِ
أَوَ ذاكَ ( ياسينُ ) الذي أشلاؤُهُ=كشذورِ دُرٍّ بُعثِرَتْ و جُمانِ
هذي الدماءُ الطاهراتُ عرفتها=أزكى من النسرينِ و الريْحانِ
و الرأسُ مُنتصبٌ كبندٍ شامخٍ=رَكَزَتْهُ فوق الشامخاتِ يدانِ
و العينُ تنظرُ للسماءِ ، كأنّها=ترنو لمقعدها لدى الرحمنِ
و جبينُهُ الوضّاءُ نهرٌ سائبٌ=تجري بِهِ سُفُنُ الرُّؤى بأمانِ
و اللحيةُ البيضاءُ صبحٌ مُسفِرٌ=بثَّ الضيا بضّاً بكلِّ مكانِ
و القلبُ يحتضنُ (السليبَ) ، و نبضُهُ=سمِعتْهُ حين ترنَّمَ الثقلانِ
أرأيتَ غُثرَتَهُ هناك تحرَّقَتْ=شوقاً ، و قد تركتهُ منذ ثوانِ
أرأيتَ مقعدهُ الأبيَّ كمثلِهِ=ليس الأذلَّ كمقعد السلطانِ
يا كم تلازمَ و الشهيدَ أحبّةً=و اليومَ أعجبُ كيف يفترقانِ
كيف استطاع الخِلُّ تركَ خليلهِ=فرداً ، و كان المخلص المتفاني
قولوا بأنِّي واهمٌ و مضلّّلٌ=فيهِ العمى و الجهلُ يصطرعانِ
قولوا بأني مثل سائرِ أمتي= أعمى يسيرُ بموكبِ العميانِ
ما عاد يشغلنا سوى أقواتِنا=و الرقصِ عند معازفٍ و قيانِ
آمنتُ باللهِ العظيمِ حسيبِنا=ما خاب مُلتجِئٌ إلى الديّانِ
هولُ المفاجأةِ العظيمةِ راعني=و صدى الفجيعةِ داخلي أنساني
(ياسينُ) لم يكُ خالداً و مُخلَّداً=إلا بدارِ كرامةٍ و جِنانِ
ملكَ القلوبَ بعطفِهِ فثوى بها=متأنِّقاً كالزهر في البستانِ
***
يا (أحمدُ الياسين) لستَ بميِّتٍ=بل نحنُ ، لكنْ دونما أكفانِ
أنت الشهيدُ ، و إننا يا للأسى=غرقى ببحرِ مذلّةٍ و هوانِ
ما عاد فينا غيرُ صوتِ حناجرٍ=واهٍ برغمِ ضخامةِ الأبدانِ
سقط القناعُ عن الوجوهِ ، فكلُّنا=يا شيخُ نحملُ سحنةَ الإنسانِ
لكنْ إذا حدَّقتَ في قسماتِنا=عربيَّةً في ثوبِ أمريكاني
إنّا غدوْنا كالنعامةِ ، رأسُها=في الطينِ من خزيٍ و من خذلانِ
نجري وراء الغربِ نبغي منهجاً=و أمامنا المنهاجُ في القرآنِ
أخذوا الحضارةَ من معينِ كتابنا=و نروم مجداً في حِمى الرومانِ
السُنَّةُ الغرّاءُ غصنٌ وارِفٌ=و نريدُ ظِلَّ المنهجِ العَلْماني
يا للأسى يا شيخُ من ساساتنا=لاذوا بصمتِ الخانِعِ المتواني
في حِضنِ أمريكا أراهم هُجَّعاً=مستمتعين بلذةِ الأحضانِ
أسيافُهُمْ أضحت دُمَىً أثريّةً=نُقِشَتْ بإتقانٍ علىالجدرانِ
ظَمِئَتْ فما شرِبَتْ دماء عدوها=جاعت فما مُدَّتْ يدٌ بحنانِ
من ليْ بسيفِ اْبنِ الوليدِ أضُمُّهُ=و أجذُّ رأس مُخادعٍ شيطانِ
من لي بجيشِكَ يا (رشيدُ) أقودُهُ=لأَدكَّ حِصنَ مُخنَّثٍ و جبانِ
مَنْ لي برمحٍ سمهريٍّ شامخٍ =من لي بسيفٍ مُصلَتٍ و حِصانِ
سأُعلّم اْبني ، رُبَّما من صُلبِهِ =يأتي (صلاحُ) محطِّم الصُّلبانِ
سأعلمُ ابني أنْ يكونَ مُجاهِداً=بالنفسِ ، لا بمشاعرِ و لسانِ
و أقولُ يا ولدي أبوكَ و جيلُهُ=عجزوا ، فخُذْ ثاراتِ جيلٍ فانِ
***
قتلتك إسرائيلُ ، لا بل ضعفُنا=و كلاهما يا شيخنا سيّانِ
النار تحرقُ و السكوتُ كذالكم=فاعجبْ لصمتٍ حارقٍ أعياني
و اعجب لصاروخٍ يواجهُ مقعداً=يا لاختلال العدلِ و الميزانِ
شارونُ يبني جيشَهُ و عتادَهُ=و نغطُّ في نومٍ لذيذٍ هاني
هم من دمانا أبرياءُ ، و إننا=صُنّاعُ إرهابٍ بكلِّ مكانِ !
إن دُكَّ بُرجٌ، دُمِّرَتْ بغدادُنا=أو مات هِرُّ جِيئَ بالأفغاني
و إذا تعثَّرَ كلبُهُمْ في خطوِهِ=فالعُربُ و الإسلامُ مُتَّهَمانِ
لهم السلاحُ قديمُهُ و حديثُهُ=و لنا الردى أو قبضةُ السجّانِ
خسِئوا ، فإنَّ دماءنا موتٌ لهم=سيروْنَهُ يا شيخُ كلَّ أوانِ
أجسادنا متفجراتٌ أُقِّتَتْ=لتدكَّ حِصن البغي و الطغيانِ
و لسوف نأخذُ ثأرَ كلِّ مجاهِدٍ=بذلَ الدماءَ لنُصرةِ الأوطانِ
***
يا من عبرت بنا حدود خنوعنا=و أضأْتَ قِنديلاً بكلِّ جَنانِ
و زرعتَ في كلِّ القلوبِ محبَّةً=و غرستَ فيها من عظيمِ معانِ
علّمتنا أن الشهادةَ مطلبٌ=ليست تُنالُ براحةٍ و أماني
و بأنّ من رام الخلودَ مضى لهُ=مُتوثِّباً بعزيمةِ الشجعانِ
صليتَ فجركَ ثُمَّ جاوزت المدى=نحو الخلودِ و جنة الرضوانِ
فانعم بصحبةِ أحمدٍ خيرِ الورى=واحصد جزاء البرِّ و الإحسانِ
إن كنت قد فارقتنا في لحظةٍ = فلعلَّ فيها نقطة الغليانِ
و دمتم