تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حالة حب



عبد الله راتب نفاخ
13-06-2010, 07:59 PM
كانت لحظة غريبة،لحظة فارقت فيها نفسي ، وأحسست كأنما خرج من صدري قبس نور فأتبعته بصري فإذا هو بالسماء،ونظرت فيَ فما رأيت إلا شبح إنسان هزيلاً أضحى لا يعينه شيء ولا يحنو عليه.
كانت تلك الأشعة النورية التي يسمونها الحب قد سكنتني، وآهٍ من الحب ..كلمة لا أصغر منها بناء،ولا أكبر منها معنى ،تصغر إن شئنا حتى تغدو أدق من سم الخياط،وتكبر إن شئنا حتى تسع الوجود بما فيه،وتتصل بما هو فوقه وأعلى منه، باللامحدود الذي يتجاوز كل محدود.
كانت لا بالقصيرة ولا بالطويلة و إن كان بها ميل إلى الطول ، شعرها منسدل على كتفيها أملس كستنائي اللون،ويبلغ من طوله وجماله أن يجلل ظهرها كله،وفي عينيها وثغرها شيء وضاء لم ألمس مثله عند أحد بعدها ولا قبلها ، ولم يدر بيننا إلا بضع كلمات لحاجة بعينها ، لكنها كانت عندي بكلم اللغة أجمعه ، وبكل ما سوِِِد في صحائف العرب و العجم.
وكان لها وقع سحر غريب،جعل لا يفارقني في ليل ولا نهار، وكلما دعتني نفسي للمرور بجانب مكان عملها خشيت أن تحس ما انطوى عليه صدري فيكون ما لا أرغب فيه ‘ إذ لم أزل حينها صغيراً في العمر، وهي تكبرني بسنوات علمت عدتها فيما بعد ثلاثاً.
علقت منها الحب سنتين بتمامهما لا أملك لنفسي منه فكاكاً، وإن كانت رؤيتي لها لماماً، ولم أك أسعى حثيثاً لذلك لأن غايتي من حبها ما كانت تعدو تحليقاً في أجواء علية لا يتحصل إلا بمثل هذه التجربة ، لكنها غلبتني على أمري فتعديت بها ما كنت أحسب ، وعرفت عذاباً حقاً‘،لكنه بصدق عذاب فيه من اللذة ما يفوق المتعة نفسها ، غدا بمرور الأيام غذاء لروحي لا حياة لها إلا به .
وكانت الكلمات القليلة التي تجود بها علي للمعرفة البسيطة المعقودة بيننا تنزل مني منزل قطرات الماء من العطش التائه في الصحراء ، فإذا مرت بي الحياة صعبة قاسية لا يلين لي عصيها إلا أن أنظر نظرة في السماء يلوح لي بها وجهها باسماً، فيهون علي كل صعب ، بل يغدو أشهى من شهد العسل.
والغريب في كل ذلك أنها ما كانت تحس شيئاً مما يعتلج في صدري، وتجيش به أعماقي، بيد أني لم أتصور أنها منشغلة بأمر تبيته مع شاب آخر يبدو أنهما تعاهدا عليه ،وأنا وإن لم يتعدَ ما رجوته من هواها هواها فحسب، لا أن يكون بيننا رباط ولا أن أذوق حلاوة لثمها وضمها ، كان كل ما أرجوه باباً إلى السماء أرقى به من فضاء عينيها ونسيماً عليلاً أشمه من قبلها ، فإنني لست أدري لم أحسست أن أبواب الدنيا أقفلت كلها ،وأنني بت في سرداب مظلم لا أتحسس فيه موضع قدميَ حين بلغني أنها خطبت لذلك الشاب الذي عهدته، قد كنت أعلم تمام العلم أنني لن أصل إليها و أن غيري سيحظى بها ، لكنني لا أدري لم انطفأ النور الذي كنت أسير مهتدياً به، ولم أحسست برهة أن عينيَ قرتا في محجريهما فما عدت أتبين شيئا ًمن حولي كأني عميت.
صحيح أنني ما أملت الارتباط بها ، لكنَ نور عينيها كان يعينني حين تظلم عليَ دنيا الناس ، وصحيح أنني لم أك أرجو شيئاً يتم في حبي لها، لكنَ وجهها الذي كان يلوح لي بين لحظة و أخرى كان عندي ناصراً على الخطوب، وواعداً لي بأمل جديد.
لكنني في لحظة فقدت ذلك كلهً، وبات تذكر وجهها خيانة لمن أصبحت حليلته، وبات الحلم بعينيها وثغرها الباسم جريمة لا تغتفر.
أرتج الباب ، وأظلم الطريق،وانطفأت الجذوة ،ورأيت نفسي تائهاً وغص ريقي بي، ونالني عذاب آخر غير الذي كنت ألتذ به ،عذاب الضياع المطلق والإحساس بموت دون الموت، وذبح دون الذبح،وهلاك دون الهلاك.
وما أدري أي رحمة تنزلت علي حتى قدرت من بعد أن أتلمس نوراً جديداً، وألمح فضاء آخر لنفسي و أدرك أن غياب طيفها عني وإن عذبني وجعلني أخال أن حياتي قد وصلت آخر المطاف، فإنه لم يلبث أن أراني من بين ركام و ضباب الأحزان بصيص نور صغيراً ، لم يكن سوى القلم الذي أمسكته بين أصبعي ، وبدأت أخط به كلمات صارت جملاً ثم صارت نصوصاً، أخرج بها تباريح صدري و آلام ذاتي، ويوماً بعد يوم غابت صورتها والآلام معاً ، وبقي القلم والأوراق ، وانفتح لي فضاء لا يزول ولا يمحي بغياب صاحبه، وبت كلما ذكرتها لا أغص من جديد ، بل ترتسم على وجهي ابتسامة عريضة، وأهديها كلمة شكر لا تصلها أقول فيها : شكراً لما هديتني إليه وجعلتني أكشفه مستكناً في أعماقي، وإن حصل كل هذا وأنت لا تعلمين، بل صاحب هذا الكلام لا تذكرين.

