تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (وادكر) (مدكر) (غداءنا)



سعيد بنعياد
11-06-2010, 05:45 PM
(وَادَّكَرَ) (مُدَّكِرٍ) (غَدَاءَنَا)




بسم الله الرحمن الرحيم



والصلاة والسلام على أشرف المرسلين


يقول أفقر العبيد إلى مولاه ، سعيد بنعياد ، لطف الله به :


-1-


كثير من أبناء عصرنا يخطئون في قراءة هاتين الآيتين الكريمتين :
* قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : 45] .
* وقوله سبحانه : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : 15 ، 17 ، 22 ، 32 ، 40 ، 51] .

فهم يتوهمون أن (وادَّكَرَ) و(مُدَّكِر) تُلفظان بذال مُعْجَمة (منقوطة) ، هكذا : (وَاذَّكَرَ) و(مُذَّكِر) ، لا بدال مُهْمَلة (غير منقوطة) .

وقد يتفلسف بعضُهم – وما أكثر المتفلسفين في عصرنا ! – فيدّعي أن النقطة سقطت منهما سهوا عند طباعة المصحف الشريف .

وإنما يتوهمون ذلك ، قياسا لهما على الفعل الأصلي (ذَكَرَ) وأكثر مشتقّاته الأخرى ، ولا سيّما على صيغة (يَذَّكَّرُ) [بتشديد الذال والكاف] الواردة في القرآن الكريم .


-2-


وصحيح أن الأصل في (ذَكَرَ) ومشتقاته الذالُ المُعْجَمة ؛ نحو : (ذاكَرَ) و(ذَكَّرَ) و(تَذَكَّرَ) و(ذِكْر) و(ذِكرى) و(تذكير) و(ذاكِر) و(مُذَكِّر) وما شابه ذلك .

ومن أمثلة ذلك :
* قوله تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة : 200] .
* وقوله : (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) [الأحزاب : 35] .
* وقوله : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [الغاشية : 21] .


-3-


وتتأكد الإشارة هنا إلى (يَذَّكَّرُ) الواردة في القرآن الكريم ، كما في هاتين الآيتين الكريمتين :
* في قوله تعالى : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) [الأعلى : 10] .
* وقوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [الأنعام : 126] .

فالأصل هنا (يَتَذَكَّرُ) ، على وزن (يَتَفَعَّلُ) ، ثُمَّ سُكِّنت التاء ، وأُدغمت في الذال التي هي فاءُ الفعل ، فصارا في النطق ذالا مشددة : (يَذَّكَّرُ) ؛ إذِ الإدغامُ هو (النطق بحرفين كالثاني مُشدَّدا) ، و(الثاني) هنا هو (الذال المُعْجَمة) .

وإدغام (التاء) في (فاء الفعل) ، في صيغتَيْ (تَفَعَّلَ) و(تَفاعَلَ) ، وكذا فيما تصرّف منها من الأفعال والأسماء ، يجوز إذا كانت (عيْنُ الفعل) أحد الحروف الاثني عشر الآتية ، لقُرب مخارجها من مخرج التاء : ت – ث – ج – د – ذ – ز – س – ش – ص – ض – ط – ظ .

ونكتفي هنا بمثالين :
* قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : 6] ؛ أصلُها : (تَطَهَّروا) ، مِن (تَطَهَّرَ) .
* وقوله : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) [البقرة : 72] ؛ أصلها : (تَدَارَأْتُمْ) ، مِن (تَدَارَأَ) ، ومعناها : تخاصمتم وتدافعتم .


-4-


أما (ادَّكَرَ) و(مُدَّكِر) ، فوزنُهما : (افْتَعَلَ) و(مُفْتَعِل) ، من (ذَكَرَ) . فكان الأصل فيهما : (اذْتَكَرَ) و(مُذْتَكِر) ، بالذال المعجمة .