ثائر الحيالي
14-06-2010, 09:48 AM
الأستاذ عبد الله راتب نفاخ

مرحبا ً بحضورك وبيراعك الجميل في واحة الخير

نص جميل ..يحمل من القيم الرفيعة الشيء الكثير

سلمت ..وسلم مدادك

محبتي..واحترامي

عبدالله المحمدي
14-06-2010, 10:11 AM
ونسكب ذاتنا على اوراقنا ، نضمنها اوجاعنا ونستشف مايغسل الالام في صدورنا ....

وتصبح الورقه مثخنة بما يجثم على صدرها .....

تحياتي لك اخي عبدالله

عبد الله راتب نفاخ
14-06-2010, 10:35 AM
الأستاذ الكريم ثائر الحيالي ......
حياك الله ..... و ألف شكر لمرورك بنصي المتواضع الذي شرفني كثيراً .....
و لكلامك الجميل العذب

عبد الله راتب نفاخ
14-06-2010, 10:37 AM
شكراً لمرورك العطر و كلماتك العذبة أخي عبد الله المحمدي ....
حياك الله و سلمك

آمال المصري
14-06-2010, 11:53 AM
جميل أن يترجم القلم أحاسيسنا الصادقة
ويلملم أشلاء ذكرياتنا على وريقات السنين
ونشدو بها لحنا شجياً وإن عكرها الفقد
مرحبا بك أستاذ / عبد الله في الواحة
وفي انتظار جديدك
تقديري

عبد الله راتب نفاخ
14-06-2010, 04:06 PM
حياك الله و سلمك .....
و ألف شكر لمرورك العطر بنصي و كلماتك المبهجة ....
الجديد قادم بإذن الله سريعاً