لكن ثمة قاعدة تقول :

إذا كانت فاء (افْتَعَلَ) دالاً أو ذالاً أو زايا ، كما في (ادْتَعَى) و(اذْتَكَرَ) و(ازْتانَ) ، مِنْ (دَعَا) و(ذَكَرَ) و(زانَ) ، تُُبْدَلُ التاءُ دالا : (ادْدَعَى) و(اذْدَكَرَ) و(ازْدانَ) ، ثم يُنظر إلى ما قبلها :

* فإن كان دالا ، وجب الإدغام ؛ هكذا : (ادَّعَى) .

* وإن كان ذالا ، ففيه ثلاث لُغات :
- أرجحُها : الإدغام ؛ هكذا : (ادَّكَرَ) ، بالدال المهملة .
- وثانيها : قلب الدال ذالا ، ثم الإدغام ؛ هكذا : (اذَّكَرَ) ، بالذال المعجمة .
- وأضعفُها : الإظهار ؛ هكذا : (اذْدَكَرَ) . ومنعه سيبويه .

* وإن كان زايا ، ففيه لغتان :
- أرجحُهما : الإظهار ؛ هكذا : (ازْدانَ) .
- وثانيهما : قلب الدال زايا ، ثم الإدغام ؛ هكذا : (ازَّانَ) .

ويقاس على هذه الصيغ : ما تصرّف منها من الأفعال والأسماء .


-5-


والخلاصة : أن (ادَّكَرَ) و(مُدَّكِر) ، في قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) وقوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ، تُلفظان – في جميع القراءات الصحيحة المعتمدة – بدال مُهْمَلة (غير منقوطة) ، لا بذال مُعْجَمة (منقوطة) .


-6-


وهذا يُذكِّرنا - والشيء بالشيء يُذْكَر - بكلمة (غَدَاءَنَا) ، في قوله تعالى : (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لَفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا) [الكهف : 62] ؛ إذ يتوهّم كثير من أبناء عصرنا أنها بالذال المُعْجَمة ؛ ظنا منهم أنها مشتقّة من (التَّغْذِيَة) .

والحق أن المقصود بـ(الغَدَاءَ) هنا : الطعام الذي يُتَناوَلُ وقت الغَدَاةِ (أول النهار) .

فكلمةُ (غَدَاءَنَا) هنا تُلفظ– في جميع القراءات الصحيحة المعتمدة – بدال مُهْمَلة (غير منقوطة) ، لا بذال مُعْجَمة (منقوطة) .


وصلى الله على سيدنا محمد



وعلى آله وصحبه وسلَّم .

سعيد بنعياد
12-06-2010, 11:09 PM
إضافة :


في منتدى أدبي آخر ، نبهني الأستاذ الفاضل عبد اللطيف الدلقان مشكورا ، إلى موضع مماثل يكثر الخطأ فيه :

فـ (نَفِدَ الشيءُ ، يَنْفَدُ ، نَفْدًا ونَفادًا) ، بمعنى : فَنِيَ وذهَب ، تُكتب بالدال المهملة .

جاء في القرآن الكريم :
* (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ ، وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ) [النحل : 96] .
* (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف : 109] .
* (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان : 17] .
* (إِنَّ هََذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) [ص : 54] .

أمّا (نَفَذَ ، يَنْفُذُ ، نَفَاذًا ونُفُوذًا) ، بمعنى : جازَ الشيءَ وخلص منه ، فتُكتب بالذال المعجمة .

قال تعالى : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ) [الرحمن : 33] .

دمتم بكل الخير .

ربيحة الرفاعي
10-09-2011, 12:36 AM
درس قيم وتقويم هام لفهمنا لما نقرأ
ومعلومات هامة نشكرها لك ونسأل الله ان يجزيك عن رفدنا بها خيرا

دمت بألق

نادية بوغرارة
26-03-2012, 08:03 PM
ما أجمل ما طرحت لنا من خير !!

نفعنا الله بك .

ألف شكر لك .