د. سمير العمري
09-07-2010, 06:50 PM
هذه أول مرة أقرأ لك فيها نصا أخي الأديب عبدالله لأجد أن لك أسلوبا مبهرا وأنني وبلا ذرة مجاملة اقول بأنك على أبواب انطلاقة إبداعية مميزة جدا في عالم النثر بأسلوب مميز وأداء جميل ، ولعلني أنتزر فقط بعض صقل للغة وتوظيف للمفردة ورسم للصورة وبعض تمتين بسيط للتركيب لتكون أحد أعلام النثر في هذا العصر.

سعدت بهذه الملكة المميزة هنا ، واعدك بالمتابعة الدائمة لحرفك حتى أراه محلقا نفتخر به.


دمت مميزا!



تحياتي

عبد الله راتب نفاخ
09-07-2010, 07:32 PM
سيدي و أستاذي الفاضل الكريم الكبير ......
لعل اليوم كان الأسعد في حياتي و قد نالني مدح لا يقدر بثمن من قدير مثلكم .......
أستاذي ......
كلماتكم أثلجت صدري المكلوم ..... و أشعرتني بالاعتراف و التقدير الجميل من الكبار الذين يعرفون حقيقة الأدب و قيمته و غايته .....
رعاكم الله و حفظكم و سلمكم شعلة خير في ديجور حياتنا الثقافية المظلم .........
حياكم الله ..... حياكم الله ...... حياكم الله
:001: :001: :001:
:0014: :0014: :0014:

شيماء عبد الله
09-07-2010, 07:44 PM
نص معبر لم أنتبه له من قبل..

فأنا من متابعين نصوصك الجميلة المتألقة في سماء الحرف

رغم مرارة الفقدان لابد أن تجمل النفس بالصبر مع كل بارقة أمل

ممكن أن تبصر النور وإن كان لغير ماتوقعت!!

خاطرة رائعة تشد من العزيمة للمضيّ للأمام..

و إجتيازالمحن لإدراك محطة اخرى ربما افضل بكثير..


سلم الابداع

كن بخير

عبد الله راتب نفاخ
09-07-2010, 07:50 PM
ألف شكر لك لمرورك الدائم بكلماتي المتواضعة ........
كلماتك في التعليق على النص نصائح دقيقة رائعة ، و وصف راق يدل على أخلاقك العالية و ذوقك الرفيع ......
بوركت و سلمك الله .....
دمت بألف خير
على فكرة : كان هذا النص الأول لي في الواحة ..... لذا أظنك لم تنتبهي إليه

أماني عواد
09-07-2010, 10:44 PM
السيد عبد الله راتب نفاخ

هناك حاجة خفية قد لا نعرف موطن ولادتها بداخلنا فبالتاكيد لا توجد بخارطة القلب ولا بخارطة العقل فينا ؟
اعتقدها بصيص ولادة الحب داخل الروح ويحتل ضوءها كامل الجسد.... شيئ فينا يلامس كلنا دون حيز يذكر, فترانا تارة جمرا دون لهب , وتارة اخرى زيتا دون حطب , وكل الذي نرجوه قديسا يعبر فضاءات اللامحسوس نحو مساحة المحسوس ليس الا .
باعتقادي تلك مرحلة من مراحل نمو حبنا للنوع الاخر وما ان يتطور فينا حتى تهدأ عاصفة تلك المرحلة وتبدأ زوبعة المرحلة التالية حتى ينضج فينا

رائعة جدا أعادتني لاحداث رواية بين القصرين اذ صور لنا الكاتب فيها ذلك الحب اروع تصوير

سلمت يداك

عبد الله راتب نفاخ
10-07-2010, 02:12 PM
أستاذة أماني ......
كلماتك محاولة لاكتشاف ألق المشاعر على ضوء من العقل و النفس ........
تنم عن معرفة بحقائق النفس و خفاياها و تجارب على الغوص فيها .........
ألف شكر لمرورك و وصفك الرائع لهذا النص .......
دمت بألف خير

ربيحة الرفاعي
10-07-2010, 03:12 PM
نص بديع ولغة أنيقة المفردة جميلة العبارة، في لوحة منثورة الحروف بجمالية لا يستطيعها إلا من امتلك زمام حرفه وأجاد سكب حسه في ساحر نصه

دمت متألقا

محمد ذيب سليمان
10-07-2010, 03:24 PM
ويوماً بعد يوم غابت صورتها والآلام معاً ، وبقي القلم والأوراق ، وانفتح لي فضاء لا يزول ولا يمحي بغياب صاحبه، وبت كلما ذكرتها لا أغص من جديد ، بل ترتسم على وجهي ابتسامة عريضة، وأهديها كلمة شكر لا تصلها أقول فيها : شكراً لما هديتني إليه وجعلتني أكشفه مستكناً في أعماقي، وإن حصل كل هذا وأنت لا تعلمين، بل صاحب هذا الكلام لا تذكرين.

أيها الجميل كان مروري على نصك ميسورا بطيئا قرأته بروية وأنا أقول سبحان الله وهل كل الأدباء بداياتهم متشابهة ؟
يكاد نفس الدث تكرر معي أيام المراهقة وأنا أعلم أن لا لقاء ولكن ذلك أنتج داخلي شاعرا لا يزال يقرض الشعر ويرسل شكره الى تلك الأيام
بوحك صادق وشفاف جميل
شكرا لك... أثرت شجونا

عبد الله راتب نفاخ
11-07-2010, 08:41 AM
نص بديع ولغة أنيقة المفردة جميلة العبارة، في لوحة منثورة الحروف بجمالية لا يستطيعها إلا من امتلك زمام حرفه وأجاد سكب حسه في ساحر نصه

دمت متألقا


بارك الله بك و أكرمك أستاذتي ......
كلماتك و قراءتك هي الإبداع عينه ......
أشكر مرورك الغالي .... و كلماتك العطرة ....
دمت بألف خير

عبد الله راتب نفاخ
11-07-2010, 08:44 AM
ويوماً بعد يوم غابت صورتها والآلام معاً ، وبقي القلم والأوراق ، وانفتح لي فضاء لا يزول ولا يمحي بغياب صاحبه، وبت كلما ذكرتها لا أغص من جديد ، بل ترتسم على وجهي ابتسامة عريضة، وأهديها كلمة شكر لا تصلها أقول فيها : شكراً لما هديتني إليه وجعلتني أكشفه مستكناً في أعماقي، وإن حصل كل هذا وأنت لا تعلمين، بل صاحب هذا الكلام لا تذكرين.

أيها الجميل كان مروري على نصك ميسورا بطيئا قرأته بروية وأنا أقول سبحان الله وهل كل الأدباء بداياتهم متشابهة ؟
يكاد نفس الدث تكرر معي أيام المراهقة وأنا أعلم أن لا لقاء ولكن ذلك أنتج داخلي شاعرا لا يزال يقرض الشعر ويرسل شكره الى تلك الأيام
بوحك صادق وشفاف جميل
شكرا لك... أثرت شجونا


لكم يشرفني أن أشابه رجلاً كبيراً مثلكم أستاذي .......
أسعدني مروركم الرائع كثيراً ......
كلماتكم تبث الأمل في شطآن الروح العطشى .....
سلمكم الله و بارك بكم

كاملة بدارنه
11-07-2010, 09:52 AM
من المعاناة يولد الشّعر فتبقى الولادة بعد زوال المعاناة ، ويبقى رحم الإبداع الذي تتمخّض عنه الولادات
بوح جميل وعبرة أجمل
دمت موفقا
تحيّاتي